حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الأحد، 20 نوفمبر 2022

التعصب المذهبي في التاريخ الاسلامي خلال العصر الإسلامي- مظاهره، آثاره، أسبابه، علاجه للدكتور خاد كبير علال 

 

 

 

 

 

التعصب المذهبي في التاريخ الاسلامي  

-خلال العصر الإسلامي-

مظاهره، آثاره، أسبابه، علاجه للدكتور خاد كبير علال 

- حاصل على دكتوراه دولة في التاريخ الإسلامي من جامعة الجزائر- دار المحتسب –/1429/ 2008 . 

الإهداء 

إلى أهل العلم

المتعصبين وغير المتعصبين، والمذهبيين واللامذهبيين،

الذين أخلصوا لله تعالى نياتهم، طلبا للحق وطاعة له سبحانه،

إلي هؤلاء جميعا أهدي هذا الكتاب 

بسم الله الرحمن الرحيم 

المقدمة 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وبعد: خصصتُ كتابي هذا لدراسة ظاهرة التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي، بمشرقه ومغربه  طيلة العصر الإسلامي، فتناولتها –أي ظاهرة التعصب- من حيث مظاهرها الاجتماعية، والعلمية، والسياسية، ثم أفردتُ لها فصلا للبحث عن آثارها وأسبابها والحلول المقترحة لعلاجها.

وربما يرى بعض الناس أنه لا توجد كبير فائدة من تناول هذا الموضوع بالبحث والتأليف، بدعوى أنه عمل يُحي أحقاد الماضي التي نحن في غنى عنها، وصاحب هذا الرأي إما أنه قال ذلك بحسن نية، وإما أنه قاله من باب المكر والتدليس لستر عيوب ومخازي بعض الطوائف لتبقى مثالبها وجرائمها وضلالاتها خافية عن الناس عامة وأهل العلم خاصة.

ولا شك أن الرأيين غير مصيبين، لأن المفروض علينا معرفة تاريخنا كما حدث بالفعل، وليس كما نحب أن يحدث، فعلينا معرفة تاريخنا بإيجابياته وسلبياته، بلا تهويل ولا تقزيم، ولا تحريف ولا تدليس، ثم نعتبر بمفاخره ونقائصه لبناء حاضرنا ومستقبلنا معا.

وموضوعنا هذا له أهمية كبرى، علينا أن نوليه ما يستحق من الاهتمام، ونوفيه حقه من البحث والتدبر، لأنه يمثل جانبا كبيرا من تاريخنا الإسلامي، وما يزال مطروحا بشدة إلى يومنا هذا؛ فاكتوينا به في الماضي، وما نزال نكتوي به في وقتنا الحاضر، على مستوى الأفراد والجماعات الإسلامية المعاصرة.

وقد اقتحمتُ هذا الموضوع الحساس متسلحا بمنهج نقدي قائم أساسا على الاحتكام إلى القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، وإلى ثوابت التاريخ، وبدائه العقول وأحكامها الصريحة؛ فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأتُ فمن نفسي ومن الشيطان.

وفقنا الله لما يحبه ويرضاه، وجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، ونفع به كاتبه وقارئه، وكل من سعى في إخراجه وتوزيعه، أمين إنه تعالى سميع مجيب.

 

د/ خالد كبير علال

 

 

 

التمهيد

 

تعريف التعصب المذهبي وبدايات ظهوره في التاريخ الإسلامي

 

 

أولا: تعريف التعصب المذهبي

 

ثانيا: بدايات ظهور التعصب المذهبي عند المسلمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تعريف التعصب المذهبي وبدايات ظهوره في التاريخ الإسلامي

 

 

أولا: تعريف التعصب المذهبي:

أُخذت كلمة التعصب من العصبية، وهي أن يدعوا الرجل إلى نصرة عصبيته، والوقوف معها على من يُناوئها، ظالمة كانت أو مظلومة. ومن معانيهما أيضا –أي التعصب والعصبية- المحاماة والمدافعة والنصرة [1]. ويكون ذلك على مستوى الأفكار والمشاعر، والأقوال والأفعال.

 

والشواهد الآتية تزيد ذلك وضوحا وإثراء، أولها إنه عندما سئل المحدث أبو بكر بن عياش (ت 193ه ): من السني ؟، قال: (( الذي إذا ذُكرت االأهواء لم يتعصب إليها ))[2]. بمعنى أنه لا يميل إليها ولا ينصرها ولا يُؤيدها. وثانيها ما قاله الحافظ ابن عبد البر الأندلسي (ت 463ه )، فإنه عندما ناقش بعض المسائل الفقهية قال: (( وهو أصل صحيح لمن أُلهم رشده ولم تمل به العصبية إلى المعاندة ))[3]. بمعنى أن من العصبية الميل إلى الباطل، والمعاندة فيه، وعدم قبول الحق.

 

والشاهد الثالث هو قول للمؤرخ عبد الرحمن بن الجوزي(ت 597ه)، يقول فيه: (( نعوذ بالله من العصبية، فإن مصنف هذا الكتاب – هو أحد المحدثين- لا يخفى عليه أن هذا الحديث موضوع ))[4]. فمن العصبية عنده أن يعتمد الإنسان على حديث يعلم أنه موضوع، انتصارا لأمر في نفسه، فيترك الصحيح ويأخذ السقيم.

 

والشاهد الرابع مفاده أن العلماء المسلمين استعملوا كلمة التعصب للمدح والذم معا، تُفهم من حسب سياقها في الكلام. فقال بعض علماء الجرح والتعديل: إن القاضي أبا الحسن محمد الرازي الشافعي (ت 338 ه ) كان متعصبا للسنة ناصرا لأهلها [5]. وقيل في الثري أبي منصور بن يُوسف البغدادي(ت460ه ): (( كان صالحا عظيم الصدقة، متعصبا للسنة ))[6]. وقال بعضهم في الحافظ الرحالة عمر بن علي الليثي البخاري (ت468ه): إنه كان مدلسا متعصبا لأهل الباطل[7] .

وآخرها –أي الشواهد- حديث[8] ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728ه)، مفاده إنه قيل للرسول-عليه الصلاة والسلام-: أمن العصبية أن ينصر الرجل قومه في الحق ؟، قال: لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه في الباطل[9].

وبذلك يتبين أن التعصب على نوعين، أولهما الانتصار للحق وهو ممدوح، وثانيهما الانتصار للباطل وهو مذموم. والنوع الثاني هو موضوع كتابنا هذا، وهو التعصب للباطل لا للحق، و مقياسنا في ذلك هو النقل الصحيح –أي الكتاب والسنة- والعقل الصريح، فما وافقهما فهو تعصب للحق، وما خالفهما فهو تعصب للباطل.

وأشير هنا إلى أنه لا يُوجد تعصب واحد فقط، وإنما هناك تعصبات كثيرة، منها: التعصب الأسري، والتعصب القبلي، والعصب العرقي، والتعصب الجهوي، والتعصب الحزبي، والتعصب الديني –بين أبناء الأديان المختلفة-، والتعصب المذهبي، ويحدث بين مذاهب الدين الواحد، وهو موضوع بحثنا هذا، وقد تجلت مظاهره في مختلف جوانب الحياة عند المسلمين خلال العصر الإسلامي، على مستوى المذاهب والطوائف، فما هي بداياته وتطوراته ؟.

ثانيا: بدايات ظهور التعصب المذهبي عند المسلمين (ق 1-3 ه):

تعود بدايات التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي إلى الخلافات السياسية والفكرية –الأصولية والفقهية- التي حدثت بين المسلمين خلال القرون الثلاثة الهجرية الأولى، مما أدى إلى ظهور فرق وطوائف وجماعات تمذهبت بأفكار وأصول كانت تحملها، ثم تعصّبت لها وسعت جاهدة إلى نشرها والانتصار لها على أرض الواقع، فدخلت في نزاع مذهبي شديد فيما بينها، على مستوى المشاعر والأفكار، والأقوال والأفعال، وقد تجلى ذلك فيما يأتي:

أولا فعلى مستوى الفرق، فإنه لما أنقسمت الأمة على نفسها بسبب الفتنة الكبرى بين سنتي: 35-41ه، ظهرت الفرق السياسية المتمثلة في الرافضة، والشيعة، والخوارج، والسنة، ثم تنظّمت، وتسيست، وتمذهبت، وتعصبت لأفكارها، وخاضت من أجلها الصعاب والشدائد والحروب[10].

وثانيا فعلى مستوى العقائد وأصول الدين، فقد حدثت خلافات كثيرة بين مختلف طوائف أهل العلم، منذ نهاية القرن الأول الهجري وما بعده، فظهرت المعتزلة[11] ونفت صفات الله تعالى وقدمت العقل على الوحي[12]-أي النقل-.

وظهرت الجهمية –أتباع جهم بن صفوان(ق:2ه) – فقالت بالجبر وفناء الجنة والنار، وعطّلت صفات الله تعالى[13]. وظهرت أيضا  الطائفة الكرامية المجسمة على يد المتكلم محمد بن الكرام السجستاني (ق: 3ه )، فجسّمت الله تعالى، وشبهته بمخلوقاته[14]. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وفي مقابل هؤلاء نجد أهل السنة والجماعة، كانوا يمثلون جمهور المسلمين، رافعين راية القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فمثلوا الإسلام الصحيح، وردوا على انحرافات تلك الفرق، فأثبتوا صفات الله تعالى بلا تأويل، ولا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تجسيم، وتولوا الصحابة، وقدموا النقل على العقل [15].

تلك الفرق تميزت بأفكار تمذهبت بها وتعصّبت لها، وحاضت من أجلها المصادمات والمناظرات، وصنفت الكتب انتصارا لمذاهبها، فكان ذلك سببا في طهور التعصب المذهبي فيما بينها، وانتشاره بين أتباعها[16].

وثالثا فعلى مستوى الفروع-أي الفقه- فإن الناس زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم لم يكونوا متمذهبين، فكان العلماء يجتهدون لاستنباط الأحكام الشرعية، وغير المجتهدين منهم يسألونهم فيما لا يعرفونه، وكان العوام يقلدونهم بلا تمذهب ولا التزام بشخص معين منهم[17]. لذا لم يعرف المسلمون التعصب الفقهي المذموم زمن هؤلاء طيلة نحو ثلاثة قرون، ثم تغير الحال في القرن الرابع الهجري وما بعده، حيث انتشر التمذهب الفقهي بين الناس، وصاحبه التعصب المذهبي بينهم، بشكل واسع [18].

لكن بوادره الأولى المحدودة  تعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري وما بعده، بدليل الشواهد التاريخية الآتية: أولها إن الفقيه الحنفي مُسعر بن كدام (ت155ه) كان فيه غلو في تعظيمه للإمام أبي حنيفة النعمان (ت150)، فكان يقول: (( جعلتُ أبا حنيفة حجة بيني وبين الله تبارك وتعالى ))[19].

وثانيها يخص الفقيه المالكي أبا يحيى زكريا بن يحيى الوقاد (ت181ه ) فإنه كان يغلو في الإمام مال بن أنس(ت179ه)، ويتعصب له على أبي حنيفة[20]. وثالثها ما قاله الحافظ شمس الدين الذهبي (ت748ه) في الحافظ يحيى بن معين (ت 232ه)، فعندما ذكر أن ابن معين قال: إن الإمام الشافعي ليس بثقة، أرجع –أي الذهبي- ذلك إلى فلتات اللسان والهوى والعصبية، لأن (( ابن معين كان من الحنفية الغلاة في مذهبه، وإن كان محدثا ))[21].

والشاهد الرابع يتعلق بالفقيه المالكي أصبع بن خليل القرطبي (ت272ه)، كان شديد التعصب للمذهب المالكي حتى أنه اختلق حديثا في ترك رفع اليدين في الركوع والرفع منه، فكشف الناس أمره[22].

والشاهد الأخير-أي الخامس- يتعلق بالحافظ أبي بشر الدولابي (ت310ه)، فإنه كان حنفيا مفرط التعصب لمذهبه، حتى أنه روى حديثا في القهقهة إسناده غير صحيح، فصححه لأن أبا حنيفة من رجاله وإسناده هو: روى أبو حنيفة، عن منصور بن زاذان، عن المجلسي، عن معبد الجهني، عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، والخلل في هذا الإسناد هو أن الدولابي قال أن معبد الجهني هذا هو معبد بن هوذا الذي ذكره البخاري في تاريخه، وهذا غير صحيح، لأن معبد بن هوذا أنصاري، وليس من قبيلة جُهينة، ومعبد بن الجهني تابعي وليس صحابيا، فكيف يروي عن رسول الله-عليه الصلاة والسلام- وهو لم يره ؟[23].

ورابعا فإنه وُجد أيضا تعصب مذهبي بين مدرستي أصحاب الحديث وأهل الرأي، فالأولى أكثرت من استخدام الأثر من الأحاديث النبوية والأقوال السلفية، ومن رجالها الأئمة: مالك والشافعي، وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل، والثانية أكثرت من استعمال الاجتهاد القائم على الرأي والقياس، ومن رجالها: الإمام أبو حنيفة وكبار أصحابه كمحمد بن الحسن، وأبي يوسف يعقوب[24]. فأوجد هذا الاختلاف نزاعا مذهبيا بين المدرستين، نتج عنه تعصب مذهبي بين الطائفتين ظهرت بوادره الأولى منذ القرن الثاني الهجري وما بعده، والشواهد الآتية تُثبت ذلك بوضوح.

 

أولها إنه حدثت نزاعات ومهاترات، وردود بين المدرستين منذ زمن أبي حنيفة النعمان المتوفى سنة 159هجرية[25]. وثانيها هو أن الفقيه محمد بن شجاع الثلجي الحنفي(ت266ه) كان من أصحاب الرأي يبغض أهل الأثر-أي أهل الحديث-و يتعصب عليهم، حتى انتهى به الأمر إلى الكذب عليهم، فكان يضع –أي يختلق- الأحاديث في تشبيه صفات الله تعالى، وينسبها إلى أهل الحديث ثلبا لهم، وطعنا فيهم، وتعصبا عليهم، منها حديث عرق الخيل، وفيه: إن الله خلق الفرس فعرقت، ثم خلق نفسه منها [26]. وكان هذا الرجل –أي ابن شجاع- يقول في أصحاب أحمد بن حنبل: (( أصحاب أحمد بن حنبل يحتاجون أن يُذبحوا ))[27]. وكان أحمد بن حنبل يقول فيه: ابن شجاع الثلجي مبتدع صاحب هوى[28].

والشاهد الثالث يتعلق بالفقيه أصبع بن خليل القرطبي المالكي فإنه كان يُعادي أهل الحديث وعلمهم، ولم تكن له معرفة بعلمهم، حتى إنه رُوي أنه كان يقول: (( لئن يكون في تابوتي رأس خنزير، أحب إليّ من أن يكون مسند ابن أبي شيبة )). وفي رواية أخرى أنه قال: (( لئن يكون في كتبي رأس خنزير أحب إليّ من أن يكون فيها مصنف أبي بكر بن أبي شيبة [29].)).و ابن شيبة هذا هو محدث توفي سنة 235ه هجرية.

 

ومن تعصبه على أهل الحديث إنه كان ينهي أهل العلم  عن الاجتماع بالحافظ بقي بن مخلد الأندلسي(ت 276ه )، ويحثهم على عدم الأخذ عنه، لذا رُوي أن الفقيه قاسم بن أصبع كان يدعوا عليه –أي علي ابن خليل-، ويقول: هو الذي حرمني السماع من بقي بن مخلد، وذلك أنه كان يحث والدي على منعي من الذهاب إلى بقي بم مخلد[30].

وآخرها-أي الشاهد الرابع – يتعلق بالحافظ أبي بشر الدولابي الحنفي (ت310ه) كان من أهل الرأي، فاتُهم بالتعصب على المحدث نُعيم بن حماد (ت310)، لصلابته في السنة، وتشدده على أهل الرأي[31].

وبذلك يتبين مما ذكرناه أن التعصب الذي نعنيه في كتابنا هذا هو التعصب المذهبي المذموم، الذي مفاده الانتصار للباطل، وهو التعصب الذي ذكرنا بوادره وبداياته، على مستوى الفرق وأصول الدين وفروعه، خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة، حيث سيزداد-أي التعصب المذهبي- بعدها انتشارا وعمقا، وخطورة وتأثيرا منذ القرن الرابع الهجري وما بعده. فما هي مظاهره ؟، وما هي تفاصيله ؟.

 


 

 

الفصل الأول

 

مظاهر التعصب المذهبي في الحياة الاجتماعية - خلال العصر الإسلامي -

 

 

أولا: سب الشيعة للصحابة

ثانيا: اللعن والطعن والاتهامات المختلفة

ثالثا: التكفير المتبادل بين الطوائف الإسلامية

رابعا: القتل ومحاولات القتل

خامسا: الفتن المذهبية بين الشيعة والسنة

سادسا: الفتن المذهبية بين الطوائف السنية

سابعا: الفتن المذهبية بين السنة والكرّامية

ثامنا: مظاهر أخرى للتعصب المذهبي في الحياة الاجتماعية

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 

مظاهر التعصب المذهبي في الحياة الاجتماعية

-خلال العصر الإسلامي-

 

كان للتعصب المذهبي تأثير كبير على المسلمين في حياتهم الاجتماعية –خلال العصر الإسلامي-، فجرّهم إلى الفرقة والتناحر، وإلى السباب والمهاترات، والتكفير واللعن، والفتن والمصادمات الدموية، فما تفصيل ذلك ؟، وما هي أطرافه المشاركة فيه ؟.

أولا: سب الشيعة للصحابة:

نقصد بالشيعة في بحثنا هذا، هؤلاء الذين يسبون الصحابة ويطعنون فيهم، ويتنقصونهم، ويُضللونهم، وهم الذين يُعرفون أيضا بالرافضة لرفضهم الصحابة ومن يتولاهم[32]. ومنهم: الشيعة الإسماعيلية، والاثنى عشرية، والزيدية الجارودية، وعليه فإن كل الشيعة –قديما وحديثا- رافضة سبابون ما عدا الزيدية البترية والزيدية السليمانية –باليمن- الذين لا يسبون الصحابة[33].

وأشير هنا إلى أن الشيعة الإثنى عشرية والإسماعيلية هم أيضا من غلاة الروافض، فهم لا يختلفون غلاة الشيعة إلا في درجة الغلو[34]. ونحن في بحثنا هذا نستخدم مصطلح الشيعة والرافضة بمعنى واحد، فإذا قلنا الشيعة فنعني أيضا الرافضة، وإذا قلنا الرافضة فنعني أيضا الشيعة.

 

وأما بالنسبة لسبهم الصحابة الكرام وطعنهم فيهم، فإن تعصبهم المذهبي الأعمى هو الذي أوصلهم إلى ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء، والشواهد التاريخية التي تُدينهم وتفضحهم كثيرة جدا، أذكر بعضها في خمس مجموعات:

الأولى،  وتضم أربعة شواهد، الأول مفاده أن سب الصحابة –رضي الله عنهم- كثُر زمن دول الشيعة أيام دولة بني بويه ببلاد فارس والعراق (334-447ه)، وبني حمدان بالشام (317-394ه)، ودولة العبيديين الإسماعيلية بالمغرب ومصر والشام (297-567ه)[35]، ودولة القرامطة الإسماعيلية بالبحرين، ودولة الحشاشين الإسماعيلية بقلعة ألموت ببلاد فارس (483-654ه) والدولة الصفوية الإثنى عشرية بإيران (907-1149ه).

والشاهد الثاني مفاده أن سب الصحابة في دولة العبيديين انتشر انتشارا كبيرا بالمغرب ومصر، فبالمغرب قُذف الصحابة جهارا نهارا، وسُب رسول الله-عليه الصلاة والسلام-، وعُلّقت (( رؤوس حمير وكباش على الحوانيت وكُتب عليها أنها رؤوس الصحابة )).و في زمن ملكهم أبي القاسم محمد بن عبيد الله المهدي(ت343ه) سُبت الأنبياء، وكان مناديه يصيح: ألعنوا الغار وما حوى[36]. والغار المقصود هو غار حراء أو ثور، والأرجح أنه غار ثور، لأن أبا بكر كان فيه مع رسول الله –عليه الصلاة والسلام-، وهم يسبون أبا بكر ويبغضونه.

وأما بمصر فهي أيضا كان فيها سب الصحابة فاشيا علانية من غير تستر ولا خفية، حتى أن أعوان العبيديين كانوا يُنادون في الناس أن من لعن الصحابة وسبهم له مكافأة مالية ومادية[37]. ومن ملوكهم الذين سبوا الصحابة جهارا: العزيز بالله نزار بن المعز العبيدي(ت 386ه)، وأبو تميم المستنصر (ت487ه) [38].

والشاهد الثالث يخص سب الصحابة بمدينة الكوفة، فقد كان سبهم فيها منتشرا جدا، فهي موطن الرفض والطعن واللعن، حتى أن ذلك الوضع دفع المحدث محمد بن عبد العزيز التميمي الكوفي إلى ترك ببلده الكوفة والهجرة إلى بلد آخر، وقال: (( لا أقيم ببلد يُشتم فيه أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ))[39].

وعندما ارتحل المحدث محمد بن علي الصوري البغدادي (ت442ه) إلى الكوفة لسماع الحديث عند بعض شيوخها، وأظهر بها السنة، وترحّم على الشيخين أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما- ثار عليه أهل الكوفة، وهموا بقتله، فالتجأ إلى أبي طالب بن عمر العلوي، وكان من السابين للصحابة، فأجاره وقال له: احضر كل يوم عندي، وأرو لي ما سمعت في فضائل الصحابة، فقرأ عنده فضائلهم، فتاب أبو طالب هذا، وقال: عشت أربعين سنة أسب الصحابة، وأشتهي أعيش مثلها حتى أذكرهم بخير ))[40].

وآخرها –أي الشاهد الرابع- مضمونه أنه كان بمدينة الري طائفة من الباطنية الإسماعيلية يشتمون الصحابة، ويسبونهم، ويقذفونهم، ويعتقدون ذلك ديانة، وكان ذلك في سنة 420هجرية[41].

 

وأما المجموعة الثانية فتتضمن ثلاثة أمثلة من مجالس بعض الشيعة،  كانوا يقصدونها لسب الصحابة وثلبهم، أولها مجلس كان يعقده جماعة من شيعة بغداد بمسجد يُعرف بمسجد براثا، يجتمعون فيه لسب الصحابة زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله (295-320ه ) [42].

والمثال الثاني يخص مجلس المحدث الشيعي أحمد بن محمد الكوفي المعروف بابن عقدة ( 332ه)، كان مداوما على عقده بمسجد بالكوفة، يملي فيه مثالب الصحابة[43]. والمثال الثالث يتعلق بما ذكره الفقيه محمد بن علي الشوكاني (ت قرن: 12ه)، ومفاده أنه كان في زمانه بعض جهلة الرافضة يعقدون مجالس للعوام في سب الصحابة، ويملون عليهم أخبارا مكذوبة، وينقلونها من كتب الرافضة. وذكر الشوكاني أنه تدخل شخصيا لدى إمام البلد في شأن هؤلاء، وبعد أخذ ورد، أمر بحبسهم وعقابهم[44].

وأما المجموعة الثالثة فتتضمن سب الشيعة للصحابة ولعنهم في مناسبة عاشوراء، وفي بعض الفتن التي حدثت بينهم وبين الشيعة ببغداد، من ذلك الحوادث الآتية: أولها ما حدث سنة 351ه، حيث كتب شيعة بغداد على أبواب مساجدهم لعن بعض الصحابة، منهم: معاوية بن أبي سفيان، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان –رضي الله عنهم-، فاحتج أهل السنة لدى الحاكم البويهي الشيعي معز الدولة، فلم ينكر ما فعله هؤلاء، ولم يُغيره ولم يستجب لهم. فعلّق ابن كثير على ذلك بقوله: (( قبّحه الله، وقبّح شيعته الروافض))، ثم قال أن البلاد التي ينتشر فيها التشيع، وإتباع الهوى، وسب الصحابة، سرعان ما يحل بها عقاب الله عز وجل، ومثال ذلك الفاطميون، فإنهم عندما اظهروا الرفض والمنكرات، وسبوا خير الخلق بعد الأنبياء، كان جزاؤهم أن أخذ منهم الصليبيون معظم الشام ))[45].

والحادثة الثانية ما جرى بين السنة والشيعة- هم اثنى عشرية- في فتنة سنة 482ه، فكان مما حدث فيها أن سب الشيعة النبي-عليه الصلاة والسلام- وأزواجه وأصحابه، على مرآى ومسمع من علمائهم[46]. فعلّق ابن كثير على ذلك بقوله: (( فلعنة الله على من فعل ذلك من أهل الكرخ-حي الشيعة ببغداد-، وإنما حكيت هذا ليُعلم ما في طوايا الروافض من الخبث والبغض لدين الإسلام وأهله، ومن العداوة الباطنة الكامنة في قلوبهم لله ورسوله وشريعته ))[47].

والحادثة الثالثة مضمونها ما ذكره المؤرخ عبد الرحمن بن الجوزي(ت597ه) من أن الشيعة ببغداد سنة 561 هجرية، سبوا الصحابة، وضربوا بعض أهل السنة بحي الكرخ[48].

والحادثة الأخيرة-أي الرابعة- ما حدث ببغداد سنة 582 هجرية، وفيها أحيى الشيعة مناسبة عاشوراء، فكان مما فعلوه أن سبوا الصحابة كأبي بكر وعمر، وعثمان وطلحة، وعائشة أم المؤمنين –رضي الله عنهم-، وكانوا يصيحون بقولهم: (( ما بقي كتمان )). وكانت فيهم امرأة تنشد لهم الأشعار في ثلب الصحابة، وسبت عائشة وقالت: ألعنوا راكبة الجمل، وذكرت حادثة الإفك، والنبي –عليه الصلاة والسلام، بأقبح الشناعات[49].

وأما المجموعة الرابعة فهي تتضمن شواهد تاريخية لمواقف بعض أعيان الشيعة من الصحابة، في سبهم لهم وطعنهم فيهم، وتعصبهم عليهم؛ أولها يتعلق بالمفسر محمد بن مروان السدي الكوفي(ق: 2ه)، كان له مجلس لتفسير القرآن الكريم بالكوفة، كان يشتم فيه الشيخين أبا بكر وعمر بن الخطاب-رضي الله عنهما- علانية أمام طلابه[50].

والشاهد الثاني يخص الشاعر إسماعيل بن محمد الحِميري (ت178ه)، كان غاليا في التشيع يسب السلف في شعره، ويُبالغ في سب بعض الصحابة، ويُفحش في شتمهم والطعن فيهم. ويُروى أنه هجا حتى والديه لأنهما كانا سنيين[51].

والشاهد الثالث يتعلق بالمحدث المغيرة بن سعيد الكوفي(ت 120ه)، قال عنه علماء الجرح والتعديل: كان من كبار الرافضة الكذابين، يتنقّص أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب ويسبهما[52].

والرابع يخص المحدث سهل بن أحمد الديباجي (ت 330ه)، قال فيه بعض علماء الجرح والتعديل: كان رافضيا خبيثا، كتب على حائط داره: لعن الله أبا بكر وعمر، وباقي الصحابة العشرة –أي المبشرون بالجنة- إلا علي بن أبي طالب[53] –رضي الله عنهم-.

والشاهد الخامس يتعلق بالشاعر مهيار بن مرزويه (ت 482ه)، كان مجوسيا ثم أسلم على مذهب الشيعة، فأصبح غاليا في الرفض يطعن في الصحابة، فقال له بعض أهل العلم: يا مهران انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية أخرى، فقال مهران: وكيف ذاك ؟، قال له الرجل: لأنك كنت مجوسيا فأسلمت، فصرت تسب الصحابة ))[54].

 

والشاهد السادس خاص بالشاعر المرتضي العلوي البغدادي (ت436ه)، كان من الذين يسبون الصحابة، -رضي الله عنهم- وله مصنفات في سبهم والطعن فيهم [55]. والشاهد السابع يتعلق بالواعظ أبي الحياة محمد بن الفارس البغدادي(ت596ه)، كان يُكثر من سب الصحابة في مجالسه الوعظية، فيضج الشيعة –الذين في مجلسه- بالبكاء[56].

 

والشاهد الثامن يتعلق بأستاذ دار الخلافة العباسية مجد الدين بن الصاحب البغدادي(ت 583ه)، كان رافضيا سبابا مغاليا، أحيى شعار الشيعة الإمامية، وسب الصحابة علانية[57].

والشاهد التاسع خاص برجل شيعي يُعرف بخندق الأسدي[58]، كان رافضيا يسب الشيخين أبا بكر وعمر –رضي الله عنهما- فقال يوما لصاحب له: لو أن لي رجل يضمن لي عيالي بعدي لتكلمتُ في أبي بكر وعمر أمام الناس، فضمن له صاحبه التكفل بعياله، فقام خندق هذا وسب الشيخين، فقام عليه الناس وضربوه حتى الموت[59].

 

والشاهد العاشر يتعلق بالشيعي علي بن أبي الفضل الحِلي(ت755ه)، قدم من مدينة الحِلة –بالعراق- إلى دمشق، ودخل الجامع الأموي والناس يُصلون، وبدأ يسب من ظلم آل محمد ويكرر ذلك من دون توقف، ولم يصل مع الناس، ولا صلى معهم الجنازة التي كانت حاضرة، وظل يكرر السب بصوت مرتفع، وكان ذلك سنة 755هجرية، فلما تمت الصلاة جيء به إلى الحافظ ابن كثير –كان في المسجد- فسأله: من ظلم آل محمد ؟، فقال: أبو بكر، ثم رفع صوته قائلا: لعن الله أبا بكر،  وعمر، وعثمان، ومعاوية، ويزيد، وأعاد ذلك مرتين أمام الناس، فأمر القاضي الشافعي –كان حاضرا- بسجنه، ثم طلبه القاضي المالكي وجلده بالسياط، وهو يصرخ بالسب واللعن والكلام الباطل [60].

 

وآخرها-أي الشاهد الحادي عشر- مضمونه أن رجلا شيعيا اسمه محمد بن إبراهيم الشيرازي(ت766ه) دخل الجامع الأموي بدمشق سنة 766هجرية، وهو يسب الشيخين أبا بكر وعمر-رضي الله عنهما- ويلعنهما، فأُخذ إلى القاضي المالكي جمال الدين المسلاتي، فاستتابه عن ذلك فلم يتب، فأمر بالضراب فأول ضربة قال: لا إله إلا الله علي ولي الله؛ فلما ضربه ثانية لعن أبا بكر وعمر، فهجمت عليه العامة وأوسعوه ضربا حتى كاد يهلك، ولم يستطع القاضي تخليصه منهم، ومع ذلك كان-أي الرجل الشيعي- يسب الصحابة ويقول: إنهم كانوا على ضلالة[61].

 

وأما المجموعة الأخيرة-أي الخامسة- فتضم شواهد متفرقة عن سب الشيعة للصحابة وبغضهم لهم وتشفيهم فيهم واستهزائهم بهم، أولها –أي الشواهد- ما رواه الأديب الفقيه ابن قتيبة الدينوري(ت276ه) بإسناده إلى شبابة بن سوار إنه قال: (( سمعتُ رجلا من الرافضة يقول: رحم الله أبا لؤلؤة، فقلتُ: تترحم على رجل مجوسي قتل عمرا ابن الخطاب –رضي الله عنه-!، فقال: كانت طعنته لعمر إسلامه ))[62].

وثانيها ما رواه القاضي إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة (ت قرن:3ه)  فإنه قال: كان لنا جار شيعي له بغلان، سمى أحدهما أبا بكر، والآخر عمر، فضربه ذات يوم البغل الذي سماه عمر، فمات-أي الرجل هو الذي مات-!![63].

وثالثها ما رواه ابن الجوزي، من أن العوام-من أهل السنة- ببغداد دخلوا مشهدا- قبر عليه مسجد- للعلويين بمقابر قريش فوجدوا فيه أشياء كثيرة من بينها كُتب فيها سب للصحابة، وأمور أخرى قبيحة [64].

 

ورابعها ما ذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية (ت728ه) من أن الرافضة-أي الشيعة- جرهم تعصبهم وجهلهم إلى التعصب للأسماء، فيبغضون من اسمه عمر وأبا بكر، ويُحبون من اسمه عليا وجعفر، والحسن والحسين، وإن كان فاسقا، وقد يكون سنيا. كما أنهم يبغضون بني أمية كلهم لكون بعضهم كان ممن يبغض عليا، رغم أن في بني أمية قوما صالحون قبل الفتنة[65]، وبعدها أيضا كعمر بن عبد العزيز.

والشاهد الخامس ما ذكره ابن تيمية أيضا، فقال إن بعض الرافضة، يعمدون إلى نعجة حمراء يسمونها عائشة، ثم ينتفون شعرها. ويعمد آخرون إلى دواب يسمون بعضها أبا بكر وأخرى عمر، ثم يضربونها بغير حق[66].

والشاهد السادس يقطر حقدا وكراهية للصحابة –رضي الله عنهم-، مفاده أن بعض الرافضة سمع الصوفي المعروف بالرِعب (ت750ه ) يمدح الشيخين أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب –رضي الله عنهما-، فانزعج -أي ذلك الشيعي-  وقطع لسان ذلك الصوفي [67].

 

وآخرها –أي الشاهد السابع – ما رواه المؤرخ أحمد المقري التلمساني من أن جده حكى أن سنيا مغربيا ذكر أنه لما كان بالمدينة المنورة رأى ذات يوم رافضيا أقدم وبيده فحمة، فكتب على جدار قريبا منه: من كان يعلم أن الله خالقه فلا يُحب أبا بكر وعمر، وانصرف ))، فتنبه ذلك الرجل السني إلى أمر لطيف، فمحى كلمة يحب  وجعل مكانها: يسب، فأصبحت العبارة: فلا يسب، ثم عاد-أي السني- إلى مكانه. فلما رجع الرافضي تنبّه لما حدث، وجعل (( يلتفتُ يمينا وشمالا، كأنه يطلب من صنع ذلك ))، ولم يتهم الرجل المغربي، ثم انصرف لما أعياه الأمر[68].

وبذلك يتبين مما ذكرناه أن ظاهرة سب الشيعة للصحابة كانت منتشرة بينهم كثيرا. وأنها دليل دامغ على ما يكنه هؤلاء للصحابة من بغض وكراهية، بسبب التعصب المذهبي الذي أعمى قلوبهم وعقولهم. فما هي ردود فعل أهل السنة تجاههم ؟.

لقد تمثلت ردودهم في التصدي لهم وعدم السكوت عنهم، باستخدام عدة وسائل لمقاومتهم، أولها إصدار أحكام شرعية في الشيعة لسبهم أصحاب رسول الله-عليه الصلاة والسلام-، منها ما قاله الإمام سفيان الثوري(ت 161ه  )، فعندما سُئل عمن يشتم أبا بكر –رضي الله عنه- قال: كافر بالله العظيم لا يُصلى عليه[69].

 

ومنها ما قاله الإمام مالك بن أنس (ت 179ه)، فقد ذهب في رواية عنه إلى القول بتكفير من يسب الصحابة[70]. ومنها أيضا موقف الحافظ  أبي زرعة الرازي(ت260ه) فقد قال: (( إذا رأيت الرجل يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم – فاعلم أنه زنديق ))[71].

ومنها ما قاله القاضي أبو يعلى الفراء (ت 458ه)، فذكر أن الذي عليه الفقهاء في مسألة سب الصحابة، هو إن كان الساب مستحلا لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر[72]. ومنها أيضا ما ذهب إليه الفقيه الموفق بن قدامة المقدسي (ت620ه)، من أن من سب الصحابة كالروافض، فهو فاسق، ولا يُكفّر، ولا تُقبل شهادته[73].

 

ومنها –أي الأحكام- ما قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية، من أن الذين يسبون الصحابة سبا لا يقدح في عدالتهم، ولا في دينهم كوصف بعضهم بالبخل والجبن، أو عدم الزهد، فهذا يستحق صاحبه التأديب والتعزير، ولا يُحكم بكفره لمجرد ذلك، وعلى هذا يُحمل كلام من لم يُكفرهم من العلماء، لكنهم اختلفوا في تكفير من لعن وقبّح مطلقا، لتردد (( الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد))[74].

ومنها أيضا ما ذهب إليه الحافظ الذهبي، فذكر أن من أبغض الشيخين أبا بكر وعمر، واعتقد إمامتهما فهو رافضي مقيت، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا أمامي هُدى، فهو من غلاة الرافضة، أبعدهما الله[75].

وذكر الحافظ ابن كثير(ت774ه) أن الفقهاء أجمعوا على تكفير من قذف عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنها-، وقال إن الأصح أيضا تكفير من يقذف باقي أمهات المؤمنين[76].

وأشير هنا إلى أنه في سنة 458هجرية، صدر بيان من دار الخلافة ببغداد نص على تكفير من سب الصحابة وأظهر البدع [77]. وهو موجه -بلا شك – ضد الشيعة، فهم الذين يسبون الصحابة وأظهروا سبهم مرارا ببغداد، كما سبق أن ذكرناه.

والوسيلة الثانية –من ردود السنة على الشيعة في سبهم للصحابة- هي التصدي للشيعة بالقوة، والدخول معهم في مواجهات ومصادمات دامية، كما حدث بمدينة بغداد وغيرها من المدن، وسنذكر ذلك بالتفصيل في مبحث الفتن الطائفية بين السنة والشيعة فيما يأتي من هذا الفصل، إن شاء الله تعالى.

والوسيلة الثالثة معاقبة من يسب الصحابة أشد العقاب، وقتل من يصر على تضليلهم –أي الصحابة- وتكفيرهم [78]. وسنذكر على ذلك بعض النماذج في مبحث لاحق بحول الله تعالى.

 

والوسيلة الرابعة عدم السكن في أحياء الشيعة، وهجرها إلى بلدان لا يُوجد فيها سب الصحابة، من ذلك ما حدث للفقيه أبي بكر الخلال البغدادي(ت311ه)، فإنه لما ظهر سب السلف ببغداد هجر بيته[79]. وكان المحدث محمد بن عبد العزيز التميمي يسكن بالكوفة، -موطن الرفض- ثم هجرها، وقال: (( لا أقيم ببلد يُشتم فيه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-))[80].

 

ومنهم الفقيه عمر بن الحسين الخرقي الحنبلي البغدادي (ت 334ه) هجر مدينة بغداد لما ظهر فيها سب الصحابة، واستقر بمدينة دمشق[81].  ومنهم أيضا أن فقيها سنيا بغداديا مر يوما بحي الكرخ الشيعي، فسمع به ذم الصحابة والتعريض بهم، فأخذ على نفسه عدم الاقتراب بذلك الحي[82]-أي الكرخ-.

ومن طريف ما يُروى –في هذا الموضوع- أن المحدث سلمة بن شبيب النيسابوري (ت قرن: 3ه) عندما قرر الارتحال إلى مكة والاستقرار بها، باع داره وأخبر جاره بالأمر، وأنه سيرحل إلى مكة المكرمة، ثم سلّم عليه، وقال له إنه لم ير منه إلا خيرا، فرد عليه الجار بالشكر، وأخبره أنه هو أيضا عازم على الارتحال إلى مكة، لأن الذي اشترى منه الدار –أي دار المحدث سلمة- هو رجل رافضي يشتم أبا بكر وعمر وباقي الصحابة[83]-رضي الله عنهم-.

والوسيلة الخامسة منع الذين يسبون الصحابة من حضور المجالس العلمية السنية، وهذه الوسيلة استخدمها بعض علماء أهل السنة، من ذلك أن الحافظ أبا الأحوص سلام بن سليم الكوفي (ت179ه) كان إذا مُلئت داره بالمحدثين يقول لابنه: أنظر فمن رأيت يشتم الصحابة فأخرجه [84].

 

وربما يقول بعض الناس: ألم يكن السنيون هم أيضا متعصبين في استخدامهم لتلك الوسائل ردا على الشيعة في سبهم للصحابة وطعنهم فيهم ؟. إنهم لم يكونوا متعصبين –بالمعنى المذموم – لأنهم انتصروا للحق وتعصبوا له،  ولم ينتصروا للباطل ولا تعصبوا له، لأن سب الصحابة هو التعصب الأعمى والجريمة الشنعاء، والدفاع عنهم هو الحق المبين المعروف بالضرورة من دين الإسلام.

 

وختاما لما سبق  أُشير هنا إلى فائدتين غاية في الأهمية، الأولى مفادها أن آل البيت –رضي الله عنهم- لم يكونوا يسبون الشيخين، فعندما قيل لأبي جعفر الباقر(ت قرن:2ه): هل كان أحد من أهل البيت يسب أبا بكر وعمر ؟ قال: معاذ، بل يتولونهما ويترحمون عليهما[85]. وكان ابنه جعفر الصادق يبغض الرافضة-السبابون- ويمقتهم[86].

 

الفائدة الثانية مفادها إن سب الصحابة جريمة نكراء،  لا يفعلها إلا شقي جاهل غبيي، مبتدع ضال ماكر خبيث، لأن النصوص الشرعية القطعية الثبوت والدلالة شهدت لهم-أي للصحابة-  بالإيمان والفضل،  والعمل الصالح، كقوله تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )) – سورة آل عمران/ 110-، و(( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ))- سورة الفتح / 18 -، و(( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))- سورة التوبة/ 100- وتعليقا على الآيات الأخيرة يقول ابن كثير: (( فقد أخبر الله العظيم أنه رضي عن السابقين الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم، ولاسيما الخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة –رضي الله عنه-، فإن الطائغة المخذولة من الرافضة يُعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم ويسبونهم عياذا بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله عنهم ؟، وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويُعادون من يُعادي الله ))[87].

ثانيا: اللعن والطعن واتهامات أخرى:

نخصص هذا المبحث لما كان يحدث بين الطوائف الإسلامية من لعن وطعن، وقدح وتشهير، وذم وتنقيص، وغيرها من الاتهامات، ليتبين لنا ما كانت تكنه تلك الطوائف لبعضها بعض من حقد وكراهية، وحسد وتآمر، بسبب  التعصب المذهبي الذي غلب عليها وسيطر على المشاعر والعقول، وقد تجلى ذلك في مظاهر كثيرة، منها أولا: اللعن المتبادل بن الأفراد والجماعات، من ذلك الشواهد الآتية:

أولها إنه لما حدث خلاف بين أصحاب الفقيه ابن خزيمة (ت311ه) في مسألة كلام الله تعالى، بتأثير من الكلابية أتباع عبد الله بن كلاب البصري (ت284ه)، قال ابن خزيمة: (( ومن نظر في كتبي تأكد له أن الكلابية لعنهم الله كذبة فيما يحكون عني ))[88].

 

وثانيها، ما ذكره الحسين بن أمامة المالكي، فقال إنه سمع أباه يلعن المتكلم أبا ذر الهروي الأشعري (ت قرن: 5ه) بقوله: (( لعن الله أبا ذر الهروي، فإنه أول من أدخل الكلام إلى الحرم –أي المكي-، وأول من بثه في المغاربة ))[89].

 

والشاهد الثالث ما رواه ابن حزم الظاهري، من أن أحد الأشاعرة بمصر، كان ينكر تكلم الله تعالى بالقرآن، ويلعن من يقول ذلك ألف لعنة. ثم عقّب عليه ابن حزم بقوله: إن من يقول ذلك، عليه ألف ألف لعنة تترى، ثم وصف الطائفة التي تقول ذلك –أي الأشعري- بأنها الطائفة الملعونة[90].

 

والشاهد الرابع ما حدث من تلاعن بين أهل السنة ببغداد وكبير المعتزلة ابن الوليد (ت478ه)، فإنه لما خرق الحصار المضروب عليه، ودرّس مذهبه للناس، ولم يصل في الجامع ( سنة 456ه)، هجم عليه قوم من أصحاب الحديث،  فسبوه ولعنوه وضربوه حتى أدموه، فصاح صياحا شديدا، ولعن لاعنيه، ودخل بيته، ثم فرّ مهاجموه خوفا من أصحاب الحي، وخرج أهل السنة على إثر ذلك إلى جامع المنصور، ولعنوا المعتزلة. وقد لُعنت المعتزلة مرارا زمن شيخها ابن الوليد هذا[91].

 

والشاهد الخامس يتعلق بالحافظ عبد الله الأنصاري الهروي الحنبلي الصوفي (ت قرن: 5ه)، فإنه كان يلعن أبا الحسن الأشعري جهارا بمدينة هراة. وعندما سأله الشافعية والحنفية – في حضرة الوزيرالسلجوقي نظام الملك- عن سبب لعنه للأشعري، قال لهم: لا أعرف الأشعري، وإنما ألعن من لم يعتقد إن الله في السماء، وإن القرآن في المصحف، وإن النبي اليوم نبيا[92].

 

والشاهد السادس مفاده أن القاضي الحنفي أبا نصر أحمد الصاعدي النيسابوري (ت482ه) كان شديد التعصب لمذهبه الحنفي، وشجع عليه، فأدى عمله إلى اشتداد التعصب بين العلماء فيما بينهم، وبين الطوائف المذهبية فيما بينها أيضا، حتى لعنت بعضها بعضا على المنابر زمن دولة السلطان السلجوقي طغرلبك (ت 455ه )، ولم يُرفع ذلك إلا بمجيء نظام الملك (ت 485ه) إلى الوزارة[93].

والشاهد السابع مضمونه أنه لما دخل الواعظ الحسن بن أبي بكر النيسابوري الحنفي بغداد، بين سنتي: 515-530ه، كان يلعن أبا الحسن الأشعري جهارا نهارا، تحت حماية السلطان السلجوقي مسعود[94].

والشاهد الثامن هو أنه لما كان الواعظ أبو الفتوح الاسفراييني الأشعري (ت 538ه) ببغداد وبالغ في الانتصار للأشعرية، كثُرت اللعنات بينه وبين الحنابلة، وفي اليوم الذي تُوفي فيه الزاهد ابن الفاعوس الحنبلي (ت 521ه) كان العوام ببغداد يصيحون: هذا يوم سني حنبلي، لا قشيري ولا أشعري، وتعرّضوا فيه للواعظ أبي الفتوح، ورجموه في الأسواق، ولعنوه وسبوه[95].

وآخرها-أي الشاهد التاسع- هو أنه في سنة 555هجرية، اجتمع صبيان من جهلة أهل الحديث بجامع القصر ببغداد، وقرؤوا شيئا من أخبار الصفات، وذموا المؤولين لها –أي الأشاعرة- ثم لعنوا الحافظ أبا نُعيم الأصفهاني –المتأثر بالأشعرية- وسبوه وكتبوا ذلك على بعض مصنفاته، فتدخلت سلطة بغداد ومنعت المحدثين من قراءة الحديث بجامع القصر[96].

وثانيا إن من تلك المظاهر المتعصبة أيضا: الذم والتهكم والتنقيص، ومنها الأمثلة الآتية، أولها يتعلق بالفقيه أبي عثمان بن الحداد الإفريقي (ت302ه)، كان مالكيا ثم مال إلى مذهب الشافعي، وأصبح يتنقّص بعض الكتب المعظمة عند المالكية، فسمى كتاب المدونة بالمدودة، فهجره المالكية، ثم عادوا وأحبوه عندما تصدى لداعية العبيديين أبي عبد الله الشيعي(ت297ه)، وناظره ونصر المذهب السني[97].

والمثال الثاني هو أنه في فتنة ابن القشيري ببغداد[98]  ذم كبار علماء الأشاعرة- في رسالتهم إلى الوزير نظام الملك- خُصومهم الحنابلة ذما شنيعا، ووصفوهم له بأنهم  رعاع أوباش، مجسمة مبتدعة، شرذمة أغبياء من أراذل الحشوية، رفضوا الحق لما جاءهم على يد  أبي نصر بن القشيري[99].

 

والمثال الثالث يخص تهكم القاضي أبي المعالي عزيزي بن عبد الملك الشافعي الأشعري (ت494ه) بخصومه الحنابلة، وذلك  كان قاضيا على حي باب الأزج ببغداد، الذي غالبية سكانه حنابلة، فكان بينه وبينهم خصام ومهاترات، فيُروى أنه في أحد الأيام سمع رجلا يُنادي على حمار له ضاع منه، فقال القاضي: (( يدخل باب الأزج، ويأخذ بيد من شاء )). وقال يوما لأحد أصحابه عن الحنابلة: (( لو حلف إنسان إنه لا يرى إنسانا، فرأى أهل باب الأزج لم يحنث، فقال له صاحبه: من عاشر قوما أربعين يوما فهو منهم ))، لذا فإنه –أي القاضي- عندما مات فرح الحنابلة بموته كثيرا[100]. ففي قوله الأول ألحقهم بالحمير صراحة، وفي الثاني نفى عنهم صفة الأدمية، وألحقهم بالحيوانات ضمنيا، ثم ألحقه صاحبه هو أيضا بهم، بحكم إنه معاشر لهم.

 

وآخرها- أي المثال الرابع – يتعلق بتهكم وتنقّص بعض الشافعية بالحنفية واستهزائهم بهم في كيفية الصلاة عندهم، انتصارا للمذهب الشافعي وردا على معارضيه، ومفاده –أي المثال- أن السلطان محمود بن سبكتكين (ت قرن:5ه  ) لما أراد أن يُفاضل بين المذهبين الحنفي والشافعي ليتمذهب بأحدهما، جمع الفقهاء بمدينة مرو وأمرهم بالبحث في أي المذهبين أقوى، فوقع الاختيار على أن يصلي كل طرف ركعتين يدي السلطان على المذهبين، فقام الفقيه الشافعي أبو بكر القفال وصلى بوضوء مُسبغ، وسترة، وطهارة، وقبلة، وباقي الأركان التي لا يُجوّز الشافعي الصلاة دونها. ثم صلى-أي القفال- صلاة (( على ما يُجوّزه أبو حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغ قد لُطخ رُبعه بنجاسة، وتوضأ بنبيذ، فاجتمع عليه الذباب، وكان وضوءا مُنكسا، ثم كبّر بالفاريسية، وقرأ بالفاريسية: دو بركك سبز. ونقر ولم يطمئن، ولا رفع من الركوع، وتشهّد وضرط-أي أخرج الريح- بلا سلام))، فقال له السلطان: (( إن لم تكن هذه الصلاة يُجيزها الإمام قتلتك ))، فأنكرت الحنفية تلك الصلاة، فأمر القفال بإحضار كتبهم فوجدوا الأمر كما قال القفال، وتحوّل السلطان محمود إلى المذهب الشافعي. [101]

وقد علّق حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الشافعي(ت505ه) على تلك الصلاة –أي صلاة الحنفية- بقوله: (( والذي ينبغي أن يقطع به كل ذي دين أن مثل هذه الصلاة، لا يبعث الله لها نبيا، وما بعث محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- لدعوة الناس إليها، وهي قطب الإسلام وعماد الدين ))، وقد زعم أبو حنيفة أن هذا (( القدر –من الصلاة- أقل من الواجب، فهي الصلاة التي بُعث لها النبي، وما عداها آداب وسنن ))[102].

 

وواضح من هذه الحادثة أن التعصب المذهبي كان من الطائفتين، فالشافعية تعصبوا لمذهبهم بالتهكم والاستهزاء من كيفية الصلاة في المذهب الحنفي. والحنفية حملهم تعصبهم لمذهبهم إلى الانتصار له بالباطل، عندما أنكروا أمرا صحيحا ثابتا في مذهبهم لا يمكنهم إخفاؤه.

وثالثا إن من تلك المظاهر المتعصبة أيضا: الطعن والقدح والسب، ونذكر على ذلك خمسة شواهد، أولها إنه كان زمن الخليفة العباسي المتوكل على الله (232-247ه) جماعة من الرافضة الإمامية يجتمعون فيما بينهم لتدارس الرفض، وسب الصحابة وشتم السلف[103].

والشاهد الثاني مضمونه أن شيخ الشيعة المفيد بن محمد(ت 413ه ) صنف كتبا كثيرة في مذهب الشيعة فيها الطعن على الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين، فكانت سببا في تضليل خلق من الناس وهلاكهم[104].

والشاهد الثالث يتعلق بالفقيه أبي جعفر محمد الطوسي (ت460ه)، كان شافعيا ثم تحوّل شيعيا إماميا، وأصبح يتنقص السلف، فضيّق عليه أهل السنة عندما كان ببغداد، فاختفى عن الأنظار وارتحل إلى الكوفة[105] مركز الشيعة الإمامية.

والشاهد الرابع خاص بالواعظ أبي بكر البكري الأشعري، فإنه عندما دخل بغداد سنة 475ه، بأمر من الوزير نظام الملك، وأظهر مذهبه الأشعري علانية، دخل في نزاع مع الحنابلة، فكان يشتمهم ويستخف بهم، فحدث بينه وبينهم سباب وخصام[106].

 

والشاهد الخامس يتضمن كلاما للقاضي أبي بكر بن العربي (ت 543ه) في الحنابلة وأهل الحديث، فقال فيهم كلاما غليظا[107]، ووصفهم بأوصاف شنيعة، فجعلهم ممن كاد للإسلام، ولا فهم لهم، وليس لهم قلوب يعقلون بها، ولا آذان يسمعون بها، فهم كالأنعام بل هم أضل. وعدّهم من الغافلين الجاهلين في موقفهم من الصفات، وشبههم باليهود، وقال أنه لا يُقال عنهم: بنوا قصرا وهدّموا مصرا، بل يُقال: هدموا الكعبة، واستوطنوا البيعة[108] –أي كنيسة اليهود-.

ويتبين مما ذكرناه في هذا المبحث أن ما استعملته الطوائف المذهبية من لعن وذم،  واتهامات وتشنيعات، هو دليل قاطع على ما وصلت إليه من تعصب ونزاع، وقسوة وتنافر، وما تكنه لبعضها بعض من حقد وكراهية وبغضاء، بسبب التعصب المذهبي الذي سيطر عليها.

ثالثا: التكفير المتبادل بين الطوائف الإسلامية:

جر التعصب المذهبي الطوائف الإسلامية إلى التكفير والتضليل، انتصارا للمذهب وتعصبا على المخالف، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة جدا، أذكر منها طائفة حسب الموضوعات الآتية:

 

أولا: تكفير الشيعة للصحابة ولكل من يخالفهم، والشواهد على ذلك كثيرة، أولها إن الشيعي عمرو بن ثابت الكوفي (ت 172ه   )كان يسب السلف ـ ويقول: (( كفر الناس بعد رسول الله إلا أربعة ))[109].

وثانيها إن الشيعي عيسى بن مهران المستعطف البغدادي (ت قرن:3ه ) كان يطعن في الصحابة ويُكفرهم ويُضللهم ويُفسّقهم، وقد وصفه الخطيب البغدادي (ت 463ه )بأنه كان كذابا من شياطين الرافضة ومردتهم[110].

وثالثها ما ذكره إمام الشيعة الإثنى عشرية وثقتهم محمد بن يعقوب الكُليني(ت329ه) في كتابه: الكافي –الأصول-، فقد نص فيه صراحة –حسب رواياته المكذوبة- على أن الناس – أي كل المسلمين- ارتدوا بعد الرسول –صلى الله عليه وسلم-. وأكد صراحة على كفر كل من لم يُؤمن بأئمة الشيعة الإثنى عشرية[111].

 

والشاهد الرابع يخص الشاعر المتكلم الشريف المرتضي علي بن الحسين العلوي البغدادي( ت 436ه)، كان شيعيا متطرفا يُكفّر عمر بن الخطاب، وعثمان، وعائشة، وحفصة، -رضي الله عنهم-. وفيه قال الحافظ ابن كثير: (( أخزاه الله وأمثاله من الأرجاس الأنجاس، أهل الرفض والارتكاس، إن لم يكن قد تاب ))[112].

والشاهد الخامس مضمونه أن الشيعة كفّروا من خالفهم عامة، وأهل السنة خاصة، وذلك عندما كتبوا على مساجدهن ببغداد: محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر، فأدى ذلك إلى اندلاع قتال عنيف بينهم وبين أهل السنة[113].

والشاهد السادس هو ما ذكره المتكلم أبو المظفر الإسفراييني (ت قرن 5ه )، فقال إن الشيعة الإمامية- كالإثنى عشرية والإسماعيلية- متفقون على تكفير الصحابة [114].

 

والشاهد السابع هو ما ذكره الشيخ تقي الدين بن تيمية عن بعض عقائد الشيعة، فقال: إن الرافضة-أي الشيعة- شر من الخوارج، لأنهم يُكفرون الصحابة وجماهير المسلمين، ويُكفرون أيضا من يُثبت لله تعالى صفاته التي أثبتها لنفسه سبحانه. كما أنهم اتهموا صحابة رسول الله بتبديل الدين إلا قلة منهم[115].

 

والشاهد الثامن هو ما ذكره الحافظ الذهبي (ت748ه) عن شيعة زمانه، فقال: إنهم (( يُكفرون الصحابة ويبرؤون منهم جهلا وعدوانا، ويتعدون إلى الصديق، قاتلهم الله ))[116]. وهو هنا قد وصف شيعة زمانه في تكفيرهم للصحابة، وإلا فإن تكفيرهم للصحابة قديم جدا، يعود إلى القرن الأول الهجري وما بعده [117].

 

والشاهد التاسع يتعلق بالشيعي حسن بن محمد السكاكيني (ت744ه)، فقد كان يُكفّر الشيخين أبا بكر وعمر بن الخطاب-رضي الله عنهما-، ويقذف عائشة وحفصة –رضي الله عنهما-، قبّحه الله[118]، وعامله بما يستحق.

 

وآخرها-أي الشاهد العاشر- هو ما صرّح به الكاتب الشيعي المعاصر محسن المعلم في كتابه النصب والنواصب، حين ذكر صراحة أن الشيعة الإمامية – يقصد الإثنى عشرية- أجمعت على أن (( الناصبي-أي السني- حكمه حكم الكافر من حيث الاعتقاد ))، وهو –أي الناصبي- في حكم الكافر من حيث النجاسة، وإن كان مظهرا للشهادتين. ونقل عن عالمهم الصدر أن النواصب كفار. ونقل أيضا عن أحد علمائهم إنه قال: الناصبي شر من اليهودي والنصراني، وهو أنجس من الكلب[119].

وهو يقصد بالنواصب أهل السنة، من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من السنيين إلى يومنا هذا، وقد ذكر منهم طائفة، من بينهم: أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وأبو بكر الصديق، وعائشة أم المؤمنين، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن المسيب، وتقي الدين بن تيمية، وابن كثير، وأحمد بن حجر الهيثمي[120].

 

وبذلك يتبين جليا أن التعصب المذهبي الأعمى أوصل الشيعة إلى تكفير الصحابة وأهل السنة أيضا، بسبب انحراف عقائدهم –أي عقائد الشيعة- المخالفة للنقل الصحيح والعقل الصريح معا، فهل كفّر السنيون الشيعة هم أيضا ؟.

نعم كفّر كثير من علماء أهل السن الشيعة، وردوا على أباطيلهم وضللوهم، منهم: الإمام مالك بن أنس (ت179ه)، فإنه قال: (( أهل الأهواء كلهم كفار، وأسوأهم الروافض))[121]. وفي رواية أخرى أنه كفّر الروافض الذين يبغضون الصحابة[122].

والثاني هو الحافظ عبد الرزاق الصنعاني (ت211ه ) قال: الرافضي[123] عندي كافر[124]. والثالث هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي(ت 204ه)، قال بكفر الروافض الذين يبغضون الصحابة موافقا في ذلك ما ذهب إليه مالك بن أنس[125].

والرابع هو الإمام أحمد بن حنبل (ت 241ه)، قال: (( ليست الرافضة من الإسلام في شيء))[126]. وفي رواية أخرى إنه كفّر من تبرأ من الصحابة، وسب عائشة أم المؤمنين، أو رماها بما قد برأها الله منه [127].

والخامس هو الحافظ أبو بكر أحمد بن هاني البغدادي (ت قرن:3ه)، كفّر الرافضة وقال لا تُؤكل ذبائحهم، لأنهم مرتدون[128].و السادس هو شيخ الحنابلة أبو محمد البربهاري البغدادي(ت 329ه )، قال في أهل الأهواء: (( وأعلم أن الأهواء كلها ردية تدعوا على السيف، وأردؤها وأكفرها الرافضة والمعتزلة والجهمية، فإنهم يردون الناس إلى التعطيل-أي تعطيل الصفات- والزندقة ))[129].

والسابع هو فقيه الحنابلة ابن حامد البغدادي(ت 403ه )، فإنه كفّر الرافضة ضمن تكفيره للخوارج والقدرية، وغيرهم من الطوائف المذهبية[130]. والثامن هو الفقيه أبو محمد بن حزم الأندلسي (ت 456ه) قال: الرافضة ليسوا من المسلمين، وهم طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر [131].

والتاسع هو المتكلم عبد القاهر البغدادي(ت 429ه)، قال في أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم: (( وأما أهل الأهواء من الجارودية، والهشامية، والنجارية، والجهمية، والإمامية –هم الشيعة الإثنى عشرية والإسماعيلية- الذين كفّروا خيار الصحابة... والخوارج، فإنا نكفّرهم كما يُكفرون أهل السنة، ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا، ولا الصلاة خلفهم ))[132].

والعاشر هو القاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي البغدادي(ت 458ه) نص على أن الرافضة-أي الشيعة- كالخوارج فمن كفّر الصحابة وفسّقهم فهو كافر، ومن رأى أن الصحابة اجتهدوا وأخطؤوا فليس بكافر[133]. وحكمه بتكفير من يُفسق الصحابة ويُكفّرهم ينطبق على الشيعة، لأنه سبق أن ذكرنا شواهد كثيرة على سبهم للصحابة وتكفيرهم لهم.

والحادي عشر هو المتكلم أبو المظفر الإسفراييني، فإنه بعدما تعرّض لعقائد الشيعة قال فيهم: (( وليسوا في الحال على شيء من الدين، ولا مزيد على هذا النوع من الكفر، إذ لا بقاء فيه شيء من الدين ))[134].

والحادي عشر هو الفقيه أبو العباس بن الحيطة المصري، كانت له مناظرات مع الشيعة الإسماعيليين زمن العبيديين بمصر (360-567ه)، فكان يُناقشهم ويرد على أباطيلهم، ويقول: (( أحمق الناس في هذه المسألة الروافض، خالفوا كتاب الله وسنة رسوله، وكفروا بالله كفرا صريحا بلا تأويل ))[135].

والثاني عشر هو شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية (ت 728ه)، نص على أن من زعم أن الصحابة ارتدوا كلهم بعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا قلة منهم لا يبلغون بضعة عشر نفسا، وأنهم فسقوا في عامتهم ))، فهذا (( لا ريب أيضا في كفره، فإنه مُكذّب لما نصّ عليه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة-أي تكفير الصحابة- أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وإن هذه الأمة التي هي (( خير أمة أُخرجت للناس  )) وخيرها هو القرن الأول، كان عامتهم كفارا، أو فساقا، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام ))[136].

والثالث عشر هو المؤرخ الحافظ شمس الدين الذهبي (ت748ه)، قال في الشيعة: من أحب منهم الشيخين فليس بغال، ومن تعرّض لهما بشيء من التنقيص فإنه رافضي غال، فإن سبهما فهو (( من شرار الرافضة، فإن كفّر فقد باء بالكفر واستحق الخزي ))[137].

والرابع عشر هو المحقق الناقد ابن قيم الجوزية (ت751ه)، قال –عندما تطرّق لفضائل أبي بكر-: (( أتُرى ألم يسمع الروافض الكفار " ثاني اثنين إذ هما في الغار ))-سورة التوبة /4-. وقال أيضا: إن الشيطان أخرج الروافض إلى (( الكفر والإلحاد، والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله وأوليائه وأنصاره، في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم ))[138].

 

وآخرهم –أي الخامس عشر- هو الحافظ المؤرخ ابن كثير (ت774ه)، قال أن تكفير الرافضة للشيخين وقذفهم لعائشة وحفصة-رضي الله عنهم- هو من الكفر المحض. كما أن زعمهم –أي الرافضة- بأن الصحابة أخفوا النص والوصية يُؤدي إلى نسب الصحابة بأجمعهم إلى (( الفجور والتواطؤ على معاندة الرسول –عليه الصلاة والسلام- ومصادته في حكمه ونصه، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الإسلام، وكفر بإجماع الأئمة الأعلام ))[139].

 

وزيادة على ما قاله هؤلاء، فإنه توجد شواهد أخرى تُعبر عن موقف جماعي لطوائف من أهل السنة في تكفيرهم للشيعة، منها إن أئمة الحنفية كفروا المنكر لخلافة الشيخين أبي بكر وعمر  -رضي الله عنهما-[140]. ولاشك أن الساب والمُكفّر لهما أشد كفرا وضلالا.

 

والشاهد الثاني مفاده أن فقهاء أهل السنة بالقيروان أفتوا بكفر الشيعة الإسماعيليين العُبيديين، وخرجوا عليهم، وحملوا السلاح لقتالهم[141].  والشاهد الثالث مفاده أن أعيان الحنابلة والفقهاء وأهل الحديث ببغداد  اجتمعوا بدار الخلافة سنة 460هجرية، وأجمعوا على لعن الرافضة، وأنهم كلهم كفار، ومن لا يُكفّرهم فهو كافر[142].

وبذلك يتبين جليا أن كثيرا من أعيان أهل السنة قد كفروا الشيعة، لتكفيرهم الصحابة وتضليلهم أياهم، وطعنهم فيهم. فمن المتعصب المذموم في هذه الحالة ؟، لا شك أن كل طرف كفّر الآخر، لكن شتان بين من كفّر الصحابة ظلما وعدوانا، وبين من دافع عن الصحابة وكفّر من كفّرهم، فالدين كفّروا الصحابة هم المتعصبون للباطل، المخالفون للنقل الصحيح والعقل الصريح، . وأما الذين نزّهوا الصحابة وانتصروا لهم إتباعا للشرع وللحقائق التاريخية الثابتة، فهم المنتصرون للحق المتعصبون له، فتعصبهم محبوب ممدوح، وتعصب هؤلاء-أي الشيعة- مُنكر مذموم، لأن الله تعالى شهد لصحابة رسوله-عليه الصلاة والسلام- بالإيمان والعمل الصالح، وبالجنة والنصرة في الدنيا والآخرة، وهم –أي الشيعة- خالفوا كلام الله تعالى وجعلوه وراء ظهورهم، وسبوا الصحابة وكفّروهم، إتباعا لأهوائهم وظنونهم،  ومفتريات الكذابين من سلفهم من السبئية والرافضية، فويل لهم مما افتروا، وويل لهم مما كتبوا من أباطيل وأكاذيب عن الصحابة، والله تعالى قال فيهم )) وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))-سورة التوبة / 100 -، فالله سبحانه قد شهد لهم بالجنة والرضوان، وهؤلاء الضالون سبوهم وكفّروهم!!.

كما انه سبحانه وعدهم –أي الصحابة- بالنصر والتمكين،  وقد تحقق على يدهم، في قوله سبحانه: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) – سورة النور / 55 - وهذا الوعد تحقق بناء على شروط اشترطها الله تعالى على الصحابة، وهي الإيمان، والعمل الصالح، وعدم الإشراك بالله، فتحقق النصر على أرض الواقع، ففتح الصحابة الفتوحات وبنوا دولة الإسلام، ونشروا التوحيد والعدل، فدل ذلك على أنهم كانوا مؤمنين صالحين زمن رسول الله وبعده عليه الصلاة والسلام.

وثانيا: إن من مظاهر التكفير والتضليل أيضا: التكفير المتبادل بين الطوائف السنية ذاتها، فهي أيضا كفّرت بعضها بعضا بسبب التعصب المذهبي الذي جرّها إلى التكفير والتضليل، والشواهد الآتية تُثبت ذلك بوضوح، أولها ما ذكره الحافظ أبو نصر السجزي الحنفي(ت 444ه) من أن أبا الحسن الأشعري وأصحابه جعلوا عوام المسلمين –الذين لا يعرفون الله بالأدلة العقلية- ليسوا مؤمنين في الحقيقة، وإن جرت عليهم أحكام الشريعة[143]. وثانيها ما رواه المؤرخ عبد الرحمن بن الجوزي(ت597ه)، من أن المتكلم أبا ذر الهروي الأشعري (ت قرن: 5ه) كان يعتقد كفر  المحدث ابن بطة العكبري الحنبلي[144].

 

وثالثها ما قاله الحافظ أبو نصر السجزي في مسألة كلام الله تعالى، فإنه قرر إن من قال بمقالة أبي الحسن الأشعري في القرآن الكريم[145]، فهو كافر بإجماع الفقهاء[146]. والشاهد الرابع ما ذهب إليه ابن حزم الظاهري، فإنه كفّر من يقول بمقالة الأشعري في كلام الله تعالى، وجعلها من أعظم الكفر، وهي مقالة مخالفة للقرآن وتكذيب لله تعالى[147].

 

والشاهد الخامس يتعلق بالفقهاء في دولة المرابطين بالمغرب والأندلس (451-541ه) فإنهم كفروا كل من ظهر منه الخوض في شيء من علم الكلام[148]. وحكمهم هذا مبالغ فيه جدا، ولا يصح على إطلاقه، لأن علم الكلام فيه الضار والنافع، والحق والباطل، وليس كل من خاضه هو كافر بالضرورة، وفد تعاطاه علماء كبار لم تكفرهم الأمة ولهم لديها شأن كبير، منهم: أبو الحسن الأشعري، وأبو بكر الباقلاني، وأبو بكر بن العربي، وابن عقيل الحنبلي، والقاضي أبو يعلى الفراء، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وغير هم كثير.

 

والشاهد السادس  ما حدث بين الجنابلة والأشاعرة ببغداد - على إثر فتنة ابن القشيري- إذ أقدم فقيه أشعري من المدرسة النظامية، على تكفير الحنابلة سنة 470 هجرية، فأدى ذلك إلى وقوع فتنة دامية بين الطرفين[149].

والشاهد السابع يتعلق بالواعظ أبي بكر البكري المغربي، فإنه لما وعظ بجامع المنصور ببغداد سنة 475 هجرية، كان مما قاله إنه مدح أحمد بن حنبل، ثم ذكر قوله تعالى: ما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ))-سورة البقرة/102-، ثم قال: ما كفر أحمد بن حنبل، وإنما أصحابه[150]، أي أنهم كفروا.

والشاهد الثامن يخص موقف محمد بن تومرت المصمودي الأشعري(ت 524ه)، من المغاربة المخالفين له في المذهب –كانوا على مذهب السلف-، فقد كفّرهم وضللهم، واستباح أموالهم ودماءهم[151].

والشاهد التاسع يتعلق بما حدث بين الصوفي المتكلم نجم الدين الخبوشاني الأشعري(ت587ه) والحنابلة وأهل الحديث بمصر من نزاع وتناحر وتعصب، فقد كان يُكفّرهم ويُكفّرونه. وهو الذي نبش قبر المحدث ابن الكيزاني المصري المدفون بجانب قبر الشافعي، فنبشه ووصفه بالزندقة، بقوله: (( لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد ))[152].

 

والشاهد العاشر يتعلق بما كان يحدث بين المتكلم فخر الدين الرازي (ت 606ه) وطائفة الكرّامية المجسمة ببلاد خُراسان، من مناظرات وخصام وسباب، وقد كفّر كل منهما الآخر[153].

والشاهد الحادي عشر يتعلّق بما حدث للحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي(ت600ه)، فإنه لما أظهر مذهبه في صفات الله تعالى أنكر عليه طائفة من الأشاعرة، ورفعوا أمره إلى ولي الأمر بدمشق ( سنة 596هه)، وناقشوه في مذهبه، فلما أصر عليه كفّروه وبدّعوه[154].

والشاهد الثاني عشر يخص الفقيه تقي الدين عبد الساتر بن عبد الحميد المقدسي الحنبلي(ت679ه)، فقد كانت فيه حزبية وتحرّق على طائفة الأشاعرة، فناظرهم وكفّرهم، فرموه هم أيضا بالتجسيم في موقفه من صفات الله تعالى[155].

والشاهد الثالث عشر يتعلّق بالشيخ تقي الدين بن تيمية، فإنه لما أظهر مذهبه في صفات الله تعالى على طريقة السلف وأهل الحديث تألّب عليه جماعة من الأشاعرة  ورفعوا أمره إلى السلطان، ثم انتهى أمره إلى قضاة المذاهب الأربعة، فحكم عليه القاضي المالكي ابن مخلوف بالسجن والكفر[156].

وهذا القاضي-أي ابن مخلوف- قال فيه الشوكاني: كان جاهلا غبيا (( من الشياطين المتجرئين على سفك دماء المسلمين، بمجرد أكاذيب... وناهيك بقوله إن هذا الإمام-أي ابن تيمية- قد استحق القتل، وثبت لديه كفره، ولا يساوي شعرة من شعراته، بل لا يصلح أن يكون شسعا لنعله. وما زال هذا القاضي الشيطان يتطلّب الفرص التي يتوصل بها إلى إراقة دم هذا الإمام –أي ابن تيمية- فحجبه الله عنه، وحال بينه، والحمد لله رب العالمين ))[157].

والشاهد الرابع عشر مفاده أن الواعظ إبراهيم الحلواني الشافعي(ت780ه) كان له مجلس بجامع الأزهر يقرأ فيه صحيح البخاري، فجاءه ذات يوم رجل بكتاب فيه مناقب الشافعي، وقال له: أمرك القاضي برهان الدين بن جماعة الشافعي بقراءة الكتاب على الناس، فكان مما قرأه عليهم أن رجلا رأى النبي-عليه الصلاة والسلام- في المنام وهو يقرأ قوله تعالى ((فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ )) – سورة الأنعام / 89 -، فلما قرأ (( فإن يكفر بها هؤلاء ))، أشار إلى الإمام أبي حنيفة وأصحابه –أي كفّرهم-، وأشار ببقية الآية إلى الإمام الشافعي وأصحابه-مدحا وتعصبا لهم-، فشكاه بعض الحنفية إلى قاضيهم-أي قاضي الحنفية-، فعزّره وسجنه[158].

والشاهد الخامس يتعلق بالفقيه الحنفي العلاء بن محمد العجمي(ت814ت)، كفّر الصوفي الاتحادي محي الدين بن عربي(ت 638ه )، وبدّع تقي الدين بن تيمية وكفّره هو أيضا، وقال إن من سماه شيخ الإسلام كافر مثله، فرد عليه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي(ت قرن:9ه ) في كتاب سماه: الرد الوافر على من زعم أن من أطلق على ابن تيمية أنه شيخ الإسلام كافر، جمع فيه العلماء الذين سموا ابن تيمية بشيخ الإسلام، من معاصريه، من مختلف المذاهب ما عدا المذهب الحنبلي، وذكر فيه كثيرا من مناقبه، ثم أرسل نسخة منه على القاهرة، فاستحسنه جماعة من أعيان علماء مصر، كابن حجر، وعلم الدين البلقيني[159].

و الشاهد السادس مفاده أن الشاعر السراج الحمصي(ت قرن: 9ه)  نظم قصيدة انتصر فيها لابن تيمية، وكفّر فيها من كفّره، فغضب الفقيه محمد بن زُهرة الدمشقي الشافعي(ت848ه)، وتصدى له وكفّره، - أي كفّر  السراج الحمصي-، فوقف الناس بجانب ابن زهرة، حبا وتعصبا

، فاضطر السراج الحمصي إلى الفرار من بلده[160].

 

وآخرها- أي الشاهد السابع عشر- يتعلق بالفقيه المفسر البرهان بن عمر البِقاعي الشافعي(ت885ه)، قال بكفّر الصوفيين الاتحاديين: عمر بن الفارض (ت 633ه  ) ومحي الدين بن عربي (638ه)، وألف فيهما كتابا سماع:تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي، فانتقده كثير من أهل العلم، وتناولوه بالألسنة والردود، منهم: جلال الدين السيوطي(ت 911ه)، وإبراهيم بن محمد الحلبي، فألف الأول كتاب عنوانه: تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي. وألف الثاني كتابا سماه:  تسفيه الغبي في تكفير ابن عربي[161].

 

وأما التضليل المتبادل بين السنيين فهو أيضا كانت سوقه رائجة، بسبب التعصب المذموم، في عصر سيطر عليه التقليد والعصب المذهبيين، فمن ذلك،  الشواهد الآتية: أولها يتعلق بموقف الحافظ أبي نصر السجزي (ت444ه) من أئمة الكلابية والأشعرية الأوائل، كابن كلاب، وأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري، وابن مجاهد البصري، وأبي بكر الباقلاني، فإنه جعل كل هؤلاء من أئمة الضلال وألحقهم بالمعتزلة، لأنهم يدعون الناس إلى مخالفة السنة، وترك الحديث، وضررهم –عند السجزي- أكثر من ضرر المعتزلة[162].

وثانيها ما قاله ابن حزم عن الأشاعرة في موقفهم من كلام الله تعالى، فعدّ مقالتهم فيه ضلالا واستهزاء بآيات الله، وسخرية بالمسلمين[163]. وثالثها ما كتبه علماء الأشاعرة في رسالتهم إلى الوزير نظام الملك بسبب فتنة ابن القشيري سنة 469 هجرية، فكان مما وصفوا به الحنابلة، إنهم تمادوا في ضلالهم، وأصروا على جهالتهم[164].

 

والشاهد الرابع بتعلق بالمتكلم أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي ابغدادي (ت 513ه)، فإنه عدّ مقالة الأشاعرة في كلام الله تعالى، ضلالة وبدعة وخطرا على المسلمين[165]. والشاهد الخامس هو إن الحافظ عبد الغني المقدسي(ت600ه)، لما تألب عليه جماعة من الأشاعرة وكفّروه واتهموه بالتجسيم، أصرّ هو على مذهبه وضللهم كلهم[166].

وآخرها –أي الشاهد السادس- يتعلبق بالفقيه الموفق بن قدامة المقدسي (ت620ه)، فإنه ألحق  الأشاعرة بالمبتدعة، وشبههم بالزنادقة – في موقفهم من كلام الله – بقوله: (( ولا نعرف في أهل البدع طائفة يكتمون مقالتهم، ولا يتجاسرون على إظهارها، إلا الزنادقة والأشعرية، رغم أنهم هم ولاة الأمر وأرباب الدولة، ومع ذلك لا يُظهرون مقالتهم لعامة الناس ))[167].

 

وبذلك يتبين مما ذكرناه أن أهل السنة هم أيضا فرّقتهم الخلافات الأصولية والفروعية، وقسّمتهم إلى طوائف متناحرة متنازعة، فتبادلت التكفير والتضليل والتبديع، انتصارا لمذاهبها وتعصبا لها وعلى خُصومها.

وثالثا فإنني أُشير هنا إلى أن التكفير والتضليل لم ينحصر بين الشيعة والسنة، ولا بين السنيين أنفسهم، وإنما حدث أيضا بين المعتزلة وأهل السنة، وبين الخوارج والسنيين، فالمعتزلة كفّروا من خالفهم في أصولهم كمسألة الصفات وكلام الله؛ فردّ عليهم أهل السنة بالتكفير هم أيضا، بسبب انحرافهم عن الشرع في مسألة الصفات وكلام الله تعالى[168].

وأما الخوارج فقد ظهر تطرفهم وتعصبهم مبكرا، عندما كفّروا عليا، وعثمان، والحكمين عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري، وأصحاب الجمل، وكل من رضي بتحكيم الحكمين، كما أنهم كفروا أيضا مرتكب الذنوب[169] -أي الكبائر-. وكان صاحب الحمار مخلد بن كِداد الخارجي الإباضي المغربي (ت 336ه) يُكفر أهل الملة، ويسب علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-[170]. فرد عليهم أهل السنة بالتضليل والتكفير والتبديع، بسب تكفيرهم لكثير من الصحابة وجماهير الأمة، وما ارتكبوه في حق المسلمين من تقتيل وترويع[171].

وختاما لهذا المبحث يتبين أن التعصب المذهبي أوصل الطوائف الإسلامية إلى التكفير والتضليل والتبديع، وأذهب أخوتهم ووحدتهم.و قد أصاب الفقيه المجدد محمد بن علي الشوكاني عندما قال: (( ها هنا تُسكب العبرات، ويُناح على الإسلام وأهله، بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين، من الترامي بالكفر لا لسنة، ولا لقرآن، ولا لبيان من الله، ولا لبرهان، بل لما غلبت مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين، لقنهم إلزامات بعضهم لبعض،  بما هو شبيه الهباء في الهواء، والسراب البقيعة، فيا لله وللمسلمين، من هذه الفاقرة التي هي من أعظم فواقر الدين والرزية ))[172].

رابعا القتل ومحاولات القتل:

أوصل التعصب المذهبي كثيرا من المتمذهبين المتعصبين إلى قتل غيرهم من الطوائف الأخرى، انتصارا للمذهب وتعصبا على المخالفين، وحوادث القتل ذات الصبغة المذهبية كثيرة، منها الحوادث الآتية، منها ما فعله الشيعة العُبيديون بالسنيين في دولتهم، فكان ملكهم عبيد الله المهدي (267-322ه) مستحلا لدماء السنيين بالمغرب الإسلامي، حتى أنه كان يرسل أعوانه إلى منازل فقهاء أهل السنة وأعيانهم ليذبحوهم في بيوتهم وعلى فرشهم[173]. وكان ملكهم عبد الله العاضد (555-567ه) سبابا خبيثا إذا رأى سنيا استحل دمه[174].

ومن المغاربة الذين قتلهم عبيد الله المهدي: محمد بن موسى التمار القيرواني ضربه 200 سوط فمات. والمؤذن عمروس، اُتهم بعدم الالتزام بآذان الشيعة، فقطع لسانه وطيف به ثم مات. ومنهم أيضا: ابن البرذون، وابن الهُذيل ـ قتلهما ثم صلبهما[175].

 

ومنهم أيضا القاضي محمد بن الحبلي (ت فرن:4ه) فإنه عندما رفض أن يفطر يوم عيد الفطر لاعتماد الشيعة على الحساب لا على الهلال، طلبه المنصور بن القائم العبيدي(ت341ه) عندما سمع به، فلما حضر قال له: (( تنصّل وأعفوا عنك، فامتنع، فأمر به، فعُلق في الشمس إلى أن مات، وكان يستغيث من العطش فلم يُسق، ثم صلبوه على خشبة، فلعنة الله على الظالمين ))[176].

 

ومنهم أيضا الزاهد أبو بكر محمد النابلسي (ت 364ه) فإنه عندما أُخذ إلى الحاكم الفاطمي أبي تمام المعز العبيدي(341-365ه)، قال له: بلغني أنك قلتَ لو أن معي عشرة أسهم لرميتُ الروم بتسعة، ورميتُ المصريين بسهم. فقال: ما قلتُ هذا، فظن المعز أنه رجع عن قوله، فقال له: كيف قلتَ ؟، قال: قلتُ ينبغي أن نرميكم بتسعة، ثم نرميهم بالعاشر. فقال المعز: لما ؟، قال: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم. فأمر المعز بالتشهير به في اليوم الأول، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضربا شديدا مبرحا، ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث، فتولى سلخه رجل يهودي، فكان يسلخه وأبو بكر النابلسي يقرأ القرآن، فلما بلغ تلقاء قلبه طعنه بالسكين فمات –رحمه الله تعالى-، وكان يُقال له الشهيد، وإليه يُنسب بنو الشهيد بنابلس، زمن الحافظ ابن كثير المُتوفى سنة774ه [177].

 

ومن قتلاهم أيضا: رجل سني بدمشق، وذلك أنه عندما كانت مدينة دمشق تابعة للعبيديين، أقدم واليهم عليها: تموصلت البربري على قتل ذلك الرجل سنة 393هجرية، وقبل قتله أُركب حمارا وطيف به، وقيل: هذا جزاء من يُحب أبا بكر وعمر، ثم قُتل[178].

وذكر الحافظ الذهبي أن الذين قتلهم الحاكم الشيعي عبيد الله المهدي وبنوه بلغوا: 4 آلاف سني، قتلوهم في دار النحر ليردوهم عن الترضي عن الصحابة- رضي الله عنهم- فأبوا واختاروا الموت، وفيهم قال أحد الشعراء:

و أحل دار النحر في أغلاله + من كان ذا تقوى وذا صلوات[179]

ومن حوادث الفتل أيضا: ما فعله شيعة قرامطة[180] البحرين بحجاج أهل السنة، ففي سنة 294هجرية اعترض القرامطة طريق حجاج خُراسان –أثناء عودتهم- فقتلوا الرجال، وسبوا النساء، وأخذوا الأموال، وقيل أنهم قتلوا منهم: عشرين ألف قتيل[181].

 

وفي سنة 317هجرية دخل القرامطة الحرم المكي بغتة، ووثبوا على حجاجه قتلا ونهبا، بداخله وما حوله، ورموا بالقتلى داخل بيت زمزم، ودفنوا بعضهم في أماكنهم من الحرم. ثم قلعوا الحجر الأسود، وأخذوه معهم إلى بلدهم بالبحرين، فبقي عندهم عشرين سنة، ثم ردوه إلى مكانه سنة 339ه. وقُدر عدد الحجاج الذين قتلوهم داخل المسجد الحرام ب: 1700 قتيل، وقتلوا أكثر من ذلك خارج مكة المكرمة[182].

 

ومنها أيضا –أي حوادث القتل- ما فعله الشيعة الإسماعيلية الباطنية بأهل السنة ببلاد فارس وخُراسان، من قتل واغتيالات، ما بين سنتي 483-654ه، فقتلوا منهم كثيرا من العوام والعلماء والأمراء[183]. فمن ذلك ما حدث للوزير السلجوقي نظام الملك (ت475ه)، فقد رُوي أن أحد الباطنية الملاحدة تقدم إليه في زي الصوفية ليكرمه، فطعنه بسكين في قلبه فمات[184]. ونفس الأمر حدث للوزير السلجوقي مسعود بن علي، فقد قتلته الباطنية الإسماعيلية سنة 596هجرية[185]،

 

ومن ذلك أيضا، ما جرى للقاضي شيخ الشافعية أبي المحاسن عبد الواحد الروياني الطبري(ت501ه)، فقد كان في مجلس علم بجامع مدينة آمل، فلما فرغ منه، قام إليه أحد الباطنية الإسماعيليين وقتله بسب التعصب في المذاهب[186].

ومن ذلك أيضا ما حدث لأهل السنة بمدينة كرمان ببلاد فارس، وذلك أنه عندما تمذهب ملكها تيران شاه السلجوقي(ت قرن: 6ه) بالمذهب الشيعي الإسماعيلي الباطني قتل من أهل السنة 4 ألاف شخص، تعصبا عليهم، لكونهم سنيين[187].

 

ومن حوادث القتل أيضا: ما حدث لثلاثة من أعيان أهل السنة –على يد الشيعة- بمكة المكرمة، وذلك أنه في سنة 472ه، وقع خلاف بين السنة والشيعة، فاتصل أحد الشيعة بأمير مكة الشيعي: محمد بن أبي هاشم (ت487ه)، وقال له إن أهل السنة ينالون منا، فاستدعى ثلاثة من أعيانهم –أي من السنة-، وهم: هياج بن عبيد الشامي، وأبو الفضل بن قوام، وابن الأنماطي، فضربهم ضربا مٌبرحا، فمات الثاني والثالث في الحال، ومات الأول –أي هياج- بعد أيام، وفيه قال أحد العلماء: (( لو ظفرت النصارى بهياج، لما فعلوا فيه ما فعله به صاحب مكة، هذا الخبيث))، الذي كان متعصبا سبابا ظالما[188].

 

وآخرها-أي حوادث القتل على يد الشيعة- ما حدث للفقيه جمال الدين طاهر الهندي (ت 986ه)، كان كثير المناظرة للشيعة لإرجاعهم إلى الحق، وقد قهرهم في عدة مجالس، وأظهر فضائحهم وكفرهم، وجزم بخروجهم من الدين، ثم سعى للقضاء علي مذهبهم نهائيا، فاحتالوا عليه وقتلوه قبل أن يصل إلى مراده[189].

 

وأما حوادث القتل-ذات الصبغة المذهبية- التي تمت على أيدي أهل السنة، في قتلهم للشيعة والصوفية المنحرفين، فمنها الحوادث الآتية:

أولها ما رواه المؤرخ ابن الأثير من أن الشيعة قُتلت بجميع إفريقيا –أي بتونس- سنة 407 هجرية، وذلك أن حاكمها المعز بن باديس الصنهاجي مرّ راكبا ببعض شوارع القيروان والناس يُسلّمون عليه ويدعون له، فمر بجماعة فسأل عنها، فقيل له: هؤلاء رافضة يسبون أبا بكر وعمر، فقال: رضي الله عن أبي بكر وعمر. فأسرعت العامة إلى مكان يجتمع فيه الرافضة، وقتلوا منهم طائفة، وقد تلقت العامة دعما من رجالات في الدولة. ثم انتقل القتل إلى جميع نواحي إفريقيا، فقُتل من الشيعة خلق كثير، واحرقوا بالنار، ونُهبت ديارهم، وقد لجأت طائفة منهم إلى جامع بمدينة المهدية، فقُتلوا كلهم[190].

 

والثانية مضمونها أنه لما زالت دولة الشيعة البويهية –على أيدي السلاجقة-، وفقد شيعة بغداد الدعم السياسي سنة 447 هجرية، ألزمهم رئيس الرؤساء ابن المسلمة(ت450ه) التخلي عن شعاراتهم، وأمر بقتل شيخهم أبي عبد الله بن الجلاب، لما كان قد تظاهر به من الرفض والغلو فيه، فقُتل على باب دكانه[191].

والحادثة الثالثة مفادها أنه في سنة 494 هجرية أمر السلطان السلجوقي بركياروق بقتل الشيعة الباطنية الإسماعيلية، فقام أهل إصبهان للإنتقام منهم –أي من الشيعة- فحفروا  (( أخاديد أوقدت فيها النيران، وجعلوا يأتون بهم ويلقونهم في النار، إلى أن قتلوا منهم خلقا كثيرا ))[192].

 

والحادثة الرابعة-في قتل السنة للشيعة- إنه في سنة 600 هجرية، اكتشف أهل مدينة واسط بالعراق، وجود جماعة من الشيعة الباطنية، فتصايحوا عليهم وطاردوهم، وقتلوا طائفة منهم، وكل من اكتشفوا تعاونه معهم[193].

والحادثة الخامسة تتعلق بالشيعي الزنديق حسن بن محمد السكاكيني (ت744ه)، فقد شهد عليه جمع من الناس عند القاضي شرف الدين المالكي بأنه كفّر الشيخين أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما-، وقذف عائشة وحفصة-رضي الله عنهما-، وأنه زعم أن جبريل كان مرسلا إلى علي فغلط فأوحى إلى محمد؛ فبسبب هذه الكفريات والضلالات حكم عليه القاضي بالقتل، فقُتل سنة 744ه بدمشق[194].

 

والحادثة السادسة تتعلق بالشيعي علي بن أبي الفضل بن محمد(ت755ه )، فإنه دخل الجامع الأموي، وسب الصحابة، ولعن الشيخين وغيرهما، فأُخذ إلى مجلس القضاة الربعة، فناقشه الحافظ بن كثير، ووجده ضالا منحرفا، يعتقد أشياء في الكفر والزندقة، وفي النهاية حكم عليه القاضي المالكي بالقتل، فضُربت عنقه وحرّقته العامة سنة 755 هجرية، وطيف برأسه في البلد، ونادوا عليه (( هذا جزاء من سب أصحاب رسول الله ))[195].

والحادثة السابعة تتعلق بالشيعي محمد بن إبراهيم الشيرازي (ت766ه )، فإنه دخل الجامع الأموي بدمشق، وسبّ الشيخين أبا بكر وعمر ولعنهما علانية، فأُخذ إلى القاضي فاستتابه فلم يتب وأصر على معتقده، فهجمت عليه العامة وانهالت عليه بالضرب، فكان يسب الصحابة ويقول: كانوا على ضلالة. ثم أُعيد إلى القاضي، وشهد عليه الناس بأنه ضلل الصحابة، فحكم عليه القاضي بالقتل سنة 766ه، فقُتل وأحرقته العامة[196].

وآخرها –أي الحادثة الثامنة- تتعلق بفقيه الشيعة بالمدينة المنورة: عبد الوهاب بن جعفر الشامي، فإنه أفسد عقائد كثير من الناس، وأظهر شنيع الكفريات، وسبّ الصحابة-رضي الله عنهم-، فحكم عليه قاضي المدينة بضرب عنقه فقُتل[197].

 

وأما الصوفية المنحرفون الذين قتلهم أهل السنة، فسأذكر منهم اثنين، الأول هو الحسين بن منصور الحلاج البغدادي(ت 309ه )، أنكر عليه فقهاء بغداد ادعاءه للنبوة، والألوهية، والحلول، وجدوا ذلك في كتاب له، فسُجن سنة 301 هجرية، وبقيت قضيته مٌثارة إلى سنة 309 هجرية، حيث عُقد له مجلس بإذن من الخليفة العباسي المقتدر بالله، حضره قضاة وعلماء ورجال من الدولة، منهم القاضي أبو عمر المالكي، فانتهت محاكمته بإصدار حكم الإعدام في حقه، بموافقة جميع الحاضرين، فضُربت عنقه سنة 309هجرية ببغداد أمام جمع من الناس[198].

والثاني هو الصوفي الاتحادي عثمان الدكاكي الدمشقي(ت 741ه)، اُدعي عليه أنه ادعى الألوهية، وانتقص من الأنبياء، وخالط الصوفية دعاة وحدة الوجود، فأُخذ إلى مجلس القضاء في حضرة الأمراء، والشهود، والقضاة، وأُقيمت عليه الحجة، وحكم عليه القاضي المالكي بضرب عنقه وإن تاب!، فقُتل سنة 741 هجرية، ونُودي عليه: هذا جزاء من يكون على مذهب الاتحادية[199].

 

وتعليقا على ما ذكرناه أقول: أولا إن قتل أهل السنة للشيعة الذين سبوا الصحابة وكفّروهم، وأصروا على ذلك، ورفضوا التوبة عن ضلالهم، هو عمل لا تعصب فيه-بالمعنى المذموم-، وإنما هو انتصار للحق، وإقامة للشرع، لأن ما أظهره هؤلاء الشيعة هو هدم لدين الإسلام، وتعد سافر على عقائد وثوابت أهل السنة ومشاعرهم، لا يُمكنهم السكوت عنه، وعليهم أن يتصدوا له، مع العلم أن القتل في مثل هذه الحالات معروف في التاريخ والحاضر، فإذا ما تعدي إنسان ما على مقدسات أمة وداس عليها علانية، يكون قد اعتدى عليها، وارتكب جريمة كبرى في حقها، وما عليه إلا التهيؤ لقطع رأسه.

وثانيا إن قتلهم للشيعة الباطنية لم يكن اعتداء عليهم، وإنما هو حماية للدين والمجتمع، وتصدٍ للخطر الداهم الذي كان يهدد الأمة آنذاك؛ لأن هؤلاء الباطنية كانت لهم قيادات تجندهم وتدربهم، وتبعثهم لقتل السنيين، فقتلوا كثيرا منهم، وقطعوا الطرق، ونشروا الرعب في بلاد فارس وخُراسان، والشام والعراق، والتف حولهم (( كل شيطان ومارق، وكل ماكر ومتحيّل ))، وهم الذين بدؤوا بالعدوان على أهل السنة، هذا فضلا عن ضلالاتهم وكفرياتهم[200].

 

وثالثا إن قتلهم للشيعة العبيدية الإسماعيلية بإفريقية سنة 407 هجرية، كان عملا له دوافع سياسية ومذهبية، ساهمت فيه أطراف في السلطة والمجتمع، وكانت لها أحقاد وتعصبات مذهبية موروثة منذ كانت الدولة العبيدية بالمغرب الإسلامي  وارتكابها للمجازر الرهيبة في حق أهل السنة. ومع ذلك فإن ما قام به عوام أهل السنة من قتل واسع للشيعة الإسماعيلية بتونس، هو عمل فيه مبالغة في القتل والانتقام، لأننا إذا اعتبرنا العبيديين مرتدين كان من اللازم محاكمتهم واستتابتهم، وإقامة الحجة عليهم أولا. وإذا اعتبرناهم بمنزلة أهل الذمة، فلا يجوز قتلهم إلا بحق. لكن الأمر الذي حدث هو أن عوام أهل السنة قتلوا الشيعة بلا محاكة ولا تمييز، وهذا عمل فيه ظلم كبير، لأن عوام العبيديين كثير منهم  أو معظمهم مغرر بهم، فلو وجدوا من يُبين لهم ضلالهم، ويأخذ بيدهم، ويقف معهم، ويُبين لهم حقائق المذهب السني، فلربما تخلوا عن مذهبهم وتبنّوا المذهب السني.

ورابعا إن قتلهم للصوفيين الحلاج والدكاكي هو عمل صائب، وانتصار للحق وتعصب له، وليس تعصبا للباطل، لأن ما أظهره هذان الرجلان هو هدم للدين من أساسه، واعتداء صارخ على المسلمين، وهدم أيضا لمبادئ العقل، لأن من يدعي أنه إله، أو أن الله حلّ فيه، أو أن الكون هو الله وأن الله هو الكون، يكون قد أوجب على المسلمين قطع رأسه، بعد مناظرته واستتابته، وإقامة الحجة عليه، وعلاجه إن كان مريضا.

وأما محاولات القتل ذات الصبغة المذهبية التي حدثت بين الطوائف الإسلامية،  فمنها أن المحدث محمد بن علي الصوري البغدادي(ت 442ه) لما حل بالكوفة لسماع الحديث من بعض شيوخها، وكان يُظهر السنة، ويترحّم على الشيخين أبي بكر وعمر، ثار عليه شيعة الكوفة، وهموا بقتله، التجأ إلى احد الشيعة العلوية، فأجاره وحماه[201].

والثانية هي محاولة قتل الحفظ الخطيب البغدادي(ت 463ه)، وذلك انه لما ارتحل إلى دمشق واستقر بها، ونشر فيها علمه، وتكلّم فيه بعض الناس، استغل أميرها[202] الرافضي المتعصب ذلك الظرف وأمر صاحب الشرطة- وكان سنيا- بأخذ الخطيب ليلا وقتله، فاتصل به صاحب الشرطة وأخبره بما أمره به الأمير، وقال له أنه لا يجد حيلة إلا أن يهرب منهم –أي من الشرطة- إلى دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي، وعندما يطلبونه ولا يجدونه يُرجعون إلى الأمير ويُخبرونه بذلك، فلما نجحت الحيلة أرسل الأمير إلى العلوي يطلب منه تسليم الخطيب البغدادي، فقال له العلوي: (( أيها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، وليس في قتله مصلحة، وهو مشهور في العراق، وإن قتله يُؤدي إلى قتل جماعة من الشيعة، وتخريب المشاهد ))، فقال له الأمير: ما ذا ترى ؟، فاقترح عليه إخراجه من البلد، فأخرجه من منه، وتوجه إلى مدينة صور[203].

 

وآخرها –أي المحاولة الثالثة- ما حدث للقاضي الشافعي البهاء بن سيد الكل القِفطي المصري(ت 697ه)، فإنه كان يسكن بمنطقة مشحونة بالروافض، فلما نصر السنة، وتاب على يده بعض الرافضة، وألف كتابه النصائح في فضائح الرافضة، هموا به ليقتلوه، فلم يبلغوا مرادهم وحماه الله تعالى من مكرهم[204].

وما حدث لهؤلاء الثلاثة هو تعصب مذهبي واضح، يندرج ضمن التعصب المذهبي بين الطائفتين السنية والشيعية، بسب التناقض المذهبي القائم بينهما، -على مستوى الأصول والفروع-، وهو الذي أوصلهما إلى اللعن والتكفير، والاقتتال الذي نتوسع فيه في المبحث الآتي:

خامسا: الفتن المذهبية بين السنة والشيعة:

تُعد الفتن المذهبية بين السنة والشيعة من أكثر مظاهر التعصب المذهبي بروزا وخطورة ومأساوية، حدث خلالها خراب كبير، وقتل كثير، كان ذلك خلال العصر الإسلامي عامة، والقرن الرابع والخامس والسادس للهجرة  خاصة. وقد أحصيتُ منها اثنتين وخمسين (52) فتنة[205]، من بينها 42 فتنة حدثت في بغداد، والباقي ( 10) بمدن أخرى بالمشرق الإسلامي. وكثير منها اكتفت المصادر بالإشارة إليها من دون تفصيل لها، وأخرى ذكرتها بشيء من التفصيل. فالتي أوجزتها كثيرا  قالت فيها: وحدثت فيها شرور وخُطوب، وقُتل فيها خلق كثير من الطائفتين المتنازعتين، كما حدث ببغداد في السنوات الهجرية الآتية: 338، 340، 346، 348، 349، 351، 391، 408، 425،  432، 437، 439، 440، 445، 447، 487، 479، 480، 481، 486، 487، 581 [206].

وأما الفتن المذهبية التي ذكرتها المصادر بشيء من التفصيل، فسنذكر منها طائفة فيما يأتي إن شاء الله تعالى.

فمن الفتن التي حدثت في القرن الرابع الهجري بين السنة والشيعة، -بسبب التعصب المذهبي- ما حدث سنة 327هجرية، عندما قصد قوم من الشيعة زيارة قبر الحسين بكربلاء، فتبعهم جماعة من حنابلة بغداد ليمنعوهم من زيارته، فحدثت بينهم فتنة، وتدخلت الشرطة وقتلت اثنين من الحنابلة، وجرحت بعضهم، وأحرقت منازل آخرين، وقبضت على بعضهم، وحاصرت بيت رئيسهم أبي محمد البربهاري شيخ الحنابلة، الذي تمكّن من الفرار[207].

والفتنة الثانية ما حدث سنة 363 هجرية ببغداد، وذلك أن الشيعة عملوا عزاء الحسين يوم عاشوراء، فقاتلهم السنيون، وأركبوا امرأة سموها عائشة، وتسمى اثنان منهم بطلحة والآخر بالزبير، وقالوا نقاتل أصحاب علي، فقُتل من الطرفين خلق كثير، وحدث دمار كبير، ولم تهدأ الفتنة إلا بتدخل الشرطة التي قتلت طائفة من الجانبين وصلبتهم ليرتدع أمثالهم. وفيهم قال الحافظ ابن كثير: (( وكلا الفريقين قليل عقل، أو عديمه، بعيد عن السداد ))[208].

 

والفتنة الثالثة ما حدث سنة 381 هجرية ببغداد، عندما أحيى الشيعة يوم غدير خم في 18 ذي الحجة من هذه السنة، فاندلع بينهم وبين أهل السنة قتال ضار، ألحق فيه السنيون بالشيعة خسائر كبيرة، وأحرقوا أعلام حاكم بغداد الأمير الشيعي بهاء الدولة البويهي (379-4-3ه)، فتدخل وقبض على جماعة منهم بتهمة إشعال النار في رايات السلطان، وصلبهم ليرتدع أمثالهم[209].

 

وأشير هنا إلى انه يجب علينا أن نقف برهة عند يوم غدير خُم الذي حدثت بسببه فتن كثيرة بين السنة والشيعة، فهذا اليوم مرتبط بحادثة غدير خُم، نسبة لمكان يُدعى خُماء، وخُم، بين مكة والمدينة، وفيها وقف رسول الله –عليه الصلاة والسلام – خطيبا، فوعظ وذكّر، وحثّ على التمسك بالقرآن الكريم،  ومن جملة ما قاله: (( أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي )). وقد جعل الشيعة هذا الحديث –أي حديث غدير خُم – عمدتهم في الإمامة، وفي جدالهم لأهل السنة، ويزعمون أن الرسول-عليه الصلاة والسلام-  قال أيضا:(( من كنتُ ملاه فعلي مولاه ))، واللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ((، و(( انصر من نصره ))[210].

 

وقد تنازع علماء أهل السنة في حديث المولاة بين مُنكر ومُصحح له أو لبعضه، . فمنهم طائفة أنكرت الحديث كلية كالبخاري، وإبراهيم الحربي، وابن حزم، وعبد الله الزيلعي[211]، وذكره في الضعيف والموضوعات محمد بن القيسراني، وابن الجوزي والجوزقاني، ومقبل بن هادي الوداعي، وابن تبيط، وعمر بن عثمان[212]. وطائفة أخرى حسّنت الجزء الأول من الحديث، وهو: (( من كنت مولاه فعلي مولاه ))، وأنكرت الجزء الثاني منه، وقالت أن الناس زادوه، وقال بذلك أحمد بن حنبل، والترمذي، وابن عدي، والذهبي[213]. وطائفة قليلة حسّنت الحديث كله، كابن حبان، والضياء المقدسي[214].

وقد ترجح لدي أن موقف الطائفة الثانية هو الصحيح، لأن الجزء الأول الذي أثبتوه من الحديث، لا يثير أية اعتراضات، فهو يقرر المولاة بين المؤمنين، وهي ليست خاصة بعلي-رضي الله عنه- بل هي بين جميع المؤمنين، فهي مولاة وولاية حب وتعاون، لقوله تعالى: (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ))[215]. وأما الجزء الثاني الذي أنكروه وقالوا أن الناس أضافوه، فهو كلام منكر حقا، يثير كثيرا من الاعتراضات، ويتناقض مع أصول الدين وسلوكيات الصحابة مع علي. فمن ذلك أولا، أن الجزء الثاني من الحديث يقول: (( اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه )) وهذا يعني أن الله تعالى يعادي طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم- لمجرد أنهم حاربوا عليا، وهذا كلام باطل من أساسه، لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام- أنه بشّر طلحة والزبير بالشهادة والجنة، وينطبق ذلك-أيضا- على زوجات النبي-صلى الله عليه وسلم- ومن بينهن عائشة، فهن أمهات المؤمنين بنص القرآن الكريم (( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم ))- سورة الأحزاب/ 6-.

وثانيا أن ذلك الجزء من الحديث يجعل قتلة عثمان وطائفة السبئية الذين كانوا مع علي، يجعلهم من الذين يواليهم الله تعالى ولا يعاديهم، لمجرد أنهم كانوا مع علي، رغم أنهم من القتلة والمنحرفين، وهذا استنتاج باطل ومضحك، سببه ذلك الجزء الباطل من الحديث.

 

وثالثا أن ذلك الجزء من الحديث (( اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ))، قد قلب القاعدة الإيمانية (( الحب في الله والبغض في الله ))، رأسا على عقب وجعلها (( الحب في علي والبغض في علي ))، وهذا كلام باطل وشرك صريح.

 

ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية، أن ذلك الجزء من الحديث، هو كذب بلا ريب، لأن الحق لا يدور مع معين إلا النبي، فلو كان علي بن أبي طالب  على ما وصفه ذلك الجزء من الحديث، لوجب إتباعه في كل ما قال، وهذا كلام غير صحيح لأن الصحابة نازعوه في مسائل فقهية كثيرة ولم يتبعوه. كما أن تلك الزيادة مخالفة لأصل من أصول الإسلام، عندما نصت على معاداة من عادى عليا، لأن القرآن الكريم قرر أن المؤمنين إخوة مع قتال وبغي بعضهم على بعض[216]  وبذلك يتبيّن مما ذكرناه أن الحديث لم يصح منه إلا الجزء الأول فقط، وأن الجزء الثاني باطل.

 

كما أنه لا يغيب عنا أن القرآن الكريم قد حسم مسألة الخلافة حسما نهائيا، فقد جعلها شورى بين المسلمين، وأمرهم بطاعة إمامهم الُمختار من بينهم دون تخصيص له، وإن تنازعوا في شيء عليهم برده إلى الله ورسوله، قال تعالى: (( وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ )) – سورة الشورى / 38 -، و((و شاورهم في الأمر ))-سورة آل عمران / 159 - و((  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) -النساء / 59 -. وبناء على ذلك فنحن نرفض أية رواية تخالف ما قرره القرآن الكريم في مسألة الإمامة، وعليه فإن حديث غدير خُم هو من أكاذيب الشيعة بلا شك

 

مع العلم أن الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن غدير خُم ليس فيه حكاية (( من كُنتُ مولاه فعلي مولاه، فاللهم وال من ولاه....))، فلو كانت هذه الزيادات صحيحة لذكرها مسلم، وحديثه فيه تذكير بأهل البيت، وليس فيه تذكير بآل البيت، فالآل أعم من الأهل، وحتى إذا وسّعنا معنى الأهل ليشمل آل البيت كلهم، فإن ذلك الحديث –أي حديث مسلم- يعم كل آل البيت ولا يخص علييا وآل بيته، وآل البيت هم: زوجات الرسول، وآل علي، وآل عقيل، وآل جغفر، وآل العباس[217].

وأشير هنا أيضا إلى أمر غاية في الأهمية، هو أن الشيعة أقاموا مذهبهم على أحاديث باطلة رواها شيوخهم، كمحمد بن يعقوب الكُليني (ت 329ه)،  فروى أحاديث وأخبارا كثيرة باطلة في كتابه الكافي[218]. ومروياتهم التي اختصوا بها لا وجود لها عند أهل السنة، لكنهم كثيرا ما يُحاولون استخدام الأحاديث الضعيفة والموضوعة- التي عند السنيين وتخدمهم – لمجادلة أهل السنة، وإقامة الحجة عليهم. لكنهم –أي الشيعة- من جهة أخرى لا يستخدمون الأحاديث السنية الصحيحة، ولا يتطرقون لها، ولا يُؤمنون بها.

والفتنة الرابعة ما حدث سنة 398هجرية، حيث وقعت فتنة مدمرة بين السنة والشيعة، عندما ذهب أحد الهاشميين إلى فقيه الشيعة الإمامية: ابن المعلم بمسجد بحي الكرخ وسبّه، فثار أصحابه واستنفروا أهل الحي واتجهوا إلى القاضي أبي محمد الأكفاني، وإلى شيخ الشافعية أبي حامد الإسفراييني، لأخبارهما بما حدث، وأخذوا معهم مُصحفا زعموا أنه مصحف عبد الله بن مسعود، . فجمع  القاضي الأعيان، والفقهاء، والقضاة، وعرض عليهم المصحف، فوجدوه يُخالف المصحف العثماني المتداول بين المسلمين، فأشار الإسفراييني بحرقه، فأُحرق بحضرة الشيعة، فغضبوا غضبا شديدا، ودعوا على من فعل ذلك وسبّوه، ثم اتجهت جماعة منهم إلى بيت الإسفراييني لإيذائه، فانتقل إلى دار أخرى، فصاحوا -أي الشيعة-:يا حاكم يامنصور. يقصدون حاكم مصر الشيعي الإسماعيلي، للتعريض بالخليفة العباسي، فلما سمع بذلك الحليفة القادر بالله، أرسل أعوانه لمساندة أهل السنة والانتقام من الشيعة، فحدثت بين الطائفتين شرور كثيرة، وأحرقت دور عديدة بالكرخ. ثم أرسل الخليفة القادر الوزير عميد الجيوش لنفي فقيه الإمامية ابن المعلم، فأخرجه من البلد، ثم أعاده بعدما شُفع فيه. ثم مُنع القُصّاص من التعرض للذكر أو السؤال باسم أبي بكر وعمر، وعلي –رضي الله عنهم-، وعاد الشيخ أبو حامد الإسفراييني إلى داره[219].

 

ولم يذكر لنا الحافظ ابن كثير محتوى ذلك المصحف الذي زعمت الشيعة أنه مصحف عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-، وليته ذكرنا لنا محتواه بالتفصيل-إن كان ذلك ممكنا-، ليمكننا من معرفة ما فيه، لكنه اكتفى بالإشارة إلى أن ذلك المصحف المزعوم يُخالف المصحف العثماني المتداول بين الناس. وذلك المصحف المزعوم يؤكد ما هو ثابت في مذهب الشيعة الإمامية من اعتقادهم بتحريف القرآن الكريم، وأن قرآنهم يُخالف القرآن المنتشر في العالم اليوم. ومن أراد التأكد من ذلك فليرجع إلى أهم كتاب عندهم، وهو: الأصول من الكافي، لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكُليني(ت329ه) [220]. هذا فضلا على أن القول بتحريف القرآن، وتكفير الصحابة، هو من ضروريات المذهب الشيعي الإمامي.

 

وأما زعمهم بأن ذلك المصحف هو للصحابي عبد الله بن مسعود، -رضي الله عنه-، فهو كذب مفضوح من مفترياتهم، لأنه لم يكن لابن مسعود مصحف يُخالف المصحف العثماني أصلا، وهذا ثابت في تاريخ القرآن الكريم، الذي جُمع ووُحدت حروفه بإجماع من الصحابة[221]، . وقد تكفّل الله تعالى بحفظه من الزيادة والنقصان، ومن التحريف والتزوير، قال سبحانه: ((  إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) سورةالحجر / 9 -، و((  لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) – سورة فصلت / 42 -، ((الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ))- سورةهود / 1 -. وعليه فإن أية رواية تدعي تحريف القرآن الكريم، فهي رواية باطلة، ومردودة على رواتها.

 

والفتنة الخامسة ما حدث سنة 345هجرية، بين السنة والشيعة بمدينة أصفهان-ببلاد فارس- عندما أقدم بعض أهل مدينة قم – الموجدون بإصفهان- بسب الصحابة، فثار عليهم أهل السنة بإصفهان، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، ونهبوا أموالهم، فغضب أمير البلد ركن الدولة الشيعي البويهي، وصادر الإصفهانيين بأموال كثيرة، وأعطاها للذين نُهبت أموالهم[222].

 

وأما الفتن التي حدثت بن السنة والشيعة خلال القرن الخامس الهجري، فمنها ما حدث سنة 421 هجرية، وفيها أحيت الشيعة عزاء عاشوراء، فغلّقوا الأسواق وأعلنوا النوح والبكاء، وعلّقوا المسوح في الأسواق، فتصدى لهم أهل السنة بالحديد، واقتتلوا اقتتالا شديدا، أدى إلى قتل خلق كثير من الطرفين، وحدثت بينهم خُطوب وشرور مستطيرة، لم أعثر على تفاصيلها[223].

وثانيها ما حدث سنة 422 هجرية ببغداد، عندما مرّ نفر من شيعة مدينة قم- ببلاد فارس- ببغداد في طريقهم إلى زيارة قبر علي بن أبي طالب، وابنه الحسين –رضي الله عنهما-،  فتعرّض لهم جماعة من أهل السنة ببغداد ومنعوهم من إتمام زيارتهم، وقتلوا منهم ثلاثة[224].

 

والفتنة الثالثة حدثت هي أيضا سنة 422 هجرية، ومضمونها أن تجمعا ضم السنة والشيعة، فصاح فيه السنيون بأبي بكر وعمر –رضي الله عنهما- فانزعج الشيعة من ذلك، ونشب بينهما قتال بجانبي بغداد، وتقوى أهل السنة وكانت لهم الغلبة، ونهبوا حي الكرخ الشيعي، ودور اليهود لأنهم نُسبوا إلى مساعدة الشيعة، ولم تتوقف الفتنة إلا بعد خراب كبير وقتل كثير [225].

 

والفتنة الرابعة وقعت بين السنة والشيعة ببغداد سنة 441 هجرية، وذلك أن السنيين طلبوا من الشيعة عدم النياحة على الحسين يوم عاشوراء، فلم يستجيبوا لهم، فنشب بينهم قتال عنيف، قُتل فيه خلق من الفريقين. ثم بنى الشيعة سورا حول حي الكرخ غرب بغداد، فتبعهم بعض أهل السنة، وأقاموا حائطا حول سوق القلائين بالجانب الغربي من بغداد، ثم هدّم الطرفان السورين بالطبول والمزامير والإنشاد، والأشعار في مدح الصحابة وثلبهم، ثم هدأ الحال وتوقفت الفتنة[226].

والغريب في الأمر هو أن الطرفين المتناحرين –أي السنة والشيعة- تصالحوا سنة 442 هجرية، وزاروا قبر علي وابنه الحسين، وترحّموا على كل الصحابة بحي الكرخ[227]، وهذا عند ابن كثير: (( عجيب جدا، إلا أن يكون من باب التقية )) من طرف الشيعة[228]، لأنهم الذين يعتقدون بالتقية ويسبون الصحابة، فتظاهروا بالترحم عليهم تقية.

 

ومما يُثبت ذلك ما حدث في فتنة[229] عام 443 هجرية، فسرعان ما عاد الشيعة إلى معتقدهم، فكتبوا على جدرانهم: محمد وعلي خير البشر، فمن رضي فقد شكر، ومن أبى فقد كفر. ومعنى كلامهم هذا تكفير الصحابة وأهل السنة كلهم لأنهم لا يعتقدون ذلك. فأنكر عليهم أهل السنة ذلك، وتجدد القتال بين الطائفتين، واستمر من شهر صفر إلى ربيع الأول من نفس السنة، ولما اشتد القتال حاول الخليفة القائم بأمر الله وقف القتال فلم يُفلح في مساعيه، واشتد القتال أكثر، وانتقل إلى الجانب الشرقي من مدينة بغداد، ونهب السنيون مشاهد الشيعة المقدسة، واحرقوا كثيرا من قبورهم، فردّ عليهم الشيعة بالمثل، فهدّموا قبورا لهم، وهموا بتدمير قبر الإمام أحمد بن حنبل، فمنعهم نقيبهم خوفا من العواقب التي قد تنجر عن ذلك، ثم هدأت الفتنة ومال الطرفان إلى الهدوء[230].

 

والفتنة السادسة تتعلق بما حدث بين السنة والشيعة ببغداد سنة 44هجرية، عندما أعاد الشيعة كتابة: محمد وعلي خير البشر، على مساجدهم ن وأذنوا بحي على خير العمل؛ فأنكر عليهم أهل السنة ذلك، واندلع القتال بين الطائفتين، فأَحرقت الدور، وقُتل من الجانبين خلق كثير، من بينهم 30 امرأة بسبب الازدحام خوفا من النيران،  وقد تسلّط على الشيعة عيار-لص- سني يُعرف بالقطيعي، فلم يقر لهم معه قرار، وقتل أعيانهم جهارا وغيلة، وكان في غاية البأس والشجاعة والمكر، فكان ذلك من جملة الأقدار على حد قول الحافظ ابن كثير[231]. وهنا توقفت أخبار هذه الفتنة، ولم أعثر لها على أية أخبار أخرى.

 

والفتنة السابعة وقعت سنة 465 هجرية، بين السنة والشيعة ببغداد، فحدث فيها قتال شديد،  وقُتل فيها خلق كثير من الجانبين، واُحترق قسم كبير من حي الكرخ-حي الشيعة-، فتدخّلت السلطة ببغداد وانتقمت للشيعة من السنين، فأخذت منهم أموالا كثيرة جزاء بما فعلوه بشيعة الكرخ[232]. ولم تذكر المصادر-التي أطلعتُ عليها- سببا لهذه الفتنة، ولا رد فعل أهل السنة تجاه إجراءات السلطة ضدهم، مع العلم أن هذه الفتنة تندرج ضمن النزاع المستمر بين الطائفتين، والقائم على التعصب المذهبي القائم بين الجماعتين.

والفتنة الثامنة وقعت سنة 479 هجرية، بين السنة والشيعة ببغداد، وفيها حدثت مصادمات عنيفة، ونُهبت فيها الممتلكات من الطرفين، ويُروى أن بعض ممتلكات الشيعة التي أُخذت في هذه الفتنة من حي الكرخ-بالجانب الغربي من المدينة- كانت تُباع بالجانب الشرقي من بغداد، ويُقال فيها: (( هذا مال الروافض، وشراؤه وتملّكه حلال ))[233].

والفتنة التاسعة حدثت بين السنة والشيعة ببغداد سنة 282 هجرية، وفيها شهدت المدينة حربا طائفية عنيفة مدمرة استمرت شهورا، وسببها المباشر أن بعض أهل السنة هجموا على شيعة الكرخ، فقتلوا رجلا وجرحوا آخر، فرفع أهل الحي المصاحف، وأخذوا ثياب الرجلين ملطخة بالدماء إلى دار الوزير أبي الفتح كمال الدين الدهستاني واستغاثوا به، فتدخل وأصلح بين المتخاصمين، ثم غادر بغداد لاستقبال السلطان السلجوقي ملكشاه، فعاد الطرفان إلى التخاصم وانتهى بهم الأمر إلى الاقتتال، وعجزت الشرطة في وضع حد له، فوقع خراب كبير، وقُتل نحو 200 شخص، وفُقد الأمن، وأصبح القوي يقتل الضعيف ويأخذ ماله دون رادع، وفي هذا الظرف خرج الفقيه المتكلم أبو الوفاء بن عقيل (ت 513ه) إلى المسجد وألقى خطبة تحدث فيها عن أوضاع البلد السيئة التي آل إليها، وأبدى تخوّفه وحزنه من ارتفاع راية الشيعة الذين سبوا الصحابة، والنبي-عليه الصلاة والسلام- وأزواجه، على مرأى ومسمع من علمائهم[234].

 

وعندما لم تتوقف هذه الفتنة- التي دامت شهورا – أرسل السنيون وفدا منهم إلى الشيعة قرأ عليهم منشورا من ديوان الخلافة طالبهم فيه بلزوم إتباع السنة، فأذعنوا وكتبوا على مساجدهم: خير الناس بعد الرسول-صلى الله عليه وسلم- الخلفاء الأربعة بالترتيب: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي[235] –رضي الله عنهم-.

وواضح من ذلك أن الشيعة لم يتراجعوا عن موقفهم في هذه الفتنة إلا بعدما تأكدوا أن مواصلة القتال ليس في صالحهم، وأنه من الضروري النزول عند رغبة أهل السنة، فتظاهروا بالموافقة والتراضي عن الخلفاء الأربعة، تقية منهم واستمالة للسنيين. وهو أمر مكشوف لا ينطلي على أحد، فمن قبل سبوا هؤلاء وكفّروهم، والآن يترضون عنهم!!.

 

كما تُعد هذه الفتنة من اخطر الحوادث الدامية التي شهدها النزاع السني الشيعي ببغداد،  طيلة القرنين الرابع والخامس الهجريين، بسبب التعصب المذهبي بين السنة والشيعة، وحرص كل طرف على تصعيد النزاع بينهما، واستغلال الفرص المناسبة للانقضاض على الآخر والانتقام منه.

والفتنة العاشرة حدثت بمدينة واسط بالعراق، بين السنة والشيعة، سنة 407 هجرية، نهب خلالها أهل السنة أحياء الشيعة وأحرقوها، وهرب أعيانهم من العلويين خارج المدينة طلبا للنصرة من بعض أمرائهم [236]. ولم اعثر على تفاصيل أخرى عن أسباب هذه الفتنة وحوادثها ونهايتها، فقد أوجزها ابن الجوزي ولم يتوسع فيها.

 

والفتنة الحادية عشرة حدثت بمكة المكرمة زمن الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله (467-487ه)، وذلك أن والي مكة محمد بن جعفر عندما أعاد الخطبة للعباسيين، وأرسل إليه المقتدي بمال ومنبر عليه اسمه كُتب بالذهب، حدثت فتنة بين السنة والشيعة، فكُسر المنبر وأُحرق، ولم تتعطل الخطبة للعباسين، التي استمرت إلى سنة 486 هجرية، ثم انقطع بموت السلطان السلجوقي ملكشاه[237]. ويبدو من هذه الفتنة أن الخطبة بمكة ربما كانت لحكام مصر الشيعة الإسماعيليين، لذا رفض شيعة مكة عندما حُولت الخطبة للعباسيين، ودخلوا في مصادمات مع السنيين الموالين للعباسيين، . وواضح أيضا أنهم –أي شيعة مكة- تمكنوا في النهاية من استعادة الأمر وقطع الخطبة للعباسيين بدافع من التعصب المذهبي القائم بين الطائفتين السنية والشيعية.

 

والفتنة الثانية عشرة –  أي الأخيرة من فتن القرن الخامس الهجري- ما حدث بمدينة حلب بين السنة والشيعة من مصادمات، عندما اختلف أحد الشعراء مع الأديب السني سالم الكفرطابي(ت465ه)، فوضع ذلك الشاعر أبياتا شعرية على لسان الكفرطابي فيها بعض الذم للشيعة، فتعرّضوا له-أي للكفرطابي- بالمكروه، فأدى ذلك إلى حدوث فتنة بين السنة والشيعة[238] لم أعثر لها على تفاصيل أخرى.

 

وأما الفتن المذهبية التي حدثت في القرن السادس الهجري بين السنة والشيعة، فمنها فتنة سنة 569 هجرية ببغداد، حدثت بين شيعة الكرخ وسنة حي باب البصرة، وبدايتها أنه لما زاد ماء نهر دجلة سدّ الشيعة الماء عنهم، فغرق مسجد فيه شجرة، ثم انقلعت الشجرة، فصاح الشيعة: (( انقلعت الشجرة، لعن الله العشرة )) –أي الصحابة العشرة المبشرون بالجنة رضي الله عنهم-، فأنكر عليهم أهل السنة ما قالوه، ودخل الطرفان في مواجهات مسلحة، فأمر الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله (566-575ه) أحد أعوانه الشيعة بالتدخل، فوقف بجانب الشيعة ومال على أهل السنة، وأراد دخول محلتهم، فمنعوه وأغلقوا الأبواب ووقفوا على سور الحي، فأراد إحراق أبوابه، فلما سمع به  الخليفة أنكر عليه ما أراد فعله، وأمره بالعودة. لكن الفتنة لم تتوقف بين الطائفتين، واستمرت أسبوعا ثم توقفت دون توسط من السلطة[239]. ولم أعثر لها على أخبار أخرى فيما يخص خسائرها وكيفية توقفها.

والفتنة الثانية حدثت سنة 582 هجرية ببغداد، أحيى فيها شيعة الكرخ يوم عاشوراء، فناحوا، وسبوا الصحابة، وكانوا يصيحون: (( ما بقي كتمان ))، وتلقوا الدعم من بعض رجالات الدولة، فتصدى لهم أهل السنة، ودخل الطرفان في مصادمات عنيفة دامية، قُتل فيها خلق كثير من الجانبين[240].

والفتنة الثالثة وقعت بمدينة طوس ببلاد فارس سنة 510 هجرية، وفيها أحيى شيعة طوس يوم عاشوراء بمشهد إمامهم علي الرضا، فتصدى لهم أهل السنة لمنعهم، ودخل الطرفان في مصادمات دامية، قُتل فيها خلق كثير[241].

والفتنة الرابعة حدثت سنة 554 هجرية بمدينة أسترباذ ببلاد فارس بين العلويين وأتباعهم من الشيعة، وبين الشافعية وأعوانهم، وسببها أن الواعظ محمد البروي وصل على مدينة أسترباذ وعقد بها مجلس وعظ حضره القاضي الشافعي سعيد بن محمد بن إسماعيل، فثار الشيعة على الشافعية ومن تبعهم، وحدثت فتنة كبيرة انتصر فيها الشيعة، وقًتل من الشافعية جماعة، وهرب القاضي ونُهبت داره ودور أتباعه، وجرى للشافعية أمور شنيعة كثيرة. فلما سمع حاكم البلد الشيعي شاه ما زندار بما حدث، استعظمه وانكر على العلويين فعلتهم، -مع شدة تشيعه- وقطع عنهم الجرايات التي كانت لهم، وفرض على العامة الجبايات والمصادرات، وعاد القاضي سعيد بن محمد إلى منصبه وسكنت الفتنة[242].

 

والفتنة الخامسة وقعت سنة 568هجرية بمدينة واسط بالعراق، حدثت عندما عمل الشيعة عزاء أحد أعيانهم المتوفين، فأظهر أهل السنة الشماتة، فانزعج الشيعة ودخل الطرفان في مصادمات دامية قُتل فيها جماعة من الطرفين[243]. وهذه الفتنة سببها العميق هو التعصب المذهبي القائم بين الطائفتين، والذي تعود جذوره قرون خلت.

وآخرها –أي الفتنة السادسة من فتن القرن السادس الهجري- حدثت بمدينة الري سنة 582 هجرية، وذلك أنه لما مات حاكم البلد البهلوان محمد بن أيدلكز حدثت فتنة كبيرة بين السنة والشيعة، فخُرّبت المدينة وما جاورها، وهجرها أهلها هروبا من الفتنة[244].

 

وأشير هنا إلى أن مدينة الري كانت مسرحا لفتن مذهبية متعصبة كثيرة، جرّت على البلاد والعباد الخراب والهلاك. فقد روى الرحالة المؤرخ ياقوت الحموي (ت626ه) أن مدينة الري كانت مدينة عظيمة في العصر الإسلامي الأول، لكنها أصبحت في زمانه خرابا في أكثرها، بسبب التعصب المذهبي بين طوائفها، فقد كان نصف سكانها من السنة، والنصف الآخر من الشيعة، فحدثت العصبية بينهم، ودخلوا في حروب طويلة، انتهت بإبادة  الشيعة إلا من أخفى حاله، ثم بعد ذلك وقعت العصبية المذهبية بين السنيين أنفسهم، وبالتحديد بين الشافعية والحنفية، فحدثت بينهم حروب انتصر فيها الشافعية، ولم يبق من الحنفية إلا من يخفي مذهبه، وبذلك خُرّبت محلات الشيعة والحنفية، ولم يبق من مدينة الري إلا محلة الشافعية[245].

وأما الفتن المذهبية التي حدثت بين السنة والشيعة في القرن السابع الهجري، فعثرت منها على فتنتين، الأولى حدثت سنة 621ه بمدينة واسط، قال فيها المؤرخ ابن الأثير أنها حدثت على جاري عادتهم، دون أن يذكر أية تفاصيل عن أسبابها ومظاهرها وآثارها[246].

 

والثانية حدثت بينهما ببغداد سنة 655ه، وهي فتنة كبيرة نهب فيها السنيون حي الكرخ ودورا لأعيان الشيعة، من بينها دور أقرباء الوزير الشيعي مؤيد الدين بن العلقمي (ت656ه )، فكان ذلك من الأسباب التي دفعته إلى مكاتبة المغول[247]. وقد روى القلقشندي أن أهل السنة لما نهبوا الكرخ ارتكبوا قبائح شنيعة، منها أنهم هتكوا النساء، وركبوا منهن الفواحش[248]. وهذه الفتنة لم أعثر على أسبابها، لكن يبدوا لي أنها حدثت بسب تطاول الشيعة على أهل السنة بدعم من الوزير ابن العلقمي ضمن النزاع المذهبي القائم بين الطائفتين، لذلك لما حدثت هذه الفتنة تدخل ولي العهد أبو بكر بن الخليفة المستعصم لمساندة السنيين[249]. وتًعد هذه الفتنة من أخطر الفتن التي حدثت بين السنة والشيعة، لما ترتّب عنها من تعاون الوزير مؤيد الدين بن العلقمي مع المغول في غزوهم لبغداد وتخريبهم لها[250].

 

وختاما لمبحث الفتن المذهبية بين السنة والشيعة، يتبين جليا أن التعصب المذهبي بينهما كان شديدا، أوصلهم إلى الاقتتال وإزهاق الأرواح، وتخريب العمران، وكثرة الفتن، على امتداد عدة قرون، مما يدل على أنها لم تكن حالات استثنائية، وإنما كانت كثيرة الانتشار، بسبب التعصب المذهبي الذي كان يُغذيها.

كما أنها –أي الفتن المذهبية- أظهرت ما كان يُكنه كل طرف للآخر من حقد وكراهية، وتعصب أعمى، فكان كل منهما يتربص بخصمه الدوائر، للإقاع به، والانقضاض عليه، انتقاما منه وتعصبا عليه.

سادسا: الفتن المذهبية بين الطوائف السنية:

لم تكن الطوائف السنية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، بمنأى عن التعصب المذهبي فيما بينها، فقد كان متغلغلا فيها، على مستوى أصول الدين وفروعه، وأوصلها إلى الفتن المذهبية الدامية -خلال العصر الإسلامي -، وسأذكر منها الفتن الآتية إن شاء الله تعالى.

أولها ما حدث سنة 393هجرية بين الشافعية والحنفية ببغداد، سببها أن شيخ الشافعية أبا حامد الإسفراييني (ت406ه) أستطاع أن يُؤثر في الخليفة العباسي القادر بالله، ويُقنعه بتحويل القضاء من الحنفية إلى الشافعية، فلما فعل ذلك احتج الحنفية  ودخلوا في مصادمات مع الشافعية[251]. وهذه الفتنة عثرتُ عليها عند المقريزي، ولم يذكر تفاصيلها ولا مآلها؛ لكن المعروف أن القضاء بقي بأيدي الحنفية ببغداد، مما يعني أن الخليفة قد تراجع عن موقفه وأعاد القضاء للحنفية.

 

كما أن هذه الفتنة لها خلفيات بسبب التعصب المذهبي القائم بين الطوائف السنية، لأنه ليس من العدل أن تحتكر طائفة منهم القضاء دون الطوائف الأخرى؛ لأن كل طائفة تريد أن تتولى القضاء وتحتكم فيه إلى مذهبها، ولا تحتكم إلى غير مذهبها.

 

والفتنة الثانية حدثت بمدينة مرو ببلاد خُراسان  بين الشافعية والحنفية، عندما غيّر الفقيه منصور بن محمد السمعاني المروزي(ت 489ه) مذهبه، فقد كان حنفيا مدة ثلاثين سنة، ثم تحوّل إلى المذهب الشافعي، وأعلن ذلك بدار الإمارة بمدينة مرو بحضور أئمة الحنفية والشافعية، فاضطرب البلد لذلك، وهاجت الفتنة بين الشافعية والحنفية، ودخلوا في قتال شديد، وعمّت الفتنة المنطقة كلها، حتى كادت تملأ ما بين خُراسان والعراق ن لكن السمعاني ظل ثابتا على موقفه ولم يتراجع عنه، لكنه اضطر إلى الخروج من مدينة مرو، والانتقال إلى مدينة طوس، ثم إلى نيسابور، ثم عاد إلى مرو بعد سكون الفتنة[252].

 

والفتنة الثالثة حدثت بين الحنابلة والشافعية ببغداد سنة 573 هجرية، وذلك أنه عندما تُوفي خطيب جامع المنصور محمد بن عبد الله الشافعي سنة 537 هجرية، ومنع الحنابلة من دفنه بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل، لأنه شافعي وليس حنبليا، حدثت فتنة بين الطائفتين تدخل على إثرها الخليفة العباسي المقتفي(530-555ه) وأوقفها، وأفشل محاولة الحنابلة منع دفن المتوفى بمقبرتهم، وأمر بدفنه فيها، فتمّ ذلك[253].

وواضح من هذه الفتنة أن التعصب المذهبي كان على أشده بين الحنابلة والشافعية، حتى أنه أوصل الحنابلة إلى رفض دفن رجل مسلم شافعي بمقبرتهم بالمعروفة باسم إمامهم، ثم الدخول في مواجهات مع الشافعية، وهذا غريب جدا يأباه الشرع والعقل مهما كانت المبررات.

 

والفتنة الرابعة حدثت بأصفهان –ببلاد فارس- بين فقهاء أصحاب المذاهب سنة 560 هجرية، كان في مقدمتهم عبد اللطيف الخُجنّدي الشافعي، مع مخالفيه من المذاهب الأخرى، فحدثت بينهم فتنة كبيرة بسبب التعصب للمذاهب، فخرج المتعصبون إلى القتال لمدة 8 أيام، فكثُرت بينهم الشرور والخُطوب، وقُتل منهم خلق كثير، وأُحرقت وخُرّبت منازل ومرافق كثيرة، وبعد ثلاثة أيام افترقوا على أقبح صورة[254]. ولم اعثر لها على أخبار أخرى من حيث تفاصيل أسبابها ومظاهرها وآثارها. وواضح أنها كانت فتنة مأساوية مدمرة أهلكت البلاد والعباد، وعمّقت الخلاف والتعصب المذهبيين.

والفتنة الخامسة هي أيضا حدثت بأصفهان بين الشافعية والحنفية في سنة 582 هجرية، وذلك أنه لما مات الملك العادل البهلوان محمد بن أيدلكز سنة 582 هجرية، كثُرت الفتن بين الشافعية والحنفية بسبب التعصب المذهبي، فكان على رأس الحنفية قاضي البلد-لم يُذكر-، وعلى رأس الشافعية ابن الخُجنّدي، فحدث بين الطائفتين من القتل، والنهب، والدمار، ما يجل عن الوصف [255].

والفتنة السادسة هي أيضا حدثت بين الشافعية والحنفية بمدينة مرو، زمن الوزير الخوارزمي مسعود بن علي المُتوفى سنة 596 هجرية، وذلك أن هذا الوزير كان متعصبا للشافعية، فبنى لهم جامعا بمرو مشرفا على جامع للحنفية، فتعصبوا-أي الحنفية- وأحرقوا الجامع الجديد –الذي بناه الوزير مسعود- فاندلعت فتنة عنيفة مدمرة بين الطائفتين،  كادت (( بها الجماجم تطير عن الغلاصم ))، فلما توقفت أغرمهم –أي الحنفية- السلطان خُوارزم شاه الحنفي (ت 596ه) أموالا مقدار ما صُرف في بناء المسجد الذي أحرقوه[256].

وقد ذكر الرحالة ياقوت الحموي (ت 626ه) أن مدينة أصفهان في زمانه عمها الخراب بسبب كثرة الفتن والتعصب بين الشافعية ة الحنفية، فكانت الحروب بينهما متصلة، فكلما (( ظهرت طائفة نهبت الأخرى، وأحرقتها، وخرّبتها، لا يأخذها في ذلك إلا ولا ذمة ))[257].

ونفس الأمر حكاه عن مدينة الري ببلاد فارس، فذكر-أي ياقوت الحموي- أن هذه المدينة كان أكثرها خرابا في زمانه، بسبب التعصب للمذاهب، فكانت الحروب بين الشافعية والحنفية قائمة، انتهت بانتصار الشافعية، ولم يبق من الحنفية إلا من يُخفي مذهبه[258].

 

وأشير هنا إلى أن الفتن التي ذكرناه –بين الطوائف السنية- كان سببها في الغالب الاختلاف في المذاهب الفقهية والتعصب لها، . وأما الفتن التي حدثت بينها بسبب الاختلاف في العقائد –أصول الدين- والتعصب لها، فسأذكر منها بعض ما حدث بين الأشاعرة[259] من جهة، والحنابلة وأهل الحديث من جهة أخرى.

 

أولها فتنة ابن القشيري ببغداد سنة 469 هجرية، وتفصيلها هو أنه لما قدم المتكلم أبو نصر بن عبد الكريم القشيري الأشعري(ت514ه )  إلى بغداد واستقر بالمدرسة النظامية، عقد بها مجلسا للوعظ والتدريس، فتكلم على مذهب الأشعري ومدحه، وحطّ على الحنابلة ونسبهم إلى اعتقاد التجسيم في صفات الله تعالى[260]. فلما سمع به شيخ الحنابلة الشريف أبو جعفر (ت 470ه )، تألم لذلك وأنكر عليه فعلته، ثم جنّد جماعة من أصحابه بمسجده تحسبا لأي طارئ مُحتمل ؛ وأما القشيري فقد التف حوله أصحابه والمتعاطفون معه، وساعده أيضا الشيخ أبو سعد الصوفي، وشيخ الشافعية أبو إسحاق الشيرازي(ت 476ه)، وغيرهما من علماء الأشعرية، ثم هاجمت جماعة من أصحابه مسجد الشريف أبي جعفر، فرماهم الحنابلة بالآجر، واشتبك الطرفان في مصادمات دامية، قُتل فيها نحو عشرين شخصا من الجانبين، وجُرح آخرون، ثم توقفت الفتنة لما مالت الكفة لصالح الحنابلة[261].

فلما حدث ذلك أجمع علماء الأشاعرة على الخروج من بغداد، في مقدمتهم شيخهم أبو إسحاق الشيرازي، إلى بلاد خُراسان حيث الوزير السلجوقي نظام الملك، فلما سمع بهم الخليفة المقتدي بأمر الله (467-487ه) أسرع إلى طلبهم لُيصلح بينهم وبين شيخ الحنابلة أبي جعفر، فلما اجتمعوا فشلت محاولة الإصلاح وانفض الاجتماع دون اتفاق، وكتب علماء الأشاعرة رسالة إلى نظام الملك أخبروه فيها ما حلّ بهم على يد الحنابلة ببغداد، ووصفوهم له بأبشع الألفاظ القبيحة، واتهموهم بأشنع الاتهامات، وحرّضوه على قطع دابرهم، وأنه لا يجوز السكوت عنهم[262]، لكن رده عليهم لم يُحقق لهم ما كانوا يرجونه منه[263].

 

والثانية حدثت سنة470 هجرية ببغداد،  بين الحنابلة وفقهاء أشاعرة من المدرسة النظامية، وذلك أنها وقعت بعد أيام من ورود كتاب الوزير نظام الملك ردا على رسالة الأشاعرة في فتنة ابن القشيري، حيث أقدم فقيه أشعري على تكفير الحنابلة، فتصدوا له ورموه بالآجر، فهرب ولجأ إلى أحد أسواق بغداد واستغاث بأهله،  فأغاثوه واندلع قتال بين الطرفين، وعم النهب وكثُرت الجراح، ولم تتوقف المواجهات إلا بتدخل الجند، وقُتل فيها نحو عشرين شخصا من الطرفين، وجُرح آخرون، ثم نُقل المقتولون إلى دار الخلافة، فرآهم القضاة والشهود، وكتبوا محضرا ضمّنوه ما جرى، وأرسلوه إلي الوزير نظام الملك بخراسان، ثم هدأت الأوضاع ببغداد[264].

وهذه الفتنة هي امتداد لفتنة ابن القشيري، وقد قُتل فيهما نحو أربعين شخصا من الطرفين، وقد أظهرتا ما يكنه كل طرف للآخر من حقد وكراهية، بسبب التعصب المذهبي المقيت الذي أوصلهم إلى هذه الفتن التي أزهقت الأرواح وخرّبت العمران، وأضعفت الطوائف السنية ومزقتها.

 

والفتنة الثالثة هي فتنة الواعظ المتكلم أبي بكر البكري المغربي الأشعري، حدثت ببغداد سنة 476 هجرية، عندما قدم إليها ومعه كتاب من الوزير نظام الملك للتدريس والتكلّم بمذهب أبي الأشعري، فاستقبله ديوان الخلافة استقبالا حارا، وهيأ له كل ما يحتاجه، وأثناء وجوده ببغداد درّس بالنظامية، وفي كل الأماكن التي أرادها، فكان ينصر الأشعرية ويذم الحنبلية ويستخف بأهلها، فحدث بينه وبينهم سباب وخصام ومواجهات، من ذلك إنه مرّ ذات يوم بحي نهر القلائين، فاعترضت جماعة حنبلية من آل الفراء، بعض أصحاب البكري، فحدث بينهم عراك وسباب وخصام، مما جعل البكري، يستنجد بالوزير العباسي العميد بن جهير، فأرسل هذا الأخير من حاصر بيوت بني الفراء، فنهبوها وأخذوا منها كتاب إبطال التأويلات  للقاضي أبي يعلى الفراء، وجعله الوزير بين يديه يقرأه على كل من يدخل عليه، ويقول: (( أيجوز لمن يكتب هذا أن يُحمى أو يُؤوى في بلد! ))[265].

 

والفتنة الرابعة هي فتنة الواعظ الغزنوي ببغداد سنة 495 هجرية، ومفادها أن الواعظ عيسى بن عبد الله الغزنوي الشافعي الأشعري لما قدم إلى بغداد ومكث بها أكثر من عام، وقعت بينه وبين الحنابلة فتن ومصادمات، منها أنه وعظ ذات يوم بجامع المنصور وأظهر مذهب الأشعري، فمال إليه بعض الحاضرين، واعترض عليه الحنابلة، فنشب عراك بين الجماعتين داخل المسجد[266]. ولا ندري ما حدث بعد ذلك بين الفريقين، لأن ابن الجوزي روى الخبر موجزا.  ومنها أيضا إن هذا الرجل-أي الغزنوي- مرّ ذات يوم برباط شيخ الشيوخ أبي سعد الصوفي ببغداد ليذهب إلى بيته، فرجمه بعض الحنابلة من مسجد لهم هناك، فهب أصحابه لنجدته والتفوا حوله[267].

 

والفتنة الخامسة هي فتنة ابن تومرت بالمغرب الإسلامي، وذلك أن المغاربة زمن الدولة المرابطية (451-541ه) كانوا على مذهب السلف في أصول الدين، فلما اظهر محمد بن تومرت المغربي المصمودي الأشعري (ت 524ه) دعوته، كفّر مخالفيه من المغاربة، واتهمهم بالتشبيه والتجسيم، واستباح دماءهم وأموالهم، ودخل في حروب طاحنة مع المرابطين، وأدخل المغرب الإسلامي في فتنة دامية، وفرض الأشعرية على الرعية، وعندما تُوفي واصل أتباعه دعوته، وارتكبوا مجازر رهيبة في حق المرابطين عندما دخلوا مدينة مراكش سنة 541ه، ويُروى أنهم قتلوا منهم سبعين ألف شخص[268].

والفتنة السادسة هي فتنة الواعظ أبي الفتوح الإسفراييني الأشعري(ت538ه)، ومفادها أنه لما قدم إلى بغداد سنة 515ه، ومكث بها مدة طويلة، تسبب في حدوث فتن كثيرة بينه وبين الحنابلة، لأنه جعل شعاره إظهار مذهب الأشعري وذم الحنابلة والتهجم عليهم، وفي أحد الأيام مرّ بأحد شوارع بغداد مع جم غفير من أصحابه، وفيهم من يصيح ويقول: (( لا بحرف ولا بصوت، بل عبارة ))[269]، فرجمه العوام، ثم تراجموا فيما بينهم وحدثت مصادمات عنيفة أدت إلى حدوث فتنة كبيرة لم تصلنا تفاصيلها[270].

والفتنة السابعة هي فتنة الشيخ الخبوشاني بمصر، ومفادها أنه لما فتح السلطان صلاح الدين الأيوبي(ت 589ه) مصر سنة 567هجرية، أراد شيخه الفقيه الصوفي نجم الدين الخبوشاني الشافعي الأشعري (ت587ه) نبش قبر المقرئ أبي عبد الله بن الكيزاني الشافعي (ت 562ه) المدفون بقرب ضريح الإمام الشافعي بمدينة مصر، وقال عن ابن الكيزاني: هذا رجل حشوي لا يكون بجانب الشافعي. وفي رواية أخرى إنه قال عنه: لا يكون زنديق بجانب صديق، ثم نبش قبره وأخذ رفاته ودفنها في موضع آخر، فثار عليه الحنابلة وأهل الحديث وتألبوا عليه، وجرت بينهما حملات حربية انتهت بانتصاره عليهم[271].

وكان هذا الشيخ –أي الخبوشاني- رجلا طائشا متهورا معروفا بكثرة الفتن منذ أن دخل مصر، إلى أن تُوفي بها سنة 587ه، فقد حدثت بينه وبين الحنابلة فتن كثيرة[272] لم أعثر على تفاصيلها.

 

وقد كان الرجلان –أي الخبوشاني وابن الكيزاني- شافعيين في الفروع فرّق بينهما الاعتقاد في الأصول، فكان ابن الكيزاني على مذهب أهل الحديث، وكان الخبوشاني أشعري المعتقد، لذا فهو قد تعصّب على الرجل تعصبا زائدا،  حين نبش قبره ولم يرع له حرمة، ووصفه بأوصاف قبيحة، لذا وجدنا الحنابلة يثورون عليه لأنه اعتدى على حرمة رجل مسلم  شافعي الفروع سلفي  الأصول مثلهم.

والفتنة الثامنة حدثت بين الشافعية والحنابلة بدمشق، بسبب الاختلاف في العقائد، زمن الفقيه العز بن عبد السلام الشافعي الأشعري المتوفى سنة 660 هجرية، وكان هو من المشاركين فيها، فانتصر فيها للشافعية وتعصب على الحنابلة، فحدثت فتنة بين الطائفتين، وكتب هو –أي العز بن عبد السلام- إلى الملك الأشرف الأيوبي (ت635ه) يحرّضه على الحنابلة، فردّ عليه الملك –كان يميل لأهل الحديث- بقوله: (( يا عز الدين الفتنة ساكنة لعن الله مُثيرها ))[273]. وهذه الفتنة لم اعثر على تفاصيلها، وقد رواها الحافظ الذهبي بإيجاز شديد.

والفتنة التاسعة وقعت أيضا بدمشق بين الحنابلة والشافعية سنة 716هجرية، حدثت بينهما بسبب الاختلاف في العقائد، فترافعوا إلى حاكم دمشق، وحضروا بدار السعادة عند نائب السلطنة تنكز، فأصلح بينهم، وانفصلوا على وفاق دون محاققة، ولا تشويش على أحد من الفريقين[274]. وهذه الفتنة لم يفصل الحافظ ابن كثير أسبابها ولا تفاصيلها، واكتفى بذكر ما نقلناه عنه.

 

والفتنة العاشرة حدثت بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق، أثارها الفقيه تقي الدين بن محمد الحصني الشافعي الأشعري (ت829ه)، بتعصبه للأشعرية وكثرة حطه على الشيخ تقي الدين بن تيمية، فكان يُبالغ في ذلك علانية أمام طلابه بدمشق، فأحدث فتنا مذهبية كثيرة بين الطائفتين لم أعثر على تفاصيلها [275].

والفتنة الأخيرة-أي الحادية عشرة- هي أيضا حدثت بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق سنة 835هجرية، أثارها الشيخ علاء الدين البخاري عندما تعصب على الحنابلة،  وبالغ في الحط  على شيخ الإسلام ابن تيمية وصرّح بتكفيره، فأحدث بذلك فتنة كبيرة بين الطائفتين، وتعصب جماعة من علماء دمشق لابن تيمية، منهم الحافظ ابن ناصر الدين الذي صنف كتابا في فضل ابن تيمية وثناء العلماء عليه، وأرسله إلى القاهرة، فوافق عليه غالب علماء مصر، وخالفوا ما زعمه العلاء البخاري في تكفيره لابن تيمية ومن سماه شيخ الإسلام؛ ثم صدر مرسوم من السلطان أمر بعدم اعتراض أي أحد على مذهب غيره، فهدأ الوضع وسكن الحال[276].

وختاما لما ذكرناه، يتبين أن التعصب المذهبي بين الطوائف السنية أوصلها إلى المصادمات الدامية والفتن الشنيعة، بسبب الخلافات الفقهية والعقيدية القائمة على التعصب المذموم. فعبّرت تلك الفتن بوضوح على ما كانت تُكنه كل طائفة للأخرى من حقد وكراهية وحسد وتعصب. كما أنها دلّت على أنها لم تكن حوادث شاذة معزولة، وإنما كانت حوادث جماعية كثيرة، من ورائها جماعات مٌنظمة وموجهة ذات أهداف محددة.

سابعا الفتن المذهبية بين أهل السنة والكرّامية:

حدثت فتن مذهبية بين أهل السنة والطائفة الكرّامية المجسمة[277] ببلاد خُراسان، بسبب الخلافات المذهبية والتعصب لها، الأمر الذي أوصلهم إلى المنازعات والمصادمات، أذكر منها فتنتين، الأولى حدثت بنيسابور سنة 489هجرية، بين الشافعية والحنفية من جهة وبين الكرامية من جهة أخرى، فكان على رأس الشافعية أبو القاسم بن إمام الحرمين الجويني، وعلى رأس الحنفية القاضي محمد بن احمد بن صاعد، وعلى رأس الكرامية مقدمهم محمشاد، فنعاون الشافعية والحنفية على الكرامية، وحدثت فتنة كبيرة مدمرة، خُرّبت فيها مدارس الكرامية، وقُتل فيها خلق كثير من الكرامية وغيرهم[278]. وهذه الفتنة أوجزها المؤرخ ابن الأثير، ولم يذكر تفاصيلها ولا أسبابها، وإن كان ظاهرها يُشير إلى أنها حدثت بسبب الخلافات المذهبية والتعصب لها.

 

والفتنة الثانية حدثت ببلاد خُراسان سنة 595هجرية بين الكرامية من جهة والمتكلم الفخر الرازي من جهة ثانية، وذلك أنه لما حلّ الفخر الرازي(ت606ه) عند الملك غياث الدين الغوري الغزنوي، أكرمه وبنى له مدرسة بهراة، فلم يُعجب ذلك الكرامية – وهم أكثر الغوريية-، الذين أبغضوا الفخر الرازي وأحبوا إخراجه، فجمعوا طائفة من فقهاء الحنفية والشافعية والكرامية بحضور شيخهم ابن القدوة لمناظرة الفخر الرازي، فناظره ابن القدوة وانتهى بهما الأمر على السب والشتم. فاستغل الكرامية ذلك وجمعوا الناس في المسجد الجامع، وقال أحدهم للناس: (( إنا لا نقول إلا ما صحّ عندنا عن رسول الله، وأما علم أرسطاطالس، وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابي، وما تلبّس به الرازي، فإنا لا نعلمها ولا نقول بها، وإنما هو كتاب الله وسنة رسوله؛ لأي شيء يُشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام-أي ابن القدوة- يذب عن دين الله ورسوله على لسان متكلم-أي الفخر الرازي- ليس معه على ما يقول دليل ))، فبكى الناس واستغاثوا، وهاجوا  وثاروا، عمت الفتنة البلاد، وكاد الأمر أن يتحول على الاقتتال، فلما علم السلطان بذلك أرسل إلى الناس من سكّنهم، وأمر بإخراج الفخر الرازي[279].

ثامنا: مظاهر أخرى من التعصب المذهبي في الحياة الاجتماعية:

توجد مظاهر اجتماعية أخرى تجلى فيها التعصب المذهبي بوضوح، وكان فيها هو السبب الأساسي في ظهورها، أذكر بعضها في النقاط الآتية:

أولا: تسلل بعض الشيعة إلى الطائفة السنية، ونذكر على ذلك ثلاثة شواهد تاريخية، أولها يخص حال الفقيه نجم الدين الطوفي المتحنبل الرافضي(ت 716ه)، كان محسوبا على طائفة الحنابلة، وتولى التدريس في مدارسهم، ثم اكتشفوا أمره وثبت أنه شيعي يُمارس التقية، ويقع في أبي بكر وعائشة وغيرهما من الصحابة –رضي الله عنهم-، وكان يقول عن نفسه:

أشعري حنبلي رافضي + هذه إحدى الكُبَر[280]

وشعر كهذا لا يصدر إلا عن منافق يمارس التقية على طريقة الشيعة. ولما شاع أمره طلبه قاضي الحنابلة فحكم عليه بالضرب والتعزير والتشهير والحبس[281].

والشاهد الثاني يتعلق بالشيعي محمود بن إبراهيم الشيرازي(ت 766ه)، فقد كان طالبا بالمدرسة العمرية الحنبلية بدمشق، ثم أظهر الرفض، فسجنه القاضي الحنبلي أربعين يوما، فلم ينفع ذلك معه، واستمر في سب الصحابة، حتى أنه دخل الجامع الأموي وسب الشيخين أبي بكر وعمر ولعنهما بداخله، ثم انتهي أمره إلى القاضي فحكم عليه بضرب رأسه فقُتل[282].

 

وآخرها –أي الشاهد الثالث- يخص حال القاضي شمس الدين محمد بن يُوسف الدمشقي الحنفي (ت942ه)، فإنه ناب في القضاء بدمشق، ثم (( ثبت عليه، وعلى رجل يُقال له حسين اليقسماطي عند قاضي دمشق، أنهما رافضيان، فحُرّقا تحت قلعة دمشق، بعد أن رُبطت رقابهما وأيديهما وارجلهما في أوتاد، وألقي القنب والبوري والحطب ))، ثم أُحرقا حتى صارا رمادا. وسُئل مفتي الحنفية قطب الدين بن سليمان عن قتلهما فقال: (( لا يجوز في الشرع، بل يُستتبان ))[283].

 

وهذه الحادثة مثال على التعصب المذهبي المتبادل بين الطائفتين السنية والشيعية، فالرافضيان دفعهما تعصبهما إلى التسلل إلى صفوف أهل السنة لتحقيق أهداف ما، والسنيون-الذين فعلوا ذلك- بالغوا في التعصب لطائفتهم والانتصار لمذهبهم، عندما أحرقوا الرجلين بتلك الكيفية؛ ويبدوا أنهم لم يستتيبوا الرافضيين، بناء على جواب القاضي مفتي الحنفية الذي لم يوافق على ما حدث للرجلين.

وأما لماذا أندس هؤلاء الرافضة في صفوف أهل السنة، فيبدو لي – والله أعلم- أنهم كانوا يهدفون إلى تحقيق جملة أمور، أولها السعي لإفساد فكر أهل السنة والتشويش عليهم في موقفهم من الصحابة، وفي المسائل المختلف فيها بين الطائفتين. وثانيها هو التشفي من الصحابة والسنيين والنكاية بهم في سبهم للصحابة ولعنهم علانية. وثالثها إشباع الرافضة-أي الشيعة- لأهوائهم وأحقادهم الدفينة في موقفهم من الصحابة والسنيين، تعصبا عليهم وانتصارا لمذهبهم. وآخرها هو التجسس على أهل السنة لمعرفة أحوالهم الداخلية، عساهم ينتفعون بها في التعامل معهم والتآمر عليهم.

وثانيا: استخدام الضرب والتضييق التهديد في التعامل مع المخالفين في المذهب، فمن ذلك أن الخليفة العباسي القادر بالله ( 381-422ه) لما عزل خُطباء الشيعة من المساجد ببغداد، وعوّضهم بأهل السنة، احتج هؤلاء-أي الشيعة- وتعرّضوا للخطيب السني بمسجد براثا الشيعي بالضرب بالاجر، فكسروا أنفه وخلعوا كتفه، فتدخل الخليفة  وانتقم منهم عقابا لهم وانتصارا لأهل السنة، فجاء كبراؤهم –أي الشيعة- واعتذروا له- أي للخليفة- بأن الذي حدث فعله سفهاؤهم[284].

والشاهد الثاني يتعلق بما حدث للحافظ أبي إسحاق بن الحبال المصري(ت 482ه) في دولة العبيديين بمصر، فقد منعوه من التحديث (بعد سنة 476ه)، وأخافوه وهددوه، فامتنع من قراءة الحديث النبوي. ولما أراد القاضي أبو علي الصدفي الأندلسي الدخول عليه، اشترط عليه أن لا يُسمعه حديثا ولا يكتب له إجازة، فلما دخل عليه وكلّمه، خاف منه وخلّط في كلامه خوفا من أن يكون مدسوسا عليه، فلما باسطه وأخبره أنه أندلسي يريد الحج، أجاز له لفظا لا كتابة. وقد علّق الذهبي على ذلك بقوله: (( قبّح الله دولة أماتت السنة ورواية الآثار، وأحيت الرفض والضلال، وبثّت دعاتها في النواحي تغوي الناس، ويدعونهم إلى نحلة الإسماعيلية، فبهم ضلّت جبلية الشام وتعثّروا ))[285].

والشاهد الثالث يتعلق بما حدث للفقيه محمد بن خليل الحريري الدمشقي(ت 785ه)، فإنه لما أفتى ببعض فتاوى ابن تيمية، وقال أن الله تعالى في السماء، طلبه القاضي الشهاب بن الزهري الدمشقي وعزّره بالدرة، وأمر بتطويفه على أبواب القضاة. ثم أن هذا القاضي اعتذر للحريري، وقال له: إنه أخطأ فيه عندما قالوا له: إن فلانا الحريري قال كيت وكيت. وو يُروى أنه لما ضُرب هذا الرجل-أي الحريري- اغتم بعض الناس لما جرى له، فلما سمع الحريري قال: (( ما أسفي هذا، إلا على أخذهم خطي بأن أشعري، فيراه عيسى بن مريم إذا نزل ))[286].

 

وواضح من هذه الحادثة أن الاختلاف المذهبي بين الحنابلة والأشاعرة وتعصب القاضي للأشعرية، هو الذي عرّض الرجل للضرب والتهديد والإكراه والإهانة، ولم يتأسف على ذلك بقدر تأسفه على أنه أُكره على الاعتراف كتابيا بأنه أشعري، فخاف أن ينزل عيسى-عليه السلام- ويرى اعترافه الذي أُجبر عليه، ولا يعتقده !!.

 

وثالثا: اختصاص الطوائف الإسلامية بأحياء سكنية خاصة بها في المدينة الواحدة، وهذه الظاهرة موجودة في كثير من مدن المشرق الإسلامي، أذكر منها ثلاثة نماذج، أولها مدينة بغداد، فكان معظم الشيعة يسكنون جانبها الغربي عامة وحي الكرخ خاصة، . وكان معظم أهل السنة يسكنون جانبها الشرقي، بمحلة باب الأزج، وسوق الثلاثاء، والحربية. وكان كثير من الحنابلة يسكنون باب البصرة بالجانب الغربي من بغداد، قبالة حي الكرخ[287].

والنموذج الثاني يتمثل في مدينة دمشق، فقد كانت سنية خالصة في معظم تاريخها الإسلامي، فسكن غالبية الحنابلة حي الصالحية شمال المدينة خارج سورها. وكان غالبية الشافعية والحنفية والمالكية يسكنون داخل مدينة دمشق[288].

 

والنموذج الثالث يتعلق بمدينة الري-ببلاد فارس- فقد كانت مقسمة إلى ثلاث محلات حسب الطوائف المذهبية المكونة لها، واحدة  للحنفية، والثانية للشيعة، والثالثة للشافعية، فخُرّبت الأولى والثانية زمن الرحالة ياقوت الحموي المتوفى سنة 626هجرية، بسبب الفتن المذهبية المدمرة بين تلك الطوائف، ولم تبق إلا محلة الشافعية[289]، التي سيخربها المغول في طريقهم إلى بغداد.

وواضح من هذه الظاهرة  أن اختصاص تلك الطوائف بأحياء سكنية خاصة بها، ساهم في تميزها، والحفاظ على كيانها مذهبيا واجتماعيا وطائفيا، الأمر الذي كرّس المذهبية الطائفية المتعصبة، التي جرّت على أتباعها ويلات الفتن والحروب.

 

وختاما لهذا الفصل-أي الأول- يتبين أن التعصب المذهبي بين المسلمين –خلال العصر الإسلامي- كانت مظاهره في الحياة الاجتماعية كثيرة وعميقة، أوصل طوائفه إلى اللعن والتكفير، والسب والتشهير، والتدابر والتنافر، والتخريب والاقتتال، حتى أنه أوصل الشيعة إلي سب الصحابة وتكفيرهم، إتباعا لأهوائهم ومذاهبهم وتعصبا لها.

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

 

مظاهر التعصب المذهبي في الحياة العلمية

-خلال العصر الإسلامي-

 

أولا: التفاضل بالأئمة والمذاهب

ثانيا: الغلو في العقائد والمذاهب

ثالثا: مسائل خلافية أثارت التعصب المذهبي

رابعا: مؤلفات في الانتصار للمذاهب والتعصب لها

خامسا: حرق كتب المخالفين تعصبا للمذهب

سادسا: التعمد في رواية الأكاذيب وتحريف الأخبار

سابعا: المدارس والمساجد الطائفية

ثامنا: التعصب المذهبي عند أهل العلم

تاسعا: محن أصابت العلماء بسبب التعصب المذهبي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مظاهر التعصب المذهبي في الحياة العلمية

-خلال العصر الإسلامي-

 

أثّر التعصب المذهبي في الحياة العلمية تأثيرا كبيرا طيلة العصر الإسلامي، فتجلى ذلك في مختلف مظاهر النشاطات العلمية على مستوى المؤسسات، والإنتاج العلمي، ورجالات العلم، والقضايا المذهبية على مستوى أصول الدين وفروعه. فما تفصيل ذلك ؟.

أولا: التفاضل بالأئمة والمذاهب:

اتصف الأئمة الأربعة بصفات حميدة كثيرة، فأحبهم الناس وتمذهبوا لهم لأجلها، لكنهم-أي الناس- بالغوا في التفضيل والتعظيم، والمدح والافتخار، وأصبحت كل طائفة تزعم أن إمامها هو أعظم الأئمة وأولى بالإتباع، وقال بعضهم بوجوب إتباعه والالتزام بمذهبه، تعصبا للإمام ومذهبه.

فالحنفية كثيرا ما يُبالغون في تعظيم إمامهم ومدحه، من ذلك إنهم كثيرا ما يلتزمون بوصف إمامهم أبي حنيفة،  بالإمام الأعظم، وقد كررها عبد القادر القرشي (ت775ه) في طبقات الحنفية كثيرا، وقال في بعضها: (( الإمام الأعظم، والهمام الأقدم، وتاج الأئمة وسراج الأمة أبو حنيفة النعمان ))[290].

والشاهد الثاني هو أن الفقيه مُسعر بن كِدام (ت 155ه) كان يقول: (( جعلتُ أبا حنيفة حجة بيني وبين الله تبارك وتعالى ))، فقيل له: (( لقد استوثقت لنفسك ))[291]. وقوله هذا فيه مبالغة شديدة، لأنه لا يُوجد لله حجة بينه وبين خلقه إلا كتابه، وسنة رسوله-عليه الصلاة والسلام- الصحيحة، . وأما الرجال فكل طائفة تزعم ذلك في إمامها، كما أن الرجال مهما عظموا فهم بشر يُخطئون ويُصيبون، ولم يجعلهم حجة مطلقة على خلقه، إلا بقدر التزامهم بشرعه، قال تعالى: ((  فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )) – سورة النساء / 59 -.

والشاهد الثالث مضمونه أن بعض الحنفية اختلقوا أحاديث نسبوها إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فيها مدح لإمامهم وتبشير به وذم لغيره، منها حديثان،  الأول يقول: (( سيأتي بعدي رجل يُقال له النعمان بن ثابت يُكنى أبا حنيفة، ليحيين دين الله وسنتي على يديه )). والثاني يقول: (( يكون في أمتي رجل يُقال له محمد بن إدريس أضر على أمتي من إبليس، ويكون في أمتي رجل يُقال لك: أبو حنيفة، هو سراج أمتي)) [292].

والمالكية هم أيضا فيهم من بالغ في مدح إمامهم وتعظيمه، منهم القاضي عياض (ت  ) فإنه رجّح مذهب مالك على مذاهب الإئمة الآخرين، وقرر وجوب تقليده وتفضيله على غيره، مدعيا أنه هو الأفضل، والأعلم، وأنه سكن المدينة بناء على حديث يقول: (( تضربون أكباد الإبل، وتطلبون العلم، فلا تجدون عالما اعلم من عالم المدينة )). وقال أيضا إن مالكا أولى الأئمة بالإتباع لجمعه أدوات الإمامة، وتحصيله وجه الاجتهاد، وكونه أحق أهل وقته بذلك[293].

والشافعية هم أيضا فيهم من بالغ في مدح الشافعي وتعظيمه، منهم إمام الحرمين الجويني (ت478ه)، صنف رسالة في ترجيح مذهب الشافعي على سائر المذاهب، وقرر فيها أنه يجب على كل مخلوق إتباع الشافعي وتقليده ما لم يكن مجتهدا[294].

ومنهم الفقيه محي الدين بن شرف النووي (ت 676ه)، قال إن الشافعي كان بارعا في العلوم، ولم يُوجد بعده من بلغ محله في ذلك، لذا فمذهبه أولى بالإتباع والتقليد[295].  ومنهم أيضا الفقيه تاج الدين السُبكي (ت771ه)، وصف الشافعي بأنه (( الإمام الأعظم المطلبي، والعالم الأقوم ابن عم النبي )) [296].

والحنابلة هم أيضا فيهم من بالغ في مدح أحمد بن حنبل وفضله على سائر الأئمة، منهم الحافظ يحيى بن مندة الأصفهاني(ت 511ه)، قال: (( إن أحمد بن حنبل إمام المسلمين، وسيد المؤمنين، وبه نحيى وبه نموت، وبه نُبعث إن شاء الله تعالى، فمن قال غير هذا فهو من الجاهلين )). وقال أيضا في وصفه لأحمد: (( الإمام المرضي، وإمام الأئمة، وكهف الأمة، وناصر الإسلام والسنة، ومن لم تر عين مثله علما وزهدا، وديانة وإمامة، والإمام الذي لا يُجارى، والفحل الذي لا يُبارى ))[297].

وذكر أيضا –أي ابن مندة- أن شيخا بمكة رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في المنام فقال له الرجل: يا رسول الله، من تركت لنا في عصرنا هذا من أمتك نقتدي به في ديننا ؟، فقال رسول اله: أحمد بن حنبل. ثم قال ابن مندة: (( فما قاله رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في منامه ويقظته فهو حق، وقد ندب صلى الله عليه وسلم إلى الإقتداء به، فلزمنا جميعا امتثال مرسومه واقتفاء ماموره))[298]. وقوله هذا فيه باطل كثير، وصواب قليل، لأنه لا يصح الاعتماد على المنامات في تقرير الأحكام والعقائد والمذاهب، لأنها –أي المنامات- ليست مصدرا من مصادر الاستدلال، ولا نصا من النصوص الشرعية، لأنه لو صح أنها كما زعم لأصبح كل إنسان يدعي ما يشاء ويقول رأيت في المنام كذا وكذا، ونفس الشيء يقوله أتباع المذاهب الأخرى في تعظيم أئمتهم والدفاع عن مذاهبهم.  كما أنه وصف أحمد بن حنبل بأنه إمام المسلمين، والصحيح أنه من أئمة المسلمين. كما أنه أخطأ عندما وصفه بأنه: سيد المؤمنين، وهذا يعني أنه شهد له بدخول الحنة، وهذا أمر لا يعلمه إلا الله تعالى. وأقواله هذه دافعها المبالغة في تعظيم إمام المذهب والتعصب له.

 

ومنهم الفقيه المؤرخ عبد الرحمن بن الجوزي(ت 597ه) ذكر أنه سبر سيرة السلف كلهم ليستخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار مجتهدا، والعمل حتى صار قدوة للعابدين، فلم يجد أكثر من ثلاثة، وهم: الحسن البصري، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، ثم قال إنه لا ينكر على من ربّع بهؤلاء بسعيد بن المسيب[299]. فهو قد استبعد كلية أبا حنيفة ومالك والشافعي الذين بالغ أتباعهم في تعظيمهم ومدحهم، وجعل إمامه أحمد بن حنبل من بين الذين فضّلهم، واستبعد هؤلاء الأئمة الثلاثة المتبوعين، لعدم بلوغهم ما أشترطه في مقياسه.

وقال أيضا إنه-أي ابن الجوزي- فضل مذهب احمد بن حنبل على مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي اعتمادا على العلم لا على النسب، كما أنه وجد أحمد أوفر الأئمة حظا في العلوم الشرعية، وكان حافظا لكتاب الله، ومتفردا بعلم الحديث جرحا وتعديلا، وعارفا بالعربية والقياس، زاهدا ورعا في الدنيا، صابرا في المحنة، لم يأخذ عطاء السلطان[300].

وقد ترتب عن مبالغات هؤلاء أنها عمّت  خاصة الناس وعامتهم، وانتشر بينهم تقليد الأئمة والتعصب لهم بحق وبغير حق، وتجاوزوا الحد في تعظيم أئمتهم وامتثال أرائهم، إلى حد لا يُوصف عندهم للصحابة، بل ولا لكلام الله تعالى وسنة رسوله –عليه الصلاة والسلام[301].

وقد ذكر المؤرخ أبو شامة المقدسي (ت 665ه) أن المقلدين المتعصبين في زمانه بلغ بهم الأمر إلى أن أصبحت أقوال الأئمة عندهم بمنزلة الكتاب والسنة، فصدق عليهم قوله تعالى: ((اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ  )) – سورة التوبة /31 - ؛ ولغلبة التعصب عليهم كفروا بالرسول –صلى الله عليه وسلم- عندما أخبرنا أن الله تعالى يبعث في كل مائة سنة من ينفي تحريف الغالين وانتحال المبطلين، فحجروا على الله تعالى كاليهود بأن لا يبعث بعد أئمتهم وليا مجتهدا؛ وانتهى بهم التعصب إلى أن أحدهم إذا أُورد عليه دليل من القرآن والسنة اجتهد في دفعه بكل سبيل من التأويلات البعيدة نصرة لمذهبه. ثم انتهى بهم الأمر على إهمال علوم الكتاب والسنة، وتفضيل ما هم عليه الذي ينبغي المواظبة عليه، فبدلوا بالطيب خبيثا، وبالحق باطلا، وبالهدى ضلالا[302].

ومن ذلك أيضا ما ذكره محمد بن الشوكاني من أنه اُشتهر عن جماعة من أهل المذاهب الأربعة بأنهم قالا: (( تعذّر وجود مجتهد بعد المائة السادسة ))[303]. وذكر الذهبي أن أحد أهل العلم المقلدين المتمذهبين المتعصبين قال: إن المقلد الذي التزم بتقليد إمامه، هو مع إمامه كالنبي مع أمته، لا يحل مخالفته[304].

ومن ذلك أيضا ما ذكره الفقيه المعاصر محمد الحامد من أن فقهاء الحنفية قرروا أن الاجتهاد المطلق في الأحكام ممنوع بعد فوات 400 سنة عن وفاة رسول الله –عليه الصلاة والسلام-، ليس حجرا على فضل الله، وإنما هو لئلا يدعي الاجتهاد من ليس أهله، فنقع في فوضى دينية واسعة، لذلك رأى العلماء الأتقياء إشفاقا على الأمة إقفال ذلك الباب أمام أدعياء الاجتهاد[305].

ومن مظاهر مبالغاتهم أيضا ما ادعاه قاضي القضاة علي بن محمد الدامغاني الحنفي (ت513ه )، عندما منع أن يُحكم في القضاء بغير رأي أبي حنيفة وصاحبيه محمد وأبي يوسف، وأعلن أمام الملأ بأعلى صوته بأنه لم يبق في الأرض مجتهد. فأنكر عليه الفقيه المجتهد أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي البغدادي(ت513ه) ما ادعاه، وقال إن كلامه هذا فيه فساد كبير[306].

 

ومن ذلك أيضا ما ذهبا إليه الفقيهان الشافعيان أبو عمر بن الصلاح(ت643ه)، ومحي الدين بن شرف النووي(ت676ه)، فإنهما أوجبا التقليد على الناس وضيقا على الفقيه مجال حريته، فإذا صح الحديث فليس له أن يعمل به حتى ينظر هل له معارض أو ناسخ أو نحوهما أم لا، وإذا حز في نفسه مخالفة الحديث، فالمختار عندهما إن لم يكن أهلا للاجتهاد في المذهب لم يجز له العمل به، لاحتمال أن يكون خفي عليه شيء[307].و نص النووي على أن التقليد أصبح لازما بعد تدوين المذاهب، ولا يحق للمقلد أن يخالف صاحب مذهبه، ولا يفتي إلا المجتهد[308].

وآخرها –أي مظاهر المبالغة في التعظيم والتقليد- ما رواه المؤرخ المقريزي من أن فقهاء الأمصار زمن السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (658-676ه) أفتوا في سنة 665 هجرية بوجوب إتباع المذاهب الأربعة وتحريم ما عداها، ومنعوا تقليد غير الأئمة الأربعة، وكان عددهم كبيرا من مختلف الأمصار، لم يذكر لنا المقريزي أي واحد منهم[309].

وتعليقا على ما ذكرناه أقول: أولا إن أقوال هؤلاء المقلدين المتمذهبين المبالغين في تعظيم أئمتهم والدعوة إلى تقليدهم والالتزام بأقوالهم، هي أقوال مبالغ فيها جدا، سببها التقليد والتعصب المذهبيين، ولا تقوم على أي أساس صحيح شرعا ولا عقلا.

وثانيا إنه ما يُرد به على هؤلاء المتمذهبين المتعصبين، هو أنه علينا أن نتذكر أن أقوالهم المُبالغ فيها تردها أقوال الطوائف الأخرى التي هي مُبالغ فيها أيضا. فالحنفية-مثلا- الذين بالغوا في تعظيم إمامهم والدعوة إلى تقليده، عليهم أن يعلموا أن الطوائف الأخرى قالت نفس الشيء في أئمتها، ويمكن الرد بأقوالها على الحنفية. ونفس الأمر يمكن استخدامه للرد على باقي الطوائف.

 

وثالثا إن هناك أقوالا كثيرة لعلماء آخرين يمكن استخدامها للرد على المتمذهبين المتعصبين المبالغين في تعظيم أئمتهم، وهي أقوال تشهد على أن هؤلاء الأئمة الأربعة- المبالغ فيهم – وُجد من العلماء من انتقدهم وفضل غيرهم عليهم. فالحنفية المقلدون لإمامهم أبي حنيفة، والمبالغون في تعظيمه وتفضيله والتعصب له، عليهم أن يعلموا أن كثيرا من علماء الجرح والتعديل تكلّموا فيه وانتقدوه، وذكروه في الضعفاء[310]. وانتقده أيضا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي(ت505ه)، وحطّ عليه وخطّأه في طائفة من الأحكام الفقهية، في كتابه المنخول في تعليق الأصول[311].

 

والمالكية المبالغون في إمامهم-تعظيما وتعصبا- عليهم أن لا ينسوا هم أيضا ما قاله بعض العلماء في إمامهم، فقد قال عبد الله بن المبارك: (( أبو حنيفة أفقه من مالك ))، وقال الشافعي (( الليث بن سعد أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به ))، وكان الشافعي يتأسف لفوات السماع من الليث. وقال أيضا: (( كان الليث أتبع للأثر من مالك ))[312]. وقال الحافظ زكريا بن يحيى الساجي(ت307ه): (( أحمد بن حنبل أفضل عندي من مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وذلك أن لهؤلاء نظراء، وأحمد بن حنبل فلا نظير له ))[313].

 

والشافعية المبالغون في إمامهم-تعظيما وتعصبا- عليهم هم أيضا أن يتذكروا ما قاله بعض العلماء في إمامهم، فقد انتقده الحافظ بن معين وقال إنه ليس بثقة[314]. وفضّل شيخ الحنفية أبو الحسن القدوري البغدادي (ت قرن:5ه) أبا حامد الإسفراييني الشافعي (ت406ه) على إمامه الشافعي، بقوله: (( الشيخ أبو حامد عندي أفقه وأنظر من الشافعي))[315]. وفضّل الحافظ زكريا الساجي أحمد بن حنبل على طائفة من كبار العلماء، من بينهم الإمام الشافعي. وقال الحافظ إسحاق بن راهويه: (( إن الله لا يستحي من الحق، أبو عبيد –أي القاسم بن سلام- أعلم مني، ومن ابن حنبل، ومن الشافعي ))[316]. وقال الشافعي لأحمد بن حنبل: (( انتم أعلم بالحديث والرجال، فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني، إن شاء يكون كوفيا ن، أو شاء شاميا، حتى أذهب إليه إن كان صحيحا ))[317]. فهذا اعتراف منه بأن أحمد بن حنبل أعلم منه بالحديث والرجال.

 

والحنابلة المبالغون في إمامهم-تعظيما وتعصبا- عليهم هم أيضا أن لا ينسوا ما قاله بعض العلماء في إمامهم، فقد قال أبو داود السجستاني: (( علي بن المديني أعلم من أحمد باختلاف الحديث )). وقال أحمد بن أبي بكر المديني: (( محمد بن إسماعيل-أي البخاري- أفقه عندنا وأبصر من ابن حنبل ))[318]. وقال احمد بن حنبل: (( ما جاوز الجسر –أي جسر بغداد- أفقه من إسحاق بن راهويه، ولا أحفظ من أبي زرعة )) [319]. فهذا اعتراف منه –و هو قد جاوز الجسر- بأن الأول أفقه منه، والثاني أحفظ منه. وقد ذكرنا سابقا أن إسحاق بن راهويه قال: (( إن الله لا يستحي من الحق، أبو عبيد –أي القاسم بن سلام- أعلم مني، ومن ابن حنبل، ومن الشافعي )).

وقد كان بعض أهل العلم يُفضّلون عبد الله بن أحمد على أبيه أحمد بن حنبل، في كثرة الرواية والمعرفة[320]. وكان بعض الطلبة يُفضلون أستاذهم إبراهيم الحربي على شيخه أحمد بن حنبل، فلما اخبروه بذلك امتنع عن تدريسهم[321]. وكان الفقيه المفسر ابن جرير الطبري(ت 310ه)، لا يعد أحمد بن حنبل من الفقهاء، وعندما ألف كتابه اختلاف الفقهاء لم يذكره فيه، وعده من المحدثين، فثار عليه الحنابلة ببغداد[322].

ورابعا إن الأقوال التي ذكرناها مؤخرا أيضا في بعضها مبالغات، منها ما قاله الحافظ زكريا الساجي، عندما فضّل أحمد بن حنبل على مالك، والأوزاعي، وسفيان الثوري، والشافعي، بدعوى أن هؤلاء لهم نظراء، وأحمد ليس له نظير. وقوله هذا يٌشبه ما قاله الحافظ علي بن المديني (ت233ه) في احمد بن حنبل، فقال: (( إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة ))، وفي رواية أخرى أنه قال: (( ما قام أحد من أمر الإسلام بعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-ما قام به أحمد بن حنبل ))، فقيل له: (( ولا أبو بكر، قال ولا أبو بكر، لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب )) [323].

 

وأقول:  نعم لأحمد بن حنبل فضل كبير، ولا نبخسه حقه لصموده في المحنة، لكن تلك الأقوال فيها مبالغات شديدة، وغير صحيحة في كثير من جوانبها، بدليل المعطيات الآتية: أولها إنه قد كان لأحمد نظراء في الحديث والفقه، وفي مختلف العلوم الشرعية، ووُجد فيهم من كان يتفوّق عليه في بعضها كما سبق أن ذكرناه.و بخصوص صموده في محنة خلق القرآن، فليس هو الوحيد الذي صمد فيها وقاومها، فقد صمد فيها نُعيم بن حماد الخزاعي، وأبو يعقوب البويطي، ورفضا القول بخلق القرآن، فأدخلا السجن وماتا بداخله[324]. ومنهم أيضا: أبو جعفر هارون الإيلي المصري(ت قرن:3ه)، ومحمد بن عبد الحكم المصري(ت282ه)، والأول ضُرب بالسياط، وطيف به بالشوارع بعمامة في عنقه يُجر بها، ولم يقل بخلق القرآن، وكان يُنادي بخلاف ذلك. والثاني هو أيضا ضُرب بالسياط، وطيف به في الشوارع، ولم يقل بخلق القرآن[325].

 

ومنهم أيضا المحدث أحمد بن نصر الخزاعي البغدادي(ت 231ه)، إنه أنكر على الخليفة الواثق (227-232ه) قوله بخلق القرآن، وما هو عليه من الفواحش، ثم كوّن – أي ابن نصر- جماعة سرية للخروج على الخليفة الواثق، فلما اكتشف أمره قتله شر قتلة، وعلّق رأسه يالجانب الشرقي من بغداد. وقد ترّحم عليه أحمد بن حنبل وقال فيه: (( ما كان أسخاه بنفسه لله، لقد جاد بنفسه له )). وعندما قيل له-أي لأحمد-: صبرتَ، قال: (( أنا ما صبرت، لكن الذي صبر أخي أحمد بن نصر، وذاك أنهم أغلظوا له القول، فأغلظ لهم، فضربوا عنقه، وما خافهم ))[326]. فهذه مواقف مشرفة، لم يقفها أحمد بن حنبل نفسه،  باعترافه هو شخصيا.

وثانيها –أي المعطيات- هي إن الله تعالى أعز الإسلام بأحمد وبغيره من المسلمين، وليس ذلك خاصا بالصديق ولا بأحمد، وقد نصر الله تعالى دينه بعباده الصالحين قبل أحمد وفي زمانه وبعده؛ وقد تعرّض المالكية بالمغرب الإسلامي لمحنة خطيرة وفتنة مدمرة  على يد العبيديين الإسماعيليين، فقتلوا منهم الآلاف، وأخذوا كثيرا منهم إلى دار النحر وخيّروهم بين التبرؤ من الصحابة أو الموت فاختاروا الشهادة وصبروا وصمدوا، عندما نحروهم كالكباش. أليس ما حل بهؤلاء هو أكبر  بكثير مما حدث في محنة خلق القرآن ؟.

وثالثها إن مجال المقارنة بعيد بين عمل أبي بكر الصديق-رضي الله عنه- وبين ما قام به أحمد بن حنبل، فالصديق واجه ردة وكفر العرب بشكل جماعي عرّض الإسلام والمسلمين لخطر داهم قد ينهي وجودهم كلية، وهذا لم يحدث في حالة أحمد بن حنبل، فلم يُواجه ردة ولا كفرا جماعيا، وإنما الذي حدث هو أن الخليفة المأمون وأصحابه، فرضوا على الأمة القول بفكرة لها علاقة بصفات الله تعالى، سعوا إلى فرضها على الرعية بالقوة، فأنكر عليهم كثير من العلماء، كان أحمد من بينهم؛ فهو لم يكن وحيدا في المواجهة والصمود، ولا هو الذي رفع محنة خلق القرآن، فإن الذي رفعها هو الخليفة المتوكل (ت232-247ه)[327].

 

وخامسا يجب أن لا يغيب عنا أن الله تعالى لم يلزمنا إتباع إلا كتابه وسنة رسوله الصحيحة، ولم يتعبدنا إلا بهما؛ فنحن لسنا مُلزمين بإتباع أي إنسان كائن من كان، فكل إنسان يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا النبي –عليه الصلاة والسلام. وأما حكاية الأعلم والأزهد، والأعبد والأشجع، التي ذكرها المتمذهبون المتعصبون، فهي مقاييس لا دخل لها مطلقا في مسألة الإتباع من عدمه. وعليه فإن ما تذرّع به المتمذهبون المتعصبون في أن أئمتهم هم الأفضل والأعلم والأعبد، هي ذرائع مرفوضة، لأن الشرع أمرنا بالرد إلى الله ورسوله عند التنازع (( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ))- سورة النساء / 59-.و قال لنا: (( افَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ))- سورة النحل / 43 -فأمرنا بسؤال أهل الذكر إن كنا لا نعلم، ولم يأمرنا بتقليدهم والتزام أقوالهم، والتعصب لها. وقد كان أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- أفضل الصحابة مكانة وأكثرهم علما، ولم يقل للصحابة قلدوني والتزموا أقوالي لأني أفضلكم، وهم أيضا ما ادعوا فيه ذلك، وخالفوه في مسائل كثيرة، نجدها في كتب الفقه والتاريخ.

 

وسادسا إن ما قاله بعض كبار العلماء كابن الصلاح، والنووي في وجوب التقليد والتضييق على المجتهدين، هو قول مبالغ فيه جدا، ولا مبرر صحيح له، فلا داعي لهذا التضييق على أهل العلم، شرعا ولا عقلا، لأن الشرع قد ذم التقليد وأمرنا بإتباع الكتاب والسنة، ولم يلزمنا بإتباع أحد من الناس. وتقليدنا للأئمة الأربعة مخالف لمنهاجهم في الاجتهاد، وهم قد نهونا عن تقليدهم. وأية فائدة من التقليد ؟ إنه تربية على العجز والجمود والسلبية، وإبعاد للناس عن الكتاب والسنة، وربطهم بأقوال الرجال.و الشرع الحكيم قد حثنا على الاجتهاد وجعل للمصيب أجرين، وللمخطئ أجرا واحدا، فلماذا نحرم العباد من ذلك، وندفعهم إلى التقليد دفعا ؟ ولماذا نحرص ونحتاط لكي يلتزم الناس بتقليد أئمتهم، ولا نفعل ذلك معهم للعمل بالقرآن والحديث لتكون لهم علاقة مباشرة بهما ؟  إنه كان من الأولى أن يُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه أمام أهل العلم، في كل المجالات، ليتنافس في ذلك المتنافسون، في إطار آداب البحث ومنهجيته.

 

وسابعا إن الحديثين اللذين ذكرهما الحنفية في مدح إمامهم أبي حنيفة، هما حديثان مختلقان[328]. وكذلك الحديث الذي ذكره القاضي عياض في مدح مالك بن أنس، فهو حديث ضعيف[329]. وبذلك يتبين أن التعصب المذهبي أوصل بعض المتمذهبين إلى الكذب على رسول الله –عليه الصلاة والسلام- تعصبا لإمامهم وانتصارا لمذهبه.

 

وثامنا إن ما قاله الشيخ محمد الحامد في قوله بلزوم تقليد المذاهب الأربعة حسما للفوضى الدينية، هو تبرير ضعيف جدا، لأن التمذهب بالمذاهب الأربعة هو نفسه تكريس للتشرذم والانقسام والفوضى الدينية، وألم يُؤد ذلك إلى حدوث الفتن والمصادمات، وقد ذكرنا طرفا منها في الفصل الأول ؟. كما أن دعوته المغلفة  بثوب الحرص على الوحدة، هي دعوة لا حقيقة لها، لأن دعوته نفسها هي تكريس للفرقة والتمزق والتناحر. هذا فضلا على أنها تخالف النصوص الشرعية التي تحث على الاجتهاد، وقد أعطت الشريعة للمجتهد المصيب أجرين، وأعطت للمخطئ أجرا واحدا، ولم تمنعه من الاجتهاد لأنه أخطأ، لأن الخطأ طريق إلى الصواب.

 

ونحن إذا منعنا الاجتهاد نكون قد حكمنا على أنفسنا بالبقاء منقسمين متشرذمين مختلفين تتجاذبنا أربعة مذاهب، ونكون قد حرمنا الأمة من أن تراجع نفسها لتعود إلى وحدتها  وتتخلّص من انقساماتها واختلافاتها، ولكي يتحقق ذلك لا بد لنا من الاجتهاد العلمي النزيه الذي يجمع القلوب ويحرر المسائل العلمية المختلف فيها تحريرا علميا صحيحا.

ويًُستنتج مما ذكرناه في مبحثنا هذا، أن ظاهرة التفاضل بالأئمة ومذاهبهم، كانت مظهرا من مظاهر التعصب المذهبي المذموم في كثير من جوانبها، أوصلت المتمذهبين إلى المبالغة في تعظيم أئمتهم والتعصب لهم، الأمر الذي فتح عليهم بابا من أبواب الفتن والشرور. وقد أصاب الفقيه حسن صديق خان عندما قال: إن الكلام على ترجيح فقه إمام ومذهبه على فقه إمام آخر ومذهبه، ليس من العلم في شيء، و(( أكثر من اُبتلي بأمثال هذه الخرافات هم المقلدون للمذاهب والمتمذهبون ))، والحق عدم الترجيح، وأصوبها و(( أشرفها ما كان موافقا للكتاب والسنة، بعيدا عن شوائب الآراء والمظنة ))[330].


 

ثانيا:الغلو في العقائد والمذاهب:

أوصل التعصب المذهبي كثيرا من الطوائف الإسلامية إلى الغلو والتطرف، وتجاوز الحدود الشرعية والعقلية، بما اعتقدته من أصول ومذاهب باطلة، وميزاننا في تمييز ذلك ومعرفته هو الاعتماد على النقل الصحيح، والعلم الصحيح، والعقل الصريح؛ فمن ذلك الغلو: الغلو عند الشيعة[331]، فمذهبهم كله يقوم على الغلو والتطرف، لتعصبهم ومخالفتهم للنقل والعقل معا، ومظاهر ذلك كثيرة جدا، منها: سبهم للصحابة، وقد سبق ذكر ذلك توثيقا  ومناقشة  وردا في الفصل الأول. والمظهر الثاني تكفيرهم لصحابة رسول الله –عليه الصلاة والسلام-، وهذا أيضا سبق ذكره وتوثيقه وإبطاله في الفصل الأول.

والمظهر الثالث –من غلوهم وتطرفهم- زعمهم أن الصحابة كتموا نص إمامة علي بن أبي طالب وخلافته[332]. وزعمهم هذا رده الحافظ ابن كثير بقوله: (( ثم لو كان مع علي –رضي الله عنه- نص، فَلِمَ لا كان يحتج به على الصحابة على إثبات إمارته عليهم، وإمامته لهم ؟، فإن لم يقدر على تنفيذ ما معه من النص، فهو عاجز، والعاجز لا يصلح للإمارة؛ وإن كان يقدر ولم يفعله  فهو خائن، والخائن الفاسق مسلوب معزول عن الإمارة؛ وإن لم يعلم بوجود النص فهو جاهل. ثم وقد عرفه وعلمه من جاء بعده، هذا محال وافتراء وجهل وضلال، وإنما يحسن هذا في أذهان الجهلة الطغام والمغترين من الأنام، يُزينه لهم الشيطان بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد التحكم والهذيان، والإفك والبهتان، عياذا بالله مما هم فيه، من التخليط والخذلان، والتخبيط والكفران ))[333].

وأقول: إن حكاية النص باطلة من أساسها، لأنه لا يُوجد نص أصلا، وما تلك الحكاية إلا خرافة من خرافات الأفاكين الذين تخصصوا في الكذب[334]. كما أن القرآن الكريم قد حسم مسألة الإمامة حسما نهائيا، فقد أمرنا بأن نطيع الله ورسوله، وأولي الأمر منا، وبالرد إلى الله ورسوله عند التنازع، قال تعالى: (( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ))- سورة النساء / 59- فأُولي الأمر منا، أي من المسلمين دون تحديد ولا تخصيص بشخص ولا بأسرة، على أن يتم ذلك في إطار من الشورى، لقوله تعالى: (( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )) – سورة الشورى / 38-سورة – و ((و شاورهم في الأمر ))-سورة آل عمران / 159 -. وعليه فإن حكاية النص على علي بن أبي طالب هي حكاية باطلة مُفتراة، ولا يصح –في أي حال من الأحوال- أن نترك  ما قرره القرآن ونأخذ بروايات تخالفه، لأن ما خالف القرآن الكريم فهو باطل مكذوب، وإن روته كُتب الفرق والتراجم والتواريخ.

 

والمظهر الرابع –من غلو الشيعة وتطرفهم- زعمهم بأن أئمتهم-الإثنى عشر- معصمون من الخطأ، وأنهم يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يموتون بإرادتهم، وكلامهم شرع مُقدس يجب إتباعه، والإيمان بهم واجب، ومن أنكر واحدا منهم فهو كافر[335]. حتى أن الخميني قال في كتابه: الحكومة الإسلامية: (( وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مُقرّب، ولا نبي مُرسل ))[336]. وقوله هذا  هو زعم باطل، وادعاء كاذب مردود عليه، لأن حكاية الأئمة خرافة لا وجود لها إلا في أذهان وأدبيات الشيعة، ولا وجود لها أصلا في كتاب الله، ولا في سنة رسوله الصحيحة، ولا في التاريخ الصحيح. لكن التعصب المذهبي أوصل الشيعة إلى مثل هذا الغلو والتطرف والبهتان.

والمظهر الخامس-من غلو الشيعة وتطرفهم- زعمهم بأن القرآن الكريم مُحرّف بالزيادة والنقصان، وقولهم هذا ثابت عنهم سجلته الكتب السنية والشيعية معا، فمن كتب السنة التي ذكرت عنهم قولهم بالتحريف، كتاب الفِصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الأندلسي، وكتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي[337].

 

وأما كتبهم ففي مقدمتها كتابهم الأساسي: الكافي في الأصول والفروع، لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكُليني (ت قرن:4ه)، فيه تصريح واضح بتحريف القرآن، واعتراف بوجود مصحف فاطمة الذي يخالف القرآن الموجود بين المسلمين حسب زعمهم. وفيه أيضا نماذج من الآيات التي زعموا أنها مُحرّفة، منها أنهم زعموا أن قوله تعالى: ((  وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )) –سورة البقرة / 23 - هو ناقص حُذف منه: في علي، فتصبح الآية: (( مما نزلنا على عبدنا في علي فأتوا بسورة  ))، وهناك نماذج أخرى مكذوبة لا داعي لذكرها هنا[338].

وقد اعترف بذلك عالمهم نعمة الله الجزائري (ت 1112ه)، فذكر أن الأخبار عند الشيعة استفاضت وتواترت على وقوع التحريف في القرآن كلاما ومادة وإعرابا، وقال إن قلة من علمائهم لم يقولوا بالتحريف، وهم: الراضي، والصدوق، والطبرسي؛ ثم قال أن هؤلاء قالوا بعدم التحريف تقية، لأجل مصالح كثيرة، كسد باب الطعن عليهم. ثم ذكر أن في مؤلفات هؤلاء الثلاثة أخبار كثيرة نصت على وقوع التحريف في القرآن[339].

 

وأقول: أولا إن علماء أهل السنة قد نصوا صراحة على تكفير القائل بتحريف القرآن، فمن أنكر منه حرفا فقد كفر[340]. لأن القائل بذلك أنكر أمرا معروفا من الدين بالضرورة، وأنكر صريح القرآن وكفر به، فالله تعالى يقول: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) – سورة الحجر: 9- وقال: (( أ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ )) – سورة هود: 1 – فالقول بتحريفه يعني أنه غير مُحكم، وهذا مخالف لآية السابقة. وقال أيضا عن كتابه العزيز ((  لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) – سورة فصلت: 42-  فالقول بتحريفه يعني أن الباطل قد تطرّق إليه، وهذا زعم باطل يخالف ما قررته الآية السابقة. وبذلك يتبين أن القول بتحريف القرآن هو كفر به، وافتراء على الله ورسوله والمؤمنين والتاريخ. فالله  سبحانه تعالى قال أنه حفظ كتابه، وهؤلاء الغلاة المتطرفون المتعصبون زعموا إنه مُحرّف، تعصبا للباطل وانتصارا له.

 

وثانيا يجب التنبه إلى أمر هام جدا، هو أن القول بتحريف القرآن هو من ضروريات عقائد الشيعة، فهي لا تثبت إلا بالقول بتحريفه، فإذا تصوّرنا عقائدهم منطقيا فبالضرورة  يجب أن نقول بتحريف القرآن، ومثال ذلك أننا إذا افترضنا-جدلا- صحة عقائد الشيعة في سبهم للصحابة وتكفيرهم لهم، وقولهم بالنص وكتمان الصحابة له، وقولهم بالأئمة المعصومين، فإننا نقول: المفروض أن تُوجد تلك العقائد في القرآن الذي أكمله الله تعالى، لكن الثابت الأكيد أن تلك العقائد لا وجود لها في القرآن مطلقا، والموجود فيه يخالفها ويُبطلها. وبما أننا افترضنا-جدلا- صحة عقائد الشيعة فهذا يستلزم أن القرآن قد تعرّض للتحريف ونزعت منه تلك العقائد.  لكن يا خيبة الشيعة إن العكس هو الصحيح، فبما أن عقائدهم لا توجد في القرآن –الذي حفظه الله تعالى- فهذا يستلزم حتما أن عقائدهم هي الباطلة المكذوبة، وليس القرآن الكريم الذي هو الفيصل بين الحق والباطل.

 

وكذلك الخوارج كان فيهم غلو وتطرف فكرا وسلوكا، فقد أوصلهم تعصبهم إلى أن كفروا (( عليا، وعثمان، وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وصوّب الحكمين أو أحدهما)). وقال الأزارقة منهم: إن المخالفين لهم من الأمة هم مشركون، واستباحوا نساءهم وأطفالهم. وقالت الإباضية منهم: إن مخالفيهم من هذه الأمة ليسوا بمؤمنين، ولا مشركين، لكنهم كفار[341]. وهذه الأفكار المتطرفة سببها الجهل بالشرع، والتعصب للمذهب والغلو فيه، وإلا فإن الذي حدث في الفتنة الكبرى لا يُوصل إلى التكفير، لأن الاقتتال الذي حدث كانت له ملابساته وظروفه واجتهاداته، ورُويت فيه كثير من الأكاذيب والأباطيل. والله سبحانه وتعالى قد سمى المسلمين المقتتلين بالمؤمنين، وأمر بالإصلاح بينهم في قوله سبحانه: ((  َإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )) – سورة الحجرات: 9 -.

 

وكذلك المعتزلة، هم أيضا كان فيهم غلو، أوصلهم إليه تطرفهم وتعصبهم لأفكارهم، حتى أنهم نفوا عن الله تعالى صفاته الأزلية، وقالوا: ((  ليس لله عز وجل علم، ولا قدرة، ولا حياة، ولا سمع، ولا بصر، ولا صفة أزلية )). وقالوا: إنه لم يكن لله تعالى في الأزل اسم ولا صفة[342].و قولهم هذا هو خيال وهذيان، ورجم بالغيب، وقول على الله بلا علم، يخالف المنقول والمعقول معا، لأن العقل يحكم بأن لكل موجود لا بد له من صفات تليق بذاته، لأن الذي ليس له صفات هو المعدوم، بحكم أنه غير موجود، وأما الموجود فلا بد له من صفات.

 

وأمنا نقلا فإن النصوص الشرعية في إثبات صفات الكمال لله تعالى كثيرة جدا، فالله تعالى هو الرحمن الرحيم، والعلي الكبير، والعزيز الحكيم، والرزاق الكريم، والأول والآخر، والظاهر والباطن. والكون العجيب الذي نراه ونعيش فيه، هو شاهد على عظمة خالقه، وكمال صفاته، فخالق هذا الكون العجيب المعجز لا بد أن يكون خالقا أزليا، قادرا واسعا، عليما حكيما، عزيزا متكبرا، جميلا لطيفا....

ومن غلوهم أيضا –أي المعتزلة- أنهم قدموا عقولهم على الشرع مطلقا، وخاضوا في مسائل غيبية لا تدركها العقول، فتكلّموا في الصفات ونفوها، وأنكروا رؤية الله تعالى يوم القيامة بلا دليل صحيح من العقل ولا من النقل. فأقحموا عقولهم في أمور غيبية يستحيل على العقل البشري إدراكها وتصوّرها على حقيقتها. وكان من الواجب عليهم أن يرجعوا إلى الوحي للأخذ منه مباشرة والاستسلام له، لكنهم لم يفلوا ذلك، وركبوا رؤوسهم تعصبا وتطرفا، وغرورا وتكبرا، وتركوا الوحي من وراء ظهورهم، فخالفوا بذلك النقل والعقل معا، ولم يجنوا إلا الظنون والأوهام، والخيالات والشكوك.

 

والصوفية هم أيضا كان فيهم غلو كبير، أوصلهم إليه تعصبهم لمذهبهم وطائفتهم، فمن ذلك: حرصهم على ارتداء المرقعة-الخرقة- وإصرارهم على القول بأنها موروثة عن الرسول-عليه الصلاة والسلام-، وعن بعض صحابته[343]-رضي الله عنهم-. وقد ذكروا لها عدة روايات منها ثلاثة طرق أوصلوها إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- ففي الطريق الأول يوجد فيه العبد الصالح الخضر. والثاني فيه علي بن أبي طالب، وعنه أخذ الحسن البصري الخرقة. والثالث فيه علي بن أبي طالب وعنه أخذ جعفر الصادق الخرقة وعن هؤلاء أخذ الصوفية خرقتهم[344]. وهناك من يذكر الطريقين الأخيرين ويوقفهما عند علي –رضي الله عنه- دون ذكر للنبي- صلى الله عليه وسلّم-[345]. ولهم طريق رابع مفاده أن الصوفي أبا بكر بن هوار رأى في المنام أبا بكر الصديق فألبسه خرقتين، فلما استيقظ وجدهما عليه، وعنه توارثها الصوفية[346].

 

وأقول: لقد اتفق النقاد المحققون من المحدثين كابن الصلاح، والذهبي وابن حجر على أنه لم يرد في خبر صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف، أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ألبس الخرقة أحدا من أصحابه، ولا أمر بها. وكل ما يروى في ذلك باطل، ومن الكذب المفترى القول بأن عليا ألبس الحسن البصري الخرقة، لأنّ أصحاب الحديث لم يثبتوا للحسن البصري سماعا منه[347]، فضلا على أن يُلبسه الخرقة[348]. وأما القول بأن الخضر أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلّم- فباطل لأنه توفي قبله بقرون مديدة زمن موسى عليه السلام-[349].

ويرى ابن الجوزي أن إسناد خرقة الصوفية كله كذب ومحال[350]. وذهب المؤرخ ابن خلدون إلى القول بأن الصوفية لما أرادوا أن يجعلوا للباسهم أصلا رفعوا لباس الخرقة إلى علي ابن أبي طالب الذي لم يكن يختص من بين الصحابة بنحلة ولا طريقة في لباس ولا حال. وقد كان الصديق والفاروق أزهد الناس وأعبدهم بعد رسول الله، ولم يختص واحد منهما في الدين بشيء[351]. وهذا ردّ من ابن خلدون على الصوفية، ونقد لهم وتكذيب لهم في دعواهم، بطريقة لينة ذكية صحيحة. وأما دعواهم إلباس الصديق خرقتين لأحد الصوفية في المنام، فهي هروب من الحقيقة وإحالة على مجهول. فهم عندما أعوزهم الدليل التاريخي الصحيح وتبيّن لهم بطلان روايتهم عن الخرقة لجؤوا إلى المنامات هروبا من النقد. وما أسهل الاستنجاد بالأحلام لاختلاق الأخبار، فهي في متناول كلّ إنسان! ومتى كانت المنامات من أدلّة الشرع، ومن طرق إثبات الحوادث التاريخية ؟.

ومن غلوهم وضلالهم، ادعاء بعضهم لوحدة الوجود، بمعنى أن الوجود كله واحد، فالله تعالى هو الوجود، والوجود هو الله، بمعنى إن الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، ولا فرق بينهما.و هذا الجنون والهذيان، وهذا الزعم الباطل المخالف للنقل والعقل معا، قاله كبار منحرفي الصوفية، كعمر بن الفارض المصري(ت632ه )، ومحي الدين بن عربي الطائي الأندلسي(ت638ه)، والقطب بن سعيد الأشبيلي(ت669ه)، والعفيف التلمساني(ت690ه)[352]، والذي أوصل هؤلاء إلى هذا الضلال، هو جهلهم، وتعصبهم، وإتباعهم لأهوائهم وظنونهم، وإعراضهم عن الشرع، وعدم احتكامهم إلى العقل الصريح.

 

وقد وُجد في تاريخنا الإسلامي من كان يتعصب لهؤلاء الضالين ويُدافع عنهم جهلا وتعصبا، فعندما صنف الفقيه برهان الدين البِقاعي الشافعي (ت 885ه) كتابا سماه: تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي، انتقده كثير من أهل العلم، وتناولوه بالألسنة، وكَثُر الرد عليه، منهم جلال الدين السيوطي (ت911ه)، رد عليه بكتاب: تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي.، ورد عليه أيضا الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي (952ه)، بكتاب سماه: تسفيه الغبي في تكفير ابن عربي[353].

ومنهم أيضا: القاضي الحنفي سراج الدين عمر بن إسحاق الغزنوي الهندي ثم القاهري(ت773ه)، كان يتعصب للصوفية الاتحادية-دعاة وحدة الوجود-، حتى أنه عزّر رجلا تكلّم في الصوفي الاتحادي عمر بن الفارض[354].

والمتكلمون هم أيضا كان فيهم غلو وتطرف-تعصبا للمذهب وإتباعا للظن-، فوُجدت من بينهم طائفة نفت الحكمة [355]الإلهية في الكون، وأنكرت طبائع المخلوقات، وما فيها من قِوى وأسباب وغرائز، ومن الذين نفوا ذلك: الجهمية، وبعض متكلمي الحنابلة، كالقاضي أبي يعلى الفراء(ت485ه)، وأبي الحسن الزاغوني(ت527ه)، ومن هم أيضا الأشاعرة، نفوا ما ذكرناه، وقالوا أن الله تعالى يفعل عند الأسباب لا بها، بمعنى أنها-أي الأسباب- مجرد اقتران دون تأثير، وأرجعوا الحكمة إلى علم الله بأفعال عباده، وإقاعها على ما أراده، ولم يثبتوا إلا العلم والإرادة والقدرة[356]. فهؤلاء بموقفهم هذا قد جحدوا السببية المشهودة في الواقع، والتي صرحت بها آيات قرآنية كثيرة، كقواه تعالى: (( وما انزل الله من السماء من ماء، فأحيا به الأرض بعد موتها ))-سورة البقرة/163-164- وهم يرون أن إثبات الحكمة لله يؤدي إلى إثبات الحاجة في حقه، وهو منزه عنها[357]. وهذا قياس للخالق بالمخلوق، فالعبد هو الذي يعمل لحاجة، أما الله فهو منزه عنها وغني بذاته، حكمته كمال وغاية محمودة، وليست حاجة ولا نقصا.

وقد ذكر ابن الأهدل اليمني الاشعري(ت855 ه) أن خصوم أبي الحسن الأشعري(ت342 ه) يذمونه لقوله: (( الخبز لا يشبع، والماء لا يروي، والنار لا تحرق، وهذا كلام أنزل لله معناه في كتابه، فإن الشبع والري والاحراق  حوادث انفرد الرب سبحانه بخلقها، فلم يخلق الخبز الشبع، ولم يخلق الماء الري، ولم تخلق النار الاحراق، وإن كانت أسباب في ذلك ))[358]. فهو هنا قد اعترف أن الأشعري يقول: أن الخبز لا يشبع، والماء لا يروي، والنار لا تحرق، لكنه لم يرد على منتقديه في هذه المسألة، وقرر أمرا متفق عليه، وذلك أن مثبتي الحكمة والتعليل يقولون أن الله خلق كل شيء، وجعل في مخلوقاته خصائص وطبائع وغرائز، فالنار فيها خاصية الإحراق، والماء فيه خاصية الإرواء، وهذا الأمر لم يتطرق إليه ابن الأهدل.و مما يزيد الأمر وضوحا أنه لما أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار قال لها الله تعالى: (( قلنا يا  نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ))-سورة الأنبياء/69- فهذا يعني أن النار فيها خاصية الإحراق، لكن تدخل االإرادة الإلهية عطل خاصيتها المجبولة عليها إلى حين من الزمن، في حق نبي الله إبراهيم عليه السلام.

وذكر شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية أن الذين أنكروا الأسباب وطبائع المخلوقات وغرائزها، قولهم على خلاف الكتاب والسنة، لقوله تعالى: (( وما أنزل الله من السماء من ماء  فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة))-سورة البقرة/163-164- و(( صنع الله الذي أتقن كل شيء ))-سورة النمل/88- وقد قيل: (( تكلم قوم من الناس في إبطال الأسباب والقوى والطبائع فأضحكوا العقلاء على عقولهم))[359].فعلى العبد أن يعلم أن علم الله وقدرته وحكمته ورحمته، في غاية الكمال الذي لا يُتصور زيادة عنها، والناس متفاوتون في العلم بذلك؛و كلما ازداد العبد علما بحقائق الأمور ازداد علما بحكمة خالقه وعدله، ورحمته وقدرته، لأنه تعالى لا يخلق شيئا إلا لحكمة، لقوله: (( الذي أحسن كل شيء خلقه))-سورة السجدة/7- و(( صنع الله الذي أتقن كل شيء ))-سورة النمل/88- ولا يعلم تفاصيل بعض حِكَمه إلا القليل من الناس، منها ما يعجز عن معرفته جميع الخلق، بما فيهم الملائكة، فحين تساءلوا عن خلق أدم عليه السلام- قال لهم الله تعالى: (( إني أعلم ما لا تعلمون))-سورة البقرة /30- ومن أنكر تأثير الأسباب، وقال أن الله يفعل عندها لا بها أي مجرد اقتران دون تأثير متبادل- فقد خالف ما جاء في القران الكريم، وجحد ما خلقه الله من القوى والطبائع، ومن جعل الأسباب هي المبدعة لذلك فقد أشرك بالله وأضاف فعله إلى غيره[360].

ويرى المحقق ابن قيم الجوزية أن الكون كله مظهر للحكمة  الإلهية، تقصر عقول العالمين- بعلومهم وحِكمهم- عن الإحاطة بتفاصيلها في أصغر المخلوقات.و في العبادات حِكم وأسرار لا تهتدي العقول إلى إدراكها على جهة التفصيل، وإن أدركتها جملة[361].و قد جعل سبحانه وتعالى مصالح (( العباد في معاشهم ومعادهم، والثواب والعقاب، والحدود والكفارات، والأوامر والنواهي، والحل والحرمة، كل ذلك مرتبطا بالأسباب قائما بها ))، وشرعه ومقاديره كلها أسباب ومسببات[362].

وقال أيضا إنه ليس مع نفاة الأسباب والمسببات، نقل ولا عقل ولا إجماع، والكل يشهد ببطلان قولهم، وجِماعه أن ((كمال الرب تعالى وجلاله، وحكمته وعدله، ورحمته وقدرته، وإحسانه وحمده، ومجده وحقائق أسمائه الحسنى، تمنع كون أفعاله صادرة منه لا لحكمة، ولا لغاية مطلوبة))[363].و قولهم أن الله- عز وجل- رد الأمر إلى محض المشيئة بقوله: (( يعذب من يشاء ويرحم من يشاء)-سورة العنكبوت/21- و(( لا يُسأل عما يفعل ))-سورة الأنبياء/23- فهو كلام حق، لا يوجد فيه إبطال حكمته وحمده، وإنما هو يفعل ما يشاء بأسباب وحِكم لغايات مطلوبة، وعواقب محمودة، وقوله: (( لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون)) فهو لكمال علمه وحكمته، لا لعدمهما[364].و لا يحصل الكمال والصلاح بالقدرة والعلم المجردين عن الحكمة، وإنما يحصلان بهما وبالحكمة معا؛و اسمه: الحكيم يتضمن (( حكمته في خلقه، وأمره في إرادته الدينية والكونية، وهو حكيم في كل ما خلقه وأمر به))، وحِكمته في هذا الوجود تقع على الوجه المقدر لها، بما (( خلق لها من الأسباب التي لا تنال غاياتها إلا بها. فوجود هذه الأسباب بالنسبة للخالق الحكيم هو من الحكمة، ولهذا يقرن-سبحانه- في كتابه بين اسمه الحكيم واسمه العليم تارة، وبين اسمه العزيز واسمه الحكيم تارة- أخرى- كقوله: (( والله عليم حكيم))-سورة الأنفال/71- و(( الله عزيز حكيم))[365]-سورة الأنفال/10-.

ونبّه ابن قيم الجوزية إلى أن القرآن الكريم مملوء بإثبات الأسباب كقوله تعالى: (( بما كنتم تعملون))-سورة لقمان/15- و(( بما كنتم تكسبون))-سورة الأعرف/39- و(( بما كسبت أيديكم ))-سورة الشورى/30-، وأشار إلى أنه  لو تتبعنا ما يفيد الأسباب في الكتاب والسنة لزاد عن عشرة آلاف موضع، ولا يوجد كتاب أعظم إثباتا للأسباب من القرآن الكريم، ومن الخطأ إيهام الناس بأن التوحيد لا يتم إلا بإنكار الأسباب، فإن الله هو الذي خلق الأسباب والمسببات، وهي طوع مشيئته وقدرته، ومنقادة لحكمه[366].

ويقول  الباحث محمد المبارك:  أن الكون مُحكم بسنن مقدرة  مطردة، جعلت حوادثه تقترن ببعضها اقترانا خاصا، وتتلاحق بحيث يستتبع بعضها بعضا، وتسير على نسق منظم مطرد، وهذا قد دلت عليه آيات قرآنية كثيرة، كقوله تعالى: ((و أرسلنا الرياح لواقح، فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه))-سورة الحجر/22- و(( جعلنا من الماء كل شيء حيا))-سورة الأنبياء/30-. فيتبين من ذلك أن نفي الأسباب  لا يتفق مع آيات الكتاب والسنة النبوية، ويسد باب العلم القائم على مشاهدة الارتباط المطرد بين الحوادث، والكشف عن سنن الكون[367].

 

وتعقيبا على ما ذكرناه أقول: إن مظاهر الحكمة والسببية وطبائع المخلوقات، حقيقة مشاهدة في الواقع، وأشارت إليها نصوص شرعية كثيرة؛ وإثباتها لا يؤدي إلى اعتقاد الشرك، ولا إلى القول بالحاجة في حق الله تعالى، فهو غني بذاته، خالق كل شيء، وفق حِكم وسنن مقدرة، لقوله تعالى: (( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ))-سورة الفرقان/2-.و الذين أنكروا ذلك من الحنابلة والأشاعرة ليس لهم ما ينقضون به تلك الحقيقة، إلا تأويلات وظنون لا تصمد أمام النقد العلمي؛ وجحودهم لطبائع الأشياء والأسباب المتحكمة فيها يستلزم إنكار كل العلوم، لأنها تقوم أساسا على السببية والسنن الاجتماعية والطبيعية.

وفيما يخص الحكمة والغائية في الطبيعة فقد كشفت الدراسات العلمية الحديثة عن وجود توازن مدهش يتحكم في كل مظاهر الكون، وأن خواص المادة ملائمة تماما للحياة على وجه الأرض بطريقة فذة محكمة، وأن أدنى زيادة أو نقص فيها يجعل الحياة عليها مستحيلة، ودل التاريخ الطبيعي للأرض أن التطورات التي شهدتها عبر مراحلها الجيولوجية، كانت كلها تسير نحو الغائية والتدبير [368]؛ ثم توجت في النهاية بظهور الإنسان الذي وَجَد الأرض مهيأة ومسخرة له وفق سُنن إلهية مُحكمة.الأمر الذي يؤكد مرة أخرى أن العالم مبني على الحكمة والغائية.

كما أن في القرآن الكريم آيات كثيرة أشارت إلى الحكمة من أوامر الله وأفعاله  كتحريم الخمر والميسر (( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان))-سورة المائدة/90 -، وبيان الغاية من خلق الإنسان في قوله تعالى: ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق، وما أريد منهم أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين))-سورة الذريات/ 56 57-   فهذه الآية بينت الغاية والحكمة من خلق الإنسان، ودفعت ما قد يتوهمه بعض الناس من أنه تعالى في حاجة إلى أن يعبده الجن والإنس، وهو الحكيم الغني بذاته المتفرد باسمائه وصفاته.

 

وأهل الفقه المتمذهبون المتعصّبون هم أيضا كان فيهم غلو في أئمتهم ومذاهبهم، ذكرنا طرفا منه فيما سبق[369]، ونذكر هنا زيادات أخرى، فكانوا – أبي المتمذهبون المتعصبون- يردون الحديث الصحيح إذا ما تعارض مع مذاهبهم، ويأخذون باجتهادات أئمتهم ويتركون الحديث، وهذه الظاهرة كانت منتشرة جدا زمن الفقيه المؤرخ أبي شامة المقدسي المتوفى سنة  665هجرية. وقال أن المقلدين الشافعية في زمانه كانوا إذا جاءهم الحديث الصحيح احتالوا في دفعه بما لا ينفعهم، لأن الشافعي قد حثّ على ترك قوله إذ صحّ الحديث. حتى أن بعضهم كان يستجيز مخالفة قول الشافعي بقول آخر في مسألة أخرى بخلاف القول الأول، لكنهم لا يرون مخالفته-أي الشافعي- لأجل حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وقد حثهم إمامهم على ترك قوله والأخذ بالحديث[370].

 

وذكر أن شافعية زمانه كانوا يتعصبون لكتب أبي حامد الغزالي، وأبي إسحاق الشيرازي، حتى ولو خالفت الحديث الصحيح الصريح. وكان أكثر متعصبة الشافعية يردون أقوال أكابر الصحابة، كأبي بكر وعمر –رضي الله عنهما-، ولا يردون قول الشيرازي والغزالي، لقلة معرفتهم وكثرة جهلهم بمراتب السلف[371].

 

ويتبين مما ذكرناه في هذا المبحث، أن ظاهرة الغلو والتطرف في العقائد والمذاهب وُجدت عند كل الطوائف الإسلامية عامة والشيعة خاصة، الذين تجاوزوا –في غلوهم-حدود الشرع والعقل معا. فكان الذي أوصلها إلى ذلك الغلو، هو التعصب الأعمى للمذاهب، وإتباع الظنون والأهواء والشهوات، وعدم الالتزام بالنقل الصحيح، ولا بالعقل الصريح، ولا بالعلم الصحيح.

ثالثا: مسائل خلافية أثارت التعصب المذهبي:

أثارت بعض المسائل الخلافية –الأصولية والفروعية- كثيرا من التعصبات المذهبية بين الطوائف السنية الأربعة، خلال عصر التقليد والتعصب المذهبيين (ق: 4-14ه )، أذكر منها المسائل الآتية.

 

فبخصوص مسائل أصول الدين –التي أثارت التعصب- فمنها ثلاث مسائل، أولها مسألة الصفات، وهي قد تسببت في تعصبات كثيرة بين السنيين، تُبينها الشواهد الآتية: منها أنه لما ألف القاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي البغدادي(ت458ه) كتابه إبطال التأويلات لأخبار الصفات، ردا على المتكلم الأشعري أبي بكر بن فورك (ت406ه)، وأثبت فيه الصفات التي أولها ابن فورك، وزاد عليها صقاتا أخرى، احتج عليه الأشاعرة ببغداد، واتهموه بتجسيم الله تعالى، وتشبيهه بمخلوقاته، فأحدث ذلك تعصبا بينهم وبين الحنابلة وأهل الحديث سنة 429هجرية، ثم تجدد النزاع سنة 432هجرية، فتدخل الخليفة القائم بأمر الله (422-467ه) وأصلح بينهما. ثم عاد الأشاعرة واحتجوا مرة أخرى على الكتاب، تعصبا لمذهبهم في الصفات، وكان ذلك سنة 445هجرية، فتدخل الخليفة ثانية وأصلح بين الطرفين في اجتماع جمعهما، انتصر فيه القاضي أبو يعلى وأصحابه[372].

 

والشاهد الثاني مفاده أن واعظا أشعريا جلس ذات يوم بجامع المنصور ببغداد (سنة 461ه)، فتعصب على الحنابلة وأهل الحديث، وانتصر لمذهبه، وأشاد بفضل أبي الحسن الأشعري ومن وافقه، وأوهم الحاضرين بأن هؤلاء-أي الحنابلة وأصحاب الحديث- يُشبهون صفات الله بصفات البشر، فقام إليه بعضهم وأنزلوه من على الكرسي، وعوّضوه برجل منهم[373].

والشاهد الثالث مفاده أن الخلاف المذهبي- في الصفات- بين الأشاعرة وأهل الحديث ولّد تعصبا شديدا بين الطائفتين، وجعل كل طرف يذم الآخر ويطعن فيه، فالأشاعرة وصفوا أصحاب الحديث بأنهم مُشبهة ومُجسمة، وجعلوهم ممن كاد للإسلام ن ووصفوهم أيضا بأنهم رعاع أوباش، مُبتدعة حشوية[374]. وأهل الحديث هم أيضا ذموا الأشاعرة بمختلف ألفاظ الذم والتشنيع، واتهموهم بالتمويه على الناس، وشبّهوهم بالزنادقة، لأنهم يخفون مقالتهم في الصفات عن قوم، ويُظهرونها لآخرين[375].

والشاهد الرابع هو أن من مظاهر تعصب الأشاعرة على الحنابلة وأهل الحديث، هو التشنيع عليهم بإثبات صفات وردت في القرآن والسنة الصحيحة، فيقولون إن هؤلاء يُثبتون صفة النزول، والاستواء على العرش، والضحك، وتكليم الله لموسى، فينسبون إليهم كلام الله الذي وصف به نفسه، وهم –أي الحنابلة وأهل الحديث- لا يصلحون لذلك ولا يبلغونه[376]. حتى إن بعضهم قال عن الحنابلة - في إثباتهم لتلك الصفات- إنه (( ما بين شيوخ الحنابلة وبين اليهود إلا خصلة واحدة ))، فردّ عليه الحافظ أبو نصر السجزي (ت444ه) بقوله: (( ولعمري إن بين الطائفتين خصلة واحدة، لكنها بخلاف ما تصوّره الساقط، وتلك الخصلة إن الحنابلة على الإسلام والسنة، واليهود على الكفر والضلالة))[377].

وواضح  إن تشنيع الأشاعرة على أهل الحديث بذلك الطريق الملتوي، هو في حقيقته رد للشرع، وقدح فيه، وتحايل على المسلمين، بإلقاء التهمة على أصحاب الحديث، بدلا من الإعلان صراحة رفضهم لتلك الصفات التي وردت في الكتاب والسنة الصحيحة، وهو في النهاية رفض للقرآن والسنة، فالمفروض إنه كان عليهم أن يُعلنوا موقفهم صراحة من تلك الصفات ليعرف الناس حقيقة موقفهم منها.

 

والشاهد الخامس يتعلق بما ادعاه الفقيه تاج الدين السًبكي الشافعي الأشعري(ت قرن:8ه)، من أن الرعاع من الحنابلة هم الذين خرجوا عن عقيدة الأشعري، والتحقوا بأهل التجسيم[378]. وقوله هذا فيه تعصب مفضوح وافتراء مكشوف، لأنه بما أن معظم علماء الحنابلة ما كانوا أشاعرة، وإنما كانوا على مذهب السلف وأهل الحديث في أصول الدين، فهذا يعني حسب زعمه-أي السُبكي- أن غالبية علماء الحنابلة كانوا رعاعا مجسمة، وهو اتهام خطير وبهتان مُتعمد مكشوف، ودعوى لا دليل عليها، ومجازفة دافعها التعصب المذموم، فأعيان الحنابلة الذين كانوا على مذهب السلف، كغلام الخلال، وابن شاقلا، والشريف أبي جعفر، وأبي البركات الأنماطي، وابن هبيرة، والحافظ عبد الغني، والموفق بن قدامة، والحافظ الضياء، ومجد الدين بن تيمية، وتقي الدين بن تيمية، وابن القيم الجوزية، وغيرهم كثير، هؤلاء كلهم هم عند التاج السُبكي رعاع مجسمة،  وهذا-بلا شك –  ادعاء باطل مردود على صاحبه، دافعه تعصب أعمى ممقوت.

 

والمسألة الثانية-من مسائل الأصول التي أثارت التعصب- هي مسألة المقام المحمود، ومفادها أنه حدث ببغداد (سنة 317ه) خلاف بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وطائفة من العامة، في تفسير قوله تعالى: (( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ))- سورة الإسراء/49-، فقال الحنابلة: إن الله تعالى يُجلس رسوله-عليه الصلاة والسلام- إلى جانبه على العرش يوم القيامة. وقال معارضوهم: إن المقام المحمود المذكور في الآية، هو الشفاعة العظمى يوم القيامة، فنشب قتال بين الجماعتين قُتل فيه خلق كثير، ولم يتوقف القتال إلا بتدخل الجند[379]. وكان شيخ الحنابلة أبو محمد البربهاري(ت329ه) لا يحل بمجلس إلا ذكر فيه إن الله يُجلس رسوله بجانبه على العرش[380].

 

والصواب في هذه المسألة هو أن الحنابلة –في تعصبهم لرأيهم- كانوا على خطأ، لأنهم تمسّكوا بآثار ضعيفة وأخرى موضوعة، قاتلوا من أجلها، وتركوا أحديث صحيحة تُبطلوا ما ذهبوا إليه. لأنه قد ثبُت في أحاديث صحيحة رواها البخاري، وأحمد، وابن خزيمة، وغيرهم من المحدثين، مفادها أن المقام المحمود هو شفاعة النبي-صلى الله عليه وسلم – العظمى لأمته يوم القيامة[381]، وليس ما ذهب إليه هؤلاء الحنابلة، تعصبا لروايات ضعيفة، وتركاًً لروايات صحيحة.

 

والمسألة الأخيرة-أي الثالثة- تتعلق بمسألة الاستثناء في الإيمان، فقد اختلف فيها العلماء، وأثارت بنهم تعصبات، فبعضهم قال بمشروعية الاستثناء في الإيمان، كأن يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى. وبعضهم عارض ذلك وجعل الاستثناء  شكا في الإيمان ولا يصح قوله، وعلى المسلم أن يقول: أنا مؤمن. وقد أحدثت هذه المسألة خلافات وتعصبات ومواجهات بين المالكية بمدينة القيروان، فأنقسم أهل العلم بها إلى طائفتين، الأولى عُرفت بالسحنونية  نسبة للفقيه محمد بن سُحنون (ت256ه )، وكانت لا تستثني في الإيمان. والثانية عُرفت بالعبدوسية، نسبة إلى الفقيه غالب بن عبدوس (ت260ه)، وكانت تقول بالاستثناء في الإيمان، وتنكر على السُحنونية مقالتها، وتُتنسبها إلى الإرجاء لقولها: أنا مؤمن عند الله، دون أن تستثني في ذلك. وكانت الأولى-أي السُحنونية-تسمي الثانية-أي العبدوسية- بالشكوكية لاستثنائها في الإيمان؛ فأصبحت كل طائفة تتعصب على الأخرى[382].

فمن ذلك أنه رُوي أن أحدا من الطائفة السُحنونية ذهب إلى الفقيه ابن عبدوس وسأله عن مسألة الاستثناء في الإيمان، فأجابه ابن عبدوس بقوله: أنا مؤمن وسكت. فقال له الرجل: أعند الله ؟، فقال ابن عبدوس: قد قلتُ لك، فأما عند الله فلا أدري بما يُختم لي، فبصق الرجل في وجه ابن عبدوس وانصرف[383].

ومن ذلك أيضا أنه رُوي أن إبراهيم بن عتاب الخولاني القيرواني(ت261ه) كان إماما لمسجد ابن سُحنون، متعصبا للطائفة السُحنونية شديد التحامل على ابن عبدوس وأصحابه، فلما مات ابن عبدوس لم يُصل عليه ابن عتاب –إمام مسجد ابن سُحنون- وقال فيه: إنه كان رجلا شكوكيا[384].

 

ويرى القاضي عياض أن الخلاف بين الطائفتين السُحنونية والعبدوسية هو خلاف لفضي لا حقيقي، فمن نظر إلى الخاتمة والحال المغيب وما سبق به القدر، قال بالاستثناء. ومن نظر إلى نفسه وصحة معتقده في وقته لم يقل بالاستثناء[385]. وقوله هذا صحيح، مع العلم أن الإيمان الذي يُدخل الجنة هو الإيمان الذي يجمع بين الاعتقاد بالجنان، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، وهذا الإيمان لا يعلم  قبوله ومصيره إلا الله تعالى.

ومن ذلك أيضا ما حدث بين الشافعية والحنفية في نهاية القرن الثالث عشر الهجري، وذلك أن أحدشيوخ الشافعية بطرابلس الشام ذهب إلى المفتي، وقال له: (( اقسم المساجد بيننا وبين الحنفية، لأن فلانا من فقهائهم يعتبرنا كأهل الذمة، بما أذاعه في هذه الأيام من اختلاف الأحناف في: هل يجوز للحنفي أن يتزوج شافعية ؟!. فقال بعضهم: لا يصح لأنها تشك في إيمانها، لأن الشافعية يُجيزون أن يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله. وهذا يدل على عدم تيقنها في إيمانها، والإيمان لابد فيه من اليقين[386]. وهذا اعتراض في غير محله، لأن الذين يستثنون في الإيمان يقصدون بذلك تعليق قبوله وتحقيقه بالمشيئة الإلهية، ولا يقصدون الشك في الله تعالى ورسوله-عليه الصلاة والسلام.

وأما مسائل الفروع-التي أثارت التعصب بين السنيين- فسأذكر منها خمسا إن شاء الله تعالى، أولها مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة، اختلف فيها الفقهاء، وتضاربت حولها الروايات، فمنهم من قال بالجهر بها في الصلاة، ومنهم من قال بالسر بها في الصلاة، فأحدث ذلك تعصبا مذهبيا بين السنيين، من ذلك أن جماعة من الحنابلة ببغداد أحدثوا فتنة في المجتمع سنة 323هجرية، عندما اعترضوا على كل ما يرونه مخالفا للشرع حسب مذهبهم، كاعتراضهم على من يجهر بالبسملة في الصلاة، الأمر استدعى تدخل الشرطة ضدهم، فأمرت بأن لا يُصلي حنبلي بالناس إلا إذا جهر بالبسملة في صلاتي الصبح والعشاء، فلم يرتدع الحنابلة واستمروا في عنفهم ومشاغباتهم تجاه الشافعية، ولم يُوقفوا ذلك إلا بعدما أصدر الخليفة الراضي بالله(322-329ه) توقيعا عنيفا زجرهم فيه، وهددهم بالقتل والتنكيل، والتشريد وحرق البيوت[387].

وفي سنة 447 هجرية حدثت فتنة بين الحنابلة والشافعية الأشاعرة ببغداد، كان من أسبابها جهر الشافعية بالبسملة في الصلاة، فانقسمت العامة بين مؤيد ومخالف لهم، ثم انحازت كل طائفة إلى الطرف الذي مالت إليه، ولم تفلح مساعي ديوان الخليفة في التوفيق بين الفريقين وبقي الخلاف قائما، ثم توجه الحنابلة إلى أحد مساجد الشافعية، ونهوا إمامه عن الجهر بالبسملة، فأخرج مصحفا وقال لهم: (( أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها ))، ثم تطور النزاع إلى الاقتتال، فتقوى جانب الحنابلة وتقهقر جانب الشافعية الأشاعرة، حتى أُلزموا البيوت، ولم يقدروا على حضور صلاة الجمعة ولا الجماعات، خوفا من الحنابلة[388].

وهذه الفتنة أسبابها الظاهرة فقهية، لكن خلفياتها المحركة لها هي أسباب أصولية عقيدية، تعود إلى النزاع القائم بين الحنابلة والأشاعرة بسبب الخلاف في مسائل الصفات والإيمان وغيرها، لذا  وجدنا المؤرخيّن ابن الجوزي، وابن كثير يطلقان على الشافعية اسم الأشاعرة في هذه الفتنة[389]. كما إن حدوث الاقتتال بينهما هو دليل آخر على إن الأسباب عميقة، ولا تقتصر على مسألة فقهية فرعية مختلف فيها.

 

والصواب في مسألة الجهر بالبسملة في الصلاة، هو أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- جهر وأسر، وكان إسراره أكثر من جهره، ومذهب جمهور الفقهاء عدم الجهر؛ وقد صحّت في ذلك أحاديث كثيرة مروية في الصّحاح والمسانيد. وأما أحاديث الجهر بالبسملة فقد ضعّفها بعض المحققين[390].

 

والمسألة الثانية – التي أثارت التعصب- هي قراءة دعاء القنوت في صلاة الصبح، وهي أيضا اختلف فيها الفقهاء، فقال المالكية والشافعية إنها سنة، وقال الحنابلة والحنفية أنها ليست سنة، فأحدث ذلك تعصبا مذهبيا بين السنيين[391]، وكان من أسباب فتنة 447هجرية بين الحنابلة والأشاعرة  التي[392] سبق ذكرها.كما أن هذا الخلاف هو الذي جعل ابن الجوزي يتهم الخطيب البغدادي بالتعصب والتعمد في استخدام الأحاديث الضعيفة في مسألة دعاء القنوت، تأييدا لمذهبه الشافعي في هذه المسألة[393].

 

وقد حقق ابن قيم الجوزية هذه المسألة، وقرر أن الصحيح فيها هو أن رسول الله-عليه الصلاة والسلام- قنت وترك، وتركه له أكثر من فعله، فإنه (( إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قَدِم من دعا لهم وتخلّصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين. فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت، ولم يختص بالفجر، بل كان يقنت في صلاة الفجر والمغرب ))[394].

 

والمسألة الفقهية الثالثة –التي أثارت التعصب- هي مسألة رفع اليدين عند الركوع والرفع منه في الصلاة، فقال كثير من الفقهاء بمشروعيته، وقال الحنفية وغيرهم إنه مُبطل للصلاة[395]. فأحدث ذلك تعصبا مذهبيا بين السنين، أذكر منه ثلاثة أمثلة، أولها إن الفقيه أصبع بن خليل القرطبي المالكي(ت272ه) دفعه تعصبه لمذهب مالك إلى اختلاق حديث نسبه إلى الرسول-عليه الصلاة والسلام-، فيه ترك لرفع اليدين عند الركوع والرفع منه في الصلاة، تأييدا لمذهبه الذي لا يرى ذلك، لكن أمره انكشف للناس[396].

وثانيها-أي الأمثلة- ما رواه القاضي أبو بكر بن العربي(ت 543ه)  فيما حدث لشيخه أبي بكر الطرطوشي الفهري المالكي(ت520ه  )عندما رآه بعض متعصبة المالكية يرفع يديه عند الركوع والرفع منه، فقال: (( ولقد كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه وهو مذهب مالك والشافعي ويفعله الشيعة فحضر عندي يوما في محرس ابن الشواء بالثغر موضع تدريسي ثم صلاة الظهر ودخل المسجد من المحرس المذكور فتقدم إلى الصف وأنا في مؤخره قاعدا على طاقات البحر أتنسم الريح من شدة الحر ومعي في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ويتطلع على مراكب تخت الميناء فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة وأصحابه: ألا ترون إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا، فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به إلى البحر فلا يراكم أحد. فطار قلبي من بين جوانحي رجاء، سبحان الله هذا الطرطوشي فقيه الوقت فقالوا لي ولم يرفع يديه فقلت كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وهذا مذهب مالك في رواية أهل المدينة عنه، وجعلت أسكنهم وأسكتهم حتى فرغ من صلاته وقمت معه إلى المسكن من المحرس ورأى تغير وجهي فأنكره وسألني فأعلمته فضحك وقال ومن أين لي أن أُقتل على سنة ؟ فقلت له ولا يحل لك هذا فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك وربما ذهب دمك فقال دع هذا الكلام وخذ في غيره ))[397].

 

والمثال الثالث- وهو الأخير- مفاده أن القاضي الحنفي أمير كاتب بن عمر الأكفاني(ت 758ه)، صنّف كتابا تناول فيه مسألة رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، أدعى فيه بطلان صلاة من يفعل ذلك. وعندما رأى أحد الأمراء يصلي ويرفع يديه عند الركوع والرفع منه، قال له: إن صلاتك باطلة في مذهب أبي حنيفة[398].

والصواب في هذه المسألة هو أنه تبت أن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- كان يرفع يديه عند الركوع والرفع منه، وقد روى ذلك البخاري ومسلم وغيرهما. والذي ذهب إليه الحنفية هو مذهب ضعيف، وقد طعن كثير من أئمة النقد في الحديث الذي اعتمدوا عليه، وترده أيضا الأحاديث الصحيحة التي بلغت حد الشهرة[399].

والمسألة الرابعة-من مسائل الفروع- هي مسألة إقتداء الشافعية والحنفية ببعضهم بعض في الصلاة، وهي مسألة اختلف فيها فقهاء الطائفتين بين مُجيز ومانع لها، فأحدثت تعصبا غريبا مذموما بين الفريقين. فالحنفية أفتى كثير من فقهائهم –كابن الهمام-ببطلان صلاة الحنفي خلف إمام شافعي، وقال بعضهم: (( إقتداء الحنفي بشافعي غير جائز ))، لأن رفع اليدين- في الصلاة- عند الركوع والرفع منه مُفسد للصلاة. وقيد بعضهم الجواز بأن لا يكون الشافعي متعصبا، ولا شاكا في إيمانه، ويحتاط في موضع الخلاف[400].

 

وأما الشافعية، فهم أيضا اختلف فقهاؤهم في حكم إقتداء الشافعي بالحنفي في الصلاة، فقالوا: إذا توضأ حنفي واقتدى به شافعي و(( الحنفي لا يعتقد وجوب نية الوضوء والشافعي يعتقدها ))، فإن في ذلك أوجه، أولها (( قول الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، لا يصح اقتداؤه، نوى أو لم ينو، لأنه إن نوى فلا يراها واجبة، فهي كالمعدومة، فلا تصح طهارته )). والثاني (( وهو قول القفال: يصح وإن لم ينو، لأن كل واحد مؤاخذ بموجب اعتقاده، والاختلاف في الفروع رحمة )). والثالث (( هو قول الشيخ أبي حامد الإسفراييني: إن نوى صحّ وإلا فلا )). والرابع ذكره النووي، ومفاده أنه (( يصح الاقتداء بالحنفي ونحوه، إلا إن يتحقق إخلاله بما نشترطه ونوجبه، وهذه الأوجه جارية في صلاة الشافعي خلف حنفي وغيره ))[401].

ونقل الفقيه المعاصر عمر سليمان الأشقر عن الشيخ النووي إنه قال: (( لو مسّ حنفي امرأة، أو ترك الطمأنينة أو غيرها، صحّ اقتداء الشافعي به عند الفقال –أحد علماء الشافعية-، وخالفه الجمهور-أي جمهور الشافعية-، وهو الصحيح ))[402].

 

وواضح مما ذكرناه أن الذي أوقع هؤلاء في الحكم ببطلان اقتداء الشافعية والحنفية ببعضهم بعض في الصلاة، هو التعصب المذهبي، لأنهم أصدروا أحكامهم بالمنع انطلاقا من خلفياتهم المذهبية الضيقة المتعصبة، وهو حكم غريب جدا، ومؤسف حقا، وغير صحيح أيضا، لا يتفق مبادئ الإسلام وروحه ومقاصده،  فكيف يصح في الدين والعقل أن يٌقال: لا تصح صلاة المسلم الملتزم بالإسلام خلف صلاة أخيه المسلم الملتزم مثله بالإسلام ؟، فإذا كان هذا لا يصح، فكذلك لا يصح أن يٌقال: لا تصح صلاة المسلم الشافعي الملتزم بالإسلام خلف صلاة أخيه المسلم الحنفي الملتزم بالإسلام هو أيضا. ولا شك أن القول بعدم جواز اقتداء الشافعية والحنفية ببعضهم بعض في الصلاة، هو من الأحكام التي أوصلنا إليها التعصب المذهبي، ولابد من التحرر منها ومن أسبابها ومن أمثالها، لتجنيب الأمة شرورها وويلاتها.

والمسألة الخامسة – وهي الأخيرة من مسائل الفروع-  تتعلق بحديث (( اختلاف أمتي رحمة ))، هذا الحديث جعله المتمذهبون المتعصبون معتمدهم فيما هم فيه من تقليد وتمذهب وتعصب[403]، لتكريس الوضع على ما هو عليه، وإيجاد المبررات الشرعية والواقعية له. وقد قال الفقيه عبد الرؤوف المناوي إن ذلك الحديث هو للمقلدين، وإن اختلاف الأمة في الفروع مغفور لمن أخطأ، ثم ذكر أن الذين قالوا إن حديث (( اختلاف أمتي رحمة )) يُخالف القرآن، لأن الله نهى عن الاختلاف في قوله (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا )) –سورة آل عمران /103-   -، و((  وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) – سورة آل عمران: 105 -، هو إن قولهم هذا هو دسيسة من بعض من في قلبه مرض. وقد رد جمع من العلماء على ذلك، وقالوا إن الله تعالى ذم كثرة الاختلاف على الرسل، والله تعالى أهلك السابقين لكثرة اختلافهم على أنبيائهم، وأما هذه الأمة (( فمعاذ الله أن يدخل فيها أحد من العلماء المختلفين ))[404].

وردا عليه أقول: أولا إن حديث (( اختلاف أمتي رحمة )) الذي استدل به هؤلاء، هو حديث موضوع مكذوب لا أصل له[405]؛ وعليه فلا يصح الاستدلال به أصلا. وكيف نستدل بحديث هذا حاله في أمر هام يتعلق بوحدة الأمة ؟. ومتن هذا الحديث طاهر البطلان، لأن الاختلاف مذموم وليس ممدوحا، سواء تعلّق بالأصول أو بالفروع، وهذا هو الأصل في الاختلاف، وهو أمر ثابت شرعا وعقلا، تاريخا وواقعا، ولا يُمدح الاختلاف إلا في حالات استثنائية عندما يكون اختلاف تنوّع وإثراء في أمور محدودة متعلقة بمجالات التنمية في التعليم والسياسة، والاقتصاد والاجتماع، ولا يصح أن يُقال: إن الاختلاف ممدوح مُطلقا في مجال الفروع-أي الفقه-  لأن كثرا من الاختلافات الفقهية أوصلت الأمة إلى كبائر الذنوب، كاللعن والتكفير، والاقتتال والتدابر، وقد سبق أن ذكرنا على ذلك أمثلة كثيرة جدا. وذلك الحديث لا يصح شرعا ولا عقلا إلا إذا جعلناه هكذا (( اختلاف أمتي شر وعذاب ))، وأما أن يكون رحمة فلا.

 

وثانيا إن النصوص الشرعية واضحة وضوح الشمس في النهي عن الاختلاف مطلقا، فحذّرتنا منه، وحثتنا على الوحدة والأخوة، وهي في ذمها للاختلاف لم تُفرّق بين الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وإنما نهتنا عن الاختلاف، وحّذرتنا منه مُطلقا، كقوله تعالى (( واعتصموا بحبل الله ولا تفرّقوا ))-سورة آل عمران /103-، و(( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السُبل فتفرّق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ))-سورة الأنعام/153-، و(( إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم، في شيء، إنما أمرهم إلى الله ثم يُنبئهم بما كانوا يعملون ))- سورة الأنعام/159-، و(( ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ))-سورة الأنفال /46-. وقال الرسول –عليه الصلاة والسلام- لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض ))[406]. وقال أيضا: (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ))[407] و(( إن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ن كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة ))[408]. وقال أيضا: (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا،  وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ))[409]. وهذه الشرور والمنهيات التي حذّرت منها هذه النصوص الشرعية، كلها حدثت بين الطوائف الإسلامية، بسبب اختلافاتهم وتعصباتهم في أصول الدين وفروعه.

وثالثا إن الذين اعتمدوا على حديث(( احتلاف أمتي رحمة ))، وخصصوه بالاختلاف في الفروع، قد جانبوا الصواب، لأن الحديث –و هو باطل- مدح الاختلاف مطلقا ولم يُقيده، والذين قيّدوه ليس لهم في ذلك دليل من الشرع ولا من العقل، خاصة وأن الحديث لا يصح وتعارضه نصوص شرعية كثيرة ذكرنا بعضها آنفا. وهم من جهة أحرى تناسوا ما جرّه ذلك الاختلاف- الذي مدحوه – على الأمة من كبائر الذنوب، من فرقة وفتن واقتتال.

 

وختاما لمبحثنا هذا يتبين مما ذكرناه أن المسائل الخلافية –الأصولية والفروعية- التي أوردناها كانت نماذج واضحة للتعصب المذهبي المذموم، ولم تبق في دائرة الخلاف العلمي بين أهل العلم، وإنما انتقل تأثيرها السلبي إلى الأتباع، وأوصلهم إلى الفرقة والتنافر، والمهاترات والاقتتال.

رابعا: مؤلفات في الانتصار للمذاهب والتعصب لها:

كثُرت المصنفات المذهبية بين الطوائف السنية الأربعة –خلال العصر الإسلامي-، التي كان هدفها الأساسي الانتصار للذهب والرد على مخالفيه، وكثيرا ما غلب عليها التعصب المذهبي المتمثل في الحط على المخالفين وعدم التأدب معهم، والمبالغة في مدح المذهب –المُنتصر له- وتعظيم شيوخه.

فمن ذلك ما صنفه بعض الحنفية، ومنهم القاضي أبو سعيد بن إسحاق النيسابوري (ت348ه)، له كتاب: الرد على الشافعي فيما خالف فيه القرآن[410]. والكتاب الثاني له عنوانان هما: المصيب في الرد على الخطيب- أي الحافظ الخطيب البغدادي (ت463ه). والسهم المصيب في كبد الخطيب، للفقيه الحنفي عيسى بن أبي بكر الأيوبي (ت642ه)، صنفه ردا على الخطيب البغدادي لأنه تعصّب على الحنفية على حسب رأيه[411]. والكتاب الثالث عنوانه: الرد على أصحاب الشافعي، للفقيه الحنفي علي بن موسى[412].

 

وأما مؤلفات الردود المالكية فهي كثيرة[413]، ومنها كتاب: الرد على الشافعي وأهل العراق، للفقيه محمد بن سُحنون (ت 265ه)[414].و الكتاب الثاني  هو: الرد على الشافعي فيما خالف فيه القرآن والسنة، للفقيه محمد بن عبد الحكم الشافعي ثم المالكي(ت268ه)، وعندما صنّفه أصابته محنة، قال فيها التاج السُبكي: يَطول شرحها، ولم يُفصلها[415]. ويبدو أن سبب محنته هو تحوّله من المذهب الشافعي إلى المذهب المالكي، فهو من تلاميذ الشافعي، فلما انتقل إلى المالكية ردّ عليه، وهذا لا يُعجب الشافعية بلا شك. وعنوان كتابه وموضوعه- فيما خالف فيه الشافعي القرآن والسنة-  يُشير إلى أنه اشتد في الرد على الشافعي. وقد ذكر ابن عبد الحكم حادثة وقعت له مع الشافعي هي شاهد على ما نقول، ومضمونها أن ابن عبد الحكم قال للشافعي: لأي شيء أخذتم أنه إذا مسح الإنسان بعض رأسه وترك بعضه، أنه يُجزيه ؟، قال الشافعي: بسبب الباء الزائدة، قال تعالى: (( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمُ ))-سورة المائدة: 6-، ولم يقل رؤوسكم. فقال ابن عبد الحكم: فأي شيء ترى في التيمم  إذا مسح الإنسان بعض وجهه، وترك بعضه ؟، قال الشافعي: لا يُجزيه. فقال ابن عبد الحكم: لِمَ، وقد قال الله تعالى: (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ))-سورة  المائدة /6 -، فسكت الشافعي[416].

والكتاب الثالث –من مؤلفات المالكية-  صنفه الفقيه يوسف بن يحيى المغامي الأندلسي(ت 288ه) ن خصصه للرد على الشافعي في عشرة أجزاء، وكان شديدا على الشافعي[417]. وآخرها –أي الكتاب الرابع-  عنوانه: النصرة لإمام دار الهجرة، صنفه القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي البغدادي، ويُروى أن هذا الكتاب لما وقع بيد قاضي الشافعية بمصر غرّقه في نهر النيل، وتكررت هذه الحادثة بمصر في القرن التاسع الهجري زمن السلطان المملوكي فرج بن برقوق [418]( 80-815ه).

 

وأما مؤلفات الشافعية فهي كثيرة أيضا، منها: كتاب مُغيث الخلق لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني (ت478ه)، رجّح فيه مذهب الشافعي على مذهب أبي حنيفة، وذكر فيه كيفية الصلاة عنده-أي عند أبي حنيفة- عابه فيها[419]. والكتاب الثاني صنّفه الفقيه محمد الطبري البغدادي (ت 504ه) خصصه للرد على أحمد بن حنبل فيما انفرد به من اجتهادات وفتاوى، لم يُنصفه فيه[420].

والكتاب الثالث –من ردود الشافعية- هو كتاب المنخول في تعليق الأصول، لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي (ت505ه)، أفرد فيه مبحثا نصر فيه مذهب الشافعي، وانتقد فيه المذهبين المالكي والحنفي، وركّز على الحنفي، فحطّ عليه وذمه بشدة، حتى قال الحافظ الذهبي عن ذلك: (( وفي أواخر المنخول للغزالي، كلام فج في إمام، لا  أرى نقله هنا ))[421].

 

وآخرها –أي الكتاب الرابع-  كتاب نوادر مذهب أبي حنيفة التي يستشنعها أصحاب الشافعي وغيرهم، صنّفه القاضي أبو محمد الحسن بن عقامة الشافعي اليمني (ت قرن: 6ه)، فلما صنّفه أصبح نادر الوجود باليمن، لأن الحنفية اجتهدوا في تحصيله وجمعه لإتلافه[422].

وأما مؤلفات الشيعة في الردود المذهبية المتعصبة، فهي كثيرة أيضا، منها: كتاب في مثالب الشيخين أبي بكر وعمر، -رضي الله عنهما- صنّفه ابن خراش المروزي الرافضي (ت 283ه)، وعندما ألفه قدمه لأحد أعيان الرافضة فأجازه بألفي درهم[423].

 

والكتاب الثاني صنّفه الكذاب عيسى بن مهران المستعطف، خصص كتابه للطعن في الصحابة وتضليلهم وتفسيقهم. وقد ذكر الخطيب البغدادي (ت463ه) أن هذا الرجل الكذاب كان من شياطين الرافضة ومردتهم. وقال إنه لما اطلع على كتابه: وقف شعره وتعجّب مما ذكره في كتابه من الأحاديث الموضوعة، والأقاصيص المختلقة، والأنباء المفتعلة، بالأسانيد المظلمة عن سُقاط الكوفة من المجهولين والمعروفين بالكذب[424]. والكتاب الثالث هو: الواصب على أرواح النواصب للفقيه نجم الدين الطوفي الحنبلي ثم الرافضي _ت716ه )، وكان هذا الرجل يقع في الصحابة، ومنهم: أبو بكر الصديق وابنته عائشة[425]- رضي الله عنهما-.

 

والكتاب الرابع لفقيه الشيعة حسن بن المطهر الحلي(ت726ه)، عنوانه: منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة[426]، خصصه لموضوع أئمة الشيعة الاثنى عشرية المزعومين، وملأه بالأكاذيب والمغالطات، والمبالغات والمجازفات في ذم الصحابة ومدح أئمة الشيعة[427]، وفيه قال الفقيه تقي الدين السُبكي (ت قرن: 8ه):

و ابن المُطهر لم تُطهر خلائقه  +  داع إلى الرفض غال في تعصبه

لقد تقّول في الصحب الكرام  +  ولم يستح مما افتراه غير منجيه

و لما صنّف كتابه هذا ردّ عليه شيخ الإسلام بن تيمية بكتابه: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية، فجاء كتابا قيما، حافلا بالردود الحاسمة والفوائد النافعة، قال فيه ابن كثير: أتى فيه بما يُبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة، وهو كتاب حافل[428].

وقال فيه-أي في الكتاب- الشيخ تقي الدين السًبكي:

و لابن تيمية رد عليه  +  وَفّى بمقصد الرد واستيفاء أضرابه

لكنه خلّط الحق المبين  +  بما يشوبه كدرا في صفو مشربه

يُخالط الحشو أنى كان  +  فهو له حثيث سير بشرق أو بمعرب

و انتقاده لابن تيمة وكتابه هذا، يتعلق بمسألة صفات الله تعالى، وهو انتقاد غير صحيح، لأن ابن تيمية تناول مسألة الصفات بمنهج السلف وأهل الحديث في إثباتها بلا تأويل، ولا تشبيه، ولا تعطيل ؛ لكن السبكي نظر للمسألة بمنهج الأشاعرة المُؤوّل لمعظم الصفات، وهو منهج مخالف لمنهج ابن تيمية[429].

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الكتاب ومؤلفه: (( أطنب فيه وأسهب، وأجاد في الرد، إلا انه تحامل في مواضع عديدة، وردّ أحاديث موجودة، وإن كانت ضعيفة بأنها مًختلفة )). وقال أيضا: (( ووجدته-أي ابن تيمية- كثير التحامل إلى الغاية، في رد الأحاديث التي يُوردها ابن المطهر، وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه رد في رده كثيرا من الأحاديث الجياد، التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره، والإنسان عامد للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته أحيانا إلى تنقيص علي –رضي الله عنه- ))[430].

 

وأقول: أولا إن اشتداد ابن تيمية في رده على ابن المطهر، هو أمر لابد منه، ويستلزمه المقام، لأن هذا الرجل –أي ابن المطهر- ملأ كتابه بالأكاذيب وبالبهتان والافتراء على الصحابة، وبالغ في تعظيم أئمته المزعومين، فعندما رد عليه ابن تيمية لم يكن يهدف إلى الطعن في آل علي –رضي الله عنهم-، وإنما كان يريد الوصول إلى الحق، وكشف أكاذيب ابن المطهر، وإلا فإن ابن تيمية لم يكن ناصبيا، فهو سني معتدل[431] يوالي آل البيت كلهم، وكتبه شاهدة على ذلك.

وثانيا إن الانتقادات التي وجهها ابن تيمية لعلي وابنه الحسين-رضي الله عنهما- لم تكن من باب الطعن والذم، وإنما استدعاها مقام الرد على مزاعم ابن المطهر، الذي كان يزعم أن عليا وآل بيته أئمة معصمون من الخطأ، وهم أئمة يجب طاعتهم، وكلامهم شرع وعبادة، فهذه الضلالات استدعت ردا قويا صحيحا، لإظهار بشرية علي وآل بيته، ليُثبت أنهم بشر كغيرهم يُخطئون ويُصيبون، لذا وجدناه-أي ابن تيمية – أظهر بعض أخطاء  علي والحسين، لكنه مع ذلك لم يُغمطهما حقهما، وكتابه هذا شاهد على ذلك.

وثالثا يبدو أن ابن تيمية في تضعيفه لبعض الأحاديث الحسنة الأسانيد –التي أشار إليها ابن حجر- هو أنه اعتمد أساسا في ردها على نقد متونها لا أسانيدها، عندما وجدها تخالف الحقائق الشرعية والعقلية والتاريخية الثابتة،  فردها لشذوذ وعلل في متونها، والله اعلم.

وأُشير هنا إلى أن كُتب الشيعة في سب الصحابة والسلف الأول كثيرة، فكان بعض علمائهم لهم مصنفات في ذلك، منهم: شيخ الشيعة المفيد بن محمد (ت413ه)، كانت له مؤلفات طعن فيها على السلف[432]. ومنهم: الشاعر المرتضي العلوي البغدادي(ت 436ه)، له مصنفات فيها سب لأصحاب رسول الله –عليه الصلاة والسلام-[433].

وعندما دخل عوام أهل السنة بعض مشاهد الشيعة ببغداد سنة 517هجرية، وجدوا فيها كتابا فيه سب للصحابة. وسنة 574هجرية وجدوا عند شاعر شيعي ببغداد كتبا كثيرة فيها سب للصحابة، فلما كُشف ذلك أقدم شيعة آخرون –بحي الكرخ- على حرق كتب كانت عندهم خوفا من أن يطلع عليها أهل السنة[434]. وعندما أحيوا –أي الشيعة- عاشوراء ببغداد سنة 582هجرية، وسبوا الصحابة ولعنوا عائشة أم المؤمنين-رضي الله عنها-، وُجدت عندهم كتب في سب الصحابة[435].

ووصل  التعصب بهؤلاء –أي الشيعة- إلى أنهم اعترضوا على من يُؤلف في إنصاف الصحابة وإظهار موقف آل البيت المعتدل والمعظم للصحابة، ومثاله ما ذكره المحقق محمد بن علي الشوكاني، فقال أنه لما صنف كتابا سماه: إرشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي، وذكر فيه إجماعهم-أي آل البيت- من ثلاثة عشر طريقا على عدم ذكر الصحابة بسب أو ما يُقاربه، احتج جماعة من رافضة صنعاء المخالفين لمذهب آل البيت، وجالوا وصالوا و(( تعصبوا وتحزبوا، وأجابوا بأجوبة ليس فيها إلا محض السباب والمشامتة، وكتبوا أبحاثا نقلوها من كتب الإمامية والجارودية ))، فأحدث هذا الكتاب فتنة بين الناس. وقال الشوكاني إنه لم يقصد بكتابه هذا إلا الذب عن أعراض الصحابة الذين هم خير القرون، مقتصرا على أقوال أئمة أهل البيت، ليكون ذلك أوقع في نفوس من يكذب عليهم[436].

خامسا: حرق كتب المخالفين تعصبا للمذهب:

حدثت في تاريخنا الإسلامي عدة وقائع أُحرقت فيها كُتب المخالفين تعصبا عليهم وانتصارا للمذهب، فكان ذلك مظهرا من مظاهر التعصب المذهبي، أذكر منها-أي حوادث الحرق- ما يأتي: أولها ما حدث لكتب أبي محمد بن حزم الأندلسي (ت456ه)، فبسبب الخصومة التي كانت بينه وبين فقهاء المالكية بالأندلس  جعلتهم –أي الخصومة- يمقتوه ويحرقون كتبه علانية، حتى قال ابن حزم في ذلك: فإن يحرقوا القرطاس، لا يحرقوا الذي تضّمنه القرطاس، بل هو في صدري[437].

 

وثانيها ما حدث لكتب الباطنية والمعتزلة، والشيعة والفلاسفة بمدينة الري سنة 420هجرية، وذلك لما أظهر هؤلاء الكفر البواح، وسبوا الصحابة، واستحلوا المحرمات، تصدى لهم والي خُراسان الأمير أمين الملة أبو القاسم محمود، فشرّدهم وقتلهم، وأحرق كتبهم أمام الناس، من بينها كُتب زعيم هؤلاء: رستم بن علي الدليمي، التي قُدّرت بخمسين(50) حملا من الكتب[438]. والذي فعله هذا الأمير هو تعصب للحق وليس للباطل، لأن ما أظهره هؤلاء الضالون هو خطر على دين الإسلام وأمته، فاصبح على المسلمين من الواجب عليهم التصدي لهم وقطع شأفتهم.

 

والحادثة الثالثة ما جرى لكتب حجة الإسلام أبي حامد الغزالي(ت 505ه) بالمغرب الإسلامي زمن دولة المرابطين( 451-541ه)، وذلك أن السلطان علي بن يُوسف بن تاشفين أمر بإحراق كتب الغزالي، وهدد بفتل ومصادرة أموال كل من وُجدت عنده مصنفات الغزالي أو بعض منها[439]. وكان القاضي عياض ( 544ه) من بين الذين طالبوا بحرق كتب الغزالي، ويبدوا أنهم فعلوا ذلك لما وجدوه فيها من مقالات كلامية وأشعرية وفلسفية وصوفية، تخالف ما هم عليه من مذهب السلف وأهل الحديث في أصول الدين[440].

 

والحادثة الرابعة تتعلق بما حدث لكتب فقيه الشيعة أبي جعفر محمد الطوسي (ت460ه )، وذلك أنه كان غاليا في التشيع يطعن في السلف، فأحرق أهل السنة كتبه عدة مرات في رحاب جامع القصر ببغداد بحضور جمع من الناس، فأضطره ذلك إلى الاختفاء خوفا على نفسه، ثم ترك بغداد والتحق بالكوفة[441] موطن الرافضة. وقد كان تعصبهم عليه انتصارا للحق وردا للباطل، بسبب غلوه وانحرافه.

والحادثة الخامسة هي أيضا تتعلق بكتب الشيعة، وذلك أنههم لما سبوا الصحابة ببغداد سنة 574هجرية وجد عندهم أهل السنة كتبا في سب الصحابة-رضي الله عنهم-  فقمعوهم وأحرقوا كتبهم[442]. فكان تصرّفهم هذا تعصبا للحق وانتصارا له من الشيعة المتعصبين للباطل.

والحادثة السادسة تتعلق بما حدث لكتب الفقه عامة، وكتب الفقه المالكي خاصة، في زمن دولة الموحدين (541-668ه) بالمغرب الإسلامي، وذلك أن الموحدين كانوا متعصبين على المذاهب الفقهية الأربعة، وخاصة المذهب المالكي، فدعوا الناس إلى تركها وأخذ الأحكام الشرعية مباشرة من الكتاب والسنة على طريقة الاجتهاد المطلق؛ فكتب بعض ملوكهم إلى طلبة العلم بالمغرب والأندلس بحرق كُتب الفروع (سنة 550ه). ثم تكرر ذلك زمن السلطان الموحدي يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن (ت595ه)، فأعرض عن المالكية، وهدد كل من يشتغل بكتب الفروع-أي الفقه- وأمر بإحراقها، فأُحرقت مؤلفات كثيرة من كتب المالكية، منها: مدونة سُحنون بن سعيد، والواضحة لابن حبيب، ونوادر ابن أبي زيد ومختصره[443].

والحادثة السابعة تتعلق بما حدث لكتب أهل السنة على يد المغول وأعوانهم لما استولوا على العراق والشام سنة 656 هجرية، وذلك أنهم لما دمروا البلاد وقتلوا العباد قام وزيرهم نصير الدين الطوسي (ت672ه) بالاستيلاء على كتب أهل السنة، فأخذ منها المؤلفات التي تهمه –منها كتب الفلسفة وعلم الكلام- وأحرق كتب العلوم الشرعية[444].

وأشير في هذا المقام إلى أنه من المفيد أن نعقد مقارنة سريعة بين ثلاثة تصرفات مرتبطة بالكتب، أولها يتعلق بما فعله النصير الطوسي بكتب أهل السنة وقد ذكرناه. وثانيها ما فعله العبيديون االإسماعليون بكتب الخوارج الإباضية، وذلك أنهم عندما دخلوا مدينة تيهرت وأسقطوا الدولة الرستمية الإباضية سنة 296ه، أخذوا من مكتبتهم -المعروفة بالمعصومة-  ما يحتاجونه من مؤلفات في الرياضيات والفلك، والطب والهندسة، ثم خرّبوا المكتب واتلفوا ما بقي فيها[445].

 

والتصرّف الثالث يتمثل في تصرّف السلطان صلاح الدين الأيوبي (ت589ه)، فإنه لما فتح مصر -حررها من العبيديين- واستولى على كنوز قصر العبيديين كان من بينها خزانة كتبهم الحافلة بالمصنفات، فلما وقعت بيده باعها في المزاد العلني[446].

 

وأقول: إن التصرفين الأول والثاني متشابهان، فيهما تعصب واضح، لكنهما يتفقان مع مصلحة كل طرف، وذلك أن كلا منهما أخذ من الكتب ما ينفعه، وترك ما يضره حسب اعتقاده ومذهبه ومصلحته. لكن صلاح الدين كان تصرّفه غريبا وبعيدا عن الحكمة والمصلحة،  لأنه أدى إلى تبديد تلك المصنفات، والإضرار بالقراء خاصة والمجتمع عامة، لما كان فيها كثير من مؤلفات الشيعة وأهل الأهواء المليئة بالانحرفات والضلالات. فقد كانت أمامه خيارات أخرى في التعامل مع تلك المكتبة، منها إنه كان في إمكانه الاحتفاظ بها كلها لأهل العلم المختصين. ومنها كان في مقدوره حرق ما يضر منها من المصنفات، والاحتفاظ بما ينفع منها وينسجم مع مذهب أهل السنة والجماعة. لكنه تصرّف تصرفا آخر كان بعيدا عن الحكمة والمصلحة العامة.

 

والحادثة الثامنة- وهي الأخيرة من حوادث حرق الكتب- ما حدث لكتب الصوفي الاتحادي محي الدين بن عربي(ت قرن: 8ه) على يد برمش بن يوسف التركماني الحنفي المصري (ت 823ه)، فإنه كان شديد التعصب على الصوفية الاتحادية المتفلسفة، خاصة كبيرهم ابن عربي، فكان يحرق ما يقدر عليه من كتبه، وفي إحدى المرات ربط كتاب فصوص الِحكم لابن عربي بذيل كلب وجرّه، ولم يُبال بمعارضة الصوفية الاتحادية له[447].

سادسا: التعمد في رواية الأكاذيب وتحريف الأخبار:

أوصل التعصب المذهبي كثيرا من المتعصبين إلى التعمد في رواية الأكاذيب وتحريف الأخبار، انتصارا لمذاهبهم وتعصبا على مخالفيهم، وقد كانت هذه الظاهرة واسعة الانتشار في تاريخنا الإسلامي وبالأخص في القرون الأربعة الأولى للهجرة، فكان لها الأثر البالغ في تشويه تاريخنا وتحريفه. وقد كان هؤلاء الكذابون المتعصبون ينتمون إلى مختلف الطوائف الإسلامية، غير أن أكثرهم وأخطرهم كانوا من الشيعة[448]. وسأذكر من هؤلاء الطائفة الآتية بحول الله تعالى.

أولهم المتكلم المعتزلي عمرو بن عبيد البصري(ت قرن: 2ه)، كان يكذب في رواية الأحاديث، ويكذب على الحسن البصري[449]. وثانيهم الفقيه المالكي أصبع بن خليل القرطبي (ت272ه)، دفعه تعصبه لمذهبه إلى الكذب على الرسول-عليه الصلاة والسلام- باختلاف حديث ونسبه إليه[450].

 

والثالث هو الشيعي أبو الجارود زياد بن المنذر الثقفي، كان يختلق الأحاديث في مثالب الصحابة، وينسب لآل البيت فضائل لا أصل لها[451]. والرابع هو رجل من الخوارج تاب عن مذهبه، فذكر أنه كان هو وأصحابه إذا هووا أمرا جعلوه حديثا[452]. والخامس هو المتكلم المعتزلي عمر بن بحر الجاحظ (ت255ه)، قال فيه بعض نُقاد الحديث: كان من أكذب الناس، وأوضعهم للكذب[453].

 

والسادس هو المحدث الشيعي محمد بن عبد الله الشيباني الكوفي(ت387ه)، كان يضع الأحاديث للشيعة، ويُملي عليهم في مجالسه، أحاديث فيها مثالب الصحابة[454]. والسابع هو المحدث  أبو سعيد أبان بن جعفر البصري(ت قرن:4ه)، كان متخصصا في الكذب على أبي حنيفة النعمان، وقد وضع عليه أحاديث كثيرة تزيد عن 300 حديث، ما حدّث بها أبو حنيفة قط، وعندما ذهب إليه الحافظ ابن حبان ليَحدّثه  وأخرج له تلك الأحاديث غضب منه، فنهاه وقال له اتق الله، ثم خرج من عنده[455].

والثامن هو الوزير عضد الدولة البويهي الشيعي (ت 372ه)، كان متعصبا للشيعة والمعتزلة، وانتصر لهما، حتى أنه وصل به الأمر إلى الكذب ومخالفة الروايات التاريخية الصحيحة،  عندما أطهر قبرا بمدينة النجف-جنوب غرب بغداد- وزعم أنه قبر علي بن أبي طالب، وبنى عليه مشهدا وجعله شعارا للشيعة[456] ومزارا لهم. والصحيح في قبره هو أنه-أي علي- لما استشهد دًفن بقصر الإمارة بالكوفة، وعُمي قبره لكي لا تنبشه الخوارج؛و بعد أكثر من 300 سنة قيل أن قبره بالنجف، مكان فبر الصحابي المغيرة بن شعبة[457](ت50 ه/670م).و قد ذكر المؤرخ ابن كثير أن غالبية المؤرخين قالوا أن قبر الإمام علي يوجد بدار الإمارة بالكوفة، منهم: محمد بن عمر الواقدي(ت207ه )، وابن جرير الطبري(ت310 ه )، وأبو بكر الخطيب البغدادي(ت 463 ه).و أما الادعاء بأن قبره بالنجف، فلا دليل عليه ولا أصل له[458].

 

والتاسع هو الواعظ أبو بكر البكري المغربي الأشعري (ت476ه)، فإنه لما حلّ بغداد دخل مع الحنابلة في نزاع مذهبي، فأوصله تعصبه إلى أن حكى عنهم ما لا يصح أن يُذكر، فروى ابن الجوزي أنه –أي البكري- قال إن الحنابلة يقولون: إن لله ذكرا، فرماه الله تعالى بالخبث في ذلك العضو فمات[459]. وقوله هذا-إن صح- هو افتراء مفضوح، وزندقة مكشوفة، لا يقوله إنسان عاقل، فضلا عن مسلم.

والعاشر هو أحد شيوخ بغداد، فقد روى عنه القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الأشعري(ت 546ه)، انه لما كان ببغداد أخبره هذا الشيخ – وهو أحد شيوخه- بأن القاضي أبا يعلى الفراء الحنبلي البغدادي(ت458ه) كان يقول: إذا ذُكر الله، وما ورد من هذه الظواهر في صفاته، فألزموني ما شئتم، فإني التزمه، إلا اللحية والعورة[460]. وروايته هذه غير صحيحة- في رأيي- للمعطيات الآتية، أولها إن قوله هذا لم أعثر عليه في المصادر الحنبلية من إنه –أي أبو يعلى- قال ذلك، وإنما رواه ابن العربي عن مجهول هو من خُصوم القاضي أبي يعلى، وخبر هذا حاله لا يُقبل في أمر خطير كهذا.

وثانيها إن ذلك القول القبيح من المستبعد جدا أن يقوله القاضي أبو يعلى، لأنه عالم فقيه زاهد، متبحر في مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولأنه أيضا كان على منهاج السلف في الصفات لا يُثبت صفة إلا إذا وردت في الشرع، ولا شك إن ذلك القول المذموم لا يوجد في الشرع ما يُؤيده، وإنما هو منسوب للمجسم الضال داود الجويباري، الذي كان يقول: (( اعفوني عن الفرج واللحية، واسألوني عما وراء ذلك))[461].

 

وثالثها إن الحنابلة قالوا إن بعض الأشاعرة كان يتعمد الكذب عليهم، نكاية فيهم وانتصارا لمذهبه، فقالوا إن أعيان الأشاعرة عندما أرسلوا كتابهم إلى نظام الملك، كذبوا عليهم فيه، وذكروا له عنهم أشياء زورا وبهتانا[462]. وذكر المتكلم أبو الوفاء بن عقيل أن الأشاعرة في نزاعهم مع أصحاب الحديث كانوا يكذبون عليهم[463]، وعليه فمن الممكن جدا أن تلك المقولة هي من ضمن تلك الأكاذيب.

والحادي عشر هو المتكلم ابن الأهدل اليمني الأشعري، ادعى أن الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561ه )  كان أشعري المعتقد حنبلي الفروع[464]، مسايرا للمؤرخ  اليافعي  المكي الصوفي(ت 768ه )  الذي روى إن الشيخ الجيلاني  غيّر  اعتقاده في  آخر عمره، مدعيا  إن الشيخ نجم الدين الأصفهاني أخبره بأن الجيلاني لما (( بلغه أن الفقيه الإمام البارع المشكور تقي الدين بن دقيق العيد المشهور تعجّب من شذوذ الشيخ عبد القادر المذكور، في اعتقاده عن موافقة الجمهور العارفين، والعلماء المحققين في مسألة الجهة المعروفة )) غيرّ-أي الجيلاني- عقيدته في الجهة والمكان، في آخر عمره[465].ثم أضاف اليافعي أنه لا يشك في الشيخ نجم الدين-الذي أخبره بذلك- لأنه من ذوي الكشف والنور، ويسكن في العراق، فهو قريب من موطن  الشيخ الجيلاني[466].

وردا عليه أقول: إن ما ادعاه اليافعي باطل لا يصح لعدة وجوه، أولها إن الشيخ عبد القادر أثبت الصفات الإلهية، كالعلو، والجهة، والاستواء على العرش، في كتابه الغنية ولم يؤوّلها، ورد فيه على الأشاعرة في مسألة النزول والصوت والحرف، وذمهم ووصفهم بالابتداع[467]. والثاني هو إن اليافعي انفرد بهذا الخبر عن غيره من المؤرخين، فأنني لم أعثر عليه في كتب التراجم والتواريخ، والطبقات التي اطلعت عليها. لذا فمن المستبعد جدا أن يغيّر الجيلاني اعتقاده الحنبلي، ولا يشتهر ذلك عنه بين الحنابلة والطوائف الإسلامية الأخرى، وبين خصومه الحنابلة الذين يبحثون عن أي شيء للطعن فيه[468]. والثالث إن خبره يحمل في ذاته الدليل القاطع على بطلانه، لأن فيه أن الشيخ عبد القادر غيّر اعتقاده، عندما بلغه ما قاله عنه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. فكيف يبلغه ذلك وهذا الأخير- أي ابن دقيق العيد- قد وُلد في سنة 625ه، وتوفي في سنة 702ه، ووالده مجد الدين قد وُلد في عام 581ه، وتوفي في عام 667ه[469]، والشيخ الجيلاني توفي في سنة 561ه، فبينه وبين الابن أربع وستين سنة، وبينه وبين الأب عشرين سنة  ؟  أليس هذا دليل قاطع على بطلان خبر اليافعي ؟.

والوجه الرابع هو إن اليافعي كان متعصبا للأشعرية، ويذم كبار علماء الحنابلة[470]، لذا يبدو أنه عزّ عليه أن يكون أحد أقطاب الصوفية حنبليا أصولا وفروعا، ولا يكون أشعريا، لذلك روي خبر تغيير الجيلاني لاعتقاده في آخر عمره وهو يعلم ما بينه وبين ابن دقيق العيد من زمن طويل، ولم يُبال بذلك، فهذا ما يصنعه التعصب بأهله!.

 

وآخرهم هم طائفة من الشيعة الزيدية باليمن تعمدوا تحريف كتاب زمن الفقيه محمد بن علي الشوكاني (ت 1250ه)، فذكر أنهم تواطؤوا على تحريف كتاب مجموع زيد بن علي بن الحسين، فحذفوا منه أبوابا اختاروها منه، ثم نسخوا مجموعة من النسخ ونشروها بين الناس، ثم علّق على فعلهم هذا بقوله: (( وهذا أمر عظيم، وجناية كبيرة، وفي ذلك دلالة على مزيد الجهل وفرط التعصب، وهذه النسخ التي بثوها بين الناس موجودة الآن، فلا حول ولا قوة إلا بالله ))[471]. لكنه لم يذكر لنا لماذا فعلوا ذلك ؟، وما هي أهدافهم المرجوة منه ؟، وما مضمون الأبواب التي حذفوها من الكتاب ؟.

ويُضاف إلى هؤلاء طائفة أخرى من الكذابين، وهي طائفة الزنادقة، دفعها تعصبها الأعمى إلى افتراء الأكاذيب على رسول الله-عليه الصلاة والسلام-، وقُدّر مجموع ما كذبوه عليه               باثنى عشر ألف حديث، وذكر إسحاق بن راهويه أن زنديقا تاب عن الزندقة، فكان يبكي ويقول: (( كيف نَقبل توبتي، وقد زوّرتَ أربعة آلاف حديث تدور في أيدي الناس[472].و يُروى أن الخليفة هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله، فقال للرشيد: أين أنت من ألف حديث وضعتها ؟ فرد عليه الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك، يتخللانها فيخرجانها حرفا حرفا[473].

ومن هؤلاء الزنادقة: عبد الكريم بن أبي العوجاء، قتله الخليفة العباسي المهدي، بعد سنة160 هجرية، قتله بسبب الزندقة، وعندما أُخذ لقطع عنقه، اعترف بوضع أربعة آلاف حديث، حرّم فيها الحلال وحلل فيها الحرام[474]. والثاني هو عبد الرحمن بن خراش، مَتهم بالزندقة، روى الأباطيل في مثالب الشيخين الصديق والفاروق رضي الله عنهما، وحدّث بالمراسيل ووصلها[475]. وثالثهم   الزنديق محمد بن سعيد المصلوب(ق:2ه)، قتله الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، بسبب الزندقة، قال عنه أهل الحديث: كذاب زنديق، وضع أكثر من أربعة آلاف حديث[476].و آخرهم-أي الرابع- الأديب المتفلسف أبو حيان التوحيدي(ق:4ه)، مَتهم بالزندقة والكذب والانحلال، والتعطيل والقدح في الشريعة[477].

وأُشير هنا إلى أنه إذا كان الكذابون المتعصبون ينتمون إلى مختلف الطوائف الإسلامية، فإن أكثرهم ينتمون إلى الطائفة الشيعية، التي هي أكثر الفرق رواية للأكاذيب وتحريفا للتاريخ، والشواهد الآتية تُثبت ذلك بوضوح، أولها إنه سبق أن ذكرنا روايات كثيرة عن الشيعة فيها سب وتكفير الصحابة، واتهام لهم بكتمان النص، وتحريف القرآن، ووجود هذه الروايات عندهم دليل قاطع على روايتهم للأكاذيب وتعصبهم للباطل، لأنها تخالف القرآن الكريم والسنة والتاريخ الصحيحين.

والشاهد الثاني يتعلق بموقف بعض العلماء المحققين من مرويات الشيعة، منهم: أبو محمد بن حزم الأندلسي (ت 456ه)، قال:إن سائر الأحاديث التي تتعلق بها الشيعة موضوعة، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها[478]. ومنهم: الشيخ تقي الدين بن تيمية (ت 728ه)، ذكر أن الشيعة ليس لهم نقل صحيح ولا عقل صريح، فهم يصدقون بالمنقولات المعروفة بالاضطرار أنها باطلة، ويكذّبون بالأخبار المتواترة الصحيحة، ويعتمدون في رواياتهم على التقليد، دون تمييز بين المؤرخ المعروف بالكذب أو الغلط، أو الجهل بما ينقل، وبين المؤرخ العدل الحافظ المشهور بالعلم والأثر[479].و عمدتهم في المنقولات تواريخ منقطعة الأسانيد، كثير منها من وضع الكذابين، كأبي مخنف لوط(ت 157ه)، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي(ت204 ه).و ليس لهم أسانيد متصلة صحيحة قط، وكل إسناد متصل عندهم إلا وفيه من هو معروف بالكذب وكثرة الغلط. فهم كاليهود والنصارى ليس لهم إسناد، وكتبهم في الرجال ليست ككتب الرجال عند أهل السنة، لكي ننظر فيها وفي عدالة رجالها[480].و بسبب فرط جهلهم وهواهم فإنهم يقلبون الحقائق التاريخية وينكرونها، ويثبتون محلها أخبارا مكذوبة ويصدقونها[481].

ومنهم أيضا الحافظ شمس الدين الذهبي (ت748ه)، ذكر أن أكثر ما ينقله الرافضة-أي الشيعة- في مصنفاتهم هو (( باطل، وكذب، وافتراء، فدأب الروافض رواية الأباطيل، ورد ما في الصِحاح والمسانيد، ومتى أفاقة من به سكران )) ؟!. وقال فيهم أيضا: (( بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يُنقل نقل من هذا حاله ؟، حاشا وكلا ))  [482].

 

والشاهد الثالث هو كثرة أكاذيبهم على علي بن أبي طالب آل البيت –رضي الله عنهم- فقد وضع هؤلاء الشيعة أحاديث كثيرة في فضائلهم وأخبارهم، وقد ذكر المحقق ابن قيم الجوزية أن الحافظ أبا يعلى الخليلي ذكر في كتابه الإرشاد، أن الرافضة وضعت في فضائل علي وآل بيته نحو: 300 ألف حديث؛ ثم قال ابن القيم: إن هذا الرقم لا يُستبعد (( فإنك لو تتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال ))[483].

والشاهد الرابع مضمونه هو وجود طائفة من الشيعة هي من كبار الكذابين المتعصبين المتخصصين في رواية الأكاذيب وتحريف التاريخ، منهم أن أحد شيوخهم اعترف أنه هو وأصحابه كانوا يجتمعون لأجل الكذب على الرسول-عليه الصلاة والسلام- بوضع الأحاديث ونسبتها إليه[484]. ومنهم: محمد بن عثمان النصيبي، ومحمد بن عبد الله الشيباني، كانا متخصصيّن في وضع الأحاديث المختلقة للشيعة[485].

ومنهم أيضا جماعة كانت ببغداد، حذَر منهم الناس وسموهم الكذابين، وعُرفوا بينهم بالسبئية[486]؛ نسبة لعبد الله بن سبأ اليهودي المتمسلم. ومنهم كذلك ثلاثة كانوا من كبار الكذابين على آل البيت، وهم: محمد بن السائب الكلبي( ت قرن:2ه)، وبنان بن سمعان، والمغيرة بن سعيد الكوفي[487]. وهذا الأخير-أي المغيرة- كان قد ادعى النبوة، وزعم أن عليا يُحي الموتى، وأنه لو شاء لأحي عادا وثمودا!!، فقال له أحد علماء السنة: من أين علمت ذلك ؟ قال له أنه ذهب إلى رجل من أهل البيت لم يسميه فتفل في فمه، فأصبح يعلم كل شيء، وبذلك العلم علم أن عليا يحي الموتى[488]!!. فأنظر إلى هذا الدجال الزنديق الوقح، كيف يكذب على أهل البيت دون حياء، ويزعم أنه أصبح يعلم كل شيء، وهذه صفة لا يتصف بها إلا الله تعالى الواحد الأحد.

 

وأشير هنا أيضا  إلى أن أهل السنة قد اختلفوا في الاحتجاج بروايات الشيعة على ثلاثة أقوال: أولها  المنع المطلق، وثانيها الترخّص مطلقا إلا فيمن يكذب ويضع الحديث، وثالثها التفصيل فتقبل رواية الرافضي الصدوق العارف بما يّحدّث، وتَرد رواية الرافضي الداعية لمذهبه ولو كان صدوقا[489].  والموقف الأول هو الصحيح في اعتقادي، لأنه هو الأصوب والأسلم والأحوط، وذلك أن الرافضة يسبون الصحابة ويكفرونهم، والكذب شعارهم والتقية والنفاق دثارهم[490]. فمن كان ذلك هو حالهم فالكذب والصدق عندهم سيان، من فعلهما فهو في عبادة، ومن هذه حاله لا تقبل روايته كائنا من كان، وفي أي حال من الأحوال.

 

ومما يؤيد ما ذهبتُ إليه،  ما قاله كثير من كبار العلماء في الشيعة، فقال فيهم الإمام مالك: لا تكلموهم، لا تروا عنهم، فإنهم يكذبون.و قال عنهم الإمام الشافعي: لم أر أشهد بالزور من الرافضة.و قال شريك: احمل العلم من كل ما لقيت  إلا الرافضة، فإنهم يضعون الحديث ويتخذونه دينا.و قال يزيد بن هارون: يَكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية  إلا الرافضة، فإنهم يكذبون[491].

وقال بن القيم الجوزية: الرافضة أكذب خلق الله، وأكذب الطوائف.و قال الذهبي: أكثر ما ترويه الرافضة كذب، وأن دأبهم رواية الأباطيل، ورد ما في الصحاح والأسانيد، وتكفير الصحابة، والتدثر بالتقية والنفاق، فمن كان ذلك حالهم لا تقبل روايتهم ولا يحتج بقولهم. وقال ابن حجر : الشيعة لا يوثق بنقلهم[492].

 

وأما لماذا كان الشيعة أكثر الطوائف كذبا ؟، فيبدو لي أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية أوصلتهم إلى المبالغة في الكذب والتخصص فيه، أولها إن الشيعة الرافضة الأوائل لما كانوا على منهاج باطل وفكر ضال، مخالفين لأهل البيت، - وهم يزعمون أنهم على منهاجهم وفكرهم-، دفعهم ذلك إلى الكذب عليهم، وتأسيس مذهب جديد يوافق أفكارهم الضالة، ثم نسبوه لأهل البيت.

 

والسبب الثاني هو أنه لما كان مذهب الرافضة على اختلاف تياراته يتناقض تماما مع القرآن الكريم، دفعهم ذلك إلى الكذب على أهل البيت، واتخاذ أقوالهم المكذوبة عليهم أدلة شرعية مقدسة لرد ما جاء في القرآن الكريم، وتأسيس مذهبهم الباطل. والسبب الثالث هو أنهم لما كانت السنة النبوية الصحيحة، والحوادث التاريخية المتواترة تناقض مذهبهم، لجؤوا إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته وصحابته، لرد المتواترات من السنة النبوية، والحوادث التاريخية، تأسيسا لمذهبهم ونصرا لباطلهم وتعصبا له.

 

وهؤلاء-أي الشيعة- في احترافهم للكذب كانوا مدفوعين بتعصب أعمى لمذهبهم، وبحقد دفين لمن يُخالفهم، وإلا ما وصل بهم الأمر إلى اختلاق الأكاذيب لرد ما في القرآن، والزعم بتحريفه، وسب الصحابة وتكفيرهم، وهم خير الناس بعد رسول الله –عليه الصلاة والسلام-، بشهادة القرآن والسنة والتاريخ.

وبذلك يتبين –مما ذكرناه في هذا المبحث- أن التعصب المذهبي أدى بكثير من المتعصبين-  من مختلف المذاهب- إلى التعمد في رواية الأكاذيب وتحريف التاريخ، انتصارا لمذاهبهم وتعصبا على خُصومهم، وقد ذكرنا منهم طائفة من مختلف الفرق والجماعات كشواهد على ما قلناه.

سادسا: المدارس والمساجد الطائفية:

تُعتبر المدارس والمساجد الطائفية من المظاهر المادية للتعصب المذهبي الذي كان سائدا بين الطوائف السنية الأربعة، فهي مؤسسات ظاهرة للعيان، وشاهدة على مدى تأثير التعصب المذهبي في تلك الطوائف، حتى أوصلها إلى اختصاص كل منها بمدارسها ومساجدها، تكريسا للفرقة، وانتصارا للمذهب، وتعصبا على المخالف. والشواهد على ذلك كثيرة جدا[493]، أذكر بعضها حسب الطوائف السنية الأربعة.

فبخصوص الحنفية، فقد كانت لهم مدارس كثيرة خاصة بهم، ببغداد ودمشق ومصر[494] وغيرها من أمصار المشرق الإسلامي، منها المدرسة الخاتونية، والمدرسة الإقبالية بدمشق، وكان لهم بها أكثر من 50 مدرسة[495]. ومنها أيضا مدرسة مشهد أبي حنيفة، ومدرسة باب الطاق ببغداد[496]. وكانت لهم مدرسة بمدينة سنجار بناها لهم الملك قطب الدين محمد (ت594ه)، - كان شديد التعصب للحنفية- اشترط فيها أن يكون النظر فيها للحنفية من أولاده دون الشافعية منهم، وأن يكون البواب والفراش على المذهب الحنفي[497].

وأما المالكية، فهم أيضا كانت لهم مدارس خاصة بهم، بمصر ودمشق،  وحلب وبيت المقدس[498]، منها: المدرسة الصمصامية، والصلاحية بدمشق[499].

وأما الشافعية فقد كانت لهم مدار كثيرة، ببغداد ومصر، ودمشق وبيت المقدس[500]، وغيرها من مدن المشرق الإسلامي، وقد زادت مدارسهم بدمشق عن 60 مدرسة، منها: العادلية الكبرى، والعادلية الصغرى، والعصرونية[501].و من مدارسهم ببغداد: المدرسة النظامية، ومدرسة قراح ظفر[502]. وقد بنى لهم الملك غياث الدين الغوري مدرسة بمدينة هراة سنة 595 هجرية، وقدمها للمتكلم الفخر الرازي(ت606ه)، فتعصب عليه الكرّامية وألبوا عليه الناس[503]. وبنى لهم التاجر ابن رواحة (ت623ه) مدرسة بدمشق، واشترط فيها شروطا صعبة، منها: لا يدخلها يهودي، ولا نصراني، ولا حنبلي حشوي[504]. فسوّى - في شرطه هذا – بين اليهودي والنصراني الكافريّن وبين الحنبلي المسلم، وهذا- بلا شك- تعصب أعمى بغيض.

وأما الحنابلة فهم أيضا كانت لهم مدارس خاصة بهم، ببغداد ودمشق وحلب وغيرها من مدن المشرق الإسلامي[505]،  منها المدرسة العمرية، والجوزية، والضيائية، والعالمية  بدمشق[506].و من مدارسهم ببغداد: مدرسة المخرّمي، ومدرسة الأبرادي، ومدرسة الوزير ابن هبيرة، ومدرسة السيدة بنفشا[507].

وللوزير الفقيه عون الدين بن هبيرة الحنبلي البغدادي(ت 560ه) رأي في تعدد مدارس ومساجد الطوائف السنية، مفاده أنه شخصيا لا يحبّذ تعدد مساجدها، لكنه لا يرى مانعا في تعدد مدارسها، على أن لا يُضّيق في شروطها على المسلمين لينتفعوا بها، وحكى عن نفسه أنه امتنع من دخول مدرسة لم تتوفر فيه شروطها، ولو دخلها ربما  وجد فيها ما ينفعه[508]. وهو بموقفه هذا يُقر بالانقسامات المذهبية التي كانت سائدة في زمانه، ويكرسها بموافقته إنشاء مدارس طائفية، مع المطالبة بعدم تضييق مجال الانتفاع بها؛ سعيا منه للتخفيف من حدة التعصب المذهبي، وليس لاقتلاعه من جذوره.

 

ولا شك أنه قد كان لهذه المدارس الطائفية جوانب ايجابية لا يجب إغفالها، كخدمة المذاهب التي أنشئت لها، ونشر العلم وتكوين الطلبة، والمساهمة في تنشيط الحياة العلمية. لكنها من جهة أخرى كانت لها سلبيات خطيرة جدا، كتكريس الفرقة المذهبية، وإيجاد أرضية خصبة للتشجيع على التعصب ورعايته، وتكوين الطالب المقلد المتمذهب المتعصب لمذهبه، الأحادي النظرة المدافع عن مذهبه المنتصر له، وهذا هو الهدف الأساسي من بناء تلك المدارس الطائفية المذهبية.

 

ورغم أنه وُجدت مدارس مشتركة بين الطوائف السنية ببغداد والقاهرة ودمشق، كالمدرستين المستنصرية والبشيرية ببغداد، والمدرستين الصالحية والمنصورية بالقاهرة [509]؛ فإنها لم تكن مشتركة إلا في البناية والمرافق والجرايات، وكانت كل طائفة مستقلة بجهتها وقاعاتها، وطلابها وأساتذتها، ومذهبها وبرامجها[510]. فهي وإن خففت نوعا ما من التعصب والنزاع، فإنها من جهة أخرى قد كرّست الفرقة والتمذهب والتعصب في بناية واحدة.

 

وأما المساجد الطائفية فهي أيضا كانت كثيرة، بسبب الانقسام الطائفي والمذهبي بين الفرق الإسلامية، فقد كانت مساجد دمشق مقسمة بين الطوائف السنية، فمعظم مساجدها –داخل السور- كانت للشافعية، ثم للحنفية، ثم للمالكية، ثم للحنابلة؛ وكانت معظم مساجد الصالحية-خارج سور دمشق- للحنابلة، والباقي للشافعية والحنفية، وكان هذا الوضع سائدا بدمشق زمن الفقيه يوسف بن عبد الهادي الحنبلي المُتوفى سنة 909 هجرية[511].

ونفس الظاهرة كانت بمدينة  مرو الشاهجان –ببلاد خُراسان-، فوُجد بها مسجدان يفصلهما سور، واحد للشافعية والآخر للحنفية. وكذلك الحال بمدينتي بغداد وحرّان، فقد وُجدت بهما مساجد طائفية تابعة للطوائف السنة[512].

والأغرب من ذلك أنه وُجدت محاريب متعددة داخل المسجد الواحد حسب الطوائف المذهبية، فتصلي كل جماعة في محرابها، ولا تصلي في المحاريب الأخرى؛ ففي الحرم المكي كانت فيه خمسة مقامات-محاريب- للصلاة حسب الطوائف المكونة للمجتمع المكي، وهي: الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنبلية، والشيعة، فكان لكل منها مقامها الذي تصلي فيه، وفي صلاة المغرب كانت كل الطوائف تصلي في وقت واحد لضيق الوقت، فيحدث تشويش وخلط في الركوع والسجود والتسليم، وقد كانت هذه الطاهرة موجودة بالحرم المكي في القرن السادس الهجري وما بعده [513].

والمسجد الأقصى هو أيضا كان مقسما بين الطوائف السنية الأربعة، فكان لكل منها محرابها الذي تصلي فيه، وتعقد فيه حلقاتها العلمية.و نفس الظاهرة كانت بمسجد مدينة الخليل، فقد كان مقسما على الطوائف السنية، ما عدا الحنابلة الذين لم يكن لهم فيه إمام[514].

 

وكذلك الجامع الأموي بدمشق، فقد كانت بداخله أربعة محاريب حسب الطوائف السنية الأربعة، لكل منها محرابها تصلي فيه، وتعقد فيه أيضا حلقاتها العلمية[515]. وهذه المحاريب ما تزال موجودة بالجامع الأموي إلى يومنا هذا، كشواهد تاريخية، لكنها معطلة، إلا واحد منها يصلي فيه كل الناس.

 

وللوزير عون الدين بن هُبيرة البغدادي رأي في ظاهرة تعدد المساجد السنية، مفاده أن اختصاص المساجد ببعض أرباب المذاهب بدعة محدثة، فلا يقال: هذه مساجد أصحاب احمد، فيمنع منها أصحاب الشافعي، ولا العكس؛ وقد قال الله تعالى في المسجد الحرام (( سواء العاكف فيه والباد ))[516] –سورة الحج/25-، وقوله هذا صحيح فيما يخص اختصاص جماعة بمساجد دون غيرها، لكنني لم أعثر على ما يشير إلى أن طائفة من السنيين منعت غيرها من دخول مساجدها. لكنه وجد فيهم-أي من السنيين-من امتنع من الصلاة مع غير إمامه وأصحابه، كما هو الحال في الحرم المكي، والمسجد الأقصى، والجامع الأموي، إذ كان لكل طائفة محرابها وإمامها، وهذا كله ثمرة مرة للتعصب المذهبي الذميم المسيطر على العقول أولا؛و نتيجة لعجز وتخاذل أولي الأمر والعلماء، من القيام بواجباتهم الشرعية تجاه أمتهم ثانيا.

ويتبين مما ذكرناه -في مبحثنا هذا-  أن ظاهرة تعدد المدارس والمساجد بين الطوائف السنية الأربعة، كانت منتشرة بكثرة بين السنيين، وأظهرت مدى عمق الخلاف المذهبي بينهم من جهة، وعمّقته وكرّسته من جهة ثانية، بسبب غلبة التعصب المذهبي عليهم، وعدم قيام علمائهم وحكامهم بواجبهم الشرعي لجمع شمل أمتهم.

ثامنا: التعصب المذهبي عند أهل العلم:

كان التعصب المذهبي واسع الانتشار بين أهل العلم، حتى أصبح يُمثل ظاهرة بارزة ومؤثرة في الحياة العلمية –خلال العصر الإسلامي-، وعنهم – أي العلماء- انتقل التعصب المذهبي إلى عامة الناس وخاصتهم، والشواهد التاريخية –على تعصب العلماء- كثيرة جدا، أذكر منها ما يأتي:

أ -نماذج من تعصب العلماء فيما بينهم:

توجد شواهد كثيرة على تعصب أهل العلم على بعضهم بعض، وتبادلهم للاتهامات بالتعصب المذهبي، أذكر منها تسعة نماذج، أولها ما حدث للفقيه المحدث بقي بن مخلد الأندلسي(ت276ه)، فإنه رحل إلى المشرق وحصّل علم أهل الأثر، ثم عاد إلى بلاده بالأندلس وشرع في نشر علمه، فتعصب عليه فقهاء الأندلس-و هم مالكية-، فتدخل أمير البلد محمد بن عبد الرحمن المرواني ومنعهم من التعرّض له، وقال له: انشر علمك. وكان بقي ابن مخلد يقول: (( لقد غرستُ للمسلمين غرسا بالأندلس لا يُقلع إلا بخروج الدجال ))[517]. لكن نبؤته هذه لم تحقق، لأننا نعلم أن مذهبه لم يسد بلاده الأندلس، التي نفسها خرجت من ملك المسلمين، فكيف يبقى غرسه بها إلى خروج الدجال ؟!.

وثانيها يتعلق بما حدث لصاحب الصحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256ه) فإنه لما حدثت قضية اللفظ بالقرآن، هل هو مخلوق أم غير مخلوق ؟، وتناولها هو –أي البخاري- في كتابه خلق أفعال العباد والرد على الجهمية، وانتهى إلى التاكيد على أن التلاوة-أي القراءة- من العبد، والمقروء المتلو هو كلام الله تعالى، معتمدا في ذلك على آيات وأحاديث كثيرة[518]؛ عارضته طائفة من أهل الحديث، وتعصّبت عليه وهجرته، وألبت عليه أصحاب الحديث، رغم أن الحق كان معه [519].

والنموذج الثالث هو قول للمحدث إسماعيل بن أبي الفضل القومسي (ت5 ه) في ثلاثة من كبار الحفاظ، يقول فيه: (( ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم، وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله، وأبو نُعيم الأصفهاني، وأبو بكر الخطيب )). فعقّب عليه ابن الجوزي –موافقا له- بقوله: (( لقد صدق إسماعيل، وقد كان من كبار الحفاط ثقة صدوقا، له معرفة حسنة بالرجال والمتون غزير الديانة ))، لأن (( الحاكم كان متشيعا ظاهر التشيع، والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والأشاعرة، وما يليق هذا باصحاب الحديث، لأن الحديث جاء في ذم الكلام، وقد أكد الشافعي هذا حتى قال: رأيي في أصحاب الكلام أن يُحملوا على البغال ويُطاف بهم )) [520].

 

والنموذج الرابع يتعلق باتهام ابن الجوزي للخطيب البغدادي بالتعصب لمذهبه الشافعي، وبالتعصب على الحنابلة أيضا، فقال –أي ابن الجوزي-: إنه تكلّم في الحنابلة بما لا يليق، وذمهم وتعصب عليهم، وقدح فيهم بما أمكنه، وله في ذلك دسائس، منها أنه عندما ترجم لأحمد بن حنبل وصفه بأنه سيد المحدثين، وعندما ترجم للشافعي وصفه بأنه تاج الفقهاء، فوصفه بالفقه، ولم يصف ابن حنبل بالفقه أيضا. وعندما ترجم للمتكلم حسين الكرابيسي البغدادي (ت قرن:3ه)، ذكر أنه قال عن احمد بن حنبل: (( إيش نعمل بهذا الصبي ؟، إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق قال: بدعة، وإن قلنا غير مخلوق، قال: بدعة[521].

ومنها أيضا أن ابن الجوزي ذكر أن الخطيب البغدادي لما ترجم للمحدث مهنأ بن يحيى الحنبلي، أورد ما قاله فيه الحافظ أبو الحسن الدارقطني البغدادي (ت 385ه)، فقال: إنه ثقة نبيل. ثم عاد الخطيب وذكر ما قاله أبو الفتح الأزدي من أن مهنأ هذا مُنكر الحديث. ثم أنكر ابن الجوزي على الخطيب البغدادي فعله هذا، لأنه يعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الجميع، أفلا (( يستحي الخطيب أن يُقابل قول الدارقطني في مهنأ بقول هذا-أي الأزدي-، ثم لا يتكلم عليه، هذا يُنبئ عن عصبية وقلة دين ))[522].

 

وذكر ابن الجوزي أن الخطيب البغدادي دفعه تعصبه لمذهبه إلى الانتصار له باستخدام بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في قضايا فقهية، ذكرها وسكت عنها وهو على علم بها، وقد صحّ عن رسول الله –عليه الصلاة والسلام- إنه قال: (( من روى حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ))، وقال –أي ابن الجوزي- إن من يطلع على كتابه في الجهر بالبسملة، ومسألة الغيم، واحتجاجه بالأحاديث الباطلة، يتحقق أن هذا الرجل فيه فرط عصبية، وقلة دين [523]. ثم ذكر ابن الجوزي أنه كان في الخطيب (( شيئان، أحدهما الجري على عادة عوام أهل الحديث في الجرح والتعديل، فإنهم يُجرّحون بما ليس يُجرّح، وذلك لقلة فهمهم. والثاني التعصب على مذهب أحمد وأصحابه ))، والتعصب لمذهبه أيضا[524].

 


 

والنموذج الخامس يتعلق باتهام ابن الجوزي للحافظ أبي سعد السمعاني الشافعي(ت562ه) بالتعصب البارد على الحنابلة، وطعنه في جماعة منهم بما لا يُوجب طعنا[525]. فمن ذلك أنه-أي السمعاني- عندما ترجم للحافظ أبي الفضل بن ناصر السلامي البغدادي الحنبلي (ت550ه) في تاريخه، وصفه بأنه ديّن ثبت متقن عارف بالمتون والأسانيد. ثم قال عنه: لكنه يحب أن يقع في الناس، ويتكلم في حقهم، ويحرص على تسجيل ما يقع له من مثالبهم[526]؛ وأنه لا يحسن الكلام في الرواة، إذ قال في أحدهم: ((كان كذابا ضعيفا في الرواية، لا يُحتج به ولا يُعتمد علي روايته))، فبما أنه قال: (( كذابا )) لا يحتاج أن يقول: (( لا يُعتمد على روايته ))، وإذا رماه بالكذب فلا يُقال: (( أنه ضعيف في الرواية، فإن الضعف دون الكذب ))[527]. ثم تصدى ابن الجوزي للرد عليه، فاتهمه بالتعصب على الحنابلة والطعن فيهم، وعدم التفريق بين الجرح والغيبة، وأنه متناقض في موقفه من ابن ناصر، فهو قد احتج كثيرا بكلامه في كتابه ذيل تاريخ بغداد، ثم هو يطعن فيه من جهة أخرى[528]. لذا فهو-في نظر ابن الجوزي- قد أزرى على نفسه، وما كان ينبغي أن يحتج بكلامه في شيء، وأي شغل للمحدث غير الجرح والتعديل ؟ فمن عدّ ذلك طعنا مذموما فما عرف علم الحديث. فلقد (( شفي أبو سعد غيظه بما لا معنى له في كتابه، فلم يُرزق نشره لسوء قصده، فتُوفي وما بلغ الأمل ))[529].

 

ثم ذكر ابن الجوزي أنه لم تكن للسمعاني طريقة سليمة في الترجمة للأعلام، فيقول عن الرجل: حسن القامة. وعن إحدى الشيخات أنها: كانت عفيفة.و هذا ليس كلام من يدري كيف الجرح والتعديل. وقال عن إحدى النساء أنه كان يقال له: دخل خرج. وهذا كلام لا يقوله عاقل[530]. وذكر عنه كذلك أنه كان يُدلس على الناس في التحديث، فيأخذ الشيخ البغدادي ويعبر به نهر عيسى[531]، ويقول: حدثني فلان فيما وراء النهر[532]، ويجلس معه في رقة بغداد، ويقول:حدّثني فلان بالرّقة[533] ))[534].

 

وقد شرح الحافظ عبد العزيز بن الأخضر البغدادي الحنبلي ( ت 611 ه/ 1214 م ) ما عابه السمعاني على ابن ناصر في طريقة جرح الرواة ففي قوله: (( كذاب ضعيف لا يُحتجّ به، ولا يُعتمد على روايته )) فهو جرح صحيح، وصفه بالكذب لأنه روى ما ليس من سماعه، ونُهي فلم ينته. وقوله: ضعيف في الرواية، لأنه لم يميز صحيح حديثه من سقيمه. ولا (( يُحتجّ به )) لأنه كذاب وضعيف، ولا (( يُعتمد على روايته )) لوجود هذا التخليط في معرفته وحديثه. فلو وصفه بمجرد الكذب لما كان من أهله، فالمترجم له لم (( ينفرد بوصف من هذه الأوصاف بل اشتمل عليها جميعا فكان الجرح على حسبها[535].

 

وأما عن اتهام ابن الجوزي للسمعاني بالتدلبس في التحديث، فيرى المؤرخان ابن الأثير ( ت 630 ه/ 1232م ) والعماد أبو الفدا (ت 732 ه/ 1331 م ) أن ما قاله ابن الجوزي بارد جدا؛ فأي حاجة للسمعاني إلى هذا التدليس، بأن يأخذ شخصا ليحدثه ويقطع به نهر عيسى في بغداد، ويقول: حدثني فلان من وراء النهر. وهو قد سافر فعلا إلى بلاد ما وراء النهر ؟! وإنما ذنبه عند ابن الجوزي هو أنه شافعي[536].

وأقول:إنه حقا لم يكن السمعاني في حاجة إلى هذا التدليس، لكننا من جهة أخرى يصعب تكذيب ابن الجوزي فيما رواه عنه، فهل يسمح لنفسه أن يتعمد الكذب عليه، ويذكر الخبر بصيغة التأكيد لا التمريض ؟ وإذا افترضنا أنه تعمد الكذب عليه، أليس في إمكان أهل بغداد كشفه وفضحه ؟ وألم يستح ويخاف من افتضاح أمره في تعمده الكذب عليه ؟ كلّ هذا يجعلني أرجح صحة الخبر عن بطلانه. وما جاء عن السمعاني فهو ربما فعله مع بعض أهل العلم من باب التمثيل والحكاية والتنكيت؛ ولم يكن هدفه التمويه والتدليس، لأن ما فعله ليس تدليسا في حقه لأنه رحل فعلا إلى بلاد ما وراء النهر. فجاء ابن الجوزي وحمل تصرفه على الحقيقة، ووجده فرصة للطعن فيه.

وللمؤرخ شمس الدين الذهبي رأي في مسألة طعن السمعاني في ابن ناصر، مفاده أن السمعاني لم يكن يتعصب على الحنابلة، ولم يجرّح ابن ناصر ولم يعدّله وإنما قال عنه: (( إنه يحب أن يقع في الناس )) وهو فعلا قد كان فيه تعصب وتعسف في جرّحه وتعديله لبعض الشيوخ[537]. ثم انتقل الذهبي للرد على  ابن الجوزي  قائلا له: (( لا تنه عن خلق وتأتي مثله ))، فأنت الذي تتفاخم على السمعاني، وقد ملأت كتابك المنتظم بتراجم السمعاني-التي في تاريخه- منذ نيّف[538] وستين وأربعمائة إلى زمانك[539]. ثم ذكر أن السمعاني أعلم من ابن الجوزي  بالحديث والرجال والتاريخ، ولا يصل مرتبته. فأين من رحل في طلب الحديث إلى الشام، والعراق، والحجاز، وخراسان، وما وراء النهر، وسمع في أكثر من مائة مدينة، من ابن الجوزي الذي لم يسمع إلا في بغداد، ولا روى إلا عن بضعة وثمانين نفسا. لذا فلا ينبغي أن يطلق على ابن الجوزي اسم الحفظ باعتبار الاصطلاح، بل بالنظر إلى أنه ذو حافظة قوية، وعلم واسع، وفنون كثيرة، واطلاع عظيم[540].

 

ويرى الباحث بشار عواد أن ابن الجوزي قد (( نال من أبي سعد السمعاني بكلام قبيح، على عادته مع من ينتقد الحنابلة من العلماء، ونسب إليه أشياء لا صحة لها ))[541]. لكن حقيقة الأمر-على ما يبدو- أن هناك تحاملا من الاثنين، فالسمعاني بالغ في الحط على ابن ناصر، فهو من جهة يصفه بأنه: حافظ ثبت، وديّن مُتقن، وعارف بالمتون والأسانيد، ثم يتهمه من جهة أخرى بعدم إتقان استعمال ألفاظ جرح الرواة. وابن الجوزي دفعه نعصبه لأصحابه، وانتصاره لشيخه ابن ناصر، إلى الإفراط في الحط على ابن السمعاني، فهو وإن خطأّه في طريقة الترجمة للأعلام، فإنه قد روى عنه كذلك حادثة ما وراء النهر للطعن فيه بتعمد التدليس والكذب؛ وهو يعلم أن السمعاني قد رحل بالفعل إلى بلاد ما وراء النهر، فكان عليه في هذه الحالة، إما أن يسكت عن هذا الخبر، وإما أن يرويه بصيغة التمريض لا بصيغة الإثبات والتأكيد، وإما أن يذكره ويبحث له عن تأويل مناسب.

 

والنموذج السادس يتعلق بتعصب النحوي أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي(ت 745ه) على الشيخ تقي الدين بن تيمية، وذلك أنهما اجتمعا في مجلس فتكلما أبو حيان في مسألة نحوية، فقاطعه ابن تيمية فيها وألزمه الحجة، فذكر أبو حيان قول سيبويه في المسألة، فقال له ابن تيمية: (( أسيبويه نبي النحو أرسله الله به حتى يكون معصوما، إن سيبويه أخطأ في القرآن ثمانين موضعا لا تعقلها أنت ولا هو...))، فغضب أبو حيان ونافر ابن تيمية بسبب ذلك، وأصبح أكثر الناس ذما له، وكان من قبل قد مدحه بأبيات شعرية، فلما اختلف معه كشطها –أي الأبيات- من ديوانه[542].

وهذه الحادثة تُظهر لنا نموذجين من أهل العلم في القرن الثامن الهجري، الأول هو رمز للتحرر من أغلال التقليد والتمذهب والتعصب، وهو ابن تيمية؛ والثاني هو رمز للتقليد والتعصب للأشخاص، وهو أبو حيان الأندلسي، لأن الخلاف الذي حدث بينهما هو خلاف علمي عادي يحدث بين كل أهل العلم، المفروض أنه لا يُفسد ودا بين الرجلين، لكن أبا حيان لم يكن في المستوى المطلوب، فأقدم على أعمال هي حمَقات لا تليق بأهل العلم النزهاء.

 

والنموذج السابع يتعلق باتهام الفقيه الحنفي عبد الله الزيلعي (ت 762ه) لمحمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح بالتعصب على مذهب أبي حنيفة، فقال في البخاري: إنه كان شديد التعصب والتحامل عليه -أي مذهب أبي حنيفة-، حتى أنه عندما ذكر في أول كتابه-أي الصحيح-: باب الصلاة من الإيمان، وذكر الأحاديث على ذلك، كان يقصد الرد على أبي حنيفة في قوله بأن الأعمال ليست من الإيمان[543].

وأقول: إن الحقيقة هنا هي أن الزيلعي هو المتحامل على البخاري والمتعصب عليه، وهو أيضا مخالف لما كان قاله قبل ذلك بقليل، عندما نصح طالب العلم بترك التعصب والتحلي بالإنصاف[544].ثم هو هنا يتعصب على البخاري وينتصر لمذهبه، والمفروض أن يكون مُنصفا، لأن البخاري ذكر الصواب عندما قرر أن الصلاة من الإيمان، بدليل الأحاديث التي ذكرها؛ وهي شاهدة على مخالفتها لقول أبي حنيفة في هذه المسألة، سواء قصد البخاري الرد عليه أم لا. وحتى إذا قصد الرد عليه، فمن حقه أن يرد عليه تحقيقا للصواب في هذه المسألة.

والنموذج الثامن يتعلق باتهام الفقيه تاج الدين السُبكي الشافعي(ت قرن: 8ه) للحافظ عبد الله الأنصاري الهروي الحنبلي(ت 481ه ) بالتعصب لمذهبه، فقال: إنه كان شديد التعصب للحنبلية حتى كان ينشد على المنبر:

أنا حنبلي ما حييتُ وإن متُ  +  فوصيتي للناس أن يتحنبلوا

حتى أنه أيضا ترك الرواية عن شيخه القاضي أبي بكر الحيري لكونه أشعريا، ثم قال السُبكي: (( كل هذا تعصب زائد، برّأنا الله من الأهواء ))[545].

 

وآخرها –أي النموذج التاسع – يتضمن نموذجا لتعصب التلميذ على أستاذه وتحامله عليه، ويتعلق بتعصب تاج الدين السُبكي على شيخه الحافظ شمس الدين الذهبي (ت748ه)، فقال –أي السُبكي- إن شيخه الذهبي مع علمه وديانته كان شديد التحامل على أهل السنة، فلا يجوز أن يُعتمد عليه؛ حتى أنه وصل من التعصب المفرط إلى حد يُسخر منه، ثم قال: (( وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب المسلمين وأئمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية، فإن غالبهم أشاعرة، وهو إذا وقع بأشعري لا يبقي ولا يذر، والذي اعتقد أنهم خُصماؤه يوم القيامة ))[546].

ثم طعن في علم شيخه بأنه كان قليل المعرفة بمدلولات الألفاظ، مع عدم ممارسته لعلوم الشريعة، كما أنه كان قليل التحري فيما يكتب عن علماء الحنفية والشافعية والمالكية، ثم قال: (( فإني اعتقد أن الرجل كان إذا مدّ القلم لترجمة أحدهم غضب غضبا شديدا مفرطا، ثم قرطم الكلام ومزقه، وجعل من التعصب ما لا يخفى على ذي بصيرة ))[547].

 

وقال أيضا أن شيخه الذهبي ذكر أخبارا عن الأشاعرة ربما اعتقد أنها من الدين، وأخرى ذكرها وهو يعرف أنها كذب ولم يختلقها، لكنه كان يحب (( وضعها في كتبه لتُنشر، ويحب أن يعتقد سامعها صحتها تعصبا للمتحدث فيه، وتنفيرا للناس ))[548]. وقال أيضا إن شيخه على ما فيه من حسنات، فإن تاريخه مشحون بالتعصب المفرط...، فلقد أكثر من الوقيعة في أهل الدين، وهم الفقراء-أي الصوفية- الذين هم صفوة الخلق. كما أنه استطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعية والحنفية، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد في المجسمة[549].

وأقول: أولا إن السبكي تحامل على شيخه تحاملا كبيرا، وطعن فيه بلا حق، وأشبع غليله فيه، معتمدا على الظن والتهويل، مدفوعا بتعصب مذهبي ممقوت على شيخه. كما أنه لهم يرع له مكانة كشيخ له، وناقض نفسه عندما وصفه بأنه كان دينا، ثم هو يتهمه بتعمد ذكر الأخبار المكذوبة عن الأشاعرة إشباعا لهواه وتعصبه. ونحن لا ندعي أن الذهبي لم يكن متعصبا مطلقا، وإنما نقول أن الذهبي كان موضوعيا إلى حد كبير فيما دوّنه من مصنفات ولم يتعمد ذكر الأكاذيب، ، ومؤلفاته شاهدة على ما نقول.

وثانيا إن السُبكي افترى على شيخه عندما زعم أن الذهبي ما كان يذر أشعريا ولا حنفيا، ولا مالكيا ولا شافعيا إلا وطعن فيه. وهذا زعم باطل من أساسه، فإن كتابه سيّر أعلام النبلاء مثلا، فيه مدح وثناء كثيرين لكثير من هؤلاء، فقد أثنى على أبي الحسن الأشعري، وأبي بكر الباقلاني، وأبي الحجاج الفندلاوي المالكي، وشيخ الحنفية أبي حفص بن مازة، وغير  هؤلاء كثير جدا[550].

وثالثا إن زعمه بأن الذهبي ذم الصوفية وهم صفوة الخلق، هو زعم باطل، لأن الصوفية ليسوا هم صفوة الخلق ولا هم شر الخلق، بل فيهم الصالح والطالح، كغيرهم من طوائف الناس. مع العلم أن كثيرا من أعلام الصوفية كان فيهم انحراف كثير، خاصة أصحاب الاتحاد والحلول، والذهبي لم يتحامل على كل الصوفية، فإن كتبه التاريخية فيها كثير من المدح لهم، لكنه ذم المنحرفين منهم المُستحقين لذلك[551].

 

ورابعا إن السبكي كان متعصبا على شيخه تعصبا زائدا، حتى أنه استخدم المغالطات للحط عليه والطعن فيه، نذكر منها ثلاثة مغالطات، أولها إنه –أي السُبكي- قال إن الذهبي كان فيه تحامل مفرط على أهل السنة. وهذا يعني أن الذهبي ليس من أهل السنة، وأنه خصم لهم، وهذا افتراء على الرجل، وتدليس على القراء، لأن الذهبي كان سنيا على مذهب السلف وأهل الحديث، لكن السُبكي أوصله تعصبه إلى إخراج هؤلاء من الطائفة السنية، وجعلها مقتصرة على الأشاعرة، وهم الذين عناهم بقوله السابق، وهذا زعم باطل بلا شك، لأن الطائفة السنية في- زمانه وما بعده -كانت تتكون من طائفتين، الأولى كانت تمثل مذهب السلف، وهم الحنابلة وأهل الحديث، والثانية كانت تمثل مذهب الخلف، وهم الأشاعرة والماتريدية[552].

 

والمغالطة الثانية هي أن السُبكي أدعى أن الذهبي بالغ في مدح المجسمة. وهذا يعني أن الذهبي كان موافقا للمجسمة، وساكتا عنهم ومدافعا عنهم، وهذا افتراء على الرجل، فهو –أي الذهبي- قد ذم المجسمة مرارا في مصنفاته[553]، وأهل السنة كلهم ذموا هؤلاء، لكن السُبكي لم يُفصح علانية مما يريد من قوله، فهو يقصد بالمجسمة الحنابلة وأهل الحديث، وهذا افتراء آحر على هؤلاء، لأن في أهل الحديث أعلام كبار كانوا على مذهب السلف وأصحاب الحديث، ولم يكونوا مجسمة ولا أشاعرة، منهم: مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وابن خزيمة، والبخاري، ومسلم، وأبو نصر السجزي، وأبو عثمان الصابوني، وأبو الحسن الكرجي، والموفق بن قدامة المقدسي، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وابن كثير، وغير هؤلاء كثير[554].

 

والمغالطة الثالثة هي أنه قال في الذهبي: (( إنه لا ينبغي أن يُسمع كلامه في حنفي ولا شافعي، ولا تُؤخذ تراجمهم من كُتبه، فإنه يتعصب عليهم كثيرا ))[555]. وهذا يعني أن الذهبي كان خصما ومعاديا للحنفية والشافعية والمالكية متعصبا عليهم، وهذا افتراء على الرجل، لأن الذهبي هو نفسه كان شافعي الفروع، وكتبه التاريخية مملوءة بمدح وثناء الحنفية والمالكية والشافعية. فكان على السُبكي أن يُفصح عن مراده صراحة بلا تدليس ولا مغالطات، فيقول إن الذهبي كان متعصبا على الأشاعرة، ولا يُغالط القراء بأنه كان متعصبا على الحنفية والشافعية، وحتى زعمه بأنه كان متعصبا على الأشاعرة فليس صحيحا على إطلاقه، فقد أثنى على كثير منهم، وذكر عنهم ما وصله من أخبار عنهم.

وخامسا إن السُبكي في تحامله على شيخه لم يكن مصيبا عندما قال: إن غالبية علماء الشريعة هم من الأشاعرة[556]. فكلامه هذا هو افتراء على التاريخ، ومغالطة للقراء، لأن علماء أهل السنة من القرن الأول إلى الثالث الهجري كانوا كلهم على مذهب السلف وأهل الحديث في الصفات، ولا يُوجد فيهم أشعري، لأن الأشعرية لم تكن ظهرت بعد، فهي قد ظهرت في القرن الرابع، ولم تنتشر إلا في القرن الخامس الهجري وما بعده. وعليه، فغالب علماء أهل السنة في القرن الرابع لم يكونوا أشاعرة، وحتى في القرن الخامس وما بعده، فإن كثيرا من أعيان أهل السنة لم يكونوا أشاعرة، ومنهم: أبو نصر السجزي، وأبو عثمان الصابوني، وأبو الحسن الكرجي، وابن عقيل البغدادي، والحافظ عبد الغني، والموفق بن قامة المقدسي، والضياء محمد المقدسي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وعلم الدين البرزالي، وأبو الحجاج المزي، والشوكاني[557]، وابن أبي العز الحنفي صاحب شرح العقيدة الطحاوية، وهو كتاب مطبوع ومتداول بين أهل العلم.

 

لكن حقيقة الخلاف بين السُبكي وشيخه، هو أن السُبكي كان متعصبا على شيخه لأن الذهبي كان على مذهب أهل الحديث في أصول الدين، والسُبكي كان على مذهب الأشعرية المتأخرة، ومما زاد في الخلاف وتعصب السُبكي على شيخه، هو أن الذهبي كان شافعيا مثله، فعزّ على السُبكي ذلك، إذ كيف يكون شافعيا في الفروع، سلفيا في الأصول، ولا يكون أشعريا كحال معظم الشافعية زمن السُبكي ؟، والله تعالى أعلم بالصواب.

(ب) تعصب الفلاسفة المسلمين للفلسفة اليونانية:

كان معظم الفلاسفة المسلمين–خلال العصر الإسلامي- متعصبين للفلسفة اليونانية سلبيين تجاهها، فتبنوها ودافعوا عنها وتعصّبوا لها، على كثرة انحرافاتها وضلالاتها، ومخالفتها لدين الإسلام في كثير من أصولها وفروعها، وبالأخص في الإلهيات والنبوات، والشواهد على ذلك كثيرة جدا، أذكر منها أربعة شواهد:

أولها تعصبهم المفرط لآرسطو وتقليدهم أياه، حتى  قال فيهم ابن خلدون: إنهم اتبعوه حذو النعل بالنعل إلا في القليل[558]. ومنهم ابن سينا، وابن رشد، فقد كل منهما متعصبا لآرسطو، وقال ابن تيمية في ابن رشد: إنه كان مفرط التعصب للفلاسفة والمشائين –أتباع آرسطو- بالتعصب، مع عدم معرفته بتحقيق مذهبهم، وكان دائما يتعصب لآرسطو [559].

 

والشاهد الثاني-على تعصبهم للفلسفة اليونانية- قولهم بقدم العالم مسايرة لأستاذهم آرسطو والمشائين من بعده[560]. وقولهم هذا هو رجم بالغيب، وطن وخيال، وزعم باطل لا دليل عليه من العلم، ولا من العقل، ولا من النقل، ولم يقل به كثير أساطين الفلاسفة قبل آرسطو وبعده[561]. كما أن زعمهم بأزلية الكون يتعارض تماما مع دين الإسلام، ومع ما قرره العلم الحديث، من إن الكون حادث وليس أزليا، وإن له عمرا تقديريا يقرأه التلاميذ في الإكماليات والثانويات.

 

والشاهد الثالث هو قولهم بأن الله تعالى يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، بدعوى أن عدم قولهم  بذلك يؤدي إلى المحال، وهو تغير علم الله، لأن الجزئيات زمانية تتغيّر بتغير الزمان والأحوال، والعلم تابع لذلك في الثبات والتغيّر، فيلزم ذلك تغيّر علمه، وعلمه قائم بذاته، فيكون محلا للحوادث، وهو محال. وزعمهم هذا رده الحافظ ابن حجر بقوله:  إن الله تعالى عالم بما كنا عليه أمس، وبما نحن عليه الآن، وبما سنكون عليه غدا، وليس هذا خبرا عن تغيّر علمه، بل التغيّر جار على أحوالنا نحن، وهو عالم في جميع الأحوال دون تغيّر [562].

 

وأقول: إن كلام هؤلاء دليل على جهلهم بالله تعالى، فهم قاسوه على مخلوقاته وطبقوا عليه ما يجري عليهم من أفعال وأحوال، وهذا باطل بلا شك، فهو تعالى ليس كمثله شيء، في ذاته وصفاته وأفعاله  لقوله تعالى: ((  ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) سورة الشورى /11، و(( لم يكن له كفوا أحد ))- سورة الإخلاص /4-  وعلمه خارج عن حدود الزمان والمكان التي يخضع لها كل مخلوق.و علمه تعالى بكل صغيرة وكبيرة، هو من كمال صفاته وألوهيته.  وزعمهم الذي قالوه هو قول على الله بلا علم، ومناقض لعقيدة الإسلام، فقد أخبرنا الله تعالى أنه (( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور )) سورة غافر/19 -، و(( أنه يعلم الجهر وما يخفى )) سورة الأعلى /7 -، و(( إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء )) سورة آل عمران/ 5 -، و(( إن تجهر بالقول فإن الله يعلم السر وأخفى )) سورة طه/7-.  وهذا الذي زعموه هو من تخيلاتهم وظنونهم، وطامة من طاماتهم، يستحي الإنسان من أن يحكيه، ويضحك منه الغبي قبل الذكي.

 

والشاهد الرابع تصوّرهم الباطل لله تعالى، و المخالف للنقل والعقل معا، فهم يعتقدون أن الله تعالى هو الوجود المطلق،  لا صفة ثبوتية له، ولا يفعل شيئا باختياره، ولا يعلم شيئا من الموجودات، ولا شيئا من المغيبات، ولا كلام له، ولا صفة تقوم به. وكلامهم هذا عند ابن القيم هو كفر بالله، وخيال في أذهانهم لا حقيقة له في الواقع [563].

 

وقوله هذا صحيح، فإن تصوّر هؤلاء لله تعالى يختلف تماما عن التصوّر الإسلامي لله، فهو تعالى عالم قادر، مريد جميل، متكلم  ودود، خالق مصوّر، حكيم رزاق، رحيم غفور، إلى آخر أسمائه وصفاته الحسنى؛ أما تصوّر هؤلاء لله تعالى، فهو تصوّر ميت يرفضه العقل الفطري العلمي، فهم سلبوا خالقهم صفات الكمال، ووصفوه بصفات النقص، وجعلوا الإنسان أحسن منه، وهذا ضلال ما فوقه ضلال. كما أن الكون البديع  يكذّبهم ويبكتهم، فهو شاهد على أن خالقه لابد أن يكون عظيما جليلا، عليما حكيما، قويا مريدا، بديعا جميلا،  حائزا على كل صفات الكمال والجلال.

 

وأشير هنا إلى أن الفلاسفة المسلمين ليسوا في درجة واحدة في نفيهم للصفات الإلهية، فمنهم من نفاها مطلقا كأبي علي بن سينا وأبي نصر الفارابي، فهما على نهج جهم بن صفوان؛ ومنهم من اثبت بعضها، كأبي الوليد بن رشد، وأبي البركات البغدادي (ق:6ه)[564].  وهؤلاء النفاة لصفات الله تعالى هم جُهال به، ومتناقضون في موقفهم، فبما أنه لابد لكل موجود من صفات يتصف بها، فهم في الحقيقة لم ينفوا الصفات مطلقا، وإنما نفوا عن الله تعالى صفات الكمال، ووصفوه بصفات الجمادات والمنقوصات والمعدومات؛ ووصفوا أنفسهم بكثير من صفات الكمال التي نفوها عن خالقهم، كالعلم والحكمة، والسمع والبصر !!.

 

وبسبب تعصبات الفلاسفة المسلمين، وكثرة انحرافاتهم وضلالاتهم، ذمهم كثير من علماء الإسلام، وأجمعوا على تكفيرهم، وحذّروا مهم، وردوا عليهم، منهم: أبو حامد الغزالي، وابن الجوزي، وأبو عمرو بن الصلاح، وابن تيمية، والذهبي، وابن القيم، وابن كثير، والسيوطي[565]. كما أنهم تصدوا لهم وقاوموهم عمليا، فضيّقوا عليهم، ونفّروا الناس عنهم، وقتلوا بعضهم، وأحرقوا كتبهم في بعض الفترات[566]، لأنهم كانوا يمثلون خطرا على الإسلام والمسلمين، بسبب انحرافاتهم الفكرية والسلوكية.

 

وأشير هنا إلى أن تعصب هؤلاء للفلسفة اليونانية جعلهم سلبيين انهزاميين تجاهها، وعلى رأسهم كبار الفلاسفة المشائين، وهم: يعقوب الكندي، وأبو نصر الفارابي، وأبو علي بن سينا، وابن رشد الحفيد، ويؤيد ذلك الشواهد الآتية، أولها إن معظم مصنفات كبار الفلاسفة المسلمين، كانت تصب في تيار خدمة الفلسفة اليونانية شرحا وتلخيصا، دعوة ودفاعا[567]. وثانيها إنني لم أعثر لكبار الفلاسفة المشائين على مصنفات نقدية هدمية عميقة شاملة ومتخصصة، في نقد الفلسفة اليونانية من حيث طبيعياتها وإلهياتها ومنطقها؛ في حين وجدتُ لهم عشرات المصنفات و ربما مئات- في شرحها والدفاع عنها والتعصب لها [568].

وثالثها إنهم أهملوا  الوحي- القرآن الكريم والسنة النبوية والعقل الصريح في معظم مصنفاتهم، واكتفوا في غالب الأحيان بالشرح والتلخيص، والتقليد والتعصب لأرسطو وفلسفته وشيعته.

ورابعها إن هناك أقوالا لعلماء سنيين تؤيد ما قلته عن سلبية هؤلاء وإنهزاميتهم  وتبعيتهم لفلسفة اليونان، من خلال أعمالهم الفكرية، فمن ذلك ما ذكره ابن تيمية، من أن عمل المسلمين في المنطق اليوناني تركّز أساسا في تهذيبه وتنقيحه وتوضيحه وتتميمه[569]. وقال تاج الدين السبكي (ت ق: 8ه) أن أكثر فلاسفة المسلمين كانوا على رأي آرسطو[570]، ونحن نعلم أن معظم أفكاره في الإلهيات باطلة شرعا وعقلا، فهم تابعوه في ضلالاته. و قال عبد الرحمن بن خلدون: إن الفلاسفة المسلمين اتبعوا آرسطو في رأيه (( حذو النعل بالنعل، إلا في القليل ))[571].

 

وأما ما يُذكر لكبار الفلاسفة المسلمين من انتقادات للفلسفة اليونانية، فهي قليلة جدا بالمقارنة إلى ما كتبوه في شرحها والدعوة إليها والدفاع عنها والتعصب لها والانتماء إليها. وقد قال عنهم ابن خلدون أنهم اتبعوا آرسطو (( حذو النعل بالنعل إلا في القليل ))، وأشار ابن تيمية إلى أن ابن رشد خالف آرسطو وابن سينا ولم يقل بقولهما في نفي علم الله تعالى بالجزئيات[572].

 

وذكر صديق خان القنوجي أن ابن سينا جمع في كتابه الشفاء علوم الفلسفة السبعة، لكنه في كتابه الإشارة خالف آرسطو في كثير من المسائل، قال فيها برأيه[573]. لكن انتقادات هؤلاء للفلسفة اليونانية هي انتقادات جزئية لا تُخرجهم عن أصول الفلسفة المشائية، ولا تجعل منهم فلاسفة أحرارا مجددين مبدعين، فلو كانوا كذلك ما انتسبوا إلى تلك الفلسفة، ولأسسوا لأنفسهم مذاهب فلسفية جديدة، ولثاروا على فلسفة اليونان الوهمية البالية، ولرفعوا من شأن دينهم  ولا خالفوه فكرا وسلوكا.

 

وأما بالنسبة لأسباب سلبية هؤلاء وانهزاميتهم تجاه فلسفة اليونان، فهي كثيرة ومتداخلة، يبدو لي أن أهمها ثلاثة أسباب، أولها ضعف إيمانهم بدين الإسلام،  أوجد فيهم فراغا روحيا وانهزامية نفسية، ملأتهما فلسفة اليونان. وثانيها ضعف احتكامهم للكتاب والسنة حرمهم من الانتفاع بنورهما وعلمهما، وأوقعهم في الاعتماد على عقولهم القاصرة وحواسهم الناقصة، وعلى ظنونهم وأهوائهم من جهة، وعلى أوهام فلاسفة اليونان وضلالاتهم من جهة أخرى.

وثالثها تقليدهم وتعصبهم لفلاسفة اليونان عامة ولأرسطو وشيعته خاصة، فحرمهم ذلك استقلالية الفكر، وأبعدهم عن النقل الصحيح والعقل الصريح، وأضعف فيهم الشجاعة الأدبية والروح العلمية النقدية الهدمية  المبدعة، وأغرقهم في المتناقضات والانحرافات الفكرية والسلوكية.

 

وقد يتساءل بعض الناس فيقول: ألم يكن أهل السنة متعصبين على الفلاسفة عندما قاوموهم ؟، وألم يجنوا على العقل في تصديهم لهؤلاء وفلسفتهم ؟.

أولا إن السنيين انتصروا للحق ولم يتعصبوا للباطل، وقاوموا هؤلاء لأنهم كانوا يًمثلون خطرا على دين الإسلام وأمته، بما كانوا متلبسين به من ضلالات فكرية وانحرافات سلوكية. فالسنيون تعصبوا للحق، وهؤلاء تعصبوا للباطل، والحق أحق أن يُنصر ويُتبع.

وثانيا إن مما لاشك فيه أن في الفلسفة اليونانية  جانب عقلي صحيح في الطبيعيات والرياضيات وغيرها، وهذا أمر أقر به علماء أهل السنة[574]، لكنهم ذكروا أن جانبها الميتافيزيقي قد سيطر عليها وأفسدها ولطخها بشركياته وضلالاته، فأفسدت هي الأخرى العقل وصرفته عن مجاله الصحيح، وزجّت به في غيبيات وهمية، وملأته بالخرافات والضلالات والشبهات، وأبعدته عن المنطق الاستقرائي التجريبي، وأغرقته في الظنون والتجريدات في ظل المنطق الآرسطي العقيم؛ وبناء على ذلك يتبين لنا أن الفلسفة اليونانية هي التي أفسدت كثيرا من العقول وحمّلتها ما لا تُطيق، وأبعدتها عن مصدر الهداية الربانية خلال العصر الإسلامي.

 

وثالثا إن ما قام به أهل السنة، هو ليس حربا على العقل ولا تجنيا عليه ولا طعنا فيه ولا تقزيما له، وإنما هو إنقاذا له من الأهواء والانحرافات والضلالات، وانتصارا له وللحقيقة وللدين ضد الأساطير والظنون والشبهات والأهواء، وذلك أن العقل السليم والفلسفة الصحيحة هما اللذان يُوصلان الإنسان إلى عبادة ربه والخضوع له والالتزام بشريعته، وهذا قمة الفلسفة والعقلانية والموضوعية العلمية.

(ج) علماء آخرون شديدو التعصب لمذاهبهم:

إتماما لما ذكرناه عن العصب بين العلماء وإثراء له، أذكر هنا جماعة أخرى من أهل العلم كانوا شديدي التعصب لمذاهبهم، أولهم القاضي الحسن بن علي التنوخي البغدادي(ت 372ه)، كان حنفيا متعصبا شديد التعصب على الإمام الشافعي، ويطلق لسانه فيه[575]. وثانيهم المتكلم المعتزلي الوزير عميد الملك الكندري(ت456ه)، كان شديد التعصب على الشافعية، كثير الوقيعة في الشافعي، حتى أنه طلب من السلطان السلجوقي ألب أرسلان أن يسمح له بلعن الرافضة فأذن له، فأضاف إليهم الأشاعرة، وهم شافعية في معظمهم[576].

 

والثالث هو الفقيه الحنفي أبو عبد الله محمد البلاساغوني التركي(ت 506ه)، كان غاليا في التعصب للمذهب الحنفي، وكثير الوقيعة في المذهب الشافعي، وكان يقول: لو كان لي ولاية لأخذتُ الجزية من الشافعية[577]، فجعلهم بمرتبة أهل الذمة من اليهود والنصاري والمجوس!!.

والرابع هو أبو الحجاج يوسف بن دوناس القندلاوي المالكي المغربي (ت543ه)، كان شديد التعصب للمذهب الأشعري، وصاحب تحرق على الحنابلة[578].

والخامس هو الشاعر ابن منير (ت584ه)، كان شيعيا متعصبا يسب الشيخين أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما-. ويُروى أن السلطان نور الدين محمود(ت569ه) لما بلغه أن ابن منير هذا يسب الصحابة، قال له يوما: (( ما تقول في الشيخين ؟ فقال: مُدبران ساقطان سفلتان ))، فغضب نور الدين، وقال له: من هما ويلك ؟، فقال ابن منير: (( أنا والقيسران –شاعر منافس له-، فهدأ نور الدين وضحك[579].

والسادس هو الفقيه الشافعي أبو المظفر محمد بن محمد البروي (ت 567ه )، كان شديد التعصب على الحنابلة والتحامل عليهم، حتى أنه كان يقول: (( لو أن لي أمر لوضعتُ على الحنابلة الجزية ))، فجعلهم بمنزلة أهل الذمة!! وبسبب شدة تعصبه عليهم رُوي أن أحدهم دس إليه بعض جهلة الحنابلة من أهدى له شيئا فمات[580].

والسابع هو الفقيه الحنبلي محمد بن علي السلامي البغدادي (ت 610ه)، كان غاليا في التسنن متعصبا له، حتى أنه كانت تصدر منه أقول لا يلزمه التلفظ بها، كقوله: إن عليا شرب الخمر،  وإن بلالا خير من موسى بن جعفر الصادق ومن أبيه، فنفاه الوزير القمي الشيعي من بغداد إلى مدينة واسط –شمال بغداد-، وكان ناظرها شيعيا متعصبا غاليا في التشيع، فأخذه وطرحه في مطمورة إلى أن مات[581]. فهذا المثال نموذج للتعصب المتبادل والغلو فيه، فجاء تعصب الثالث أكبر من تعصب الأول والثاني.

 

والثامن هو المتكلم الشيعي نصير الدين الطوسي (ت 672ه)، دفه تعصبه إلى عدم التسوية بين المدرسين في مدرسته بمدينة مراغة بأذربيجان، فقرر لهم أجورا يومية كالآتي: ثلاثة دراهم للفيلسوف، ودرهمان للطبيب، ودرهم واحد للفقيه، ونصف درهم للمجدث. فهذه قسمة غير عادلة، وشاهدة على تعصب صاحبها على أهل الحديث أولا، وعلى الفقهاء ثانيا.

 

والتاسع هو الفقيه القاضي أمير كاتب بن عمر الحنفي (ت758ه)، كان شديد التعصب للحنفية مُعجبا بنفسه، متعصبا على مخالفيه عامة والشافعية خاصة، وقد سعى لدى رجال الدولة بمصر والشام إلى إتلافهم-أي الشافعية- فما أفلح في مسعاه[582].

وآخرهم-أي العاشر- الفقيه الحنفي محب الدين محمد بن محمد الدمقراني الهندي(ت 789ه)، كان شديد التعصب للمذهب الحنفي، ويتكلم في الإمام الشافعي ويقع فيه، ويرى أن طعنه فيه هو عبادة[583] !!.

وبذلك يتبين مما ذكرناه -في مبحثنا هذا- أن التعصب المذهبي كان متغلغلا بين مختلف طوائف العلماء المسلمين -على اختلاف مذاهبهم وتخصصاتهم – فأوصلهم إلى التنازع والتنابز، والتنافر والتناحر، وأوصل كثيرا منهم إلى الانحرافات الفكرية والسلوكية،  الأمر الذي أدى إلى تكريس التعصب المذهبي في المجتمعات الإسلامية، ونقله إلى عامة الناس وخاصتهم.

تاسعا: مِحَن أصابت العلماء بسبب التعصب:

لما أصبح التعصب المذهبي –خلال العصر الإسلامي- من القواعد الأساسية التي قامت عليها الحياة الاجتماعية والعلمية والسياسية، تعرّض كثير من العلماء لمحن وشدائد بسب ذلك التعصب، أذكر منها عشر حالات، أولها حالة الفقيه المتكلم إبراهيم بن عبد الله الزبيري القيرواني(ت 359ه)، فإنه عندما صنف كتاب الإمامة في الرد على الرافضة، تعصب عليه الحاكم العبيدي أبو القاسم بن عبيد الله المهدي وضربه 700 سوط، ثم سجنه أربعة أشهر[584].

 

والثانية حالة الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري(ت قرن:4ه)، فإنه لما كان متشيعا مظهرا لذلك، منحرفا مغاليا في معاوية بن أبي سفيان وآل بيته، تعصّب عليه الكرّامية بنيسابور، ومنعوه من الخروج إلى المسجد، وحصروه في داره، وكسروا منبره بالمسجد الذي يصلي فيه؛ فدخل عليه الصوفي أبو عبد الرحمن السلمي وقال له: لو خرجتَ و(( أمليتَ في هذا الرجل –أي معاوية- حديثا لاسترحتَ من المحنة ))، فقال له: (( لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي ))[585].

 

والحاكم هذا هو محسوب على أهل السنة، صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين، لكنه كان متشيعا مُتهما بالتعصب للرافضة، حتى أنه صحح أحاديث وضعها الشيعة، قال فيها ابن الجوزي: إما أنه كان يجهلها فلا يُعتمد عليه فيها، وإما أنه كان على علم بها، فيكون معاندا كذابا دساسا[586].

والحالة الثالثة تتعلق بمحنة الفقيه أبي محمد بن حزم الأندلسي (ت 456ه)، فنه لما اختلف مع فقهاء المالكية بالأندلس تعصّبوا عليه واجمعوا على تضليله، وشنّعوا عليه وحذّروا أكابرهم منه، ونهوا عوامهم من الاقتراب منه، واستعانوا عليه بأمراء البلد، وآذوه ومقتوه، وطردوه  وشردوه من وطنه، وأحرقوا كتبه ومزقزها علانية بإشبيلية، وجرت له معهم مصائب أخرى[587].

ولما أصابته تلك المحنة تعرّض بعض أصحابه أيضا للمطاردات والمضايقات، منهم: المحدث أبو عبد الله الحميدي الميورقي(ت 488ه)، فإنه كان من المتعصبين لابن حزم، فلما اشتد عليه الحال تعرّض هو أيضا لمحنة جعلته يترك بلاده ويلتحق بالمشرق هروبا من ذلك[588].

وبسبب مطاردة هؤلاء لابن حزم لم يُقبل أهل العلم –بالمغرب والأندلس- على مصنفاته، فأهملوها وأغفلوها وازدروها وحاصروها، حتى أصبح بيعها ممنوعا في الأسواق[589]. وأما لماذا حدث ذلك كله بينه وبين فقهاء المالكية ؟، فيبدو أن ذلك يعود إلى سببين رئيسيين، الأول هو أن ابن حزم كان مخالفا لهم في المذهب، فهو كان ظاهريا مجتهدا لا يُقلد أحدا، وهم كانوا مالكية مقلدين مذهبيين[590]. والثاني هو طول لسانه-أي ابن حزم- وكثرة اعتداده بنفسه، واستخفافه بكبار العلماء، ووقوعه في أئمة الاجتهاد بأقبح عبارة وأبشع رد، حتى قيل: سيف الحجاج ولا لسان ابن حزم. وكتبه شاهدة على ذلك، فهي مملوءة بالسب والشتم الاستخفاف بالمخالف، لذلك تألب عليه فقهاء المالكية واشتدوا في مطاردته.

 

والحالة الرابعة تتعلق بمحن الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي (ت 600ه)، فإنه تعرّض لعدة محن، منها إنه عندما قرأ يوما شيئا من أحاديث الصفات بالجامع الأموي بدمشق، تعصّب عليه جماعة من الأشاعرة واتهموه بالتجسيم، ورفعوا أمره إلى والي دمشق، وفي حضرته حاكموه، فأفتوا بكفره وقتله، وإخراجه من دمشق طريدا[591].

والمحنة الثانية أصابته بأصفهان، وذلك أنه عندما دخلها ورد على الحافظ أبي نُعيم الأصفهاني(ت 430ه) في بعض ما كتبه، وانتقده في 290 موضعا، تعصب عليه رئيس البلد أبو بكر الخُجندي الأشعري(590ه)- انتصارا لأبي نُعيم-  وطلبه ليقتله، فاختفى الحافظ وأخرجه أصحابه من أصفهان خُفية[592].

والمحنة الثالثة أصابته بمدينة الموصل، وذلك أنه لما حل بها وسمع كتاب الضعفاء للحافظ العُقيلي، تعصّب عليه الحنفية لأن إمامهم أبا حنيفة مذكور في الكتاب من بين الضعفاء، وسجنوه وأرادوا قتله، ثم فحصوا الكتاب فلم يحدوا إمامهم مذكورا فيه، لأن زميله كان قد أخفى القسم الذي فيه اسم أبي حنيفة، فأطلقوا صراحه لذلك[593].

 

والحالة الخامسة هي محنة الفقيه المالكي محمد بن زرقون (ت 622ه)، وذلك أنه لما أمر السلطان الموحدي يوسف بن يعقوب بعدم قراءة كُتب الفروع عامة والمالكية خاصة، استمر ابن زرقون في تدريس الفقه المالكي متحديا لأمر السلطان، فلما ظُفر به يُدرّس الفقه أُخذ للقتل صبرا (نحو سنة591ه)، ثم سُجن ولم يُقتل، فطال سجنه وأحرقت كتبه[594].

 

والحالة السادسة تتعلق بمحنة الأصولي المتكلم سيف الدين الآمدي الشافعي الأشعري(ق: 7ه)، فقد رُوي أنه لما كان بمصر واُشتهر بها بالعلم وقصده الطلبة، تعصب عليه جماعة من الفقهاء ونسبوه إلى فساد العقيدة وانحلال الطوية، وتعطيل الصفات على مذهب الفلاسفة، وكتبوا محضرا يتضمن ذلك، ووقعوا عليه بما يُستباح به دمه، فلما علم بذلك فرّ من مصر مستخفيا والتحق بمدينة حماة [595].

والحالة السابعة هي محنة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية(ت 728ه)، فإنه لما أظهر مذهب السلف في الصفات، وأفتى مجتهدا في مسائل فقهية كثيرة، وأظهر انتقاده الشديد للصوفية الاتحادية المنحرفين، تعصب عليه جماعة من الأشاعرة والفقهاء والصوفية، ورفعوا أمره إلى السلطان، وأفتي بعضهم بضلاله وكفره، وأدخلوه السجن عدة مرات، كان آخرها سنة 726 هجرية، فبقي مسجونا نحو عامين، ولم يتركوا –أي خُصومه- له دواة ولا قلما ولا ورقة، فبقي بعد ذلك أشهرا مُقبلا على العبادة حتى تُوفي في سجنه رحمه الله تعالى[596].

 

والحالة الثامنة محنة الفقيه الفقيه أحمد بن مري البعلي الحنبلي(ق: 8ه)، وذلك انه كان على منهج ابن تيمية في الأصول والفروع، ويتعصب لمسائله، فلما كان يوما بالقاهرة وخطب بأحد مساجدها وحط على الصوفية، ونصر بعض اجتهادات الشيخ ابن تيمية، تعصب عليه جماعة من الحاضرين وأرادوا قتله فهرب، فرفعوا أمره إلى القاضي المالكي تقي الدين الأخنائي، فعقد له مجلسا بين يدي السلطان المملوكي وأعوانه سنة 725 هجرية، وبعد اخذ ورد اتفقوا على ترك أمره للقاضي الأخنائي، فضربه ضربا مُبرحا حتى أدماه، ثم شهّر به على حمار أركبه عليه معكوسا ونُودي عليه، فكادت العامة أن تقتله، ثم أُعيد إلى السجن، وبعد فترة شُفع فيه، فأُخرج وسُفّر  من القاهرة إلى مدينة الخليل بفلسطين ومعه أهله[597].

 

وواضح من هذه الحادثة أن القاضي كان متعصبا تعصبا أعمى، جعله يتجاوز الحد في العقاب، إذا كان هذا الرجل يستحق العقاب فعلا، لأن الكلام الذي قاله لا يستحق العقاب أصلا، لأنه تكلّم في الصوفية المنحرفين وهو كلام صحيح، وأخذ برأي ابن تيمية في مسألة عدم جواز شد الرحال إلى قبر النبي –عليه الصلاة والسلام-، وهي مسألة خلافية بين العلماء، والأصح فيها ما ذهب إليه ابن تيمية وابن مري، لأن الحديث الصحيح يقول: (( لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى ))[598].

ومما يُؤيد ما قلناه عن تعصب القاضي المالكي على ابن مري، هو أن العامة جاءت إلى هذا القاضي نفسه برجل صوًب رأي ابن مري في عدم جواز التوسل بالأموات، وشهدوا عليه بذلك، لكنه –أي القاضي- لم يسمع لهم ودافع عن الرجل، فالح عليه الناس أن يفعل به بمثل ما فعل بابن مري فلم يفعل، فنسبوه إلى التعصب وقالوا فيه شعرا انتقدوه فيه[599].

والحالة الثامنة هي محنة الفقيه المحقق ابن قيم الجوزية (ت 751ه)، فإنه أُذي مرارا لأخذه بمذهب شيخه ابن تيمية وانتصاره له أصولا وفروعا، وسُجن معه-منفردا- في المرة الخيرة سنة 726 هجرية، بقلعة دمشق ولم يُفرج عنه إلا بعد موت شيخه سنة 728هجرية[600].

 

وآخرها –أي الحالة العاشرة- محنة الفقيه المجتهد محمد بن إسماعيل العلوي الصنعاني (ت 1182ه)، فإنه لما كان مجتهدا حرا لا يتقيد بأي مذهب، ويرد على المتمذهبين، ويحب أهل الحديث، ويهتم بتدريس كُتب الحديث السنية، اتهمه خُصومه –الشيعة- بالنصب –أي معاداة أهل البيت في زعمهم- رغم أنه علوي، وألبوا عليه العوام، واتهموه بمخالفة آل البت –في زعمهم- وإهمال مذهبهم، فجرّ عليه ذلك مِحن وخُطُوب مع هؤلاء المتعصبين عليه، لم يذكر الشوكاني تفاصيلها[601].

 

وختاما لهذا الفصل يتبين جليا أن التعصب المذهبي كانت مظاهره في الحياة العلمية كثيرة وعميقة –خلال العصر الإسلامي- أوصلت الطوائف الإسلامية إلى المبالغة والغلو في أئمتهم ومذاهبهم وعقائدهم، والتعمد في رواية الأكاذيب وتحريف الأخبار، والتضييق على كثير من العلماء وإذائهم، انتصارا لطوائفهم ومذاهبهم، وتعصبا على مُخالفيهم، فأصبح التعصب المذهبي الأرضية الأساسية التي قامت عليها الحياة العلمية بمؤسساتها وطلابها، وعلمائها وتراثها الفكري.

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

 

مظاهر التعصب المذهبي في الحياة السياسية

-خلال العصر الإسلامي-

 

 

أولا: تمذهب الدول الإسلامية وتعصبها لمذاهبها

 

ثانيا: تعصب الخلفاء والملوك والأمراء لمذاهبهم

 

ثالثا:تمذهب جهاز القضاء وتعصبه

 

رابعا: استخدام الطوائف المذهبية للسلطة خدمة لمذاهبها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مظاهر التعصب المذهبي في الحياة السياسية

-خلال العصر الإسلامي –

 

لما تمذهبت الدول الإسلامية-خلال العصر الإسلامي- بمذاهب أصولية وفروعية مختلفة، وتعصّبت لها، ظهر أثر ذلك جليا في كثير من سلوكيات رجالها، وفي بعض مؤسساتها، كما أنه مكن الطوائف المذهبية – المتنفّذة في تلك الدول- من خدمة مذاهبها والتعصب لها على حساب مخالفيها.

أولا: تمذهب الدول الإسلامية وتعصبها لمذاهبها:

كانت معظم الدول الإسلامية - التي شهدها العصر الإسلامي- متمذهبة متعصبة للمذاهب التي تبنتّها، مع اختلاف درجة التعصب من دولة لأخرى، فالدولة العباسية اتخذت الفقه المذهب الحنفي مذهبا رسميا لها وانتصرت له، لكنها في أصول الدين لم تتبن مذهبا معينا لها، وإنما كانت تنتصر للمذهب الذي يتبناه خليفة الوقت، ففي زمن الخليفة المأمون والمعتصم والواثق (198-232ه)، كانت –أي الدولة العباسية- متعصبة لمذهب المعتزلة تعصبا سافرا، اضطهدت من أجله معارضيها بلا شفقة[602].

وفي عهد الخليفتين القادر بالله (381-422ه) وابنه القائم بأمر الله ( 422-567ه)، كانت –أي الدولة العباسية- على مذهب الحنابلة وأهل الحديث في الأصول، فتعصّبت له وضيّقت على معارضيه[603]. ولكنها-أي الدولة العباسية- في زمن الوزير السلجوقي نظام الملك(ت 485ه) وبتأثير منه انتصرت للمذهب الأشعري وضيقت على خُصومه[604].

 

وأما الدولة العُبيدية الفاطمية –بالمغرب ومصر والشام- فكانت شيعية إسماعيلية المذهب، شديدة الانتصار له والتعصب على أهل السنة، فارتكبت في حقهم جرائم بشعة، ومنعتهم من رواية السنة النبوية، وسبّت الصحابة علانية، وأحيت الرفض وأماتت السنة، فكان ظاهرها الرفض –أي التشيع- وباطنها الضلال والانحلال، وفيها قال الحافظ شمس الدين الذهبي: (( قبّح الله دولة أماتت السنة ورواية الآثار النبوية، وأحيت الرفض والضلال، وبثت دعاتها في النواحي تغوي الناس ويدعونهم إلى نحلة الإسماعيلية، فبهم ضلّت جبلية الشام وتعثّروا ))[605].

وكذلك دولة القرامطة بالبحرين وما جاورها، فقد كانت إسماعيلية المذهب ظاهرها الرفض وباطنها الزندقة والإلحاد، شديدة التعصب على أهل السنة، حتى أنها قتلت منهم آلاف الأبرياء داخل الحرم المكي بلا ذنب ارتكبوه إلا أنهم من أهل السنة [606].

 

وأما الدولة البويهية (334-447ه)، فقد كانت شيعية زيدية المذهب، وتعصبت للاعتزال والرفض، وأظهرتهما علانية ودعمتهما، ووقفت بجانب الشيعة في صراعهم مع أهل السنة، وشجّعت سب الصحابة وتكفيرهم[607].

ومنها أيضا الدولة الأيوبية بمصر والشام واليمن (569-648ه)، تمذهبت في الأصول بالمذهب الأشعري، وفي الفروع بالمذهب الشافعي، وتعصبت لهما علانية، ومكّنت لهما في الدولة، وضيّقت على مخالفيها من الحنابلة وأهل الحديث[608].

وكذلك الدولة المملوكية بمصر والشام (648-923ه)، فقد سارت على نهج الدولة الأيوبية، في التمذهب بالأشعرية، وتعصبت لها تعصبا شديدا، حتى أنه كان من يجرؤ على مخالفتها علانية- زمن المؤرخ المقريزي(ت 855ه)- يكون مصيره القتل[609].

 

وأما دول المغرب الإسلامي، فمنها الدولتان الخارجيتان: المدرارية والرستمية، تمذهبت الأولى بالمذهب الصُفري، والثانية بالمذهب الإباضي، وكل منهما تعصب لمذهبه[610]. ومنها الدولة الزيرية، فإنها تمذهبت بالمذهب المالكي عندما انفصلت عن الدولة العبيدية الفاطمية نحو سنة 434ه، وانتصرت له انتصارا كبيرا، وفرضته على رعيتها، وتعصّبت على غيره من المذاهب[611].

ومنها أيضا الدولة المرابطية (453-541ه)، تمذهبت في الفروع بالمذهب المالكي، وتمذهبت في الأصول بمذهب السلف وأهل الحديث، وانتصرت لهما انتصارا كبيرا، وتعصبت على من يُخالفهما من المتكلمين، والفلاسفة، والصوفية[612].

ومنها الدولة الموحدية (441-668ه)، تمذهبت بالأشعرية في الأصول، وانتصرت لها انتصارا كبيرا، وتعصّبت على المالكية تعصبا زائدة، وحاربت التمذهب عامة، واشتدت في التعصب على خُصومهم المرابطين،  فكفّرتهم واستباحت دماءهم وأعراضهم[613].

ويتبين مما ذكرناه أن تمذهب تلك الدول وتعصبها لمذاهبها، كان هو الأرضية التي قام عليها التعصب المذهبي في الحياة السياسية أولا، وهي –أي الدول- التي غذته ورعته وشجعته ثانيا.

ثانيا: تعصب الخلفاء والملوك وأعوانهم لمذاهبهم:

انتشر التعصب المذهبي بين الخلفاء والملوك ورجالهم انتشارا واسعا –خلال العصر الإسلامي- فكانوا فيه طرفا فاعلا مؤثرا في رعايته ودعمه، وتكريسه في المجتمع، أذكر منهم ما يأتي:

فبخصوص الخلفاء العباسيين فمنهم المأمون (198-218ه)، وهو أول خليفة عباسي معتزلي متشيّع، انتصر للمعتزلة والشيعة في دولته، وتعصب على أهل السنة تعصبا مفرطا، وفرض عليهم القول بخلق القرآن بالقوة، وهدد من يُخالفه بالقتل والسجن والحرمان. وعندما حضرته الوفاة وصى أخاه المعتصم (218-227ه) بمواصله نهجه في مسألة خلق القرآن، فسار على ذلك المنهاج في امتحان رعيته بالقول بخلق القرآن، والتمكين للمعتزلة في دولته، وعلى نهجه سار خليفته أبو جعفر هارون الواثق ( 227-232ه)[614].

 

ومنهم أيضا الخليفة القادر بالله (381-422ه)، كان على مذهب الحنابلة وأهل الحديث في أصول الدين، فانتصر لهم وضيّق على مخالفيهم، وأعانهم في نزاعهم مع الشيعة. واستتاب المعتزلة من الاعتزال والرفض، ومن كل ما يُخالف الإسلام، وأخذ على ذلك توقيعاتهم، على أنهم إن خالفوا ذلك حلّ بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم.و أصدر أيضا رسالة عُرفت بالاعتقاد القادري، نصر فيه مذهب أهل السنة من الحنابلة وأهل الحديث، ورد فيه على المعتزلة والشيعة الأشاعرة، وقد وافق عليه-أي الاعتقاد- فقهاء بغداد وأعيانها في سنة420 هجرية [615].

 

وعلى نهجه سار ابنه الخليفة القائم بأمر الله (422-467ه)، فقد كان على مذهب الحنابلة وأصحاب الحديث في أصول الدين، وانتصر له وتعصب على مخالفيه، واخرج اعتقاد والده سنة 432 هجرية، انتصارا للقاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي (ت458ه )في نزاعه مع الأشاعرة في مسألة صفات الله تعالى.كما أنه –أي القائم- انتصر أيضا لأهل الحديث والحنابلة في نزاعهم مع الشيعة ببغداد في سنة 458 هجرية، وأصدر توقيعا نصّ فيه على لعن من يسب الصحابة ويُظهر البدع[616].

 

ومنهم أيضا الخليفة المقتدي بأمر الله (467-487 ه)، كان على مذهب أهل السنة أصولا وفروعا، وانتصر له وشدد على خُصومه، وفي سنة 479 هجرية أصدر توقيعا عنيفا وجهه لشيعة الكرخ ببغداد، حثهم فيه  على التأسي بأهل السنة في تولي الصحابة وذكر فضائلهم، وحذّرهم من عدم  موالاتهم، واستمرارهم عل جهالتهم وضلالتهم في موقفهم منهم-أي الصحابة- والتي استوجبوا بها النكال، واستحقوا بها عظيم الخزي والوبال[617].

وآخرهم – أي الخلفاء العباسيون- هو الناصر لدين الله ( 575-622ه )، كان متشيعا لمذهب الشيعة الاثنى عشرية، فمكن لهم في دولته، وسبوا الصحابة علانية تحت حمايته، وفي المقابل ضيق على أهل السنة.و في زمانه تمكن وزيره الشيعي ابن القصاب من إلحاق الأذى بابن الجوزي ونفيه إلى مدينة واسط[618].

 

وأما الحكام العُبيديون الفاطميون بالمغرب ومصر والشام، فقد كانوا متعصبين تعصبا أعمى لمذهبهم الإسماعيلي من جهة، وكانوا حربا على المذهب السني من جهة أخرى، فضيقوا على أهله وطاردوهم، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، حدث ذلك  في زمن كبيرهم عبيد الله المهدي (297-322ه)، وابنه أبي القاسم محمد القائم (322-334ه)، والعزيز بالله نزار بن المعز (365-386ه)، وأبي تميم المستنصر (427-487ه)[619]

 

وفيما يخص الملوك والسلاطين المتعصببين، فمنهم الملك محمود بن سبكتكين (ت 421ه)، كان حنفيا ثم تحوّل إلى المذهب الشافعي، قأحدث بذلك تعصبا بين الحنفية والشافعية. كما أنه كان في الأصول على مذهب أهل الحديث محبا لأهله ومنتصرا له، سيرا على طريقة الخليفة العباسي القادر بالله في انتصاره للسنة وقمعه لمخالفيها، ففي سنة 409 هجرية لٌعنت الرافضة والقرامطة، والمشبّهة والمعتزلة، والجهمية على المنابر وهددهم بالقتل[620].

وثانيهم السلطان صلاح الدين الأيوبي( ت 589ه)، فقد كان شافعي الفروع أشعري الأصول، وانتصر لهذين المذهبين انتصارا كبيرا علانية وتعصب لهما على حساب مذاهب الطوائف الأخرى، فأعطى القضاء للشافعية في دولته، ومكّن للأشعرية في مملكته، وعلى نهجه سار أولاده من بعده في التمكين للأشعرية التي حرص على تربيتهم عليها[621].

والثالث هو السلطان العزيز بن صلاح الدين الأيوبي (ت 595ه)، كان على طريقة والده في الانتصار للشافعية والأشعرية، ولما سمع بما حدث من خلاف بين جماعة من الأشاعرة والحافظ عبد الغني الحنبلي المقدسي (ت 600ه) في مسألة صفات الله تعالى قال إنه إذا رجع من سفرته هذه –خرج للصيد- فإنه سيُخرج الحنابلة ومن قال بمقالتهم، من مصر والشام، لكن الموت لم يُمهله ليعود إلى القاهرة، فقد قتله فرسه عندما رماه ووقع عليه وخسف صدره[622]. وتصرّفه هذا غريب جدا، لا حكمة فيه، ولا يمت بصلة لسياسة الحكم الرشيد، ويبدو إنه كان واقعا تحت تأثير طائفة من خصوم الحنابلة وأهل الحديث المتعصبين الذين حرّضوه عليهم.

 

والرابع هو الملك قطب الدين محمد بن الملك صاحب سنجار الزنكي(ت بعد:594ه)، كان حنفيا شديد التعصب على الشافعية كثير الذم لهم، فمن تعصّبه عليهم أنه بنى مدرسة للحنفية بمدينة سنجار واشترط على أن يكون النظر فيها للحنفية من أولاده دون الحنفية منهم، وأن يكون بواب المدرسة وفراشها على المذهب الحنفي[623].

والملك الخامس هو شرف الدين عيسى بن العادل الأيوبي (ت624ه)، كان فقيها أديبا شديد التعصب للمذهب الحنفي، ولم يكن في بني أيوب حنفي قبله سواه، وقد تبعه أبناؤه في تبنيهم للمذهب الحنفي[624].

والسادس هو ملك المغول خربندا محمد بن أرغون بن هولاكو (ت 716ه)، تمذهب أولا بالمذهب السني لمدة عام، ثم تحوّل إلى المذهب الرافضي-أي الشيعي- وتعصّب له تعصبا شديدا، فأقام شعائره وشجّعه على حساب المذهب السني، وتسبب في حدوث فتن وشرور كثيرة بين الشيعة والسنة بالعراق وبلاد فارس وخُراسان؛ فلما مات وخلفه ابنه أبو سعيد تغير حال أهل السنة، لأنه كان على مذهبهم، فأمر بإقامة الخطبة بالترضي على الشيخين أبي بكر وعمر أولا، ثم عثمان وعلي ثانيا –رضي الله عنهم أجمعين- ففرح أهل السنة بذلك، وتوقفت الفتن التي أثارها والده خربندا[625].

وآخرهم –أي الثامن[626]- هو ملك مصر والشام الظاهر سيف الدين ططر المملوكي(ت824ه)، كان شديد التعصب لمذهب أبي حنيفة النعمان، حتى أنه كان يريد أن لا يدع أحدا من فقهاء المذاهب الأخرى إلا فقهاء الحنفية[627].

وأما لوزراء المتعصبون لمذاهبهم، فمنهم الوزير السلجوقي نظام الملك (ت 485ه)، كان كثير التعصب للشافعية، ومكّن لهم في دولته. وقد اتهمه بعض الحنفية بأنه كان يولي الحنفية القضاء، ويُسند المدارس للشافعية لكي يتفرغون لطلب العلم والاشتغال به فيكثر فقهاؤهم؛ وينشغل الحنفية بالقضاء فيقل اشتغالهم بالفقه فيتعطلون[628].

 

كما أنه-أي نظام الملك- دعّم الشافعية الأشاعرة دعما كبيرا، فرفع عنهم المحنة التي فرضها       عليهم الوزير السلجوقي عميد الملك الكندري المعتزلي  في سنة 445هجرية. ومنع من سبهم ولعنهم، وأدّب من فعل ذلك.و دعمهم ماديا ومعنويا حين بنى لهم المدارس، وأجرى عليهم الأرزاق، وشجّعهم على نشر الأشعرية، وأطلق يدهم في دولته،  حتى عظُم أمرهم في البلاد، وانتقموا من الحنابلة وأهل الحديث، وتطاولوا عليهم تتطاول السلاطين، واستعدوا عليهم بالسجن والأذي والسعايات، ونبزوهم بالتجسيم[629].

 

وهو –أي نظام الملك- الذي أرسل ابن القشيري إلى بغداد سنة 469 هجرية، فأحدث فتنة كبيرة قُتل فيها خلق كثير من الناس، فلما أحدث ذلك استدعاه إليه، فلما التحق به  أكرمه وعظّمه، وجهّزه وأرسله إلي بلده نيسابور[630]. وسلوكه هذا مع ابن القشيري غريب جدا، لأن هذا الرجل ظالم وفتان، ومعتد ومجرم، ذهب إلى بلد غير بلده، وسب معظم أهله، واتهمهم بالتشبيه، وتسبب في حدوث فتنة قُتل فيها نحو عشرين شخصا، فالواجب على الوزير أن يُعاتبه ويُحذّره، ويُوبخه ويُعاقبه، لا أن يُكرمه ويُعظمه ويُكافئه، فهو –أي الوزير- بسلوكه هذا قد شارك في فتنة ابن القشيري، وشجّع أشاعرة آخرين على القيام بنفس ما قام به ابن القشيري، انتصارا للمذهب وتعصبا على خُصومه.

 

وأرسل أيضا الواعظ أبا بكر البكري المغربي الأشعري إلى بغداد سنة 475 هجرية، ومعه كتاب للتدريس في المدرسة النظامية – بناها الوزير- والتكلم بمذهب الأشعرية، فلما حلّ ببغداد أحدث فتنة بين الأشاعرة والحنابلة[631].  فهو- أي نظام الملك- قد أرسله ليُظهر مذهبه الأشعري، وهو يعلم أن الحنابلة وأهل الحديث لا يسمحون له بذلك، وقد سبق  أن تصادموا من قبل مع ابن القشيري، فسلوكه هذا دليل على تعمده لإحداث تلك الفتنة-و غيرها- انتصارا لمذهبه وتعصبا على معارضيه.

والوزير الثاني هو عون الدين بن هُبيرة البغدادي الحنبلي (ت 560ه)، كان حنبليا على مذهب أصحاب الحديث في أصول الدين، انتصر لهم مدة وزارته، ومكن لهم في الدولة العباسية، ونشر فكرهم، لكنه لم يكن فيه تعص سافر[632] كحال نظام الملك في تعصبه للشافعية والأشعرية.

والثالث هو الوزير الخوارزمي مسعود بن علي(ت 596ه)، كان شافعيا متعصبا،  بنى للشافعية  المدارس، وأنشأ لهم جامعا بمدينة مرو بناه مقابلا لجامع الحنفية، فتعصب عليه الحنفية وأحرقوه، فحدثت فتنة كبيرة بين الطائفتين [633].

وآخرهم-أي الرابع- هو وزير عباسي[634] تولى الوزارة زمن الخليفة العباسي المستعصم بالله (640-656ه)، فعندما بنى الخليفة مسجدا جديدا ببغداد وكلّف وزيره الشافعي بجمع القراء لاختيار إمام له، كان من بين هؤلاء القراء: أبو محمد عبد الصمد بن أحمد البغدادي (ت676ه)، فعرض عليه الوزير أن يترك مذهبه الحنبلي وينتقل إلى المذهب الشافعي، لكي يُعينه إماما للمسجد الجديد، فأبى عبد الصمد، فقال له الوزير: أليس مذهب الشافعي حسنا ؟، قال: بلى، لكن مذهبي ما علمتُ فيه عيبا أتركه لأجله. فسمع به الخليفة فأعجبه رده، فجعله إماما للمسجد[635].

 

فالوزير الشافعي لما كلّفه الخليفة بمهمة جمع القراء لاختيار منهم إمام للمسجد، تحرّكت فيه عصبيته المذهبية مستغلا في ذلك منصبه كوزير، ورغبه ذلك الرجل الحنبلي في تولي إمامة المسجد، فعرض عليه تغيير مذهبه الحنبلي والالتحاق بالشافعية، كشرط ليُعينه إماما، لكنه اخفق في مسعاه.

 

وأما الأعوان المتعصبون-من الأمراء والخدم والمسؤولين- فمنهم رئيس الرؤساء ابن المسلمة البغدادي( 450ه)، فقد كان شديد التعصب على الشيعة كثير الأذية لهم، فعندما زالت دولة بني بويه سنة 447 هجرية، قمعهم وأمر بقتل شيخهم الرافضي السباب: ابن الجلاب. لكنهم انتقموا منه عندما دخلت جيوش العبيديين الفاطميين بغداد سنة 250 هجرية، فإنهم تقووا بإخوانهم، وتمكنوا من ابن المسلمة وعذّبوه شر عذاب حتى مات انتقاما منه وتعصبا عليه، وكان آخر كلامه: (( الحمد لله الذي أحياني سعيدا، وأماتني شهيدا ))[636].

والثاني هو أمير عُبيدي[637] كان واليا على دمشق، كان شيعيا متعصبا لمذهبه، وشديد التعصب على أهل السنة، فلما حلّ الحافظ الخطيب البغدادي ( 463ه) بدمشق ونشر بها السنة النبوية، سعى الأمير إلى قتله، وكلّف صاحب الشرطة بذلك، فلم يُفلح في مكره، لأن صاحب الشرطة كان سنيا وتحايل في إنقاذه[638].

والثالث هو مرجان (ت 560) خادم الخليفة العباسي أبي المُظفّر المستنجد (555-566ه )، فقد كان شافعيا شديد التعصب لمذهبه، ومتعصبا على الحنابلة شديد الكره لهم، ويُعادي الوزير الحنبلي  عون الدين بن هبيرة والمؤرخ ابن الجوزي معاداة شديدة، وكان يقول لابن الجوزي: (( مقصودي قلع مذهبكم، وقطع ذكركم ))، فلما مات ابن هبيرة سنة 560 هجرية، نزع مرجان مقام الحنابلة من الحرم المكي تعصبا عليهم، من دون إذن من الخليفة العباسي المستنجد. ثم ضيّق على ابن الجوزي حتى خافه، وسعى به إلى الخليفة ليُوقع به، حتى قال ابن الجوزي إنه التجأ إلى الله تعالى يدعوا عليه ليُذهب عنه شره، فمات –أي مرجان- بعد مدة قصيرة، ففرح-أي ابن الجوزي- بذلك فرحا شديدا[639].

والرابع هو رئيس مدينة أصفهان: أبو بكر الخُجنّدي (ت 590ه )، كان أشعريا متعصبا للحافظ أبي نُعيم الأصفهاني (ت430ه)، فلما جاء الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي إلى أصفهان وردّ على أبي نُعيم  واظهر أخطاءه في بعض كتبه، تعصب عليه الخُجنّدي وطلبه ليقتله، فاختفى عبد الغني وخرج من المدينة خُفية[640].

 

والخامس هو أبو بكر بن الخليفة المستعصم بالله (ت 656ه)، إنه لما حدثت فتنة بين السنة والشيعة سنة 655 هجرية ببغداد، انتصر لأهل السنة ودعمهم بالعساكر، ويُروى أنه تعصب على الشيعة تعصبا زائدا، فسلّط عليهم العساكر الذين هتكوا النساء وركبوا منهن الفواحش[641].

وآخرهم –أي السادس- هو الأمير المملوكي يلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري(ت 768ه)، كان شديد التعصب للحنفية حتى أنه (( كان يُعطي لمن يتمذهب لأبي حنيفة العطاء الجزيل، ورتب لهم الجامكيات –العطاءات- الزائدة، فتحوّل جمع من الشافعية لأجل الدنيا حنفية ))[642].

 

ومن مظاهر تعصب هؤلاء أيضا-أي الخلفاء والملوك وأعوانهم- بناؤهم المدارس للطوائف التي يتمذهبون بمذاهبها، والشواهد على ذلك كثيرة جدا، منها أن الوزير السلجوقي نظام الملك(ت 485ه) بنى مدارس للشافعية، وبني السلطان صلاح الدين الأيوبي(ت589ه) مدارس للشافعية والمالكية والحنفية، وبني السلطان نور الدين محمود(ت569ه) مدارس للحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية، وبنى كل من الوزير عون الدين بن هبيرة (ت قرن: 6ه)، وزوجة الخليفة المستضيء السيدة بنفشة (ت 558ه) مدرسة للحنابلة[643].

 

وختاما لمبحثنا هذا أشير هنا إلى أمرين هامين، الأول هو أن تعصب الخلفاء والملوك وأعوانهم كان له الأثر السلبي الكبير في تكريس الطائفية والتعصب والحفاظ عليهما وتشجيعهما، الأمر الذي ساهم في دفع الطوائف المذهبية إلى النزاعات والمصادمات.

 

وثانيهما هو أنه ليس كل الخلفاء والملوك وأعوانهم كانوا متعصبين لمذاهبهم تعصبا أعمى، فإن بعضهم سعى للتخفيف من التعصب واحتوائه ؛ وبعضهم لم يكن يُظهر تعصبه السافر لمذهبه على حساب الطوائف الأخرى، فمن ذلك ما فعله عميد الجيوش السني الحسين بن أبي جعفر البغدادي، فإنه منع الشيعة ببغداد من عمل عزاء الحسين يوم عاشوراء في سنة 393 هجرية، ثم بعد أيام منع جهلة أهل السنة بباب البصرة وباب الشعير من النوح على مصعب بن الزبير، فالتزم الفريقان بالمنع[644].

والثاني هو الخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المقتفي (530- 555ه)، فعندما رفض الحنابلة  دفن أحد أعيان الشافعية بمقبرة الإمام أحمد ببغداد، لأنه شافعي وليس حنبليا، تدخل الخليفة وأوقف الفتنة، ودُفن الرجل بتلك المقبرة[645].

والثالث هو السلطان نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي (ت 569ه)، كان حنفي الفروع بلا تعصب في تعامله مع الطوائف السنية، لكنه فضل بعضها على بعض في بناء المدارس، وانتصر لها على حساب الشيعة[646].

 

والرابع هو الملك غياث الدين محمد بن سالم الغوري الغزنوي(ت 599ه )، كان شافعي المذهب يميل للشافعية، وبنى لهم مدارس ومساجد بخراسان، ولم يكن فيه تعصب أعمى على المذاهب الأخرى. وذكر المؤرخ ابن الأثير أن هذا الملك كان يقول: (( التعصب في المذاهب من الملك قبيح ))، ثم قال ابن الأثير: إنه –أي الملك- مع ميله للشافعية لم يُطمعهم في غيرهم، ولا أعطاهم ما ليس لهم[647].

وآخرهم –أي الخامس- هو السلطان المملوكي الأشرف برسباي (825-841ه)، فإنه عندما حدثت فتنة بين الأشاعرة والحنابلة بدمشق سنة 835 هجرية، ووصل أمرها إليه، أصدر مرسوما نص على أن لا يعترض أي طرف على مذهب الآخر، فسكن الأمر[648].

ويُلاحظ على هؤلاء أن تصرفاتهم كانت للتخفيف والاحتواء والتهدئة، استدعتها سياسة الملك ولم تكن تهدف إلى وضع حد نهائي للتعصب المذهبي، لأن هذا التعصب لم يكن من السهل القضاء عليه، ولأنهم هم أنفسهم – أي الخلفاء والملوك-كانوا متمذهبين فيهم تعصب لمذاهبهم.

ثالثا: تمذهب جهاز القضاء وتعصبه:

يُعد القضاء جهازا من أجهزة الدولة، ومظهرا من مظاهرها السياسية، يتولى الخليفة أو الملك  تعيين القضاة وعزلهم. وقد أصبح -أي القضاء – متمذهبا فيه كثير من العصب، بحكم تمذهب الدول الإسلامية ورجالها –خلال العصر الإسلامي- وتعصبهم لمذاهبهم، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة، منها إن القضاء في الدولة العباسية كان- في الغالب الأعم- بأيدي الحنفية، فلما حاول شيخ الشافعية أبو حامد الإسفراييني  (ت 406ه) تحويله –أي القضاء- إلى الشافعية سنة 393هجرية عن طريق التأثير في الخليفة القادر بالله، حدثت فتنة بين الحنفية والشافعية[649].

وواضح من ذلك أن تمذهب الدولة العباسية بمذهب الحنفية يعني أنه على الطوائف الأخرى الاحتكام إلى مذهب الحنفية في معاملاتها بحكم أنه مذهب الدولة الرسمي، وهذا الوضع أوجد ردود فعل معارضة لدى باقي الطوائف، التي هي بدورها تريد أن تتعامل بمذهبها وتتعصب له، وتتطلع لأن يكون هو مذهب الدولة الرسمي، مما يعني أن ما فعله العباسيون في تعاملهم مع المذاهب الفقهية لم يكن صوابا ولا حكيما.

والشاهد الثاني هو أن الدولة الأيوبية (569-648ه) جعلت القضاء بيد الشافعية ومكنتهم في دولتها[650]. ثم تغير الحال في دولة المماليك ( 648-923ه)، ففي سنة 663 هجرية أمر السلطان الظاهر بيبرس بتعيين أربع قضاة بمصر يمثلون المذاهب السنية الأربعة، ثم طُبق نفس الأمر بالشام في سنة 664 هجرية[651]. وبذلك كُرس التعصب والتفرق المذهبيين باسم القانون، وأصبحت الدولة تحتكم إلى أربعة مذاهب تختلف أحكامها في كثير من المسائل، فكان تصرّفها هذا هو أيضا ليس صوابا وحكيما[652].

والشاهد الثالث يتعلق بالقاضي الحنفي محمد بن موسى البلاساغوني التركي(ت 506ه )، فإنه عندما كان قاضيا على دمشق استغل نفوذه في الدولة وأخذ محراب الشافعية بالجامع الأموي وأعطاه للحنفية، وجعل الإمامة لهم، فثار عليه العوام فلم يلتفت إليهم، وبقي المحراب بأيدي الحنفية إلى أن ملك السلطان صلاح الدين دمشق، فنزعه منهم وأعاده للشافعية سنة 570 هجرية[653].

 

والشاهد الرابع يخص القاضي المالكي ابن مخلوف، إنه عندما اعترض الأشاعرة على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة صفات الله تعالى ورفعوا أمره إلى القضاء، حكم عليه ابن مخلوف بالكفر والسجن[654]. فكان هذا القاضي أشد القضاة الأربعة تعصبا وانحرافا على ابن تيمية، لذا وصفه المحقق محمد بن علي الشوكاني بأنه كان: جاهلا غبيا من الشياطين المتجرئين على سفك دماء المسلمين بمجرد الأكاذيب، وناهيك بقوله: (( إن هذا الإمام –أي ابن تيمية-  قد استحق القتل،  وثَبُت لديه كفره، ولا يُساوي شعرة من شعراته، بل لا يصلح أن يكون شسعا لنعله ))، وقد كان هذا (( القاضي الشيطان يتطلب الفرص التي يتوصل بها إلى إراقة دم هذا الإمام، فحجبه الله عنه، وحال بينه وبينه، والحمد لله رب العالمين ))[655]. فهذا القاضي أعماه تعصبه المذهبي حتى جعله يُكفر الشيخ تقي الدين ابن تيمية ويُفتي بإباحة دمه، مُستغلا في ذلك نفوذه في الدولة كقاض، رغم أن الشيخ عالم جليل مشهود له بالتقوى والصلاح والجهاد بالسيف والقلم.

 

والشاهد الخامس يتعلق بما حدث للفقيه احمد بن مري البعلي الحنبلي(ت ق:8ه ) على يد القاضي المالكي تقي الدين الأخنائي سنة 725 هجرية، فإنه –أي ابن مري- لما أظهر انتصاره لآراء شيخه ابن تيمية، واُتهم بالحط على الصوفية والعصب لشيخه، ورُفع أمره إلى القاضي الأخنائي، تعصب عليه وبالغ في عقابه، فضربه صربا مُبرحا حتى أدماه، وشهّر به بين الناس، فكادت العامة أن تقتله، ثم سجنه، وبعد مدة شُفع فيه فأخرجه ورحّله من القاهرة إلى الخليل بفلسطين[656].

والشاهد الأخير –أي السادس- يتعلق بتعصب القاضي الشهاب بن الزهري الدمشقي وتهوّره في تصرّفه مع الفقيه محمد بن خليل الحريري الدمشقي(ت 785ه)، فلما بلغه أن الحريري أفتى برأي ابن تيمية في الطلاق، وقوله أن الله في السماء، طلبه وضربه بالدرة، وطوّف به على أبواب دور القضاة، ثم اعتذر له وقال له: أخطأتُ فيك عندما قيل لي: إن فلانا الحريري قال كيت وكيت[657].

 

وأشير هنا إلى أن الفقيه المحقق محمد بن علي الشوكاني (1250ه)قد انتقد قضاة المالكية المتعصبين انتقادا لاذعا، وقال: ((  وقد امتحن الله تلك الديار –أي المصرية والشامية- بقضاة من المالكية يتجرؤون على سفك الدماء، بما لا يحل به أدنى تعزير، فأراقوا دماء جماعة من أهل العلم جهالة وضلالة وجرأة على الله، ومخالفة لشريعة رسول الله، وتلاعبا بدينه، بمجرد نُصوص فقهية، واستنباطات فروعية ليس عليها أثارة من علم، فإنا لله وإنا إليه راجعون ))[658].

 

وبذلك يتبين مما ذكرناه أن تمذهب جهاز القضاء في الدول الإسلامية-خلال التاريخ الإسلامي- زاد في انتشار التعصب المذهبي وكرّسه، ومكّن كثيرا من القضاة المتعصبين من استغلال نفوذهم في الدولة لخدمة مذاهبهم، والتعصب على خُصومهم.

ثالثا: استخدام الطوائف المذهبية للسلطة خدمة لمذاهبها:

لما كانت الدول الإسلامية متمذهبة ومتعصبة لمذاهبها –خلال العصر الإسلامي- استغلت الطوائف المذهبية ذلك الوضع لخدمة مذاهبها والتعصب على معارضيها، فكانت كل طائفة – في الغالب- تصل إلى السلطة، أو لها فيها نفوذ قوي، إلا وسعت  إلى تحقيق مكاسب مذهبية على حساب معارضيها من الطوائف الأخرى.

فبالنسبة للمعتزلة، فقد استغلوا وجودهم في السلطة لخدمة مذهبهم والتعصب على مخالفيهم، من ذلك ما فعله الخليفة المعتزلي المأمون بن هارون الرشيد (198-218ه )، فإنه مكّن للمعتزلة في دولته، وفرض رأيهم على الناس في القول بخلق القرآن، مستخدما في ذلك الترغيب والترهيب معا، وجعل من لم يقل برأيهم كافرا ملحدا، وهدد جماعة من العلماء بالقتل إن هم لم يقولوا بخلق القرآن[659].

ومنهم أيضا الخليفة المعتزلي المعتصم ( 218-227ه)، سار على نهج أخيه المأمون -كان قد أوصاه بذلك – فانتصر للمعتزلة، وواصل امتحان أهل السنة بالقول بخلق القرآن، وأرسل إلى واليه بمصر يأمره بامتحان أهلها بذلك، فنالت علماء مصر محنة عظيمة، وضُرب  كثير  منهم بالسياط، كمحمد بن عبد الحكم، وأبي إسحاق الفريقي، وأبي جعفر الإيلي[660].

 

وكذلك الخليفة الواثق (227-232ه)، فقد كان على رأي المعتزلة في مسالة خلق القرآن، وسار على نهج سابقيه في ذلك، فامتحن رعيته ببغداد، وأرسل إلى ولاته يأمرهم بذلك، وكان قاضيه على مصر: أبو بكر الأصم، قد اشتد في امتحان الناس بالقول بخلق القرآن، وملأ السجون من المعارضين له، وأمر بكتابة: القرآن مخلوق، على أبواب المساجد[661].

ورابعهم شيخ المعتزلة قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد البغدادي(ت 240ه)، هو رأس الاعتزال في زمانه، وكان له نفوذ قوي على المأمون والمعتصم والواثق، تولى قضاء القضاة زمن هذين الأخيرين، وهو الذي حرّض هؤلاء الخلفاء على امتحان رعيتهم بالقول بخلق القرآن، وأن الله تعالى لا يُرى يوم القيامة، وهو الذي شغّب على الإمام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله. وهو الذي قال في أحمد بن نصر –عندما عارض الواثق- : (( هو كافر يُستتاب، لعل به عاهة، أو نقص عقل يا أمير المؤمنين ))، فنهض الواثق وطعن ابن نصر بالسيف وجَزّ رأسه، وأمر بتعليقه بالجانب الشرقي من بغداد[662].

والخامس هو الأمير عضد الدولة البويهي (ت 372ه )، جمع بين الاعتزال والتشيع، وأظهرهما في دولته وشجعهما، فكانا طافحين في زمانه خاصة، وفي عهد بني بويه عامة[663].

 

وآخرهم –أي السادس- هو الوزير السلجوقي عميد الملك الكندر المعتزلي(ت 456ه)، استغل نفوذه في الدولة لقمع مخالفيه والتعصب عليهم، وكان شديد التعصب على الشافعية، كثير الوقيعة في إمامهم –أي الشافعي-.و هو الذي تسبب في محنة الشافعية الأشاعرة المشهورة، وذلك أنه طلب من السلطان السلجوقي بأن يأذن له بلعن الرافضة على منابر خُراسان فأذن له بلعنهم، ثم ألحق بهم الأشاعرة لتعصبه الشديد عليهم، فمننعهم من الوعظ والخِطابة، ولعنهم في صلوات الجُمع، فأصابت الأشاعرة محنة وحدثت فتنة كبيرة بأصفهان، ولم تُرفع عنهم المحنة إلا بعزل الكندري ومجيء نظام الملك الشافعي الأشعري إلى الوزارة[664].

 

وقد عانى كثير من العلماء من تعصب المعتزلة الأعمى-عندما كانوا في السلطة-، فضيقوا على بعضهم، وسجنوا آخرين، وعذّبوا يعضهم الآخر، ومات آخرون على يدهم، منهم: نُعيم بن حماد، وأحمد بن حنبل، ويعقوب بن يحيى البويطي، وهؤلاء سًجنوا عندما رفضوا القول بخلق القرآن، مات منهم نُعيم ويعقوب في السجن، وبقي أحمد مسجونا أكثر من عامين، ثم أفرج عنه المعتصم بعدما ناظره وعذّبه[665].

ومنهم أيضا أحمد بن نصر الخزاعي قتله الواثق بيده، ومثّل به، وعلّق رأسه بالجانب الشرقي من بغداد.و مهم: محمد بن عبد الحكم، وأبو إسحاق الفريقي، وأبو جعفر الإيلي، ويحيى بن بكير، وقد امتحنهم والي مصر وضربهم بالسياط، فلم يستجيبوا له[666].

 

وهناك طائفة أخرى من العلماء رفضوا القول بخلق القرآن، فلما هددهم المعتزلة بالقتل قالوا بخلق القرآن خوفا من القتل لا اعتقادا بذلك، منهم: الحافظ يحيى بن معين البغدادي[667]، وأبو مًسهر عبد الأعلى الدمشقي، الذي لما رفض القول بخلق القرآن حُمل إلى الخليفة المأمون –كان خارج بغداد-، فلما وقف بين يديه أخذ المأمون السيف ليقتله، فخاف أبو مُسهر وقال بخلق القرآن، فتركه وأرسله إلى بغداد، فلما وصلها سُجن، ولم يلبث إلا يسيرا ومات[668].

 

وأما أهل السنة فهم أيضا استغلوا السلطة للانتصار لمذهبهم والتضييق على مخالفيهم من جهة، واستخدموها أيضا في الانتصار لمذاهبهم والتعصب على بعضهم بعض من جهة ثانية. فبخًصوص انتصارهم لمذهبهم والتضييق على مخالفيهم، فإنهم عندما رفع عنهم الخليفة المتوكل (227-247ه) محنة خلق القرآن، طاردوا المعتزلة، ونبذوهم، وآذوهم، وحالوا بينهم وبين تكوين جماعة قوية منظمة ذات تأييد شعبي ونشاط مذهبي واسع ببغداد، حتى أن السلطة العباسية أمرت بمنع بيع كًتب المعتزلة وتداولها، وكان ذلك في سنة279 هجرية[669]  في سنة 408 هجرية  جمعهم الخليفة القادر بالله واستتابهم من الاعتزال والرفض، ومن كل ما يُعارض دين الإسلام، فأعلنوا توبتهم، ووقعوا على ذلك بخطوطهم، وحذّرهم من العودة إلى ما كانوا عليه[670].

 

وعندما زالت دولة بني بويه الشيعية وجاءت محلها الدولة السلجوقية السنية، تغير حال أهل السنة ببغداد وترجّت كفتهم على الشيعة -الذين فقدوا دعم بني بويه -  فلما زالت دولتهم أمر الوزير السني أبو القاسم بن المسلمة بنصب أعلام سود- شعار العباسيين- بحي الكرخ رغم انزعاج الشيعة. وأمرهم أيضا بترك الأذان بحيى على خير العمل، وأن يقول مؤذنهم في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، يردد ذلك مرتين. وأجبرهم على إزالة ما كتبوه على المساجد: محمد وعلي خير البشر، وقتل شيخهم ابن الجلاب لغلوّه في التشيع. وفي هذا الظرف نظّم أهل السنة بحي البصرة مسيرة انطلقت من حيهم إلى حي الكرخ الشيعي، وهم يُنشدون قصائد في مدح الصحابة[671].

 

وأما بالنسبة للسنيين فيما بينهم، فكل طائفة منهم كان لها نفوذ سياسي في السلطة استغلته لنصرة مذهبها والتضييق على مخالفيها، فمن ذلك أن بعض أهل الحديث استغل نفوذه في دولة الخليفة المعتمد على الله ( 256-279ه)، وضيّق على الصوفية بالمطاردة والتشنيع عليهم، واتهمهم أفرادا وجماعات بالزنا والزندقة، ورفع أمر بعضهم إلى الخليفة المعتمد بتهمة المروق عن الدين، فأحالهم إلى قاضي القضاة، فاستمع لهم وناقشهم وعفا عنهم في النهاية[672].

 

ومن ذلك أيضا استغلال الحنابلة وأهل الحديث لنفوذهم في الدولة العباسية زمن الخليفتين القادر بالله(381-422ه) وابنه القائم بأمر لله(422-467ه)، فضيقوا على الأشاعرة وطاردوهم ببغداد واستطالوا عليهم[673]. وبتأثير منهم انتصر الخليفة القائم للقاضي أبي يعلى الفراء في نزاعه مع الأشاعرة في مسألة صفات الله تعالى، وأصدر الاعتقاد القادري دعما له في سنة432 هجرية، وعندما تجدد النزاع بينهما تدخل –أي الخليفة- ثانية وعقد لهما اجتماعا حضره علماء بغداد وأعيانها، تمّ فيه الانتصار للقاضي أبي يعلى فيما دوّنه في كتابه إبطال التأويلات، وتظاهر الأشاعرة بالموافقة والقبول[674].

وأما الأشاعرة، فهم أيضا استعلوا نفوذهم السياسي لخدمة مذهبهم والتعصب على الحنابلة وأهل الحديث، فمن ذلك أنهم استغلوا نفوذهم زمن الوزير السلجوقي نظام الملك (ت 485ه)، فأصبح وعاظهم يأتون إلى بغداد وينصرون الأشعرية علانية، ويُهاجمون الحنابلة وأهل الحديث، ويذمونهم، ويتهمونهم باعتقاد التجسيم بدعم من السلطان[675].

والمثال الثاني مفاده أن طائفة من الأشاعرة استغلوا نفوذهم في الدولة العباسية، واعترضوا على الحافظ عبد الغني المقدسي (ت600ه) عندما قرأ بعض أحاديث الصفات، فاتهموه بالتجسيم ورفعوا أمره إلى برغش أمير دمشق، وإلى السلطان الأيوبي العادل، وكان ذلك سنة 595هجرية، فقالوا للأول: إن هذا الرجل ضال، وأفتوا بكفره وقتله.و سعى بعضهم لدى الثاني-أي السلطان- وأغرى صدره على عبد الغني، وبذل 5000 دينار لقتله، فما بلغ مقصوده[676].

 

والمثال الثالث يتضمن شاهدين على ما بلغته الأشعرية من نفوذ وهيمنة على البلاد والعباد، أولهما ما قاله الفقيه الموفق بن قدامة المقدسي (ت 620ه) من أن الحنابلة في زمانه كانوا غرباء مُستضعفين في أكثر الأمصار، يُضامون، ويُخوّفون، ويُضطهدون[677]. حلّ بهم ذلك على أيدي الأشاعرة  وإن لم يُسميهم الموفق، لأنهم –أي الأشاعرة- هم الذين كانوا يحكمون مصر والشام زمن الموفق، في ظل الدولة الأيوبية، وهي دولة شافعية أشعرية كما سبق أن ذكرناه. وثانيهما ما ذكره المؤرخ المقريزي (ت845ه) صراحة، من أن الأشعرية في زمانه كانت مًهيمنة على مصر والشام واليمن وبلاد المغرب، ومن خالفها ضُربت عنقه[678].

والمثال الرابع يتعلق بجماعة من الأشاعرة متنفذة في الدولة المملوكية تألبت على الشيخ تقي الدين بن تيمية، إنها استغلت نفوذها في السلطة استغلالا فاحشا  للإضرار به، فهو عندما خالفهم في مسائل فقهية وأصولية أقاموا عليه الدنيا، وحرّضوا عليه العوام، وألبوا عليه السلاطين والأمراء، والقضاة والصوفية، وبدّعوه وكفّروه، وحبسوه مرارا، فمازالوا به حتى أدخلوه السجن سنة 726 هجرية، فلم يخرج مننه إلا ميتا سنة 728 هجرية[679].

 

وأما الشيعة فهم أيضا استغلوا نفوذهم السياسي لخدمة مذاهبهم والتضييق على السنيين والتعصب عليهم، والشواهد على ذلك كثيرة جدا، أذكر طائفة منها في مجموعتين، الأولى تتضمن مواقف متعصبة لأعيان من الشيعة استغلوا نفوذهم السياسي لخدمة مذاهبهم والانتصار لها، أذكر منهم تسعة، أولهم شيخ الشيعة المفيد بن محمد (ت413ه)، استغل هيمنة البويهيين-هم شيعة- على بغداد، لخدمة مذهبه الاثنى عشري، فصنف كتبا طعن فيها على السلف، وكانت له صولة عظيمة على بغداد، وله فيها نفوذ قوي، معتمدا في ذلك على حاكم البلد عضد الدولة البويهي الذي وفّر له القوة والحماية[680].

والثاني هو أمير مكة الشيعي محمد بن أبي هاشم ( ق: 5ه)، إنه لما حدثت فتنة بين السنة والشيعة بمكة المكرمة سنة 472 هجرية، وذهب إليه الشيعة وقالوا له: إن السنة ينالون منا ويبغضوننا، طلب –أي الأمير- الزاهد السني هياج بن عبيد الحظني (ت 472ه)، وضربه ضربا مُبرحا، فمات بسبب ذلك بعد أيام[681].

والثالث هو أمير الجيوش العُبيدي بدر الجمالي المصري (ت بعد: 478ه)، كان شيعيا متشددا، استغل نفوذه في الدولة العبيدية الفاطمية في قمع السنيين والحط عليهم، فقتل كثيرا من علمائهم، وسب الصحابة علانية[682].

والرابع هو أمير مدينة كرمان ببلاد فارس: تيران شاه السلجوقي (قرن: 5ه)، كان إسماعيليا باطنيا متعصبا، استغل نفوذه في الدولة لقمع أهل السنة والتعصب عليهم، فقتل منهم 4000 شخص، لا ذنب عليهم  إلا أنهم من أهل السنة[683].

 

والخامس هو أستاذ دار الخلافة العباسية: مجد الدين بن الصاحب (ت 583ه)، أطهر الرفض في أيامه، وسبّ الصحابة علانية، وحمى الشيعة ودعمهم في فتنة سنة 582 هجرية ببغداد، فسبوا الشيخين أبا بكر وعمر، وعائشة أم المؤمنين –رضي الله عنهم-، فلما قُتل في سنة 583هجرية، فقدوا ذلك الدعم وذُلوا[684].

والسادس هو الأمير الحسن بن يزدن التركي البغدادي(ت568ه)، كان له نفوذ قوي في الدولة العباسية، استغله في حماية الشيعة والتضييق على أهل السنة والتعصب عليهم، قال فيه الحافظ ابن كثير: إنه كان (( رافضيا خبيثا متعصبا للروافض ))، فلما مات فرح السنيون بموته فرحا شديدا، وأظهروا الشكر لله، فلا تجد أحدا منهم إلا يحمد الله على موته، فغضب الشيعة لذلك وحدثت فتنة بين الطائفتين[685].

والسابع هو ملك التتار خربندا محمد بن أرغون (ت 717ه)، كان سنيا عندما أسلم، وضرب على الدرهم والدينار أسماء الخلفاء الأربعة، لكنه تشيع فيما بعد وأصبح غاليا في الرفض، فكتب إلى سائر ممالكه يأمرهم بالتشيع وسب الصحابة؛ وقبل موته بأيام عزم على إرسال ثلاثة آلاف (3000 ) فارس إلى المدينة المنوّرة لنقل قبر الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما-، فعجّل الله تعالى بهلاكه قبل أن يشرع في جريمته[686].

والثامن هو أمير المدينة المنورة: ثابت بن نعير بن جماز ( ق: 9ه)، لما بلغه خبر عزله من منصبه ( سنة 829ه)، استغل نفوذه في الإمارة –قبيل عزله- ونهب المدينة، و خرّب وحرّق بيوتا كثيرة لأهل السنة، ولم يسلم منه إلا الشيعة[687].

وآخرهم –أي التاسع-  هو الأمير الشيعي زبيري بن قيس العلوي (ت 888ه)، كان أميرا على المدينة المنورة، فاستغل نفوذه السياسي في ظلم أهل السنة والاعتداء عليهم، من ذلك أن أحد الشيعة داس على سجادة زاهد سني، فقال له: يا رافضي، فاستغاث هذا الرافضي بالأمير زبيري، فطلب الأمير الزاهد السني وضربه ضربا مبرحا حتى مات، وكان ذلك سنة 862 هجرية[688].

 

وأما المجموعة الثانية،  فتتضمن حوادث مرتبطة بتعصب السلطات الشيعية على أهل السنة، باستخدامها للنفوذ السياسي، فمن ذلك ما كان حادثا في دمشق زمن تبعيتها للدولة العبيدية الإسماعيلية، فقد كان فيها الرفض فاشيا علانية، وفي مقدور أميرها الشيعي أن يأخذ السني  قيعذّبه ويقتله بتهمة حب الشيخين أبي بكر وعمر[689]- رضي الله عنهما-.

والحادثة الثانية ما حدث زمن دولة بني بويه الشيعية الزيدية (334-447ه)، فإنها وفّرت الحماية للشيعة ببغداد وغيرها، ومكنتهم من إحياء أعيادهم والاعتداء على السنيين وإذائهم، بتكفيرهم ولعنهم وسبهم، ولعن الصحابة علانية من دون إنكار من بني بويه[690].

والحادثة الثالثة، هي أنه لما أصبحت مكة المكرمة تابعة للعبيديين الإسماعيليين بمصر في القرن الخامس الهجري، منعوا السنيين بمكة من مزاولة نشاطهم العلمي علانية، وأجبروهم على ممارسته سرا، فكان الحافظ أبو القاسم سعيد بن علي الزنجاني (ق: 5ه) يُملي الحديث سرا في بيته[691].

 

والحادثة الرابعة، تتعلق بما أحدثه العبيديون الشيعة بمصر خلال حكمهم لها، فإنهم لما ملكوها أظهروا الرفض علانية، وسبوا الصحابة جِهارا، واعتدوا على أهل السنة، وتعصّبوا عليهم، وأصبحت السنة النبوية غريبة مكتومة، حتى أنهم منعوا الحافظ أبا إسحاق الحبال المصري (ت 482ه) من رواية الحديث وهددوه، فامتنع  من روايته[692].

 

والحادثة الخامسة تتعلق بموقف شيعة بغداد من دخول الجيش العبيدي الفاطمي إلى بغداد، واستغلالهم له لخدمة مصالحهم  والانتقام من أهل السنة، وذلك أنه لما دخل الجيش العبيدي بغداد سنة 450 هجرية، تلقاه شيعة بغداد بالفرح الشديد، وطلبوا من قائده البساسيري التركي، أن يمر بحي الكرخ، فمر به وسمح لهم بالأذان –في سائر العراق- بحي على خير العمل، وأباح لهم أعراض وأموال أهل السنة، فهبوا إلى حي باب البصرة ونهبوا أكثره انتقاما من الحنابلة-هم سكان الحي-، ولم يهدأ بالهم حتى انتقموا من الوزير السني أبي القاسم بن المسلمة، فعندما أركبه البساسيري جملا وسيّره بشوارع بغداد ومرّ بحيهم سبوه ولعنوه، وبصقوا عليه وضربوه، وهو يتلو قوله تعالى: (( قل اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتُعز من تشاء، وتُذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )) –سورة آل عمران /26-، وبقي تحت العذاب حتى مات – رحمه الله تعالى-، لكن أمالهم-أي الشيعة- لم تدم طويلا، فقد تدخل السلطان السلجوقي طغرلبك وهزم جيش العبيديين وقتل قائدهم البساسيري سنة 451 هجرية[693]، فتبخّرت أمالهم واستعاد السنيون نفوذهم ببغداد.

 

والحادثة الأخيرة-أي السادسة- تتعلق بحال أهل السنة بالمدينة المنورة، زمن هيمنة الشيعة الاثنى عشرية عليها، فقد تسلّطوا عليهم وآذوهم كثيرا، وعندما عين المماليك –بمصر والشام- الفقيه عمر بن أحمد الأنصاري المصري (ت 726ه ) قاضيا على المدينة سنة 682 هجرية، آذاه الشيعة كثيرا، لكنه صبر على ذلك، حتى أنه كان إذا خطب في المسجد اصطف الخدم أمامه صفا لحمايته من الرجم، ولم يخف آذاهم له إلا بعدما صاهر أحدهم[694].

وقد استمر تسلط الشيعة على أهل السنة بالمدينة المنورة مدة طويلة، بسبب تحكمهم بمقاليد البلد من كل الجوانب، الأمر الذي جعل السلطان المؤيد المملوكي يُرسل من مصر أميرا على المدينة سنة 842 هجرية، ليقمع الرافضة –أي الشيعة- المتسلطين على أهل السنة[695].

 

ومما له علاقة بموضوعنا هذا هو أن بعض سياسيي الشيعة وأعيانهم أوصلهم تعصبهم المذهبي إلى خيانة السنيين والتآمر عليهم والتعاون مع أعدائهم، فمن ذلك الشواهد الآتية:

أولها يتعلق بالوزير مؤيد الدين بن العلقمي العلوي البغدادي(ت 656ه)، كان وزيرا للخليفة العباسي المستعصم بالله مدة 14 سنة، كاتب هولاكو ملك المغول، وطمّعه في العراق وشجّعه على غزوه، وتبادل معه الرسائل بواسطة أخيه وبعض مماليكه،  والخليفة غافل عما يجري، لأن ابن العلقمي حجب عنه المكاتبات. ولما وصلت جيوش المغول إلى بغداد وحاصروها سنة 656 هجرية، خرج الوزير لاستقبال هولاكو، فلما التقى به نصحه ابن العلقمي بقتل الخليفة وعدم قبول منه نصف خراج العراق، وقال له أيضا: إن لم تقتله لا يتم لكم ملك العراق. ثم عاد الوزير مع المتكلم الشيعي نصير الدين الطوسي إلى دار الخلافة –بعدما كان قدغادرها الخليفة إلى هولاكو- واستخرجا كنوز خلافة بني العباس، ورجعا بها إلى هولاكو، وبعد ذلك قًتل الخليفة وأعوانه وتعرّضت بغداد للتدمير والنهب والإبادة[696].

وأما الأهداف التي كان يرجوها ابن العلقمي من تعاونه مع المغول وخيانته للسنيين، فمنها: القضاء على الخلافة العباسية السنية وتعويضها بخلافة شيعية علوية. وتدمير المؤسسات العلمية السنية –كانت كثيرة جدا-، وإبقاء مشاهد الشيعة ومحالهم. وبناء مؤسسات علمية جديدة للشيعة لرفع رايتهم ونشر مذهبهم، وكسر شوكة أهل السنة والانتقام منهم[697].

وأما الأسباب التي أوصلته إلى التآمر على السنيين وخيانتهم، فيبدو لي أن أهمها: العداء القديم القائم بين العباسيين والشيعة العلويين بسبب الخلافة. والثاني هو تعصبه المذهبي وحقده الدفين على السنيين وبغضه لهم، خاصة بعد فتنة 655 هجرية، بين السنة والشيعة التي جعلته يعزم على الانتقام لطائفته بالتعاون مع المغول، والتآمر معهم على السنيين[698].

 

لكن هذه الفتنة ليست مسوغا ولا مبررا لما أقدم عليه ابن العلقمي ولا تعفيه من المسؤولية، لأن الفتن بين الطائفتين ليست جديدة، فهي سجال بينهما منذ عدة قرون، تبادل فيها الطرفان النصر والهزيمة. كما أن هذه الفتنة –أي فتنة 656 ه- يتحمل هو وطائفته مسؤوليتها، لأنههم تسببوا فيها، وذلك أنه استغل نفوذه في الدولة –لطول مدة وزارته- في نشر الرفض والتعصب على أهل السنة، الأمر الذي جعل السنيين يتصدون له ولطائفته بحزم[699].

 

ومع ذلك فقد وُجد في أهل العلم من برّأ ابن العلقمي من الخيانة ودافع عنه، أشهرهم[700]: المؤرخ الشيعي ابن الطقطى (ق:8ه) صاحب كتاب الفخري، قال: إن الخليفة المستعصم كان غافلا مهملا للدولة، وكان الوزير ابن العلقمي يُحذّره من ذلك، ومما يُحاك ضده، وحذّره أيضا من المغول فلم يُبال بذلك. ثم مدح ابن العلقمي وقال إن خُصومه يحسدونه، وأن الناس نسبوه إلى (( أنه خامر، وليس ذلك بصحيح، ومن أقوى الأدلة على عدم مخامرته، سلامته في هذه الدولة-أي المغولية-، فإن السلطان هولاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة سَلّم البلد إلى الوزير وأحسن إليه وحكّمه، فلو كان خامر على الخليفة لما وقع الوثوق إليه ))[701].

 

وردا عليه أقول: أولا إن كلامه فيه تدليس وتغليط، وذلك أنه ذكر في البداية أن ابن العلقمي كان ينصح الخليفة المستعصم ويًحذّره من المغول، وهذا لو حدث فعلا وصدقا، لعدّه المغول من أعدائهم، ولما أحسنوا إليه، ولما كافئوه، فكيف يُحسنون إليه وكان يعمل ضدهم ؟!، فلو كان ضدهم لقتلوه كما قتلوا الخليفة ورجال دولته المخلصين له المعادين للمغول.

 

وأما قوله بأن ابن العلقمي كان ينصح الخليفة ويُحذّره من المغول، فهو مجرد تضليل وخِداع، فكان يُراسل المغول ويتظاهر للخليفة بالنصح والتحذير، وهذا سلوك يندرج ضمن عقيدة التقية عند الشيعة، فهي من أسس مذهبهم المعروفة، وهذا هو التفسير الصحيح الوحيد لحالة ابن العلقمي مع الخليفة والمغول، هذا إن كان فعلا قد نصحه على حد زعم ابن الطقطقى.

 

كما أن زعمه بأن من أقوى الأدلة على براءة ابن العلقمي –مما نُسب إليه-  هو سلامته في دولة المغول، إذ لو كان تآمر على الخليفة ما وثق فيه المغول، فهو زعم باطل ومغالطة مفضوحة، لأن الذين كانوا مخلصين حقا للخليفة قتلهم المغول، كمحي الدين يوسف بن الجوزي، والدويدار الصغير، وأما الذين خانوه فهم الذين لم يقتلهم المغول، وهولاكو قد وثق في ابن العلقمي لأنه تأكد من إخلاصه ووفائه له، وأنه متآمرا على الخليفة وأعوانه، وليس كما زعمه ابن الطقطقى الذي عكس الأمر تماما تدليسا وتغليطا.

وواضح من كلام ابن الطقطقى أنه هو شخصيا كان مؤيدا للمغول ولابن العلقمي في تعاونه مع المغول، على حساب الخليفة وأعوانه وأهل السنة ببغداد، بدليل أنه مدح المغول وابن العلقمي معا، واعتبر إسقاط المغول لبغداد فتحا، عندما قال: (( فإن السلطان هولاكوا لما فتح بغداد ))، و(( فلما فُتحت بغداد ))[702]. فاحتلال المغول المتوحشين لبغداد وتدميرهم لها، وقتلهم للسنيين والخليفة وأعوانهم، هو فتح في نظر ابن الطقطقى، وليس جريمة ولا ظلما، ولا اعتداء  ولا وحشية!!، فكيف سمح لنفسه أن يعتبر ما فعله المغول الكفار الوثنيون بالمسلمين من جرائم بأنه فتح، وقد كرر ذلك مرتين ؟!!. إنه لا يصح شرعا ولا عقلا أن يصف مسلم احتلال الكفار لبلاد المسلمين بأنه فتح. فهذا الذي ذكرناه  دليل آخر على أن ابن الطقطقى الشيعي كان يُغالط ويُراوغ ويُدلّس في محاولته تبرئة ابن العلقمي، وهو نفسه مؤيد للمغول فيما فعلوه بالسنيين ببغداد.

 

وثانيا إن الشواهد والقرائن التاريخية على تآمر ابن العلقمي على الخليفة وأهل السنة وخيانته لهم كثيرة، منها: إن المصادر التاريخية-ذكرنا بعضها- قالت صراحة بأن الوزير ابن العلقمي راسل المغول وتآمر معهم على السنيين، وقد ذكرت ذلك بصيغة التأكيد لا التشكيك والتمريض، لذا لا يصح علميا إهمال ما ذكرته هذه المصادر والتعلّق بأوهام وأهواء أناس متعصبين لا يروق لهم ما ذكرته تلك المصادر عن خيانة ابن العلقمي.

وثانيها هو إن قتل المغول للخليفة ورجاله، وعدم قتلهم لابن العلقمي ومن دخل بيته، ومكافأتهم له بتعيينه حاكما على بغداد عندما غادروها، هو دليل دامغ على تعاونه معهم وخيانته للسنيين، ولو لم يكن كذلك ما تركوه ولا كافئوه، لأن هؤلاء –أي المغول- كانوا –آنذاك – دمويين متوحشين.

والشاهد الثالث هو أنه لما حدثت فتنة 655 هجرية، ودارت فيها الدائرة على الشيعة، كتب ابن العلقمي رسالة إلى أحد أصحابه أخبره فيها بما حلّ بشيعة الكرخ، وتوعّد فيها السنيين بأنه سيأتيهم بجنود لا قبل لهم بها، وليخرجنهم من بغداد أذلة وهم صاغرون[703].

والشاهد الرابع هو أن جيش المغول لما قصد العراق كان في جيشه حماعة من شيعة الكرخ[704]-ببغداد-. فماذا كان يفعل هؤلاء هناك ؟!، ومن الذي أرسلهم من بغداد إلى جيش المغول ؟!، ولماذا أًرسلوا إلى جيش المغول ؟، ولماذا هم من الشيعة وليسوا من السنة؟!، أليس وجود هؤلاء في جيش المغول شاهد قوي على وجود التآمر الشيعي مع المغول، الذي حاك خيوطه ابن العلقمي وأشرف عليه هو وأعوانه ؟!، وألا يُشير ذلك إلى أن هؤلاء كانوا عيون المغول وأدلاؤهم في قدومهم إلى بغداد واحتلالها وتدميرها ؟.

 

والشاهد الخامس مفاده أن القائد المغولي بايجو نوين عندما دخل بغداد واستباحها وخرّبها واتصل  بالخليفة المستعصم كتابيا، أخبر ابن العلقمي هولاكو بأن قائده بايجو نوين كاتَبَ الخليفة، فطلبه هولاكو وقتله[705]. فهذا شاهد قوي على تعاون ابن العلقمي مع هولاكو وإنه كان في خدمته، وأنه من أعوانه الذين يثق فيهم، حتى أنه قتل قائده الكبير برسالة وصلته من ابن العلقمي. فلماذا راسله ؟ فهل كان نائبه وعينه على الخليفة وما يجري في بغداد ؟، ولماذا لم يُحاول استغلال ما حدث لإضعاف جيش المغول لصالح أهل بغداد، بدلا من إخبار هلاكو بما حدث ؟.

 

والشاهد السادس يتمثل فيما رواه المؤرخ ابن الفوطي –كان معاصرا للأحداث- من أن المغول لما وصلوا يغداد ذهب إليهم الوزير ابن العقمي وقد خرج (( إلى خدمة السلطان هولاكو في جماعة من مماليكه وأتباعه، وكانوا ينهون الناس عن الرمي بالنشاب، ويقولون: سوف يقع الصلح إن شاء الله فلا تحاربوا، هذا وعساكر المغول يُبالغون في الرمي ))[706]. فهذا شاهد قوي أيضا على أن ابن العلقمي كان متعاونا مع المغول، لأنهم عندما وصلوا إلى بغداد خرج إليهم لخدمة هولاكو، وليس للدفاع عن الخلافة وبعداد وأهلها، وفي طريقه إليه كان هو وأتباعه يُثبّطون البغداديين عن القتال وينهونهم عنه، ويمنونهم بالصلح، في الوقت الذي كان فيه المغول يُبالغون في الرمي بالنبال!، فهل هذا سلوك من كان يُدافع عن أهل بغداد، أم هو سلوك من كان متآمرا عليهم خدمة للمغول ولمصالحه ؟!.

والشاهد الأخير –أي السابع- هو أن القرائن والشواهد التاريخية والمنطقية والدواعي المذهبية هي كلها تُدين ابن العلقمي وتُجرّمه بتعاونه مع المغول، وتآمره على الخليفة وأهل السنة، فالقرائن والشواهد التاريخية والمنطقية سبق ذكر طرف منها؛ وأما الدواعي المذهبية فهي أيضا متوفرة في جنب ابن العلقمي، فهو-كغيره من الشيعة- يُضلل السنيين ويُكفّرهم[707]، ويرى في العباسيين طائفة مُغتصبة للخلافة، افتكتها بقوة السلاح من الشيعة العلويين، فلماذا إذن لا يستغل فرصة وجود المغول بالتعاون معهم، ومع وزيرهم الشيعي نصير الدين الطوسي، للإطاحة بالعباسيين المغتصبين وأعوانهم السنيين الضالين في اعتقاده هو  ؟.

 

وأما النموذج الثاني –من تآمر الشيعة على السنيين- فيتعلق بالمتكلم نصير الدين الطوسي(ت672ه)، فقد كان وزيرا مُخلصا لهولاكو، وجاء معه إلى بغداد، وشجّعه على غزوها، فعندما استشار هولاكو أحد من المنجمين في دخول بغداد، حذّره إن هو دخلها ستحدث كوارث طبيعية تصيب الخيول والجنود، لكنه عندما سأل وزيره النصير الطوسي عن ذلك، نفى ما قاله المنجم، وقال له: إنه لن يحدث شيء من ذلك، وإنك ستدخل بغداد وتحل محل الخليفة[708]. وعندما وصلوا على بغداد واتصل بهم ابن العلقمي، وأتى لهم بالخليفة، أشار النصير الطوسي على هولاكو بقتل الخليفة المستعصم. ثم ذهب مع ابن العلقمي إلى دار الخلافة واستخرجا كنوز الخلافة العباسية ورجعا بها إلى سيدهما الطاغية هولاكو خان[709]؛ ورضيا أن يكونا مخلصين للمغول الكفار خائنين للإسلام والمسلمين، انتصارا للباطل، وطلبا للدنيا، وتعصبا على أهل السنة.

 

وبخُصوص النصير الطوسي(ت672ه)، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728ه) أن هذا الرجل –أي النصير الطوسي- كان من رؤوس الملاحدة، أخذ الأموال من أوقاف المسلمين وأعطاها للكفار.و أخذ من كتب الناس ما يهمه وأتلف الباقي. وكان هو وأصحابه يشربون الخمر في رمضان ولا يصلون[710].

وأما النماذج الأخرى –من تآمر الشيعة على السنة- فمنها أن الشيعة كانوا إذا انتصر المسلمون على المغول حزنوا وأقاموا المآتم، وإذا انتصر المغول على المسلمين فرحوا بانتصارهم[711]. ومنها أنهم-أي الشيعة- عندما دخل ملك المغول غازان مدينة دمشق سنة 699 هجرية، واستولى على ضاحية الصالحية بجبل قاسيون، -شمال دمشق- أشاروا-أي الشيعة- عليه بنهب الجبل –أي الصالحية- وسبي أهله وتخريبه، انتقاما منهم لأنهم سنة نواصب[712].

 

ومنها أيضا إنه عندما غزا المغول دمشق - في غزوة غازان سنة 699هجرية- تعاون معهم شيعة جبل كسروان – ببلاد الشام-، فلما انهزموا علي أيدي المماليك، حثّ الشيخ تقي الدين بن تيمية الناس على غزو هؤلاء الشيعة- أي شيعة كسروان-، فخرج إليهم وحاربهم وهزمهم، وأملى عليهم شروطه، لأنهم تعاونوا مع المغول، وأنهم بُعات رافضة سبابة[713]. أي يسبون الصحابة والسلف.

ومنها إنهم –أي الشيعة- لما احتل النصارى الصليبيون الساحل الشامي بين سنتي: 492- 690 هجرية، تهادنوا وتعاونوا معهم، وكانوا في خدمتهم، من ذلك أنهم كانوا يحملون إلى جزيرة قبرص خيول المسلمين وسلاحهم، وغلمان السلاطين من الجند والصبيان[714].

وبذلك يتبين مما ذكرناه أن التعصب المذهبي أعمى الشيعة، حتى جعلهم يُوالون الكفار، ويتعاونون معهم للتآمر على السنيين، والانتقام منهم، ولاحتلال بلادهم وإسقاط دولتهم، حقدا وبُغضا لهم، وتعصبا عليهم.

 

وختاما لهذا الفصل-أي الثالث- يتبين مما ذكرناه أن التعصب المذهبي كانت مظاهره في الحياة السياسية جلية متنوعة، بسبب تمذهب الدول الإسلامية –خلال العصر الإسلامي- وتعصبها لمذاهبها، وكثرة رجالاتها المتعصبين الذين نشروا التعصب المذهبي بين مختلف الفئات الاجتماعية؛ فكان عملهم هذا هو الأرضية التي هيأت النفوذ للطوائف المذهبية من استغلال ذلك لخدمة مصالحها المذهبية، فأصبحت كل طائفة تتمكن سياسيا إلا وتسعى جاهدة لنشر مذهبها والتضييق على الطوائف الأخرى بمختلف الوسائل الممكنة.

 

 

الفصل الرابع

آثار التعصب المذهبي وأسبابه وعلاجه

 

 

أولا: آثاره

 

ثانيا: أسبابه

 

ثالثا: علاجه

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آثار التعصب المذهبي وأسبابه وعلاجه

 

ذكرنا في الفصول الثلاثة السابقة، كثيرا من مظاهر التعصب المذهبي على مستوى الحياة الاجتماعية والعلمية والسياسية، التي هي من جهة أخرى تُعد من آثاره أيضا، وتحمل في ذاتها أسبابها ودوافعها وخلفياتها، التي إن نحن اكتشفناها وشخصّناها سَهُل علينا علاجها، إن توفّرت فينا طائفة من الشروط،  سنذكرها لاحقا عن شاء الله تعالى.

أولا: آثاره:

كان لانتشار التعصب المذهبي بين المسلمين –خلال العصر الإسلامي- آثار وخيمة كثيرة جدا، مست مختلف جوانب الحياة، أوردنا بعضها عند تعرضنا لمظاهر التعصب المذهبي، ونحن في مبحثنا هذا سنبرز طائفة منها في نقاط مركزة هادفة.

فبخُصوص الجانب الاجتماعي، فمن آثاره أولا: تفكك البناء الداخلي للمجتمع الإسلامي، ودخول طوائفه في نزاعات وصراعات مذهبية عنيفة، تخللها السب والطعن، والتشهير والازدراء، والتناحر والتنافر، والتباغض والتدابر، والتكفير والتضليل، والتبديع والتفسيق.

 

وثانيا: حدوث فتن دامية كثيرة، بين مختلف الطوائف الإسلامية، قُتل فيها خلق كثير، وعمّ خلالها خراب كبير، كما حدث في مدينتي الري وأصفهان[715].

وثالثا إن من آثارها أيضا: كثرة الغلو والتعصب المذهبيين، وانتشارهما في مختلف الأمصار الإسلامية بالمشرق والمغرب، بين الطوائف السنية فيما بينها من جهة، وبينها وبين الشيعة من جهة أخري، فكان التعصب المذهبي بين السنيين على أشده خلال العصر الإسلامي. وقد اختلف الباحثون في أي الطوائف السنية أكثر تعصبا ؟، فذهب الفقيه حسن صديق خان إلى القول بأن الحنفية هم أشد الناس تعصبا للمذهب[716]. وقال مصطفى الشكعة (( ولقد كان الحنابلة على رأس المعتدين دائما، واشتهروا بالعنف في معاملة خُصومهم من أبناء المذهب الشافعي، فقد ثاروا عليهم، وألحقوا بهم الاعتداء))، واتخذوا مسجدا لهم ببغداد مركزا للانقضاض على خصومهم[717]. وقوله هذا ليس صحيحا على إطلاقه، فهو يخص فترة زمنية محدودة ومكان معين، لأنه سبق أن ذكرنا حوادث تاريخية كثيرة كان الحنابلة هم ضحية تعصب الشافعية الأشاعرة عليهم، في عهد نظام الملك والأيوبيين والمماليك. وأما الحادثة التي بنى عليها حكمه، فهي جرت زمن حكم الخليفة العباسي الراضي بالله ( 322-329ه)، وفيها ازداد نشاط الحنابلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاعتراض على مخالفيهم في بعض المسائل الفقهية، فأصدر الخليفة الراضي منشوره المشهور في زجر الحنابلة وتهديدهم بالقتل والتشريد، إن هم لم يُوقفوا أعمالهم[718].

فهو قد بنى حكمه على الحنابلة انطلاقا من هذه الحادثة، ونسي أو تناسى ما حدث من فتن وتعصّبات في القرن الخامس الهجري وما بعده إلى زمن الدولة العثمانية، حيث ضعُف جانب أهل الحديث ضعفا شديدا، فكانوا ضحية تعصب الأشاعرة والماتريدية عليهم، المدعومين من السلطان، بالمشرق الإسلامي ومغربه، لمدة قرون عديدة. وكلامي هذا لا أقوله تعصبا لأهل الحديث و، إنما أقوله تعصبا للحق، ويكفينا –شهادة على ذلك- ما قاله المقريزي ( ت قرن:9ه)، فقد اعترف صراحة أن الأشاعرة كانوا يقتلون من يجرؤ على إظهار مخالفة الأشعرية. وقد ذكرنا سابقا ما قاله الموفق بن قدامة من أن الحنابلة في زمانه –أيام الأيوبيين- كانوا مقهورين مستضعفين.

 

وترى المؤرخة أمينة البيطار إن الحنابلة على كثرتهم، لم يقووا على مقاومة أوضاع البلاد، بسبب تعصبهم على معارضيهم حتى من أهل السنة، واستخدامهم القوة ضدهم، فزاد العداء ضدهم، كمهاجمتهم للشيعة بمسجد براثا ببغداد، وتعرّضهم للمفسر أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، واعتدائهم على فقهاء المدرسة النظامية ببغداد[719].

وقولها هذا غير صحيح، ليس فيه من الصواب إلا القليل، لأنه أولا إن الحنابلة ما كانوا كثيري العدد بالمشرق الإسلامي، بالمقارنة إلى الشافعية والحنفية، فهم –أي الحنابلة- يأتون في المرتبة الثالثة بعد هؤلاء من حث العدد والانتشار[720]. وثانيا إن التعصب المذهبي واستخدام القوة، لم يكن خاصا بالحنابلة وأهل الحديث، فقد مارست ذلك كل الطوائف عندما وجدت من نفسها قوة ودعما من السياسيين؛ ونحن إذا ما قارنا تعصبهم –أي الحنابلة وأهل الحديث- بتعصب غيرهم، من حيث الشدة واتساع الرقعة، وامتداد الزمن، وجدناه أقل بكثير مما صدر عن خصومهم من تعصبات، والشواهد التاريخة على ذلك كثيرة جدا، منها ما فعله الشيعة الإسماعيليون العبيديون –الفاطميون- بأهل السنة بالمغرب الإسلامي ومصر، فاضطهدوهم، وأذلوهم، وقتلوا منهم ألاف الشهداء، لأنهم رفضوا أن يطعنوا في الصحابة ويسبوهم[721]، وقد ذكرنا من ذلك شواهد كثيرة في الفصل الأول.

ومنها ما فعله شيعة بغداد بأهل السنة زمن دولة بني بويه الشيعة الزيديين، فقد اظهروا شعاراتهم وذكرياتهم ومآتمهم، وتعدوا على أهل السنة، وتعصبوا عليهم، وسبوا الصحابة علانية، حتى بلغ بهم الأمر إلى سب رسول الله- عليه الصلاة والسلام- وأزواجه –رضي الله عنهن-. وفعلوا بأهل السنة الأفاعيل عندما دخل القائد التركي البساسيري –الموالي للفاطميين- مدينة بغداد سنة 450 هجرية، فاستباحها وأطلق يد الشيعة فيها، وقد ذكرنا تفاصيل أفعالهم في الفصول الثلاثة السابقة.

ومنها ما فعله الأشاعرة بالحنابلة وأهل الحديث زمن قوتهم ونفوذهم أيام الوزير نظام الملك، وفي عهد دولتي الأيوبيين والمماليك. والغريب إنها قالت إن الحنابلة اعتدوا على فقهاء المدرسة النظامية ببغداد، ونسيت أو تناست إن كثيرا من طلابها ومدرسيها ووعاظها هم المعتدون،  فاتخذوها منبرا لنشر مذهبهم ومهاجمة أهل الحديث بدعم من الوزير نظام الملك، وقد ذكرنا على ذلك شواهد تاريخية كثيرة.

وخلاصة القول إن التعصب المذهبي كان قائما بين كل الطوائف الإسلامية، ولم تختص به طائفة دون أخرى، فكانت كل طائفة تجد في نفسها قوة، ودعما من السياسيين تتطاول على مخالفيها، لكن من الخطأ إلصاق تهمة التعصب بالحنابلة وأهل الحديث، والسكوت عن الشيعة الإسماعيلية والاثنى عشرية وما ارتكبوه  في حق السنيين من مجازر ومنكرات، فهم أكثر الطوائف تعصبا وتطرفا فكرا وسلوكا.

وكذلك الأشاعرة فقد كان تعصبهم أقوى وأوسع وأكثر، من الحنابلة وأهل الحديث، بسبب الانتصار السياسي الساحق الذي حققوه بالمشرق الإسلامي ومغربه، فاستخدموا القوة السياسية والعسكرية، في مواجهتهم لأهل الحديث، كالذي حدث للمرابطين على يد الموحدين، وكالذي جرى للحافظ عبد الغني، والشيخ تقي الدين ابن تيمية وأصحابه في القرن الثامن الهجري، فطاردوهم، وضيقوا عليهم، وضللوهم، وسجنوا بعضهم.

 

ورابعا: ضعف رباط الأخوة الإسلامية القائم على الدين، وحلول التعصب المذهبي محله، كرباط يجمع أبناء الطائفة الواحدة، ويُباعد بينهم وبين أبناء الطوائف الأخرى، فأدى ذلك إلى تكريس التعصب والشقاق، والتنافر والتناحر، واختصاص كل طائفة بمساجدها، ومدارسها، وطلابها، وأساتذتها، وأحيائها السكنية.

 

وخامسا: انقسام السنيين على أنفسهم-فيما يخص أصول الدين- إلى طائفتين متنازعتين، الأولى: الطائفة السلفية، وتمثل الحنابلة وأهل الحديث، والثانية: الطائفة الخلفية، وتمثل الأشاعرة والماتريدية، ثم تجاذبت الطائفتان الانتماء إلى المذهب السني، وادعت كل طائفة أنها هي الممثل الحقيقي والشرعي له، وأن الطرف الآخر انحرف عنه ولا يمثله تمثيلا صحيحا[722].

 

وأما بالنسبة للجانب العلمي فهو أيضا ترك فيه التعصب المذهبي آثارا سلبية كثيرة وعميقة، منها إنه صبغ الحياة العلمية بطابع التعصب المذهبي في أصول الدين وفروعه، وأدى إلى اشتداد النزاع والتنافر بين مختلف طوائف أهل العلم، فكثُر فيهم الغلاة والمتعصبون من مختلف الطوائف المذهبية دون استثناء.

وثانيا إنه أدى إلى كثرة الكذب في الأحاديث النبوية، والروايات التاريخية، انتصارا للمذاهب وردا على خُصومها، فراجت الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس، وراجت بينهم الأخبار المكذوبة، التي شوّهت جانبا كبيرا من تاريخنا الإسلامي، وأفسدت نظرة كثير من الناس إليه، وقامت عليها دول منحرفة، ومذاهب باطلة ما انزل الله بها من سلطان.

 

وثالثا إنه –أي التعصب –أوصل الطوائف المذهبية إلى اختصاص كل منها بمصادر مذهبية مغايرة لمصادر الطوائف الأخرى، فكل طائفة تستقي أصولها وفروعها من مصادرها، فللمعتزلة مصنفاتهم، وللشيعة كتبهم، وللإباضية مؤلفاتهم، وللطوائف السنة مصنفاتها، الأمر الذي أدى إلى ظهور مذاهب فكرية، ومدارس مذهبية، متميزة بعقائدها وفروعها، وبأساتذتها وطلابها، وبمناهجها وتراثها.

ورابعا إنه أوصل الغلاة المتعصبين إلى الانحراف في فهم القرآن الكريم، بإتباع الظن والهوى في فهمه، والاحتكام إلى الأفكار المذهبية المسبقة في تفسيره، كما هو حال الشيعة والمعتزلة وغيرهم من الفرق المنحرفة عن الشرع الحكيم، ومثال ذلك ما رُوي أن شيعيا جاء إلى الفقيه أبي بكر غلام الخلال البغدادي الحنبلي(ت363ه)، فسأله عن قوله تعالى: ((وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )) –سورة الزمر: 33 -فقال له: هو أبو بكر الصديق، فقال الشيعي: بل هو علي بن أبي طالب، فهَمّ به أصحابه، فقال لهم: دعوه، ثم قال له: اقرأ ما بعد الآية: ((لهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ، ليُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُو )) – سورة الزمر:34- 35 -، وهذا يقتضي أن يكون هذا المصدق ممن له إساءة سبقت، وعلى قولك أيها السائل لم يكن لعلي إساءة [723]. بمعنى أن الآية لا تنطبق عليه، وإنما على غيره، وهو أبو بكر الصديق.

وخامسا إنه-أي التعصب- أدخل غالبية أهل العلم –خلال عصر التقليد والتعصب المذهبيين- في قوقعة الفقه المذهبي وكبّلهم به، وصرفهم عن الإطلاع على ما عند الطوائف الأخرى من علم صحيح، وحرمهم من الانتفاع به.

وسادسا إنه أبعد معظم أهل العلم – خلال عهد التقليد والعصب- عن التعامل المباشر مع القرآن الكريم والسنة النبوية، وعن فقه السلف الأول، ففوّت عليهم الانتفاع الصحيح والكامل من علوم الكتاب والسنة، وفقه الصحابة وتابعيهم، وأغرقهم في الفقه المذهبي المتعصب الضيق الأفق، وأصبحت الشريعة عندهم هي أقوال الفقهاء، وأقوالهم-أي الفقهاء- هي الشريعة[724]. وآراء أئمتهم أسبق من كلام الله ورسوله-عليه الصلاة والسلام -.

 

وسابعا إنه-أي التعصب المذهبي- أخذ من أهل العلم –على اختلاف طوائفهم- أوقاتا عزيزة كثيرة، وجهودا مضنية عظيمة، أمضوها في خدمة الفقه المذهبي المتعصب، انتصارا له وردا على مخالفيه، فأغرقهم في جزئياته، وفوّت عليهم الاهتمام بإقامة كليات الدين ومقاصده السامية الكبرى، كالأخوة، والعدل، واجتماع الكلمة، والتعاون على البر والتقوى، ونشر الإسلام بين غير المسلمين.

وثامنا إنه أفسد العقل الطبيعي الفطري الذي مدحه القرآن الكريم، وأثنى على أصحابه في آيات كثيرة جدا، وهم أولوا الألباب والنُهى، وأصحاب الفطر السليمة، فأفسد ذلك التعصب المذهبي هذا العقل الفطري ومسخه، وأبعده عن نور الهداية الربانية، وقذف به في أحضان الأهواء والظنون والشهوات، حتى انتهي به الأمر إلى إنكار ثوابت شرعية معروفة من دين الإسلام بالضرورة، فأنكر ذلك العقل صفات الله تعالى، وقال بقدم الكون، ونفى السببية وطبائع الأشياء وخصائصها، وسبّ الصحابة وكفّرهم، وقال بتحريف القرآن الكريم، هذه المزاعم-وغيرها- كلها باطلة، لا دليل عليها من النقل الصحيح، ولا من العقل الصريح، ولا من العلم الصحيح، وإنما هي مزاعم باطلة أوصل إليها العصب المذهبي الذي أفسد عقول قائليها.

 

وتاسعا إنه-أي التعصب –  أورث في المتمذهبين المتعصبين الجرأة على تخطئة أئمة المخالفين لهم من جهة، وأورث فيهم الضعف والسلبية تجاه أئمتهم من جهة أخرى، فهم في الغالب الأعم لا ينتقدون أئمتهم، ولا يردون عليهم، ويُبالغون في تعظيمهم وتقديسهم والاعتذار لهم، والبحث لهم عن المخارج حتى وإن كانت آراؤهم ضعيفة مرجوحة، مع الإغراق في الجدل والخلاف، وإهمال التحقيق العلمي النزيه القائم على الكتاب والسنة والفقه المتحرر من القيود المذهبية.

 

وأخيرا –أي عاشرا- إنه أورث في المسلمين نزاعا وتعصبا مذهبيين ما يزالان قائمين إلى يومنا هذا، ولم يجدا حلا صحيحا ناجعا، وذلك واضح جدا في أدبيات الجماعات والطوائف الإسلامية المعاصرة، وفي مقرراتها ومؤسساتها التعليمية. كما انه واضح أيضا في الشبكة المعلوماتية-الأنترنت-، فهي مليئة بالمواقع ذات الطابع المذهبي المتعصب الصريح والخفي، بعضها تابع للطوائف السنية، وبعضها تابع للطوائف الشيعية، وبعضها الآخر تابع للخوارج الإباضية؛ وكلها في نزاع وصراع، وسباب وشتم، وتشنيع وتبديع، وتهويل وتنافس، انتصارا للمذهب وتعصبا على مخالفيه، وكسبا للمواقع والنفوذ.

وأما الجانب السياسي فهو أيضا تأثر كثيرا بالتعصب المذهبي الذي ترك فيه آثارا كثيرة وعميقة، منها أولا: إن معطم الدول الإسلامية المتمذهبة -خلال عصر التقليد والتمذهب- لم تكن عادلة في تعاملها مع الطوائف المخالفة لها، فكانت الواحدة منها إذا تمذهبت بمذهب طائفة ما، تعصبت لها ومكّنت لها في دولتها، وضيّقت على الطوائف الأخرى، وقد تضطهدها، فأثر هذا سلبا –بلا شك- في البناء الداخلي لتلك الدول.

 

وثانيا إن تمذهب تلك الدول ومشاركتها في نشر التعصب المذهبي وتعميقه، أخذ منها أوقاتا وجهودا كثيرة في خدمة التعصب المذهبي كان من الأولى صرفها في مجالات أخرى بناءة نافعة. كما أن ذلك السلوك أضعف من ولاء الطوائف الأخرى لتلك الدول المتمذهبة المتعصبة.

وثالثا إن تعصب تلك الدول جعلها تفشل في تعاملها مع مسألة التعصب المذهبي بين الطوائف الإسلامية، فلا هي وحّدت بينها، ولا هي قضت على التعصب المذهبي فيما بينها، ولا هي تحكّمت فيه،  فكان الذي قامت به هو تكريس للتعصب المذهبي، وتعميق له، وتشجيع عليه، ومشاركة فيه.

وقد يقول بعض الناس: نعم كانت للتعصب المذهبي أثار كثيرة مدمرة للفرد والمجتمع، ألم تكن له إيجابيات على المجتمع الإسلامي ؟.

وأقول: نعم كانت للتعصب المذهبي إيجابيات، لكنها قليلة جدا بالمقارنة إلى سلبياته الكثيرة، وإلى آثاره الخطيرة المدمرة للبلاد والعباد. فمن إيجابياته إنه دفع أتباعه إلى الجد والاجتهاد لخدمة مذاهبهم، فأنشئوا المؤسسات العلمية الكثيرة، وأنتجوا ثروة علمية كبيرة في أصول الدين وفروعه، حتى أصبح لكل طائفة ثروة هائلة من المصنفات، وكتب الطبقات والتراجم شاهدة على ذلك. غير أنه يُعاب على تلك المدارس أنها كانت-في معظمها- ذات صبغة طائفية مذهبية متعصبة. ويُعاب على تلك الثروة العلمية غلبة التعصب المذهبي عليها، مع كثرة الشروح والمختصرات  وقلة الإبداع والتجديد فيها[725].

 

ومن إيجابياته أيضا إن انتشاره وهيمنته على الحياة العلمية أدى إلى ظهور حركة اجتهادية مقاومة له، وهي وإن كانت ضعيفة ورجالها قلة، فإنها قد تصدت له بحزم وشجاعة، وضربت أمثلة رائعة في الاجتهاد المتحرر من قيود التعصب المذهبي وأغلاله، وترك لنا بعض رجالها مصنفات قيمة في ممارسة الاجتهاد وذم التقليد والتعصب المذهبيين، منهم: أبو محمد القاسم البياني الأندلسي (ت 276ه)، وابن حزم الأندلسي (ت456ه)، وأبو الوفاء بن عقيل البغدادي(ت 513ه )، وأبو شامة المقدسي (ت 654ه)، وتقي الدين بن تيمية (ت 728ه)، وابن قيم الجوزية(ت751ه)، وصالح بن مهدي المقبلي اليماني(ت 1108ه)، ومحمد بن علي الشوكاني(ت 1250ه)[726].

وزيادة على ما ذكرناه أُشير هنا إلى ثلاثة ملاحظات هامة، أولها إن التعصب المذهبي ضيّع على المسلمين –خلال العصر الإسلامي-  كثيرا من المقاصد الشرعية التي هي من أساسيات المجتمع المسلم، كالتآخي والاعتصام بالجماعة، والتعاون على البر والتقوى.

وثانيها إن التعصب المذهبي –الذي ذكرناه- قام به وحمله ثلاثي عجيب، هو: العوام المقلدون الجاهلون، والعلماء المذهبيون المتعصبون، والخلفاء والملوك والأمراء المتعصبون، هؤلاء هم الذين دعوا إلى التعصب المذهبي، ونشروه ورعوه، فأحرقوا به أنفسهم ومجتمعهم.

وثالثها إنه توجد علاقة وطيدة بين التقليد والتمذهب والتعصب، فكثيرا ما كان التقليد المذهبي هو الموصل إلى التعصب والنزاعات والمواجهات العنيفة بين مختلف الطوائف المذهبية، وقد ذكرنا من ذلك شواهد تاريخية كثيرة. لأن التقليد في الأصول والفروع كثيرا أوصل أصحابه إلى التمذهب الذي هو بدوره دفعهم إلى التعصب لمذاهبهم والانتصار لها بحق وبغير حق. لكنه لا توجد علاقة حتمية بين التقليد والتمذهب والتعصب، فقد يكون الإنسان مُقلدا بلا تمذهب ولا تعصب، و قد يكون متعصبا بلا تقليد ولا تمذهب، وقد يكون متمذهبا بلا تعصب ولا تقليد.

 

ويتبين مما ذكرناه في مبحثنا هذا، أن التعصب المذهبي –خلال العصر الإسلامي- أثر كثيرا في المجتمع الإسلامي، وصبغه بصبغته المذهبية المتعصبة، اجتماعيا وعلميا وسياسيا، فكانت سلبياته كثيرة مضرة، وإيجابياته قليلة جدا نافعة.

ثانيا: أسبابه:

يمكن تقسيم أسباب التعصب المذهبي –الذي ساد في العصر الإسلامي-إلى أسباب أساسية، وأخرى ثانوية، فالأساسية نركّزها في ثلاثة أسباب رئيسية، أولها عدم الالتزام الصحيح والكامل بدين الإسلام على مستوى المشاعر والأفكار والسلوكيات، لأن ديننا الحنيف يقوم على العدل والمساواة، والتوازن والاعتدال، ولا يقوم على التطرف والغلو والتعصب للباطل، فالطوائف التي وقعت في التعصب المذهبي المذموم انحرفت عن الشرع الحكيم، ولم تلتزم به.

 

وثانيها هو طبيعة العقائد والمقالات المكونة للمذاهب الفكرية الطائفية، فبعضها لها أصول صحيحة معتدلة، لا تبعث على التعصب الأعمى، وهذا ينطبق على المذهب السني فقط، وبعضها الآخر معظم أصولها باطلة متطرفة، تبعث على الغلو والتطرف والتعصب الأعمى، كمذاهب المعتزلة والشيعة والخوارج؛ وقد ضربنا على ذلك أمثلة كثيرة جدا في الفصول السابقة من كتابنا هذا.

والسبب الرئيسي الثالث يتمثل في ردود أفعال الأتباع المتمذهبين في تفاعلهم مع مذاهبهم –المعتدلة منها والمتطرفة-، فمن الطبيعي أنها تولّد فيهم الرغبة للانتصار لها  والدفاع عنها. لكن ردود الأفعال هذه تختلف حسب دوافعها العقيدية، وطبيعة نفوسهم، وقدراتهم وظروفهم الاجتماعية المحيطة بهم، فمن كانت ردود أفعالهم سليمة خيّرة قائمة على مبادئ صحيحة، فهي أفعال شرعية تهدف –في الغالب الأعم- إلى الانتصار للحق. ومن كانت ردود أفعالهم شريرة قائمة على مبادئ منحرفة باطلة، فهي أفعال غير شرعية تهدف –في الغالب الأعم- إلى الانتصار للباطل والتعصب المذموم، الذي تناولناه بالتفصيل في الفصول السابقة.

وأما الأسباب الثانوية، فهبي بمثابة عوامل مساعدة تولّدت عن الأسباب الرئيسية، وبعضها الآخر أفرزته تفاعلات الظواهر الاجتماعية فيما بينها ؛ فساهمت كلها في انتشار التعصب المذهبي واشتداد قوته، واتساع دائرته، أذكر منها تسعة أسباب، أولها الدور السلبي الذي قام به العلماء المتعصبون، فهم الذين دعوا إلى التعصب المذهبي ونشروه، وشجّعوا عليه وشاركوا فيه، فكانت أفعالهم هذه مشاركة سلبية أججت التعصب ولم تحد منه.

وثانيها الموقف السلبي لكثير من الخلفاء والملوك وأعوانهم في التعامل مع ظاهرة التعصب المذهبي، فلم يسعوا إلى التخلّص منها، ولم يُحسنوا التعامل معها، فاتخذوا لأنفسهم مذاهب وتعصّبوا لها، ونصروها -على حساب المذاهب الأخرى- بالأقوال والأفعال، فكانت أفعالهم هذه مشاركة سلبية كرّست التعصب المذهبي وأججته.

وثالثها –أي الأسباب الثانوية- الأعمال السلبية التي قام بها الوعاظ المتعصبون، إنهم استغلوا وظيفتهم لنشر التعصب المذهبي والتشجيع على الفتن والمصادمات بين مختلف الطوائف الإسلامية، والشواهد على ذلك كثيرة جدا، أذكر منها ثمانية، أولها يتعلق بالواعظ أحمد بن محمد سبط بن فورك (ق: 5ه) وعظ بالمدرسة النظامية، وكان أشعريا داعية لمذهبه، تسبب في حدوث فتن بين الحنابلة والأشاعرة[727].

 

والشاهد الثاني يتعلق بالمتكلم عيسى بن عبد الله الغزنوي الشافعي، دخل بغداد سنة 495 هجرية و وعظ بها وأظهر الأشعرية، فمن ذلك أنه وعظ ذات يوم بجامع المنصور وأظهر مذهب الأشعري، فمال إليه بعض الحاضرين، واعترض عليه الحنابلة، فنشب عراك بين الجماعتين داخل المسجد[728]. ولا ندري ما حدث بعد ذلك بين الفريقين، لأن ابن الجوزي روى الخبر موجزا.  ومن ذلك أيضا إن هذا الرجل-أي الغزنوي- مرّ ذات يوم برباط شيخ الشيوخ أبي سعد الصوفي ببغداد ليذهب إلى بيته، فرجمه بعض الحنابلة من مسجد لهم هناك، فهب أصحابه لنجدته والتفوا حوله[729].

والشاهد الثالث يتعلق بالفقيه أبي الحسن برهان الدين علي بن الحسن البلخي الحنفي (ت 548ه)، شيخ الحنفية ببلده، قدم دمشق سنة 510 هجرية، وعقد بها مجلس وعظ وتذكير، وأظهر فيه خلافه للحنابلة وتكلم فيهم، فتصدوا له وتعصبوا عليه، فترك دمشق وتوجه إلى مكة المكرمة[730].

والشاهد الرابع يتعلق بالمدرس أبي علي محمد النصرواني الأصبهاني الأشعري المعروف بابن الفتى (ت 525ه)، درّس بنظامية بغداد، ووعظ بجامع القصر، فكان يُظهر مذهب الأشعري وينتصر له، ويميل على الحنابلة وأهل الحديث، ويطعن فيهم[731].

والخامس يتعلق بالفقيه محمد بن أحمد العثماني المقدسي الشافعي (ت 521ه)، دخل مدينة بغداد واستقر بها، وكانت له فيها مجالس وعظ بجامع القصر، أظهر فيها مذهب الأشعري، وكان مغاليا فيه[732].

والشاهد السادس يتعلق  بالواعظ الحسن بن أبي بكر النيسابوري الحنفي، دخل بغداد مع السلطان السلجوقي مسعود ( ما بين سنتي: 515-530ه )، فجلس للوعظ بجامع القصر ولعن  أبا الحسن الأشعري علانية، وكان يقول: كن شافعيا ولا تكن أشعريا، وكن حنفيا ولا تكن معتزليا، وكن حنبليا ولا تكن مشبها[733].

وهذا الواعظ لم أتعرّف على مذهبه في أصول الدين، لكن يبدو من قوله السابق إنه كرّامي المذهب، أو على مذهب أهل الحديث، والراجح أنه على عقيدة أهل الحديث لأنه حذّر من الأشعرية، والاعتزال، ومن التشبيه، والكرّامية معروف عنهم أنهم مجسمة ومشبهة، لذا فالأرجح أنه لم يكن كرّاميا إن كان صادقا في قوله، والله أعلم.

 

والشاهد السابع يتعلق بالواعظ المتكلم أبي الفتوح حمد بن الفضل الاسفراييني الأشعري (ت 538ه)، دخل بغداد سنة 515 هجرية، وتفرّغ للوعظ واتخذه وسيلة لإظهار مذهب الأشعري والدعوة إليه، ومهاجمة خُصومه، وقد مارس ذلك علانية وبالغ في التعصب للأشعرية والحط على الحنابلة، فكثُرت بينه وبينهم اللعنات والفتن، وفي سنة 521 هجرية رجمه العوام أكثر من مرة في الأسواق، ورموا عليه الميتات، ولعنوه وسبوه، لمبالغته في إظهار الأشعرية والدعوة إليها، فلما سمع بذلك الخليفة العباسي المسترشد بالله، منعه من الوعظ، وأمر بإخراجه من بغداد، وفي هذا الظرف ظهر الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي الحنبلي (ت 561ه  ) وجلس للوعظ، فالتف حوله الناس وانتصر به أهل السنة على حد قول ابن رجب البغدادي[734]، ويعني بهم الحنابلة وأهل الحديث.

لكن لما تُوفي الخليفة رجع أبو الفتوح إلى بغداد واستوطنها، وعاد إلى عادته القديمة، فأظهر الأشعرية وذم الحنبلية، وعادت الفتن واللعنات كما كانت عليه من قبل، فأُخرج ثانية من بغداد، وأُلزم بالمكوث ببلده[735] إسفرايين بخُراسان.

 

والشاهد الأخير- أي الثامن-  يتعلق بالواعظ الشهاب محمد بن محمود الطوسي الأشعري ( ت 596ه)، أقام بمصر وأظهر الأشعرية ونصرها، وكان صاحب حرقة على الحنابلة، فتصدّوا له مرارا، وكانت بينه وبين الواعظ الحنبلي ابن نجية خُصومة شديدة، وكل منهما يتكلم في الآخر، ولكل منهما أيضا مجلس وعظ بجامع القرافة بمصر ؛ ومن طريف ما حدث بينهما حادثتان، الأولى إنه في ذات يوم كان الواعظان بجامع القرافة كل في حلقته، فوقع سقف على ابن نجية وأصحابه، فعلّق الطوسي على ذلك بذكر قوله تعالى: (( فخر عليهم السقف من فوقهم )) –سورة النحل /26-.و الثانية مفادها إنه ذات يوم كان كل منهما في حلقته، فجاء كلب يشق مجلس الطوسي، فقال ابن نجية: هذا جاء من هناك، وأشار إلى جهة حلقة خصمه الشهاب الطوسي[736].

وفي سنة 580 هجرية وقعت بين الحنابلة والأشاعرة خصومة، عندما أنكر الحنابلة على الشهاب الطوسي تكلّمه في مسألة من مسائل العقيدة –لم تُحدد- في مجلس وعظه، فحدث خصام بينهما وأطلق كل منهما لسانه في الآخر، ثم ترافعوا إلى السلطان الأيوبي-لم أُميزه- بمصر، فأمر برفع كراسي الوعظ عند الطرفين[737].

والسبب الرابع هو تمذهب عوام الناس، فإنهم لما تمذهبوا تعصبوا لمذاهبهم عن جهل وطيش، وعصبية عمياء، بتحريض من علمائهم وأعيانهم وحكامهم المتعصبين مثلهم، فكان هؤلاء العوام وقودا للفتن المذهبية الدامية التي حدثت بين الطوائف المذهبية، خلال العصر الإسلامي، وقد ذكرنا على ذلك شواهد تاريخية كثيرة في الفصل الأول.

والسبب الخامس –من الأسباب الثانوية- هو رواج أحاديث ضعيفة وموضوعة بين المتمذهبين المتعصبين، فيها إقرار لهم على ما هم فيه من اختلاف وتدابر وتنافر، كحديث: (( اختلاف أمتي رحمة ))، فهذا الحديث غير صحيح، استغله هؤلاء المتعصبون استغلالا فاحشا لدعم ما هم فيه، واتخذوه سندا لهم لتكريس الانقسامات المذهبية والتعصبات الطائفية.

والسبب السادس هو بقاء كثير من المسائل –الأصولية والفقهية- المُختلف فيها بين المذاهب، على ما هي عليه، من دون تحقيق علمي نزيه يرفع عنها الخلاف، لأن المتعصبين سعوا جاهدين إلى الاحتفاظ بمذاهبهم والاحتجاج لها، والدفاع عنها، حتى وإن كانت أدلتهم ضعيفة، فأدى ذلك إلى تكريس العصبية المذهبية والتشجيع عليها، والدفاع عنها، وإبقاء مسائل الخلاف قائمة.

والسبب السابع هو مخالفة الأتباع المتمذهبين المتعصبين لأقوال الأئمة الأربعة، وهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد –رضي الله عنهم-، في النهي عن تقليدهم والتعصب لأرائهم من غير دليل[738]. فهؤلاء المتمذهبون المتعصبون متناقضون مع أنفسهم في موقفهم من أئمتهم، فقلدوهم وتعصّبوا لهم بحق وبغير حق، رغم أن أئمتهم قد نهوهم عن تقليدهم والتعصب لهم، وهم سيتبرؤون منهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.

والسبب الثامن هو تميز كل طائفة عن الطوائف الأخرى، بمدارسها، وشيوخها، وطلابها، وتراثها، ومساجدها، وأحيائها السكنية، فهذا الوضع الغريب كرّس الطائفية والعصبية المذهبية وعمقهما، وجعلهما أمرا واقعا معترف به سلطة ومجتمعا.

 

والسبب الأخير-أي التاسع-  هو الدور السلبي لجهاز القضاء –خلال العصر الإسلامي- في تعامله مع المذاهب الفقهية والتعصب لها، فعندما كان القضاء أحادي المذهب، كان يحكم بالمذهب الذي تتبناه الدولة، وعلى المذاهب الأخرى الخضوع لمذهب الدولة والأخذ به أحبت أم كرهت.  فولّد فيها ذلك الوضع التعصب لمذهبها حماية له من الانقراض، والتعصب على مذهب الدولة المفروض عليها. كما أن مذهب الدولة الرسمي مكّن لأتباعه من استخدام نفوذهم في الدولة لنشره وتقويته، والتعصب على مخالفيه؛ فأوجدت هذه الوضعية تعصبا من كل الطوائف. وعندما أصبح القضاء متعددا، فإن الوضع لم يتغير من حيث التعصب المذهبي، فإنه كرّس الفرقة والعصبية، وفتح المجال للقضاة المتعصبين من المذاهب الأربعة لاستغلال نفوذهم في خدمة مذاهبهم والتعصب على مُخالفيهم.

وبذلك يتبين مما ذكرناه أن تلك الأسباب –الأساسية والثانوية-  ممتزجة ومتفاعلة، هي التي كانت وراء ظاهرة التعصب المذهبي التي تناولنا مظاهرها وآثارها فيما تقدم من كتابنا هذا، فهل من سبيل إلى التخلص منها في وقتنا الحاضر ؟.

ثالثا: علاج ظاهرة التعصب المذهبي:

لم تجد ظاهرة التعصب المذهبي-خلال العصر الإسلامي- الحل العملي الصحيح لعلاجها، رغم ما جرّته على الأمة من ويلات ومآس وأخطار، ما نزال نعاني منها إلى يومنا هذا، فهل لعلاجها من سبيل ؟.

سنقترح لعلاجها جملة من الحلول في أربع مجموعات، نذكرها تباعا إن شاء الله تعالى، الأولى تتضمن مجموعة الحلول العامة، وتضم ستة حلول، أولها إخلاص النية الصادقة لله تعالى في طلب الحق وترك الباطل، والابتعاد الكلي عن التعصب الأعمى للمذاهب والأشخاص.

وثانيها الخضوع التام لأحكام الشرع الحكيم، والتسليم المطلق له في كل ما يقرره، انطلاقا من الفهم الصحيح له، بلا تأويل ولا تحريف، ولا إعغال ولا مبالغة، وبلا خلفيات مذهبية مُسبقة متعصبة للباطل، مع رد متشابهه إلى محكمه، وتفسير القرآن بالقرآن أولا، وبالسنة النبوية الصحيحة ثانيا، وبما كان عليه الصحابة والسلف الصالح رابعا، وبالحقائق العقلية والاجتماعية والطبيعية الصحيحة الثابتة خامسا.

والحل الثالث هو أن يكون مرجعنا في أفعالنا وأقوالنا،  وأحكامنا وخلافاتنا الشرع الحكيم المتمثل في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الصحيحة، -عليه الصلاة والسلام – لأن الله تعالى لم يتعبدنا بإتباع العلماء ولا الأعيان ولا الحكام، وإنما تعبّدنا بإتباع كتابه وسنة نبيه-عليه الصلاة والسلام-، فإذا  ما تعارضت أقوال البشر وأفعالهم مع الشرع رُفضت مهما كان قائلها.

والحل الرابع  هو التعامل الإيجابي مع تراثنا الإسلامي، - على اختلافه وتنوّعه- بأن ننظر إليه نظرة شمولية متوازنة نافعة، بلا إقصاء ولا إغماط،  وبلا تقزيم ولا مبالغة، وبلا تعصب أعمى، فنستفيد من إيجابياته – وما أكثرها – فنأخذ بها، ونعتبر  بسلبياته –و ما أكثرها أيضا-  فنتعلم منها ونتجنبها، بلا مخاصمات ولا مزايدات.

والحل الخامس هو الحرص والسعي الجاد لإيجاد إرادة تغيير لدي السياسيين والعلماء والجماهير الإسلامية لتقبل مشروع مقاومة التعصب المذهبي، على مستوى الأفكار والمشاعر والأفعال، ويتم ذلك بناء على اتفاق مُسبق بين كل الأطراف المعنية.

وآخرها –أي الحل السادس- هو إبعاد العوام عن التمذهب مطلقا، -أصولا وفروعا-، لأن تمذهبهم يضر بهم وبالمجتمع، ولا يقدم نفعا للأمة، وقد ذكرنا على ذلك شواهد تاريخية كثيرة، كان فيها العوام هم وقود الفتن الدامية التي حدثت بين الطوائف الإسلامية. فمن مصلحة الأمة إبعاد هؤلاء عن التمذهب، لأن العامي-كما قال بعض العلماء-: لا مذهب له، لأنه يفتقد القدرة على الاختيار، فكيف يستطيع أن يختار لنفسه مذهبا ؟ !، فعلى العوام أن يسألوا أهل العلم بلا تمذهب ولا تعصب، وهكذا كان حالهم زمن الصحابة والسلف الأول.

 

وأما المجموعة الثانية –من الحلول- فتتعلق بحلول فقه الطوائف السنية الأربعة، وتتضمن أربعة حلول، أولها السعي الجاد لإيجاد فقه عام مُيسر خال من التعصب المذهبي  للمذاهب والأشخاص، يقوم أساسا على أخذ الأحكام من الكتاب والسنة الصحيحة مباشرة، مع الاستعانة بفقه الصحابة والسلف الأول، وكبار علماء الأئمة خلال العصر الإسلامي عند الحاجة إليه، على أن يكون الحكم في كل ذلك للدليل العلمي وحده.

وثانيها جمع المسائل الفقهية المختلف فيها بين العلماء والمذاهب، وتحريرها تحريرا علميا موضوعيا نزيها صحيحا، بلا تعصب للمذاهب والأشخاص، للخروج باتفاق يُرضي كل الأطراف، أو معظمها، مع الحرص على تضييق فجوة الخلاف ما أمكن، وعدم إقرار الأحكام المتناقضة مع روح الشريعة ومقاصدها، كالتي وقع فيها كثير من الشافعية والحنفية عندما أبطلوا صلاة الشافعي والحنفي خلف بعضهما بعض.

والحل الثالث هو العمل لإحياء منهج الأئمة الأربعة في الاجتهاد الفقهي القائم على الدليل، لا على التقليد والتمذهب والتعصب، وتبليغ ذلك لأتباعهم المتعصبين لهم، بأن أئمتهم ما دعوا إلى تقليدهم ولا التعصب لهم، وإن الإتباع الصحيح لهم هو إحياء منهاجهم الاجتهادي فهما وممارسة، وليس هو تقليدهم في فتاويهم والتعصب لها.

 

والحل الأخير –أي الرابع- الحرص على تربية أهل العلم على الاجتهاد الحر وحثهم عليه، والتأكيد على أن التقليد هو عجز وسلبية، وأن باب الاجتهاد مفتوح لا يصح غلقه ولا يستطيع أحد غلقه-بعدما فتحه الشرع وحث عليه-، على أن يطرقه من هو أهلا له، وفق منهج علمي صحيح، وبذلك نساعدهم-أي أهل العلم- على التخلّص من عقدة التقليد المذهبي، الذي هو من الأبواب الموصلة إلى التعصب المذهبي المذموم.

 

وأما المجموعة الرابعة، فحلولها تتعلق ببعض مسائل أصول الدين المُختلف فيها، منها قضية صفات الله تعالى، فهي قضية أحدثت فتنا كثيرة بين الطوائف الإسلامية، وأخذت من العلماء أوقاتا وجهودا كثيرة، وأول حلولها: إثبات كل الصفات المذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، بلا تأويل ولا تحريف، ولا تشبيه ولا تعطيل، مع فهمها والنظر إليها انطلاقا من قوله سبحانه تعالى: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ  )) – سورة الشورى: 11-         ، و((وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ  )) سورة الإخلاص: 4 -. فهو سبحانه لا يُشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته، وإثباتنا لصفاته هو إثبات وجود لا إثبات كيفية.

 

وثانيها التخلي نهائيا عن التأويل الكلامي الذي يُصرف المعنى الظاهر الراجح للآيات إلى معنى آخر مرجوح، كتأويل الاستواء بالإستلاء، واليد بالنعمة أو القدرة، وهذه الطريقة في  تأويل النص لا تصح نقلا ولا عقلا، ولا مبرر لها ولا فائدة منها، فهي تُعطل النصوص ولا تُقدم حلولا صحيحة. فلو كان التأويل الكلامي مطلوبا شرعا لأمرنا الله تعالى به، وقال لنا إن المقصود من صفة الرحمة، واليد، والعين، والاستواء، هو كذا وكذا، وبما إنه لم يقل لنا ذلك ولا أمرنا به، دل ذلك على أن التأويل غير مشروع.

ويجب أن يترسخ في عقولنا وقلوبنا إن إثبات الصفات كما أنه لا يستلزم تأويلا  فإنه أيضا لا يقتضي تشبيها ولا تجسيما، ولا يُؤدي إليهما إلا إذا قلنا إن صفاته تعالى تُشبه صفات مخلوقاته، وأما إذا أثبتناها ونفينا عنها مشابهتها لصفات المخلوقين، فهذا ليس تشبيها، ولا يستدعي تأولا، وإنما هو إثبات وتنزيه مصداقا لقوله تعالى: (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )).

 

كما أنه –أي التأويل- هو بحد ذاته مشكلة وليس حلا، لأنه غير مشروع شرعا، ويُحرّف نصوص الكتاب والسنة، ولا يُقدّم حلا في تأويله للصفات، فنحن إذا ما قلنا مثلا إن إثبات الاستواء واليد لله تعالى يُوهمان التشبيه، ولابد من تأويلهما، فأولنا الاستواء بالاستيلاء، واليد بالنعمة والقدرة، فإن الإشكال لا يزول، ويبقى السؤال مطروحا، وهو: هل ذلك الاستيلاء كاستيلاء الإنسان ؟، وهل النعمة والقدرة، كالنعمة والقدرة عند الإنسان ؟ فإن قيل: نعم، فهذا تشبيه صريح، وإن قيل: لا، فلا حاجة لنا إذن للتأويل أصلا، ونقول: إن استواء الله تعالى ليس كاستواء البشر، وإن يده ليست كيد الإنسان، وإن نزوله ليس كنزول مخلوقاته، وإن رحمته ليست كرحمة البشر... وهكذا مع كل الصفات الثابتة لله تعالى، وبذلك يكون التأويل لم يُُقدم لنا حلا، بل أدخلنا في متاهة لا مخرج منها، إلا بالتخلي عنه وإتباع القاعدة الشرعية، التي تنص على إثبات الصفات مع التنزيه وعدم التشبيه.

ولأنه أيضا لا فائدة منه، لنفيه ما أثبته الله تعالى لنفسه وتعطله النصوص الشرعية  وتحريفها، وزجه بالعقل في مسائل غيبية لا يدركها، ولا يعلمها إلا الله تعالى. ولأنه أيضا اعتداء على النصوص، واتهام للدين بالنقصان، ويُؤدي إلى اختراع صفات لله تعالى لم يصف بها نفسه، وتشبيهه بالجمادات والمعدومات والمنقوصات.

 

وأما المجموعة الأخيرة –أي الرابعة-  فحلولها تتعلق بانقسام أمة الإسلام- قديما وحديثا- إلى فرق ومذاهب متصارعة، ومتنافرة ومُكفرة لبعضها بعض، كالسنة والخوارج والشيعة، وأول حلولها –لعلاج التعصب المذهبي- هو توحيد مصدر التلقي بين تلك الفرق، لأن لكل منها مصادر دينية –إلى جانب القرآن- تنفرد بها وترجع إليها، وتستقي منها أصولها وفروعها، ومن خلالها تنظر في القرآن وتُفسّره. فالخوارج الإباضية لهم مصدر يأخذون منه الأحاديث النبوية، هو كتاب مُسند الربيع بن حبيب. وللشيعة الاثنى عشرية كتاب في الحديث  الكافي في الأصول والفروع، لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني. وللأهل السنة مصنفاتهم في الحديث النبوي، منها كتب الصحاح والسنن والمسانيد. وبما أن لكل طائفة مصادرها ولا تعترف بمصادر الطوائف الأخرى، فلم يبق أمامها إلا القرآن الكريم الذي يجمعها، فمن أنكره فقد كفر، فهو مصدر التلقي الوحيد الذي يجب عليها أن تحتكم إليه، وعنده تتوقف وتترك مصادرها الأخرى جانبا.

 

وثانيها –أي الحلول- عرض مبادئ كل طائفة على القرآن الكريم بطريقة علمية صحيحة، بلا تأويل ولا تحريف، فما وافق القرآن قبلناه وما خالفه رفضناه وتركناه، ومثال ذلك مبادئ الشيعة الاثنى عشرية، فمنها اعتقادهم بوجود اثني عشر إماما –بعد النبي- معصوما من الخطأ، كلامهم شرع مقدس يجب العمل به، ومن كفر بهم أو بواحد منهم فهو كافر. ومنها زعمهم بتحريف القرآن وتكفيرهم للصحابة[739]. ومبادئهم هذه يرفضها القرآن الكريم جملة وتفصيلا، وينكرها بشدة،  لأنها تتناقض معه تناقضا تاما، وهذا واضح وضوح الشمس، لا ينكره إلا متعصب مُعاند ركب رأسه واتبع هواه وشيطانه؛ لأن القرآن الكريم لا وجود فيه لحكاية الأئمة المعصومين أصلا، ولم يُذكر فيه ولا واحد منهم.

كما أنه –أي القرآن- قد حسم مسألة الإمامة حسما نهائيا واضحا لا لُبس فيه، ولم يتركها لروايات الكذابين وأحاديثهم، فقد جعلها شورى بين المسلمين بالاختيار الحر، ولم يجعلها خاصة بآل البيت ولا بغيرهم، قال تعالى: (( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )) – سورة الشورى: 38 – وهذا يشمل كل أمورهم دون استثناء، ومن باب أولى مسألة الإمامة. وقال أيضا: ((  أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ))- سورة النساء / 59-   فأولو الأمر من المسلمين مطلقا دون تحديد.

كما أن الله تعالى علّق النجاة يوم القيامة بطاعته وطاعة رسوله، فمن أطاعهما دخل الجنة، ومن عصاهما كانت النار مأواه، ولم يجعل ذلك مُعلقا بالإيمان بهؤلاء الأئمة المزعومين وطاعتهم؛ قال تعالى: ((وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً  )) – سورة الفتح: 17 -، و((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) – سورة النساء/ 13-، و((وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )) –سورة النور: 52 -، و ((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً )) – سورة الأحزاب: 36 - و ((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً )) – سورة الجن: 23 -، و((وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ )) – سورة النساء: 14 -.

وكذلك زعمهم بتحريف القرآن الكريم، فمن يقول ذلك فقد كفر به، وأنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، وهو حفظ الله تعالى لكتابه من التحريف زيادة ونقصانا، قال تعالى: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) – سورة الحجر: 9 -، و((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت: 42 )، و((الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ )) – سورة هود: 1 -.

وكذلك سبهم للصحابة وتكفيرهم لهم، هو أمر مخالف للقرآن وتكذيب له، لأن الله تعالى قد شهد لهم بالإيمان والعمل الصالح ودخول الجنة ن قال سبحانه: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) – سورة التوبة: 100 -، و((  وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ  )) – سورة الأنفال: 74 - فلو لم يكونوا مؤمنين صادقين زمن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبعده واستمرارهم على مرضاة الله تعالى، ما شهد لهم بالإيمان والرضا ودخول الجنة بشهادته لهم بالإيمان الحق، فهو سبحانه علام الغيوب لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. كما أنه سبحانه قد خاطب الصحابة بقوله: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  )) – سورة النور: 55 -، فوعده سبحانه وتعالى اشترطه –لكي يتحقق- بالإيمان والعمل الصالح وعدم الإشراك به، وبما أن وعده قد تحقق فعلا على أرض الواقع على يد الصحابة، في فتوحاتهم ودولتهم الراشدة، ونشرهم للعلم والعدل والأخوة، فإن هذا دليل قاطع، على أنهم استمروا على الطريق المستقيم، وأن الله تعالى راض عنهم في حياة نبيه وبعده.

ونفس الأمر ينطبق على مبادئ الطوائف الأخرى، فما وافق القرآن من مبادئها أخذناه، وما خالفه رفضناه وتركناه، وعليه فما على كل فرقة إلا الرجوع إلى الحق بالتمسك بالقرآن والسنة الصحيحة التي تتطابق معه ولا تناقضه.

 

والحل الثالث هو عرض الكتب الحديثية – التي عند الفرق الإسلامية – على القرآن الكريم وفق  منهج علمي صحيح –ذكرناه سابقا- فالتي وافقته ولم تناقضه، وصحت أسانيدها ومتونها، قبلناها والتي لم تتفق معه، ولا صحّت أسانيدها ومتونها، رفضناها وحكمنا عليها بالضعف والوضع من دون تعصب لكتاب أو لآخر. وواضح لكل إنسان صادق موصوعي نزيه أن كتب الصحاح السنية هي التي تتفق تماما مع ما في القرآن الكريم، ومن أنكر ذلك فعليه أن يتجرد من العصبية ويتحقق بنفسه. وأما كتب الطوائف الأخرى فلا تتفق تماما مع القرآن الكريم، فبعضها  قد يتفق معه بنسبة 60 في المائة، وبعضها الآخر قد يتفق معه بنسبة 40 في المائة، وبعضها قد يتفق معه بنحو 2 في المائة فقط.

والحل الرابع عرض رواياتنا التاريخية المتعلقة بالمذاهب ورجالها، على منهج علمي صارم صحيح لتمييز صحيح تلك الروايات من سقيمها، فنعرضها على القرآن الكريم أولا، ثم على السنة النبوية الصحيحة ثانيا، وعلى الثوابت والمتواترات التاريخية ثالثا، وعلى بدائه العقول وحقائق الطبيعة والعمران البشري رابعا، على أن ينصب نقدنا على الأسانيد والمتون معا، فما صحّ منها أخذناه وما لم يصح تركناه، من دون تعصب لأي مذهب.

 

والحل الأخير –أي الخامس- هو أنه على أتباع المذاهب الإسلامية أن يُوطّنوا أنفسهم ويُهيئوها لتقبل الحقيقة التي سيخرج بها التحقيق العلمي للمذاهب والأحاديث والروايات التاريخية. وعليهم أيضا أن يستعدوا لترك أفكارهم ومذاهبهم وأحاديثهم وأخبارهم إذا ما أثبت التحقيق العلمي بطلانها؛ فليفتحوا قلوبهم وعقولهم لتقبل الحقيقة حتى وإن كانت مرة. وبدون هذا الاستعداد لا يمكن الوصول إلى كلمة الحق التي تجمع المسلمين على كتاب ربهم وسنة نبيهم الصحيحة، ومنهاج سلفهم الصالح، هذا الطريق هو الذي يُبعدهم عن التعصب المذهبي المذموم، ويجمعهم على كلمة الحق بإذن الله تعالى.

 

وختما لهذا الفصل –و هو الأخير- يتبين لنا أن العصب المذهبي –خلال العصر الإسلامي- كان راسخا في المجتمع الإسلامي، ترك فيه آثارا سلبية كثيرة على مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية، لأسباب كثيرة، بعضها أسباب رئيسية عميقة، وأخرى أسباب ثانوية مساعدة، امتزجت كلها وتفاعلت فيما بينها، فأدت إلى انتشار التعصب المذهبي وتعميقه بين المسلمين، الأمر الذي استدعى حلولا جذرية لا ترقيعية لعلاجها، فذكرنا منها طائفة في أربع مجموعات، إن أخذنا بها ستخلّصنا –بإذن الله تعالى- من التعصب المذهبي البغيض الذي أفسد المشاعر والأفكار والسلوكيات.

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة

 

لقد أظهرت دراستنا لظاهرة التعصب المذهبي في التاريخ الإسلامي، طائفة من كبيرة من الحقائق والنتائج، هي مبثوثة في ثنايا كتابنا هذا، منها: إن التعصب المذهبي أوصل الطوائف الإسلامية إلى السب واللعن، والطعن والتكفير، والتناحر والاقتتال، حتى وصل الأمر بالشيعة إلى سب الصحابة وتكفيرهم، والطعن في القرآن الكريم.

ومنها إنه –أي التعصب المذهبي- لم يكن ظاهرة فردية محدودة عابرة، وإنما كان ظاهرة اجتماعية عامة متجذّرة في المجتمع الإسلامي، بين كل الطوائف المذهبية المكوّنة له، على امتداد العصر الإسلامي لمدة تزيد عن ثمانية قرون.

ومنها أيضا إنه تبين ما كانت تُكنّه الطوائف الإسلامية لبعضها بعض من حقد وكراهية وتآمر، فكان كل طرف يتربص بخصمه الدوائر، لإضعافه والإيقاع به، تحقيقا لمكاسب مذهبية واجتماعية وسياسية، باستخدام مختلف الوسائل الممكنة، جاعلا الأخوة الإسلامية من وراء ظهره.

كما أنه –أي التعصب- أوصل الطوائف الإسلامية إلى الغلو في أئمتهم، والتطرّف في كثير من أفكارهم الأصولية والفقهية، وأدخلهم في صراع مذهبي عنيف جرّ أكثرهم إلى الكذب واختلاق الأحاديث النبوية والروايات التاريخية، انتصارا لمذاهبهم وردا على مخالفيهم.

وتبين أيضا أن أكثر الدول الإسلامية- حلال العصر الإسلامي- كانت متمذهبة متعصبة، وكان كثيرا من خلفائها وملوكها وأمرائها متعصبين، ساهموا بقوة في نشر التعصب المذهبي وترسيخه بين الناس، خدمة لمذاهبهم وتعصبا لها، مستغلين في ذلك نفوذهم في السلطة من جهة، والتمكين لطوائفهم من جهة أخرى.

كما أنه ترك آثارا مدمرة على الأفراد والجماعات والعمران، وميّز كل طائفة- عن الطوائف الأخرى- بمدارسها ومساجدها، وتراثها ورجالها، وأحيائها السكنية، فأفسد بذلك الأفكار والمشاعر والسلوكيات، وكانت سلبياته أكثر من إيجابياته بفارق كبير جدا، اجتهدنا نحن في البحث عن أسبابه حصرا وتشخيصا، واقترحنا جملة من الحلول النظرية والعملية لعلاجها، لعلنا ننتفع بها إن شاء الله تعالى. وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله أولا وأخيرا.

د/ خالد كبير علال

الجزائر: 24 / رمضان /1426

27 /أكتوبر/ 2005

 

 

 

 

أهم المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم

2-البخاري: صحيح البخاري، حققه ديب البغا، ط3، بيروت، دار ابن كثير، 1987.

3-مسلم: الصحيح، حققه فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د ت.

4-ابن منظور الإفريقي: لسان العرب، بيروت، دار صادر، د ت.

5-ابن عبد البر: التمهيد، حققه مصطفى البكري، المغرب، وزارة الأوقاف، 1387

6- ابن حجر العسقلاني: لسان الميزان،  ط3، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1986.

7-ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام، ط 1، القاهرة دار الحديث، 1414.

8- ابن خلدون  المقدمة، ط5، بيروت، دار القلم، 1984، وط: دار الكتب العلمية، 1993

9- ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال، حققه مختار عزاوي، ط 3، بيروت، دار الفكر، 1988.

10-ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ط 1، بيروت، دار الأندلس.

11- ابن كثير: البداية والنهاية،  بيروت، مكتبة المعارف، د ت.

12-ابن تيمية: مجموع الفتاوى، جمعه ابن القاسم، الرياض، 1381.

13-  =     =  :الصارم المسلول على شاتم الرسول، حققه محمد الحلواني، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1417.

14-  =   = : درء تعارض العقل والنقل، حققه محمد رشاد سالم، الرياض، دار الكنوز، 1391ه.

15-=      =: منهاج السنة، حققه محمد رشاد سالم، ط1  د م، مؤسسة قرطبة، 1406.

16-=       =: التفسير الكبير، حققه عبد الرحمن عميرة، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988

17- =     =: الوصية الكبرى، حققه علي حسن عبد الحميد، ط2، الجزائر، دار الشهاب، 1988

18-  =    =:الرسالة التدمرية، الجزائر، دار الشهاب، 1989 قاعدة في المحبة، حققه محمد رشاد سالم  الجزائر  دار الشهاب   د ت.

19-بن تغري بلدي: النجوم الزاهرة، مصر، المؤسسة المصرية العامة للكتاب، د ت.

20-ابن عساكر: تبيين كذب المفتري،  حققه زاهد الكوثري، ط3، بيروت، دار الكتاب العربي، 1984.

 

21-ابن حزم: الفصل، القاهرة، مكتبة الخانجي، د ت.

22-ابن الأثير: الكامل في التاريخ، حققه عبد الله القاضي، ط 2، بيروت، دار الكتب العلمية، 1995.

23- ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، حققه محمود الأرناؤوط، ط1 دمشق، دار ابن كثير، 1989.

24-ابن رجب: الذيل عل طبقات الحنابلة، حققه محمد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، 1953.

25-ابن خلكان: وفيات الأعيان، حققه إحسان عباس، دار الثقافة، 1968.

26- ابن حجر الهيثمي:  الصواعق المحرقة أهل الرفض والضلال والزندقة، حققه عبد الرحمن التركي، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997.

27 ابن مفلح المقدسي: الفروع، ط1 ـ بيروت، دار الكتب العلمية، 1418.

28ابن عقيل: الرد على الأشاعر، نشرته مجلة نشرة الدراسات الشرقية، المعهد الفرنسي بدمشق، العدد 24 1971.

27-ابن قدامة الموفق المقدسي: المغني في الفقه ط1، بيروت، دار الفكر، 1405.

28-ابن قدامة: مناظرة في القرآن، ط1، الكويت، مكتبة ابن تيمية.

29-ابن قدامة الموفق المقدسي: تحريم  النظر في كتب أهل الكلام،  نشره جورج مقدسي   لندن، مطبعة لوزاك.

30-ابن قيم الجوزية : الفوائد، حققه راتب عرموش، ط4، بيروت، دار النفائس،

31- =     = :  إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حققه حامد الفقي، ج2، بيروت، دار المعرفة، 1975.

32-=       =: شفاء العليل ص:314.و مختصر  الصواعق المرسلة، حققه جامع رضوان، بيروت، دار الفكر، 1979.

33- =      =: طريق الهجرتين، بيروت، دار الكتاب العربي، د ت.

34-  =       =: زاد المعاد في هدى خير العباد، حققه شيعب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، ط14، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1986

35- =   = : نقد المنقول، حققه حسن السماعي، ط 1، بيروت دار القادري، 1990.

36-ابن الفوطي: الحوادث الجامعة والتجارب النافعة، بيروت، دار الفكر الحديث، 1987.

37- ابن جرادة:  بغية الطلب في تاريخ حلب، حققه سهيل زكار، ط1، بيروت، دار الفكر،

38-  ابن الجوزي :صيد الخاطر، حققه محمد الغزالي، الجزائر، مكتبة رحاب.

39-ابن الجوزي: المنتظم، ط 1، بيروت، دار صادر، 1358ه  ج 8 ص: 143.

40-ابن الجوزي: التحقيق في أحاديث الخلاف، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415ه.

41-ابن جبير: رحلة ابن جبير، الجزائر، موفم للنشر، 1988،  ص: 71.

42-الجوزجاني: أحوال الرجال، حققه صبحي السامرائي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405.

43-ابن حبان: كتاب المجروحين،  حققه محمود زايد، حلب، دار الوعي، د ت.

44-ابن حبان: صحيح ابن حبان، حققه شعيب الأرناؤوط، ط2 بيروت، مؤسسة الرسالة.

45-ابن حجر: تهذيب التهذيب، ط1، بيروت دار الفكر، 1984.

46ابن حجر: الدرر الكامنة، حققه محمد العيد خان، ط2، الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، 1972.

47-ابن خزيمة: كتاب التوحيد، دار الكتب العلمي، بيروت، 1978.

48-ابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت.

49-ابن النجار: ذيل تاريخ بغداد، بيروت، دار الكتاب العربي، د ت.

50-ابن الوردي: تتمة المختصر في أخبار البشر، ط1 بيروت، دار المعرفة، 1970

51-ابن العربي:  العواصم من القواصم، حققه عمار طالبي الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع

52-ابن تبيط: نسخة الأشجعي في الأحاديث الموضوعة، مصر دار الصحابة.

53- ابن الفرات: تاريخ ابن الفرات، حققه حسن الشماع، بغداد، دار الطباعة الحديثة، 1969،  ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، حققه نزار رضا، بيروت، مكتبة الحياة

54-ابن الطقطقى: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، مصر، مكتبة عز للتوريدات

55-ابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة، حققه سامي الدهان ولاوست، دمشٌ المعهد الفرنسي، 1951.

56- ابن الأهدل::  كشف الغطاء، تونس، الاتحاد العام التونسي للشغل، د.

57-ابن شداد: الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة،  حققه سامي الدهان، دمشق، المهعد الفرنسي، 1956ه

58-أبو إسحاق الشيرازي: طبقات الفقهاء، حققه خليل الميس، بيروت، دار القلم، د ت.

59-أبو حامد الغزالي: المنخول، حققه محمد حسن هيتو، بيروت، دار الفكر.

60-أبو الحجاج المزي: تهذيب الكمال، حققه بشار عواد، بيروت، مؤسسة الرسالة.

61-أبو الحسين بن أبي يعلى الفراء: طبقات الحنابلة حققه محمد حامد الفقي، مصر، مطبعة السنة المحمدية، 1962.

62-أبو يعلى الفراء: المعتمد في أصول الدين، حققه وديع زيدان، بيروت، دار المشرق، 1973

63-أبو الفدا: المختصر في أخبار البشر، ، بيروت، دار الكتاب اللبناني، د ت.

64-أبو المظفر الاسفراييني: التبصير في الدين،  ط1، بيروت، دار عالم الكتب.

65-أبو شامة: مختصر كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول، ضمن مجموع: من هدى المدرسة السلفية، الجزائر، دار الشهاب.

66-أبو شامة المقدسي: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، حققه إبراهيم الزئبق، ط 1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997 .

1983

67-أبو اليمن مجير الدين: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، النجف، المطبعة الحيدرية ومكتبتها، 1968

68-الألباني: الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ط3، عمان المكتبة الإسلامية، ذ406

69- =   =:  صحيح الأدب المفرد، ط2، دار الصديق، 1421ه

70- =   =ي: صفة صلاة النبي،  السعودية مكتبة المعارف، د ت.

71- =  =: تمام المنة في التعليق على فقه السنة، ط3  دار الراية، السعودية.

72-الأدفوي كمال الدين: الطالع السعيد،  الدار المصرية للتأليف.

73-أمينة البيطار: تاريخ العصر العباسي، دمشق، مؤسسة الوحدة، 1981.

74-أبو علي بن البناء: يوميات ابن البناء، نشرته مجلة الدراسات الشرقية  بالمركز الفرنسي بدمشق، مج 19، 1957، ص: 15.

75-أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة، حققه محمد عباس، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة،

76-الإسفراييني: التبصير في الدين، ط1، بيروت، عالم  الكتب، 1983.

77-بدر الدين الحنبلي: مختصر فتاوى ابن تيمية، حققه حامد الفقي، بيروت، دار الكتب العلمية، دت

78-البخاري: خلق أفعال العباد، الجزائر، دار الشهاب.

79-التجيبي: مستفاد الرحلة والاغتراب، حققه عبد الحفيظ منصور، ليبيا، الدار العربية للكتاب

80-التنوخي: نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، دار صادر، بيروت، 1971.

81-جورج ستانسيو، وروبرت أغروس: العلم في منظوره الجديد، ترجمه كمال خليلي، سلسلة عالم المعرفة الكويت المجلس الوطني للثقافة والفنون.

82-حاجي خليفة: كشف الظنون، بيروت، دار الكتب العلمية 1992ه.

83-الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، بيروت، دار الكتب العلمية، د ت.

84-الذهبي: أحاديث مختارة من موضوعات ابن الجوزي والجوزقاني، المينة المنوّرة، مكتبة الدار 1404

85-الذهبي: سيّر أعلام النبلاء  حققه بشار عواد، بيروت، مؤسسة الرسالة.

86-الذهبي: الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردا، ط 4، حققه محمد الموصلي، بيروت، دار البشائر، 1992.

87- الذهبي: العبر، حققه صلاح الدين المنجد، ط2، الكويت، مطبعة حكومة الكويت، 1984.

88-الذهبي: ميزان الاعتدال، حققه علي معوض، ط1  بيروت دار الكتب العلمية، 1995.

89-السبكي: معيد النعم ومبيد النقم، حققه محمد علي النجار، ط1، القاهرة، جماعة الأزهر، 1948

90-السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، حققه محمد الطناجي ط 2، الجيزة، دار هجر، 1992.

91-سفر الحوالي: منهج الأشاعرة في العقيدة،  ط1، الجزائر، الدار السلفية، 1990.

92-السيوطي: تاريخ الخلفاء، حققه محمد محي الدين عبد الحميد، ط 1، مصر، مطبعة السعادة، 1952.

93-السوطي: حسن المحاضرة، حققه محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، 1965.

94-السيوطي:  تدريب الراوي، حققه عبد الوهاب عبد اللطيف، الرياض، مكتبة الرياض، دت.

95-السيوطي: تاريخ الخلفاء، ط1، مصر، مطبعة السعادة، 1952.

96-سبط بن الجوزي: مرآة الزمان، القسم الأول، الدكن، الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية.

97-السخاوي:   التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة اللطيفة، ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993.

98-السفاريني: لوامع الأنوار البهية، حققه رشيد رضا، القاهرة، مطبعة المنار الإسلامية، 1323ه.

99-الشهرستاني: الملل والنحل، حققه علي مهنا، بيروت، دار المعرفة، 1998.

100-الشوكاني: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، حققه عبد الرحمن المعلمي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1995.

101-الشوكاني: القول المفيد، حققه عبد الرحمن عبد الخالق، ط1، الكويت، دار القلم، 1396.

102-الشوكاني: السيل الجرار، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405ه.

103-الشوكاني: البدر الطالع، بيروت، دار المعرفة، د ت،  ص: 90، 91.

104- الصفدي: نكت الهيمان، حققه أحمد زكي باشا، مصر، المطبعة الجمالية، 1911.

105-الصنعاني محمد بن إسماعيل:  إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، حققه صلاح الدين مقبول، ط 1، الكويت، الدار السلفية، 1396ه

106-الضياء المقدسي: الأحاديث المختارة، حققه عبد الملك بن دهيش، ط1 مكة، مكتبة النهضة الحدية’ 1410ه.

107-العقيلي: ضعفاء العقيلي، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1404.

108-العيدروس عبد القادر: تاريخ النور السافر على أخبار القرن العاشر، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405ه.

109-عبد الواحد المراكشي:  المعجب في تلخيص أخبار المغرب، حققه سعيد العريان، ط 1، القاهرة، مطبعة الإستقامة، 1368.

110-عبد الله الزيلعي   نصب الراية حققه يوسف البنوري، مصر، دار الحديث، 1357ه.

111-عبد الله بن أحمد بن حنبل: السنة، حققه محمد القحطاني، ط 1، الدمام، دار ابن القيم، 1406.

112-عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، حققه محي الدين عبد الحميد، بيروت، المكتبة العصرية، 1995.

113-  عبد القادرالقرشي: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، كراتشي، مير محمد كتب خانة، دت.

114-عمر سليمان الأشقر: المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية ن ط2 الأردن، دار النفائس، 1998.

115-عمر بن عثمان: الوضع في الحديث، دمشق، مكتبة الغزالي ج2 ص:102.

116-العلموي: المعين في أدب المفيد، حققه محمد زيغور، ط1، بيروت، دار إقرأ  1986

117-عمر سليمان الأشقر: تاريخ الفقه الإسلامي، الجزائر، قصر الكتاب، 1990

118-علي القارئ: الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة، حققه محمد الصباغ، ط2، بيروت، المكتب الإسلامي، 1406

119-عبد الواحد المراكشي:    المعجب في تلخيص أخبار المعرب، حققه سعيد العريان، ط 1، القاهرة مطبعة الاستقامة، 1368.

120-عماد عبد السلام رؤوف: مدارس بغدادفي العصر العباسي، ط 1، بغداد، مطبعة العاني، 1965

121-عبد لعزيز سالم: تاريخ المغرب في العصر الإسلامي، مؤسسة شباب الجامعة، مصر، د ت

122-العليمي: المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، حققه محي الدين عبد الحميد، ط 1، القاهرة، 1963.

123-القرطبي: تفسير القرطبي، حققه أحمد البردوني، ط2، القاهرة، دار الشعب، 1372ه

124-القلقشندي: مآثر الأنافة في معالم الخلافة، ط 2، الكويت، مطبعة حكومة الكويت.

125-القنوجي حسن خان: أبجد العلوم، حققه عبد الجبار زكار، بيروت، دار الكتب العلمية، 1987

126-الكليني: الكافي من الأصول، طهران دار الكتب الإسلامية، 1328ه

127-المناوي: الكواكب الدرية، ط1، بيروتت، دار صادر، 1999.

128-المناوي: فيض القدير، مصر، المكتبة التجارية الكبرى، 1356.

129-محمد السيواسي: شرح فتح القدير، ط 2، بيروت، دار الفكر، د ت

130- محمد المبارك: التفكير العلمي في الإسلام  ط2  بيروت، دار الفكر  1980

131-محمد بن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، حققه أكرم البوشي، ط2، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1996.

132-محمد بن عبد الهادي:  العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام بن تيمية، حققه محمد حامد الفقي، بيروت، دار الكتاب العربي

133-المقريزي: كتاب السلوك، لمعرفة دول الملوك، ط1، بيروت، دار صادر، 1999.

134-محمد عجاج الخطيب: السنة قبل التدوين، ط1، مصر مكتبة وهبة 1963.

135-المقري: نفح الطيب، حققه إحسان عباس، بيروت، دار صادر، 1968.

136-محسن المعلم: النصب والنواصب، دار الهادي، بيرت.

137-مؤلف مجهول: كتاب العيون والحدائق في معرفة الحقائق، حققه قمر السعيدي، المعهد الفرنسي، دمشق، 1972.

138- محمد كرد علي: خطط الشام،  دمشق، مطبعة الترقي، 1926.

139-محمد الحامد: مجموعة رسائل الشيخ محمد الحامد،  الجزائر، دار الشهاب.

140-النووي: المجموع، حققه محمود مطرحي، ط1، بيروت، دار الفكر، 1996.

142-النووي: شرح النووي على صحيح مسلم، ط2، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1392ه

143-ناجي معروف: تاريخ علماء المستنصرية، ط 2، بغداد، مطبعة العاني، 1965.

144-عمة الله الجزائري: النوار النعمانية، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

145-الناصري احمد بن خالد:  الاستقصاءلأخبار دول المغرب الأقصى ط1، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1997.

146-ولي الله الدهلوي: الإنصاف في بيان أسباب الإختلاف، حققه عبد الفتاح أبو غدة، بيروت، دار النفائس، 1983.

147-اليافعي المكي: مرآة الجنان، بيروت، منشورات الأعلمي، 1970.

148يوسف بن عبد الهادي: ثمار المقاصد في ذكر المساجد حققه اسعد طلس،  دمشق المهد الفرنسي.

149-اليونيني قطب الدين: ذيل مرآة الزمان، الهند،  مطبعة دائرة المعارف العثمانية.

 

 

فهرس المحتويات

 

المقدمة:

التمهيد:  تعريف التعصب المذهبي وبدايات ظهوره في التاريخ الإسلامي

أولا: تعريف التعصب المذهبي

ثانيا: بدايات ظهور التعصب المذهبي عند المسلمين

الفصل الأول:  مظاهر التعصب المذهبي في الحياة  الاجتماعية

-خلال العصر الإسلامي-

أولا: سب الشيعة للصحابة

ثانيا: اللعن والطعن والاتهامات المختلفة

ثالثا: التكفير المتبادل بين الطوائف الإسلامية

رابعا:القتل ومحاولات القتل

خامسا: الفتن المذهبية بين الشيعة والسنة

سادسا: الفتن المذهبية بين الطوائف السنية

سابعا: الفتن المذهبية بين السنة والكرّامية

ثامنا: مظاهر أخرى للتعصب المذهبي في الحياة الاجتماعية

الفصل الثاني: مظاهر التعصب المذهبي في الحياة العلمية

-خلال العصر الإسلامي-

أولا: التفاضل بالأئمة والمذاهب

ثانيا: الغلو في العقائد والمذاهب

ثالثا: مسائل خلافية أثارت التعصب المذهبي

رابعا: مؤلفات في الانتصار للمذاهب والتعصب لها

خامسا: حرق كتب المخالفين تعصبا للمذهب

سادسا:التعمد في رواية الأكاذيب وتحريف الأخبار

سابعا:المدارس والمساجد الطائفية

ثامنا: التعصب المذهبي عند أهل العلم

تاسعا: محن أصابت العلماء بسبب التعصب المذهبي

الفصل الثالث: مظاهر التعصب المذهبي في الحياة السياسية

-خلال العصر الإسلامي-

أولا: تمذهب الدول الإسلامية وتعصبها لمذاهبها

ثانيا: تعصب الخلفاء والملوك والأمراء لمذاهبهم

ثالثا:تمذهب جهاز القضاء وتعصبه

رابعا: استخدام الطوائف المذهبية للسلطة خدمة لمذاهبها

الفصل الرابع : آثار التعصب المذهبي وأسبابه وعلاجه

أولا: آثاره

ثانيا: أسبابه

ثالثا: علاجه

الخاتمة:

قائمة المصادر والمراجع:

فهرس المحتويات:

 

 

 

 

 

 


  1. [1] ابن منظور الإفريقي: لسان العرب، بيروت، دار صادر، د ت، ج1 ص: 607.
  2. [2] اللالكائي: اعتقاد أهل السنة، ج1 ص: 65.
  3. [3] ابن عبد البر: التمهيد، حققه مصطفى البكري، المغرب، وزارة الأوقاف، 1387، ج 12، ص: 203.
  4. [4] ابن حجر العسقلاني: لسان الميزان، ط3، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1986، ج 3 ص: 275.
  5. [5] الذهبي: سيّر أعلام النبلاء حققه بشار عواد، بيروت، مؤسسة الرسالة، ج 15 ص: 379.
  6. [6] نفس المصدر، ج 18 ص: 333.
  7. [7] نفس المصدر، ج 18 ص: 319، 407.
  8. [8] لم يذكر ابن تيمية درجته، وقد بحثت ُعنه في كتب الحديث فلم أجده بذلك اللفظ، ووجد قسما منه فقط، وقد ضعّفه الشيخ الألباني في تحقيقه لسنن الترمذي، كتاب الفتن، رقم: 3949. لكن الحديث يصلح شاهدا لما نحن فيه.
  9. [9] ابن تيمية: دقائق التفسير، ج 2 ص: 44.
  10. [10] انظر مثلا: عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، حققه محي الدين عبد الحميد، بيروت، المكتبة العصرية، 1995، ص: 14، 21، 24، 29، 72 .
  11. [11] هم أتباع عمرو بن عبيد البصري (ت142ه)، اعتزل هو وأصحابه حلقة شيخه الحسن البصري (ت110ه)، فسموا بالمعتزلة.نفس المصدر، ص: 20.
  12. [12] نفس المصدر، ص: 114 وما بعدها.
  13. [13] نفس المصدر، ص: 211.
  14. [14] نفس المصدر، ص: 216.
  15. [15] نفس المصدر، ص: 26.
  16. [16] سنذكر الشواهد على ذلك في الفصلين الأول والثاني، إن شاء الله تعالى.
  17. [17] انظر مثلا: الشوكاني: البدر الطالع، بيروت، دار المعرفة، د ت، ص: 90، 91. وولي الله الدهلوي: الإنصاف في بيان أسباب الإختلاف، حققه عبد الفتاح أبو غدة، بيروت، دار النفائس، 1983، ص: 68 وما بعدها.
  18. [18] انظر مثلا: الدهلوي: نفس المصدر، ص: 87 وما بعدها .
  19. [19] عبد القادرالقرشي: الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، كراتشي، مير محمد كتب خانة، د ت، ج 1 ص: 563.
  20. [20] أبو إسحاق الشيرازي: طبقات الفقهاء، حققه خليل الميس، بيروت، دار القلم، د ت، ص: 156.
  21. [21] الذهبي: الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب ردا، ط 4، حققه محمد الموصلي، بيروت، دار البشائر، 1992 ، ص: 29، 30
  22. [22] ابن حجر: اللسان، ج 1 ص: 458.
  23. [23] نفس المصدر، ج 5 ص: 41 .
  24. [24] عمر سليمان الأشقر: المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهية ن ط2 الأردن، دار النفائس، 1998، 19 وما بعدها.
  25. [25] عبد الله بن أحمد بن حنبل: السنة، حققه محمد القحطاني، ط 1، الدمام، دار ابن القيم، 1406 ج1 ص: 180 وما بعدها.
  26. [26] ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال، حققه مختار عزاوي، ط 3، بيروت، دار الفكر، 1988. ج 6 ص: 291.
  27. [27] الذهبي: ميزان الاعتدال، ج 6 ص: 182.
  28. [28] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، ج 5 ص: 350.
  29. [29] ابن حجر: اللسان، ج 1 ص: 458.
  30. [30] نفسه، ج 1 ص: 458.
  31. [31] نفس5 المصدر، ص: 41.
  32. [32] الذهبي: السير، ج 7 ص: 370، ج14 ص: 511، ج16 ص: 458. وأبو الحسين بن أبي يعلى الفراء: طبقات الحنابلة حققه محمد حامد الفقي، مصر، مطبعة السنة المحمدية، 1962، ج 1 ص: 36، 182. أبو يعلى الفراء: المعتمد في أصول الدين، حققه وديع زيدان، بيروت، دار المشرق، 1973 ص: 211.
  33. [33] عنهم أنظر: عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، ص: 32، 33 .
  34. [34] ابن حزم: الإحكام في أصول الأحكام، ط 1، القاهرة دار الحديث، 14-4 ، ج 4 ص: 586. والذهبي: المصدر السابق، ج 15 ص: 152، 160، 458. وابن خلدون: المقدمة، ط5، بيروت، دار القلم، 1984، وط: دار الكتب العلمية ، 1993 ص: 199.
  35. [35] انظر مثلا: ابن كثير: البداية والنهاية، بيروت، مكتبة المعارف، د ت، ج 11 ص: 233.
  36. [36] اذهبي: السير، ج 15 ص: 152، 154 .
  37. [37] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، جمعه ابن القاسم، الرياض، 1381 ج 28 ص: 236، 636. وابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة ، مصر، المؤسسة المصرية العامة للكتاب ، د ت، ج4 ص: 218.
  38. [38] الذهبي: المصدر السابق، ج 15 ص: 170، 196.
  39. [39] ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل، ج8 ص: 6.
  40. [40] ابن الجوزي: المنتظم، ط 1، بيروت، دار صادر، 1358ه ج 8 ص: 143 .
  41. [41] نفس المصدر، ج 8 ص: 38، 39.
  42. [42] نفس المصدر، ج 6 ص: 195.
  43. [43] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 209.
  44. [44] الشوكاني: البدر الطالع، ج 2 ص: 347.
  45. [45] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 241.
  46. [46] ابن الجوزي: المنتظم، ج9 ص: 49.
  47. [47] ابن كثير: المصدر السابق، ج 12 ص: 135.
  48. [48] ابن الجوزي: المصدر السابق، ج10 ص: 217.
  49. [49] سبط بن الجوزي: مرآة الزمان، القسم الأول، الدكن، الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، ج 8 ص: 386-387. والذهبي: العبر، حققه صلاح الدين المنجد، ط2، الكويت، مطبعة حكومة الكويت، 1984 ، ج4 ص: 241.
  50. [50] الجوزجاني: أحوال الرجال، حققه صبحي السامرائي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405 ج1 ص: 54.
  51. [51] اذهبي: ميزان الاعتدال، حققه علي معوض، ط1 بيروت دار الكتب العلمية، 1995 ، ج 8 ص: 56. وابن حجر: لسان الميزان، ج1 ص: 436، 437.
  52. [52] العقيلي: ضعفاء العقيلي، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1404 ج 4 ص: 180 .
  53. [53] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، بيروت، دار الكتب العلمية، د ت، ج 9 ص: 121.
  54. [54] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 94.
  55. [55] الذهبي: السير، ج 17 ص: 588.
  56. [56] ابن حجر: اللسان، ج 5 ص: 217.
  57. [57] الذهبي: العبر، ج 4 ص: 251. والسير، ج 21، 164 .
  58. [58] ذكره ياقوت الحموي، ولم يحدد زمانه، لكن يبدو أنه كان معاصرا لياقوت المتوفى سنة 624 ه.
  59. [59] ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج4 ص: 409.
  60. [60] ابن كثير: البداية، ج 14 ص: 250.
  61. [61] نفس المصدر، ج 14 ص: 310.
  62. [62] ابن قتيبة: عيون الأخبار ص: 305.
  63. [63] ابن خلكان: وفيات الأعيان، حققه إحسان عباس، دار الثقافة، 1968 ج2 ص: 205.
  64. [64] ابن الجوزي: المنتظم، ج 9 ص: 243.
  65. [65] ابن تيمية: منهاج السنة النبوية، ج 4 ص: 143، 144، 149.
  66. [66] نفسه، ج 4 ص: 149.
  67. [67] اليافعي: مرآة الجنان، حوادث سنة: 750ه.
  68. [68] المقري: نفح الطيب، حققه إحسان عباس، بيروت، دار صادر، 1968 ج 5 ص: 256-257.
  69. [69] اذهبي: السير، ج 7 ص: 253.
  70. [70] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج1 ص: 478.
  71. [71] أبو الحجاج المزي: تهذيب الكمال، حققه بشار عواد، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1980 ج 19 ص: 96.
  72. [72] ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة أهل الرفض والضلال والزندقة، حققه عبد الرحمن التركي، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997 ، ج 1 ص: 168.
  73. [73] الموفق بن قدامة: المغني في الفقه ط1، بيروت، دار الفكر، 1405، ج 10 ص: 168 .
  74. [74] االصارم المسلول على شاتم الرسول، حققه محمد الحلواني، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1417، ج 3 ص: 1110.
  75. [75] الذهبي: السير، ج 16 ص: 458.
  76. [76] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 233.
  77. [77] نفس المصدر، ج 12 ص: 93.
  78. [78] نفس المصدر، ج 14 ص: 310.
  79. [79] أبو الحسين بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 216.
  80. [80] ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل، ج 8 ص: 6.
  81. [81] ابن كثير: المصدر السابق، ج 11 ص: 214.
  82. [82] الحسين ابن أبي يعلى: المصدر السابق، ج 2 ص: 169.
  83. [83] نفس المصدر، ج 1 ص: 161.
  84. [84] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 1 ص: 250.
  85. [85] ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة، ج 1 ص: 161.
  86. [86] الذهبي: السير، ج 6 ص: 255.
  87. [87] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ط 1، بيروت، دار الأندلس، 1966 ، ج 2 ص: 384
  88. [88] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 2 ص: 726.
  89. [89] ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، حققه محمد رشاد سالم، الرياض، دار الكنوز، 1391ه ج 2 ص: 101.
  90. [90] ابن حزم: الفصل، القاهرة، مكتبة الخانجي، د ت ، ج 4 ص: 160.
  91. [91] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 236. وابن الأثير: الكامل في التاريخ، حققه عبد الله القاضي، ط 2، بيروت، دار الكتب العلمية، 1995 ج 9 ص: 576. وابن كثير: البداية، ج 12 ص: 91. وابن رجب: الذيل عل طبقات الحنابلة، حققه محمد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة السنة المحمدية، 1953، ج 1 ص: 192.
  92. [92] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 3 ص: 1188. والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى، حققه محمد الطناجي ط 2، الجيزة، دار هجر، 1992 ج 4 ص: 273.
  93. [93] اذهبي: السير، ج 19 ص: 8. وابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، حققه محمود الأرناؤوط، ط1 دمشق، دار ابن كثير، 1989. ج 5 ص: 351.
  94. [94] الذهبي: السيّر، ج 20 ص: 140.
  95. [95] ابن الجوزي: المنتظم، ج 10 ص: 110. وابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة، ج1 ص: 211.
  96. [96] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 10 ص: 192.
  97. [97] الذهبي: العبر، ج 2 ص: 128.
  98. [98] سنة 469ه، وسيأتي ذكرها في مبحث الفتن بين الطوائف السنية، من هذا الفصل، إن شاء الله تعالى.
  99. [99] ابن عساكر: تبيين كذب المفتري، حققه زاهد الكوثري، ط3، بيروت، دار الكتاب العربي، 1984، ص: 310 وما بعدها.
  100. [100] ابن كثير: البداية، ج 12 ص: 160.
  101. [101] الذهبي: السير، ج17 ص: 486.
  102. [102] أبو حامد الغزالي: المنخول، حققه محمد حسن هيتو، بيروت، دار الفكر، 1405 ص: 501.
  103. [103] ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 1 ص: 351.
  104. [104] ابن حجر: لسان الميزان، ج 5 ص: 368.
  105. [105] الذهبي: السير، ج 18 ص: 335.
  106. [106] ابن الجوزي: المنتظم، ج 9 ص: 3، 4، 221. وابن النجار: ذيل تاريخ بغداد، ج 2 ص: 185.
  107. [107] للتوسع فيما حدث بين الأشاعرة وأهل الحديث من نزاع، أنظر كتابنا: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث، دار الإمام مالك، الجزائر، 2005.
  108. [108] العواصم من القواصم، حققه عمار طالبي الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1981ج2 ص: 282، 288، 303.
  109. [109] الذهبي: ميزان الاعتدال، ج 5 ص: 302.
  110. [110] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، ج 11 ص: 167.
  111. [111] الكليني: الكافي من الأصول، طهران دار الكتب الإسلامية، 1328ه ج1 ص: 187.
  112. [112] ابن كثير: البداية، 53.
  113. [113] ابن كثير: الكامل في التاريخ، ج 8 ص: 59.
  114. [114] أالإسفراييني: التبصير في الدين، ط1، بيروت، عالم الكتب، 1983، ص: 41.
  115. [115] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج3 ص: 356، 357. والوصية الكبرى، حققه علي حسن عبد الحميد، ط2، الجزائر، دار الشهاب، 1988، ص: 34، 35، 68.
  116. [116] السير، ج 5 ص: 374.
  117. [117] أنظر – مثلا – كتابهم الكافي، ج 1 ص: 187.
  118. [118] ابن كثير: البداية، ج 14 ص: 221.
  119. [119] محسن المعلم: النصب والنواصب، دار الهادي، بيروت، ص: 609.
  120. [120] نفس المرجع، ص: 268، 272، 279، 282، 283، 284، 294، 308، 317، 318، 328، 337، 338، 365، 399، 419 .
  121. [121] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج1 ص: 86.
  122. [122] الصواعق المحرقة، ج 2 ص: 607.
  123. [123] أي الشيعي الذي يسب الصحابة، وقد سبق أن عرّفنا الشيعة في التمهيد.
  124. [124] الذهبي: السير، ج 14 ص: 178. وميزان الاعتدال، ج 3 ص: 38 .
  125. [125] ابن حجر الهيثمي: الصواعق المحرقة، ج 2، ص: 607.
  126. [126] أبو الحسين بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، تحقيق الفقي، ط القاهرة، ج 1 ص: 34.
  127. [127] نفس المصدر، مقدمة ابن تميم الحنبلي، ملحقة بالكتاب، ج 2 ص: 272.
  128. [128] ابن حجر الهيثمي: المصدر السابق ، ج 1 ص: 141.
  129. [129] أبو الحسين بن أبي يعلى: المصدر السابق، ج 2 ص: 37.
  130. [130] ابن مفلح المقدسي: الفروع، ط1 ـ بيروت، دار الكتب العلمية، 1418ه، ج 6 ص: 155.
  131. [131] ابن حزم: الفِصل في الملل والنحل، ج 2 ص: 65.
  132. [132] عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، ص: 357.
  133. [133] أبو يعلى الفراء: المعتمد في أصول الدين، ص: 267.
  134. [134] أبو المظفر الإسفراييني: التبصير في الدين، ص: 41
  135. [135] ا بن جرادة: بغية الطلب في تاريخ حلب، حققه سهيل زكار، ط1، بيروت، دار الفكر، 1988 ج4 ص: 1669.
  136. [136] ابن تيمية: الصارم المسلول، ج 3 ص: 1110، 1111.
  137. [137] السير، ج 14 ص: 511 .
  138. [138] ابن قيم الجوزية : الفوائد، حققه راتب عرموش، ط4، بيروت، دار النفائس، 1403ه ص: 73. وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حققه حامد الفقي، ج2، بيروت، دار المعرفة، 1975، ج 2 ص: 81.
  139. [139] البداية، ج 14 ص: 211، 252.
  140. [140] الصواعق المحرقة، ج 1 ص: 145.
  141. [141] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج 2 ص: 76.
  142. [142] المنتظم، ج 8 ص: 248.
  143. [143] السجزي : رسالة السجزي إلى أهل زبيد في مسألة الحرف والصوت ، ص: 50.
  144. [144] ابن الجوزي: المنتظم، ج 7 ص: 114.
  145. [145] تدعي الأشعرية والكلابية أن القرآن الكريم ليس كلام الله حقيقة، وإنما هو حكاية وعبارة عن كلام الله، بعبارة جبريل أو محمد. ولا شك أن هذا زعم باطل لا دليل عليه من النقل ولا من الشرع ، وللتوسع في ذلك أنظر كتابنا: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث.
  146. [146] السجزي: المصدر السابق، ص: 15.
  147. [147] ابن حزم، الفصل، ج 3 ص: 4، 5، ج4 ص: 159.
  148. [148] عبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، حققه سعيد العريان، ط 1، القاهرة، مطبعة الإستقامة، 1368، ج1 ص: 172 ,
  149. [149] االجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 312،313. وابن كثير: البداية، ج 12 ص: 117.
  150. [150] ابن النجار: ذيل تاريخ بغداد، ج 2 ص:185 .
  151. [151] الذهبي: السيّر، ج19 ص: 646.و السلاوي: الاستقصاء، ج 1 ص: 16، 196. وابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 11 ص: 478.
  152. [152] ابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة، ج 6 ص: 115-116. والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 7 ص: 15 .
  153. [153] الذهبي: العبر، ج5 ص: 18. وابن الأثير: الكامل ، ج 10 ص: 262.
  154. [154] الذهبي: السير، ج 21 ص: 446.
  155. [155] الذهبي: العبر، ج 3 ص: 340.
  156. [156] الشوكاني: البدر الطالع، ج1 ص: 67.
  157. [157] نفسه، ج1 ص: 67.
  158. [158] ابن حجر: إنباء الغمر ج1 ص: 70.
  159. [159] الشوكاني: المصدر السابق، ج 2 ص: 261.
  160. [160] نفس المصدر، ج2 ص: 277.
  161. [161] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج 9 ص: 510. وحاجي خليفة: كشف الظنون، بيروت، دار الكتب العلمي’ 1992ه ج 1 ص: 404.
  162. [162] رسالة السجزي، ص: 57.
  163. [163] الفصل في الملل ، ج 4 ص: 160.
  164. [164] ابن عساكر: تبيين كذب المفتري، ص: 311.
  165. [165] ابن عقيل: الرد على الأشاعر، نشرته مجلة نشرة الدراسات الشرقية، المعهد الفرنسي بدمشق، العدد 24 1971،، ص: 86.
  166. [166] الذهبي: السيّر، ج 21 ص: 464.
  167. [167] ابن قدامة: مناظرة في القرآن، ط1، الكويت، مكتبة ابن تيمية، 1990 ص: 58.
  168. [168] انظر-مثلا-: عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، ص: 114 وما بعدها، 357. وابن كثير: البداية، ج 10 ص: 305. وأبو الحسين بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 37 ، 537.
  169. [169] عبد القاهر البغدادي: نفس المصدر، ص: 13.
  170. [170] ابن خلدون: كتاب العبر، ج 7 ص: 18.
  171. [171] انظر مثلا: عبد القاهر البغدادي: المصدر السابق، ص: 84، 357. وأبو يعلى الفراء: المعتمد في أصول الدين، ص: 267. وابن مفلح المقدسي: الفروع، ج 6 ص: 155.
  172. [172] الشوكاني: السيل الجرار، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405ه، ج 4 ص: 584.
  173. [173] أبو شامة المقدسي: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، حققه إبراهيم الزئبق، ط 1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997، ج 2: 218.
  174. [174] الذهبي: السير، ج 15 ص: 208.
  175. [175] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ترجمة أبي جعفر بن موسى التمار، ج 2 ص: 96.
  176. [176] الذهبي: السير، ج 15 ص: 374.
  177. [177] ابن كثير: البداية والنهاية، ج 11 ص: 284.
  178. [178] الذهبي: السير، ج 15 ص: 131.
  179. [179] نفس المصدر، ج 15 ص: 145. والعبر في خبر من غبر، ج 2 ص: 200.
  180. [180] هم شيعة رافضة إسماعيلية باطنية، يُظهرون الرفض ويُبطنون الكفر، ويقولون بالأئمة المعصومين. وسموا قرامطة نسبة لقرمط بن الأشعث، ومؤسس دولتهم هو أبو سعيد الجنابي القرمطي. ابن الجوزي: المنتظم، ج 5 ص: 110 وما بعدها. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 61، 62.
  181. [181] ابن الأثير: الكامل، ج 6 ص: 433. وابن كثير: نفس المصدر، ج 11 ص: 101.
  182. [182] ابن كثير: نفس المصدر، ج 11 ص: 160، 161. والذهبي: العبر، ج2 ص: 174.
  183. [183] الذهبي: السير، ج 19 ص: 403، 404.
  184. [184] ابن كثير: المصدر السابق، ج 12 ص: 619. والسبكي: طبقات الشافعية ، ج 7 ص: 297 . وابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 5 ص: 364.
  185. [185] السبكي: نفس المصدر، ج 7 ص: 297.
  186. [186] نفس المصدر، : 19 ص: 262. وابن خلكان: وفيات العيان، ج 3 ص: 199.
  187. [187] الذهبي: السير، ج 19 ص: 404.
  188. [188] نفس المصدر، ج 18ص: 394. ز ابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة، ج5 ص: 109، 140.
  189. [189] ابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 10 ص: 102 . والعيدروس عبد القادر: تاريخ النور السافر على أخبار القرن العاشر، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1405ه، ج 1 ص: 323.
  190. [190] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 8 ص: 114
  191. [191] ا بن كثير: البداية، ج 12 ص: 69.
  192. [192] الذهبي: السير، ج 19 ص: 404.
  193. [193] ابن الأثير: المصدر السابق، ج 10 ص: 293.
  194. [194] ابن كثير: المصدر السابق، ج 14 ص: 211.
  195. [195] نفس المصدر، ج 14 ص: 250.
  196. [196] نفس المصدر، ج 14 ص: 310.
  197. [197] لم يذكر المؤلف اسم القاضي، ولا سنة القتل. السخاوي: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة اللطيفة، ط 1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993، ج 2 ص: 222.
  198. [198] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 139، 140، وما بعدها.
  199. [199] نفس المصدر، ج 14 ص: 190 .
  200. [200] الذهبي: السير، ج 19 ص: 403، 404.
  201. [201] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 143.
  202. [202] لم أترّف عليه، وكان ذلك زمن الدولة العبيدية، عندما كانت دمشق تابعة لهم.
  203. [203] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 3 ص: 1141.
  204. [204] حاجي خليفة: كشف الظنون، ج 2 ص: 1955. وابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 7 ص: 768.
  205. [205] سيأتي توثيقها عند التعرّض لها لاحقا، إن شاء الله تعالى.
  206. [206] أمثلا: ابن الجوزي: المنتظم، ج 6 ص: 369، ج 7 ص: 19، ج 8 ص: 127، ج 9 ص: 26، 38 . وابن كثير: البداية، ج 11ص: 221، 232، 234، 236، 241، ج12 ص: 5، 6، 36، 56، 58، 64، 66، 134، 145، 147. وابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج 4 ص: 2-2. وابن الأثير: الكامل، ج 8 ص: 18، ج 10 ص: 138.
  207. [207] التنوخي: نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، دار صادر، بيروت، 1971، ج 2 ص: 232-233. ومؤلف مجهول: كتاب العيون والحدائق في معرفة الحقائق، حققه قمر السعيدي، المعهد الفرنسي، دمشق، 1972، مج 4 ج 1 ص: 356.
  208. [208] ابداية، ج 11 ص: 275.
  209. [209] نفس المصدر، ج 11 ص: 309 .
  210. [210] ابن تيمية / مجموع الفتاوى، ج 4 ص: 417.
  211. [211] ابن تيمية: منهاج السنة ، حققه محمد رشاد سالم، ط1 د م، مؤسسة قرطبة، 1406، ج 7 ص: 319. وعبد الله الزيلعي: نصب الراية، حققه يوسف البنوري، مصر، دار الحديث، 1357ه، ج 1 ص: 360.
  212. [212]انظر: القيسراني: ذخيرة الحفاظ ج 3ص: 3254، ج3 ص: 5555.و ابن الجوزي: العلل ج 1ص: 356.و الذهبي: أحاديث مختارة من موضوعات ابن الجوزي والجوزقاني، المينة المنوّرة، مكتبة الدار 1404 ج1 ص:52. وابن تبيط: نسخة الأشجعي في الأحاديث الموضوعة، مصر دار الصحابة ج1ص:55.و الوداعي: أحاديث معلة ج1ص:155.عمر بن عثمان،الوضع في الحديث، دمشق، مكتبة الغزالي ج2 ص:102.
  213. [213] الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ج 5 ص: 415. واحمد بن حنبل: فضائل الصحابة، حققه محمد عباس، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1983.و المسند ج1 ص: 152. وابن عدي: المصدر السابق ج 3 ص: 80. ابن تيمية: منهاج السنةج7ص:320.
  214. [214] ابن حبان: صحيح ابن حبان، حققه شعيب الأرناؤوط، ط2 بيروت، مؤسسة الرسالة، 1993ج 15 ص: 375. الضياء المقدسي: الأحاديث المختارة، حققه عبد الملك بن دهيش، ط1 مكة، مكتبة النهضة الحدية’ 1410ه، ج2ص: 105.
  215. [215] سورة التوبة: 71.
  216. [216] ابن تيمة: مجموع الفتاوى، ج 4 ص: 414 .
  217. [217] الووي: رياض الصالحين، ص: 141. وابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج4 ص: 418-419.
  218. [218] أنظر مثلا: ج 1 ص: 185، 187، 258.
  219. [219] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 339.
  220. [220] انظر مثلا: ج 1 صك 228، 239، 417، ج 2 ص: 619 .
  221. [221] أنظ مثلا: البخاري: صحيح البخاري، حققه ديب البغا، ط3، بيروت، دار ابن كثير، 1987، ج 3 ص: 1033، 1291، ج 4 ص: 1720، 1908 .
  222. [222] ابن الأثير: الكامل، ج 7 ص: 276. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 230.
  223. [223] ابن كثير: البداية، ج 12 ص: 28.
  224. [224] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 7 ص: 356.
  225. [225] نفس المصدر، ج 9 ص: 419. وابن كثير: المصدر السابق، ج 12 ص: 31.
  226. [226] ابن كثير: نفس المصدر، ج 12 ص: 59.
  227. [227] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 143.
  228. [228] نفس المصدر، ج 12 ص: 68
  229. [229] هي الفتنة الخامسة ضمن فتن القرن الخامس الهجري.
  230. [230] ابن الأثير: الكامل، ج 8 ص: 69. وابن كثير: البداية، ج 12 ص: 62.
  231. [231] ابن كثير: نفس المصدر، ج 12 ص: 62، 63. والذهبي: العبر، ج 3 ص: 205.
  232. [232] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 177. وابن كثير: نفس المصدر، ج 12 ص: 106.
  233. [233] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 9 ص: 29 .
  234. [234] نفس المصدر، ج 9 ص: 49 .
  235. [235] نفسه، ج 9 ص: 49.
  236. [236] نفس المصدر، ج 7 ص: 283.
  237. [237] القلقشندي: مآثر الأنافة في معالم الخلافة، ط 2، الكويت، مطبعة حكومة الكويت، ج 2 ص: 6.
  238. [238] ابن جرادة: بغية الطلب في تاريخ حلب، ج 9 ص: 1456.
  239. [239] ابن الأثير: الكامل، ج 10 ص:
  240. [240] الذهبي: العبر، ج4 ص: 247.
  241. [241] ابن كثير: البداية والنهاية، ج 12 ص: 179.
  242. [242] ابن الأثير: ج 9 ص: 334.
  243. [243] نفس المصدر، ج 10 ص: 51.
  244. [244] نفس المصدر، ج 10 ص: 141.
  245. [245] ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج 3 ص: 117.
  246. [246] الكامل في التاريخ، ج 10 ص: 442.
  247. [247] ابن كثير: البداية، ج 13 ص: 196. والذهبي: السير، ج 23 ص: 180.
  248. [248] مآثر الأنافة ، ج 2 ص: 90 .
  249. [249] انظر: ابن كثير، المصدر السابق، ج 13 ص: 196. و. والذهبي: السير، ج 23 ص: 180.
  250. [250] سنتناول مسألة تعاون ابن العلقمي مع المغول في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.
  251. [251] المقريزي: كتاب المواعظ والاعتبار، ج 2 ص: 333-334.
  252. [252] أبو إسحاق الشيرازي: طبقات الفقهاء، حققه خليل الميس، بيروت دار القلم، دت، ج1 ص: 240. والسبكي: طبقات الشافعية، ج 5 ص: 34-.
  253. [253] سبط بن الجوزي: مرآة الزمان، ج 1 ص: 182.
  254. [254] ابن الأثير: الكامل، ج 9 ص: 478. وابن كثير: البداية، ج 12 ص: 249. والذهبي: العبر، ج 4 ص: 169.
  255. [255] ابن الأثير : الكامل، ج 10 ص: 141. والذهبي: تاريخ الإسلام، حوادث: 581-590، ص: 14 .
  256. [256] ابن الأثير: نفس المصدر، ج 7 ص: 250. وابن كثير: المصدر السابق، ج 13 ص: 23. والسبكي: المصدر السابق، ج 7 ص: 296.
  257. [257] معجم البلدان، ج 1 ص: 209.
  258. [258] نفسه المصدر، ج 3 ص: 117.
  259. [259] هم فرق كلامية ينتسبون لأبي الحسن الأشعري البصري (ق: 4ه)، وأتباعها من المالكية والشافعية، وعن فكرهم ونشاطهم وعلاقتهم بأهل الحديث أنظر كتابنا: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث، ط1، دار الإمام مالك، الجزائر، 1426/2005.
  260. [260] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 30، وما بعدها.و السيوطي: تاريخ الخلفاء، ط1، مصر، مطبعة السعادة، 1952، ص: 224. وابن أبي يعلى: طبقاتت الحنابلة، ج 2 ص: 239. وابن رجب البغدادي: الذيل على طبقات الحنابلة، ج 1 ص: 25. والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 7 ص: 162.
  261. [261] ابن أبي يعلى: نفسه، ج 2 ص: 239.و ابن رجب: نفسه، ج 1 ص: 25. وابن كثير: البداية، ج 12 ص: 115. والأثير: الكامل، ج 10 ص: 1104. والسبكي: المصدر السابق، ج 4 ص: 234.
  262. [262] سنتوسع في ذلك في مبحث خاص من الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.
  263. [263] ابن أبي يعلى: المصدر السابق، ج 2 ص: 239.و ابن عساكر: تبيين كذب المفتري، ص: 310، وما بعدها. وابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 312.
  264. [264] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 312-313 وابن كثير: البداية والنهاية، ج 12 ص: 117.
  265. [265] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 9 ص: 3-4. وابن النجار: ذيل تاريخ بغداد، بيروت، دار الكتاب العربي، د ت، ج 2 ص: 185
  266. [266] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 9 ص: 131.
  267. [267] نفسه، ج 9 ص: 131.
  268. [268] انظر: الذهبي: السيّر، ج 19 ص: 645-646. والناصري احمد بن خالد: الاستقصاءلأخبار دول المغرب الأقصى ط1، الدار البيضاء، دار الكتاب، 1997، ج 1 ص: 96، 196.
  269. [269] هذه الكلمات هي مقولة أشعرية تتعلق بموقف الأشاعرة من كلام الله تعالى، فالقرآن عندهم ليس كلام الله على الحقيقة، وليس بحرف ولا بصوت، بل هو عبارة وحكاية عن كلام الله النفسي القديم الذي لا يتعدد ولا يتبعّض، ولا ينفصل عن الذات الإلهية على ما تقوله الأشعرية. وقد ناقشناها في ذلك وبينا خطأها فيما ذهبت إليه، في كتابنا: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث.
  270. [270] الذهبي: العبر ج 4 ص: 105. والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 6 ص: 172.
  271. [271] الذهبي: السيّر، ج 20، ص: 454، وج 21 ص: 205.
  272. [272] ابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة، ج 6 ص: 116.
  273. [273] الذهبي: السير، ج 22 ص: 126.
  274. [274] ابن كثير: البداية، ج 14 ص: 75 .
  275. [275] ا بن حجر: إنباء الغمر، ج 2 ص: 544. وابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 9 ص: 274.
  276. [276] ابن العماد الحنبلي: نفس المصدر، ج 9 ص: 307.
  277. [277] ينتسبون إلى المتكلم أبي عبد الله محمد بن كرّام السجستاني(ت قرن:3ه )، وهم يعتقدون التجسيم والتشبيه في صفات الله تعالى. أنظر: عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، ص: 215 وما بعدها.
  278. [278] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 9 ص: 23.
  279. [279] نفس المصدر، ج 10 ص: 262. وابن كثير: البداية، ج 13 ص: 18-19 .
  280. [280] ابن العماد: شذرات، ج 8 ص: 72.
  281. [281] نفسه، ج 8 ص: 72، 73.
  282. [282] ابن كثير: البداية، ج 14 ص: 310 .
  283. [283] ابن العماد الحنبلي: المصدر السابق، ج 10 ص: 325-326.
  284. [284] ابن كثير: البداية، ج 12 ص: 26.
  285. [285] سير أعلام النبلاء، ج 18 ص: 497.
  286. [286] ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر، ج 1 ص: 97.
  287. [287] امثلا: ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج4 ص: 448. وابن الجوزي: المنتظم، ج 7 ص: 387، ج 8 ص: 78. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 338، ج 12 ص: 134، 160.
  288. [288] ياقوت الحموي: نفس المصدر، ج 3 ص: 390. ويوسف بن عبد الهادي: ثمار المقاصد في ذكر المساجد حققه اسعد طلس، دمشق المهد الفرنسي، 1943ه، ص: 145، 159.
  289. [289] ياقوت الحموي: نفس المصدر، ج 3 ص: 117.
  290. [290] الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، كراتشي ـ مير كتب خانة، د ت، ج 1 ص: 451، 524، 526، 556.
  291. [291] نفس المصدر، ج 1 ص: 563.
  292. [292] محمد عجاج الخطيب: السنة قبل التدوين، ط1، مصر مكتبة وهبة، 1963ه ص: 210 .
  293. [293] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج 1 ص: 19، وما بعدها . وابن فرحون: الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت، ص: 13.
  294. [294] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج1 ص: 345.
  295. [295] العلموي: المعين في أدب المفيد، حققه محمد زيغور، ط1، بيروت، دار إقرأ، 1986، ص: 188.
  296. [296] السبكي: المصدر السابق، ج 1 ص: 343.
  297. [297] ابن رجب البغدادي: الذيل على طبقات الحنابلة، ج 1 ص: 101، 156.
  298. [298] نفسه، ج 1 ص: 107.
  299. [299] ابن الجوزي :صيد الخاطر، حققه محمد الغزالي، الجزائر، مكتبة رحاب، 1988ه ص: 57.
  300. [300] نفس المصدر، ص: 496، 497، 501، 502.
  301. [301] الشوكاني: القول المفيد، حققه عبد الرحمن عبد الخالق، ط1، الكويت، دار القلم، 1396، ص: 70.
  302. [302] أبو شامة: مختصر كتاب المؤمل للرد إلى الأمر الأول، ضمن مجموع: من هدى المدرسة السلفية، الجزائر، دار الشهاب، ص: 217-218.
  303. [303] البدر الطالع، ج 1 ص: 2.
  304. [304] السيّر، ج 8 ص: 90.
  305. [305] محمد الحامد: مجموعة رسائل الشيخ محمد الحامد، الجزائر، دار الشهاب، ص: 6.
  306. [306] ابن الجوزي: المنتظم، ج 10 ص: 210.
  307. [307] العلموي: المصدر السابق ص:175، 190 . والدهلوي: المرجع السابق ص: 108 .و محمد عيد عباس: حقيقة التعيين ص:22
  308. [308] العلموي: نفس المصدر ص: 190، 199 .
  309. [309] الخطط والاعتبار، ج 2 ص: 344.
  310. [310] أمثلا: العقيلي: الضعفاء، ج 4 ص: 281 وما بعدها. وعبد الله بن أحمد بن حنبل: السنة، ج 1 ص: 186 وما بعدها، 204.
  311. [311] انظر مثلا: ص: 500 وما بعدها.
  312. [312] الذهبي: السير، ج 6 ص: 402. وتذكرة الحفاظ، ج 1 ص: 224، 225.
  313. [313] أبو الحسين بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، ج 1ص: 18 .
  314. [314] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 2 ص: 22.
  315. [315] أبو إسحاق الشيرازي: طبقات الفقهاء، ص: 45.
  316. [316] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، ج 12 ص: 411. والذهبي: السير، ج 10 ص: 500.
  317. [317] أبو الحسين بن أبي يعلى: المصدر السابق، ج 1 ص: 6.
  318. [318] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 2 ص: 428. وابن حجر: تهذيب التهذيب، ط1، بيروت دار الفكر، 1984،ج 9 ص: 43.
  319. [319] أبو الحسين بن أبي يعلى: المصدر السابق، ج 1 ص: 200.
  320. [320] الذهبي: المصدر السابق، ج 2 ص: 75.
  321. [321] الذهبي: السير، ج 13 ص: 364.
  322. [322] ياقوت الحموي: معحم الأدباء، ج 18، ص: 57، 58. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 146.
  323. [323] أبو الحسين ابن أبي يعلى: المصدر السابق، ج 1 ص: 227.
  324. [324] ابن كثير: البداية، ج 10 ص: 335.
  325. [325] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج 1 ص: 269، 359.
  326. [326] ابن كثير: المصدر السابق، ج 10 ص: 305. وأبو الحسين بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 289.
  327. [327] ابن كثير: نفس المصدر، ج 10 ص: 305.
  328. [328] محمد عجاج الخطيب: السنة قبل التدوين، ص: 210.
  329. [329] ناصر الدين الألباني: ضعيف الجامع الصغير، رقم: 6448.
  330. [330] القنوجي حسن خان: أبجد العلوم، حققه عبد الجبار زكار، بيروت، دار الكتب العلمية، 1987، ج 3 ص: 122.
  331. [331] سبق تحديد معنى الشيعة في: أولا، من الفصل الأول.
  332. [332] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 3 ص: 356. الذهبي: السير، ج 1 ص: 140.
  333. [333] البداية والنهاية، ج 5 ص: 252.
  334. [334] لمعرفة هؤلاء أنظر كتابنا: مدرسة الكذابين في رواية التاريخ الإسلامي وتدوينه .
  335. [335] انظر: الكليني: الكافي، ج 1 ص: 187، 258، 263، 397. وابن تيمية: المصدر السابق، ج 3 ص: 356. والذهبي: السير، ج 12 ص: 265.
  336. [336] الحكومة الإسلامية، ص: 52.
  337. [337] الفصل، ج 2 ص: 64-65. والبرهان في علوم القرآن، ج 2 ص: 127.
  338. [338] انظر: الكافي: ج 1 ص: 187،238، 239، 417.
  339. [339] نعمة الله الجزائري: النوار النعمانية، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ج 2 ص: 357، وما بعدها.
  340. [340] أنظر مثلا: ابن حزم: الفِصل، ج 2 ص: 64، 65. وابن تيمية: الصارم المسلول، ج 3 ص: 1121. ز عبد القادر القرشي: الجواهر المضيئة ن ج 1 ص: 501.
  341. [341] عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفرق، ص: 73، 83، 103.
  342. [342] نفس المصدر، ص: 114.
  343. [343] الشوكاني: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، حققه عبد الرحمن المعلمي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1995، ص: 253.
  344. [344] ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء ج3 ص:409، 410.
  345. [345] السبط ابن الجوزي: مرآة الزمان، ج8 ص: 266.
  346. [346] الشعراني: الطبقات الكبرى ج1 ص:154. وابن الوردي: تتمة المختصر في أخبار البشر، ط1 بيروت، دار المعرفة، 1970، ج2 ص:114.
  347. [347] إذا كان ذلك باطلا في حق الحسن البصري المتوفى سنة 110 ه/ 728 م، فإنّ الإدعاء بأنّ جعفر الصادق (ت 158 ه /774م ) أخذ الخرقة عن علي فهو أولى بالبطلان.
  348. [348] الشوكاني: الفوائد المجموعة ص: 253. وابن الديبع: تمييز الطيب من الخبيث ص:205.
  349. [349] ابن القيم الجوزية: المنار المنيف ص:58 وما بعدها.
  350. [350] ابن الجوزي: تلبيس إبليس ص: 216.
  351. [351] ابن خلدون: المقدمة ص:386.
  352. [352] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 2 ص: 143.
  353. [353] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج 9 ص: 510. وحاجي خليفة: كشف الظنون، ج 1 ص: 404.
  354. [354] ابن العماد الحنبلي: نفس المصدر، ج 8 ص: 391.
  355. [355] يقصد بالحكمة العلم النافع، والعمل الصالح الموصلان إلى الغاية المحمودة، ولا يعتبر الكلام حكمة إلا إذا كان مرشدا إلى ذلك ومؤديا إلى الغايات المحمودة، والمطالب النافعة، وإذا لم يراد به مصلحة المخاطبين وسعادتهم، وهدايتهم إلى ما ينفعهم لم يكن حكمة،ولا قائله حكيما. [355] ابن القيم الجوزية: شفاء العليل، ط 3 بيروت، دار الكتب العلمية ص:319 .و ابن تيمية: التفسير الكبير، حققه عبد الرحمن عميرة، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1988، ج 4 ص:207-208. وابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل ج 4 ص:131 .و مجموع الفتاوى ج 8 ص:137 .و التفسير الكبير ج 4 ص: 207 208 ، 211 .
  356. [356] ابن الأهدل اليمني: كشف الغطاء ص:75.و ابن تيمية: التفسير الكبير ج 4 ص:207-208.و الرسالة التدمرية ، الجزائر، دار الشهاب، 1989، ص: 92.و مجموع الفتاوى ج 8 ص: 37 .و وقاعدة في المحبة، حققه محمد رشاد سالم الجزائر دار الشهاب د ت، ص:28-29.و السفاريني: لوامع الأنوار البهية ، حققه رشيد رضا، القاهرة، مطبعة المنار الإسلامية، 1323ه، ج 1 ص:262-263.و محمد المبارك: التفكير العلمي في الإسلام ط2 بيروت، دار الفكر 1980، ص:62.و سفر الحوالي: منهج الأشاعرة في العقيدة، ط1، الجزائر، الدار السلفية، 1990، ص:45 .
  357. [357] ابن تيمية: مجموع الفتاوى ج 8 ص:37 .
  358. [358] ابن الأهدل: المصدر السابق ص: 75 .
  359. [359] ابن تيمية: مجموع الفتاوى ج 8 ص: 137، 514.
  360. [360] ابن تيمية: نفسه ج 8 ص:514 .و الرسالة التدمرية، الجزائر دار الشهاب 1989 ، ص:92 .
  361. [361] ابن القيم الجوزية: شفاء العليل ص:314. و مختصر الصواعق المرسلة ، حققه جامع رضوان، بيروت، دار الفكر، 1979، ج 1 ص:298-299 .
  362. [362] نفس المصدر ص: 315 .
  363. [363] نفس المصدر ص:343 .
  364. [364] نفس المصدر ص: 441، 442 .
  365. [365] ابن القيم الجوزية: طريق الهجرتين، بيروت، دار الكتاب العربي، د ت، ص: 135، 136 ، و138 .
  366. [366] ابن القيم الجوزية: شفاء العليل ص: 317 .
  367. [367] محمد المبارك: المرجع السابق ص:56-57 .
  368. [368] جورج ستانسيو، وروبرت أغروس: العلم في منظوره الجديد،ترجمه كمال خليلي، سلسلة عالم المعرفة الكويت المجلس الوطني للثقافة والفنون، 1984 ص:68.
  369. [369] أنظر المبحث الأول من هذا الفصل. من هذا
  370. [370] أبو شامة: مختصر كتاب المؤمل، ص: 217، 218 ، 227، 230.
  371. [371] نفسه، ص: 227، 230، 237.
  372. [372] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 8 ص: 16، 104، 228. وابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 6 ص: 54. وأبو الحسين بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 197، 198.
  373. [373] أبو علي بن البناء: يوميات ابن البناء، نشرته مجلة الدراسات الشرقية بالمركز الفرنسي بدمشق، مج 19، 1957، ص: 15.
  374. [374] ابن عساكر: تبيين كذب المفتري، ص: 310 وما بعدها.
  375. [375] ابن تيمية: درء التعارض، ج 2 ص: 91. وأبو نصر السجزي: رسالة السجزي إلى أهل زبيد، ص: 51، 57. والموفق بن قدامة المقدسي: مناظرة في القرآن، ص: 58.
  376. [376] الموفق المقدسي: تحريم النظر في كتب أهل الكلام، نشره جورج مقدسي لندن، مطبعة لوزاك، ص: 58.و ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 4 ص: 186.
  377. [377] السجزي: رسالة السجزي، ص: 45.
  378. [378] السبكي: طبقات الشافعية، ج 3 ص: 365-366. ومعيد النعم ومبيد النقم، حققه محمد علي النجار، ط1، القاهرة، جماعة الأزهر، 1948، ص: 75.
  379. [379] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 162. وأبو الفدا: المختصر في أخبار البشر،، بيروت، دار الكتاب اللبناني، د ت مج 1ج 3 ص: 94.
  380. [380] أبو الحسين بن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 43.
  381. [381] أنظر: ابن كثير: المصدر السابق، ج 11 ص: 162. وتفير القرآن العظيم، ج 4 ص: 335. وابن خزيمة: كتاب التوحيد، دار الكتب العلمي، بيروت، 1978، ص: 305، 306 , وابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 14 ص: 394. والألباني: صحيح الجامع الصغير، مج 2 رقم: 6721. ومختصر العلو للعلي الغفار، ص: 15.
  382. [382] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج 1 ص: 382، 386.
  383. [383] نفسه، ج 1 ص: 386.
  384. [384] نفس المصدر، ترجمة إبراهيم بت عتاب، ص: 460.
  385. [385] نفس المصدر، ج 1 صك 382.
  386. [386] عمر سليمان الأشقر: تاريخ الفقه الإسلامي، الجزائر، قصر الكتاب، 1990، ص: 166-167.
  387. [387] ابن كثير: البداية ، ج 11 ص: 182.
  388. [388] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 163.و ابن الأثير: الكامل، ج 8 ص: 73. وابن كثير: البداية والنهاية ، ج 12 ص: 66.و أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر، ج4 ص: 77.
  389. [389] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 8 ص: 163.و ابن كثير: نفس المصدر، ج 12 ص: 66.
  390. [390] ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هدى خير العباد، حققه شيعب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط، ط14، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1986، ج 1 ص: 272. وبدر الدين الحنبلي: مختصر فتاوى ابن تيمية، حققه حامد الفقي، بيروت، دار الكتب العلمية، د ت، ص: 46 وما بعدها. وابن يوسف الزيلعي: نصب الراية، ج 1 ص: 355. والألباني: تمام المنة في التعليق على فقه السنة، ط3 دار الراية، السعودية، 1409ه ص: 169.
  391. [391] ابن الجوزي: التحقيق في أحاديث الاختلاف، ج 1 ص: 45، 459. و نصب الراية، ج 2 ص: 136.
  392. [392] أنظر: ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 163. وابن الأثير: الكامل، ج 8 ص: 73. وابن كثير: المصدر السابق، ج 12 ص: 66.
  393. [393] ابن الجوزي: التحقيق في أحاديث الخلاف، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415ه، ج 1 ص: 462 وما بعدها.
  394. [394] ز، ج 1 ص: 272.
  395. [395] محمد السيواسي: شرح فتح القدير، ط 2، بيروت، دار الفكر، د ت، ج 1 ص: 436. وسيد سابق: فقه السنة، ج 1 ص: 108.
  396. [396] ابن حجر: لسان الميزان، ج 1 ص: 458.
  397. [397] القرطبي: تفسير القرطبي، حققه أحمد البردوني، ط2، القاهرة، دار الشعب، 1372ه، ج 19 ص: 281.
  398. [398] ابن حجر: الدرر الكامنة، حققه محمد العيد خان، ط2، الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، 1972، ج 494.
  399. [399] السيد سابق: فقه السنة، ج 1 ص: 108.
  400. [400] محمد السيواسي: شرح فتح القدير، ج 1 ص: 436. وعمر سليمان الأشقر: تاريخ الفقه الإسلامي، ص: 165، 167. والصنهاني محمد بن إسماعيل: إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد، حققه صلاح الدين مقبول، ط 1، الكويت، الدار السلفية، 1396ه، مقدمة المحقق، ص: 18.
  401. [401] النووي: المجموع، حققه محمود مطرحي، ط1، بيروت، دار الفكر، 1996، ج1 ص: 257.
  402. [402] تاريخ الفقه الإسلامي، ص: 169.
  403. [403] النووي: شرح النووي على صحيح مسلم، ط2، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1392ه، ج 11 ص: 91. والمناوي: فيض القدير، مصر، المكتبة التجارية الكبرى، 1356، ج 1 ص: 210.
  404. [404] المناوي: نفس المصدر، ج 1 ص: 210.
  405. [405] أنظر: علي القارئ: الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة، حققه محمد الصباغ، ط2، بيروت، المكتب الإسلامي، 1406، ج 1 ص:. والألباني: الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ط3، عمان المكتبة الإسلامية، ذ406، ج 1 ص: 57. وضعيف الجامع الصغير، ص: 230. وصفة صلاة النبي ، السعودية مكتبة المعارف، د ت، : ص: 49. وطاهر بن علي الفتي: تذكرة الموضوعات، ص: 59.
  406. [406] مسلم: الصحيح، ج 1 ص: 81، رقم الحديث: 65.
  407. [407] الألباني: صحيح الجامع الصغير، ج21، رقم: 6654.
  408. [408] نفس المرجع، ج 1، رقم: 2042.
  409. [409] الألباني: صحيح الأدب المفرد، ط2، دار الصديق، 1421ه رقم: 398/307.
  410. [410] حاجي خليفة: كشف الظنون، ج 2 ص: 1420.
  411. [411] نفس المصدر، ج 2 ص: 1010.
  412. [412] الشيرازي: طبقات الفقهاء، ص: 147.
  413. [413] أنظر مثلا: ابن فرحون: الديباج المذهب، ص: 94، 107، 135، 332، 352.
  414. [414] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج 1 ص: 376. والذهبي: السير، ج 13 ص: 61.
  415. [415] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 2 ص:
  416. [416] القاضي عياض: المصدر السابق، ج 1 ص: 358.
  417. [417] ابن فرحون: الديباج، ص: 357.
  418. [418] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج 2 ص:
  419. [419] حاجي خليفة: كشف الظنون، ج 2 ص: 1754. والصنعاني: إرشاد النقاد، مقدمة المحقق، ص: 18.
  420. [420] الذهبي: السير، ج 19 ص: 352. وابن كثير: البداية، ج 12 ص: 172.
  421. [421] الغزالي: المنخول، ص: 496، وما بعدها. والذهبي: السير، ج 19 ص: 344.
  422. [422] العماد الكاتب الأصفهاني: خريدة القصر وجريدة العصر، ج 3 ص: 238، هامش ص: 251.
  423. [423] الذهبي: السير، ج 13 ص: 509.
  424. [424] تاريخ بغداد، ج 11 ص: 167.
  425. [425] ابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 8 ص: 72.
  426. [426] ابن كثير: البداية، ج 14 ص: 125.
  427. [427] تبين لي ذلك من خلال مطالعة ما نقله ابن تيمية من كتاب ابن المطهر أثاء رده عليه .
  428. [428] البداية والنهاية، ج 14 ص: 125.
  429. [429] للتوسع في مسألة الخلاف بين منهج الشاعرة ومنهج أهل الحديث، أنظر كتابنا: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث .
  430. [430] الدرر الكامنة، ج 2 ص: 188. ولسان الميزان، ج 6 ص: 319 .
  431. [431] أنظر مثلا: مجموع الفتاوى، ج 25 ص: 309.
  432. [432] الذهبي: الميزان، ج 6 ص: 325.
  433. [433] الذهبي: السير، ج 17 ص: 590.
  434. [434] ابن الجوزي: المنتظم، ج 9 ص: 243، ج 10 ص: 286.
  435. [435] الذهبي: تاريخ الإسلام، حوادث ( 581-590ه)، ص: 12 ,
  436. [436] الشوكاني: البدر الطالع، ج 1 ص: 233.
  437. [437] ابن حجر: لسان الميزان، ج 4 ص: 200.
  438. [438] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 40.
  439. [439] ابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 6 ص: 227. وعبد الواحد المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المعرب، حققه سعيد العريان، ط 1، القاهرة مطبعة الاستقامة، 1368، ، ج 1 ص: 172 ,
  440. [440] أنظر: ابن العماد الحنبلي: نفس المصدر، ج 6 ص: 60 وما بعدها. والناصري السلاوي: الاستقصا، ج1 ص: 74، 75 .
  441. [441] الذهبي: السير، ج 18 ص: 335. وابن حجر: لسان الميزان، ج 5 ص: 135.
  442. [442] الذهبي: العبر، ج 4 ص: 218-219 .
  443. [443] الذهبي: السير، ج 21 ص: 314. والناصري السلاوي: الاستقصا، ج 1 ص: 125، 197، 200.
  444. [444] الكتبي: فوات الوفيات، ج 2 ص: 3، 302. والصفدي: الوافي في الوفيات، ج 2 ص: 307 . وابن تيمية: التفسير الكبير، ج 2 ص: 6، ج 3 ص: 132.
  445. [445] عبد العزيز سالم: تاريخ المغرب في العصر الإسلامي، ص: 490.
  446. [446] أبو شامة: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين، ج 2 ص: 210 .
  447. [447] ابن حجر: إنباء الغمر بأبناء العمر، ج 2 ص: 487 ,
  448. [448] أنظر كتابنا: مدرسة الكذابين في رواية التاريخ الإسلامي وتدوينه.
  449. [449] العقيلي: كتاب الضعفاء، ج 3 ص: 280. والذهبي: الميزان، ج 5 ص: 33- .
  450. [450] ابن حجر: لسان الميزان، ج 1 ص: 458.
  451. [451] ابن حبان: كتاب المجروحين، حققه محمود زايد، حلب، دار الوعي، د ت، ج 1 ص: 306.
  452. [452] الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية، ص: 123 .
  453. [453] ابن حجر: اللسنان، ج 4 ص: 356 .
  454. [454] نفس المصدر، ج 5 ص: 231.
  455. [455] الذهبي: ميزان الاعتدال، ج1 ص: 131، 132 .
  456. [456] الذهبي: السير، ج 16 ص: 250.
  457. [457] ابن تيمية: منهاج السنة النبوية، ج4 ص: 12 .و التفسير الكبير ج 7 ص: 559 .و بدر الدين الحنبلي: المصدر السابق ص: 207-208 .
  458. [458] ابن كثير: البداية ج 7 ص: 330-331 .
  459. [459] المنتظم، ج 9 ص: 4.
  460. [460] العواصم، ج2 ص: 283.
  461. [461] الشهرستاني: الملل والنحل، حققه علي مهنا، بيروت، دار المعرفة، 1998، ج 1 ص: 1057. وأبو المظفر الاسفراييني: التبصير في الدين، ط1، بيروت، دار عالم الكتب، 1983، ص: 120.
  462. [462] ابن أبي يعلى الفراء: طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 239.
  463. [463] ابن عقيل: الرد على الأشاعرة العزال، ص: 91.
  464. [464] ابن الأهدل:: كشف الغطاء، تونس، الاتحاد العام التونسي للشغل، د ت ص: 83 .
  465. [465] اليافعي: مرآة الجنان ، ج 3 ص: 362، 363 .
  466. [466] نفسه ج 3 ص: 362 .
  467. [467] عبد القادر الجيلاني: الغنية لطالبي طريق الحق ج 1 ص: 71، 72، 74، 78.
  468. [468] منهم عبد الرحمن ابن الجوزي الذي كان خصما للجيلاني.
  469. [469] الأدفوي كمال الدين: الطالع السعيد، الدار المصرية للتأليف، 1966، ص: 432، 575 .و ابن العماد الحنبلي: المصدر السابق ج 5 ص: 324، 325 ، ج 6 ص: 5 .
  470. [470] المناوي: الكواكب الدرية ، ط1، بيروتت، دار صادر، 1999، ج 3 ص: 36 .
  471. [471] الشوكاني: البدر الطالع، ج 2 ص: 330 .
  472. [472] العقيلي: الضعفاء، ، ج 1ص: 14.و الذهبي: السير، ج11 ص: 37.
  473. [473] الذهبي: نفس المصدر ، ج8 ص: 542.
  474. [474] الذهبي: الميزان، ج4 ص: 386.و ابن حجر: المصدر السابق، ج3 ص: 51.
  475. [475] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج2 ص: 185، 684 .و ابن حجر: اللسان، ج3 ص: 444.
  476. [476] ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج9 ص: 163.
  477. [477] ابن حجر: لسان الميزان، ج7 ص: 163.
  478. [478] الفِصل في الملل والأهواء والنحل، ج 4 ص: 116.
  479. [479] ابن تيمية: منهاج السنة ج 1 ص:3 .و درء تعارض العقل والنقل ج 4 ص: 133 .
  480. [480] ابن تيمية: منهاج السنة ج 1 ص: 13 , وج 2 ص: 116.و ج 4 ص:11 .
  481. [481] نفس المصدر ج 3 ص: 159 .و خلاف الأمة ص: 122 .
  482. [482] الذهبي: السير، ج 10 ص: 93. والميزان، ج 1 ص: 118.
  483. [483] نقد المنقول، حققه حسن السماعي، ط 1، بيروت دار القادري، 1990، ص: 105.
  484. [484] السيوطي: تدريب الراوي ، حققه عبد الوهاب عبد اللطيف، الرياض، مكتبة الرياض، د ت، ص: 285.
  485. [485] ابن الجوزي: الضعفاء والمتروكين، ج 3 ص: 84.
  486. [486] الذهبي: ميزان الاعتدال، ج 6 ص: 159.
  487. [487] ابن حجر: اللسان، ج 4 ص: 369. وابن عدي: الكامل في الضعفاء، ج 6 ص: 352. والذهبي: الميزان، ج 2 ص: 171، ج 4 ص: 31، 39، ج 6 ص: 159، 161.
  488. [488] ابن عدي: نفسه، ج6 ص: 352.
  489. [489] الذهبي: الميزان، ، ج1ص: 146 .
  490. [490] الذهبي: نفس المصدر ، ج1ص: 118، 119.
  491. [491] عن قوال هؤلاء انظر: الذهبي: نفس المصدر، ج1 ص: 146.
  492. [492] ابن القيم: المنار المنيف، ص: 52، 57، 152.و الذهبي: السيّر، ج10ص: 93. الميزان، ج1ص: 118، 119.و ابن حجر: اللسان، ج2ص: 119.
  493. [493] للتوسع في ذلك انظر: عبد القادر النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس، حققه جعفر الحسيني، دمشق، المجمع العلمي، 1951.
  494. [494] عن مدارسهم بمصر انظر: المقريزي: الخطط، ج 2 ص: 363، 403.
  495. [495] انظر: عبد القادر النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس .
  496. [496] ولهم مدارس أخرى ببغداد، وعن مدارسهم بها أنظر: عماد عبد السلام رؤوف: مدارس بغدادفي العصر العباسي، ط 1، بغداد، مطبعة العاني، 1965، ص: 32 وما بعدها.
  497. [497] ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 2 ص: 331.
  498. [498] انظر: المقريزي: الخطط، ج 2 ص: 363، 403. وابن شداد: الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، حققه سامي الدهان، دمشق، المهعد الفرنسي، 1956ه، 119، 229، 253. ومحمد كرد علي: خِطط الشام، ج 6 ص: 115.
  499. [499] النعيمي: المصدر السابق .
  500. [500] انظر مثلا: ابن شداد: الأعلاق الخطيرة، ص: 119 وما بعدها. والسوطي: حسن المحاضرة، حققه محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، 1965، ج1. والنعيمي: الدارس، ج 1.
  501. [501] انظر: النعيمي: المصدر السابق، ج 1 ص: .
  502. [502] عماد عبد السلام: المرجع السابق، ص: 76 وما بعدها.
  503. [503] ابن كثير: البداية، ج 13 ص: 18.
  504. [504] النعيمي: المصدر السابق ج 1 ص: 200، 201.
  505. [505] أنظر مثلا: النعيمي: الدارس، ج 2. وكرد علي: خطط الشام، ج 6 ص: 115. وعماد عبد السلام: مدارس بغداد.
  506. [506] انظر: النعيمي: نفس المصدر، ج 2 .
  507. [507] ابن الجوزي: المنتظم، ج 10 ص: 258. وابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة، ج 1 ص: 286، 359.
  508. [508] ابن رجب: المصدر السابق ج 1 ص:280 .و العليمي: المصدر السابق ج 2 ص:307 .
  509. [509] الذهبي: السير، ج 23 ص: 156، 159. وابن الفوّطي: الحوادث الجامعة، بيروت، دار الفكر الحديث، 1987، ص: 149. والصفدي: نكت الهيمان، حققه أحمد زكي باشا، مصر، المطبعة الجمالية، 1911، ص: 100. والسيوطي: حسن المحاضرة، ج 2 ص: 263، 264. والمقريزي: الخطط، ج 2 ص: 374.
  510. [510] أنظر مثلا: السيوطي: نفسه، ج 2 ص: 263. وناجي معروف: تاريخ علماء المستنصرية، ط 2، بغداد، مطبعة العاني، 1965.
  511. [511] يوسف بن عبد الهادي: ثمار المقاصد في ذكر المساجد، ص: 145، 159.
  512. [512] انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان، ج 5 ص: 114. وابن الجوزي: المنتظم، ج 9ص: 176، ج 10 ص:103. وابن رجب: الذيل، ج 1: 119 ، 214، 215 ، ج 2 ص: 202، 203.
  513. [513] ابن جبير: رحلة ابن جبير، الجزائر، موفم للنشر، 1988، ص: 71. والتجيبي: مستفاد الرحلة والاغتراب، حققه عبد الحفيظ منصور، ليبيا، الدار العربية للكتاب، ص: 296، 297.
  514. [514] أبو اليمن مجير الدين: الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، النجف، المطبعة الحيدرية ومكتبتها، 1968، ج 2 ص: 32.
  515. [515] النعيمي: الدارس، ج 2 ص: 217، 394. وابن كثير: البداية، ج 13 ص: 339.
  516. [516] ابن رجب: المصدر السابق ج 1 ص:279-280 . والعليمي: المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، حققه محي الدين عبد الحميد، ط 1، القاهرة، 1963 ، ج 2 ص: 307.
  517. [517] الذهبي:تذكرة الحفاظ، ج 2 ص: 630.
  518. [518] خلق أفعال العباد، الجزائر، دار الشهاب، ص: 75، 76، 84، 86. وابن القيم: مختصر الصواعق المرسلة، ج 2 ص: 660، 661.
  519. [519] ابن القيم: نفسه ن ج 2 ص: 660، 661، 664. وابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 12 ص: 208. والبيهقي: الأسماء والصفات، 1 ج ص: 306.
  520. [520] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 269.
  521. [521] نفس المصدر، ج 8 ص: 267، 268.
  522. [522] نفسه، ج 8 ص: 268.
  523. [523] نفسه، ج 8 ص: 268، 269. والتحقيق في أحاديث الخلاف، ج 1 ص: 462 وما بعدها.
  524. [524] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 155، 156، 268.
  525. [525] نفس المصدر، ج 10 ص: 224. والذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 4 ص: 1289.
  526. [526] ابن الجوزي: المنتظم ج 10 ص: 163 .و الذهبي: سير أعلام النبلاء ج 20 ص: 268.و تذكرة الحفاظ ج 4 ص: 1289 .و ابن رجب: المصدر السابق ج 1 ص: 227 . وابن الفرات: تاريخ ابن الفرات، حققه حسن الشماع، بغداد، دار الطباعة الحديثة، 1969، مج4 ج 1 ص: 12 .
  527. [527] ابن رجب: نفسه ج 1 ص: 227 .
  528. [528] ابن الجوزي: المصدر السابق ج 10 ص: 163 .و الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 4 ص: 1289 .
  529. [529] ابن الجوزي: نفس المصدر ج 10 ص: 225 .
  530. [530] نفسه ج 10 ص: 225 . وابن الفرات: المصدر السابق مج 4 ج 1 ص: 12 .
  531. [531] يجري بالجانب الغربي من بغداد ويصب في نهر دجلة. احمد سوسة: خارطة بغداد ص: 72 .
  532. [532] هي البلاد التي تقع فيما وراء نهر جيحون الذي يصب في بحيرة خُوارزم، أي بحر آرال ، عبد المنعم ماجد: الأطلس التاريخ للعالم الإسلامي، دار الفكر العربي، مصر، الخريطة رقم 7. .
  533. [533] تقع في بلاد الجزيرة على نهر الفرات. عبد المنعم ماجد: نفس المرجع ، الخريطة رقم: 4.
  534. [534] ابن الجوزي: المصدر السابق ج 10 ص:225. وابن الفرات: المصدر السابق مج 4 ج 1 ص: 12.
  535. [535] ابن رجب: المصدر السابق ج 1 ص 227.
  536. [536] ابن الأثير: الكامل في التاريخ ج 9 ص:98. وأبو الفدا: المختصر في أخبار البشر ج 3 ص:44.
  537. [537] الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 4 ص: 1289.و تاريخ الإسلام ج: 541-550ه/ ص: 406 ، 407 .
  538. [538] هو ما زاد عن العقد من واحد إلى ثلاثة . علي بن هادية: قاموس الطلاب الجديد ص: 1263 .
  539. [539] الذهبي: تاريخ الإسلام ، ج: 541-550 ه/ص: 406 ، 407 .
  540. [540] نفسه ج: 541-550 ه/ص: 407 .و سير أعلام النيلاء ج 20 ص: 268 .
  541. [541] المنذري: المصدر السابق ج 1 هامش ص: 98 .
  542. [542] ابن الدين: الرد الوافر، ص: 63 وما بعدها.
  543. [543] الزيلعي: نصب الراية، ج 1 ص: 356.
  544. [544] نفس المصدر، ج 1 ص: 355.
  545. [545] طبقات الشافعية الكبرى، ج 2 ص: 473.
  546. [546] نفس المصدر، ج 2 ص: 13.
  547. [547] نفس المصدر، ج 2 ص: 14.
  548. [548] نفسه، ج 2 ص: 14.
  549. [549] نفس المصدر، ج 2 ص: 22.
  550. [550] أنظر مثلا: السير، ج 15، ص: 85، ج 17 ص: 57، ج 18 ص: 117، ج 2- ص: 97، 210، ج 22 ص: 175، 311.
  551. [551] أنظر مثلا: السير، ج 14، 70، 318، 514، ج 22 ص: 373، 374، 387، ج 23 ص: 19، 73.
  552. [552] للتوسع في ذلك أنظر كتابنا: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث.
  553. [553] انظر مثلا: السير، ج 1 ص: 305، ج 6 ص: 314.
  554. [554] للتوسع في ذلك أنظر كتابنا السبق ذكره.
  555. [555] طبقات الشافعية الكبرى، ج 7 ص: 16.
  556. [556] طبقات الشافعية الكبرى، ج 2 ص: 13.
  557. [557] راجع كتبنا السابق الذكر.
  558. [558] المقدمة، ص: 515.
  559. [559] ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، ج 3 ص: 324، ج 9 ص: 397.
  560. [560] أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال، ج 27، 28. وابن تيمية: منهاج السنة، ج 1 ص: 62، 99، 100. والذهبي: السير، الجزء المفقود، ص: 296.
  561. [561] ابن تيمية: نفس المصدر، ج 1 ص: 99 وما بعدها.
  562. [562] ابن حجر: فتح البارئ، ج 13 ص: 363 .
  563. [563] إغاثة اللهفان، ج 2 ص: 260.
  564. [564] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 12 ص: 205، 206.
  565. [565] أنظر: أبو حامد الغزالي: المنقذ من الضلال، ص: 27، 28. والذهبي: الميزان، ج 5 ص: 173. والسير، ج 17 ص: 35. وابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 2 ص: 92. وابن الجوزي: صيد الخاطر، ص: 226. وابن حجر: فتح الباري، ج 12 ص: 202. وابن العماد الحنبلي: 4 ص: 213. وج 5 ص: 137.
  566. [566] الذهبي: السير، 13 ص: 449، ج 17 ص:15.، ج 19 ص: 19، 334، ج 20 ص: 124، ج 23 ص: 111.
  567. [567] أنظر مثلا: ابن النديم: الفهرست، بيروت، دار المعرفة، 1978ه، ج 1 ص: 358. والذهبي: السير، ج 13 ص: 449. وابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، حققه نزار رضا، بيروت، مكتبة الحياة، ج 1 ص: 294. وحاجي خليفة: كشف الظنون، ج 2 ص: 2028. وصديق حسن خان القنوجي: أبجد العلوم، ج 2 ص: 255.
  568. [568] عن ذلك أنظر المصادر المذكورة في الهامش السابق.
  569. [569] الرد على المنطقيين، ص: 240 .
  570. [570] طبقات الشافعية الكبرى، ج 4 ص: 67.
  571. [571] المقدمة، ص: 515 .
  572. [572] درء التعارض، ج 9 ص: 401-402.
  573. [573] القنوجي: أبجد العلوم، ج 2 ص: 367.
  574. [574] أنظر : ابن تيمية: منهاج السنة، ج 1 ص: 357. ودرء التعارض، ج 7 ص: 334. وابن القيم: إغاثة اللهفان، ج 2 ص: 258، 259. والصواعق المرسلة، ج 2 ص: 404.
  575. [575] ابن الأثير: الكامل، ج 7 ص: 400.
  576. [576] ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 5 ص: 138. وابن الجوزي: المنتظم، ج 6 ص: 333. والسبكي: طبقات الشافعية، ج 3 ص: 376.
  577. [577] معجم البلدان، ج 1 ص: 476.
  578. [578] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج 6 ص: 222.
  579. [579] ابن جرادة: بغية الطلب في تاريخ حلب، ج 3 ص: 1162، 1164.
  580. [580] ابن كثير: طبقات فقهاء الشافعيين، ج 2 ص: 671.
  581. [581] ابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 69.
  582. [582] ابن حجر: الدرر الكامنة، ج 1 ص: 495.
  583. [583] ابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 8 ص: 531.
  584. [584] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ترجمة إبراهيم الزبيري، ج 2 ص: 196.
  585. [585] الذهبي: السير، ج 17 ص: 174.
  586. [586] ابن الجوزي: العلل المتناهية، ج 1 ص: 236، 237.
  587. [587] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 3 ص: 1145. وابن حجر: اللسان، ج 4 ص: 200.
  588. [588] الذهبي: نفس المصدر، ج 4 ص: 1220.
  589. [589] ابن خلدون: المقدمة، ص: 354. وابن حجر: نفسه، ج 4 ص: 200.
  590. [590] ابن خلدون: نفسه، ص: 354.
  591. [591] الذهبي: العبر، ج 4 ص: 286. والسير، ج 21 ص: 455، 459، 463، 464. وابن كثير: البداية، ج 13 ص: 21.
  592. [592] اذهبي: السير، ج 21 ص: 458، 459. وابن كثير: البداية، ج 13 ص: 39. ومحمد بن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، حققه أكرم البوشي، ط2، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1996 ج 4 ص: 154.
  593. [593] ابن عبد الهادي: نفسه، ج 4 ص: 154.
  594. [594]الذهبي : السير، 22 ص: 311.
  595. [595] ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 3 ص: 293.
  596. [596] ابن حجر: الدرر الكامنة، ج 1 ص: 169، 170. وابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات، ج 1 ص: 75. والشوكاني: البدر الطالع، ج ذ ص: 67 .
  597. [597] ابن حجر: الدرر الكامنة، ج 1 ص: 358.
  598. [598] مم: الصحيح الجامع، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، ج 2 ص: 1014.
  599. [599] نفسه، ج 1 ص: 358.
  600. [600] ابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 8 ص: 288.
  601. [601] البدر الطالع، ج 2 ص: 133 وما بعدها .
  602. [602] سيأتي ذلك قريبا إن شاء الله تعالى.
  603. [603] سبق ذكر بعض ذلك في الفصلين الأول والثاني، وسنكر شواهد أخرى قريبا .
  604. [604] أنظر مثلا: ابن الجوزيك المنتظم، ج 9 ص: 93. والذهبي: السير، ج 1 9، ص: 94. السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 3 ص: 393.
  605. [605] الذهبي: السير، ج 15 ص: 196، ج 16 ص: 468، ج 18 ص: 497. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 233.
  606. [606] الذهبي: نفس المصدر، ج 13 ص: 470، ج 14 ص: 539، ج 15 ص: 152.
  607. [607] نفس المصدر، ج 15 ص: 364، ج 16، ص: 250 ج 17 ص: 650. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 233.
  608. [608] أنظر: أبو شامة: كتاب الروضتين، ج 4 ص: 382. وابن كثير: نفس المصدر، ج 13 ص: 18. والمقريزي: الخطط، ج 2 ص: 343، 358 .
  609. [609] الخطط المقريزية، ج 2 ص: 343 .
  610. [610] أنظر: عبد لعزيز سالم: تاريخ المغرب في العصر الإسلامي، مؤسسة شباب الجامعة، مصر، د ت، 447 وما بعدها.
  611. [611] الناصري السلاوي: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، ج 1 ص: 194.
  612. [612] الذهبي: العبر، ج 4 ص: 60. والناصري، نفس المرجع، ج 1 ص: 74، 75.
  613. [613] الذهبي: السير، ج 21 ص: 314. وابن خلدون: المقدمة، ص: 290. والناصري: المرجع السابق، ج 1 ص: 125، 200.
  614. [614] ابن كثير: البداية والنهاية، ج 10 ص: 267، 33، 337.
  615. [615] ابن الجوزي: المنتظم، ج 7 ص: 287، ج 8 ص: 109، 110. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 339، ج 12 ص: 26.
  616. [616] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 8 ص: 240. وابن رجب البغدادي: الذيل على طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 197، 198.
  617. [617] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 9 ص: 28، 29.
  618. [618] الذهبي: العبر، ج 4 ص: 241. ابن كثير: البداية، ج 13 ص: 19. وابن رجب: الذيل، ج 1 ص: 304، 426. وابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 7 ص: 173.
  619. [619] الذهبي: السير، ج 15 ص: 152، 154، 170، 196.
  620. [620] نفس المضدر، ج 15 ص: 135.
  621. [621] أبو شامة: كتاب الروصتين، ج 4 ص: 382. والمقريزي: الخطط ، ج 2 ص: 343، 358.
  622. [622] الذهبي: السيّر، ج 29 ص: 292. وابن كثير: البداية، ج 13 ص: 18.
  623. [623] ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج 2 ص: 331.
  624. [624] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج 7 ص: 202.
  625. [625] ابن كثير: البداية، ج 14 ص: 77.
  626. [626] السابع هو الملك أبو سعيد بن خربندا.
  627. [627] الشوكاني: البدر الطالع، ج 1 ص: 302 .
  628. [628] ابن جرادة: بغية الطلب في تاريخ حلب، ج 5 ص: 2494، 2495.
  629. [629] ابن الجوزي: المنتظم، ج 9 ص: 93. والذهبي: السيّر، ج 19 ص: 94. السبكي: الطبقات، ج3ص: 393. وابن مفلح: الفروع، ج 2 ص: 14.
  630. [630] الذهبي: السير، ج 19 ص: 425. وابن خلّكان: وفيات الأعيان، ج 3 ص: 208.
  631. [631] ابن الجوزي: المنتظم، ج 3 ص: 3، 4، 220. وابن النجار: ذيل تاريخ بغداد، ج 2 ص: 185.
  632. [632] العليمي: المنهج الأحمد، ج 2 ص: 289.
  633. [633] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 7 ص: 296، 297.
  634. [634] لم أتعرف عليه .
  635. [635] ابن رجب: الذيل، ج 2 ص: 292.
  636. [636] ابن كثير: البداية، ج 12 ص: 69، 82، 83.
  637. [637] لم أتعرف عليه.
  638. [638] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 3 ص: 1141.
  639. [639] ابن الجوزي: المنتظم، ج 10 ص: 213 . وابن كثير: البداية، ج 250.
  640. [640] الذهبي: السير، ج 21 ص: 458، 459. وابن كثير: البداية، ج 13 ص: 39 .
  641. [641] القلقشندي: مآثر الآنافة، ج 2 ص: 90 .
  642. [642] ابن حجر: الدرر الكامنة، ج 6ر ص: 209.
  643. [643] ابن الجوزي: المنتظم، ج 10 ص: 203، 253.و ابن كثير: البداية، ج 12 ص: 296، ج 13 ص: 23، 61. ومحمد كرد علي: خطط الشام، دمشق، مطبعة الترقي، 1926، ج6 ص: 115.
  644. [644] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 332.
  645. [645] سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان، ق: 1 ج 8 ص: 182 .
  646. [646] الذهبي: السير، ج 20 ص: 532 ز وابن رجب: الذيل، ج 1 ص: 158.
  647. [647] الكامل في التاريخ، ج 10 ص: 282، 283.
  648. [648] ابن حجر: إنباء الغمر، ج 2 ص: 586.
  649. [649] المقريزي: الخطط ، ج 2 ص: 333، 334.
  650. [650] ابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة، ج 7 ص: 134. والمقريزي: المصدر السابق، ج 2 ص: 343.
  651. [651] المقريزي: السلوك في معرفة دول الملوك، ج 1 ق: 2 ص: 342، 539.
  652. [652] سنطرح الحل لهذه القضية في الفصل الرابع، إن شاء الله تعالى.
  653. [653] صلاح الدين الصفدي: الوافي بالوفيات، ج 5 ص: 87. السبط: مرآة الزمان، ج 1 ق: 8 ص: 44.
  654. [654] الشوكاني: البدر الطالع، ج 1 ص: 67.
  655. [655] نفسه، ج 1 ص: 67 .
  656. [656] ابن حجر: الدرر الكامنة، ج 1 ص: 358.
  657. [657] ابن حجر: إنباء الغمر، ج 1 ص: 97.
  658. [658] البدر الطالع، ج 1 ص: 21.
  659. [659] السيوطي: تاريخ الخلفاء، حققه محمد محي الدين عبد الحميد، ط 1، مصر، مطبعة السعادة، 1952، ص: 308.
  660. [660] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج 1 ص: 269.
  661. [661] نفس المصدر، ج 1 ص: 359. وابن العماد الحنبلي: شذرات، ج 3 ص: 140.
  662. [662] ابن كثير: البداية، ج 10 ص: 305. وابن العماد، نفس المصدر، ج 3 ص: 179، 180.
  663. [663] الذهبي: السير، ج 17 ص: 650.
  664. [664] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج 8 ص: 365. والذهبي: السير، ج 18 ص: 143، 313 .
  665. [665] الذهبي: العبر، ج 1 ص: 405، 411. وابن كثير: البداية، ج 10 ص: 333. والسيوطي: تاريخ الخلفاء، ص: 308.
  666. [666] القاضي عياض: ترتيب المدارك، ج 1 ص: 269.
  667. [667] السيوطي: المصدر السابق، ص: 308.
  668. [668] القاضي عياض: المصدر السابق، ج 1 ص: 221.
  669. [669] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 236. وابن كثير: البداية، ج 11 ص: 64-65.
  670. [670] نفس المصدر، ج 7 ص: 287. ونفس المصدر، ج 12 ص: 6.
  671. [671] ابن الجوزي: نفس المصدر، ج 8 ص:172. وابن كثير: نفس المصدر، ج 12 ص: 69 .
  672. [672] الهجويري: كشف المحجوب، ترجمة إسعاد عبد الهادي قنديل، دار النهضة العربية، بيروت، 1980 ، ص: 421.
  673. [673] ابن رجب: الذيل، ج 2 ص: 197، 239. وابن مفلح: الفروع، ج 2 ص: 14.
  674. [674] ابن رجب: نفس المصدر، ج 2 ص: 198.
  675. [675] ابن الجوزي: المصدر السابق، ج 8 ص: 305، ج 9 ص: 3، 4، 131. وابن النجار: ذيل تاريخ بغداد، ج 2 ص: 185. وابن رجب: المصدر السابق، ج 2 ص: 239.
  676. [676] الذهبي: تاريخ الإسلام، حوادث: 591-600 هجرية، ص: 450 .
  677. [677] ابن قدامة المقدسي: كتاب البرهان في بيان القرآن، مجلة البحوث الإسلامية، الرياض، العدد 19، سنة 1407ه ن ص: 280.
  678. [678] المقريزي: الخطط، ج 2 ص: 343، 443.
  679. [679] أنظر: ابن حجر: الدرر، ج 1 ص: 18. وأنظر أيضا مبحث:محن العلماء من الفصل الثاني.
  680. [680] الذهبي: ميزان الاعتدال، ج 6 ص: 325.
  681. [681] ابن الجوزي: المنتظم، ج 8 ص: 326 .
  682. [682] ابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة، ج 5 ص: 120 .
  683. [683] الذهبي السير، ج 19 ص: 404.
  684. [684]الذهبي: العبر، ج 4 ص: 248، 249.و نفس المصدر، ج 21، ص: 164.
  685. [685] البداية، ج 12 ص: 272 .
  686. [686] ابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة ، ج 9 ص: 238.
  687. [687] السخاوي: التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، ج 1 ص: 229 .
  688. [688] نفس المصدر، ج 1 ص: 357.
  689. [689] الذهبي: السير، ج 15 ص: 131 .
  690. [690] ابن كثير: البداية، ج 11 ص: 240، 241 .
  691. [691] الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 3 ص: 1176 .
  692. [692] الذهبي: السير، ج 15 ص: 170، 196، ج 18 ص: 497.
  693. [693] ابن كثير: البداية، ج 12 ص: 82-83.
  694. [694] ابن حجر: الدرر الكامنة، ج 4 ص: 117 .
  695. [695] ابن حجر: إنباء الغمر، ج 3 ص: 668. ونفس المصدر، ج 4 ص: 117.
  696. [696] الذهبي: السير، ج 23 ص: 180، 183، 362. والعبر في خبر من غبر، ج 5 ص: 225. واليونيني: ذيل مرآة الزمان، الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، 1954، ج 1 ص: 86، 87، 90. وابن كثير: البداية، ج 13 ص: 164، 201. والسيوطي: تاريخ الخلفاء، ص: 465.
  697. [697] الذهبي: السير، ج 23 ص: 183. والعبر في خبر من غبر، ج 5 ص: 225. وابن كثير: نفس المصدر ج 13 ص: 203. والسيوطي: نفسه، ص: 456.
  698. [698] الذهبي: السير، ج 23 ص: 180، 362.
  699. [699] نفسه، ج 23 ص: 362. والسبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج 8 ص: 263.
  700. [700] من الباحثين المعاصرين: أبو الفتوح بدوي، في كتابه: التاريخ السياسي والفكري للمذهب السني، ص: 272.
  701. [701] ابن الطقطقى: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، مصر، مكتبة عز للتوريدات، د ت، ص: 270، 273 .
  702. [702] نص: 273، 274 .
  703. [703] ابن الوردي: تتمة المختصر في أخبار البشر، ج 2 ص: 282.
  704. [704] ابن تغري بلدي: النجوم الزاهرة، ج 7 ص: 49.
  705. [705] نفس المصدر، ج 7 ص: 50.
  706. [706] ابن الفوطي: الحوادث الجامعة والتجارب النافعة ، بيروت، دار الفكر الحديث، 1987، ص: 157، 158 .
  707. [707] ذكرنا ذلك بالتفصيل في الفصل الأول.
  708. [708] رشيد الدين فضل الله الهمذاني: جامع التواريخ: تاريخ المغول، مج 2 ج 1 ص: 256، 257، 279، 280 .
  709. [709] ابن كثير: البداية والنهاية، ج 13 ص: 201. وابن تيمية: مجموع الفتاوى، ج 14 ص: 166.
  710. [710] ابن تيمية: نفسه، ج 14 ص: 166 .
  711. [711] نفس المصدر، ج 28 ص: 636.
  712. [712] محمد بن عبد الهادي: العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام بن تيمية، حققه محمد حامد الفقي، بيروت، دار الكتاب العربي، ج 1 ص: 185، 196.
  713. [713] نفسه، ج 1 ص: 195، 196.
  714. [714] ابن تيمة: المصدر السابق، ج 28 ص: 636.
  715. [715] ا بن بطوطة: رحلة ابن بطوطة، ج 1 ص: 220.
  716. [716] صديق خان: أبجد العلوم، ج 2 ص: 405.
  717. [717] مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب، ص: 291.
  718. [718] انظر: ابن الأثير: الكامل، ج8 ص: 308-309.
  719. [719] أمينة البيطار: تاريخ العصر العباسي، دمشق، مؤسسة الوحدة، 1981، ص: 271.
  720. [720] تبيّن لي ذلك من خلال الشواهد التاريخية الكثيرة، في دراستي للحنابلة لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه.
  721. [721] انظر مثلا: الذهبي: السيّر، ج 15 ص: 151 وما بعدها.
  722. [722] للتوسع في ذلك أنظر كتابنا: الأزمة العقيدية بين الأشاعرة وأهل الحديث.
  723. [723] أبن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، ج 2 ص: 125.
  724. [724] السيد سابق: فقه السنة، ج 1 ص: 10 .
  725. [725] عمر سليمان الأشقر: تاريخ الفقه الإسلامي، ص: 146، 147.
  726. [726] انظر مثلا: الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 2 ص: 648. وابن رجب: الذيل، ج 1 ص: 190. والشوكاني: البدر الطالع، ج 1 ص: 289، 290، ج 2 ص: 84، 90 .
  727. [727] ابن حجر: لسان الميزان، ج 1 ص: 304.
  728. [728] ابن الجوزي: المنتظم، ج 9 ص: 131.
  729. [729] نفسه، ج 9 ص: 131.
  730. [730] ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 41 ص: 339.و اليافعي المكي: مرآة الجنان، بيروت، منشورات الأعلمي، 1970، ج 3 ص: 388.
  731. [731] الذهبي: السيّر، ج 19 ص: 612. وابن الجوزي: المنتظم، ج 10 ص: 22.
  732. [732] الذهبي: نفس المصدر، ج 20 ص: 45.
  733. [733] نفس المصدر، ج 20ص: 140.و ابن الجوزي، المصدر السابق، ج 10 ص: 110.
  734. [734] ابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة، حققه سامي الدهان ولاوست، دمشٌ المعهد الفرنسي، 1951 ج1 ص: 211.و ابن الجوزي: المنتظم، ج 10 ص: 108، 110.و الذهبي: السيّر، ج 20 ص: 140.و العبر، ج 4 ص:105.و السبكي: طبقات، ج6 ص: 172.
  735. [735] ابن الجوزي: نفسه، ج10 ص: 110.و الذهبي: نفسه، ج 20 ص: 140.و نفسه، ج 4 ص:105.و السبكي: نفسه، ج 6 ص: 172
  736. [736] الذهبي: السيّر، ج 21 ص: 395.
  737. [737] نفسه، ج 21 ص: 395.و الصفدي: المصدر السابق، ج5 ص: 5 ص: 9.و المقريزي: كتاب السلوك، لمعرفة دول الملوك، ط1، بيروت، دار صادر، 1999، ج 1 ق: 1 ص: 88.
  738. [738] أنظر مثلا: ولي الله الدهلوي: الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، ص: 104 .
  739. [739] سق ذلك في الفصلين الأول والثاني .
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...