حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الخميس، 3 نوفمبر 2022

ج34.وج35.مسير المأمون للعراق وقتل ذي الرياستين الفضل بن سهل . العام الهجري : 202 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 818.



ج34.مسير المأمون للعراق وقتل ذي الرياستين الفضل بن سهل .
العام الهجري : 202 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 818

تفاصيل الحدث:

أقبل المأمونُ من خراسان قاصدًا العراق، وذلك أنَّ علي بن موسى الرضا أخبر المأمونَ بما النَّاسُ فيه من الفِتَن والاختلافِ بأرض العراق، وبأنَّ الهاشميِّينَ قد أنهَوا إلى الناس بأنَّ المأمونَ مَسحورٌ ومَسجونٌ، وأنَّهم قد نَقَموا عليك ببيعتِك لعليِّ بن موسى، وأنَّ الحرب قائمة بين الحسَنِ بنِ سَهلٍ وبين إبراهيم بن المهدي. فاستدعى المأمونُ جماعةً مِن أمرائه وأقربائه فسألهم عن ذلك فصدَّقوا عليًّا فيما قال، بعد أخذِهم الأمانَ منه، وقالوا له: إنَّ الفضلَ بنَ سَهلٍ حسَّنَ لك قتلَ هَرثَمة بن أعين، وقد كان ناصحًا لك. فعاجله بقَتلِه، وإنَّ طاهِرَ بن الحسين مهَّدَ لك الأمورَ حتى قاد إليك الخلافةَ بزِمامِها فطَرَدتَه إلى الرقَّة، فقعد لا عملَ له ولا تستنهِضُه في أمرٍ، وإنَّ الأرض تفتَّقَت بالشرور والفِتَن من أقطارها، فلما تحقَّقَ ذلك المأمونُ أمر بالرحيلِ إلى بغداد، وقد فطِنَ الفضلُ بن سهل بما تمالأَ عليه أولئك الناصحون، فضرب قومًا ونتَفَ لحى بعضِهم. وسار المأمونُ فلمَّا كان بسرخس عدا قومٌ على الفضلِ بنِ سَهلٍ وزير المأمون (ذو الرياستين ) وهو في الحمَّام، فقتلوه بالسيوف، وله ستون سنةً، فبعث المأمونُ في آثارهم فجيءَ بهم وهم أربعةٌ من المماليك فقتَلَهم وكتب إلى أخيه الحسَنِ بنِ سهل يعزِّيه فيه، وولَّاه الوَزارةَ مكانَه، وارتحل المأمونُ من سرخس يومَ عيد الفطر نحو العراق، وإبراهيم بن المهدي بالمدائن، وفي مقابلتِه جيشٌ يقاتلونه من جهةِ المأمون.
موقعة أهل الربض بقرطبة .
العام الهجري : 202 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 818
تفاصيل الحدث:

من أشهَرِ الثَّوراتِ التي قمَعها الحكَمُ بن هشام ثورة ُالربض، وهم قومٌ كانوا يعيشونَ في إحدى ضواحي قُرطُبة، وقد ثار أهلُها ثورةً كبيرة جدًّا عليه؛ بسبب ما عُرِفَ عنه من معاقرةِ الخَمرِ، وتشاغُلِه باللهوِ والصَّيد، وقد زاد من نقمةِ الشَّعبِ عليه قتلَه لجماعةٍ مِن أعيان قُرطبة، فكرهه الناسُ, وصاروا يتعرَّضون لجُندِه بالأذى والسَّبِّ، فشرعَ في تحصينِ قُرطبةَ وعِمارةِ أسوارِها وحَفْرِ خَنادِقِها، وارتبط الخيلَ على بابِه، واستكثَرَ المماليكَ، ورتَّب جمعًا لا يفارِقونَ بابَ قَصرِه بالسلاحِ، فزاد ذلك في حقدِ أهل قُرطبةَ، وتيقَّنوا أنه يفعلُ ذلك للانتقام منهم. ثم وضَعَ عليهم عُشرَ الأطعمةِ كُلَّ سنةٍ، مِن غيرِ خَرصٍ، فكرهوا ذلك، ثم عمدَ إلى عشرةٍ مِن رؤساء سفهائِهم، فقتَلَهم، وصَلَبهم، فهاج لذلك أهلُ الربض، وتداعى أهلُ قُرطبةَ من أرباضِهم وتألَّبوا بالسلاحِ وقصدوا القصرَ، فكان أوَّلَ مَن شهرَ السلاحَ أهلُ الربض، واجتمع أهلُ الربض جميعُهم بالسلاح، واجتمعَ الجندُ والأمويُّون والعبيدُ بالقصر، وفرَّقَ الحكمُ الخيلَ والأسلحة، وجعل أصحابَه كتائبَ، ووقع القتالُ بين الطائفتينِ، فغَلَبهم أهلُ الربض، وأحاطوا بقَصرِه، فنزل الحكَمُ من أعلى القصر، ولَبِسَ سلاحَه، ورَكِبَ وحَرَّضَ الناس، فقاتلوا بين يديه قتالًا شديدًا. ثم أمَرَ ابنَ عَمِّه عُبيد الله، فثلَمَ في السُّورِ ثُلمةً، وخرج منها ومعه قطعةٌ من الجيش، وأتى أهلَ الربض من وراء ظهورِهم، ولم يعلَموا بهم، فأضرموا النَّارَ في الربض، وانهزم أهلُه، وقُتلوا مقتلةً عظيمةً، وأخرجوا من وجَدوا في المنازلِ والدُّور، فأسروهم، فانتقى من الأسرى ثلاثَمائة من وجوهِهم، فقتَلَهم، وصَلَبَهم منكَّسِينَ، وأقام النَّهبَ والقتلَ والحريقَ والخرابَ في أرباض قرطبةَ ثلاثةَ أيام. ثم استشار الحكَمُ عبدَ الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث، فأشار عليه بالصَّفحِ عنهم والعفوِ، وأشار غيرُه بالقتل، فقَبِلَ قَولَه، وأمر فنودي بالأمانِ، على أنَّه من بقي من أهلِ الربض بعد ثلاثةِ أيَّامٍ قَتَلْناه وصَلَبْناه؛ فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيًا، وتحمَّلوا على الصَّعبِ والذَّلولِ خارجين من حضرةِ قُرطبة بنِسائِهم وأولادِهم، وما خَفَّ من أموالهم، وقعد لهم الجندُ والفَسَقةُ بالمراصِدِ يَنهبونَ، ومن امتنَعَ عليهم قتلوه. فلما انقَضَت الأيامُ الثلاثة أمر الحكَمُ بكَفِّ الأيدي عن حَرَمِ النَّاسِ، وجمعَهنَّ إلى مكان، وأمر بهدمِ الربضِ القبلي. فكانت وقعةً هائلة شنيعةً، قُتِل فيها عددٌ كثيرٌ زُهاءَ أربعين ألفًا من أهل الربض، وعاينوا البلاءَ وهُدِّمَت ديارُهم ومساجِدُهم، ونزل منهم ألوفٌ بطُليطِلة وخَلقٌ في الثغورِ، وجاز آخرون البحرَ ونزلوا بلادَ البربر، ومنهم من نزل بالإسكندرية في مصر. وكان بزيعُ مولى أميَّة ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشامٍ محبوسًا في حبسِ الدم بقرطبة، في رجليه قيدٌ ثقيلٌ، فلما رأى أهلَ قُرطبة قد غلَبوا الجندَ سأل الحرسَ أن يُفرِجوا له، فأخذوا عليه العهودَ إن سَلِمَ أن يعودَ إليهم، وأطلقوه، فخرج فقاتلَ قتالًا شديدًا لم يكُنْ في الجيشِ مِثلُه، فلما انهزم أهلُ الربض عاد إلى السِّجنِ، فانتهى خبَرُه إلى الحكم، فأطلقه وأحسَنَ إليه.
استقلال دولة بني زياد وامتلاكها اليمن وحضرموت .
العام الهجري : 203 العام الميلادي : 818
تفاصيل الحدث:

دولةُ بَني زيادٍ هي أوَّلُ الدُّولِ اليَمنيةِ استقلالًا في القرنِ الثالثِ الهِجريِّ، ففي زمَنِ المأمونِ الخَليفةِ العباسيِّ بدأ النُّفوذُ الشِّيعيُّ يزدادُ بشدةٍ؛ ما جعَله يُولِّي محمدَ بنَ إبراهيمَ الزِّياديَّ اليَمنَ سنةَ 203هـ، وبعد عامٍ مِن هذا التاريخ بدأ الزِّياديُّ في بناءِ مَدينةٍ جَديدةٍ لها، وهي مَدينةُ زُبَيدٍ، وقد نجَح في بَسطِ نُفوذِه على جميعِ أرجاءِ اليَمنِ حتى استَقلَّ بمُلكها، فمَلَكَ إقليمَ اليَمنِ بأسْرِه، وحَضْرَمَوْتَ بأسْرِها، والشِّحْرَ وَمِرْباطَ وأَبْيَنَ وعَدَنَ والتهائِمَ إلى حَلْيِ يَعقوبَ، وكذلك مِن جبالِ الجَنَدِ وأعمالِه ومِخلافِ جَعفرَ ومِخلافِ المعافِرِ وصَنعاءَ وأعمالِها ونَجرانَ وبَيْحانَ والحِجازِ بأسْرِه. وبعدَ أنْ جَعَل الزِّياديُّ المُلكَ في ذُرِّيتِه ودانت له اليَمنُ، حَكم مِن بعده ابنُه إبراهيمُ سنةَ 245هـ، ثم تولى مِن بعدِه زيادٌ، ثم مِن بعدِه ابنُه أبو الجَيْشِ إسحاقُ الذي عمَّرَ طويلًا وبدأ في عَهدِه ضَعفُ الدولةِ الزِّياديةِ، فثارَ في صَنعاءَ ابنُ يَعفُرَ، وثارَ في صَعْدةَ يحيى بنُ القاسِمِ الرَّسِّيُّ المُلقَّبُ بالهادي سنةَ 288هـ، وأصبحت اليَمنُ كُلُّها في مهَبِّ الريحِ، وبدأت الدولةُ الزِّياديةُ بالتفكُّكِ. وانتزع اليَعفُريُّونَ مِن بَني زيادٍ بعضَ المناطقِ، وأصبحت اليَمنُ ثلاثَ دولٍ: دولةَ ابنِ يَعفُرَ في صَنعاءَ، والدولةَ الشِّيعيةَ الزَّيديةَ لِلرَّسِّيينَ في صَعدةَ، ودولةَ الزِّياديِّينَ في زُبَيدٍ. فلم يَدُمِ المُلكُ طَويلًا لِأحدٍ، وشهدَ اليَمنُ اضطراباتٍ مذهبيةً خِلالَ العَصرِ العباسيِّ الثاني. وفي آخِرِ الأمرِ تمكَّنَ نجاحٌ وهو مملوكٌ حبشيٌّ لِمُرجانَ مِن تأسيسِ دولةِ بَني نجاحٍ في زُبَيدٍ، وبهذا انقرضت دولةُ بَني زيادٍ.
وفاة علي بن موسى الرضي (ولي عهد المأمون) .
العام الهجري : 203 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 818
تفاصيل الحدث:

تُوفِّيَ علي بن موسى الرضا- الذي كان المأمونُ قد جعله وليًّا للعهدِ- وكان سببُ موته أنَّه أكل عنبًا فأكثَرَ منه، فمات فجأةً، وكان موتُه بمدينة طوس، فصلى المأمونُ عليه، ودفنه عند قبرِ أبيه الرشيد, وقيل: إنَّ المأمون سمَّه في عنب، وكان عليٌّ يحِبُّ العنب. فلما توفِّيَ كتب المأمونُ إلى الحسن بن سهل يُعلِمُه موتَ عليٍّ، وما دخل عليه من المُصيبة بموته، وكتب إلى أهلِ بغداد، وبني العبَّاس والموالي يُعلِمُهم موتَه، وأنهم إنما نَقَموا ببيعتِه، وقد مات، ويسألُهم الدخولَ في طاعته، فكَتَبوا إليه أغلظَ جوابٍ.
خلع أهل بغداد لإبراهيم بن المهدي .
العام الهجري : 203 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 819
تفاصيل الحدث:



كان سبَبُ ذلك أنَّ إبراهيمَ قَبَضَ على عيسى بن محمد بن أبي خالد وحبسَه، وأخذ عِدَّةً من قوَّاده وأهلَه، فحبَسَهم ونجا بعضُهم، وفيمن نجا أخو عيسى العباس بن محمد، ومشى بعضُ أهله إلى بعض، وحرَّضوا الناسَ على إبراهيم، وكان أشَدَّهم العباسُ بن محمد، وكان هو رأسَهم، فاجتمعوا وطردوا عاملَ إبراهيمَ على الجسر، والكرخ وغيره، وظهر الفُسَّاق والشُّطَّار، وكتب العباسُ إلى حميد بن عبد الحميد يسألُه أن يَقدَمَ عليهم حتى يُسَلِّموا إليه بغداد، فقَدِمَ عليهم، وسار حتى أتى نهر صرصر فنزل عنده. وخرج إليه العباسُ وقوَّادُ أهل بغداد، فلَقُوه، ووعدهم أن يصنعَ لهم العطاءَ يوم السبت في الياسرية على أن يدْعوَا للمأمونِ بالخلافة يوم الجمعة، ويخلعوا إبراهيمَ، فأجابوه إلى ذلك. ولَمَّا بلغ إبراهيمَ الخبَرُ أخرج عيسى ومن معه من إخوتِه من الحبسِ، وسأله أن يرجِعَ إلى منزله، ويكفيَه أمرَ هذا الجانب، فأبى عليه. ثم بعد ذلك رضِيَ فخَلَّى سبيله، وأخذ منه كُفَلاء، وكلَّم عيسى الجندَ، ووعدَهم أن يعطيَهم مثلَ ما أعطاهم حميدُ بن عبد الحميد، فأبوا ذلك، وشَتَموه وأصحابه، وقالوا: لا نريدُ إبراهيم، فقاتلهم ساعةً، ثم ألقى نفسَه في وسطهم، حتى أخذوه شِبهَ الأسيرِ، فأخذه بعضُ قُوَّاده، فأتى به منزِلَه، ورجع الباقونَ إلى إبراهيم، فأخبروه الخبَرَ، فاغتمَّ لذلك. ثم اختفى إبراهيمُ بنُ المهدي؛ وكان سببُ ذلك أنَّ أصحابَ إبراهيم وقوَّادَه تسلَّلوا إلى حميد بن عبد الحميد فصار عامَّتُهم عنده، وأخذوا له المدائِنَ. فلما رأى إبراهيمُ فعلهم أخرج جميعَ مَن بقيَ عنده حتى يقاتلوا فالتَقَوا على جسر نهر ديالى، فاقتتلوا فهَزمَهم حميدٌ وتَبِعَهم أصحابه، حتى دخلوا بغداد، وذلك نهايةَ ذي القعدة. فلما كان الأضحى اختفى الفَضلُ بن الربيع، ثم تحوَّلَ إلى حميد بن عبد الحميد، وجعل الهاشميُّون والقوَّاد يأتون حميدًا واحدًا بعد واحدٍ، فلمَّا رأى ذلك إبراهيمُ سُقِطَ في يديه، وشقَّ عليه، اختفى ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة. وكانت أيامُ إبراهيم سنة وأحد عشر شهرًا واثني عشر يومًا.
اليمن يستقل عن الخلافة العباسية بقيام الدولة الزيادية .
العام الهجري : 204 العام الميلادي : 819
تفاصيل الحدث:

كان شَخصٌ مِن بني زيادِ بن أبيه، اسمُه محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد، مع جماعةٍ من بني أمية، قد سَلَّمهم المأمونُ إِلى الفضل بن سهل ذي الرياستين، وقيل إِلى أخيه الحسَن، وبلغ المأمونُ اختلالَ أمر اليمن، فأثنى ابنُ سهلٍ على محمَّد بن زياد الأموي، وأشار بإِرساله أميرًا على اليمن، فأرسل المأمونُ محمَّدَ بن زياد، ومعه جماعةٌ، فحَجَّ ابنُ زياد في سنة ثلاث ومائتين، وسار إِلى اليمَنِ، وفتح تِهامةَ بعد حروب جرت بينه وبين العرَبِ، واستقَرَّت قَدَمُ ابنِ زياد باليمن، وبنى مدينةَ زَبيد، واختَطَّها في سنة أربع ومائتين، وأرسلَ ابن زياد مولاه جعفرًا بهدايا جليلةٍ إِلى المأمون، فسار جعفرٌ بها إِلى العراق، وقَدَّمها إِلى المأمون في سنة خمس ومائتين، وعاد جعفرٌ إِلى اليمن في سنة ست ومائتين، ومعه عسكَرٌ مِن جهة المأمون، بمقدار ألفَي فارس، فعَظُمَ أمرُ ابن زياد، وملَكَ إِقليمَ اليمَنِ بأسرِه وتقَلَّد جعفرٌ الجبال، واختَطَّ بها مدينة يقال لها المديحرة، والبلادُ التي كانت لجعفر تسمَّى إِلى اليوم مخلافَ جَعفرٍ، والمخلاف عبارةٌ عن قُطرٍ واسع، وكان جعفرٌ هذا من الكُفاة الدُّهاة، وبه تمَّت دولةُ بني زياد، حتى قُتِلَ ابنُ زياد بجعفرة، وبقِيَ محمَّد بن زياد كذلك حتى توفِّي. فكان ذلك أوَّلَ قيامِ الدولة الزياديَّة باليمن.
قدوم الخليفة المأمون من جرجان إلى بغداد .
العام الهجري : 204 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 819
تفاصيل الحدث:

لَمَّا خُلِعَ إبراهيمُ بن المهدي واختفى وانقطعت الفِتَن، قَدِمَ المأمونُ بغداد، وكان قد أقام بجرجان شَهرًا وجعل يقيمُ بالمنزل اليومَ واليومينِ والثلاثةَ، وأقام بالنهروان ثمانيةَ أيام، فخرج إليه أهلُ بيته والقوَّاد، ووجوهُ الناس، وسَلَّموا عليه. وكان قد كتب إلى طاهرِ بنِ الحُسين، وهو بالرقَّة، ليوافيَه بالنهروان، فأتاه بها ودخل بغدادَ مُنتصَفَ صفر، ولباسُه ولباسُ أصحابِه الخُضرة، فلمَّا قَدِمَ بغدادَ نزل الرصافةَ، ثمَّ تحوَّل ونزل قصرَه على شاطئِ دِجلةَ، وأمر القوادَ أن يقيموا في مُعسكَرِهم. وكان الناسُ يدخلونَ عليه في الثياب الخُضر، وكانوا يَخرقونَ كلَّ ملبوسٍ يرونه من السَّوادِ على إنسان، فمكثوا بذلك ثمانية أيام، فتكلَّم بنو العباس وقوَّاد أهل خراسان، وقيل: إنَّه أمر طاهر بن الحسين أن يسألَه حوائِجَه، فكان أوَّلَ حاجةٍ سأله أن يلبَسَ السوادَ، فأجابه إلى ذلك، وجلس للنَّاسِ، وأحضر سوادًا فلَبِسَه، ودعا بخِلعةٍ سوداءَ فألبسَها طاهِرًا، وخلع على قوَّادِه السَّوادَ، فعاد الناسُ إليه.
وفاة الإمام الشافعي .
العام الهجري : 204 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 820
تفاصيل الحدث:

هو أبو عبدالله محمَّد بن إدريس بن العبَّاس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمامُ عالِمُ العَصرِ ناصِرُ الحديثِ، فقيه المِلَّة، ثم المطَّلبيُّ الشافعيُّ، المكِّي، الغزي القرَشِيُّ، أحَدُ الأئمَّة الأربعة المشهورينَ في الفقه، ولِدَ في غزَّة عام 150هـ فعادت به أمُّه إلى مكة، وهو ابن سنتين، فنشأ بها، وأقبل على الأدبِ والعربيَّة والشعر، فبرع في ذلك. وحُبِّبَ إليه الرميُ حتى فاق الأقرانَ، وصار يصيبُ من العِشرةِ تِسعةً. ثم كتَبَ العِلمَ. قال الشافعي: "أقمتُ في بطونِ العَرَب عشرينَ سنةً آخُذُ أشعارَها ولغاتِها، وحَفِظتُ القرآنَ، فما علِمتُ أنَّه مَرَّ بي حرفٌ إلَّا وقد عَلِمتُ المعنى فيه، ما خلا حرفينِ، إحداهما: دسَّاها" وكان من أفصَحِ النَّاسِ وأحفَظِهم، رحل إلى المدينةِ وسَمِعَ من الإمام مالك, قال الشافعي: "أتيتُ مالِكًا وأنا ابنُ ثلاث عشرة سنة، وكان ابنُ عمٍّ لي واليَ المدينة، فكلَّمَ لي مالكًا فأتيته. فقال: اطلُبْ من يقرأُ لك، فقلت: أنا أقرأُ، فقرأت عليه. فكان ربَّما قال لي لشيء: أعِدْه, فأُعيدُه حِفظًا, وكأنَّه أعجَبَه". ثم رحل لليمَنِ، ثمَّ سُيِّرَ إلى العراق إلى الرشيدِ وبَقِيَ فيها وتفَقَّه، وتكررت رحلتُه إلى العراق أكثَرَ مِن مرَّة، ثم إلى مصرَ، وله مِن المؤلَّفات: الرِّسالة، والأم، واختلاف الحديث، وله ديوان شعر، انتشر مذهبُه بسبب كثرة ترحُّلِه وجَمْعِه بين طريقةِ المحَدِّثين وطريقة الفقهاء، وكان أحمدُ بن حنبل يدعو له في صلاتِه نحوًا من أربعينَ سنةً، قال يونس الصدفي: "ما رأيتُ أعقَلَ من الشافعيِّ؛ ناظرتُه يومًا في مسألةٍ ثمَّ افتَرَقنا ولَقِيَني، فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيمُ أن نكونَ إخوانًا وإن لم نتَّفِقْ في مسألةٍ؟ قلت: هذا يدُلُّ على كمالِ عَقلِ هذا الإمامِ وفِقهِ نفسِه، فما زال النُّظَراءُ يَختَلِفونَ". توفِّيَ في مصر ودُفِنَ بالقرافة الصغرى، وله أربعٌ وخمسون سَنةً.
وفاة الحكم بن هشام صاحب الأندلس .
العام الهجري : 206 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

هو الحكَمُ بنُ هشامٍ ابنُ الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحَكَم الأُموي، المرواني، أبو العاصِ، أميرُ الأندلس، وابنُ أميرِها، وحفيدُ أميرها. ويلقَّب: بالمرتضَى، ويعرف: بالربضي؛ لِما فعلَ بأهلِ الربض. بويعَ بالمُلك عند موت أبيه- في صفر سنة ثمانين ومائة- وكان من جبابرةِ الملوك وفُسَّاقهم ومتَمَرِّديهم، وكان فارسًا شجاعًا فاتِكًا، ذا دهاءٍ وحَزمٍ، وعُتُوٍّ وظُلمٍ، تملَّكَ سبعًا وعشرين سنة. وكان في أوَّلِ أمْرِه على سيرةٍ حميدةٍ، تلا فيها أباه، ثم تغيَّرَ وتجاهر بالمعاصي. كان يأخذُ أولادَ النَّاسِ المِلاح، فيُخصيهم ويُمسِكُهم لنَفسِه. وله شِعرٌ جَيِّد. وكان يقرِّبُ الفُقَهاء وأهلَ العلمِ. وكَثُرت العلماء بالأندلُسِ في دولته، حتى قيل: إنَّه كان بقُرطبة أربعةُ آلاف متقَلِّس- أي: مُتزَيِّينَ بزيِّ العلماء- فلما أراد اللهُ فناءهم، عَزَّ عليهم انتهاكُ الحكَمِ بن هشام للحُرُمات، وأْتَمَروا ليخلَعوه، ثم جيَّشوا لقتاله، وجرت بالأندلسِ فِتنةٌ عظيمةٌ على الإسلام وأهله- فلا قوَّةَ إلا باللهِ- على يدِ الحَكَمِ بن هشام، قُتل فيها عشراتُ الآلافِ مِن العُلَماء والعامَّة خاصةً في وقعة الربض بقُرطبة، ثم توفِّيَ الحَكَمُ بن هشام. وهو أوَّلُ من جَنَّد بالأندلُسِ الأجنادَ المُرتَزِقة، وجمع الأسلحةَ والعُدَد، واستكثَرَ من الحشَمِ والحواشي، وارتبَطَ الخيولَ على بابه، وشابَهَ الجبابرةَ في أحوالِه، واتَّخذ المماليكَ، وجعَلَهم في المرتَزِقة، فبلغت عِدَّتُهم خمسةَ آلاف مملوك، وكانوا يُسَمَّون الخُرسَ؛ لعُجمةِ ألسنتِهم، وكانوا يوميًّا على باب قَصرِه. وكان يطَّلِعُ على الأمور بنفسه، ما قَرُب منها وبَعُد، وكان له نفَرٌ مِن ثقاتِ أصحابِه يُطالِعونَه بأحوالِ النَّاس، فيرُدُّ عنهم المظالِمَ، ويُنصِفُ المظلومَ، وهو الذي وطَّأَ لعَقِبه المُلْكَ بالأندلس، وولِيَ بعده ابنُه عبدالرحمن بن الحكَم.
عبدالرحمن الأوسط يحكم الأندلس .
العام الهجري : 206 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:


لَمَّا مات الحكَمُ بنُ هشام بن عبدالرحمن، قام بالمُلْك بعده ابنُه عبد الرحمن ويكنَّى أبا المطرف، واسمُ أمِّه حلاوة، ولد بطليطِلة، أيَّامَ كان أبوه الحكَمُ يتولَّاها لأبيه هشام، فلمَّا وَلِيَ عبدالرحمن خرج عليه عمُّ أبيه عبد الله البلنسي؛ طمعًا في الحُكمِ بعد موتِ الحَكَمِ.
خروج عبدالله البلنسي على عبدالرحمن الثاني في الأندلس .
العام الهجري : 207 العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

قبل أن يتسَلَّمَ عبدُالرحمن بن الحكَم مقاليدَ الحُكمِ، فوجئ بخروجِ عَمِّ أبيه عبد الله بن عبدالرحمن البلنسي عليه؛ لينتزع المُلكَ منه، خرج من بلنسية يريد قُرطبة، فتجهَّزَ له عبد الرحمن واستعَدَّ لمواجهتِه، وعندما بلغ ذلك عبد الله خاف وضَعُفَت عزيمتُه، وانسحب إلى بلنسية، ثم ما لبث أن مات في أثناء ذلك سريعًا، ووقى الله ذلك الطَّرفَ شَرًّا. فلما مات نقلَ عبدُ الرحمن أولادَه وأهلَه إليه بقُرطبة، فخَلَصت الإمارةُ لولد هشام بن عبد الرحمن.
خروج عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله باليمن .
العام الهجري : 207 العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

خرج عبدُ الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ببلادِ عَكٍّ من اليمن، يدعو إلى الرضا من آل محمد, وكان خروجُه من سوءِ سيرةِ عاملِ اليمَنِ، فبايعه خلقٌ، فوجه إليه المأمونُ لحَربِه دينارَ بن عبد الله، وكتب معه بأمانِه، فحَجَّ دينار ثم سار إلى اليمَنِ حتى قرُبَ من عبد الرحمن، وبعث إليه بأمانِه فقَبِلَه وعاد مع دينارٍ إلى المأمون.
طاهر بن الحسين يعلن قيام الدولة الطاهرية بخراسان .
العام الهجري : 207 العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

تُنسبُ الدَّولةُ الطاهريَّةُ إلى طاهر بن الحُسين بن مصعب بن رُزَيق، وكان أبوه أحدَ وُجَهاءِ خراسان ومِن سادتِها في عصر الخليفة العباسيِّ هارون الرشيد، وقد ولَّاه الرشيد بوشنج- إحدى مدن خراسان- والتي تقعُ بين هراة وسرخس. وبعد وفاة هارونَ الرشيد سنة 194هـ حدث نزاعٌ حول الخلافة بين ابنيه: الأمينِ والمأمون، وتصاعد الخِلافُ إلى حدِّ الحرب والاقتتال، وفي ظلِّ تلك الأجواء المشحونةِ بالقتال والصِّراع، وجد طاهِرُ بن الحسين طريقَه إلى الاستقلالِ بخراسان حينما استطاع إلحاقَ الهزيمة بجيش الأمينِ الذي أرسلَ عدَّةَ مرَّات ليقضي عليه، وكل ذلك لا يستطيعُ، وأدَّت تلك الانتصاراتُ المتتالية التي حَقَّقَها طاهِرٌ إلى خروج عمَّالِ الأمين عن طاعتِه، والمسارعةِ إلى خلْعِه وإعلان الطاعةِ لأخيه، واتَّجه طاهِرٌ بجُيوشه إلى بغداد فحاصرها مدَّةً طويلة حتى ضاق الناسُ واشتَدَّ الجوعُ، فلمَّا تمكَّنَ من دخولِها قبض على الأمينِ ثمَّ أمرَ بقَتلِه، واستقَرَّ الأمر للمأمونِ بالخلافة سنة 198هـ فأسند إلى طاهرٍ ولاية خراسانَ وبقية ولاياتِ المَشرِق، فلمَّا توفي طاهر سنة 207هـ عهِدَ المأمونُ إلى عبد الله بن طاهر بولاية خراسانَ خلفًا لأبيه، ثم أخذَ الطاهريُّونَ يَفقِدونَ السيطرةَ على مناطِقِهم لصالحِ الصفاريِّين الذين استطاعوا أخيرا سنة 259ه أن يُنهوا حكمَ الطاهريِّين.
بداية فتنة المضرية واليمانية بالأندلس .
العام الهجري : 207 العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

ثارت بمدينةِ تدميرٍ فتنةٌ بين المُضَرية واليمانية، فاقتتلوا بلورقة، وكان بينهم وقعةٌ تعرَفُ بيوم المُضارة، قُتِل منهم ثلاثةُ آلاف رجل، ودامت الحربُ بينهم سبعَ سنين، فوكَلَ عبدُالرحمن بن الحكم بكَفِّهم، ومَنْعِهم، يحيى بنَ عبدِ الله بن خالد، وسيَّرَه في جميع الجيش، فكانوا إذا أحسُّوا بقرب يحيى تفَرَّقوا وتركوا القتال، وإذا عاد عنهم رجعوا إلى الفتنةِ والقتالِ، حتى عَيِيَ أمرُهم.
وقعة بالس في الأندلس .
العام الهجري : 207 العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

وقعَ عبدُ الرحمن بن الحَكَم، صاحِبُ الأندلس، بجُندِ إلبيرة وأهلِها، وهي الوقعةُ المعروفة بوقعة بالس، كان سببُها أنَّ الحكَمَ كان قد بلغه عن عاملٍ اسمُه ربيع أنَّه ظلم أبناءَ أهلِ الذمَّة، فقبض عليه وصَلَبه قبْلَ وفاته، فلمَّا توفِّيَ الحكَمُ ووَلِيَ ابنُه عبدُ الرحمن سَمِعَ النَّاسُ بصَلبِ الربيع، فأقبلوا إلى قرطبةَ مِن النواحي يطلُبونَ الأموال التي كان ظلَمَهم بها ربيعٌ؛ ظنًّا منهم أنَّها تُرَدُّ إليهم، وكان أهلُ إلبيرة أكثَرَهم طلبًا وإلحاحًا فيه، وتألَّبوا، فبعث إليهم عبدُ الرحمن من يفَرِّقُهم ويُسكِتُهم، فلم يقبَلوا، ودفعوا من أتاهم، فخرج إليهم جمعٌ من الجندِ وأصحابِ عبد الرحمن، فقاتلوهم، فانهزم جندُ إلبيرة ومن معهم، وقُتِلوا قتلًا ذَريعًا، ونجا الباقونَ مُنهَزِمينَ، ثم طلبوا بعد ذلك، فقَتَلوا كثيرًا منهم.
خلاف قادة الجند مع زيادة الله الأغلب .
العام الهجري : 207 العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

وقعَت بين زيادةِ الله وبين الجُند الحُروبُ وهاجت الفِتَن. واستولى كلُّ رئيس بناحية فملكوها عليه كُلَّها، وزحفوا إلى القيروان فحَصَروه، وكان فاتحةَ الخلافِ أنَّ زيادَ بنَ سَهلِ بن الصقليَّة حاصر مدينةَ باجة فسَرَّحَ إليه زيادةُ الله العساكِرَ فهزموه وقتلوا أصحابَه. ثمَّ انتقض منصورُ الترمذي بطبنة، وسار إلى تونُس فملَكَها, فسرَّحَ زيادةُ الله العساكِرَ من القيروان مع غلبون ابنِ عَمِّه، ووزيره اسمُه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب، وتهددهم بالقتل إن انهَزَموا، فهزمهم منصور الترمذي، وخَشُوا على أنفسهم ففارقوا غلبون، وافترقوا على إفريقيَّة، واستولوا على باجة والجزيرة وصطفورة والأربس وغيرها. واضطربت إفريقيَّة، ثم اجتمعوا إلى منصورٍ الترمذي، وسار بهم إلى القيروان فملَكَها، ثم خرج إليه زيادةُ الله فقاتله فهزَمه، ولحِقَ قوَّاد الجند بالبلاد التي تغلَّبوا عليها، ولم يبقَ على طاعةِ زيادة الله من إفريقيَّة إلا تونس والساحل وطرابلس ونفزاوة. وبعث الجندُ إلى زيادة الله بالأمانِ وأن يرتحِلَ عن إفريقيَّة، وبلغه أنَّ عامِرَ بنَ نافع الأزرق يريدُ نفزاوة وأنَّ برابرتَها دعَوه، فسرَحَّ إليهم مائتي مقاتلٍ لِمَنع عامر بن نافع، فرجع عامرٌ عنها، وهزَمَه إلى قسطيلة ورجع. ثم هرب عنها واستولَّى سفيانُ على قسطيلة وضبَطَها. وذلك سنةَ تسعٍ ومائتين، واسترجع زيادةُ الله قسطيلةَ والزاب وطرابلس واستقام أمرُه.
وفاة طاهر بن الحسين أمير خراسان .
العام الهجري : 207 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 822
تفاصيل الحدث:

هو طاهِرُ بنُ الحسينِ بنِ مُصعَبِ بن رُزَيق الأمير، مُقَدَّمُ الجُيوشِ، ذو اليمينَينِ، أبو طلحة الخزاعي، ولد طاهِرٌ في بوشنج سنة 159هـ القائم بنصرِ خلافة المأمون؛ فإنه ندبه لحربِ أخيه الأمين فسار في جيشٍ لَجِب، وحاصر الأمينَ فظَفِرَ به وقتله صبرًا، فمُقِت لتسَرُّعِه في قتله. وكان شهمًا مَهِيبًا داهيةً، جوادًا مُمَدَّحًا. كان مع فَرطِ شجاعته عالِمًا خطيبًا مفَوَّهًا بليغًا شاعرًا، بلغ أعلى الرُّتَب. استعمل المأمونُ طاهر بن الحسينِ على المشرق سنة 205هـ، من مدينة السلام ِإلى أقصى عمل المشرِق من خراسان، وكان قبل ذلك يتولَّى الشُّرَط بجانبي بغداد ومعاون السَّواد، مات طاهر بن الحسين من حُمَّى أصابته، ووُجِدَ في فراشه ميتًا.
وفاة الفضل بن الربيع .
العام الهجري : 208 العام الميلادي : 823
تفاصيل الحدث:

هو الفضلُ بنُ الربيعِ بنِ يونُسَ، الحاجِبُ الأميرُ أبو الفضل، مولِدُه سنة أربعين ومائة، وكان حاجبًا للرشيد ووزيرًا له، ولَمَّا مات الرشيدُ استولى على الخزائِنِ وقَدِمَ بها إلى الأمينِ محمَّد ببغداد ومعه البُردة والقَضيبُ والخاتَم، فأكرمه الأمينُ وفَوَّض إليه أمورَه، فصار إليه الأمرُ والنهي، ولَمَّا خلعَ الأمينُ أخاه المأمونَ مِن ولاية عهدِ الخلافة، استخفى ثم ظهرَ في أيامِ المأمونِ، فأعاده المأمونُ إلى رتبتِه إلى أن مات.
هزيمة نصارى الأندلس على يد عبد الكريم بن مغيث .
العام الهجري : 208 العام الميلادي : 823
تفاصيل الحدث:

وكان عبدُ الرحمن شديدَ الاهتمامِ بتأمين حدودِ البلاد الشماليَّة، بعد أن تزايدَ عُدوانُ الفِرنجةِ عليها، فأرسل حملةً عسكريةً كبيرةً بقيادةِ عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث, وقد نجَحَت تلك الحملةُ في إلحاقِ الهزيمةِ بالنَّصارى المتربِّصين، وألحقَت بهم خسائِرَ كبيرةً بعد أن أحرَقَت حُصونَهم، وقتَلت منهم عددًا كبيرًا، وعادت الحملةُ إلى قرطبة محمَّلةً بالغنائم، وهي تسوقُ الأسرى والأسلابَ، وكان لهذه الحملةِ أثَرُها الكبيرُ في ردعِ الفرنج، واستشعارِهم قوَّةَ المسلمين، ووقوعِ هيبتِهم في قلوبِ ملوكِ الفِرنج.
القضاء على فتنة نصر بن شبث .
العام الهجري : 209 العام الميلادي : 824
تفاصيل الحدث:

أظهرَ نَصرُ بنُ سيَّار بن شبث العقيلي الخِلافَ على المأمون سنة 198ه، وكان يسكن كيسوم، ناحية شماليَّ حَلَب، وكان في عنُقِه بيعةٌ للأمين، وله فيه هوًى، فلمَّا قُتِلَ الأمينُ أظهر نصرٌ الغضَبَ لذلك، وتغلَّبَ على ما جاوره من البلاد، وملك سميساط، واجتمع عليه خلقٌ كثيرٌ مِن الأعراب، وأهلِ الطمع، وقَوِيَت نفسُه، وعبَرَ الفُرات إلى الجانب الشرقي، وحدَّثَته نفسُه بالتغلُّب عليه، فلما رأى الناسُ ذلك منه كثُرَت جموعه وزادت عما كانت، فقَوِيَ أمرُه كثيرًا، فحاصره عبد الله بن طاهر بكيسوم، وضيَّقَ عليه، حتى طلب الأمانَ، فكتب ابنُ طاهر إلى المأمون يُعلِمُه بذلك، فأرسل إليه أن يكتُبَ له أمانًا عن أمير المؤمنين، فكتب له كتابَ أمانٍ فنزل فأمر عبدُ الله بتخريبِ المدينة التي كان متحصِّنًا بها، وذهبَ شَرُّه.

============

35ج.. استعادة عبدالله بن طاهر الإسكندرية للعباسيين .
العام الهجري : 210 العام الميلادي : 825
تفاصيل الحدث:

أخرج عبدُ الله من كان تغلَّبَ على الإسكندريةِ مِن أهل الربض الأندلسيِّينَ بأمانٍ، وكانوا قد جاؤوا في مراكِبَ مِن الأندلس في فتنةِ ابنِ السري وغيره، فأرسَوا بالإسكندرية، ورئيسُهم يدعى أبا حفص، فلم يزالوا بها حتى قَدِمَ ابنُ طاهر، فأرسل يؤذِنُهم بالحَربِ إن هم لم يدخُلوا في الطاعة، فأجابوه، وسألوه الأمانَ على أن يرتَحِلوا عنها إلى بعضِ أطراف الروم التي ليسَت من بلاد الإسلامِ، فأعطاهم الأمانَ على ذلك، فرَحَلوا ونزلوا بجزيرة إقريطش، واستوطنوها وأقاموا بها فأعقَبوا وتناسَلوا. قال يونس بن عبد الأعلى: "أقبل إلينا فتًى حَدَثٌ من المشرق، يعني ابن طاهرٍ، والدُّنيا عندنا مفتونةٌ قد غلب على كُلِّ ناحيةٍ مِن بلادنا غالِبٌ، والنَّاسُ في بلاءٍ، فأصلح الدُّنيا وأمَّنَ البريءَ، وأخاف السَّقيمَ، واستوسَقَت له الرعيَّةُ بالطاعةِ".
خلع أهل قم للخليفة العباسي المأمون .
العام الهجري : 210 العام الميلادي : 825
تفاصيل الحدث:

خلعَ أهلُ قُم المأمونَ، ومنعوا الخراجَ، وكان سببُه أنَّ المأمونَ لَمَّا سار من خراسانَ إلى العراق أقام بالريِّ عِدَّةَ أيَّامٍ، وأسقط عنهم شيئًا من خراجِهم، فطَمِعَ أهلُ قُم أن يصنع بهم كذلك، فكتَبوا إليه يسألونُه الحطيطةَ، وكان خراجُهم ألفي ألف درهم، فلم يُجِبْهم المأمونُ إلى ما سألوا، فامتنعوا من أدائِه، فوجَّه المأمونُ إليهم عليَّ بن هشام، وعجيف بن عنبسة، فحارباهم فظَفِرا بهم، وقتَلَ يحيى بن عمران، وهدَمَ سُورَ المدينة، وجباها على سبعةِ آلافِ ألف درهم، وكانوا يتظَلَّمونَ مِن ألفَي ألف.
هزيمة الفرنج بالأندلس أمام جيوش عبدالرحمن بن الحكم .
العام الهجري : 210 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 825
تفاصيل الحدث:

سيَّرَ عبدالرحمن بن الحكَم سريَّةً كبيرةً إلى بلاد الفرنج، واستعمل عليها عبيدَ الله المعروف بابن البلنسي، فسار ودخل بلادَ العدُوِّ، وتردَّدَ فيها بالغارات والسبيِ، والقتل والأسْر، ولقِيَ عبيد الله الأعداءَ، فاقتتلوا فانهزم المشركونَ، وكثُرَ القتلُ فيهم، وكان فتحًا عظيمًا.
المأمون يعفو عن عمه إبراهيم بن المهدي .
العام الهجري : 210 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 825
تفاصيل الحدث:

كان إبراهيمُ المهديُّ قد خرج على المأمونِ وبايعه أهلُ بغداد إلَّا أنَّ الأمرَ لم يدُمْ في يدِه طويلًا، حتى انفَضَّ عنه الناسُ وتركوه، فاختفى مدةَ سِتِّ سنين وشهور، ثم ظَفِرَ به المأمون, فاستعطفه إبراهيمُ فعفا عنه وترَكَه.
هزيمة الفرنج بالأندلس أمام عبد الرحمن بن الحكم .
العام الهجري : 210 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 826
تفاصيل الحدث:

افتتح عسكرٌ سَيَّرَه عبدُ الرحمن حِصنَ القَلعةِ مِن أرضِ العَدُوِّ، وتردَّدَ فيها بالغارات.
وفاة عبدالرزاق الصنعاني صاحب المصنف .
العام الهجري : 211 العام الميلادي : 826
تفاصيل الحدث:

هو أبو بكر عبدُالرَّزاق بن همام بن نافع الحِمْيري ولاءً الصَّنعاني، الحافِظُ المحَدِّث الثِّقة، عالمُ اليمَنِ الكبيرُ، ولد بصنعاء سنة 126هـ, روى عنه خلقٌ كثيرٌ، منهم الإمام أحمدُ وابنُ عُيَينة، قال الذهبي: هو خزانةُ العِلمِ، له كتابٌ في التفسير، وأشهرُ كتُبِه هو (المصنَّف) المعروفُ، جمعَ فيه الكثيرَ من الأحاديثِ والآثارِ الموقوفةِ عن الصحابة وعن التابعين. كان فيه تشيُّعٌ لعليٍّ، قال أحمد العجلي: عبد الرزَّاق ثقةٌ، كان يتشَيَّع. قال عبدالرزاق: ما انشرح صدري قطُّ أن أفضِّلَ عليًّا على أبي بكرٍ وعُمَرَ، فرحمهما الله, ورَحِمَ عُثمانَ وعَلِيًّا، مَن لم يحِبَّهم فما هو بمؤمنٍ، أوثَقُ عَمَلي حبِّي إياهم. وقال أيضًا: أفضِّلُ الشيخينِ بتفضيلِ عليٍّ إيَّاهما على نفسِه، كفى بي إزراءً أن أخالِفَ عليًّا. قال أبو صالح محمَّد بن إسماعيل الصراري: بلَغَنا ونحن بصنعاء عند عبد الرزَّاق أنَّ أصحابَنا- يحيى بن مَعِين، وأحمدَ بن حنبل، وغيرَهما- تركوا حديثَ عبد الرزاق وكَرِهوه، فدخَلَنا من ذلك غَمٌّ شديد، وقلنا: قد أنفَقْنا ورَحَلْنا وتَعِبْنا، فلم أزَلْ في غَمٍّ مِن ذلك إلى وقتِ الحَجِّ، فخرجتُ إلى مكَّةَ، فلقيتُ بها يحيى بنَ مَعِينٍ، فقلتُ له: يا أبا زكريَّا، ما نزل بنا من شيءٍ بلَغَنا عنكم في عبدِ الرزاق؟ قال: وما هو؟ قلنا: بلَغَنا أنَّكم تركتُم حديثَه، ورَغِبتُم عنه، قال: يا أبا صالحِ، لو ارتَدَّ عبد الرزَّاق عن الإسلامِ، ما تركْنا حديثَه.
فتنة عبيدالله بن السري بمصر .
العام الهجري : 211 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 826
تفاصيل الحدث:

لَمَّا توفِّيَ السري أميرُ مصرَ للمأمونِ، وليَ بعدَه ابنُه عُبيدالله، ولَّاه الجُندُ وبايعوه، ثم حدَّثَته نفسُه الخروجَ عن طاعة المأمونِ وجَمَع وحَشَد، فبلغ المأمونَ ذلك وطلب عبدَ الله بنَ طاهرٍ لقتالِه وقتالِ الخوارج بمصرَ، فسار إليه ابنُ طاهر فتهَّيأ عُبيد الله بن السري لحَربِه وعبَّأ جيوشَه وحفَرَ خندقًا عليه، ثم تقدَّم بعساكِرِه إلى خارج مصرَ والتقى مع عبد اللهِ بنِ طاهر وتقاتلا قتالًا شديدًا، وثبت كلٌّ من الفريقينِ ساعةً كبيرةً حتى كانت الهزيمةُ على عُبيد الله بن السري أميرِ مصر، وانهزم إلى جهةِ مِصرَ، وتَبِعَه عبد الله بن طاهر بعساكِرِه فحاصره عبدُ الله بن طاهر وضيَّقَ عليه حتى أباده وأشرف على الهلاكِ، فطلب عُبيد الله بن السري الأمانَ مِن عبد الله بن طاهر بشُروطِه، فأمَّنَه عبدُ الله بن طاهر بعد أمورٍ صَدَرت، فخرج إليه عُبيد الله بن السري بالأمانِ، وبذل إليه أموالًا كثيرةً، وأذعن له وسلَّمَ إليه الأمرَ.
المأمون يدعو بأفضلية علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
العام الهجري : 211 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 826
تفاصيل الحدث:

في هذه السَّنةِ أظهر المأمونُ أوَّلَ بِدَعِه الشنيعةِ، فأمر مناديًا ينادي: بَرِئَت الذمَّةُ ممَّن ذكر معاويةَ بنَ أبي سفيان بخيرٍ أو فضَّلَه على أحدٍ مِن الصَّحابة، وينادي: إنَّ أفضَلَ الخَلقِ بعد رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليُّ بنُ أبي طالب. وقيل: كان المأمون يبالِغُ في التشيُّعِ، لكنَّه لم يتكلَّمْ في الشَّيخينِ بسُوءٍ، بل كان يترضَّى عنهما ويعتقِدَ إمامتَهما.
وفاة أبي العتاهية الشاعر .
العام الهجري : 211 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 826
تفاصيل الحدث:

هو أبو إسحاقَ، إسماعيلُ بنُ القاسم بن سويد العنزيُّ ولاءً، المشهورُ بأبي العتاهية، لقَّبَه بذلك الخليفةُ المهديُّ، ولِدَ في عين التمر سنة 130هـ، نشأ بالكوفة، قال الشِّعرَ سَجِيَّةً مِن نفسه، قَدِمَ بغداد على المهديِّ وقَرَّبه الرشيدُ، كان شاعرًا مُكثِرًا، وكان أوَّلَ أمرِه في الغَزلِ، ثم أخذ في شِعرِ الزُّهد والتقشُّف والوَرَع، توفِّي عن عمر يناهز الثمانين.
المأمون يوجه محمد الطوسي لمحاربة بابك الخُرَّمي .
العام الهجري : 212 العام الميلادي : 827
تفاصيل الحدث:

بدأت فِتنةُ بابك الخرمي صاحِبُ البذ عام مائتان وواحد، وهم أصحابُ جاويدان بن سهل، وادَّعى بابك أنَّ روحَ جاويدان دخَلَت فيه، فأخذ في العَيثِ والفساد، فكان يُخشى من أمْرِه؛ لأنَّه في أطرافِ الرُّومِ، ويُمكِنُ أن يتحالَفَ معهم ضِدَّ المسلمين، وكان قبل ذلك حصَلَت عِدَّةُ محاولاتٍ لإخماد فتنتِه؛ لكِنَّها لم تنجَحْ، فوَجَّه المأمونُ محمَّدَ بن حميد الطوسي إلى بابك الخرمي لمحاربتِه، وأمَرَه أن يجعَلَ طريقَه على الموصِلِ ليُصلِحَ أمْرَها ويحارِبَ زريقَ ابنَ علي، وكان المأمونُ ولَّى عليَّ بنَ صدقة المعروف بزُريق، على أرمينية، وأذربيجان، وأمره بمحاربةِ بابك، وأقام بأمْرِه أحمدَ بنَ الجنيد الإسكافي، فأسَرَه بابك، فولَّى إبراهيمَ بنَ اللَّيثِ بن الفضل أذربيجان، فسار محمَّدٌ إلى الموصل، ومعه جيشُه، وجمع ما فيها من الرجالِ مِن اليمن وربيعة، وسار لحَربِ زُريق، ومعه محمَّدُ بن السيد بن أنس الأزدي، فبلغ الخبَرُ إلى زريق، فسار نحوَهم، فالتقَوا في الزاب، فراسَله محمَّدُ بن حميد يدعوه إلى الطاعةِ فامتنع، فناجزه محمَّد واقتتلوا واشتَدَّ قتال الأزدي، فانهزم زريقٌ وأصحابه، ثم أرسل يطلبُ الأمان، فأمَّنه محمَّد، فنزل إليه، فسَيَّرَه إلى المأمون. ثم سارَ إلى أذربيجان، واستخلف على الموصلِ محمَّدَ بن السيد، وقصد المخالفينَ المتغَلِّبينَ على أذربيجان فأخَذَهم، منهم يعلى بنُ مُرَّة ونظراؤه، وسيَّرَهم إلى المأمون وسار نحو بابك الخرمي لمحاربتِه.
المأمون يعتنق مذهب المعتزلة ويعلنه مذهبا رسميا للدولة .
العام الهجري : 212 العام الميلادي : 827
تفاصيل الحدث:

أظهرَ المأمونُ بِدعتَه الثانيةَ الشَّنيعةَ، ولم يأت هذا الإظهارُ دون سوابِقَ، بل إنَّ المأمونَ عُرِفَ عنه تقريبُه لأئمَّة المعتَزِلة وتودُّده إليهم وإكرامُه لهم، فتأثر بهم وبمذهبِهم، حتى قال بقَولِهم، ولم يقف الأمرُ عند هذا الحَدِّ، بل ألبوه على عُلَماءِ السنَّة الذين يخالفونَهم في الرأي، وكان من أشدِّ الأمور التي ظهر الخلافُ فيها هي مسألةُ خلقِ القرآنِ، فأهلُ السنَّة والجماعة يقولون: إنَّه كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، بل هو صِفةٌ مِن صفاتِه عَزَّ وجَلَّ، وصفاتُه غيرُ مخلوقةٍ، وأمَّا هؤلاء المعتزلةُ ومَن وافقَهم من الجهميَّة وغيرِهم فيقولون بل إنَّ كلامَه مخلوقٌ، فأظهَرَ هذه البدعةَ المأمونُ، وامتحَنَ العُلَماءَ عليها بعد ذلك وعذَّبَ فيها من عذَّبَ، وقَتَلَ فيها من قَتَل، واللهُ المُستعان.
فتح المسلمين جزيرة كريت وتأسيس قاعدة بحرية فيها .
العام الهجري : 212 العام الميلادي : 827
تفاصيل الحدث:

استولى أهلُ الربض الهاربين من الأندلُسِ على الإسكندرية، فقام عبدُالله بن طاهر أميرُ مِصرَ بمحاصَرتِهم فأعطاهم الأمانَ بشَرطِ الرحيلِ إلى جزيرة كريت، فذهبوا واستولَوا على جزيرةِ كريت التي كانت في أيدي البيزنطيِّينَ وجعلوا عليهم واليًا هو أبو حفصٍ عمَرُ البلوطي، وأسَّسوا قاعدةً لهم بالجزيرةِ وأحاطوها بخندقٍ كبيرٍ، فأصبحت تُعرَفُ باسم الخندق، والتي تُعرَفُ كذلك بهراقليون، وبقيت هذه الجزيرةُ بأيدي المسلمين إلى سنة 350هـ
المسلمون يحتلون جزيرة صقلية .
العام الهجري : 212 العام الميلادي : 827
تفاصيل الحدث:

استولى على جزيرةِ صقليَّة فيمي الروميُّ الذي غلَبَ عامِلَ قُسطنطينَ عليها، وكان فيمي طلبَ مِن زيادةِ الله النَّجدةَ، فجهز زيادةُ الله جيشًا كبيرًا بإمرة أسَدِ بنِ الفُرات قاضي القيروان، الذي سار إليهم فانتصرَ المسلمون بالبداية، ثم جاءت نجداتُ الروم إلى نصارى صقلية وانقلبَ فيمي اللعينُ على المسلمينَ، ومات أسدُ بنُ الفرات، فلم يتوغَّلوا داخِلَ الجزيرةِ، لكِنَّ النجدة جاءت من القيروان كما وصلَت سفُنٌ مِن الأندلس ساعدت المسلمينَ، فحاصر المسلمونَ بلرم عام 215هـ وفتحوها في العام التالي.
وفاة إدريس الثاني حاكم دولة الأدارسة .
العام الهجري : 213 العام الميلادي : 828
تفاصيل الحدث:

كان إدريسُ الثاني قد بُويِعَ وهو رضيعٌ، ولَمَّا بلغ الحاديةَ عشرة من عمره بويع مرةً أخرى، وكان جوادًا أحبَّه الرعيَّةُ، واستمال أهلَ تونُسَ وطرابلس الغرب التي كان يحكُمُها الأغالبة، وانتظم له البربر وبنى مدينةَ فاس، وأخضع الخوارِجَ الصفرية في تلمسان، فلما مات عن عمر 36 عامًا خَلَفَه ابنُه محمَّدٌ، فاختلف الأدارسة؛ إذ نازعه أخوه عيسى بن إدريسَ الذي كان واليًا على أزمور، فأراد محمد أن يستعينَ عليه بأخيه القاسمِ والي طنجةَ، لكن القاسِمَ رفضَ، فاستنجد بأخيه عُمَر والي مكناس، فساعده وسار أولًا إلى عيسى، فلما أوقع عمَرُ بعيسى وغلبَ على ما في يده استنابَه إلى أعمالِه بإذن أخيه محمَّد، ثم أمَرَه أخوه محمَّد بالنهوض إلى حربِ القاسم لقعوده عن إجابتِه في محاربة عيسى، فزحف إليه وأوقع به واستناب عليه إلى ما في يَدِه، فصار الريفُ البحري كلُّه من عمَلِ عُمَرَ مِن تيكيشاش وبلاد غمارة إلى سبتة ثم إلى طنجة.
ثورة أهل ماردة في الأندلس .
العام الهجري : 213 العام الميلادي : 828
تفاصيل الحدث:

قتلَ أهلُ ماردةَ مِن الأندلس عامِلَهم، فثارت الفتنةُ عندهم، فسيَّرَ إليهم عبدُ الرحمن جيشًا فحصرهم، وأفسَدَ زَرعَهم وأشجارَهم، فعاودوا الطاعةَ، وأُخِذَت رهائنُهم، وعاد الجيشُ بعد أن خَرَّبوا سور المدينة. ثم أرسل عبد الرحمن إليهم بنقلِ حِجارةِ السُّورِ إلى النهرِ؛ لئلَّا يطمَعَ أهلُها في عمارتِه، فلمَّا رأوا ذلك عادوا إلى العِصيانِ، وأسَرُوا العامِلَ عليهم، وجدَّدوا بناء السور وأتقَنوه، ثم تتابعَ القِتالُ بينهم عدَّةَ مَرَّاتٍ خلال عدَّةِ سَنواتٍ إلى سنة 225هـ
مقتل محمد الطوسي على يد بابك الخُرَّمي .
العام الهجري : 214 العام الميلادي : 829
تفاصيل الحدث:

لَمَّا فرغ محمَّدُ بن حميد الطوسي مِن أمْرِ المتغَلِّبينَ على طريقِه إلى بابك الخُرمي سار نحوه وقد جمع العساكر، والآلاتِ والميرة، فاجتمع معه عالمٌ كثير من المتطوِّعةِ مِن سائر الأمصار، فسلك المضايقَ إلى بابك، وكان كلَّما جاوز مضيقًا أو عقبةً ترك عليه من يحفَظُه من أصحابِه إلى أن نزل بهشتادسر (جبل في إيران)، وحفَر خندقًا وشاور في دخولِ بلد بابك، فأشاروا عليه بدخولِه مِن وجهٍ ذكروه له، فقَبِلَ رأيهم، وعبَّأ أصحابه، فكان بابك يُشرِفُ عليهم من الجبل، وقد كمَنَ لهم الرجالُ تحت كلِّ صخرةٍ، فلما تقدَّمَ أصحابُ محمد، وصَعِدوا في الجبل خرج عليهم الكُمَناء وانحدر بابك إليهم فيمن معه، وانهزم الناسُ، وصبَرَ محمَّد بن حميد مكانَه، وفرَّ من كان معه غيرَ رجلٍ واحد، وسارا يطلبانِ الخلاص، فرأى جماعةً وقِتالًا فقَصَدهم، فرأى الخرميَّة يقاتلونَ طائفةً مِن أصحابه، فحين رآه الخرميَّة قصدوه؛ لِما رأَوا من حسن هيئتِه، فقاتَلَهم، وقاتلوه، وضربوا فَرَسه بزراق، فسقط إلى الأرضِ، وأكبُّوا على محمد بن حميد فقتلوه.
خروج هاشم الضراب بطليطلة .
العام الهجري : 214 العام الميلادي : 829
تفاصيل الحدث:

خرج هاشم الضرَّابُ بمدينة طليطلة، من الأندلس، على صاحِبِها عبد الرحمن، وكان هاشِمٌ قد خرج من طليطِلة لَمَّا أوقع الحكَمُ بأهلِها، فسار إلى قُرطُبةَ، ثم سار إلى طليطِلة، فاجتمع إليه أهلُ الشرِّ وغَيرُهم، فسار بهم إلى وادي نحوييه وأغار على البربر وغيرهم، فطار اسمُه واشتَدَّت شَوكتُه، واجتمع له جمعٌ عظيم، وأوقع بأهلِ شنت برية. وكان بينه وبين البربرِ وقعاتٌ كثيرة، فسيَّرَ إليه عبد الرحمن جيشًا فقاتلوه، فلم تستظهِرْ إحدى الطائفتينِ على الأخرى، وبقِيَ هاشِمٌ كذلك، وغلَبَ على عدَّةِ مواضِعَ، فسيَّرَ إليه عبد الرحمن جيشًا كثيفًا سنةَ سِتَّ عشرة ومائتين، فلَقِيَهم هاشم بالقُربِ مِن حِصنِ سمسطا بمجاورة رورية، فاشتدَّت الحربُ بينهم، ودامت عدَّةَ أيَّامٍ، ثم انهزم هاشِمٌ، وقُتِلَ هو وكثيرٌ ممَّن معه من أهل الطَّمَعِ والشَّرِّ وطالبي الفِتَن، وكفى الله النَّاسَ شَرَّهم.
ثورة القيسية واليمانية على العباسيين في الديار المصرية .
العام الهجري : 214 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 829
تفاصيل الحدث:

كان على مصرَ عُمَير بن الوليد الباذغيسي التميمي أميرُ مصر، ولِيَ مِصرَ باستخلافِ أبي إسحاق محمد المعتَصِم له؛ لأن الخليفةَ المأمون كان ولَّى مصرَ لأخيه المعتصم بعد عزلِ عبد الله بن طاهر، وولى المعتَصِمُ عُميرَ بن الوليد على الصَّلاة، وسكَن العَسكرِ، وجعل على شُرطتِه ابنَه محمدًا؛ وعندما تمَّ أمرُه خرج عليه القيسيَّة واليمانية الذين كانوا خَرَجوا قبل تاريخه وعليهم عبد السَّلامِ وابن الجليس، فتهيأ عُمَيرُ بن الوليد وجمعَ العساكِرَ والجند، وخرج لقتالهم، وخرج معه أيضًا فيمن خرج الأميرُ عيسى بن يزيد الجلودي المعزول به عن إمرة مصرَ، واستخلف عميرٌ ابنَه مُحمدًا على صلاة مصر، وسافر بجيوشِه حتى التقى مع أهل الحوف القيسية واليمانية؛ فكانت بينهم وقعةٌ هائلة وقتالٌ ومعاركُ، وثبت كلٌّ من الفريقين حتى قُتِلَ عميرٌ في المعركة. فسار المعتَصِمُ إلى مصر، وقاتَلَهما فقتَلَهما وافتتح مصر، فاستقامت أمورُها واستعمل عليها عمَّالَه.
العباسيون ينهون فتنة القيسيَّة واليمانية في مصر .
العام الهجري : 214 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 829
تفاصيل الحدث:

وليَ عيسى بن يزيد الجلودي مصرَ مِن قِبَل أبي إسحاقَ محمَّد المعتَصِم بعد قتل القيسيَّة واليمانية عميرَ بنَ الوليد الباذغيسي التميمي عامِلَ المعتَصِم على الصلاة، ولَمَّا قَدِمَ عيسى بن يزيد مصر، قصَدَه قيسٌ ويمن على العادةِ، وقد كثُرَ جَمعُهم من أهل الحوف وقطَّاع الطريق، فوقع لعيسى معهم حروبٌ وفِتَن، وجمع عساكِرَه وخرج إليهم حتى التقاهم بمنية مطَر (بقرب مدينة عينِ شَمس) وقاتلهم، فكانت بينهم حروبٌ هائلة انكسر فيها الأميرُ عيسى بمن معه، وقُتِل من عسكَرِه خلائِقُ، وانحاز إلى مصر، وبلغ المأمونَ ذلك، فعَظُمَ عليه وطلب أخاه أبا إسحاقَ محمَّدًا المعتَصِمَ وندَبَه للخروجِ إلى مصر، وقال له: امْضِ إلى عمَلِك وأصلِحْ شأنَه، وكان المعتَصِمُ شُجاعًا مِقدامًا؛ فخرج المعتصِمُ مِن بغداد في أربعةِ آلاف من أتراكِه وسافر حتى قَدِمَ مِصرَ في أيام يسيرةٍ، وعيسى كالمحصورِ مع أهل الحوف، وقبلَ دُخولِه إلى مصرَ بدأ بقتالِ أهل الحوف من القيسيَّة واليمانية وقاتَلَهم وهزَمَهم، وقتل أكابِرَهم ووضَعَ السَّيفَ في القيسية واليمانية حتى أفناهم، وذلك في شعبانَ مِن السنة، ومَهَّدَ البلادَ وأباد أهلَ الفساد، ثم دخل الفسطاطَ وفي خدمته عيسى الجلودي وجميعُ أعيان المصريين.
الخليفة المأمون يطور بيت الحكمة ببغداد .
العام الهجري : 215 العام الميلادي : 830
تفاصيل الحدث:

أُنشِئَت هذه المكتبةُ في القرن الثاني الهجري ( الثامن الميلادي) على يدِ هارونَ الرشيد، وذلك بعد أن ضاقت مكتبةُ القَصرِ بما فيها من كتُبٍ, وعَجَزت عن احتواءِ القُرَّاء المتردِّدين عليها؛ ممَّا جعله يفكِّرُ في إخراجِها من القصر, وإفرادِها بمبنًى خاصٍّ بها, يَصلُحُ لاستيعابِ أكبَرِ عدَدٍ مِن الكتُبِ, ويكون مفتوحًا أمام كلِّ الدارسينَ وطُلَّابِ العِلمِ. فاختار لها مكانًا مُناسِبًا, وأقام عليه مبنًى مكَوَّنًا من عدَّةِ قاعات؛ قاعة للاطِّلاع, وقاعة للمُدارَسة, وقاعة لنَسخِ الكتُبِ الجديدة وتجليدِها, وقاعة للتَّرويحِ عن النَّفسِ وللاستراحةِ. ومسجِدًا للصلاةِ, ومكانًا يَبيتُ فيه الغُرَباء, تتوفَّرُ فيه مقوِّماتُ الحياةِ مِن طعامٍ وشَرابٍ وغَيرِه, ومخزنًا للكتُب, نظمَت فيه بحيثُ صار لكُلِّ فَنٍّ مِن الفنون العِلميَّة مكانٌ خاصٌّ به, وتُوضَعُ فيه مُرَتَّبةً في دواليبَ، ثم زوَّدها بما تحتاجُ إليه من أثاثٍ ومرافِقَ, وأحبارٍ وأوراقٍ للدارسين, وعيَّنَ لها المُشرِفينَ على إدارتِها, والعُمَّالَ القائمينَ على خدمة ورعايةِ زائريها. وواصلَ ابنُه المأمونُ بعده الاهتمامَ بتلك المكتبةِ، فأحضر مئاتِ النُّسَّاخ والشُّرَّاح والمُترجِمينَ مِن شَتَّى اللُّغات؛ لتعريبِ ونَقلِ الكتُبِ من لغَتِها الأصلية, حتى غَدَت من أعظَمِ المكتبات في العالَم, ووضع بها مرصدًا؛ ليكون تعليمُ الفلَكِ فيها تعليمًا عمليًّا، يجَرِّبُ فيها الطلابُ ما يدرُسونَه من نظريَّاتٍ عِلميَّةٍ, وبنى بها مستشفًى لعلاجِ المرضى وتعليمِ الطِّبِّ؛ إذ كان يؤمِنُ بأن العِلمَ النظري وحده لا جَدوى منه. وكتب إلى ملكِ الرومِ يسألُه الإذنَ في إنفاذِ ما عنده من العلومِ القديمة المخزونةِ المورَّثة عن اليونان, واجتمع لدى المأمونِ بذلك ثروةٌ هائلةٌ مِن الكتبِ القديمة, فشَكَّلَ لها هيئةً مِن المترجمينَ المَهَرة والشُّرَّاح والورَّاقينَ؛ للإشرافِ على ترميمِها ونَقلِها إلى العربيَّة, وعيَّنَ مسؤولًا لكلِّ لغةٍ يُشرِفُ على من يُترجِمونَ تُراثَها, وأجرى عليهم الرواتبَ العظيمة, حيث جعل لبعضِهم خمسَمائة دينارٍ في الشهر, أي ما يساوي 2كيلو جرام ذهبًا تقريبًا, بالإضافة إلى الأعطيات الأخرى, إذ أعطى على بعضِ الكتُبِ المُترجَمة وزنَها ذهبًا. وبعضُهم كان يقومُ بترجمة الأصلِ إلى لُغتِه هو, ثم يقومُ مترجِمٌ آخَرُ بنَقلِه إلى العربيَّةِ وغيرِها, ولم يقتَصِرْ دَورُ المترجمينَ على الترجمةِ فقط، وإنما قاموا بالتعليقِ على هذه الكتب، وتفسيرِ ما فيها من نظريَّات, ونَقْلها إلى حيِّز التطبيق, وإكمالِ ما فيها من نَقْصٍ, وتصويبِ ما فيها من خطأٍ؛ حيث كان عمَلُهم يُشبِهُ ما يسمَّى بالتحقيقِ الآن, وما إن انتهى عصرُ المأمون حتى كانت معظَمُ الكتُبِ اليونانيَّة والهنديَّة والفارسية وغيرِها من الكتب القديمة في علومِ الرياضةِ والفَلَك والطبِّ والكيمياءِ والهندسةِ موجودةً بصورتها العربيَّة الجديدةِ بمكتبة بيتِ الحكمةِ. كان للترجمةِ التي عَمِلَ عليها المأمونُ أثَرٌ واضِحٌ في تطوُّرِ الحركة العلميَّة لدى المسلمين إلَّا أنَّها نقَلَت معها بعضَ مُعتَقداتِ الأُمَم السابقة، وأفسدت على بعضِ المُسلِمين دينَهم. يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة: "أظهر اللهُ مِن نورِ النبوةِ شَمسًا طَمَسَت ضوءَ الكواكبِ، وعاش السَّلَفُ فيها بُرهةً طويلةً، ثم خَفِيَ بعضُ نورِ النبوة؛ فعُرِّبَ بعضُ كتُبِ الأعاجِمِ الفلاسفةِ مِن الرومِ والفُرس والهند في أثناءِ الدولة العباسيَّة، ثم طُلِبَت كتُبُهم في دولة المأمونِ مِن بلاد الروم فعُرِّبَت، ودَرَسَها الناسُ وظهر بسبب ذلك من البِدَعِ ما ظهر، وكان أكثَرُ ما ظهر من علومِهم الرياضيَّة كالحسابِ والهيئةِ، أو الطبيعةِ كالطبِّ أو المنطقيَّة، فأمَّا الإلهيَّةُ: فكلامُهم فيها نَزْرٌ، وهو مع نزارتِه ليس غالِبُه عندهم يقينًا، وعند المسلمينَ من العلومِ الإلهيَّة الموروثة عن خاتَمِ المُرسَلين ما ملأ العالمَ نُورًا وهدًى". وقال أيضًا رحمه الله: "إنَّ أمَّتَنا- أهلَ الإسلامِ- ما زالوا يَزِنون بالموازينِ العَقليَّة, ولم يسمَعْ سَلَفًا بذكرِ هذا المنطقِ اليوناني, وإنَّما ظهر في الإسلامِ لَمَّا عُرِّبَت الكتبُ الروميَّة في عهد دولة المأمونِ"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...