ج36. خروج المأمون بنفسه لغزو الروم .
العام الهجري : 215 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 830
تفاصيل الحدث:
سار المأمونُ بنفسه لِغَزوِ الرُّومِ؛ لأنه ربما شعر أنَّ النَّاسَ قد ركنت للرفاهيةِ وضَعُفَت عندهم رُوحُ الجهادِ، كما أنَّ الفُرقةَ بدأت تعصِفُ بينهم بريحِها المُنتِنة؛ مما شجَّعَ كثيرًا من المتمرِّدينَ على الخروج، فسار مِن بغداد على طريقِ المَوصِل، حتى صار إلى منبج، ثم إلى دابق، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى المصيصة وطرسوس، ودخل منها إلى بلاد الرُّوم، ودخل ابنُه العبَّاسُ مِن ملطية، فأقام المأمونُ على حِصنِ قرَّة حتى افتتحه عَنوةً، وهَدَمه، وقيل: إنَّ أهله طلبوا الأمانَ فأمَّنَهم المأمون، وفتح قبله حِصنَ ماجدة بالأمان، ووجَّه أشناس إلى حصنِ سندس، فأتاه برئيسِه، ووجَّه عجيفا وجعفرًا الخياطَ إلى صاحِبِ حِصنِ سناذ، فسَمِعَ وأطاع، ثم قفل راجعًا إلى دمشق.
عودة المأمون إلى غزو الروم .
العام الهجري : 216 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 831
تفاصيل الحدث:
عاد المأمونُ إلى بلاد الروم في هذه السَّنة بعد أن كان سار إليهم أوَّلَ السَّنة الماضية، وسببُ ذلك أنَّه بلغه أنَّ مَلِكَ الرومِ قتلَ ألفًا وستَّمائة مِن أهل طرسوس والمصيصة، فسار حتى دخل أرضَ الروم، وقيل كان سببُ دُخولِه إليها أنَّ مَلِكَ الرومِ كتب إليه وبدأ بنَفسِه، فسار إليه، ولم يقرأ كتابَه، فلمَّا دخل أرضَ الرومِ أناخ على أنطيغو، فخرجوا على صُلْحٍ، ثم سار إلى هرقلة، فخرج أهلُها على صلحٍ، ووجَّه أخاه أبا إسحاقَ المعتَصِم، فافتتح ثلاثينَ حِصنًا ومطمورةً، ووجَّه يحيى بن أكثم من طوانة، فأغار وقتل وأحرَقَ، فأصاب سبيًا ورجع؛ ثم سار المأمونُ إلى كيسوم، فأقام بها يومين، ثم ارتحل إلى دمشق.
خروج عبدوس الفهري على العباسيين بمصر .
العام الهجري : 216 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 831
تفاصيل الحدث:
انتفض الوجهُ البحري بمصرَ بزعامة عبدوس الفهري وانضم الأقباطُ إليهم، وحَشَدوا وجمعوا فكثُرَ عددُهم وساروا نحو الديارِ المصرية، فتجهَّزَ عيسى بن منصور وجمعَ العساكِرَ والجندَ لقتالهم، فضَعُف عن لقائِهم وتقهقر بمن معه، فدخلت الأقباطُ وأهل الغربيَّة مصرَ، وأخرجوا منها عيسى هذا على أقبَحِ وجهٍ؛ لسُوءِ سِيرتِه، وخرج معه أيضًا مُتولِّي خَراجِ مِصرَ وخلعوا الطاعةَ، فقدم الأفشين حيدر بن كاوس من بُرقةَ وتهيَّأ لقتال القوم، وانضمَّ إليه عيسى بنُ منصور ومن انضاف إليه، وتجمَّعوا وتجهَّزوا لقتال القوم وواقعوهم فظَفِروا بهم بعد أمورٍ وحروبٍ، وأسَروا وقَتَلوا وسَبَوا، ثم مضى الأفشين إلى الحوفِ وقاتَلَهم أيضًا لِمَا بلغه عنهم، وبدَّدَ جَمعَهم وأسَرَ منهم جماعةً كبيرةً بعد أن بضعَ فيهم وأبدَع، ودامت الحروبُ في السنة المستمرة بمصرَ في كل قليلٍ إلى أن قَدِمَها أميرُ المؤمنين عبد الله المأمونُ لخَمسٍ خلون من المحرَّم سنة سبع عشرة ومائتين، فسَخِطَ على عيسى بن منصور وحَلَّ لواءه وعزَلَه ونسب له كلَّ ما وقع بمصرَ ولِعُمَّاله؛ ثم جهَّزَ العساكِرَ لقِتالِ أهلِ الفساد، وأحضرَ بين يديه عبدوس الفهري فضُرِبَت عنُقُه ثم سار عسكرُه لقتال أسفَلِ الأرضِ أهلِ الغربيَّة والحوف، وأوقعوا بهم وسَبَوا القبطَ وقتلوا مقاتِلَتَهم وأبادوهم، وقمعوا أهلَ الفسادِ مِن سائِرِ أراضي مصرَ بعد أن قتَلوا منهم مقتلةً عظيمةً، ثم رحل الخليفةُ المأمون من مصر.
ابتداع المأمون التكبير عقب الصلوات الخمس .
العام الهجري : 216 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 831
تفاصيل الحدث:
كتب المأمونُ إلى نائِبِه ببغداد إسحاقَ بنِ إبراهيم أن يأخُذَ الجندُ بالتكبيرِ إذا صَلَّوا الجمعةَ، وبعد الصَّلواتِ الخَمسِ إذا قَضَوا الصلاةَ أن يَصيحوا قيامًا ويكَبِّروا ثلاثَ تكبيراتٍ، ففعل ذلك، فقال الناسُ: هذه بدعةٌ ثالثة.
المأمون يحاصر حصن لؤلؤة في بلاد الروم .
العام الهجري : 217 العام الميلادي : 832
تفاصيل الحدث:
ركِبَ المأمون إلى بلاد الروم فحاصر حِصنَ لؤلؤةَ مائة يومٍ، ثم ارتحلَ عنها واستخلف على حصارِها عجيف بن عنبسة، فخدعته الرومُ فأسَروه فأقام في أيديهم ثمانيةَ أيام، ثم انفَلَت منهم واستمَرَّ محاصِرًا لهم، فجاء توفيل ملِكُ الروم بنفسِه، فأحاط بجيشِه من ورائه، فبلغ المأمونَ فسار إليه، فلمَّا أحس توفيل بقدومِه هرب وبعث وزيرَه صنغل، فسأله الأمانَ والمصالحةَ، لكنَّه بدأ بنَفسِه قبل المأمون فرَدَّ عليه المأمونُ كتابًا بليغًا مضمونُه التقريعُ والتوبيخُ؛ قال فيه: وإنِّي إنما أقبل منك الدخولَ في الحنيفيَّة، وإلَّا فالسيفُ والقَتلُ، والسلامُ على من اتَّبع الهُدى.
تمرد علي بن هشام في أذربيجان .
العام الهجري : 217 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 832
تفاصيل الحدث:
كان المأمونُ استعمل عليَّ بنَ هِشامٍ على أذربيجان وغيرها، فبلغه ظُلمُه، وأخذُه الأموالَ، وقتلُه الرجالَ، فوجَّهَ إليه عجيف بن عنبسة، فثار به عليُّ بن هشام، وأراد قَتْلَه واللَّحاقَ ببابك، فظَفِرَ به عجيف، وقَدِمَ به على المأمونِ، فقتَلَه وقتل أخاه حبيبًا، وطِيفَ برأسِ عليٍّ في العراقِ وخراسان، والشام ومِصرَ، ثم ألقيَ في البحرِ.
المأمون يمتحن العلماء والفقهاء في مسألة خلق القرآن .
العام الهجري : 218 العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
لم يكتَفِ المأمونُ باعتناقِ مسألةِ القَولِ بخلقِ القرآن، بل كتب إلى عمَّالِه في الأمصارِ بامتحانِ العُلَماءِ في هذه المسألة من أجاب وإلَّا كان العقابُ، وربَّما بطانتُه من العلماء كانوا وراء هذا الامتحان، فكتب المأمونُ إلى نائبه ببغداد إسحاقَ بن إبراهيم بن مُصعَب يأمُرُه أن يمتَحِنَ القُضاةَ والمحَدِّثين بالقَولِ بخَلقِ القرآن، وأن يرسل إليه جماعةً منهم، وكتب إليه يستحِثُّه في كتابٍ مُطَوَّل، وكتب غيره مَضمونُها الاحتجاجُ على أنَّ القرآنَ مُحدَثٌ، وكُل مُحدَث مخلوقٌ، وهذا احتجاجٌ لا يوافِقُه عليه كثيرٌ مِن المتكلِّمينَ فَضلًا عن المحدِّثينَ؛ فإنَّ القائلينَ بأنَّ الله تعالى تقوم به الأفعالُ الاختياريَّة لا يقولونَ بأنَّ فِعلَه تعالى القائِمَ بذاتِه المقَدَّسة، مخلوقٌ، بل لم يكن مخلوقًا، بل يقولون: هو محدَثٌ وليس بمخلوق، بل هو كلامُ اللهِ القائِمُ بذاته المقدَّسة، وما كان قائمًا بذاته لا يكون مخلوقًا، وقد قال الله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}، وقال تعالى، {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) فالأمر بالسجودِ صدر منه بعد خلقِ آدم، فالكلامُ القائمُ بالذاتِ ليس مخلوقًا، والمقصودُ أن كتاب المأمونِ لَمَّا ورد بغدادَ قُرئ على الناس، وقد عيَّنَ المأمون جماعةً مِن المحدِّثينَ لِيُحضِرَهم إليه، وهم: محمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلِم المُستملي، ويزيدُ بن هارون، ويحيى بن مَعين، وأبو خيثمة زُهير بن حرب، وإسماعيلُ بن أبي مسعود، وأحمد بن الدورقي، فبُعِثَ بهم إلى المأمونِ في الرقَّة، فامتحنهم بخلْقِ القرآنِ، فأجابوه إلى ذلك وأظهروا موافقتَه وهم كارهون، فردَّهم إلى بغداد وأمرَ بإشهارِ أمرِهم بين الفُقَهاء، ففعل إسحاقُ ذلك وأحضر خَلقًا من مشايخِ الحديثِ والفُقَهاءِ وأئمَّة المساجد وغيرِهم، فدعاهم إلى ذلك عن أمرِ المأمون، وذكَرَ لهم موافقة أولئك المحدِّثين له على ذلك، فأجابوا بمِثلِ جواب أولئك موافقةً لهم، ووقَعَت بين الناس فتنةٌ عظيمةٌ. ثم كتب المأمونُ إلى إسحاق أيضًا بكتابٍ ثانٍ يستدِلُّ به على القولِ بخَلقِ القُرآنِ بِشُبَهٍ من الدلائِلِ لا تحقيقَ تحتها ولا حاصلَ لها، بل هي من المُتشابِه، وأورد من القرآنِ آياتٍ هي حُجَّةٌ عليه، وأمَرَ نائبه أن يقرأ ذلك على النَّاسِ وأن يَدعُوَهم إليه وإلى القَولِ بخلقِ القرآن، فأحضَرَ أبو إسحاق جماعةً من الأئمَّة؛ منهم قاضي القضاة بشر بن الوليد الكندي، ومقاتل، وأحمد بن حنبل، وقُتَيبة، وعليُّ بن الجعْد، وغيرهم، وقال لبشرٍ: ما تقولُ في القرآن؟ قال: القرآنُ كلامُ الله، قال: لم أسألْك عن هذا، أمخلوقٌ هو؟ قال: الله خالِقُ كُلِّ شَيءٍ، قال: والقرآنُ شَيءٌ؟ قال: نعم، قال: أمخلوقٌ هو؟ قال: ليس بخالقٍ، قال: ليس عن هذا أسألُك، أمخلوقٌ هو؟ قال: ما أُحسِنُ غيرَ ما قلْتُ لك. قال إسحاقُ للكاتب: اكتُبْ ما قال، ثم سأل غيرَه وغيره ويجيبونَ بنَحوِ جوابِ بِشرٍ. من أنه يقالُ: لا يُشبِهُه شيءٌ مِن خَلقِه في معنًى من المعاني، ولا وجهٍ مِن الوجوهِ، فيقول: نعم، كما قال بِشرٌ. ثم سأل قتيبةَ، وعُبيد الله بن محمَّد، وعبد المنعم بن إدريس بن نبت، ووهب بن منبه وجماعةً، فأجابوا أنَّ القرآنَ مجعولٌ؛ لِقَولِه تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} والقرآنُ مُحدَثٌ لِقَولِه تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}. قال إسحاق: فالمجعولُ مَخلوقٌ، قالوا: لا نقولُ مخلوقٌ، لكن مجعولٌ. فكتب مقالَتَهم ومقالةَ غَيرِهم إلى المأمونِ.
اعتقال الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح في بغداد .
العام الهجري : 218 العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
بعد أن أحضر إسحاقُ بنُ إبراهيمَ العُلَماءَ والمحدِّثينَ لامتحانِهم، كان مِن بينهم الإمامُ أحمَدُ، ومحمدُ بنُ نوح، وغيرُهم كثيرٌ، ولَمَّا انتهت النوبةُ إلى امتحانِ الإمامِ أحمَدَ بنِ حنبَل، قال له: أتقولُ إنَّ القرآنَ مَخلوقٌ؟ فقال: القرآنُ كلامُ اللهِ، لا أزيدُ على هذا، فقال له: ما تقولُ في هذه الرُّقعةِ؟ بالرقعةِ التي وافَقَ عليها قاضي القُضاةِ بِشرُ بن الوليد الكِندي، فقال: أقولُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فقال رجلٌ من المعتزلة: إنَّه يقولُ: سَميعٌ بأذُنٍ، بصيرٌ بعَينٍ! فقال له إسحاقُ: ما أردتَ بقَولِك: سَميعٌ بصيرٌ؟ فقال: أردتُ منها ما أراده اللهُ منها؛ وهو كما وصف نفسَه، ولا أزيدُ على ذلك. فكتب جواباتِ القَومِ رَجُلًا رجلًا وبعثَ بها إلى المأمون، فلما وصَلَت جواباتُ القوم إلى المأمونِ، بعث إلى نائبه يمدَحُه على ذلك ويرُدُّ على كلِّ فَردٍ ما قال في كتابٍ أرسَلَه. وأمر نائِبَه أن يمتَحِنَهم أيضًا فمن أجاب منهم شُهِرَ أمرُه في الناس، ومن لم يجِبْ منهم فابعَثْه إلى عسكَرِ أميرِ المؤمنين مقيَّدًا مُحتَفِظًا به حتى يصِلَ إلى أميرِ المؤمنين فيرى فيه رأيَه، ومِن رأيِه أن يضرِبَ عُنُقَ مَن لم يقُلْ بِقَولِه. فعند ذلك عقد النائبُ ببغداد مجلسًا آخر وأحضر أولئك، وفيهم إبراهيمُ بنُ المهدي، وكان صاحبًا لبِشرِ بنِ الوليد الكندي، وقد نصَّ المأمونُ على قتلِهما إن لم يُجيبا على الفَورِ، فلما امتحنَهم إسحاقُ أجابوا كلُّهم مُكرَهينَ متأوِّلينَ قَولَه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} إلَّا أربعةً، وهم: أحمد بن حنبل، ومحمَّد بن نوح، والحسَنُ بن حمَّاد سجادة، وعُبيد الله بن عمر القواريري. فقيَّدَهم وأرصدهم ليبعَثَ بهم إلى المأمونِ، ثم استدعى بهم في اليومِ الثاني فامتحَنَهم فأجاب سجادة إلى القولِ بذلك فأُطلِقَ. ثم امتحَنَهم في اليوم الثالثِ فأجاب القواريريُّ إلى ذلك فأُطلِقَ قَيدُه، وأَخَّرَ أحمدَ بنَ حَنبل ومحمَّدَ بن نوحٍ الجندُ؛ لأنَّهما أصرَّا على الامتناعِ من القول بذلك، فأكَّدَ قيودَهما وجمَعَهما في الحديدِ، وبعَثَ بهما إلى الخليفةِ وهو بطرسوس، وكتب كتابًا بإرسالهما إليه. فسارا مُقَيَّدينِ في محارة على جمَلٍ متعادِلَينِ- رَضِيَ الله عنهما- وجعل الإمامُ أحمد يدعو الله عزَّ وجَلَّ ألَّا يجمَعَ بينهما وبين المأمونِ، وألَّا يَرَياه ولا يراهما، ثمَّ جاء كتابُ المأمونِ إلى نائبِه أنَّه قد بلغني أنَّ القومَ إنما أجابوا مُكرَهينَ متأوِّلينَ قَولَه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} وقد أخطؤوا في تأويلِهم دلك خطأً كبيرًا، فأرسَلَهم كلَّهم إلى أميرِ المؤمنين. فاستدعاهم إسحاقُ وألزَمَهم بالمسيرِ إلى طرسوس فساروا إليها، فلمَّا كانوا ببعض الطريقِ بلَغَهم موتُ المأمونِ، فرُدُّوا إلى الرقَّةِ، ثمَّ أُذِنَ لهم بالرجوعِ إلى بغداد، فاستجاب اللهُ سبحانَه دُعاءَ عَبدِه ووَلِيِّه الإمامِ أحمَدَ بنِ حَنبل.
خروج فضل بن أبي العنبر على دولة الأغالبة في المغرب .
العام الهجري : 218 العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
وجَّه زيادةُ اللهِ بنُ الأغلب، صاحِبُ إفريقية، جيشًا لمحاربةِ فضل بن أبي العنبر بجزيرة شريك، وكان مخالفًا لزيادةِ الله، فاستمَدَّ فَضلٌ بعبد السلامِ بن المفرج الربعي، وكان أيضًا مخالفًا مِن عَهدِ فِتنةِ منصور الترمذي، فسار إليه، فالتَقَوا مع عسكر زيادة الله، وجرى بين الطائفتينِ قِتالٌ شديدٌ عند مدينة اليهود بالجزيرة، فقُتِلَ عبد السلام، وحُمِلَ رأسُه إلى زيادة الله، وسار فضلُ بن أبي العنبر إلى مدينة تونس، فدخلها وامتنَعَ بها، فسَيَّرَ زيادةُ الله إليه جيشًا، فحصروا فضلًا بها وضَيَّقوا عليه حتى فتَحُوها منه، وقُتِلَ وقت دخولِ العَسكرِ كثيرٌ مِن أهلِها، وهرب كثيرٌ مِن أهل تونس لَمَّا مُلِكَت، ثم آمَنَهم زيادة الله، فعادوا إليها.
وفاة بشر المريسي من رؤوس المعتزلة .
العام الهجري : 218 العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
هو بِشرُ بنُ غياث بن أبي كريمة المِرِّيسي، شيخُ المعتزلة، وأحدُ من أضَلَّ المأمونَ، وقد كان هذا الرجلُ ينظُرُ أوَّلًا في شيءٍ مِن الفِقهِ، وأخذ عن أبي يوسُفَ القاضي، وروى الحديثَ عنه وعن حمَّاد بن سَلَمة، وسُفيانَ بنِ عُيَينة وغيرِهم، ثم غلب عليه عِلمُ الكلامِ, وقد نهاه الشافعيُّ عن تعلُّمِه وتعاطيه، فلم يقبل منه، وقال الشافعي: "لَئِنْ يلقى اللهَ العبدُ بكُلِّ ذنبٍ- ما عدا الشِّركَ- أحَبُّ إليَّ مِن أن يلقاه بعِلمِ الكَلامِ", فانسلخ المِرِّيسي من الورَعِ والتقوى، وجَرَّدَ القولَ بخَلقِ القرآن، ودعا إليه حتى كان عينَ الجَهميَّة في عصرِه وعالِمَهم، فمَقَتَه أهلُ العِلمِ، وكَفَّرَه عِدَّةٌ، ولم يُدرِكْ جَهمَ بنَ صفوانَ، بل تلقَّفَ مقالاتِه من أتباعِه، وحُكيت عنه أقوالٌ شنيعة، وكان مُرجِئًا، وإليه تُنسَبُ المريسِيَّة من المُرجِئة، وكان يقول: إنَّ السجودَ للشَّمسِ والقمرِ ليس بكُفرٍ، وإنَّما هو علامةٌ للكُفرِ، وكان يناظِرُ الشافعيَّ، وكان لا يُحسِنُ النحوَ، وكان يلحَنُ لحنًا فاحِشًا، وكان أبو زرعةَ الرازيُّ يقول: "بِشرُ بن غياثٍ: زِنديقٌ"، ومُناظرةُ عبدالعزيز الكناني لبِشرِ المِريِّسي مشهورةٌ، وهي المعروفةُ بالحيدة، ويقال: إنَّ أباه كان يهوديًّا صبَّاغًا بالكوفةِ، وكان يسكُنُ دَربَ المِريِّسي ببغداد، وتوفِّي ببغداد.
وفاة عبدالملك بن هشام راوي السيرة المشهور .
العام الهجري : 218 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
هو أبو محمد عبدالملك بن هشام بن أيوبَ المعافري، العلَّامةُ النَّحويُّ الأَخباريُّ، أبو محمد الذهلي السَّدوسي، وقيل: الِحمْيري المعافري البصري، نزيلُ مصر، هذَّبَ السيرةَ النبويَّةَ لابنِ إسحاقَ مُصَنِّفِها. سمعها مِن زياد البكائي صاحِبِ ابنِ إسحاق, وإنما نُسِبَت إليه، فيقال سيرةُ ابن هشام؛ لأنه هذَّبَها وزاد فيها ونقَصَ منها، وحَرَّر أماكِنَ، واستدرك أشياءَ، وكان إمامًا في اللغة والنحو، وقد كان مقيمًا بمصرَ، واجتمع به الشافعيُّ حين وردها، وتناشدَا من أشعارِ العرب شيئًا كثيرًا. كانت وفاتُه بمصر.
قيام المأمون بتوجيه ابنه العباس إلى أرض الروم .
العام الهجري : 218 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
وجَّه المأمونُ ابنَه العبَّاسَ إلى أرضِ الرومِ وأمَرَه بنزول الطوانةِ وبنائِها، وكان قد وجَّه الفَعَلةَ والفُروضَ، فابتدأ البناءَ وبناها ميلًا في ميلٍ، وجعل سورَها على ثلاثةِ فراسِخَ، وجعل لها أربعةَ أبواب، وبنى على كلِّ بابٍ حِصنًا.
وفاة الخليفة العباسي المأمون .
العام الهجري : 218 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
هو أبو العبَّاسِ عبدُ الله بن هارون الرَّشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور المأمون العباسي. وُلِدَ سنة سبعين ومائة, واسمُ أمِّه: مراجل ماتت في نفاسِها به. قرأ العلمَ والأدبَ والأخبارَ، والعقليَّات وعلومَ الأوائل، وأمرَ بتعريبِ كُتُبِهم، وبالغ في تعريبها، وعَمِلَ الرصدَ فوق جبل دمشق، ودعا إلى القولِ بخَلْقِ القرآنِ وامتحنَ العُلَماءِ به. كان ذا حَزمٍ وعزمٍ، ورأيٍ وعقلٍ، وهيبةٍ وحِلمٍ، ومحاسِنُه كثيرةٌ في الجملة. كان أبيضَ رَبْعةً حسَنَ الوجهِ، تعلوه صُفرةٌ، قد وَخَطَه الشَّيبُ، وكان طويلَ اللِّحيةِ أعيَنَ ضَيِّقَ الجبينِ، على خَدِّه شامةٌ. أتته وفاةُ أبيه وهو بمروٍ سائرًا لغزو ما وراء النهرِ، فبُويِعَ مِن قِبَلِه لأخيه الأمينِ، ثم جرت بينهما أمورٌ وخُطوبٌ، وبلاءٌ وحروبٌ، إلى أن قُتِلَ الأمينُ، وبايع النَّاسُ المأمونَ في أوَّلِ سنةِ ثمان وتسعين ومائةٍ. كان متشيِّعًا فقد كانت كنيتُه أبا العباس، فلما استُخلِفَ اكتنى بأبي جعفرٍ، واستعمَلَ على العراق الحسَنَ بنَ سَهلٍ، ثم بايع بالعهدِ لعليِّ بنِ موسى الرضا ونَوَّه بذِكرِه، ونبَذَ السَّوادَ شِعارَ العباسيِّينَ، وأبدله بالخُضرة شعارِ العَلَويِّين. مرض المأمونُ مَرَضَه الذي مات فيه لثلاثَ عشرةَ خلَت من جُمادى الآخرة، فلمَّا مَرِضَ المأمونُ أمَرَ أن يُكتَبَ إلى البلادِ الكُتُب من عبد الله المأمونِ أميرِ المؤمنينَ، وأخيه الخليفةِ مِن بَعدِه أبي إسحاقَ محمَّد بن هارونَ الرشيد؛ وأوصى إلى المعتَصِم بحضرةِ ابنه العبَّاسِ، وبحضرة الفُقَهاء والقضاة والقُوَّاد، ثم بقيَ مريضًا إلى أن توفِّيَ قرب طرسوس ثم حمَلَه ابنُه العبَّاسُ، وأخوه المعتَصِمُ إلى طرسوس، فدفناه بدارِ خاقان خادِمِ الرَّشيد، وصلى عليه المعتَصِمُ، وكانت خلافتُه عشرينَ سنةً وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا.
المعتصم بالله يتولى الخلافة العباسية .
العام الهجري : 218 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
هو أبو إسحاقَ محمَّدُ بن هارون الرشيد، بويعَ له بالخلافةِ بعد موتِ المأمونِ، ولَمَّا بويِعَ له شَغَّبَ الجندُ، ونادوا باسمِ العبَّاسِ بنِ المأمون، فأرسل إليه المعتَصِمُ، فأحضره فبايَعَه، ثم خرج العبَّاسُ إلى الجندِ، فقال: ما هذا الحبُّ البارِدُ؟ قد بايعتُ عَمِّي، فسكَتوا، وأمَرَ المعتَصِمُ بخرابِ ما كان المأمونُ أمَرَ ببنائِه من طوانة، وحَمْل ما أطاق من السِّلاحِ والآلة التي بها وأحرقَ الباقيَ، وأعاد النَّاسَ الذين بها إلى البلادِ التي لهم، ثم ركِبَ المعتَصِمُ بالجنودِ قاصِدًا بغداد، ومعه العبَّاسُ بن المأمون، فدخلها يومَ السبت مستهَلَّ شَهرِ رمضان في أبَّهةٍ عظيمةٍ وتجَمُّلٍ تامٍّ.
الخليفة المعتصم يأمر بمواجهة طائفة الخرميَّة في همذان .
العام الهجري : 218 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 833
تفاصيل الحدث:
دخل كثيرٌ من أهل الجبال، وهمذان، وأصبهان، وماسبذان، وغيرِها في دين الخرميَّة، وتجمَّعوا فعَسكَروا في عمَلِ همذان، فوجَّه إليهم المعتَصِمُ العساكِرَ، وكان فيهم إسحاقُ بن إبراهيمَ بنِ مُصعَب، وعقَدَ له على الجبال، فسار إليهم، فأوقع بهم في أعمالِ همذان، فقتَلَ منهم ستين ألفًا وهرب الباقونَ إلى بلد الرومِ، وقرئ كتابُه بالفتح يوم الترويةِ.
ظهور محمد بن القاسم ودعوته لنفسه في خراسان .
العام الهجري : 219 العام الميلادي : 834
تفاصيل الحدث:
ظهر محمَّدُ بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، بالطالقان من خراسان، يدعو إلى الرضا من آل محمَّد، وكان ابتداءُ أمرِه أنَّه كان ملازمًا مسجدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، حسَنَ السِّيرةِ، فأتاه إنسانٌ من خراسان كان مجاورًا، فلما رآه أعجَبَه طريقُه، فقال له: أنت أحَقُّ بالإمامةِ مِن كُلِّ أحَدٍ، وحَسَّنَ له ذلك وبايعه، وصار الخُراساني يأتيه بالنَّفَرِ بعد النفر مِن حُجَّاجِ خُراسان يبايعونه، فعل ذلك مُدَّةً. فلما رأى كثرةَ مَن بايعه من خراسانَ سارا جميعًا إلى الجوزجان، واختفى هناك، وجعل الخراساني يدعو النَّاسَ إليه، فعَظُم أصحابُه، وحمله الخراسانيُّ على إظهارِ أمْرِه، فأظهره بالطالقان، فاجتمع إليه بها ناسٌ كثير، وكانت بينه وبين قوَّادِ عبدِ الله بن طاهر وقَعاتٌ بناحيةِ الطالقان وجبالِها، فانهزم هو وأصحابه، وخرج هاربًا يريدُ بعضَ كور خراسان، وكان أهلُها كاتبوه، فلما صار بنسا، وبها والدُ بعضِ مَن معه، فلمَّا بَصُرَ به سأله عن الخبَرِ فأخبره، فمضى الأبُ إلى عامِلِ نسا فأخبَرَه بأمر محمد بن القاسم، فأعطاه العامِلُ عشرةَ آلاف درهم على دَلالَتِه، وجاء العامِلُ إلى محمد، فأخذه واستوثَقَ منه، وبعثه إلى عبدِ الله بن طاهر، فسيَّرَه إلى المعتصم، فحُبِسَ عند مسرور الخادمِ الكبير، وأجرى عليه الطَّعامَ، ووكَلَ به قومًا يحفَظونَه، فلمَّا كان ليلةُ الفطرِ اشتغلَ النَّاسُ بالعيد، فهرب من الحبسِ، دُلِّيَ إليه حبلٌ مِن كوَّة كانت في أعلى البيتِ، يدخل عليه منها الضوءُ، فلما أصبحوا أتَوْه بالطعام، فلم يَرَوه، فجعلوا لِمَن دلَّ عليه مائة ألفٍ، فلم يُعرَف له خبَرٌ.
استمرار محنة الإمام أحمد بن حنبل على يد المعتصم .
العام الهجري : 219 العام الميلادي : 834
تفاصيل الحدث:
بعد أن كان الإمامُ أحمدُ قد قُيِّدَ وسِيرَ به إلى المأمونِ ثم عاد لبغداد لَمَّا وصلهم نبأُ وفاة المأمون، وتولى بعده المعتَصِمُ استمَرَّ على نفس الامتحان، فأحَضَره المعتَصِم وامتحنَه بالقولِ بخلقِ القُرآنِ فلم يُجِبْه الإمامُ أحمدُ، وكُلُّ ذلك وهو ثابِتٌ على قولِه: القرآنُ كَلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، فجُلِدَ جلدًا عظيمًا حتى غاب عقلُه، وتقَطَّعَ جِلدُه، وحُبِس مقيَّدًا- رحمه الله.
عبدُ الرحمن بن الحكم يحاصر مدينةِ طُليطِلة .
العام الهجري : 219 العام الميلادي : 834
تفاصيل الحدث:
سيَّرَ عبدُ الرحمن بن الحكم، صاحِبُ الأندلُسِ، جيشًا مع أميَّةَ بنِ الحكَمِ إلى مدينةِ طُليطِلة، فحصَرَها، وكانوا قد خالفوا الحَكَم، وخرجوا عن الطاعة، واشتَدَّ في حصرهم، وقطَعَ أشجارَهم، وأهلك زروعَهم، فلم يُذعِنوا إلى الطاعة، فرحل عنهم، وأنزل بقَلعةِ رباح جيشًا عليهم ميسرةُ، المعروف بفتى أبي أيوب، فلما أبعدوا منه خرجَ جمعٌ كثيرٌ مِن أهل طليطلة؛ لعلَّهم يجدون فرصةً وغَفلةً مِن مَيسرةَ فينالوا منه ومن أصحابِه غَرضًا، وكان ميسرةُ قد بلغه الخبَرُ، فجعل الكمينَ في مواضِعَ، فلما وصل أهلُ طُليطِلة إلى قلعة رباح للغارة، خرج الكمينُ عليهم من جوانبهم، ووضعوا السيفَ فيهم، وأكثروا القتَلَ، وعاد مَن سَلِمَ منهم منهزمًا إلى طليطِلة، وجُمِعَت رؤوس القتلى، وحُمِلَت إلى ميسرة، فلما رأى كثرَتَها عَظُمَت عليه، وارتاع لذلك، ووجد في نفسِه غمًّا شديدًا، فمات بعد أيامٍ يَسيرةٍ. كما حَدَثت في هذه السَّنةِ فِتنةٌ كبيرةٌ بطُليطلة تُعرفُ بملحمةِ العراس، قُتِلَ مِن أهلِها كثيرٌ.
المعتَصِم بالله يأمر بحرب الزطِّ (قطاع الطرق) .
العام الهجري : 219 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 834
تفاصيل الحدث:
وجَّه المعتَصِمُ بالله عجيفَ بن عنبسة لحرب الزطِّ الذين كانوا غلَبوا على طريق البصرةِ، وعاثوا وأخذوا الغَلَّات من البيادر بكسكر وما يليها من البصرة، وأخافوا السبيلَ، ورتَّبَ عجيفٌ الخيلَ في كلِّ سكَّةٍ مِن سِكَكِ البريدِ، تركُضُ بالأخبارِ إلى المعتَصِم، فسار عجيف حتى نزل تحت واسط، وأقام على نهرٍ يقال له بردودا حتى سدَّه وأنهارًا أخَرَ كانوا يخرجون منها ويدخلون، وأخذ عليهم الطرُقَ، ثم حارَبَهم فأسَرَ منهم في معركةٍ واحدةٍ خمسَمائة رجلٍ، وقتل في المعركةِ ثلاثَمائة رجلٍ، فضرب أعناقَ الأَسرى، وبعث الرُّؤوسَ إلى بابِ المُعتَصِم. ثم أقام عجيف بإزاءِ الزطِّ خمسة عشر يوما فظَفِرَ منهم فيها بخلقٍ كثير، وكان رئيسُ الزطِّ رجلًا يقال له محمد بن عثمان، وكان صاحِبُ أمره إنسانًا يقال له سماق، ثم استوطن عجيفٌ وأقام بإزائهم سبعةَ أشهر.
المعتصم يبعث القائد الأفشين لقتال بابك الخُرَّمي .
العام الهجري : 220 العام الميلادي : 835
تفاصيل الحدث:
عقد المعتصِمُ للأفشين حيدر بن كاوس على الجبال، ووجَّهه لحرب بابك الخرمي، فسار إليه، وكان ابتداءُ خروجِ بابك سنةَ إحدى ومائتين، ثمَّ إنَّ الأفشين سار إلى بلادِ بابك، فنزل برزند، وعسكَرَ بها وضبَطَ الطرق والحصونَ فيما بينه وبين أردبيل، وأنزل محمَّدَ بن يوسف بموضعٍ يقال له خش، فحفرَ خندقًا وأنزل الهيثمَ الغنوي برستاق أرشق، فأصلح حِصنَه، وحفَرَ خَندقَه، وأنزل علويه الأعور، من قوَّاد الأبناء، في حصنِ النَّهرِ ممَّا يلي أردبيل، فكانت القوافِلُ تخرج من أردبيل ومعها من يحميها، حتى تنزل بحصنِ النَّهر، ثم يُسَيِّرُها صاحبُ حِصنِ النَّهرِ إلى الهيثم الغنوي، فيلقاه الهيثم بمن جاء إليه من ناحيةٍ في موضعٍ معروفٍ لا يتعَدَّاه أحَدُهم إذا وصل إليه، فإذا لَقِيَه أخذ ما معه، وسَلَّمَ إليه ما معه، ثم يسيرُ الهيثمُ بمن معه إلى أصحابِ أبي سعيد، فيلقونَه بمنتصف الطريق، ومعهم من خرجَ من العسكر، فيتسَلَّمون ما مع الهيثم ويُسلِّمونَ إليه ما معهم، وإذا سبق أحدُهم إلى المنتصف لا يتعدَّاه، ويسيرُ أبو سعيدٍ بمن معه إلى عسكر الأفشين، فيلقاه صاحب سيارة الأفشين، فيتسَلَّمُهم منه، ويسَلِّمُ إليه مَن صَحِبَه من العسكر، فلم يزل الأمرُ على هذا. وكانوا إذا ظَفِروا بأحدٍ من الجواسيس حملوه إلى الأفشين، فكان يُحسِنُ إليهم، ويهَبُ لهم، ويسألُهم عن الذي يعطيهم بابك، فيُضَعِّفُه لهم، ويقول لهم: كونوا جواسيسَ لنا فكان ينتَفِعُ بهم.
=============
ج37.اقتتال القائد العباسي الأفشين وبابك الخرمي .
العام الهجري : 220 العام الميلادي : 835
تفاصيل الحدث:
وجَّه المعتصِمُ القائد العسكري التركي بغا الكبيرَ إلى الأفشين، ومعه مالٌ للجندِ والنفقات، فوصل أردبيل، فبلغ بابك الخبر، فتهيَّأ هو وأصحابُه ليقطعوا عليه قبل وُصولِه إلى الأفشين، فجاء جاسوسٌ إلى الأفشين، فأخبَرَه بذلك، فلما صَحَّ الخبَرُ عند الأفشين كتب بغا أن يُظهِرَ أنَّه يريد الرحيلَ، ويحمِل المالَ على الإبل، ويسير نحوه، حتى يبلغ حصنَ النَّهر، فيَحبِس الذي معه، حتى يجوزَ مَن صَحِبَه من القافلة، فإذا جازوا رجع بالمال إلى أردبيل. ففعل بغا ذلك، وسارت القافلةُ، وجاءت جواسيسُ بابك إليه، فأخبَروه أن المال قد سار فبلغ النَّهرَ، وركب الأفشين في اليومِ الذي واعدَ فيه بغا عند العصرِ، مِن برزند، فنزل خارِجَ خندق أبي سعيد، فلما أصبح ركِبَ سِرًّا ورحلت القافلة التي كانت توجَّهَت ذلك اليوم من النهر إلى ناحيةِ الهيثم، وتعبَّى بابك في أصحابِه، وسار على طريق النهر، وهو يظنُّ أن المالَ يُصادِفُه، فخرجت خيلُ بابك على القافلة، ومعها صاحِبُ النهر، فقاتَلَهم صاحبُ النهر، فقتلوه، وقتلوا من كان معه من الجند، وأخذوا جميعَ ما كان معهم، وعَلِموا أن المالَ قد فاتهم، وأخذوا عَلَمَه ولباسَ أصحابِه، فلبسوها وتنكَّروا ليأخذوا الهيثم الغنوي ومن معه أيضًا ولا يعلمونَ بخروج الأفشين، وجاؤوا كأنَّهم أصحابُ النهر، فلم يعرفوا الموضِعَ الذي يقف فيه علَمُ صاحب النهر، فوقفوا في غيرِه وجاء الهيثمُ فوقف في موضِعِه، وأنكر ما رأى، فوجَّهَ ابنَ عم له، فقال له: اذهَبْ إلى هذا البغيضِ فقُلْ له: لأيِّ شَيءٍ وقوفُك؟ فجاء إليهم فأنكَرَهم، فرجع إليه فأخبَرَه، فأنفذ جماعةً غيرَه، فأنكروهم أيضًا وأخبروه أنَّ بابك قد قتَلَ علويه، صاحبَ النهر، وأصحابَه، وأخذ أعلامَهم ولباسَهم، فرحل الهيثمُ راجعًا ونَجَت القافلةُ التي كانت معه، وبقيَ هو وأصحابُه في أعقابهم حاميةً لهم حتى وصلت القافلةُ إلى الحصن، وسيَّرَ رجلين من أصحابِه إلى الأفشين وإلى أبي سعيدٍ يُعَرِّفُهما الخبر، ودخل الهيثمُ الحصن، ونزل بابك عليه، وأرسل إلى الهيثمِ أن خَلِّ الحِصنَ وانصرِفْ، فأبى الهيثمُ ذلك، فحاربه بابك وهو يشرَبُ الخمرَ على عادته والحربُ مُشتَبِكةٌ، وسار الفارسان، فلقيا الأفشين على أقلَّ مِن فرسَخٍ، وأجرى الناسُ خَيلَهم طلقًا واحدًا حتى لَحِقوا بابك وهو جالِسٌ، فلم يُطِقْ أن يركَبَ، حتى وافته الخيلُ، فاشتبكت الحربُ، فلم يُفلِتْ من رَجَّالة بابك أحدٌ، وأفلت هو في نفرٍ يسيرٍ مِن خيَّالتِه، ودخل موقان وأقام بها فلمَّا كان في بعضِ الأيام مرَّت قافلة، فخرج عليها أصبهنذ بابك، فأخذها وقتَل مَن فيها، فقَحِطَ عسكرُ الأفشين لذلك، فكتب الأفشينُ إلى صاحب مراغة بحَملِ الميرة وتعجيلِها، فوجه إليه قافلةً عظيمة، ومعها جندٌ يسيرون بها فخرج عليهم سريةٌ لبابك، فأخذوها عن آخِرِها وأصاب العسكرَ ضِيقٌ شديد، فكتب الأفشين إلى صاحبِ شيروان يأمُرُه أن يحمِلَ إليه طعامًا، فحمل إليه طعامًا كثيرا وأغاث الناسَ، وقدِمَ بغا على الأفشين بما معه.
غضب المعتصم على الفضل بن مروان وعزله عن الوزارة .
العام الهجري : 220 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 835
تفاصيل الحدث:
غَضِبَ المعتَصِمُ على الفضل بن مروان بعد المكانةِ العظيمةِ التي كانت له، وعَزَله عن الوَزارةِ وحبَسَه وأخذ أموالَه، وجعل مكانَه محمَّدَ بن عبدالملك بن الزيات، فكان المعتَصِمُ يقول: عصى اللهَ وأطاعني، فسلَّطني اللهُ عليه.
الخليفة المعتصم يأمر بتأسيس مدينة سامراء .
العام الهجري : 221 العام الميلادي : 835
تفاصيل الحدث:
خرج المعتَصِمُ إلى سامِرَّا لبنائِها، وكان سببُ ذلك أنَّه قال إني أتخوَّفُ هؤلاء الحربيَّةَ أن يَصيحوا صيحةً فيَقتُلوا غِلماني، فأريدُ أن أكونَ فوقهم، فإن رابني منهم شيءٌ أتيتُهم في البَرِّ والماء، حتى آتيَ عليهم، فخرج إليها فأعجَبَه مكانَها، وقيل: كان سببُ ذلك أنَّ المعتصِمَ كان قد أكثَرَ مِن الغِلمان الأتراك، فكانوا لا يزالونَ يَرَون الواحِدَ بعد الواحدِ قتيلًا، وذلك أنَّهم كانوا جفاةً، يركبون الدوابَّ، فيَركُضونَها إلى الشوارع، فيَصدِمون الرجُلَ والمرأةَ والصبيَّ، فيأخُذُهم الأبناءُ عن دوابِّهم، يَضرِبونَهم، وربما هلك أحَدُهم فتأذَّى بهم الناس. ثمَّ إن المعتَصِمَ رَكِبَ يومَ عيد، فقام إليه شيخٌ فقال له: يا أبا إسحاق، فأراد الجندُ ضَربَه، فمنعهم وقال: يا شيخُ، ما لك، ما لك؟ قال: لا جزاك اللهُ عن الجِوارِ خَيرًا، جاوَرْتَنا وجِئتَ بهؤلاء العُلوجِ مِن غِلمانِك الأتراك، فأسكَنْتَهم بيننا، فأيتمْتَ صِبيانَنا وأرمَلْتَ بهم نسوانَنا وقتَلْتَ رِجالَنا؛ والمعتَصِمُ يسمع ذلك، فدخل منزلَه، ولم يُرَ راكبًا إلى مثل ذلك اليومِ، فخرج فصلى بالناس العيدَ، ولم يدخُل بغداد، بل سار إلى ناحيةِ القاطول، ولم يرجِعْ بغداد. قال مسرور الكبير: سألني المعتَصِمُ أين كان الرشيدُ يتنَزَّه إذا ضَجِرَ ببغداد، قلت: بالقاطول، وكان قد بنى هناك مدينةً آثارُها وسورُها قائم، وكان المعتصِمُ قد اصطنع قومًا من أهلِ الحوف بمصر، واستخدمهم وسمَّاهم المغاربة، وجمع خَلقًا من سمرقند، وأشروسنة، وفرغانة، وسمَّاهم الفراغنة، فكانوا من أصحابِه، وبَقُوا بعده، فبُني بها الجامِعُ المشهورُ بمنارته الملْتَوية ذات الدَّرج الخارجي الملتَفِّ على المنارة، ويُذكَرُ أنَّ أصلَ الكلمةِ هو سُرَّ مَن رأى، ثم صارت سامِرَّا.
القضاء على حكم بابك الخرمي في أذربيجان .
العام الهجري : 222 العام الميلادي : 836
تفاصيل الحدث:
تقدَّمَ الأفشين حتى شارف الموضِعَ الذي كانت به الوقعةُ في العام الماضي، فاختار ثلاثةَ جبالٍ كان عليها حصونٌ فخُرِّبَت، فسَدَّ الطريقَ إلى تلك الجبال، حتى صارت كالحُصون، وأمر بحفرِ خَندقٍ على كلِّ طريقٍ وراء تلك الحجارةِ، وكان جماعةٌ مِن الخرمية يأتونَ إلى قرب خندق الأفشين فيَصيحون، فلم يترُك الأفشين أحدًا يخرجُ إليهم، فَعَلوا ذلك ثلاثةَ أيام، ثمَّ إنَّ الأفشين كَمَن لهم كمينًا، فإذا جاؤوا ثاروا عليهم، فهَرَبوا ولم يعودوا. وعبَّأ الأفشين أصحابَه، وأمر كلًّا منهم بلزومِ مَوضِعِه، وكان إذا أراد أن يتقدَّمَ إلى المكان الذي كانت به الوقعةُ عام أول، خلَّف بُخاراخذاه على رأسِ العقبة في ألف فارس، وستمائة راجل، يحفظونَ الطريقَ لئلا يأخُذَه الخرمية عليهم. وكان بابك إذا أحس بمجيئِهم وجَّه جمعًا من أصحابه، فيكمُنون في وادٍ تحت تلك العقبة، تحت بخاراخذاه، واجتهد الأفشين أن يعرفَ مكانَ كَمينِ بابك، فلم يعلَمْ بهم، وكان بابك يُخرِجُ عسكره فيقِفُ بإزاء هذه الكراديس، لئلَّا يتقَدَّمَ منهم أحدٌ إلى باب البذ. وكان يفَرِّقُ عساكِرَه كمينًا ولم يبقَ إلَّا في نفر يسير. فصارت مناوشةٌ بين بعض الخرمية وبعض جيش الأفشين كان من سبَبِها تحرُّك الكُمَناء من الخرمية، فقال الأفشين: الحمدُ لله الذي بيَّن مواضِعَ هؤلاء، فأقام الأفشين بخَندَقِه أيامًا فشكا المتطوِّعةُ إليه ضيقَ العلوفة، فوعد الأفشين الناسَ ليوم ذكره لهم، وأمر الناس بالتجهزِ وحَملِ المالِ والزادِ والماء، فاشتبَكَت الحربُ مع بابك طويلًا، فلما دخلت أعلامُ الفراغنة البذ، وصَعِدوا بها القصورَ، رَكِبَ الأفشين وصاح بالنَّاسِ، فدخل، ودخلوا، وصَعِدَ النَّاسُ بالأعلام فوق قصورِ بابك، وكان قد كَمَن في قصوره- وهي أربعةٌ- ستُّمائة رجل، فخرجوا على الناس، فقاتلوهم، ومَرَّ بابك، حتى دخل الواديَ الذي يلي هشتادسر، واشتغل الأفشين ومن معه بالحربِ على أبوابِ القصور، فأحضر النَّفاطين فأحرقوها وهدَمَ النَّاسُ القصور، فقتلوا الخرميَّة عن آخرهم، وأخذ الأفشين أولادَ بابك، وأمَّا بابك فإنه سار فيمن معه، وكانوا قد عادوا إلى البذ، بعد رجوعِ الأفشين، فأخذوا ما أمكَنَهم من الطعام والأموال، ولَمَّا كان الغدُ رجع الأفشين إلى البذ، وأمر بهدم القُصور وإحراقِها، فلم يدع منها بيتًا، وجاءت جواسيسُ الأفشين إليه فأعلموه بموضعِ بابك، فوجَّه الأفشينُ إلى كل موضع فيه طريقٌ إلى الوادي جماعةً من أصحابِه يحفظونَه، وقعد بابك في موضِعِه، فلم يزل في تلك الغيضةِ حتى فَنِيَ زاده، وخرج من بعض تلك الطرق، وسار بمن معه يريدونَ أرمينيةَ، فرآهم حرَّاسُ الأفشين، فلما رأى بابك العساكر ركب هو ومن معه، فنجا هو، وأخذ أبو السَّاجِ مُعاويةً، وأمَّ بابك، فأرسلهم إلى الأفشين. وسار بابك في جبال أرمينيةَ مُستخفيًا، فلقي ابنَ سنباط فأمَّنَه واحتفى به, ثم كتب ابنُ أسباط للأفشين بخبَرٍ بأمر بابك، واتَّفقَ معه على خطَّةٍ لمُداهمة بابك والقبضِ عليه, فبينما بابك وابنُ سنباط يتصيَّدان إذ خرج عليهما أبو سعيدٍ وبورماره في أصحابِهما فأخذوه وساروا به إلى الأفشين، فأدخله الأفشينُ بيتًا ووكَلَ به من يحفَظُه، فحبسه مع أخيه، وكتب إلى المعتَصِم بذلك، فأمره بالقدومِ بهما عليه. وكان وصولُ بابك إلى الأفشين ببرزند لعشرٍ خلون من شوال، وكان الأفشينُ قد أخذ نساءً كثيرةً وصبيانًا كثيرًا ذكروا أنَّ بابك أسَرَهم، وأنهم أحرارٌ من العرب والدَّهاقين، فأمر بهم فجُعلوا في حظيرةٍ كبيرة، وأمرهم أن يكتُبوا إلى أوليائهم، فكلُّ من جاء يعرِفُ امرأةً، أو صبيًّا أو جاريةً، وأقام شاهِدَينِ أخذه، فأخذ الناسُ منهم خلقًا كثيرًا وبقي كثيرٌ منهم.
إخضاع أهل طليطلة لعبدالرحمن بن الحكم .
العام الهجري : 222 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 837
تفاصيل الحدث:
وقع عِصيانُ أهل طليطِلة على عبدِ الرحمنِ بنِ الحكم بن هشام، صاحِبِ الأندلس، وتم َّإنفاذُ الجيوش لمحاصرتها مرَّةً بعد مرة، فلمَّا كانت هذه السَّنةُ خرج جماعةٌ مِن أهلها إلى قلعةِ رباح، وبها عسكرٌ لعبد الرحمن، فاجتمعوا كلُّهم على حصر طليطلة، وضَيَّقوا عليها وعلى أهلِها وقطعوا عنهم باقيَ مرافِقِهم واشتَدُّوا في محاصرتِهم، فبَقُوا كذلك إلى أن سَيَّرَ عبد الرحمن أخاه الوليدَ بنَ الحكم إليها أيضًا، فرأى أهلَها وقد بلغ بهم الجَهدُ كُلَّ مبلغٍ، واشتد عليهم طولُ الحصار، وضَعُفوا عن القتال والدَّفعِ، فافتتحها قهرًا وعَنوةً، وأمر بتجديدِ القَصرِ على بابِ الِحصنِ الذي كان هُدِّمَ أيَّامَ الحَكَمِ، وأقام بها إلى آخِرِ شعبان من سنة ثلاثٍ وعشرين ومائتين، حتى استقَرَّت قواعِدُ أهلِها وسكَنوا.
هجوم ملك الروم على المسلمين بزبطرة .
العام الهجري : 223 العام الميلادي : 837
تفاصيل الحدث:
خرج توفيل بن ميخائيل ملِكُ الروم إلى بلادِ الإسلام، وأوقع بأهلِ زبطرة وغيرها، وكان سبَبُ ذلك أنَّ بابك لَمَّا ضَيَّقَ الأفشينُ عليه، وأشرف على الهلاك، كتب إلى مَلِك الروم توفيل يُعلِمُه أنَّ المعتَصِمَ قد وجَّهَ عساكِرَه ومقاتليه إليه، ولم يَبقَ على بابِه أحدٌ، فإن أردت الخروجَ إليه فليس في وجهِك أحدٌ يَمنَعُك؛ ظنًّا أن ذلك يخَفِّفُ عنه، فخرج توفيل في مائة ألفٍ، وقيل أكثر، منهم من الجندِ نَيِّفٌ وسبعون ألفًا وبقيَّتُهم أتباع، ومعهم من المحمِّرة الذين كانوا خرجوا بالجبالِ فلَحِقوا بالرُّومِ حين قاتَلَهم إسحاقُ بن إبراهيم بن مصعب، فبلغ زبطرة، فقتَلَ مَن بها من الرجال، وسَبى الذريَّةَ والنِّساءَ، وأغار على أهلِ ملطيَّة وغَيرِها من حصونِ المسلمين، وسبى المُسلِمات، ومَثَّلَ بمن صار في يدِه من المسلمينَ وسَمَل أعيُنَهم، وقطَعَ أنوفَهم وآذانَهم، فخرج إليهم أهلُ الثغورِ مِن الشامِ والجزيرة، إلَّا مَن لم يكن له دابَّةٌ ولا سِلاحٌ.
محاولة العباس بن المأمون قتل عمه المعتصم .
العام الهجري : 223 العام الميلادي : 837
تفاصيل الحدث:
كان العباسُ بنُ المأمون مع عَمِّه المعتَصِم في غزوةِ عَمُّورية، وكان عجيفُ بن عنبسة قد نَدَّمَه إذ لم يأخُذ الخلافةَ بعد أبيه المأمونِ، ولامَه على مبايعتِه عَمَّه المعتصِمَ ولم يزل به حتى أجابه إلى الفتك بعمِّه وأخذِ البيعةِ من الأمراء له، وجهَّزَ رجلًا يقال له الحارِثُ السَّمَرقندي وكان نديمًا للعبَّاسِ، فأخذ له البيعةَ مِن جماعةٍ مِن الأمراء في الباطنِ، واستوثَقَ منهم وتقَدَّم إليهم أنَّه يلي الفتكَ بعَمِّه، فلما فتحوا عَمُّوريَّة واشتغل الناسُ بالمغانم، أشار عليه أن يقتُلَه، فوعده مَضِيقَ الدَّربِ إذا رجَعوا، فلما رجعوا فَطِنَ المعتَصِمُ بالخبَرِ، فأمر بالاحتفاظِ وقُوَّةِ الحَرَس وأخذَ بالحَزمِ، واجتهد بالعزمِ، واستدعى بالحارِثِ السَّمرقنديِّ فاستقَرَّه فأقَرَّ له بجُملةِ الأمر، وأخْذِ البيعةِ للعبَّاسِ بنِ المأمون من جماعةٍ مِن الأمراء أسماهم له، فاستكثَرَهم المعتَصِمُ واستدعى بابنِ أخيه العبَّاسِ فقَيَّده وغَضِبَ عليه وأهانه، ثم أظهَرَ له أنه قد رَضِيَ عنه وعفا عنه، فأرسَلَه مِن القيدِ وأطلق سراحَه، فلما كان من اللَّيلِ استدعاه واستحكاه عن الذي كان قد دبَّرَه من الأمر، فشرَحَ له القضيَّةَ، وذكر له القِصَّةَ، فإذا الأمرُ كما ذكر الحارِثُ السمرقندي. فلما أصبح استدعى بالحارثِ فأخلاه وسأله عن القضيَّة ثانيًا فذكَرَها له كما ذكرها أوَّلَ مَرَّة، فقال: وَيحَك، إنِّي كنتُ حريصا على ذلك، فلم أجِدْ إلى ذلك سبيلًا بصِدقِك إيَّأي في هذه القِصَّة. ثم أمر المعتَصِمُ حينئذٍ بابن أخيه العبَّاسِ فقُيِّدَ وسُلِّمَ إلى الأفشين، وأمر بعجيف وبقيَّة الأمراءِ الذين ذكرهم فاحتفظَ عليهم، ثم أخَذَهم بأنواعِ النِّقْمات التي اقتَرَحها لهم، فقتَلَ كُلَّ واحدٍ منهم بنوعٍ لم يَقتُل به الآخرَ، ومات العباسُ بنُ المأمون بمنبج، فدفن هناك، وكان سبَبُ موتِه أنَّه أجاعه جوعًا شديدًا، ثم جيءَ بأكلٍ كثيرٍ، فأكلَ منه وطلَبَ الماءَ فمُنِعَ حتى مات، وأمر المعتَصِمُ بلَعْنِه على المنبرِ وسمَّاه اللَّعينَ.
القائد الأفشين يقود بابك الخرمي أسيراً إلى المعتَصِم .
العام الهجري : 223 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
بعد أن أنهى الله فتنةَ بابك الخرمي، وقضى عليه وعلى جيشِه الأفشينُ ومن معه، وقبض على بابك وحَبَسه وراسَلَ المعتَصِمَ فأمره بتسييرهم إليه, فدخل الأفشينُ وبِصُحبتِه بابك على المعتَصِم سامرَّا، ومعه أيضًا أخو بابك في تجمُّلٍ عظيم، وقد أمر المعتَصِمُ ابنَه هارونَ الواثِقَ أن يتلقَّى الأفشين، وأمَرَ بابك أن يركَبَ على فيلٍ ليُشهَرَ أمرُه ويعرفوه، وعليه قباءُ ديباج وقَلَنْسُوة سمور مدورة، وقد هيؤوا الفيل وخَضَبوا أطرافَه ولَبَّسوه من الحرير والأمتعة التي تليق به شيئًا كثيرا، ولَمَّا أُحضِرَ بين يدي المعتَصِم أمر بقطعِ يَدَيه ورجليه وجَزِّ رأسِه وشَقِّ بَطنِه، ثم أمرَ بحَملِ رأسِه إلى خراسانِ وصَلبِ جُثَّته على خشبةٍ بسامِرَّا، وكان بابك قد شَرِبَ الخمرَ ليلةَ قَتلِه. لَمَّا قتَلَ المعتَصِمُ بابك الخرميَّ توَّجَ الأفشينَ وقلَّدَه وِشاحَينِ مِن جوهرٍ، وأطلق له عشرينَ ألفَ ألف درهمٍ، وكتب له بولايةِ السِّندِ، وأمَرَ الشعراءَ أن يدخُلوا عليه فيمدحوه على ما فعلَ مِن الخيرِ إلى المسلمين، وعلى تخريبِه بلادَ بابك التي يقال لها البذُّ، وتَرْكِه إيَّاها قِيعانًا وخَرابًا.
مقتل زعيم فرقة الخُرَّميَّة بابك الخرمي .
العام الهجري : 223 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
هو بابَك الخُرَّمي (بابک خرمدین) زعيمٌ ديني فارسيٌّ، وقائدُ فرقة الخُرَّميَّة ظهر سنة 201هـ الموافق 816 م، في خلافةِ المأمون العباسي, وكثُرَ أتباعهُ، وقاد ثورةً على العباسيِّينَ بعد مصرعِ أبي مسلم الخراساني، استمَرَّت حوالى عشرينَ سنة، وكان أحد الشُّجعانِ، أخاف الإسلامَ وأهلَه، وهزم الجيوشَ العباسيَّة عشرين سنة، وغلبَ على أذربيجانَ وغَيرِها، وأراد أن يقيم المِلَّةَ المجوسيَّة، وعَظُم البلاء. فأنفق المأمونُ والمعتَصِمُ على حربِ بابك قناطيرَ مُقنطرةً مِن الذهَبِ والفِضَّة، وفي هذه السنة بعث المعتَصِمُ نفقاتٍ إلى جيشِه مع الأفشين، فكانت ثلاثينَ ألف ألف درهم، فكانت الحربُ مع بابك الخرمي فطَحَنه الأفشين، واستباح عسكَرَه، وأُخِذَت البذُّ- مدينةُ بابك- وهرب واختفى في غيضةٍ، ثم أُسِرَ بعد فصولٍ طويلة, ولَمَّا أُحضِرَ بابك بين يدي المعتَصِمَ، أمَرَ بقطع يَدَيه ورِجلَيه وجَزِّ رأسِه وشَقِّ بَطنِه، ثم أمَرَ بحَملِ رأسِه إلى خراسانَ، وصَلْبِ جُثَّتِه على خشبةٍ بسامِرَّا، فقُطِعَ دابِرُ الخرَّميَّة.
وفاة أمير إفريقية زيادة الله بن الأغلب .
العام الهجري : 223 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
هو أبو محمَّد زيادةُ الله بن إبراهيم بن الأغلب أو زيادةُ الله الأوَّل، أميرُ إفريقيَّة، وكان أفصَحَ أهلِ بَيتِه لسانًا وأكثَرَهم أدبًا، وكان يقولُ الشعر، ويرعى الشعراءَ، كانت ولايته من قِبَل المأمون سنة 201هـ، فطالت أيَّامُه واستقام الأمر, وبنى زيادةُ الله في أيَّامِه سُورَ القيروان ودار سوسة وقنطرة باب الربيع، وحِصنَ الرباط بسوسة، وجامعَ القيروان بعد هَدمِه، وأنفق عليه سِتَّة وثمانين ألف دينار، وفتح جزيرةَ صقلِّيَّة على يد قاضيه أسَدِ بن الفرات. كان عمُرُه يوم مات إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية أيام، وكانت إمارتُه إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر، وولِيَ بعده أخوه أبو عقالٍ الأغلبُ بنُ إبراهيم بن الأغلب.
الخليفة العباسي المعتصم بالله يفتح مدينة عمورية .
العام الهجري : 223 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
لَمَّا فعل الرُّومُ ما فعلوا بأهلِ زبطرة وغيرِها، وكانت فِتنةُ بابك قد انتهت، سار المعتَصِمُ بجَيشِه قاصدًا فتحَ عَمُّوريَّة؛ إذ كانت تعَدُّ من أقوى مُدُنِ الروم، بل ربما كانت بمكانةِ القُسطنطينيَّة، فكان أوَّلَ الأمرِ أن التقى الأفشينُ مع الروم وهَزَمَهم شَرَّ هزيمةٍ، ثم سار المعتَصِمُ والأفشين وأشنان، كلٌّ على رأس جيشٍ، متوجِّهينَ إلى عمُّورية وكانت حصينةً ذاتَ سورٍ منيعٍ وأبراجٍ تحَصَّنَ أهلُها فيها، فنصَبَ المنجنيقَ وهدَمَ السُّورَ مِن جهةٍ كانت ضعيفةً دلَّهم عليها أحدُ الأسرى، فبعث نائِبُ البلد لمَلِك الروم كتابًا يُعلِمُه بالأمرِ، ولكن الكتابَ لم يَصِلْ حيث قُبِضَ على الغلامينِ اللذين كان معهما الكتابُ، ثم زاد الضربُ بالمنجنيق حتى انهدم ذلك الجزءُ، لكنه لا يزالُ صَغيرًا على دخولِ الجَيشِ، ثمَّ إنَّ الموكَّلَ بحِفظِ ذلك البرجِ مِن الروم لم يستَطِع الصمودَ، فنزل للقتال ولم يعاوِنْه أحدٌ من الروم, فأمر المعتَصِمُ المسلمين أن يدخلوا البلدَ مِن تلك الثغرةِ التي قد خلت من المقاتِلة، فركب المسلِمونَ نَحوَها، فجَعَلَت الرومُ يُشيرون إليهم ولا يَقدِرونَ على دفاعِهم، فلم يلتَفِت إليهم المُسلِمون، ثم تكاثروا عليهم ودخَلوا البلد قهرًا، وتتابع المسلمونَ إليها يكَبِّرونَ، وتفَرَّقَت الرومُ عن أماكِنِها، فجعل المسلِمونَ يَقتُلونهم في كلِّ مكانٍ حيث وجدوهم، وقد حَشَروهم في كنيسةٍ لهم هائلةٍ ففتحوها قَسرًا وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم بابَ الكنيسةِ، فاحتَرَقت فأُحرِقوا عن آخِرِهم، ولم يبقَ فيها موضِعٌ محصَّنٌ سوى المكانِ الذي فيه نائب عمورية إلى ملك الروم واسمه مناطس في، ثم أُنزِلَ مُهانًا وأَخَذَ المسلمونَ من عمُّورية أموالًا لا تحَدُّ ولا تُوصَفُ، فحَمَلوا منها ما أمكن حمْلُه، وأمر المعتَصِمُ بإحراقِ ما بقيَ من ذلك، وبإحراقِ ما هنالك من المجانيقِ والدبَّابات وآلات الحربِ؛ لئلَّا يتقوَّى بها الرومُ على شيءٍ مِن حربِ المسلمين، ثم انصرف المعتَصِمُ راجعًا إلى ناحية طرسوس.
خروج مازيار بن قارن على نائب خراسان .
العام الهجري : 224 العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
خرج رجلٌ بآمل طبرستان يقال له مازيار بن قارن بن يزداهرمز، وكان لا يرضى أن يدفَعَ الخراجَ إلى نائب خراسان عبد الله بن طاهر بن الحُسَين، بل يبعثه إلى الخليفةِ ليقبِضَه منه، فيبعث الخليفةُ من يتلقى الحملَ إلى بعض البلاد ليقبِضَه منه ثم يدفَعُه إلى ابن طاهر، ثم آل أمرُه إلى أن وثب على تلك البلادِ وأظهر المخالفةَ للمُعتَصِم، وقد كان المازيار هذا ممَّن يكاتب بابك الخرميَّ ويَعِدُه بالنصر، ويقال: إنَّ الذي قوَّى رأس مازيار على ذلك الأفشينُ لِيَعجِزَ عبدُ الله بن طاهر عن مقاومتِه فيُولِّيه المعتصِمُ بلاد خراسان مكانَه، فبعث إليه المعتصِمُ محمَّدَ بن إبراهيم بن مصعب- أخا إسحاقَ بن إبراهيم- في جيشٍ كثيف، فجرت بينهم حروبٌ طويلةٌ، وكان آخِرَ ذلك أسْرُ المازيارِ وحَملُه إلى ابنِ طاهر، فاستقَرَّه عن الكتب التي بعثها إليه الأفشينُ فأقَرَّ بها، فأرسله إلى المعتَصِمُ وما معه من أموالِه التي احتُفِظَت للخليفة، وهي أشياءُ كثيرةٌ جِدًّا من الجواهر والذهَبِ والثياب، فلما أُوقِفَ بين يدي الخليفةِ سأله عن كتُبِ الأفشين إليه فأنكَرَها، فأمر به فضُرِبَ بالسياط حتى مات، وكان ذلك عام 225هـ، وصُلِبَ إلى جانبِ بابك الخرمي على جسرِ بغداد، وقُتِلَ عُيونُ أصحابِه وأتباعِه.
خروج منكجور على المعتصم في أذربيجان .
العام الهجري : 224 العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
لَمَّا فرَغَ الأفشينُ مِن بابك وعاد إلى سامِرَّا استَعمَلَ على أذربيجان منكجورَ- وهو من أقارِبِه- فوجد في بعض قرى بابك مالًا عظيمًا ولم يُعلِمْ به المعتَصِم، ولا الأفشين، فكتب صاحِبُ البريد إلى المعتَصِم، وكتب منكجور يُكَذِّبه، فتناظرا، فهم منكجور ليقتُلَه، فمنعه أهلُ أردبيل، فقاتَلَهم منكجور، وبلغ ذلك المعتَصِم، فأمر الأفشينَ بعزل منكجور، فوجَّه قائدًا في عسكرٍ ضَخمٍ، فلما بلغ منكجورَ الخبَرُ خلع الطاعةَ، وجمع الصعاليكَ، وخرج من أردبيل، فواقعه القائِدُ فهَزَمه، وسار منكجورُ إلى حِصنٍ من حصون أذربيجان التي كان بابك خَرَّبها، فبناه وأصلَحَه وتحَصَّن فيه، فبَقِيَ به شهرًا، ثم وثَبَ به أصحابُه، فأسلَمَه إلى قائدِ الأفشين، فقَدِمَ به إلى سامِرَّا فحبَسَه المعتصم، واتَّهَمَ الأفشينَ في أمره، وكان قدومه سنة خمس وعشرين ومائتين، وقيل: إن ذلك القائِدَ الذي أنفذ إلى منكجور كان بغا الكبيرَ، وإن منكجور خرج إليه بأمانٍ.
هزيمة نصارى الأندلس على يد عبد الرحمن بن الحَكَم .
العام الهجري : 224 العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
سيَّرَ عبدُ الرحمن بن الحَكَم عبدَ اللهِ المعروفَ بابنِ البَلنسيِّ إلى بلادِ العَدُوِّ، فوصلوا إلى "ألبة" والقلاعِ، فخرج المشركونَ إليه في جَمعِهم، وكان بينهم حربٌ شديدة وقتالٌ عظيم، فانهزم المشركونَ، وقُتلَ منهم ما لا يُحصى، وجُمِعَت الرؤوس أكداسًا، وفي هذه السنة أيضًا خرج لذريق في عسكَرِه، وأراد الغارةَ على مدينةِ سالم من الأندلس، فسار إليه عبدُ الرحمن بن الحَكَم فوتون بن موسى في عسكَرٍ جرار، فلَقِيَه وقاتَلَه، فانهزم لذريقُ وكَثُر القتلُ في عسكَرِه، وسار فوتون إلى الحصنِ الذي كان بناه أهلُ ألبة بإزاء ثُغورِ المسلمين، فحَصَره، وافتَتَحه وهَدَمه.
وفاة أبي عبيد القاسم بن سلام .
العام الهجري : 224 العام الميلادي : 838
تفاصيل الحدث:
هو القاسِمُ بنُ سلَّام الهروي الأزدِيُّ ولاءً، ولد بمدينة هراة سنة 157هـ, أحد أئمَّة اللُّغة والفقه والحديثِ، والقرآن والأخبار وأيَّام الناس، كان أبوه عبدًا روميًّا, فطلب أبو عبيدٍ العِلمَ وسَمِعَ الحديثَ ودرسَ الأدبَ والفقه، ثم ارتحل إلى العراقِ نحوَ سنة 176هـ، له المصنَّفات المشهورة المنَتِشرة بين الناس، حتى يقال: إنَّ الإمامَ أحمدَ كتب كتابَه الغريبَ بِيَدِه- وهو أشهر كتُبِه- قال هلالُ بن العلاء الرقي: "مَنَّ الله على المسلمينَ بهؤلاء الأربعة: الشافعيُّ، تفَقَّه في الفقه والحديث، وأحمدُ بن حنبل في المحنة، ويحيى بن مَعينٍ في نفي الكَذِب، وأبو عُبَيد في تفسيرِ غَريبِ الحديثِ، ولولا ذلك لاقتحم النَّاسُ المهالِكَ"، وكان أبو عبيدٍ قد ولد بهراة، وأقام في بغداد، ثم انتقل إلى مصر، وكانت وفاتُه بمكَّة- رحمه اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
قيام الدولة اليعفرية بصنعاء .
العام الهجري : 225 العام الميلادي : 839
تفاصيل الحدث:
هي ثاني دولة مستقِلَّة تقوم في اليمَنِ ويُنسَبُ اليعفريون إلى الملوك الحِمْيَريين، ويعتبر يعفرُ بن عبد الرحيم المؤسِّسَ الفعليَّ لهذه الدولة، وكان الخليفةُ المعتَمِد قد عيَّنه عاملًا على صنعاءَ قبل أن يستقِلَّ بالسلطة ويؤسِّسَ الدولة، ولكِنَّ الخلافاتِ نَشَبت بين أفراد الأسرة اليعفريَّة، فضَعُف مركزُها لتنتهي لاحقًا وتدخُلَ في طاعة دولة الأئمَّة. في آخِرِ عهدِ المتوكِّلِ ابتدأت الدولةُ اليعفرية بصنعاء، وكان جَدُّهم عبدُ الرحيم بن إبراهيم الحوالي نائبًا عن جعفرِ بنِ سليمان بن علي الهاشميِّ، الذي كان واليًا للمعتَصِم على نجدٍ واليمَنِ وصَنعاءَ وما إليها، ولَمَّا توفي عبد الرحيم قام في الولايةِ مقامَه ابنُه يعفر بن عبد الرحيم، وهو رأس الدولة ومبدأُ استقلالِها إلَّا أنَّه كان يهابُ آلَ زياد ويدفَعُ لهم خَراجًا يُحمَلُ إلى زَبيدٍ، كأنَّه عامِلٌ لهم ونائبٌ عنهم، وكان ابتداءُ استقلالِ يعفر بن عبد الرحيم سنة 247هـ، واستمَرَّ مُلْكُ صنعاءَ في أعقابِه إلى سنة 387هـ
وفاة الأغلب بن إبراهيم صاحب إفريقية .
العام الهجري : 226 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 841
تفاصيل الحدث:
هو أبو عِقالٍ الأغلَبُ بن إبراهيم بن أغلب، أخو زيادة الله، كانت ولايتُه من قِبَل المعتَصِم بالله، وهو رابِعُ أمراء إفريقية مِن بني الأغلَبِ، ولم تطُلْ مُدَّةُ أيامِه، كانت ولايتُه سنتين وسبعةَ أشهر وسبعة أيَّام, لَمَّا تولَّى أبو عقالٍ أحسَنَ إلى الجند، وأزال مظالمَ كثيرةً، وزاد العُمَّالَ في أرزاقهم، وكَفَّ أيديَهم عن الرعية، وقطَعَ النَّبيذَ والخَمرَ عن القيروان. وكانت أيَّامُه أيَّامَ دَعةٍ وسكونٍ سوى عام 224هـ؛ انتفَضَ بعضُ الخوارجِ فسَيَّرَ إليهم عيسى بن ربعان فأخضَعَهم، ولَمَّا توفِّيَ ولِيَ أبو العباسِ محمَّد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب بلادَ إفريقيَّة بعد وفاةِ والده، ودانت له إفريقيَّة.
قتل أفشين أكبر قائد عسكري عباسي .
العام الهجري : 226 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 841
تفاصيل الحدث:
هو حَيدرُ بنُ كاوس الملقَّب بالأفشين، أصلُه من التُّرك مِن أشروسنة تركستان، كان مجوسيًّا مِن سُلالةِ حُكَّام أشروسنة، اعتنق الإسلامَ زمنَ المأمونِ وأقام ببغدادَ عند المعتصِم، وعَظُم محلُّه عنده, وهو من كِبارِ قادةِ المأمونِ والمعتَصِم، تولى إخمادَ الكثيرِ مِن الفِتَن والثَّوراتِ، وأهمُّها ثورةُ بابك الخرمي، ولكن كان يطمَحُ لتولِّي خُراسان بدل عبدالله بن طاهرٍ، فقيل: إنَّه هو الذي حرَّضَ المازيار للخروجِ على ابنِ طاهرٍ حتى يولِّيَه المعتَصِمُ حَربَه، ومِن ثمَّ ولايةَ خُراسان، ولَمَّا قُبِض على المازيار أقَرَّ بكُتُب الأفشين له، فغَضِبَ المعتَصِمُ منه وأمر بالقبضِ عليه، فتمَّ ذلك ليلًا فحبَسَه ثمَّ عَمِلَ له مجلِسَ قَضاءٍ بحُضورِ أحمدَ بنِ أبي دؤاد المعتزلي، ووزيرِه محمَّد بن عبد الملك بن الزيَّات، ونائبِه إسحاقَ بنِ إبراهيم بن مصعب، فاتُّهِم الأفشينُ في هذا المجلس بأشياءَ تدُلُّ على أنَّه باقٍ على دينِ أجدادِه مِن الفُرسِ، وكان ذلك في أواخِرِ عام 225هـ، ثم بقي في السجنِ إلى أن مات فيه، ثم أُخرِجَ فصُلِبَ بجَنبِ بابك الخرمي ثمَّ أُنزِلَ وأُحرِقَ.
خروج المبرقع أبو حرب اليماني في فلسطين .
العام الهجري : 227 العام الميلادي : 841
تفاصيل الحدث:
خرج بفلسطينَ المُبرقَعُ أبو حربٍ اليمانيُّ الذي زعَمَ أنَّه السُّفياني، فدعا بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ أولًا، إلى أن قَوِيَت شَوكتُه، فادعى النبوَّةَ. وكان سببُ خُروجِه أن جنديًّا أراد النزولَ في داره، فمنَعَتْه زوجتُه، فضَرَبها الجنديُّ بسوطٍ فأثَّرَ في ذراعها، فلما جاء المُبرقَعُ شكَت إليه، فذهب إلى الجنديِّ فقَتَله وهَرَب، ولَبِسَ بُرقعًا لئلَّا يُعرَف، ونزل جبالَ الغَور مُبرقَعًا، وحَثَّ الناسَ على الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، فاستجاب له قومٌ مِن فلَّاحي القُرى، وقَوِيَ أمرُه، فسار لحَربِه رجاءُ الحضاريُّ- أحدُ قُوَّاد المعتَصِم- في ألفِ فارسٍ، وأتاه فوجَده في مائةِ ألفٍ، فعسكر بإزائِه ولم يجسِرْ على لقائِه. فلمَّا كان أوانُ الزِّراعةِ تفَرَّقَ أكثَرُ أصحابِه في فلاحتِهم وبَقِيَ في نحو الألفينِ، فواقعه عند ذلك رجاءُ الحضاريُّ المذكور، وأسَرَه وحبَسَه حتى مات خنقًا في آخِرِ هذه السَّنةِ.
فتنة القيسية بدمشق .
العام الهجري : 227 العام الميلادي : 841
تفاصيل الحدث:
لَمَّا مات المعتَصِم ثارت القيسيَّة بدمشقَ وعاثوا وأفسَدوا وحَصَروا أميرَهم، فبعث الواثِقُ إليهم رجاءَ بنَ أيوب الحضاري، وكانوا مُعسكِرينَ بمَرج راهط، فنزل رجاءٌ بدير مران، ودعاهم إلى الطاعةِ، فلم يَرجِعوا فواعَدَهم الحربَ بدَومة يومَ الاثنين. فلما كان يومُ الأحد، وقد تفَرَّقت، سار رجاءٌ إليهم، فوافاهم وقد سار بعضُهم إلى دومة، وبعضُهم في حوائجه، فقاتَلَهم وقتل منهم نحوَ ألف وخمسمائة، وقُتِلَ مِن أصحابِه نحوُ ثلاثمائة، وهرَبَ مُقَدَّمُهم ابنُ بيهس، وصَلَحَ أمرُ دمشق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق