حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الأحد، 20 نوفمبر 2022

تاريخ حديث وقديم

 

اليهود والارض  عبر التاريخ تأليف الدكتور  / محمد عبد الحميد همام دكتوراه في البلاغة والنقد جامعة الأزهر 

إهداء إلى  كل مـن يبحثـون عـن الحقيقــة

و إلى  عبير الشرق الأوسط وأريجه الذى خلب

قلوب الغرب، وإلى   أســــــرتى . محمد عبد الحميد همام

---

  يبدو للوهلة الأولى أن الغوص فى التاريخ الإنسانى يحتاج إلى ملاحين مهرة قادرين على سبر أغوار الفكر الإنسانى ومعرفة أبعاده المختلفة التى تنم عن أصحاب هذا الفكر حتى تتضح الصورة بكل أبعادها وخلفياتها المختلفة بالإضافة للإطار العام . فالتكوين الإنسانى يختلف تماماً عن كل أشكال الحياة وصورها بما فى ذلك التكوين الشخصى أو الفردى الذى يستمد تكوينه , وصورته النهائية من التكوين الأيديولوجى للمجتمع ولا تكاد تجد مجتمعاً أكثر تعقيداً وغرابة من المجتمع اليهودى الذى يمتلأ بكثير من المتناقضات والغرائب التى تثير كثيراً من التساؤلات فى نفوس الكثيرين وهم بالطبع يريدون مَن يرشدهم ويضع أيديهم على الحقائق التى يشوبها كثيرٌ من الأوهام أو الأكاذيب والتى قد ينخدع بها كثيرٌ مِمن يهتمون بتلك الأفكار والمعتقدات.

لقد خاض الكثيرون غمار تلك الدراسات وأدلو بدلوهم فى هذا المجال ونجحوا فى كشف كثيرٍ من الحقائق والملابسات بصورةٍ أو بأخرى كما كان لهم فضلُ الكشفِ عن كثيرٍ من الغموض الذى خيم على كثير من الأحداث المتعلقة بالفكر اليهودى قديماً أو حديثاً غير أن تلك الدراسات لم تكن كافية للإجابة على كل التساؤلات التى تثار حول الفكر اليهودى أو التاريخ اليهودى عبر العصور بالإضافة إلى عدم شمولية تلك الدراسات وافتقادها إلى الربط بين الأحداث المختلفة من أجل ذلك كان لابد من خوض تلك الدراسة التى أحاول بها سبر أغوار الفكر اليهودى المعقَّد إلى حدٍّ كبير والوصول إلى الحقائق التاريخية المؤكدة التى توضح بجلاء علاقة اليهود بالأرض عبر مراحل التاريخ اليهودى القديم فى تسلسل تاريخى غير منقطع إلى حد كبير وحتى يصل القارىء إلى بغيته بسهولة ويُسر ويضع يدَه على الحقائق التى يحاول الوصول إليها وتتضح أمامه الصورة  بكل أبعادها المختلفة مستلهماً فى ذلك قول الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا|

حتى لا يحيد القلم أو تميل القلوب فى غير حق مؤملاً أن يوفقنى الله إلى ما أصبوا إليه من الحق ويهدينى إلى طريق النور وإلى صراطه المستقيم إنه نعم المولى ونعم النصير والمعين

المؤلف

محمد عبد الحميد همام

الباحث بجامعة الأزهر

من ركن الريف فى غرة شهر رمضان المعظم  1422هـ


6

كانت علاقة اليهود بالأرض عبر التاريخ علاقة غريبة يشوبها التقلب والاضطراب فعلى الرغم من ظهورهم فى بداية الأمر على هيئة جماعات من البدو الرُّحَّل لا يعرفون الاستقرار فى مكان معين لتكوين حضارة خاصة بهم كغيرهم من الأمم فينتقلون من مكان إلى أخر حسب الأحوال والظروف إلا أن ذلك الوضع تغير بشكل جذرى حين دخلوا أرض فلسطين فقد حاربوا من يسكنون تلك البلاد قبلهم بمئات السنين كنعانيين وغيرهم ممن أقاموا لهم بها حضارة خاصة بهم حروباً مريرةً.

لقد حارب اليهود سكان تلك البلاد على زعم منهم أن الله قد وهبها لهم وذلك على الرغم من أن الأحداث التاريخية تؤكد أن أتباع نبى الله موسى عليه السلام حين أمرهم بدخول أرض فلسطين لنشر دين الله رفضوا ذلك بقوة خوفاً وجبناً فحين قال لهم موسى:

}يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ| ، فردوا عليه بقولهم: } قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ|.

ثم أكدوا له إصرارهم على عصيان أمره بقولهم: }قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ|.

فكيف وهبها الله لهم؟! لقد كتب عليهم أن يدخلوا تلك البلاد لنشر دين الله فرفضوا ذلك بكل قوة خوفاً وجبناً .

و على الرغم من كونهم أكثر أقوام الأنبياء عصياناً وقتلاً لأنبيائهم إلا أنهم كانوا أكثر أقوام الأنبياء تدليلاً فلم ينزل الله بهم عقاباً قاضياً كما فعل بغيرهم من الأقوام والأمم السابقة.. فقد أهلك قوم نوح بالطوفان عقاباً لهم على كفرهم وعنادهم.

و أهلك قوم هود } بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ|.

وأهلك قوم صالح بالصيحة حين خالفوا أمر نبيهم وعقروا الناقة وقد أمرهم ألاّ يمسوها بسوء فلما عقروها قال لهم }تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ| ثم بعد ثلاثة أيام }وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ|.

فتلك الأقوام لم تُعطَ فرصة للتوبة أو الرجوع عن معصيتهم إلا أن بنى إسرائيل كانوا أكثر تدليلاً حيث أعطيت لهم الكثير من فرص التوبة والعودة عن معاصيهم . فقد طالبوا موسى بالمياه ففجر الله لهم اثنا عشر عيناً من الماء الزلال لكل سبط منهم عيناً حتى لا يقع بينهم شقاق أو خلاف فيتنازعون على المياه فى تلك الفيافى وحين طالبوه بالطعام أنزل عليهم المنَّ والسلوى . تدليل وترفيه لم يُتَح لأحد من قبل وبعد ذلك التدليل الواضح لم يمنعهم ذلك من تجاوز حدودهم حيث طالبوا موسى أن يريهم الله جهرة ، وعلى الفور أخذتهم الصاعقة ولكن اعتذار موسى بالنيابة عنهم أعاد لهم حياتهم من جديد.

و حين أمرهم موسى بالدخول إلى الأرض المقدسة رفضوا ذلك بكل إصرارٍ وتعنتٍ فعاقبهم الله بالتيه فى صحراء سيناء أربعين سنة لا يعرفون لهم طريقاً أو مخرجاً ثم عفا عنهم بعد ذلك أيضا، وقتلوا كثيراً من أنبيائهم كزكريا ويحيى كما تآمروا على قتل عيسى بن مريم..

تاريخ أسود يندى له الجبين وعلى الرغم من ذلك كله لم يُنزل الله بهم عقاباً صارماً كما فعل بالأمم السابقة ولو عاقبهم على قدر معاصيهم وجرائمهم فى حق دينهم وأنبيائهم لما ترك على ظهر الأرض منهم أحداً.

و نلاحظ فى الوقت الحاضر كم أفسد اليهود المعاصرون فى الأرض وعاثوا فيها فساداً دون مراعاة لحق أو دين ودون تمسك بأسس وتعاليم أنبياء الجيل البائد من اليهود الذين حاولوا تقويمهم وأنى لهم ذلك.

حين نتأمل ذلك التاريخ فى الماضى والحاضر نراه تاريخاً مليئاً بالأحداث التى كان لها وقع شديد .. صراع دائم ونزاع مستمر ملئ بالشك والريبة وأحداث جسام تركت آثاراً لا تُمحَى عبر أجيال وأجيال..

 

! _

 

الهجرات الكبرى إلى بلاد الشام وما حولها



 


N

! +:   المهاجرون الأوائل وتأسيس مدن الشام

+  @:   بنو إسرائيل فى مصر

+ # :   هجرة بنى إسرائيل من مصر



! +

N

تمهيد

السلالات البشرية

السامية والساميون

الهجرات الأولى إلى الشام – إنشاء مدينة القدس (أورشليم)

ظهور إبراهيم الخليل

إطلاق اسم العبريين على أتباع إبراهيم

نشأة اللغة العبرية

دخول إبراهيم وقومه أرض فلسطين

إبراهيم فى مصر أثناء حكم الهكسوس

عودة إبراهيم وقومه إلى بلاد الشام

ذرية إبراهيم فى أرض الشام

الحرم الإبراهيمى الشريف

أصل كلمة إسرائيل

أولاد يعقوب عليه السلام الأسباط

أصل اسم اليهود

مؤامرة أبناء يعقوب

 



 

6

منذ بداية الخلق والإنسان يسعى وراء أسباب الحياة حيث تتوفر الموارد الطبيعية وثروات الطبيعة يعيش الإنسان وحين تقل الموارد وتتغير الظروف الطبيعية ويعم القحط أو يصاب الإنسان بسوء نتيجة لصراعات ما؛ فما عليه إلاّ الانتقال إلى مكان آخر أكثر رغداً وأهنأ معيشة.

تلك كانت حياة الإنسان من قبل السعى الدائم وراء حياة أفضل وعيشة أقل إرهاقاً.

وكانت بلاد الشام وما حولها منطقة جذب لكثير من الجماعات السامية التى نزلت بتلك المناطق لعلها تجد فيها ملاذاً آمناً وحياة أكثر رفاهية، ومن أجل صنع حضارة خاصة بهم , شعوب شتى وأجناس مختلفة توافدت على تلك البلاد.

K K K


السلالات البشرية

البشر هم البشر فى كل بقاع الأرض مهما اختلفت ألوانهم أو معتقداتهم.. الكل ينتمون إلى أصل واحد أجمعت عليه كل الأديان السماوية هو آدم عليه السلام الذى ينسب إليه كل البشر فهو الأصل الأول للبشرية كلها حيث انتشرت ذريته فى بقاع الأرض ليعمروها.

ونتيجة لاتساع رقعة الأرض ووعورة التضاريس فقد عاشت جماعات كثيرة من البشر فى عزلة تامة لا تختلط مع غيرها .. وبمرور الزمن وتعاقب الأجيال أصبح لكل مجموعة من هذه المجموعات سمات جسمانية أو عقائدية خاصة جعلتهم جنساً مختلفاً إلى حد ما عن غيرهم فقد ساعدت العزلة الجغرافية التى فرضتها الطبيعة على بعض المجموعات البشرية على ظهور السلالات البشرية كالسلالة القوقازية أو السلالة الزنجية أو المغولية وربما تختلط بعض تلك المجموعات الرئيسية الأولى والسلالة يمكن تعريفها بأنها مجموعة من الصفات الجسمانية المعينة يمكن من خلالها تمييز البشر عن بعضهم إلى حد ما وهى صفات بيولوجية لا يمكن تغييرها أو تبديلها على الإطلاق كلون البشرة أو الشعر أو فصيلة الدم وكل محاولات تغيير تلك الصفات الطبيعية محكوم عليها بالفشل مقدماً بخلاف الصفات المكتسبة كالدين والثقافة أو القومية التى يمكن بسهولة تغييرها طبقاً لرغبة الإنسان وميوله.

وعلم الأنثربولوجيا الطبيعية هو الذى يبحث فى نطاق تلك الصفات ويحددها ويعمل على دراستها.

وفى الحقيقة يمكن القول أنه لا يوجد فى الوقت الحاضر سلالات بشرية نقية لم تختلط مع غيرها من السلالات الأخرى فقد اختلط البشر اختلاطاً قوياً نتيجة لعاملين هامين هما العامل الاقتصادى والعامل الدينى, فانتقال الإنسان من مكان إلى آخر بحثاً عن أسباب حياته أو إيمانه بعقيدة ما يساعدان بقوة على اختلاط الجماعات البشرية عبر العصور .. فالدين ليس حكراً على أحد وكذلك الأرض بثرواتها الطبيعية.


ويمكن التأكيد أن أى ادعاء بانتماء مجموعة من البشر إلى أصل معين - كما يدعى اليهود الآن- هو ادعاء لا أساس له من الصحة بل هو محض افتراء لايستند إلى أى حقائق علمية أو تاريخية

السامية والساميون :

على الرغم من تنوع السلالات البشرية وتميز كل سلالة عن السلالات الأخرى بصفات جسمانية معينة غير مكتسبة كما أكد علماء الأنثربلوجيا فإن جميع الديانات السماوية تحدد أصل كل تلك السلالات فى شخص واحد هو آدم عليه السلام باعتباره أصلاً لكل البشر على الإطلاق ودون استثناء كما نص على ذلك القرآن الكريم فى أكثر من موضع ، ونصت عليه من قبل التوراة كما ورد فى سفر التكوين.

غير أن النهاية المأسـوية لمعظم البشر أثناء الطوفان العظيم فى عهد نوح عليه السلام - والذى قضى على معظم البشر باستثناء مجموعة بسيطة من أتباع نوح وتجدد السلالة البشرية من هؤلاء الناجين بزعامة نوح عليه السلام – جعل علماء الأجناس يشيرون إلى نوح عليه السلام على اعتباره الأب الثانى للبشرية وأبنائه حام ويافث وسام هم الأصول الثلاثة للبشر.

فسام بن نوح تنسب إليه الشعوب الآتية :

العرب والعبريون والفينيقيون والبابليون واليمنيون والأشوريون.

ويعد العالم الألمانى شلوتز Schlotz هو أول من أطلق على هذه الشعوب تلك التسمية استناداً إلى ما ورد فى سفر التكوين بخصوص أبناء نوح عليه السلام([1])

وحام ينسب إليه الشعوب الآتية : المصــريون والبـــربر.

أما يافث فيمكن نسبة الشعوب الأوربية إليه.

و يبدو لى أن ذلك التقسيم لا يمكن التسليم بدقته بصورة تامة نظراً لأمرين هما اختلاط هذه السلالات بصورة كبيرة عن طريق المصاهرة وغيرها بشكل لا يمكن تمييز أحدهما عن الآخر من أتباع نوح عليه السلام ممن حملهم معه أثناء تلك المحنة العظيمة.

بناء على هذا فليس من الدقيق نسبة البشر جميعاً بشكل قاطع إلى هؤلاء الأصول الثلاثة وإن كان من الممكن ذلك على سبيل التغليب فقط ليس إلاّ.

و على هذا الأساس يمكن نسبة العرب والعبريون وغيرهم إلى تلك الأصول والعرب والعبريون بذلك ينسبون إلى أصل واحد هو سام بن نوح عليه السلام ولا يصح وصف العبريين فقط بالساميين فهم جزء منهم وليسوا كل الساميين.

ونلاحظ فى العصر الحديث أن اليهود المعاصرين يزعمون أنهم هم الساميون فقط وهم فى الحقيقة جماعات من أعراق مختلفة بل قد يغالى بعضهم فيصف بعض العرب بمعاداة السامية وتلك مهاترات لا أصل لها فكيف يكون ذلك والعرب جزء من الجنس السامى أصلاً فى الوقت الذى يستحيل فيه وصف اليهود المعاصرين بالسامية. ويمكن توضيح ذلك الأمر بالرجوع بالبحث عن الجذور المختلفة لكل من الأعراق البشرية التى تنتشر الآن فى كل أنحاء العالم ويتضح لنا للوهلة الأولى أن نوح عليه السلام من الممكن جعله الأصل الذى تنسب إليه كل شعوب الأرض وذلك لأنه هو الذى بقى على وجه الأرض بعد أن عم الطوفان كل أجزاء العالم استجابة لدعوته }رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا|([2]) وحين استقر به المقام على جبل الجودى لم يعد فى الوجود على الأرض غيره هو ومن آمن به من ذريته وقومه فأما ذريته فهم حام وسام ويافث .

فأما حام فكان من سلالته الزنوج ويافث فكان من سلالته معظم سكان أوربا وأما سام فكان من سلالته اليهود والعرب.

فقد أنجب ثلاثة أبناء:

لاوز و إرم  وتُنسب إليهما العرب البائدة الذين بادوا فى غابر الزمان كعاد وثمود والعمالقة .

ارفحشذ الذى أنجب شالح وأنجب شالح عابر ثم أنجب عابر ولدين هما :

قحطان وتنسب إليه العرب العاربة يعرب وجرهم وتنسب إليها كثير من القبائل منها حمير وجرهم.

فالج الذى ينسب إليه أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام وقد أنجب إبراهيم ولدين هما:

إسحاق الذى أنجب يعقوب المعروف بإسرائيل ويُنسب إليه أسباط بنى إسرائيل كما يدعى النسب إليهم باقى اليهود وهو ادعاء لايمكن التسليم به كما سنرى

إسماعيل الذى تزوج من قبيلة جرهم القحطانية التى تتبع العرب العاربة أى المتأصلة فى العروبة .

ومن نسله خرجت قبائل العرب المستعربة أى الدخلاء فى العرب أى ليسوا بخلص([3]) لأن لغة إسماعيل كانت السريانية على أرجح الآراء، فلما تزوج من قبيلة جرهم العربية تَعلَّمَ منهم العربية وجاءت ذريته تتحدث العربية ولم يكن هو عربى ومن القبائل التى تنسب إليه قريش وكنانة وغيرهما ، وبهذا يتضح بلا شك أن العرب هم أيضاً ساميون.




 


و على مر العصور اختلطت كل السلالات نتيجة لعوامل مختلفة أولها العامل الدينى ثم العامل الاقتصادى مما جعل كل السلالات البشرية تنصهر فى بوتقة واحدة فلا يمكن بأى حال من الأحوال تمييز سلالة عن سلالة أخرى فقد تنتمى سلالة أو بعض أفرادها إلى عقيدة سلالة أخرى ويمزجون بهم وقد تهاجر جماعة إلى منطقة أخرى نتيجة للظروف الطبيعية والاقتصادية فيمتزجون مع غيرهم ذلك ما سنتعرف عليه فى السطور التالية فسيتضح لنا الفرق الشاسع بين اليهود القدماء والذين ينتمون فى مجملهم إلى يعقوب عليه السلام وهم من يطلق عليهم الأسباط الإثنا عشر وبين اليهود المعاصرين الذين ينتمون إلى أصول عرقية مختلفة كاليهود الخزريين الذين ينتمون إلى مملكة الخزر الوثنية التى تحولت إلى الديانة اليهودية وانتشر معظم قاطنيها فى أنحاء أوربا بعد القضاء على تلك المملكة فى القرن العاشر الميلادى وينتمى معظم اليهود الأوربيين إلى ذلك الأصل العرقى التترى .

وسوف نتعرف على كل تلك الحقائق من خلال تتبعنا لتلك الأحداث التاريخية فى ثنايا السطور التالية.


الهجرات الأولى إلى بلاد الشام

يبدوا أن منطقة بلاد الشام قديماً والأطراف الشمالية لجزيرة العرب كانت منطقة جذب لكثير من المهاجرين الذين انطلقوا على وجه الخصوص من قلب الجزيرة العربية فى أوائل الألف الثالث قبل ميلاد المسيح عليه السلام وذلك لما تمتاز به تلك المناطق فى ذلك الوقت من ثروات طبيعية جعلتها هدفاً لكثير من المهاجرين القدماء وخاصة من الجنس السامى الذين تركوا بلادهم بعد أن أصابها القحط والجدب نتيجة للتغيرات المناخية والبيئية الطبيعية السيئة بالإضافة إلى قلة الأمطار والتى ينتج عنها بطبيعة الحال قلة الموارد الطبيعية وضيق المعيشة مما دفع الساميين إلى ترك بلادهم والبحث عن مناطق أخرى أكثر ازدهاراً فاتجهوا صوب شمال الجزيرة العربية وبلاد الشام وبعض مناطق بلاد العراق واستقرت بذلك جماعات منهم فى شمال الجزيرة العربية وخاصة فيما عرف فيما بعد ببابل وآشور حيث أسسوا هناك حضارات مزدهرة كان لها دور بارز فى التاريخ الإنسانى .

وقد توجهت بعض الجماعات السامية الأخرى والتى تنتمى إلى القبائل الكنعانية إلى منطقة صحراء النقب ببلاد الشام ومن تلك الصحراء اتخذوا سبيلهم نحو الساحل حيث أنشأوا العديد من المدن والحصون من أشهرها مدينة [صيدا] ثم أنشأ سكان مدينة صيدا بأنفسهم مدينة أخرى هى مدينة صور فى حوالى عام 2750 قبل الميلاد وهما مدينتان تقعان الآن فى نطاق الجمهورية اللبنانية.

وكان لموقع الكنعانيين الجديد على الساحل أكبر الأثر فى تحويلهم على تجار وفلاحين مهرة تجوب سفنهم أعالى البحار وقد أطلق اليونانيون على قاطنى المناطق الساحلية منهم لقب الفينيقيين الذى اشتق من لفظ "الفوانكس" كما يقول ول ديورانت فى كتابه قصة الحضارة عن ذلك الاسم (أنه من المشاكل العسيرة الحل – يعنى ذلك الاسم – فقد يكون معنى لفظ الفوانكس الذى اشتق منه اليونان هذا الاسم هو الصبغة الحمراء التى كان يبيعها تجار صور وقد يكون معناه النخلة التى تزرع على الشواطىء الفينيقية ) ([4]) .




1- خريطة توضح المناطق التى انطلقت منها موجات الهجرة إلى بلاد الشام عبر العصور

وقد اتخذ هؤلاء الفينيقيون الذين ينحدرون من أصل كنعانى من تلك المدن حاضرة لبلادهم وكان تبعاً لذلك التقدم نحو المدينة القديمة أن يحاول الفينيقيون أن تكون لهم حياتهم الدينية الخاصة بهم فاتخذت كل مدينة من تلك المدن الفينيقية إلهاً خاصاً بها وكان إلههم الأكبر هو [مولوخ] الذى كان الفينيقيون يتقربون إليه بأطفالهم ويحرقونهم أحياء أمامه([5]) . ويبدوا لى أن ذلك التصرف نابع من اتجاه كل البشر إلى التعلق بإله معين على سبيل التدين وإن كان هذا التدين فى غير موقعه الصحيح إلا أنه تدين بشكل بدائى يُرجع وجود الحياة على الأرض إلى قوة فوق قوة البشر وهى قوة الآلهة التى تملك كل الوجود والتى لا يستطيع البشر أن يتصدى لها من أجل ذلك فيجب التضحية بأغلى الأشياء فى الحياة بما فيها الأبناء إرضاء لتلك الآلهة .

إنشاء مدينة القدس (أورشليم)

فى الواقع ليس صحيحاً ما تزعمه الصهيونية من أن اليهود قديماً هم مَن أسسوا مدينة أورشليم (القدس) فالثابت علمياً أن هذا الاسم مأخوذ من لغة الكنعانيين العرب وهو مركب من كلمتين كنعانيتين (يورى) ومعناها مدينة و(شليم) وهو اسم إله كان الكنعانيون يعبدونه ومعناه السلام ، وكانت فى الأصل قبل ذلك تحمل اسم (يبوس) نسبة إلى أحد بطون الكنعانيين حيث أقيمت حول بئر ثم حولت بعد ذلك إلى حصن نظراً لموقعها الحصين وكانت مركزاً لعبادة الكنعانيين أول من سكنوا تلك البلاد.

ومما يؤيد هذا ورود هذا الاسم فى منطقة تل العمارنة المصرية الفرعونية فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد بإسم [يوردشالم] ثم بعد ذلك فى النقوش الآشورية [أوردسليمو] ثم [شاليم] وبداية الاسم بالياء [يورشليم] فى العبرية هو مطابق للنطق الكنعانى ومأخوذ من الكنعانية . أما بدايته بالهمزة [أورشليم] مطابق للنطق الأشورى والسريانى والعربى وبناء على ذلك فليس له صلة بالعبرية , وتعترف التوراة بأنه ليس لليهود أية صلة تاريخية بأورشليم القديمة لا من حيث التسمية ولا من حيث القومية، وانظر إلى ما ورد فى سفر التوراة حيث خاطبها حزقيال بقوله [هكذا قال السيد الرب لأورشليم معدنك ومولدك من أرض الكنعانيين وأبوك وأمك حيثية] ([6]). وهذا اعتراف واضح ورد فى سفر التوراة يؤكد بكل وضوح عدم وجود أى صلة لليهود بالمدينة وهى مدينة أسست قبل وجود داود عليه السلام بأكثر من تسعمائة عام إلا أنه حين استولى عليها من الكنعانيين أعاد لها الاسم الأول الكنعانى [اورسالم] أى مدينة السلام ، واتخذها عاصمة لمملكته الصغيرة.

كما سماها الفراعنة أيضاً [يابينى وياباتى] بالإضافة إلى [يوردشالم].

وحين أعاد بنائها الإمبراطور الرومانى هدريان سنة 135 ميلادية بعد تدميرها أطلق عليها اسم [ايلياكبتولنيا] ثم اعاد لها الإمبراطور الرومانى قسطنطين اسمها الأول الكنعانى [أورشليم].

أما اسم [بيت المقدس] فهو الاسم الذى شاع بعد الفتح الإسلامى ومعناه بيت المطهر الذى يتطهر به من الذنوب ويسميها العرب الآن مدينة القدس أو المدينة المقدسة وبناء على ما تقدم فقد حملت تلك المدينة العديد من الأسماء.

[أورسالم – يردسليم – يرد شالايم – شلم – شيلم – سلم – يبوس- يابينى – ياباتى – صهيون – موريا – مدينة الله – مدينة داود – ايلياكبتولينا – مدينة الملك العظيم – ارئييل – بيت المقدس – المدينة المقدسة – مدينة السلام – القدس]. و أعتقد أنه لايوجد من بين المدن مدينة تحمل كل تلك الأسماء سوى تلك المدينة المقدسة التى تثير عواطف البشر على اختلاف عقائدهم وألوانهم وتهفو إليها قلوب المؤمنين, وتقع هذه المدينة فى وسط فلسطين حيث تبعد عن البحر المتوسط بـ 32 كيلو متراً غرباً وتبعد عن البحر الميت بـ 180 ميلاً شرقاً كما تبعد عن مدينة الخليل 19 ميلاً جنـوباً وتبعد عن مديـنة سبطـية أو السامرة بـ 30 ميلاً شمالاً ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر بـ 2500 قدماً وسوف نتابع معاً أحداث تلك المدينة عبر العصور من خلال تتبعنا للأحداث التالية .

 




2-  خريطة مدينة القدس القديمة

ومن الواضح كثرة الأماكن المقدسة بتلك المدينة ومدى قداستها عند كل الأديان وقد توسعت تلك المدينة بشكل كبير خارج الأسوار القديمة وتضاعفت مساحتها فى الوقت الحاضر.

ظهور اسم فلسطين

يرجع اسم فلسطين إلى الفترة الواقعة قبل عام 1200 قبل ميلاد المسيح عليه السلام حين نزل بمنطقة الساحل مجموعة من القبائل القادمة من الجزر الواقعة داخل بحر إيجه الواقع بين اليونان وتركيا حالياً فى جنوب شرق أوربا وكان يطلق على تلك القبائل اسم القبائل الفلسطينية وقد تركوا بلادهم الواقعة داخل بحر إيجه بعد ما حل بها من نكبات مروعة على أيدى الآريون الهمج الهابطين من الغابات والبرارى فى الشمال الأوربى وقد أكد ذلك روبرت جورج ولز فى كتابه موجز تاريخ العالم.

ومن المعروف أن طبيعة البشر اجتماعية وتلك القبائل الفلسطينية ليست بدعاً بين البشر فقد اختلطوا بالكنعانيين الذين نزلوا تلك البلاد قبلهم كما أشرت إلى ذلك من قبل أو نزلوا بالقرب منهم فنشأت بينهم علاقات تجارية واجتماعية وطيدة ونشأ عن تلك العلاقات التجارية أو الاجتماعية خليط من الروابط التى جعلتهم يمتزجون فى نسيج واحد يحمل الصفات المشتركة لهم فهم كنعانيون فلسطينيون يغلب عليهم الطابع الكنعانى العربى نظراً لكثرة الكنعانيين وغلبة الطابع الكنعانى على البلاد ومع مرور الوقت أطلق على المناطق التى عاش فيها هذا الخليط الاسم الإيجى لهم فلسطين وأطلق على سكانها الفلسطينيون وشاع هذا الاسم وأصبح علماً على تلك البلاد وسكانها منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

ظهور إبراهيم الخليل عليه السلام

يعد ظهور النبى إبراهيم الخليل عليه السلام حدثاً خاصاً ذا أثر بالغ فى أحداث تلك الفترة المتأخرة إلى حد كبير فمعظم الأنبياء الذين ظهروا بعده إن لم يكن كلهم ينتمون إليه ليس هذا فقط بل إن هجرته فى ذلك الوقت كانت سبباً مباشراً فى هجرة مجموعة كبيرة من العشائر البدوية التى آمنت به من أرض الكلدانيين بالعراق وخاصة من مدينة أور حيث اتجهوا صوب الشمال العراقى تحت قيادة إبراهيم عليه السلام خاصة بعد أن انتقد أباه تارح بن ناحور وقومه بسبب عبادتهم للأصنام كما قام بتحطيم آلهتهم الوثنية فى جراءة غريبة وعلى أثر تلك الحادثة قام قومه بالقذف به فى آتون نار مستعرة ثأراً لآلهتهم ولكن الله كتب له الحياة من جديد وتلك الحادثة مشهورة جداً فى معظم الأوساط الدينية وغير الدينية.

و تبعاً لتلك الأحداث المتوالية فر إبراهيم مع أتباعه من قومه وزوجته سارة وابن أخيه لوط بن هاران وبعض العشائر الكلدانية وغيرهم ممن آمنوا به إلى مدينة حران وهى إحدى المدن التى تقع الآن بالقرب من الحدود العراقية السورية حيث أقاموا هناك فترة طويلة.

إطلاق اسم العبريين على أتباع إبراهيم عليه السلام

على الرغم من إقامة إبراهيم عليه السلام وأتباعه فى مدينة حران فترة طويلة إلا أنهم لم يستقروا بها نهائياً فقد انتقلوا مرة أخرى جهة الغرب حيث بلاد [آمورو] وكان عليهم عبور نهر الفرات ليصلوا إلى تلك البلاد وكان هذا النهر يعد بالنسبة للساميين جميعاً نهراً عظيماً له مكانة خاصة لديهم وقد أطلق الكنعانيون على من عبروا ذلك النهر مع إبراهيم اسم [العبريون] وهو اسم مأخوذ من الفعل السامى الشائع فى العربية "عبر" بمعنى اجتاز ثم أصبح ذلك الاسم يطلق بعد ذلك على المنحدرين من ذرية إبراهيم عليه السلام ويقال أن ذلك الاسم مأخوذ من اسم الجد الأعلى لإبراهيم عابر ولذلك عرف بإبراهيم العبرى. والذى أرجحه هو الرأى الأول وهو أن هذا الاسم مأخوذ من الفعل "عبر" لأنه أطلق على إبراهيم عليه السلام وأتباعه عقب عبورهم للنهر العظيم نهر الفرات ولم يطلق على ذريته فقط ولو كان مأخوذ من اسم جده عابر لأطلق على ذريته فقط باعتباره الجد الأعلى لهم ولكنه أطلق على كل أتباع إبراهيم بلا استثناء.

ومن المعروف أن إبراهيم عليه السلام قد خرج من نسله العرب المستعربة حين تزوج ابنه اسماعيل بإحدى نساء جرهم وهم من العرب العاربة فجاء من نسله العرب المستعربة ومنها قريش وهذيل وغيرهما من القبائل المستعربة ، ثم خرج من نسل إبراهيم أيضاً بنو إسرائيل وهم ينسبون إلى ابنه الثانى إسحاق ثم يعقوب وقد عرفوا فيما بعد بالأسباط ، فمن الخطأ إذاً إطلاق اسم العبريين على اليهود فقط ولكنه يطلق على كل المنحدرين من ذرية إبراهيم عليه السلام وأتباعه وهو أصل للعرب المستعربة كما أوضحت كما هو أصل لجل الأنبياء الذين ظهروا من بعده فهو أبو الأنبياء جميعاً.

و قد انتهى هذا الاسم تماماً عقب وفاة إبراهيم عليه السلام واندثر فى خضم التاريخ الإنسانى ؛ غير أنه أعيد فى العصر الحديث بصورة غريبة على أيدى الجماعات اليهودية فى محاولة لاستئثارهم بنسب إبراهيم عليه السلام وإضفاء هالات التاريخ القديم على وجودهم وهم فى حقيقة الأمر جماعات من أصول عرقية مختلفة اتبعت تعاليم اليهودية ولا صلة لهم على الإطلاق بذلك الأصل العريق.

نشأة اللغة العبرية

حين عبر العبريون نهر الفرات إلى بلاد [أمورو] كانت تلك البلاد مأهولة بالسكان من آريين أو كنعانيين وهم ينتمون إلى الجنس السامى وقد تعايش العبريون مع هؤلاء وهؤلاء وتأثروا بهم وبثقافتهم المختلفة ، وعلى مر السنين نشأت لهم لغتهم الخاصة بهم وهى مزيج من لغات تلك الأمم التى مروا بها عبر أسفارهم وهى ما عرفت باللغة العبرية نسبة إليهم. ونظراً لعدم وجود مقر دائم لأصحاب تلك اللغة أو حضارة خاصة بهم فلا توجد نصوص مكتوبة لتلك اللغة باستثناء بعض أسفار العهد القديم والتى كتبت فى فترة لاحقة بأيدى أتباع اليهودية . غير أن تلك اللغة لم تنتشر فى بقعة كبيرة من الأرض ولم تتجاوز التجمعات العبرية فى تلك الفترة كما أنها اندثرت بمرور الوقت ولم تعد مستعملة إلا فى نطاق المراسم الدينية ومن العجيب أن العرب كان لهم فضل إحياء تلك اللغة من العدم بعد فتحهم للأندلس واستقرارهم بها فقد سمح المسلمون العرب لجماعات اليهود بإحياء تلك اللغة وإخراجها من غياهب المعابد الدينية تحت سماحة الإسلام واحترامه لحقوق الأقليات ثم عمل اليهود بعد ذلك على استخدامها فى نطاق واسع وإدخالها فى إطار المعاملات اليومية خاصة بعد إنشاءهم كياناً خاصاً بهم على الرغم من كونها غير خاصة بهم بل كانت لغة العبريين جميعاً، واللغة العبرية من فصائل اللغات السامية كالعربية والآرامية وعلى ذلك فهى تكتب كسائر اللغات السامية من اليمين إلى الشمال وعدد حروفها اثنان وعشرون حرفاً.

 

 

دخول أبى الأنبياء إبراهيم إلى أرض فلسطين

لقد استمر إبراهيم عليه السلام وأتباعه فى الانتقال من مكان إلى مكان عبر أراضى الأراميين حتى وصلوا إلى أراضى القبائل الفلسطينية والكنعانية ولكنهم لم يدخلوا فى نطاق المدن التابعة لتلك القبائل بل عاشوا على أطرافها غير مختلطين بأهلها الذين هم مزيج من الأموريين واليبوسيين الكنعانيين وغيرهم من سلالة كنعان بالإضافة إلى من نزحوا إلى تلك البلاد من قبرص وكريت وبحر إيجه من القبائل الفلسطينية الذين اختلطوا جميعاً فى مزيج واحد هو شعب فلسطين حيث نزل إبراهيم عليه السلام بين ظهرانيهم ليستقر فى تلك الأراضى بعد رحلة الفرار الطويلة من مناطق الكلدانيين والتى يقول فيها الذكر الحكيم }ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين|([7]) ليعود من جديد إلى الترحال والتنقل غير مستقر فى مكان.

زيارة إبراهيم الخليل لمصر أثناء حكم الهكسوس لها:

حين نزل إبراهيم عليه السلام أرض الشام كان يعيش مع قومه على هامش مدن الفلسطينيين الكنعانيين حيث كان جُل اعتمادهم على الرعى والترحال حيث تجود الأراضى الصالحة للرعى لكن ما لبث أن استقر فى أرض كنعان حتى ساء العيش بسبب جدب الأرض واقفرار روابيها فكان لابد لهم أن يبحثوا عن أرض يكثر الخير فيها ، وكان اتجاههم هذه المرة صوب الجنوب الغربى صوب أرض الخير والنماء مصر . مقر الحائرين ومغيثة المستغيثين عبر العصور والأزمان.

كانت مصر حين قدم إليها إبراهيم الخليل فى قبضة الهكسوس وهم من الرعاة العماليق الذين استولوا على الحكم فى مصر إبان تلك الفترة من عام 2098 ق.م وحتى 1587 ق.م وقد لقى إبراهيم من هؤلاء الحكام كثيراً من العناية والترحيب إلا أن فرعون مصر قد أعجبته سارة زوجة إبراهيم عليه السلام خاصة وأنه قد أخفى أمر زواجه منها مدعياً أنها أخته خشية أن يسىء الفرعون معاملتهم أو يقتله ثم يحظى بعد ذلك بزوجته سارة رغماً عنه فقد لاحظ إبراهيم عليه السلام إعجاب الفرعون بها إلا أن الفرعون لم يستطع أن يحظى بها فأعادها إلى زوجها بعد علمه بأمر زواجها كما أهداه جارية من المصريين هى [هاجرِ] ولم يجد إبراهيم بُدًّا خاصة بعد تلك الحادثة من العودة بأهله إلى أرض كنعان حرصاً على قومه وأهله.

عودة إبراهيم وقومه إلى بلاد الشام

لم تكن عودة إبراهيم الخليل عليه السلام إلى بلاد الشام كما كان خارجاً منها فقد عاد حاملاً معه ثروة هائلة فقد نمت ثروته بصورة كبيرة إبان الفترة التى قضاها فى مصر.

غير أن تلك الثروة كان ينقصها شىء مهم جداً فلم يكن قد رزق الولد بعد وقد بلغ عمره ما يقرب من مائة عام كما تقول الروايات ، فكان دائم الدعاء لله أملاً منه أن يرزقه الله بولد يكون عوناً له فى كبره وليبقى ذكره بعد موته فكان دائماً ما يقول }رب هب لى من الصالحين| ([8])

ذرية إبراهيم عليه السلام فى أرض الشام

لقد ظل إبراهيم عليه السلام يدعو ربه أن يرزقه الولد ويراوده الأمل ليلاً ونهاراً لعله يرزق فى يوم من الأيام بذلك الولد وأحست زوجته سارة برغبته لكنها لا تقدر على فعل شىء فهى لا تستطيع الإنجاب لكنها تعلم رغبة زوجها فى الولد فلم يكن هناك بد من أن تسهل له طريقاً للحصول على الولد فأهدت له جاريتها المصرية هاجر التى أعطاها لها فرعون مصر لعلها تكون سبباً فى أن يكون لإبراهيم زوجها ولداً وإن كان من غيرها وتعاقبت الأيام فظهرت على هاجر بالفعل أمارات الحمل وكم كانت فرحة إبراهيم غامرة حين علم بالأمر ولكن فرحته به لم تدم طويلاً فحين ولدت هاجر ابنه البكر إسماعيل ([9]) ونما حتى صار صبياً أمره الله أن يحمل الأم وابنها الرضيع إلى مكان غير ذى زرع فى الجنوب فى قلب الصحراء البعيدة وتركهم إلى إرادة الله يفعل الله بهم ما يشاء فكانت إرادته سبحانه وتعالى أن ينجو من موت محقق حين أخرج لهم من جوف الصحراء المحرقة ماءً عذباً يروى ظمأهم تلك هى بئر زمزم التى كانت سبباً فى إلتفاف قبيلة جرهم العربية حولهم لينمو بينهم إسماعيل ويتزوج منهم بعد ذلك ليكون من نسله العرب المستعربة فقبيلة جرهم عربية وهو غير عربى فنشأ جيل جديد من نسله عرب ليسوا من أصل عربى كامل وهم من أطلق عليهم فيما بعد العرب المستعربة.

و لم تكن نجاة إسماعيل من الموت مرة واحدة فقد نجاه الله من الموت مرة أخرى حين هَمَّ أبوه إبراهيم بذبحه بأمر من الله ليختبر مدى إيمانه فلما هَمَّ  بتنفيذ الأمر عُفِىَ منه ونجا إسماعيل من موت محقق مرة أخرى .

و مرت أربعة عشر عاماً على ميلاد إسماعيل عليه السلام وأنجبت سارة هى الأخرى ولداً ثانياً لإبراهيم فسماه إبراهيمُ (إسحاق) ثم توفيت سارة بعد أن بلغت من العمر مائة وسبع وعشرون سنة فدفنها زوجها فى مدينة (حبرون) المعروفة بمدينة الخليل الآن ثم توفى إبراهيم عليه السلام ودفن هو الآخر بجوارها فى إحدى مغارات مدينة حبرون ليترك ذريته التى تمناها تملأ الأرض طولاً وعرضاً وليكون من نسله جمهرة من الأنبياء والرسل فى أدنى الأرض وأقصاها.

فقد تزوج إسحاق بـ [رفقا] فأنجبت له توأمين هما [عيسو ويعقوب] وقد أطلقت على عيسو هذا الإسم لأنه ولد وقد ملأ الشعر جميع جسده وكان هو بكر أبيه لأنه ولد أول التوأمين أما يعقوب فقد سمى بهذا الإسم لأنه ولد وهو قابض على عقب أخيه عيسو فسمى يعقوب ومن الواضح أن معظم هذا النسل من الأنبياء .

الحرم الإبراهيمى الشريف

الحرم الإبراهيمى الشريف فى مدينة الخليل هو ثانى الأماكن المقدسة فى فلسطين ومن أجله تعد مدينة الخليل رابع أقدس المدن على وجه الأرض بالنسبة للمسلمين بعد مكة والمدينة و القدس الشريف. و يقال أن آدم عليه السلام غرس أول شجرة له فى ثرى تلك المدينة المقدسة وهى مدينة تضم فى باطنها رفات كوكبة كبيرة من الأنبياء سوف نتعرف عليهم لاحقاً بإذن الله من خلال الأحداث التالية.

عُرِفت هذه المدينة قديماً بمدينة [حبرون] وقد أسسها الكنعانيون العرب فى عصور متأخرة وحينما هاجر أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام من أرض الكلدانيين بالعراق عقب محاولتهم إحراقه حياً ليكون عبرة لمن آمن به من أتباعه وخروجه سالماً من تلك المحاولة . اتخذ من مدينة حبرون مقراً له و قرر جعلها مركزاً رئيسياً لإقامته طوال حياته وحتى بعد مماته ولهذا السبب اشترى إحدى المغارات الجبلية من أحد سكان المدينة ويدعى [عفرون] كما أشارت إلى ذلك أسفار العهد القديم لتكون مقبرة له و لجميع أفراد أسرته و بالفعل حين توفيت زوجته سارة قام بدفنها فى تلك المغارة ثم دفن عليه السلام بعد ذلك هو الآخر بجوارها ، و تتابع دفن أفراد ذلك النسل النبوى الشريف حيث دفن بها نبى الله إسحاق بن إبراهيم و زوجته [رفقا] وكذلك نبى الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم و زوجته [ليئة] كما نُقل من مصر إلى تلك المغارة رفات نبى الله يوسف بن يعقوب إبان هروب بنى إسرائيل من مصر – كما سيأتى إن شاء الله – و لذلك عُرفت تلك المغارة بمقبرة الأنبياء لما تضمه من رفات كوكبة من الأنبياء هم جميعاً من ذرية إبراهيم عليه السلام ، و لهذا فقد اشتُهِرت تلك المدينة بمدينة الخليل نسبة إلى خليل الله إبراهيم ، قال تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلاً) كما أطلق عليها الرحالة [مشهد إبراهيم] .

وقد أقام الأمويون فوق تلك الأضرحة مسجداً كبيراً تعلوه قبة ضخمة ، و قد ظل هذا المسجد قائماً شامخاً شاهدًا على عظمة الحضارة الأموية الإسلامية حتى دمره الصليبيون إبان هجمتهم الصليبية الشرسة على المنطقة ، ثم أعاد بناءه الظاهر بيبرس إبان العصر المملوكى ، و أدخل عليه الناصر محمد بن قلاوون بعض التعديلات كما أضاف إليه المنصور بن قلاوون قبة مسدسة الأضلاع أعلى ضريح إبراهيم عليه السلام وسارة ، كما أهدى إليه الخليفة الفاطمى المستنصر بالله منبراً ووضع فى صدر المحراب حتى صار من أفخم وأعظم المساجد التى بنُيت فى تلك الفترة و يبلغ طول المسجد (65متراً) و عرضه (35 متراً) تقريباً . و لا يزال قائماً حتى الآن.

ذلك هو الحرم الإبراهيمى الشريف الذى يقع فى قلب مدينة الخليل شاهداً على عروبتها و قدسيتها و الذى أصبح فيما بعد من أهم الأماكن و أقدسها على مر التاريخ عند المسلمين و غير المسلمين من أهل الكتاب، كما أصبح مسرحاً للكثير من الأحداث الدامية خاصة حينما وفد إلى تلك البلاد جماعات الإشكناز و السفرديم اليهود الذين حاولوا أن يسطروا لأنفسهم تاريخاً مفتعلاً لهذه الديار دون مراعاة لحقائق التاريخ.

لقد توالت العصور على تلك المدينة وقد ترك كل عصر شيئاً من آثاره وديعة فى هذا المكان شاهداً عليه و نبراساً لكل المتأملين و ليشهد ذلك الحرم على بنى الإنسان أن دين السماء واحد أساسه الحق و العدل و الرحمة و الإخاء بين بنى البشر وأن من الحق و العدل أن تكون الأرض لأصحابها و الدين للجميع.

فهل نجح البشر فى فهم تلك الرسالة أم ترجمتها كل فرقة كما تهوى و تصارع الجميع على التاريخ الكل يحاول الاستئثار به لنفسه و ينسى الجميع أن التاريخ هو خير شاهد على نفسه .

أصل كلمة [إسرائيل]

لقد ذكرت أنفاً أن عيسو بن إسحاق هو إبنه البكر حيث ولد أولاً قبل أخيه يعقوب وإن كانت ولادته قبله بلحظات فقط وقد كان إسحاق عليه السلام دائم العناية بإبنه البكر فهو يعده ليكون خليفة له من بعده بإعتباره أكبر أبنائه ولو كان أكبرهم بلحظات فقط فهو البكر لا محالة.

لكن اليهود -وتلك طبيعتهم- يحاولون دائماً أن يستأثروا بالفضل فينسبون إلى آبائهم الأقدمين ما يضفى عليهم العلو والرفعة فينسبون قصة تُظهر أن يعقوب بالرغم من أنه ولد بعد أخيه إلا أنه قد حصل على شرف البكورية لأبيه وأخذ بركة دعاء أبيه له وقد وردت تلك القصة فى العهد القديم وهى قصة تُعلل سبب تسمية يعقوب بعد ذلك بإسم إسرائيل وملخص تلك القصة فى الآتى:

طلب إسحاق عليه السلام من إبنه البكر عيسو أن يذهب ليحضر له صيداً فيطعمه منه لترضى عنه نفسه ويدعوا له ويباركه ليكون له شرف دعاء أبيه له بالبركة . وسمعت رفقة ذلك الحديث الذى دار بين إسحاق وابنه عيسو فبادرت عل الفور إلى ولدها الصغير وإن كان يصغر عن أخيه عيسو بلحظات فتلك طبيعة الأمهات وأغرته أن يُحضر جديين من المرعى ليطعم أباه ثم يرتدى فرو الجديين على جسمه حتى يتحسسه إسحاق بيديه- فقد ضعف بصره – فيظن أنه ابنه البكر عيسو لأن جسم عيسو ملىء بالشعر كما ذكرت فى سبب تسميته بذلك الاسم عيسو وفعل يعقوب ما طلبته منه أمه رفقه وبالفعل ظن إسحاق أنه عيسو فباركه ودعا له قائلاً [يعطيك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض ويكثر لك الحنطة والخمر وتخدمك الأمم وتسجد لك القبائل وتكون سيداً لإخوتك ولك بنو أمك يسجدون وليكن لاعنك ملعون ومباركك مبارك] ([10])

وعندما عاد عيسو من الصيد وجد أباه إسحاق قد بارك أخيه يعقوب فلم تعجبه بالطبع تلك الخدعة فعزم على الإنتقام من يعقوب فطارده لكن يعقوب استطاع الفرار إلى بيت خاله [لابان] وكان يسير ليلاً ويتوقف نهاراً خوفاً من أن يلحق به عيسو فأطلق عليه [اسرائيل] بمعنى سرى الله أو الذى يسير ليلاً تحت رعاية الله وعرف بعد ذلك باسم اسرائيل.

و تلك القصة فى مجملها تبدوا تعليلاً يشوبه الصدق فى مجمله وإن كان البعض ينكر أن تكون تلك القصة صحيحة غير أننى أرى أنها تبدو جيدة إلى حد كبير. ولكن قد يعتقد البعض أنها غير صحيحة إذ كيف تحدث تلك الخدعة على يد زوجة نبى هى رفقا زوجة إسحاق . ولكن إن عصيان زوجة النبى لا ينقص من قدره شيئاً وقصة نوح ولوط ليست عنا ببعيد قال تعالى }ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ | ([11]) فلِمَ لا تكون تلك القصة صحيحة إذ يبدو لى أنها جيدة ومنطقية إلى حد كبير وربما يكون ذلك غير صحيح ولكنها أقرب إلى الواقع من معظم الآراء وقد ذكر الله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم يعقوب عليه السلام بالإسمين كلاهما من ذلك قوله تعالى متحدثاً عن إبراهيم عليه اسلام وذريته }وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ| ([12]) فقد ورد ذكر يعقوب بإسمه فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كما ورد ذكره أيضاً بإسم [إسرائيل] كما فى قوله تعالى فى سورة مريم }أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ..|([13]) فإسرائيل وهو يعقوب من ذرية إبراهيم كما نعرف وبذلك فإن يعقوب يعرف بيعقوب ويعرف أيضاً بـ إسرائيل وإليه ينتسب بنو إسرائيل قديماً ويظن البعض حديثاً أنهم ينسبون إليه وإن كان ذلك غير دقيق فقد اختلطت أنسابهم قديماً وحديثاً بصورة كبيرة كما سنرى .

أولاد يعقوب عليه السلام الأسباط الإثنا عشر:

أقام يعقوب عليه اسلام عند خاله لابان بأرض [حران] حينما هرب من أخيه عيسو خوفاً منه وفى تلك الأثناء تزوج من إبنتى خاله الكبرى [ليئة] بنت لابان والصغرى [راحيل] بنت لابان أيضاً ثم عاد بعد ذلك إلى بلاده بعد أن علم أن أخيه عيسو قد توقف عن مطاردته له.

و انجب يعقوب من زوجته ليئة إبنه البكر [رأوبين] أى العظيم لله ثم [شمعون] أى المطيع لله ثم [لاوى] أى التام والذى جاء من نسله موسى عليه السلام ، ثم [يهوذا] أى الشاكر ثم [يساكر] أو يساخر أى حاضر الرجاء ثم [زبلون] أى النجاة من هول الليل وهم ستة أبناء من زوجته ليئة وبنتاً واحدة وهى [دنية] وتلك البنت لم يتعرض لذكرها القرآن الكريم فى قصة يوسف الشهيرة كما سنرى عند التعرض لهذا الموضوع، كما أنجب من جارية لليئة ولدين هما : [حاد] أى الحظ و[أشير] أى المجد.

و أنجب يعقوب أيضاً من زوجته الثانية راحيل ولدين هما : [يوسف] عليه السلام أى الزيادة و[بنيامين] أى إبن الألم وقد توفيت راحيل مباشرة عقب ولادة بنيامين وتم دفنها فى مدينو [بيت لحم] وهى تعنى بيت الخبز , كما أنجب يعقوب من جارية لراحيل ولدين أيضاً هما : [دانا] أى الحكم و[نفتالى] أى المتضرع ، وبذلك يكون مجموع أولاد يعقوب أو أولاد إسرائيل عليه السلام إثنا عشر ولداً وهم من أطلق عليهم الآسباط وإليهم ينتمى أو يدعى الانتماء بنو إسرائيل قال تعالى }قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط|

فقد أطلق عليهم الذكر الحكيم هذا اللقب [الأسباط] ومن جاء من ذريتهم. ولكن يظهر لنا اسم أخر أطلق على من يتبع تعاليم أنبيائهم وهو اسم اليهود وسنحاول التعرف على أصل هذه التسمية فى السطور التالية.

أصل اسم اليهود :

حين ننظر فى معاجم اللغة ومادة (هاد) نجدها تدور حول العودة والرجوع إلى الحق هَادَ – هوداً – هائد وجمعها هُودٌ وقد أشار إلى هذا الجمع القرآن الكريم فقال تعالى }وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ |

وورد "هَادَ " بمعنى رجع فى قوله تعالى }إنَّا هُدْنَا إليَكَ|([14])

فهاد إذاً بمعنى عاد إلى الحق وترك طريق الضلال وهو نفس المعنى الذى يصف اليهود أنفسهم به وتأمل تعبير الذكر الحكيم حين نقل على لسانهم قولهم }إنا هدنا إليك| واللغة العبرية هى واللغة العربية من أصل واحد كما سيتضح فى حينه حين نتحدث عن نشأة اللغة العبرية.

فاليهودية بمعنى العودة إلى الله والسير فى طريق الحق هذا هو الرأى الذى أرجحه وتؤكده الدراسة اللغوية للكلمة كما بينت سابقاً.

و يرى البعض أن إطلاق اسم اليهود على أتباع هذا الدين يرجع أصلاً إلى واحد من أبناء يعقوب عليه اسلام وهو (يهوذا) وهو اسم يعنى الشاكر كما أوضحت سابقاً ثم حُرِّفَ الاسم شيئاً قليلاً إلى يهود وربما كان هذا التغيير هو من إخوته أو بعض المحيطين به من أجل هذا أطلق على من جاء بعد جيل أبناء يعقوب والذين عرفوا بالأسباط اليهود ممن يتبعون تعاليم التوراة.

و سواء كان الرأى الأول هو الصحيح أم الثانى فإن الكلمة (هاد) بمعنى تاب ورجع إلى الحق واسم (يهوذا) بمعنى الشاكر قريبين إلى حد كبير.

و ليس معنى ذلك أن كل من يتبعون تعاليم التوراة هو من أصل واحد فهذا ما لا يمكن الوثوق به على الإطلاق فقد اتبع هذا الدين أناس من أعراق شتى عبر العصور من مصريين وأشهرهم سحرة فرعون وغيرهم من أعراق ودماء مختلفة عبر العصور والأزمان وعلى كل الأحوال فالجميع ينتمون إلى أب واحد هو آدم عليه السلام الذى اتفقت عليه كل الأديان لكن جرت العادة أن تنتسب بعض الأمم والشعوب إلى جد معين لتكون لهم خصوصية ، فالساميون ينتمون إلى سام بن نوح والحاميون ينسبون إلى حام بن نوح ومن جهة أخرى ينتمى العرب إلى إسماعيل بن إبراهيم، واليهود إلى إسحاق بن إبراهيم وقد يطلق بعض اليهود على العرب أبناء الجارية نسبة إلى إسماعيل بن إبراهيم فهو ابن هاجر جارية سارة وسارة هى أم إسحاق كما بينت ذلك سابقاً عند الحديث عن ذرية إبراهيم عليه السلام فى أرض الشام وعلى كل حال فهم جميعاً من أصل واحد هو إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء جميعاً ولا داعى لمثل تلك المهاترات فهم من أصل واحد هو إبراهيم ثم سام بن نوح عليهم جميعاً السلام وهل يغنى الأصل عن الفعل فالأصول قد تتشابه ولكن شتان بين أصحابها والتاريخ خير شاهد على ذلك.

مؤامرة أبناء يعقوب

إتضح لنا مما سبق أنه كان ليعقوب عليه السلام اثنا عشر ولداً هم [رأوبين، شمعون ، لاوى ، يهوذا ، يساكر ، زبلون ، حاد ، أشير ، يوسف ، بنيامين دانا نفتالى] ، وقد خص يعقوبُ عليه السلام يوسف من بين إخوته بالرعاية وقدر كبير من الحب وربما كان ذلك يرجع إلى وفاة أمه [راحيل] وهو ما يزال صغيراً مما جعل أبوه يوليه قدراً كبيراً من الرعاية مع أخيه بنيامين وبالطبع لم يخف ذلك التمييز فى المعاملة على إخوتهم فقد ظهر ذلك التمييز بوضوح حينما كان لا يسمح لهما على وجه الخصوص بالرعى مع بقية إخوتهم خشية أن يصيبهما ضرر ما أو يحيق بهما خطر من أخطار البادية والصحراء, وقد أثار ذلك التمييز فى المعاملة حقد إخوتهما وظهر ذلك الحقد جلياً حينما عملوا على التخلص منهما ليحظوا هم بعد ذلك بالتقدير من أبيهم ، ولِمَ لا فَهُم الأكبر سناً والأكثر نفعاً لأبيهم من وجه نظرهم بالطبع .

و لكن كيف يمكنهم ذلك وهما أبناء أب واحد كيف يخططون لإبعاد الشبهة عنهم خاصة وقد لاحظ أبوهم ذلك الحقد نحو يوسف وبنيامين.

جلس المتآمرون يتشاورون فى مكيدة للتخلص من هذين الصغيرين وأولهم يوسف فهو الأكثر تدليلاً ورعاية .

كانت مشاعرهم جامدة حين عُرض عليهم الاقتراح الأول للتخلص من يوسف بالقتل إلا أن أكبرهم أحس بهول الموقف فهو أكثرهم إحساساً بالمسؤلية فقد رفض رأوبين تلك الفكرة . لا شك أنه يريد التخلص من يوسف ولكن ليس بهذه الطريقة الوحشية فكيف يقتلون أخاهم بأيديهم لابد أن يبعدوه عن أبيهم بطريقة أخرى أقل خطورة على حياته فقال لهم }... لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ|([15]) ، فلِمَ لا يضعوه فى بئر من آبار الصحراء وهى آبار يرتفع فيها الماء من القاع مرتفعاً عن رمال القاع قدراً يسيراً بحيث لا تغطى المياه ما يسقط فيها كشأن آبار الصحراء جميعها وهى فكرة إلى حد كبير أقل خطورة من سابقتها فربما عثر عليه من يأتى بعدهم طلباً للماء من هذا البئر فينجوا معهم من الموت وهم بذلك يتخلصون منه فإن من سيأخذونه من البئر سوف ينقلونه إلى مكان بعيد حيث يسيرون . وراقت تلك الفكرة لهم .

و ذهب المتآمرون إلى أبيهم محاولين إقناعه بأن يدعه يخرج معهم فسوف يكون تحت رعايتهم لكن يعقوب رفض فى بادىء الأمر خوفاً عليه من ذئاب الجبل لكنهم استطاعوا فى نهاية الأمر إقناعه مدعين رعايتهم له فوافق على إرساله معهم فما كان منهم إلا أنهم نفذوا مؤامرتهم وألقوا به فى بئر فى قلب الصحراء بعد أن جردوه من ثيابه ولطخوا تلك الثياب بدم شاة ذبحوها لتكون دليلاً لهم يقدمونه إلى أبيهم ليتأكد من صدقهم حين يخبرونه بأمرهم، وفى وقت العشاء بعد غروب الشمس عادوا إلى أبيهم يبكون من بعيد ليظهروا له تأثرهم بما حدث وخرج إليهم يعقوب فزعاً قائلاً لهم مالكم؟ أين يوسف ؟ وكأنه كان يشعر بأنهم قد نفذوا أمراً خطيراً، وأخبروه كذباً أن ذئباً قد افترسه أثناء لهوهم بعيداً عنه وقدموا له قميصه الملطخ بالدم دليلاً على صدقهم ولكنه لاحظ أن القميص ملطخ بالدم لكنه غير ممزق فأى ذئب يأكله دون أن يمزق ثيابه ، وشكَّ على الفور فى قولهم ولكنه أعرض عنهم مردداً قوله تعالى }بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) ([16]) وظل يبكى عليه حتى ابيضت عيناه من كثرة البكاء عليه حسرة وألماً لفراق ذلك الطفل البريء الذي لم يكن له ذنب سوى أنه كان يتيم الأم وبذلك تنتهى تلك المرحلة لتبدأ مرحلة جديدة ليكون لبنى إسرائيل شأن أخر حيث تتغير الأحوال وتتبدل الظروف.

¹¹¹

 

 

 

 

 

 

 

@ +

N

تمهيد.

يوسف فى أرض مصر أثناء حكم الهكسوس لها.

تولى يوسف إحدى الوزارات المصرية أثناء حكم الهكسوس لمصر.

إنتقال بنى إسرائيل من بلاد الشام إلى مصر.

طرد الهكسوس من مصر.

موقف رمسيس الثانى من بنى إسرائيل.

تولى الملك منفتاح حكم مصر 1233 ق.م خلفاً لأبيه رمسيس الثانى.

ولادة موسى بن عمران وتزعمه لليهود.

هروب موسى من مصر.

نبوة موسى وبدا التاريخ اليهودى.

موسى يواجه الفرعون المصرى منفتاح.



6

 

كانت مؤامرة أبناء يعقوب عليه السلام ضد أخيهم يوسف إعلاناً عن بدء مرحلة جديدة من تاريخ بنى إسرائيل فقد أدت تلك المؤامرة إلى انتقال يوسف إلى مصر ثم تبعه إخوته بعد ذلك لتبدأ بذلك مرحلة جديدة حيث عاشوا فى مصر فترة طويلة مليئة بالأحداث .

يوسف فى أرض مصر أثناء حكم الهكسوس لها

عندما القى يوسف فى البئر ولم يكن قد تجاوز السابعة عشرة من عمره تركه إخوته وعادوا إلى أبيهم ليدَّعوا أنه قُتل ؛ وظل يوسف قابعاً فى البئر حيث أن المياه لم تغمره لأنها تنبع من وسط الرمال فى قاع البئر وظل كذلك حتى مرت قافلة من الناس بذلك البئر فتعلق يوسف بدلوهم فلما رأوه أزمعوا أن يبيعوه فأخفوه حتى لا يعلم بأمره أحد أو يتعرف عليه أهله فيأخذوه منهم وسارعوا بالتخلص منه فى أول بلد نزلوا به فى مصر حيث اشتراه منهم حاكم مصر وكانت مصر لاتزال فى قبضة الهكسوس فقد حكموا مصر من عام 2098 ق.م وحتى 1587 ق.م وكانت تلك الحادثة قد وقعت أثناء حكمهم ويقال إن من كان يحكم مصر فى تلك الفترة من الهكسوس جعل " أطفير "  وهو أحد أتباعه قائداً للشرطة ويُطلق عليه لقب "العزيز"([17]) ، وأن هذا الرجل هو من اشترى يوسف عليه السلام وسواء كان هذا أو ذاك المهم أن أحد كبار الدولة فى مصر أثناء تلك الفترة قد اشتراه وجعله إبناً له حيث لم يكن له أبناء.

و ظل يوسف فى بيت العزيز ذلك الحاكم لأرض مصر حتى شب وبدت عليه أمارات الشباب والفتوة حيث بلغ الثلاثين من عمره وبدت على زوجة العزيز علامات الإعجاب به فتغيرت نظرتها له فلم يعد ذلك الصبى الصغير الذى ربته فى بيتها بل هو شاب فتى قوى البنية شديد الجمال والإغراء .

و راودته عن نفسه وتذللت له وأعدت له كثير من وسائل الإغراء ولكنه تمنع ورفض إغوائها فاتهمته بأنه يحاول الاعتداء عليها وشكته إلى زوجها لكنه علم ببراءته فهو يعلم من هو يوسف فهو من رباه ، وانتشرت على الفور الشائعات فى المدينة ولم يعجب زوجة العزيز أن يتهمها الجميع بالغباء لأنها تحب عبدها وربيبها فجمعت نساء المدينة وعرضته أمامهن فبهرهن جماله وحاولن إجباره على الإذعان لأمرها لكنه رفض بإصرار وحذرته من دخول السجن بسبب رفضه لكنه أصر على رفضه فكان السجن مصيره ، وظل فيه فترة طويلة حتى تتغير الأحوال.

تولى يوسف إحدى الوزارات المصرية اثناء حكم الهكسوس لمصر:

حين دخل يوسف سجن مصر على يد امرأة العزيز بعد رفضه لإغوائها ظل فى السجن فترة طويلة تغيرت فيها أحوال مصر حيث تغير الحاكم وتعاقب على دخول السجن اشخاص وأشخاص، فكان من بين من دخلوا السجن مع يوسف خباز الملك وساقيه حيث اتُّهما بالخيانة ومحاولة قتل الملك ، وقد بدت لهما على يوسف أمارات النبوغ والفطنة حيث كان يتوقع لهم الأحداث قبل وقوعها وتوالت الأيام والليالى ورأى كل منهما رؤيا أفزعته فاتجها إليه لعله يخبرهما بما تعنيه.

فقال الخباز ليوسف لقد رأيت أنى أحمل على رأسى طبقاً فيه خبزاً ثم تاتى طيور السماء فتأكل منه.. وقال الساقى له لقد رأيت أنى أعصر عنباً ليكون بعد ذلك خمراً فاسقى الفرعون منه .

فقال يوسف للخباز إنهم سيتأكدون من خيانتك فيصلبونك وتظل مصلوباً حتى أن طيور السماء تأتى فتأكل من رأسك ، وقال للساقى سيتأكدون من براءتك ثم تعود إلى خدمة الملك من جديد كما كنت من قبل، وطلب يوسف من الساقى أنه إذا خرج يحكى للملك عنه حتى يخرجه فقد دخل السجن ظلماً وعدواناً، وبالفعل صُلب الخباز وخرج الساقى من السجن لكنه نسى ما طلبه يوسف منه فقد شغله قصر الملك وحاشيته عن طلب يوسف وظل الأمر كما هو عليه حتى رأى الملك رؤيا لم يعرف له تأويلاً وعجز العرَّافون والسحرة والكهنة عن تأويلها وهى: } وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ | ([18]) وتذكر ساقى الملك يوسف فقد كشف له عن مضمون رؤياه فى السجن وتحقق بالفعل ما ذكره له يوسف وعلى الفور أخبر الملك بذلك فأمر بإخراجه من السجن وإحضاره إلى مجلس الفرعون إذا أخبرهم بتأويل رؤياه.

وقالوا ليوسف [إن الملك قد رأى سبع بقرات سمان خرجت من نهر جاف وفى إثرهن سبع بقرات أخرى هزيلة فابتلعت البقرات الهزيلة البقرات الأخرى السمان كما رأى الملك سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها وسبع أخرى يابسات قد استحصدت فإلتوت اليابسات على الخضر فأكلتهن ، فماذا ترى؟]([19]) .

قال يوسف تأويل الرؤيا أنكم تزرعون سبع سنين بجد وعزيمة وما تحصدوه فاتركوه فى سنبله ثم يأتى بعد سنى الرخاء سبع سنين مجدبات حيث تأكلون فيها ما ادخرتم  فى السبع الأولى إلا قليلاً مما تدخرونه للزراعة ثم يأتى بعد ذلك عام ثامن فيه كثير من الرخاء والخير ذلك تأويل الرؤيا وهى واقعة لا محالة .

فلما سمع الملك ذلك التأويل أمر بإخراج يوسف من السجن لكنه رفض الخروج حتى تثبت براءته وتم التحقيق فى الأمر من جديد وأحضرت زوجة الحاكم السابق فأكدت أن يوسف برىء من التهم التى أدخلته السجن وخرج يوسف من  السجن بعد أن ثبتت براءته كما يريد وليس معفواً عنه.

و طلب يوسف من الملك أن يجعله متحكماً فى كل موارد البلاد فقد فسر رؤيا الملك وتوقع أن تكون هناك سبع سنوات فيها رخاء ثم يعقبها سبع أخرى تشتد فيها المجاعة فهو أحق رجل بذلك المنصب ويستطيع تنظيم أمور البلاد حتى تمر من تلك المجاعة المتوقعة وعينه الملك فى ذلك المنصب وهو يشبه منصب وزير التموين والتجارة الخارجية الآن ، وتولى يوسف الأمر ومرت سنوات سبع عاشت فيها البلاد فى رخاء كبير وتم تخزين الفائض من الغلال والثمار حتى أتت سنوات مجدبات وعمت المجاعات البلاد المجاورة لمصر ولكن كانت مصر تنعم بالرخاء بفضل فطنة يوسف وعبقريته.

إنتقال بنى إسرائيل من بلاد الشام إلى مصر:

لقد عاشت كثير من البلاد المجاورة لمصر فترة عصيبة بسبب الجفاف الذى أصابها وانتشرت المجاعات فى كل الأنحاء غير أن مصر كانت بمنأى عن تلك المجاعات بفضل سياسة يوسف فى تخزين الفائض من المنتجات فى اوقات الرخاء وتوافدت القوافل على مصر تطلب القمح والشعير حيث تمتلىء خزائن مصر بها وكانت بلاد الشام من ضمن البلاد التى اصابها القحط وأمر يعقوب عليه السلام أولاده بالذهاب إلى مصر ليحضروا منها الطعام والغلال فكانوا من ضمن الوافدين على مصر.

و لما كان يوسف هو القائم على خزائن البلاد وهو الذى يوزع ما فيها كيفما يشاء فعندما وصل إخوته إلى مصر استطاع التعرف عليهم لكنهم لم يتعرفوا عليه نظراً لتغير ملامحه بمرور السنوات ولكن يوسف لم يجد بينهم أخوه الشقيق [بنيامين] فقال لهم : لِمَ أتيتم بلادى هل أنتم جواسيس ؟ فأكدوا له أنهم لم يأتوا إلا لطلب الغلال فأخذ فى التحقيق معهم فسألهم : هل لكم إخوة آخرين؟ فقالوا : لنا إثنان آخران هلك أحدهما والآخر مع أبيه ولكنه بين لهم أنه لا يصدق قولهم ولن يعطيهم شيئاً حتى يثبتوا له صدقهم بأن يحضروا له أخاهم الذى ذكروا له أنه مع أبيه وهو يريد بذلك أن يحضروه معهم حتى يراه ويحتفظ به معه إن أمكن ذلك . وبالفعل عادوا إلى بلادهم وقصوا على أبيهم ما حدث وأخبروه أن القائم على الخزائن فى مصر قد شك فى أمرهم وأنه لن يعطيهم شيئاً من الغلال إن عادوا إليه مرة أخرى - وهم عائدون  لا محالة - حتى يرى أخاهم الذى زعموا له أنه مع أبيهم.

لكن يعقوب لم يعطهم بنيامين بسهولة، وفى نهاية الأمر وافق على ذهابه معهم شريطة أن يقسموا له بأنهم غير كاذبين فى قولهم وأنهم لا يريدون التخلص منه هو الآخر كما فعلوا مع أخيه يوسف من قبل وبالفعل أكدوا له صدقهم وأقسموا على ذلك فتركهم يذهبون به فى نهاية الأمر على كره منه.

و حينما عادوا إلى مصر استُقبِلوا إستقبالاً حسناً وأعطاهم يوسف كل ما يريدون من غلال وطعام ثم أمر أعوانه بوضع الموازين فى رحل بنيامين أخيه الشقيق حتى يستبقيه معه دون أن يلفت أنظار إخوته أو يتشككوا فى الأمر، ونادى منادٍ فى الأسواق أن الموازين قد سُرقت وفتشت الشرطة كل ما عثرت عليه من أحمال حتى عثروا عليه فى رحل بنيامين وتم القبض عليه وفشلت محاولات إخوته فى تخليصه من تلك التهمة ولم يجدوا بداً من العودة إلى أبيهم فربما يصدقهم هذه المرة وهم يعلمون أن ذلك الأمر ليس هيناً عليه فقد فَقَدَ بنيامين هو الآخر كما فَقَدَ يوسف وبالفعل لم يصدقهم يعقوب وطلب منهم أن يعودوا إلى مصر ليبحثوا عن يوسف وأخيه هو الآخر.

وعادوا إلى مصر يتذللون إلى يوسف ويطلبون منه الرحمة فأدركته الرأفة ورَقَّ لهم وأخبرهم بأنه أخوهم ، فقد نجا من محاولتهم قتله كما تولى أرفع المناصب فى مصر وطلب منهم بعد ذلك أن يحضروا أباهم وأهلهم جميعاً إلى مصر وسارعوا فى تنفيذ طلبه حيث حضروا جميعاً إلى مصر وقد بلغ عددهم نحو سبعين فرداً واستقبلهم يوسف وكبار رجال الدولة فى مصر استقبالاً جيداً وحياهم خير تحية فسجدوا له تحية له وهى تحية متعارف عليها فيما بينهم وقربهم الملك إليه فهم أهل أحد كبار دولته والمقرب إليه يوسف وأعطاهم أرض جاسان بالقرب من النيل وهى تقع فى نطاق محافظة الشرقية الآن ليعيشوا فيها وظلوا فى مصر حتى توفى يعقوب فيها وقام المصريون بتحنيط جثمانه ثم نقلوه إلى مدينة الخليل [حبرونِ] حيث دفن بجوار جده إبراهيم الخليل كما أوصى بذلك .

كما توفى يوسف بعد ذلك وقد بلغ من العمر مائة وعشرة أعوام ووضع فى تابوت خشبى ثم دفن فى أرض مصر مؤقتاً وتعاقبت الأجيال والحكام وتغيروا حاكماً وراء الآخر ودولة وراء الأخرى.

طرد الهكسوس من مصر وتغير وضع بنى إسرائيل

الأيام لا تدوم على حال ولابد من التغير وتلك طبيعة الحياة فقد ظل بنو يعقوب فى مصر يتوالدون ويتكاثرون وفنيت أجيال وعاشت أخرى وهم يعيشون فى رغدٍ من العيش وكان الهكسوس هم حكام مصر وهم من المحتلين الغرباء لمصر وقد استطاع المصريون إخراجهم من البلاد بزعامة [أحمس] الذى طردهم من مصر وأعاد إليها الحكم الوطنى حيث أسس الأسرة الفرعونية  الثامنة عشرة ولم يكن لبنى إسرائيل أية أهمية على الرغم أنهم يعدون من رعايا الهكسوس فلم يتعرض لهم أحمس بسوء فهم لا يمثلون خطراً على أمن البلاد .

موقف رمسيس الثانى من بنى إسرائيل :

توالت الأجيال وتعاقبت بالنسبة لبنى إسرائيل حيث كثر عددهم وظلوا يعيشون فى مصر فترة طويلة جداً حتى جاءت الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية إلى الحكم وتولى حكم البلاد رمسيس الثانى حوالى 1301 قبل الميلاد حتى 1234 قبل الميلاد فبدأوا يظهرون على الساحة السياسية فى البلاد حيث أصبحوا يثيرون العديد من القلاقل فلم تعد لهم قيادة دينية معتدلة وأصبحوا شوكة فى جانب الدولة وأحس رمسيس بالريبة نحوهم حيث كانوا يعيشون بصورة انعزالية فهم لا يدينون لأى مكان بالولاء فالبلاد ليست بلادهم فهم بلا وطن أصلاً كما أنهم يثيرون القلاقل والنزاعات بين سكان البلاد .

فقام رمسيس الثانى بسحب الامتيازات التى منحت لهم عقب وصول أجدادهم إلى مصر كما بدأ فى الاستفادة منهم بتسخيرهم فى أعمال الزراعة والبناء كغيرهم من أبناء البلاد الأصليين فهم ليسوا افضل منهم كما قام بالقبض على الثائرين منهم والمتذمرين من هذا النظام واستمر فى تأديبهم ومحاولة السيطرة عليهم حتى توفى 1234 ق.م .

تولى الملك   منفتاح حكم مصر 1233 قبل الميلاد خلفاً لأبيه رمسيس الثانى:

عندما توفى رمسيس الثانى فى عام 1234 ق.م خلفه على حكم مصر ابنه منفتاح الذى كانت له نظرة خاصة  تجاه اليهود فهو يعتبرهم أشد الأخطار التى تواجه حكمه فهم يزدادون بسرعة شديدة مما يجعلهم خطراً كبيراً على أمن البلاد فهم ليسوا من رعايا البلاد وقرر محاولة تقليل عددهم والتحكم فى تزايدهم السريع فقرر قتل جميع الأطفال الذكور منهم إلا أنه وجد أن ذلك سوف يؤثر على عمليات البناء وغيرها من الأعمال المكلفين بها فقرر قتل بعض الأطفال فى عام وتركهم فى عام آخر ليقوم من يبقى منهم على قيد الحياة بأعمال البناء وغير ذلك من الأعمال التى يكلفون بها من قِبل الدولة وبالفعل بدا فى تنفيذ تلك الفكرة واستمر على ذلك الوضع فترة طويلة فى محاولة منه للسيطرة على أعدادهم المتزايدة بسرعة .

ولادة موسى بن عمران وتزعمه لليهود:

لم يكن ذلك الاضطهاد لليهود يعنى توقفهم عن ممارسة حياتهم العادية فهم يتزاوجون عل الرغم من علمهم بما قد يؤول إليه مصير من ينجبوه.

فقد ذكرت أسفار العهد القديم أن رجلا ًيُدعى [عمران بن يصهر] والذى ينتهى نسبه إلى [لاوى] وهو أحد أولاد يعقوب عليه السلام قد تزوج بامرأة تُدعى [يحيب] وأنجبت له ولدين أحدهما ولد فى العام الذى لا يقتل فيه الفرعون ذكور بنى إسرائيل وهو هارون ثم ولد الآخر وهو موسى فى العام التالى حيث يقتل فرعون مصر من يولدون فيه فأخفت أمره حتى ينجو من الموت على أيدى المصريين، وقد ذكر القرآن الكريم تلك الحادثة المشهورة فى مواضع كثيرة .

وكانت أم موسى تلك ترضعه ثم تخفيه عن أعين الناس حتى لايعرف أحد بوجوده ولكنها أحست أنهم سيعثرون عليه ولأنها سيدة من أصل طيب تتمسك بتعاليم أجدادها هى وزوجها وليست كبقية نساء بنى إسرائيل الذين يعيشون حياة الطمع والتربص بالمصريين أصحاب البلاد من أجل ذلك كله كتب الله لولدها البقاء وجعل له مكانة خاصة بين أبناء جلدته.

و ألهم الله أم موسى فكرة تبعده بها عن أيدى المصريين حتى لايقتلوه فأعدت تابوتاً خشبياً ووضعت فيه الصبى بعد أن أرضعته ثم ألقت به فى النيل لعله يقع فى أيد أمينة ولا يعرف أحد أصله ولكن "لا ينجى حذر من قدر" فقد حمله النيل حتى وصل إلى جوار قصر الفرعون نفسه وأبصرته جوارى القصر فحملنه إلى زوجة الفرعون وتدعى آسية بنت مزاحم – على أرجح الأقوال – ولما أبصرته وقع حبه فى قلبها ولكن الفرعون أراد قتله فقد شك فى أنه من بنى إسرائيل لكنها توددت إليه وطلبت منه أن يُبقى على حياته فهو طفل صغير وربما يكون عوناً لهما فلم يرزقا بأولاد وقبل الملك تلك الفكرة .

وكانت أخت موسى الكبرى تراقب الطفل من بعيد كما أمرتها أمها فلما رأته وقع فى أيدى المصريين أيقنت أنه هالك لا محالة لكنها رأتهم يحاولون إرضاعه فعلمت أنهم يترأفون به وهنا أحست بالاطمئنان عليه ولما رأت أنه لا يقبل الرضاعة من مرضعات القصر تقدمت نحوهم وعرضت عليهم أن تأتيهم بمن ترضعه وهى تخفى عنهم أنها أخته فوافقوا فربما يقبل الرضاعة من تلك المرضعة فلما حضرت أمّه تناول موسى ثديها ففرحت زوجة الفرعون وطلبت منها أن تتردد عليهم من حين لآخر حتى ترضعه، وبذلك عاد موسى إلى أمه دون أن يعلم أحد من أمرهما شيئاً.

هروب موسى من مصر :

لقى موسى فى قصر الفرعون المصرى منفتاح كثيراً من العناية والرعاية حتى شب وترعرع وأصبح يسير فى شوارع المدينة له شأن عظيم فهو ربيب بيت فرعون ، ولم يستمر ذلك الحال طويلاً .

ففى أحد الأيام حينما كان موسى يسير فى شوارع المدينة شاهد رجلين يتصارعان احدهما مصرى والآخر من قومه من بنى إسرائيل فاستغاث العبرى بموسى فضرب موسى المصرى ضربة خفيفة فقتلته فقد كان قوياً إلى درجة كبيرة وفزع موسى من تلك الحادثة فقام على الفور بدفن ذلك القتيل حتى لايعلم أحد بالأمر ورغم إخفائه  لجثة الرجل إلا أنه كان يسير متوجساً خوفاً من أن يكون أحد قد رآه فيشيع الخبر بين الناس، لكن تكررت تلك الحادثة مرة أخرى حيث شاهد ذلك العبرى مرة أخرى يتصارع مع مصرى أخر واستغاث العبرى بموسى فلما اقترب منه موسى فزع الرجل وقال لموسى من الذى أقامك حكماً علينا أتريد أن تقتلنى كما قتلت المصرى بالأمس. وهنا علم موسى أن أمره قد اصبح حديث الناس فلابد وأن الجميع قد علم بأنه قد قتل رجلاً من آل فرعون ولابد إذاً أن هناك أمراً يدبر له فإن تلك الحادثة لن تمر بسلام وأصبح يسير فى المدينة خائفاً من القبض عليه فى أى لحظة .

وكان الأمر كما ظن فقد شكاه إلى الفرعون مجموعة من المصريين قائلين له أتترك ذلك العبرى يقتل فينا كما يشاء فعزم الفرعون على التخلص منه وقتله وبعث إليه الجنود ليحضروه ولكن أحد العبريين من قوم موسى علم بالأمر فأسرع إلى موسى وحذره كما نصحه بترك البلاد خوفاً على حياته. وامتثل موسى لتلك النصيحة وفر هارباً من البلاد على غير هدى دون زاد أو دليل يتناول أوراق الشجر ليسد بها جوعه واستمر هائماً على وجهه حتى وصل إلى أرض يسكنها بنو مدين وهم أمة عظيمة من بنى إبراهيم عليه السلام واستراح بجوار أحد آبارهم حيث شاهد مجموعة من الرعاة يسقون غنمهم ثم يضعون على البئر صخرة كبيرة حتى تظل مياهه نقية ثم رأى امرأتين تنتظران بعيداً حتى ينتهى الرعاة إلى البئر فيسقون غنمهم ثم يسقون هم بعدهم ولكنه أسرع إليهم وساعدهم على رفع الصخرة ثم سقى لهم ورجع مرة أخرى إلى حيث كان يجلس تحت أشجار السمر.

و لما عادت الفتاتان إلى بيتهما سريعاً على خلاف عادتهما تعجب أبوهما ([20]) من ذلك فقصتا عليه ما حدث وعلى الفور استدعى موسى إلى بيته فلما حضر إليه موسى سأله عن أخباره فقص عليه قصته مع أهل مصر فطمأنه قائلاً له : لا تخف لقد خرجت من مملكته فلا حكم لهم فى بلادنا ، كما عرض عليه أن يزوجه إحدى إبنتيه بشرط أن يعمل عنده ثمانى سنوات وإن أتم عشراً فهذا فضل منه. وبالفعل تزوج موسى من [صفورة] بعد أن عمل عشر سنوات من الخدمة عند أبيها .

نبوة موسى وبدء التاريخ اليهودى:

إن نبوة موسى عليه السلام تعد بحق هى بداية التاريخ الحقيقى لليهود وأعتقد اعتقاداً جازماً أن معظم اليهود ليسوا من أصل الأسباط الاثنا عشر إخوة يوسف فقد آمن بموسى بعض المصريين وأولهم السحرة المصريون، كما آمن به كثير من الكنعانيين والفلسطينيين الذين كانوا يسكنون أرض فلسطين حين دخل إليها أتباع موسى عليه السلام فإن الدين السماوى ليس حكراً على جنس دون الآخر فلا يختص به أقواماً دون الآخرين كما يدعى اليهود .

و من هنا فإن زعم اليهود الآن أنهم ينتمون إلى الأسباط ثم إلى يعقوب فهو اباهم زعم باطل بكل المقاييس فإن موسى حين نزلت عليه التعاليم السماوية لم يختص به العبريون دون غيرهم فهو يدعوا إلى إله واحد خالق الكون وخالق كل البشر فهو إله الجميع وليس إله الأسباط وذريتهم وحدهم وبناء على ذلك فقد آمن به كثير من الناس الذين لا ينتمون إلى ذلك الأصل العبرى وبطبيعة الحال توالد منهم جيل من اليهود الذى اختلط بدوره مع الأسباط أعنى أبنائهم .

و بناء على ذلك فنحن الآن سوف نتكلم على أناس ينتمون إلى أعراق مختلفة ولكنهم يتبعون ديناً واحداً هو اليهودية فقد أطلق على من يتبعون تلك التعاليم "اليهود" بمعنى الراجعون إلى الله }إنا هدنا إليك| كما ذكرت سابقاً أو انتساباً إلى أحد أولاد يعقوب وهو يهوذا كما قيل فى أحد الآراء وليس معنى ذلك أنهم من نسله أو من نسل بقية الآسباط بل إن كل من ينتمى إلى ذلك الدين أطلق عليه ذلك الاسم (يهودى) اتباعاً لأحد المعنيين السابقين وأعتقد أن نبوة موسى هى التاريخ الأول لليهودية نظراً لأن الأحداث أخذت شكلاً مختلفاً وأصبحت تسير بصورة متعاقبة وأصبح لليهود تعاليمهم الخاصة المميزة لهم .

نعود الآن إلى موسى حيث تزوج صفورة بعد أن خدم والدها عشر سنين ولما اشتاق إلى أهله فى مصر عزم على زيارتهم فى خفية حتى لا يشعر به فرعون مصر. وسار موسى بأهله فى ليلة ممطرة شديدة البرد متجهاً إلى مصر لكنه ضل الطريق وظل سائراً على غير هدى حتى رأى ناراً مشتعلة على جبل [حوريب] وهو المعروف الآن بـ[طور سيناء] وأمر أهله بالوقوف حتى يذهب إلى تلك النار فربما يحضر منها قبساً يستدفئون به أو ربما يستدلون بها عن الطريق وعندما وصل موسى رأى شيئاً عجيباً فالنار مستعرة دون أن تحرق العشب فتوجه خيفة لكنه سمع نداءاً خفياً جهة الوادى عن يمينه نحو الغرب }... يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ| ([21])}إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَااخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي | ([22]) إنه نداء السماء إلى موسى مهمة ألقيت على عاتقه هى الدعوة إلى الله ، هنا علم موسى أنه بذلك الأمر والتكليف قد أصبح يحمل عبئاً كبيراً فإن له رسالة ولكن أين ستكون دعوته فكان الرد }اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى| ([23]) إلى فرعون مصر . لقد هرب من مصر خوفاً منه أيعود إليه بتلك الدعوة إنه خائف ويحتاج إلى من يقف إلى جواره فطلب من ربه ذلك الرفيق هارون ليشجعه ويسانده فكان له ما طلب كما أمده سبحانه وتعالى بالبراهين والأدلة على نبوته أول تلك البراهين عصاه التى تتحول إلى حية مخيفة حين يضعها على الأرض ويده التى تتحول إلى اللون الأبيض كأنها قطعة ثلج شديدة البياض وذلك حين يضعها فى جيبه تلك الأدلة القوية تكون دليلاً دامغاً على نبوته وما عليه الآن إلا دخول مصر ليقوم بمهمته }اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى| ([24]).

مواجهة موسى للفرعون المصرى منفتاح

أعطى الله موسى حججاً وبراهين على نبوته لعل الفرعون المصرى يستجيب لدعوته ويؤمن به . وعلى الرغم من وجود الأدلة على نبوة موسى إلا أنه كان متوجساً خيفة ، لقد هرب من مصر حين قتل المصرى ولم يخرج منها خروجاً طبيعياً بل لقد فعل ذنباً يستحق عليه أشد العقوبة أفيعود إلى فرعون متحدياً له بدلاً من أن يعود إليه معتذراً ، لا شك أن ذلك مما يصعب عمله والاطمئنان إلى عواقبه التى لا شك ستكون وخيمة .

من أجل ذلك طلب موسى من ربه أن يجعل معه هارون أخاه ليكون سنداً ومعيناً له على ذلك الأمر الشديد الموصل إلى المهالك إن هو لم يحسن التصرف فى حضرة ذلك الفرعون الذى جعل الناس يعبدونه من دون الله وبالفعل استجاب الله لدعائه وطلبه وأعانه بأخيه هارون .

دخل موسى مصر فى جنح الليل وتحت غطاء الظلام حتى لا يعرف بوجوده احد من المصريين فيحدث ما لا يحمد عقباه قبل أن يرتب موسى شأنه وتوجه إلى بيت أمه التى أرضعته وأخيه هارون فقد علم من قبل بأنها أمه الحقيقية وليست زوجة فرعون وأنه عثر عليه فى فترة كان قومه يتحايلون للحفاظ على أبنائهم من بطش فرعون وأعوانه وأخبر موسى هارون بتكليف الله له وجعله عوناً له وسنداً فى مواجهة فرعون مصر . وقَبِلَ هارون الأمر وهو يعرف إلى أى مدى يمكن أن تصل الأمور ولكن ذلك أمر الله وليكن ما يكون .

توجه النبيان إلى قصر فرعون وهو القصر الذى عاش فيه موسى فترة صباه وشبابه وطلبا الإذن بالمثول بين يدى فرعون وسمح لهما بالدخول على الفور وأصبح الوضع على حافة الهاوية حين تقابل موسى مع فرعون مصر وجهاً لوجه من بعد أن فر موسى من بطشه وها هو الآن بين يديه ، ولم يستمر الانتظار طويلاً فقد توجه موسى وأخاه بالحديث إلى فرعون وأعلنا له عن أمرهما }إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ | ([25]) وتعجب الفرعون من هذا القول من ربيبه موسى أله إله أخر؟! وأخذ يجادله فى لين غير معهود منه.

}أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ | إشارة منه إلى قتله للمصرى من قبل ، ورد موسى عليه مفنداً قوله فقال : }قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ | ([26]) ، وغضب فرعون واشتد غضبه حين أصر موسى على ادعائه للنبوة أمامه وتوعده }قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ | ([27]) قال مـوسى رداً على تهديد فرعون لـه }... أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ | ([28])

حينما رأى الفرعون المصرى تلك الادلة أحس بالخطر يحيق بملكه ومكانته وشكك الحاضرين فيما رأوا وتشاور مع أعوانه وخلص فى نهاية الأمر إلى مواجهة موسى بحشد من السحرة علّهم يتغلبون على ما أتى به وطلب من موسى أن يضرب لهم موعداً ومكاناً ليصارع أعوان فرعون وسحرته واستغل موسى الأمر وطلب أن يكون ذلك فى أشهر يوم عندهم وهو يوم الزينة وخاصة فى وقت الظهيرة لعلم موسى أنه هو المنتصر وأن انتصاره أمام جموع الناس هو خير انتصار حيث قال }قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى | ([29])

شرع فرعون فى جمع السحرة من مدائن مملكته حتى يقال أنه جمع أكثر من اثنى عشر ألفاً من مهرة السحرة وأعدَّ مكاناً فسيحاً ليجتمع الناس فيه وجلس فرعون على سرير ملكه وأمامه حشد من الجماهير الغفيرة ينتظرون ذلك الصراع .

وأتى موسى متوكئاً على عصاه ومعه أخاه هارون واجتمع السحرة يقودهم أربعة من كبارهم حيث أخذوا يتوددون إلى فرعون ويطلبون منه أن يجعلهم من خاصته إن هم تغلبوا على موسى وهم واثقون من حدوث ذلك وكأنى بهم يعيشون مع سراب من الأحلام وحتى يُظهروا للجميع أن الصراع صراع شريف خيروا موسى بين أن يبدأ هو المباراة أم يبدأوا هم فطلب منهم أن يقدموا ما لديهم ، وبدأت المباراة الشاقة والمعركة الفاصلة وعزم السحرة أن يأتوا بسحرهم جميعاً دفعة واحدة حتى يبهروا الناس حيث قالوا }فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى | ([30]) وألقوا جميعاً ما بأيديهم من العصى والحبال فإذا بها تتحرك كأنها ثعابين حية واضطرب موسى فى بداية الأمر حين رأى المكان يعج بالثعابين ولكن الله ثبته وطمأن نفسه قائلاً له }قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى| ([31]) ونفذ موسى الأمر وألقى عصاه فتحولت على الفور إلى ثعبان هائل ابتلع حبال السحرة وعصيهم وهدد الجميع وأصابهم بخوف شديد وفزع رجفت منه قلوبهم وذهل السحرة مما رأوا فهم يعرفون كيف يكون السحر لا شك أن ذلك حقيقة ليس لها بفنون السحر صلة فلا شك إذاً فى صدق موسى ونبوته }وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ|([32]) لقد أصبح الأمر واضحاً لا يقبل الشك مَنْ صاحب الحق ومَنْ الكاذب.

أحس فرعون بهول الكارثة فقد آمن بموسى من استنصرهم للتغلب عليه واتبعوا دينه أمام الناس، وحاول تدارك الأمر فشرع يشكك الناس فيما رأوه قائلاً للسحرة }إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ  فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى| ([33]) لقد رأى الفرعون أن التشكيك لن يجدى فتوعدهم ولكنهم لم يلتفتوا إليه لتيقنهم من الحق فما زادوا عن قولهم }قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ  الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى| ([34])

وانتهت المعركة المحورية الفاصلة التى تغيرت بعدها الأحداث بصورة كبيرة وتفرقت جموع الناس بعد مشاهدتهم لهزيمة فرعون وأعوانه وأصبح أمر موسى حديث المدينة ، لقد أحرز موسى نصراً ساحقاً على فرعون أمام شعبه وكبار رجال دولته ليتحول الصراع إلى شكل جديد اضطهاد لأتباع موسى وتشكيك فى العقيدة تلك حالة الصراع القادمة ، فلمن ستكون الغلبة ؟ ذلك ما سنتعرف عليه عن قريب..



# +

هجرة بنى إسرائيل من مصر

N

تمهيد

الضربات العشر على مصر .

هروب موسى وأتباعه من مصر عام 1213 ق.م .

دخول موسى واتباعه أرض سيناء .

نزول التوراة .

انحراف أتباع موسى وعبادتهم للعجل الذهبى .

عودة موسى إلى قومه وموقفه من عبادتهم العجل الذهبى.

محاولات موسى لدخول الأرض المقدسة .

وفاة هارون وموسى قبل دخولهما الأرض المقدسة.



6

لقد استطاع موسى التغلب على فرعون وأعوانه من السحرة بعد المواجهة العلنية أمام جموع غفيرة من عامة الشعب المصرى وكانت النتيجة المباشرة لهذه المواجهة المظفرة بالنسبة لموسى هى اتباع السحرة لموسى بعد أن شاهدوا بأعينهم ما أتى به موسى من أعمال خارقة تخالف فنون السحر كل المخالفة فما كان منهم سوى الإيمان المطلق بنبوته وبذلك يكون السحرة هم أول من آمن بموسى وهم من المصريين وليسوا من بنى إسرائيل كما نعرف ولم يقف الوضع عند ذلك الحد فقد أخذ الناس يترقبون الأحداث التالية ليروا ما سيكون عليه الحال بين ملكهم وذلك النبى وبذلك أخذت الأحداث فى الدخول إلى دور جديد .

الضربات العشر على مصر

بعد أن شاهد كثير من الناس المواجهة بين موسى وسحرة فرعون ورأوا بأعينهم الانتصار الساحق الذى حققه موسى عليهم فاتبعه كثير من الناس ولم ينتهِ الأمر على ذلك الحد بل عاد موسى إلى الفرعون المصرى مرة أخرى يطلب منه السماح لأتباعه من بنى إسرائيل بمغادرة بلاده ليعودوا إلى أرض آبائهم إبراهيم وإسرائيل ولكن الفرعون المصرى رفض ذلك الطلب رفضاً قاطعاً ونكاية به فقد كلف بنى إسرائيل بالكثير من الأعمال الشاقة كى يستنفذ جهدهم كالبناء والتشييد والزراعة كما فرض على المقصرين منهم عقوبات شديدة لتكون رادعاً لهم ليكونوا على علم بما سيحل بهم إذا فكروا فى اتباع موسى أو الاستماع إليه وبطبيعة الحال كان موسى غير راض عن ذلك الوضع فعاد إلى فرعون مرة أخرى مصطحباً معه هارون ليبلغاه رسالة مختصرة } أن أرسل معنا بنى إسرائيل ولا تعذبهم | ([35]) وحذراه من مغبة التمادى فى عناده فستكون العاقبة وخيمة فسوف تحل بأرض مصر ضربات مهلكات تأتى على الأخضر و اليابس و لكن حديثهم ذلك لم يجد صدى عند الفرعون المصرى سوى الاستهزاء بهم .

و نتيجة لذلك العناد توجه موسى بعصاه إلى ينبوع الحياة عند المصريين نهر النيل حيث ضربه بعصاه لتتحول مياهه إلى دم خالص لتتوقف مظاهر الحياة فى مصر وتصاب مصالح المصريين بالشلل التام وظل الوضع كذلك سبعة أيام ولما يئس الفرعون من انقشاع تلك الغمة تأكد له أن موسى هو صاحب تلك الضربة فبعث إليه ليفاوضه على تركه لبنى إسرائيل ليخرجوا من بلاده فى مقابل دعوة موسى لإلهه ليرفع هذا البلاء عن مصر، ووافق موسى فدعى ربه ليكشف هذا البلاء وعادت مياه النيل كما كانت وظن الفرعون أنه بذلك احتال على موسى فنقض معه الاتفاق ولم يسمح لبنى إسرائيل بالخروج من بلاده فكانت الضربة الثانية على أرض مصر حيث امتلأت جميع أرض مصر بالضفادع بشكل غريب حيث انتشرت تلك الضفادع فى كل مكان وعاد الفرعون يطلب من موسى إنهاء تلك الكارثة الجديدة مقابل سماحه لبنى إسرائيل بالخروج من البلاد هذه المرة ولكن بعد عودة الأوضاع إلى سابق عهدها ليعود فرعون إلى عناده.

و توالت الضربات على مصر حيث جاءت الضربة الثالثة حيث ملأ البعوض أرض مصر .

و الضربة الرابعة ملأ القُمل جميع تخوم البلاد.

و الضربة الخامسة موت جميع بهائم المصريين.

و الضربة السادسة حيث عم الغبار أنحاء البلاد.

و الضربة السابعة ملأ الرعد سماء مصر وغطى البرد جميع تخومها.

و الضربة الثامنة حيث هب الجراد على أرض مصر فأتى على الأخضر واليابس .

و الضربة التاسعة حيث حل الظلام على مصر ليلاً ونهاراً ثلاثة أيام لايرى أحد صاحبه , وفى عام 1213 قبل الميلاد كانت الضربة الأخيرة حيث تموت جميع أبكار مصر أبكار المصريين وأبكار بهائمهم .

و بعد كل ضربة من تلك الضربات كان المصريون يطلبون من موسى أن يرفع ذلك البلاء حتى يرسلوا معه أتباعه وحينما يذعن موسى لطلبهم لا يجد منهم آذاناً صاغية لطلبه الوحيد وهو السماح لأتباعه بمغادرة البلاد.

هروب موسى وأتباعه من مصر فى عام 1213 ق.م.

أخبر الله موسى أن خروجه  وأتباعه من مصر قد اقترب وأن عليهم الاستعداد للرحيل فعليهم ارتداء أخفافهم وشد أوساطهم كما أمرهم موسى بأن يشترك كل جماعة منهم فى حمل من الغنم ليأكلوه دون أن يكسروا عظامه وما يتبقى منه يحرقوه ثم يكون خبزه فى ذلك اليوم وسبعة أيام تالية له فطيراً وما زال اليهود يحتفلون بهذا اليوم حتى الآن وهو ما يعرف بعيد [الفصح] أو [عيد الفطير] وعلم الجميع من أتباع موسى بقرب فرارهم من فرعون وقومه .

لقد أحس أتباع موسى بأنهم على وشك ترك البلاد نظراً لما يطلبه موسى منهم من استعدادات خاصة واتجهت بعض نسائهم إلى جارتهم من المصريات لتطلب منها بعض الحلى للزينة وهى عازمة على الا تعيده إليها مرة أخرى انتقاماً من المصريين جميعاً وهو الحلى الذى استخدمه أحد أتباع موسى فيما بعد لصناعة العجل الذهبى الذى عبدوه فى وقت ما عقب فرارهم من مصر.

و بعد أن أتم موسى وأتباعه جميع الاستعدادات للهروب، توجه إلى قلب المدينة ليلاً فضرب الأرض بعصاه فمات على الفور كل أبكار المصريين حيث عمت الفوضى جميع البلاد وانشغل المصريون بموتاهم من الناس والبهائم وتسلل موسى وأتباعه للنجاة من فرعون وبطشه ولكنه لم يستطع حبس المعلومات عن أتباع فرعون فقد علم الفرعون المصرى بخبرهم وتسللهم خارج البلاد فاستشاط غضباً }إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ  وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ| وأعد جنوده لينطلق فى أثرهم واستطاع بالفعل اللحاق بجموع بنى إسرائيل الهاربة حيث أبصرهم من بعيد فاشتد فى أثرهم وكاد يلحق بهم خاصة بعد وصولهم إلى مياه البحر حيث وقفوا عاجزين عن التقدم فأيقنوا أنهم هالكون لا محالة فقالوا يا موسى }إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ| فهو يعلم أنه نبى وقد أمره ربه بالخروج من مصر فلن يتخلى عنه فى هذا الموقف العصيب فأوحى الله إليه }أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ| ([36]) وأصبح وسط المياه طريقاً ممهداً للفرار فانطلق موسى وأتباعه خلال ذلك الطريق وسط المياه وتبعهم فرعون وجنوده ظناً منه بأنه سيلحق بهم ولكن الأمر قد خرج من يده وأحس بأنه قد وقع فى شرك لن ينجو منه حينما انطبقت المياه عليه وجنوده عقب مرور بنى إسرائيل من خلال ذلك الطريق فقد تهدم الصرح فوق رؤسهم وانطبقت ضفتى المياه عليهم فلم ينجوا منهم أحد وتناثرت أشلاؤهم على صفحة مياه الخليج على مرأى من موسى ومن معه حيث تجمعوا حوله مهللين وأخذوا يرددون الأناشيد والأدعية حيث قالوا [نسبح الرب فإنه قد تعظم بالمجد ، الفرس وصاحبه قد طرحهما فى البحر الرب عزى وتسبيحى لقد كان لى خلاصاً فإياه أمَجّد إله أبى فإياه أعظم]([37]) كان ذلك عام 1213 ق.م ويبدوا أن المنطقة التى عبر منها موسى وأتباعه إلى أرض سيناء حيث غرق الفرعون المصرى منفتاح هى منطقة خليج السويس حيث لحق بهم المصريون هناك ودخلوا إلى أرض سيناء بعد هلاك فرعون وأتباعه من المصريين وقد سلكوا نفس الطريق الذى سلكته البعثات المصرية التى كانت تبحث عن الفيروز فى تلك الفترة كما أشار إلى ذلك [ديورانت] فى قصة الحضارة ([38]) .

غير أننى أعتقد أنهم لم يلتزموا بهذا الطريق التزاماً كاملاً كما سيتضح لنا.

دخول موسى وأتباعه أرض سيناء

سار بنو إسرائيل خلف موسى باعتباره القائد الذى أنقذهم من دار العبودية حيث نزل بهم فى برية [شور] وظلوا بها ثلاثة أيام ثم غادروا بعد فشلهم فى العثور على المياه العذبة فيها حيث اتجهوا إلى منطقة [ايليم] واستطاعوا بعد جهود مضنية العثور على المياه العذبة ولم يكن عثورهم على المياه شيئاً سهلاً بل كانوا




2- خريطة توضح الطريق الذى سلكه موسى عليه السلام و أتباعه أثناء هروبهم

من مصر كما يراها المؤلف.

 

 




يبذلون مجهوداً شاقاً فى البحث عن المياه ونتيجة لذلك العناء فقد راودتهم أحلامهم فى العودة إلى مصر حيث الطعام الوفير والماء الزلال فعلى الرغم من حياة الزلة والمهانة فيها ؛ ففيها كانوا يحصلون على كل احتياجاتهم بسهولة وراودت مخيلتهم الحياة فى مصر واتبعوا موسى فى شعاب سيناء على مضض وطالبوا موسى بالطعام وكأنه قد اخرجهم من أرض كانوا مترفين فيها إلى أرض أصابتهم الذلة فيها ولكنها ذلة جديدة وأرشدهم موسى إلى طعام جديد هو طائر السلوى الذى كان يملآ ارض سيناء فى هذه الفترة بالإضافة إلى قطرات متماسكة من السكر كان عليهم جمعها فى الصباح الباكر حتى لا تذيبه حرارة الشمس وهو ما يعرف [بالمن] كما طالبوه بالمياه وأنى لهم الحصول عليها فى تلك القفار الموحشة والصحراء المحرقة فأوحى الله إلى نبيه موسى عليه السلام
}فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً| ([39]) ماء رقراقاً جارياً اثنا عشر عيناً لكل سبط منهم عيناً حتى لا يتصارعون على المياه فى تلك القفار.

واصل موسى وقومه رحلة الفرار الطويلة وفى طريقهم مروا على قوم يعكفون على صنم لهم فتذكروا ما كان من أمرهم فى مصر حين كانوا يعكفون على الأبقار والحيوانات المختلفة يعبدونها كما كان يعبدها اسيادهم من المصريين قبل أن يأتيهم موسى فمالت نفوسهم إلى الوثنية من جديد فقالوا لموسى }اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ| يريدون أن يتخذوا لهم إلهاً يتحسسونه ويرونه بأعينهم ولكن موسى عليه السلام زجرهم بقوله }إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ| ([40]) ثم ذكرهم موسى بفضل الله عليهم إذ اخرجهم من مصر ونجاهم من فرعون وجنوده وأنزل عليهم المن والسلوى فما كان لهم أن يطلبوا مثل ما طلبوا.

نزول ألواح التوراة

حينما بعث الله موسى إلى بنى إسرائيل كانت دعوته لهم لا تخرج عن عبادة الله فقط دون أن تكون لهم قوانين وأسس دينية يعيشون عليها فلما خرجوا من مصر فراراً من فرعون وقومه وأصبحت لهم حياتهم الخاصة وقيادتهم الوطنية الخاصة بهم كان لابد من وجود قواعد تحكم حياتهم وأسس يعيشون عليها تكون لهم نبراساً يضىء لهم طريقهم الشاق فى خضم تلك الحياة الجديدة من أجل ذلك أمر الله موسى أن يستعد للقائه لقاءاً خاصاً يتلقى فيه تعاليم الله التى يسير عليها وقومه فى حياتهم ، فعليه قبل ذلك أن يطهر جسده من شوائب الدنيا فيصوم ثلاثين يوماً وفى ذلك يقول تعالى }وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً ً | واستعد موسى لذلك الأمر فأمر أخاه هارون أن يرعى قومه ويتولى شئونهم فى أثناء غيابه كما أوصى قومه بطاعة هارون فهو نائباً عنه حتى يعود إليهم بعد ثلاثين يوماً.

وذهب موسى بعيداً عن قومه حيث صام ثلاثين يوماً استعداداً للقاء ربه كما أمره فلما انتهى من صومه وعزم على صعود الجبل كره أن يلقى ربه وقد تغير ريح فمه من طول الصوم فتناول بعض الطعام ليغير رائحة فمه ثم صعد جبل الطور حيث سيكون لقاؤه المنتظر ولكن الله عاتبه على تعجله  قائلاً يا موسى أما علمت أن رائحة فم الصائم اطيب عندى من ريح المسك إرجع فصم عشراً أخرى ثم ائتنى . وفى ذلك يقول تعالى }وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً | ([41]) وفعل موسى ما طلب منه ثم ارتقى الجبل مرة أخرى حاملاً معه لوحين من الحجر ليكتب عليهما ما يأمره به ربه وبالفعل تلقى موسى تعاليم السموات من ربه وهى ما عرف بالوصايا العشر وهى [ الرب إلهك واحداً . لا تحلف باسم إلهك باطلاً . احفظ يوم السبت وقدسه . أكرم أباك وأمك . لا تقتل – لا تسرق – لاتزنِ – لا تشهد الزور – لا تشتهِ بنت أخيك – لا تشتهِ امرأة رفيقك]([42])

ومنها ما ورد فى أسفار العهد القديم :

[ملعون من يحيف فى القضاء على اليتيم والمسكين ومن يضرب صاحبه غيلة ومن يرشو فى قتل نفس ملعون من لا يثبت على هذه السنن فإن أنتم خالفتموها تزرعون ويأكل زرعكم أعداؤكم وتنهزمون من غير أن يطردوكم وأرسل عليكم الوحوش فتفنيكم ولا تشبعون طعاماً ولا تروون ماء ولا تقبل لكم صلاة وأخرب أرضكم وأبددكم بين الأمم المبغضة لكم وأحتسى قدركم]

و قد وردت كثير من تعاليم التوراة فى القرآن الكريم من ذلك قوله تعالى }وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ  بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ  وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ | ([43]) كما قال تعالى }إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء | ([44])

تلقى موسى تلك التعاليم والوصايا لتكون نبراساً يسير عليه قومه وقوانين يلجأون إليها حين يختلفون فى أمر من أمورهم المختلفة .

انحراف أتباع موسى وعبادتهم للعجل الذهبى :

عندما خرج موسى إلى الجبل ليتلقى تعاليم الله كان قد أخبر قومه انه سيعود إليهم بعد ثلاثين يوماً لكنه تأخر عشرة أيام أخرى حين أمره ربه بالعودة إلى الصيام مرة أخرى ليتم أربعين يوماً كان هارون قائداً لهم يحاول أن يحميهم من شرور أنفسهم وينقيهم من الخطايا فقد قال لهم:

إنكم قد خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عوارى وودائع – يعنى الذهب الذى أخذوه من أبناء مصر – ولكم فى مصر عوارى وإنى أرى أنكم تحتسبون مالكم عندهم ولكن لا تحل لكم وديعتهم ولن تردوها أيضاً ، وحفر هارون حفرة وأمرهم أن يجمعوا ذلك الذهب ويلقوه فى تلك الحفرة ثم أوقد عليه النار وقال لا يكون لنا ولا لهم ، وكان من بين الحضور رجل ذو اتجاه وثنى وكان عالماً بأمور خطيرة حيث قبض بعض التراب من أثار موسى عليه السلام – على الراجح – وأمسكها بيده فظن هارون أنما فى يده ذهباً فقال له يا سامرى ألا تلقى ما فى يدك قال لا ألقى حتى تدعو الله أن يجعلها ما أريد ، فدعا هارون بذلك فألقى السامرى التراب فى النار وقال أريد أن تكون عجلاً ودعوة الأنبياء لا ترد فتحول الذهب على الفور  إلى عجل مفرغ من الذهب الخالص يدخل الهواء داخله فيحدث صوتاً  كأنه خوار عجلٍ حقيقى والتف القوم حول ذلك العجل يتسائلون ما الأمر فقال لهم السامرى }هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى| ([45]) ، واختلف القوم بين مصدق بكلامه وبين متردد ، وقال المصدقون }لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى | ([46]) وبدأوا يطوفون حوله ويرقصون ويصرخون فى مراسم وثنية مشينة .

عودة موسى إلى قومه وموقفه من عبادتهم للعجل الذهبى:

عاد موسى إلى قومه بعد أن تلقى الألواح فلما رآهم هاله ما رأى وغضب غضباً شديداً وقذف بالألواح وتوجه إلى هارون على الفور فقد جعله خليفة له فكان عليه أن يمنعهم من الانحراف وكاد أن يبطش به لكنه أخبره أنه حاول ولكنهم كادوا يتفرقون عنه ثم إنهم كادوا أن يقتلوه ظناً منهم بأن موسى لن يعود خاصة أنه لم يعد بعد ثلاثين يوماً كما ذكر لهم وأخبره أنه لم يكن يملك من أمرهم شيئاً فما كان عليه سوى الصبر واتجه موسى على الفور إلى رأس الفتنة السامرى فسأله عما حمله على ما فعل فأخبره أن نفسه قد زينت له ذلك الأمر فكان ما كان ! وتوعده موسى بعذاب فى الدنيا شديد على النفوس ذلك أنه لا يمس الناس ولا يمسونه لما يصيبه من أمراض وأوبئة بما يجعل الناس يعتزلونه ثم يلقى فى الآخرة جزائه على ما أدخل فى قلوب قومه من فتنة وشك .

ثم احرق موسى العجل ونثره على صفحة المياه وبذلك قضى موسى على الفتنة من جذورها .

و أحس القوم أنهم قد فُتنوا فطلبوا من موسى أن يدعو لهم الله لعله أن يتوب عليهم ويغفر لهم فعلتهم الشنيعة ، واختار موسى من قومه سبعين رجلاً ممن لم يشترك فى عبادة العجل ليذهب بهم إلى حيث يلتقى بالناموس السماوى ليعرف اتاب الله على قومه أم لا ، واتجه بهم نحو الجبل لكنهم حين اقتربوا من الجبل رجفت بهم الأرض فدعا موسى ربه قائلاً }رَبِّ لَوْ شِئْـتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَـلَ السُّفَهَاء  مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاّ َفِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ| ([47]) فقال له ربه سبحانه وتعالى يا موسى إن توبة قومك أن يقتل كل واحد من العُصاة مَن يلقاه من أصحابه أو أهله ، فقال موسى لهم }يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ| ([48]) وامتثل معظمهم لذلك الأمر وقتل بعضهم بعضاً حتى قتل منهم ما يزيد عن ثلاثة آلاف رجل وامرأة .

ولما انتهى ذلك الأمر أخذ موسى يتلو على قومه تعاليم دينهم ولكنهم لم يتقبلوها زاعمين أنها ثقيلة على نفوسهم لكن يبدو أنهم لا يذعنون بسهولة ولابد من قوة تقهرهم ليؤمنوا فرفع الله الجبل فوق رؤسهم }كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ | ([49]) وبذلك تم إجبارهم على الإذعان لتلك التعاليم والالتزام به لأنهم لو لم يتبعوا تلك التعاليم سيهلكون لا محالة .

محاولات موسى لدخول الأرض المقدسة [فلسطين] :

لقد استطاع موسى جمع قومه حول تعاليم التوراة وجعلهم يلتزمون بما فيها ولكنه كان يرغب فى شىء آخر أبعد من ذلك هو دخول الأرض المقدسة حيث يوجد أبو الأنبياء جميعاً إبراهيم الخليل عليه السلام فهى أرض مقدسة مبارك من يدخلها وهى خير مكان يلجأ إليه مع قومه .

و بالفعل بعث موسى اثنى عشر رجلاً نيابة عن جميع عشائر قومه ليأتوه بخبر أهل البلاد فأخبروه حين عادوا أنهم – أى أصحاب تلك البلاد – قساة القلوب شداد القوة وأن معاداتهم لن تكون فى صالحهم. رأى موسى أنه لابد من القتال فالطريق ليست ممهدة ولابد من الحرب ، الحرب المريرة حتى يصلوا إلى مقصدهم، فتلك البلاد ليست خالية من السكان وبالفعل أصدر موسى أوامره }يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ| ولكنهم عصوا أوامره خوفاً وجبناً وتلك طبيعة اليهود فهم ليسوا أهل حرب بل يريدون مكاناً للاستقرار دون أى جهد منهم ، فقالوا }يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ| ([50]) ولنتأمل ذلك الموقف وضع ذليل ومشين وضعوا فيه فهم لا يريدون قتالاً ولن يدخلوا تلك الأرض حتى يخرج منها أهلها دون قتال فهم لا يريدون العناء أو التعب فلقد تمكنت الذلة من نفوسهم وحاول موسى تشجيعهم دون نتيجة ووعدهم بالانتصار ولكنهم أصروا على موقفهم فهم يتصورون أن من سيتقاتلون معهم أناس غلاظ شداد لا سبيل إلى حربهم والتغلب عليهم فقالوا }قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ| فقرارهم إذاً لا رجعة فيه ، ولما رأى موسى إصرارهم على الجبن دعا ربه وسأله العون قائلاً }رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ| فقال له ربه }فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ| ([51]).

لقد كتب الله عليهم ألا يدخلوا تلك الأرض حتى تنقضى أربعين سنة يتيهون فى برية سيناء لا يعرفون لهم طريقاً ولا يهتدون إلى سبيل وبالفعل لقد تحول بنو إسرائيل إلى بدوٍ رحلاً كما كانوا من قبل رغماً عنهم وظلوا يتيهون فى جبال سيناء بين جبل الشراه وأرض بلاد الكرك والشوبك حتى هلك منهم عدد كبير فى تلك الفترة الطويلة أربعين سنة من التيه فى برية سيناء حيث تتشابه الجبال والوديان .

وفاة موسى وهارون قبل دخولهما فلسطين:

لقد ظل موسى يدعو قومه على التمسك بتعاليم دينهم ويحاول إصلاح عيوبهم التى ترسخت فى قلوبهم كما ظل يحاول أن يدخل الأراضى المقدسة لكن دون جدوى وثارت بينه وبين من جاوره من اقوام كثير من الحروب قد ينتصر فى بعضها لكنه لا يستطيع دخول تلك البلاد فأهلها من كنعانيين وفلسطين يدافعون عنها باستماتة فلم يتمكن من دخول بلادهم .

و فى تلك الأثناء توفى هارون وقد بلغ من العمر أكثر من مائة عام حيث دُفن فى جبل [هور] بعد أن ظل بجوار أخيه موسى مسانداً له حتى وافاه الأجل .

و ظل موسى بين قومه يدعوهم إلى اتباع تعاليمه ويسأل الله لطفه بهم ومغفرته لهم وبعد أن أكمل الله شريعته وأتم وصاياه لموسى وقومه قبضه إليه بعد أن ولى قيادتهم لأحد رجاله وهو يشوع بن نون بعد أن بشره بدخول أرض فلسطين .

و قد توفى موسى وقد بلغ من العمر مائة وعشرون سنة قضاها كاملة فى معاناة شديدة فى سبيل شريعة الله ، لقى خلالها كثيراً من الصد والعنت من اليهود فهم دائماً أهل عناد وفساد وقد دفن موسى عليه السلام بأرض [موآب] حيث كان يرى أرض فلسطين دون أن يدخلها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

@ _

 

استقرار بنى إسرائيل فى فلسطين



 


N

! +:  قضاة بنى إسرائيل.

@ + : ملوك بنى إسرائيل.

# + :  إنقسام مملكة اليهود وتبادل الإمبراطوريات   الكبرى السيطرة على المنطقة .

$ + : موقف اليهود من الأديان الأخرى.



 

! +

قـضـــاة بـنى إســـرائيل

N

تولى يوشع بن نون قيادة اليهود بعد وفاة موسى عليه السلام.

غــــــزو فلســطين.

قضاة بنى إسرائيل.

ظهور النبى صمويل ونهاية عصر القضاة.



6

لقد سار اليهود فى هجراتهم السابقة تحت قيادة موحدة قيادة غير سياسية فقط بل قيادة دينية خاصة حيث قادهم موسى عليه السلام حين خرجوا من مصر فهم يسيرون خلفه مؤمنين به وبدينه وفى نفس الوقت يعتقدون أنه لا بديل لهم عن تلك القيادة ففى يده سُلطةٌ روحية وقوة ربانية خاصة تستطيع أن تفتك بهم فى أية لحظة إن هم انحرفوا أقل انحراف أو خالفوا أوامره بأى صورة من الصور لكن حين تحين لهم الفرصة للعصيان والتمرد فهم لايترددون على الإطلاق فحين غاب عنهم موسى حين ذهب ليتلقى الألواح عبدوا العجل الذهبى

دون أدنى تردد وحينما عاد اعتذروا إليه وحين أمرهم بالتوجه إلى الأرض المقدسة رفضوا دون تردد وقد كانت قيادتهم ذات طبيعة دينية خاصة لكن بعد وفاة موسى تولى قيادتهم مجموعة من القواد ليسوا بأنبياء .

فمــاذا كـان حــالهم؟!!.


تولى يوشع بن نون قيادة اليهود بعد وفاة موسى عليه السلام

لقد توفى موسى ودفن على مشارف الأرض المقدسة وكان أمله الوحيد أن يدخل تلك الأرض لكنه لم يستطع تحقيق تلك الأمنية على الرغم مما بذله من مجهود ضخم من أجل تحقيق ذلك الهدف الذى تمناه. ولما دنت وفاته عز عليه أن يموت دون أن يحقق أتباعه تلك الأمنية التى لم تتحقق فى حياته فاختار من بينهم فتىً قوياً شجاعاً هو يوشع بن نون ليقود أتباعه من بعده وأوصاه بدخول تلك الأرض التى يسكنها الكنعانيون ، كما بشره بتحقيق تلك الأمنية على يديه ، فسوف يتجمع القوم حوله من جديد بعد تفرقهم فى أرض سيناء لفترة طويلة من الزمن . وأعد يوشع نفسه بالفعل ليحاول تحقيق تلك الأمنية التى وكلت إليه مهما كلفه ذلك وبأى ثمن.

غزو فلسطين

حاول يوشع بن نون تجميع اليهود وتنظيم جموعهم واستطاع أن يجمع شملهم من جديد ولأنهم قد أحسوا بمرارة العذاب الذى وقع بهم حين رفضوا دخول تلك الأرض حين أمرهم موسى حيث تفرق شملهم أربعين سنة ، من أجل ذلك فقد ساروا خلف يوشع دون أدنى تمرد منهم فى محاولة منهم لتحقيق أمنية موسى الذى مات غير راض عنهم .

و سار يوشع بهم وكانوا قد خرجوا من مصر من صحراء سيناء عند منطقة نويبع الآن متجهين إلى الأراضى الواقعة ضمن الحدود الأردنية الآن - كما أعتقد– نظراً لأنهم قد عبروا نهر الأردن من الجهة الشرقية واستولوا على أولى المدن وهى مدينة [أريحا] الواقعة فى الجهة الغربية لنهر الأردن وهذا دليل واضح على ما أشير إليه إذ أنهم لو دخلوا فلسطين من سيناء عن طريق غزة لكانت غزة أو إحدى المدن القريبة منها هى أولى المدن التى تسقط فى أيديهم.

و قد نجح يوشع فى عبور نهر الأردن بعد عدة محاولات فاشلة واتجه صوب مدينة [أريحا] الخصبة ذات الأبراج الضخمة وعلى الرغم من ضخامتها فقد استطاع الاستيلاء عليه ودخل اليهود بذلك أول مدينة فى الأرض المقدسة وكان




3-  خريطة تبين الطريق الذى سلكه أتباع موسى عليه السلام لدخولهم فلسطين

 

أول عهدهم بتلك الأرض المقدسة الدم حيث قتلوا معظم أهلها دون تفرقة بين صغير أو كبير ، نساء أو أطفال ، وجرت دماء القتلى أنهاراً ولم يكتفوا بذلك بل أحرقوا المدينة عن آخرها وتركوها خراباً تنعى ساكنيها . بداية القصة دم ، وما زالت دماً وستستمر دماً ولا شىء غير الدم طالما لا توجد تعاليم سماوية حقيقية

تحكم تلك الأحداث ولكن معتقدات وتفرقة عرقية خاطئة ، ومن الواضح أن يوشع قد اتخذ طريقاً مليئاً بالدم من أجل الاستيلاء على أرض الميعاد (فلسطين) كما ذكر ول ديورانت: [فقد أقام حكمه على قانون الطبيعة الثانى وهو أن أكثر الناس قتلاً هو الذى يبقى حياً وبهذه الطريقة الواقعية التى لا أثر فيها للعواطف استولى اليهود على الأرض الموعودة]([52]) ، كان ذلك هو أول عهد اليهود بفلسطين فحين وطئت أقدامهم تلك الأرض كانت تنتشر أشلاء الضحايا من سكان المنطقة فى كل مكان وجرت دمائهم فى كل مكان وهلك الزرع والضرع فما وطئوا مكاناً إلا دخل فيه الفساد وهلك من فيه فهم لا يلتزمون بتعاليم موسى ووصاياه بل هدفهم الوحيد هو الأرض.

و قد ذكرت أسفار العهد القديم أنهم توجهوا بعد استيلائهم على أريحا إلى منطقة [العى] ولكنهم فشلوا فى الاستيلاء عليها نظراً لتحصن أهلها بها لكن يوشع استطاع الاستيلاء عليها بحيلة ماكرة جداً حيث قسم اليهود قسمين ، استدرج القسم الأول منهم قوات المدينة حتى خرجوا منها فى حين استولت المجموعة الأخرى على المدينة حين خرج أهلها منها لمحاربة المجموعة الأولى ثم انقضت الفرقتان على مقاتلى المدينة من أمامهم ومن خلفهم وبذلك أوقعوا خسائر فادحة فى صفوف قوات المدينة حيث قتل من أهل المدينة ما يقرب من اثنى عشر ألف رجل وامرأة ثم أحرقوا المدينة لتصبح خاوية على عروشها كسابقتها.

ومن الواضح جداً السلوك الوحشى الغريب لليهود فهم لا يريدون الاستقرار فى المدن بل يريدون الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض والمدن مهما كانت النتيجة.

و توالت بعد ذلك انتصاراتهم حيث استطاعوا الاستيلاء على كثير من المدن والقرى التى هاجموها بضراوة وكأنهم جماعات التتار الهمجية التى هاجمت الإمبراطوريات الكبرى كأسراب من الجراد فقضت على معظمها لكنها فى النهاية تتلاشى كأنها لا شىء ، إذ لا أصول لها أو جذور تبنى عليها أسس حضارتها فلا حضارة لها أصلاً ولا ثقافة.

وحاول اليهود استئصال سكان تلك المدن حتى تكون الأرض إرثاً لهم لاينازعهم فيها أحد من بعدهم ومن بين المدن التى استولوا عليها مدينة [نابلس] وتقع فى شمال فلسطين حالياً وفيها وضعوا جثمان يوسف حيث يقال أنهم حملوه معهم من مصر  حين خرجوا منها وكان قد دفن فى مصر حين كانوا يعيشون هناك حيث كان دفنه فى مصر دفناً مؤقتاً وكأنهم بذلك يجعلون من أرض فلسطين مقراً رئيسياً لهم فهم أصلاً بلا مكان ينتمون إليه ، فهم فى الأصل من البدو حيث يعيشون على الرعى ولااستقرار لهم فى المدن من أجل ذلك حاولوا تأسيس أصول لهم. كما استولوا على مدينة [حبرون] أى مدينة الخليل و[بيت ايل] و[شمرون] و[مادون] وغيرها من المدن التى فتحوها .

و على الرغم من النصر الذى أحرزوه على عدة جبهات إلا أنهم لم يستطيعوا التغلب على مدن الساحل الفلسطينية فقد استطاعت تلك المدن أن تصمد فى وجه السيل اليهودى محتفظة بكيانها الفلسطينى العربى المتأصل.

و قد قسم يوشع تلك المدن على اليهود حسب أصولهم العرقية وولّى عماله على تلك المدن وترك ست مدن لتكون ملاذاً لمن يتهم منهم بالقتل الخطأ كمدينة [قادش] فى الجليل و[شكيم وراموت] .

و استمر يوشع يحارب دون توقف ويقود اليهود فى حربهم المبيدة حتى توفى، وخَلَفَهُ مجموعة من القضاة الذين تولوا حكم اليهود من بعده وقد دفن فى مدينة [كفرحارس] وهى موجودة حتى الآن وتحمل ذات الاسم .

قضاة بنى إسرائيل

قضاة بنى إسرائيل هم مجموعة من رجال الدين الذين حكموا اليهود عقب وفاة يوشع بن نون ، فبعد وفاة يوشع بن نون حلت بنى إسرائيل عدة نكبات كان أهمها انتصار ملك الأدوميين عليهم الذى استعبد بنى إسرائيل مدة ثمانية أعوام حتى خلصهم من أيديهم [عنتئيل بن قاناز] الذى تولى قضاء إسرائيل فى تلك الفترة والذى ساهم فى غزو أراضى عبرون وكان عنتئيل بن قاناز على رأس قضاة بنى إسرائيل وبعد وفاة عنتئيل بن قاناز اكتسح عجلون Eglon ملك موآب أراضى سبط بنيامين وأجبرهم على دفع الجزية إليه وظل مسيطراً عليهم أكثر من سبعة عشر عاماً.

إلى أن ذهب إليه [أهود بن جيرن] من سبط بنيامين ليقدم له هدية واستطاع فى غفلة من حراسه أن يقتله ثم هرب قبل أن يكتشف حراسه الأمر، وتولى قيادة بنى إسرائيل فى كثير من المعارك ضد أعدائهم حتى توفى ، وخلفه [شمجر بن عنات] الذى استطاع استخلاص بعض الأراضى من الفلسطينيين والكنعانيين ثم توفى وانحرف بعده بنى إسرائيل عن الطريق الذى رسمه موسى لهم فأصابتهم لذلك عدة نكبات كان أهمها تغلب ملك حاصور يابين  الكنعانى عليهم الذى انتزع الكثير من الأراضى التى كانت تحت سيطرتهم وقد مزق بنى إسرائيل شرَّ ممزَّق ، وظل يحكم أراضيهم عشرين عاماً كانت وبالاً عليهم.

إلى أن استطاعت كاهنتهم دبوره من سبط أفرائيم أن توحد صفوف بنى إسرائيل تحت قيادة [بارق بن أبينوعم] حتى أصبح تحت قيادته من بنى إسرائيل ما يقرب من عشرة آلاف مقاتل حارب بهم جيش ملك حاصور الذى كان يقوده سيسرا ووقعت بين الجيشين معركة كبيرة أسفرت عن مقتل قائد الجيش الكنعانى سيسرا وتم بعد ذلك النصر لبنى إسرائيل حين استطاعوا قتل ملك حاصور نفسه.

و بعد وفاة كل من بارق ودبورة عاد بنوا إسرائيل مرة أخرى إلى الإفساد فى الأرض واتخذوا لأنفسهم آلهة من الأوثان التى كانت تعبدها الأمم المحيطة بهم فعبدوا إله الكنعانيين (بعل).

وهذا الانحراف السريع لبنى إسرائيل يوضح مدى ضعف العقيدة الدينية لديهم فعندما تحل بهم النكبات يلجأون إلى الله طالبين منه أن يمد إليهم يد العون ليُقيمهم من عسرتهم وينقذهم من الفناء وحين يتم لهم ذلك يعودون إلى طبيعتهم الوثنية واتجاههم إلى التجسيم فى محاولة منهم لتقليد الأمم المجاورة لهم ،و الأكثر حضارة ورقياً ، حتى ولو كانت مظاهر التقليد تلك هى أن يتخلوا عن إلههم الواحد ليعبدوا أوثان لا تنفع ولا تشفع تاركين شئونهم الخارجية والداخلية نهباً للمواقف فلم تكن لهم قيادة يدينون لها بالولاء التام فقد تولى قيادتهم مجموعة من القضاة الذين ينتخبهم كبراء الشعب ولم تكن طاعة هؤلاء القضاة واجبة على أحد منهم.

فى نفس الوقت الذى كانت فيه الأمم المجاورة لهم تتربص بهم للانتقام منهم واسترداد أراضيهم التى استولوا عليها منهم حين تلوح لهم بوادر الضعف والانشقاق والفرقة بين بنى إسرائيل .

فقد استطاعت قبائل الميديين العرب التى كانت ترعى فى شرق خليج العقبة أن تتغلب على بنى إسرائيل ودخلت أراضيهم حتى سهل أزرائيل ولكن قاضى بنى إسرائيل فى تلك الفترة [جدعون بن يواش] من سبط منسى استطاع التصدى لهم وقاد حملة ضخمة ضدهم حتى وصل إلى قلب أراضيهم فى شرق الأردن كما حطم مذبح إلههم بعل وحطم مذابح آلهتهم الأخرى ولذلك سمى يربعل Yeroubbaal أى فليدافع بعل عن نفسه ([53]) . وظل جدعون يحكم بنى إسرائيل أكثر من أربعين عاماً حى توفى .

و خَلَف جدعون ابنه [أبيملك] الذى ثارت ضد حكمه بعض الفتن نتيجة لتحريض بعض رجاله ضده فقام ببعض الحملات التأديبية ضد الخارجين عليه إلا أنه قُتل فى إحدى تلك الحملات، ثم تولى قضاء بنى إسرائيل بعده [تولع بن فواه] من قبيلة يساكر الذى ظل فى قضاء بنى إسرائيل ثلاثاً وعشرين سنة ثم توفى ودفن فى مدينة شامير.

ثم تولى قضاء بنى إسرائيل [ياعير الجلعادى] الذى ظل قاضياً فى بنى إسرائيل اثنين وعشرين سنة ثم توفى وانحرف بنوا إسرائيل مرة أخرى واتخذوا لأنفسهم آلهة من الآلهة المحيطة بهم وظلوا على تلك الحالة فترة طويلة حتى هاجمهم الفلسطينيون وقبائل بنى عمون هجوماً شرساً ثأراً منهم وانتزعوا الكثير من اراضيهم ، حتى استطاع أحد رجال العصابات ويدعى [يفتاح] تخليصهم من أيدى بنى عمون ثم تولى قيادتهم بعد أن تغلب على بنى عمون بعد أن بعث برسائل عديدة إلى الفلسطينيين وإلى بنى عمون يطلب منهم فيها أن ينسحبوا من الأرض التى استولوا عليها من بنى إسرائيل إلا أنهم لم يستجيبوا لطلبه فلم يجد يفتاح بداً من الحرب واستطاع أن يتغلب عليهم وأعاد كثيراً من الأراضى التى استولوا عليها من بنى إسرائيل.

ثم تولى القضاء فى بعض مناطق بنى إسرائيل [أبيصان] وهو من بيت لحم الذى استمر حكمه لبنى إسرائيل سبع سنوات ثم توفى ودفن فى مدينة بيت لحم.

فتولى قضاء بنى إسرائيل من بعده [أيلون] وهو من قبيلة زبلون وهو القاضى الحادى عشر لبنى إسرائيل التى ظل قاضياً على بنى إسرائيل عشرة أعوام.

ثم خلفه [عبدون بن هليل الفرعتونى Pharathonite] الذى كان توليه القضاء فى بنى إسرائيل فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد وهو من سبط أفرائيم .

و بعد وفاة عبدون الفرعتونى تغلبت بعض القبائل العربية على أجزاء كبيرة من أراضى بنى إسرائيل ، وظل الفلسطينيون يسيطرون على مناطق شاسعة من أراضى بنى إسرائيل ما يقرب من عشرين سنة حتى تولى قضاء بنى إسرائيل [شمشون Samson بن مانواح] من سبط دان الذى استطاع أن يخلص بنى إسرائيل من الفلسطينيين الذين تسلطوا على بنى إسرائيل عقب وفاة يفتاح ، وقد اشتُهر بشمشون  الجبار نظراً لقوته الجسمانية البارزة وقد كثرت حروبه ضد الفلسطينيين ولكنه كان ضعيفاً أمام النساء مما تسبب فى أسرِهِ وحبسه حتى قُتِلَ وهو من أشد قضاة بنى إسرائيل قوة على الإطلاق وقد نسجت حوله كثير من الحكايات المخترعة والتى أرى أنها ليس لها أصول تاريخية.

و بعد وفاته وقعت بين بنى إسرائيل الكثير من الفتن التى قتل فيها الكثيرون منهم ، منها تلك الفتنة التى قصها الكتاب المقدس فى سفر القضاة([54]) . وذلك أن أحد الرجال من سبط لاوى كان يسكن فى جبل أفرائيم تزوج بامرأة من [بيت لحم] وغضبت منه ذات يوم وذهبت إلى بيت أبيها وذهب الرجل ليعيدها إلى بيتها ولما وصل إلى هناك أقام خمسة أيام ثم انصرف عائداَ مع زوجته وفى الطريق عرج على قرية يسكنها سبط بنيامين ليبيت فيها حتى الصباح ولم يجد فى تلك القرية من يُضَيِّفهما فى بيته سوى رجل طاعن فى السن ، و أثناء الليل توجه بعض الرجال من عشيرة  بليعال من سبط بنيامين إلى بيت ذلك الرجل وقاموا بالتحرش بالرجل واعتدوا على زوجته حتى ماتت بين أيديهم وتلك سابقة لم يسبق لها مثيل مما دفع الرجل أن يقطع جسد زوجته بعد وفاتها إثنى عشر جزءاً ووزع تلك الأجزاء على جميع أراضى بنى إسرائيل بحسب أسباطهم الإثنى عشر ليعلم الجميع تلك الحادثة الشنيعة.

فلما علم جميع أسباط بنى إسرائيل بذلك الأمر تجمعوا للتشاور فى ذلك الأمر فلم تحدث مثل تلك الحادثة من قبل منذ خروجهم من مصر واتفق الجميع على قتل بنى بليعال جميعاً جزاءاً على فعلتهم ، إلا أن سبط بنيامين رفضوا تسليم بنى بليعال مما أدى إلى قيام حرب بينهم وبين بقية أسباط بنى إسرائيل واشتعلت بينهم معارك طاحنة قتل فيها جميع سبط بنيامين سوى قلة منهم استطاعت تكوين ذلك السبط مرة أخرى.

وتلك الحادثة تدل  بوضوح على مدى التحلل الأخلاقى لدى بنى إسرائيل فى تلك الفترة ومدى التفكك الذى أصابهم نتيجة لانحرافهم عن الطريق الذى رسمه لهم موسى من قبل حين خروجهم من مصر.

ظهور النبى صمويل ونهاية عصر القضاة

استمر التحلل بين بنى إسرائيل فترة طويلة عمت الفاحشة خلالها جميع أرض بنى إسرائيل حتى تولى القضاء فيهم [عالى] الكاهن الذى استطاع أن ينهى تلك الفتن وقد كان له ابنين هما حفنى وقنحاس وقد كانا فى غاية الانحراف والتحلل الأخلاقى كغالبية القوم فى ذلك الوقت بخلاف والدهما الذى كان شديد التدين والذى كان خادماً للهيكل والذى ظهر فى عهده النبى صمويل حيث أتت إليه إحدى نساء بنى إسرائيل أثناء وجوده فى الهيكل تطلب منه أن يدعوا الله أن يذهب عنها عقرها ، فدعى لها وبالفعل أنجبت طفلاً وأسمته صمويل ثم أهدته إلى [عالى] ليكون خادماً لبيت الله وظل فى بيت الله حتى بلغ مبلغ الرجال واختاره الله ليكون نبياً لبنى إسرائيل واخبره الله أنه لن يقبل كفارة من أبناء عالى الكاهن على آثامهم ولن يتوب عليهم وأن جزائهم على معصيتهم أن يموتا معاً فى يوم واحد وتلك نبوءة تحققت بالفعل بعد ذلك كما سنرى .

و استعد بنوا إسرائيل لحرب الفلسطينيين وأعدوا جيشاً كبيراً لمقاتلتهم واصطف الجيشان ، الجيش الفلسطينى فى منطقة أنينق والجيش اليهودى عند منطقة حجر النصرة ، والتحم الجيشان فى قتال عنيف أسفر عن فرار بنى إسرائيل من المعركة ومقتل أعداد كبيرة منهم .

ونتيجة لتلك الهزيمة التى حلت بهم رأى القوم أن إحضار تابوت العهد إلى ميدان المعركة سوف يكون حافزاً لهم على القتال لحلول بركته عليهم . و تم إحضار تابوت العهد من المعبد إلى ساحة القتال إلا أنه على الرغم من ذلك لم يسفر القتال إلا عن هزيمة بنى إسرائيل هزيمة منكرة بل إنهم فقدوا تابوت العهد ووقع فى أيدى الفلسطينيين كما قتل فى تلك المعركة إبنى عالى الكاهن حفنى وفنحاس وبذلك صدقت نبوءة النبى صمويل حيث قُتلا فى يوم واحد كما ذكر من قبل.

وعندما علم عالى الكاهن بهزيمة بنى إسرائيل بالإضافة إلى مقتل ولديه واستيلاء الفلسطينيين على تابوت العهد سقط من فوره على الأرض فكسرت عنقه ومات على الفور.

ثم تولى بعده قضاء بنى إسرائيل النبى [صمويل] الذى استطاع أن يسترد بعض المدن التى استولى عليها الفلسطينيون بالإضافة إلى محاولاته الجادة فى تقويم الشعب اليهودى ومحاولاته لتحسين سلوكهم الدينى والدنيوى .

و يعد صمويل عليه السلام من الأنبياء الذين حكموا اليهود فى تلك الفترة وليس معنى أن القرآن الكريم لم يذكر اسمه أنه ليس نبى فقد قال تعالى عن الأنبياء مخاطباً النبى ÷ }مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ| ، فليس جميع الأنبياء قد ذكروا فى القرآن وقد وردت قصته فى القرآن دون ذكر اسمه فى سورة البقرة وسوف نتعرض لها بالتفصيل فى الفصل التالى،حيث يتغير قادة اليهود من قضاة إلى ملوك ولكل من الفريقين طابع خص وقد انتهينا من الحديث عن القضاة ولنتحدث الآن عن ملوك اليهود وحكامهم فى تلك الفترة وأولهم [طالوت].



 

@ +

 

ملوك بنى إسرائيل

N

أول ملوك بنى إسرائيل : طالوت.

تولى داود عليه السلام الملك.

تجديد بناء أورشليم القدس فى عهد داود.

حادثة مدينة إيلات.

مزامير داود [الزبور].

إنقلاب إبنى داود عليه.

تولى سليمان بن داود الملك بعد أبيه سنة 960 ق.م.

عظمة ملك سليمان عليه السلام .

بناء هيكل سليمان عليه السلام

زيارة ملكة سبأ سليمان عليه السلام.

وفاة سليمان عليه السلام .



 

6

 

إن حكم قضاة اليهود لهم يعد فى حقيقة الأمر مرحلة مستقلة بذاتها فحكم القضاة فى الأصل يعتمد على قيم ومفاهيم دينية بحتة، والولاء للقضاة كان فى مجمله ولاء لجهة دينية محضة تعتمد على القوة الروحية للدين وتعاليمه ، ومن المفترض فى القضاة الذين يتولون الحكم أن يكون حكمهم ذا طابع دينى بحت، لكن يبدو أن معظم من تولى الحكم منهم قد أخذ حكمه الطابع السياسى والعسكرى فى بعض الأحيان، كما أن البعض منهم قد غلبت عليه المفاهيم الدنيوية، بالإضافة إلى ذلك فإن القضاة ذوى الطابع السياسى أو العسكرى ليسوا من ذوى الحنكة العسكرية؛ يستطيعون بها توطيد ملكهم، فهم فى مجملهم لا يلتزمون فى حكمهم بالطابع الدينى ، كما أنهم لا يملكون الحنكة العسكرية فى حكمهم ذى الطابع الدينى فلم يصلوا إلى هذا أو إلى ذاك . لذا كان من الطبيعى أن يرقى إلى حكم اليهود ملوك ذوو طابع خاص ؛ طابع عسكرى وسياسى ودينى فى نفس الوقت، لذلك فإن مرحلة قضاة اليهود منفصلة تماماً عن ملوكهم.

وهذا ما سوف نراه..


ملوك بنى إسرائيل:

أول ملوك بنى إسرائيل [طالوت]

لقد ظل النبى صمويل متولياً القضاء فى بنى إسرائيل حتى بلغه الكبر فولى شئون بنى إسرائيل لولديه "يوآل" و"ابيا" وكانا منحرفين كثيرى الجور على الشعب فى أحكامهما.

و تجمَّع كُبراء الشَّعب وتوجهوا إلى النَّبى صمويل حيث طالبوه أن يولى عليهم ملكاً يقودهم فى المعارك ويتحاكمون إليه كما للأمم الأخرى ملوك يتولون أمور شعوبهم وفى ذلك يقول تعالى }أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ|([55]) فأخبرهم صمويل أن الله قد اختار لهم شاؤل من سبط بنيامين ليكون ملكاً عليهم وهو من يسميه القرآن  الكريم طالوت فى قوله تعالى }إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا| . ولم يكن ذلك الاختيار ليرضى بنى إسرائيل لكون شاؤل من عامة الشعب فقالوا }أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ|([56])

وذلك الاعتراض من بنى إسرائيل على اختيار الله لشاؤل يدل على غبائهم الشديد فاختيار الله لا يعتمد على مقاييس البشر فى التفاضل وإلا كان أطول الناس أو أضخمهم خيرهم ولكن لله مقاييس أخرى تخالف ذلك ورغم ذلك أخبرهم أنه قد أتاه مقاييس التفاضل البشرى فقد رفع قدره وأعطاه العلم كما أعطاه القوة الجسمانية ليكون نموذجاً للقائد الذى يكتسب احترام جنوده ورعيته.

فقال بنوا إسرائيل لصمويل عليه السلام فما الدليل على اختيار الله لشاؤل؟ فأخبرهم أن دليل اختيار الله لشاؤل ليكون ملكاً عليهم هو أن يأتى إليهم تابوت العهد دون تدخل منهم وقد حدث ذلك بالفعل.

فحين استولى الفلسطينيون على تابوت العهد بعد انتصارهم على بنى إسرائيل وضعوه فى بيت أصنامهم بمدينة [اشدود] فلما أصبحوا رأوا الأصنام قد نكست فأقاموها من جديد . ووضعوا تابوت العهد أمام كبير الأصنام. وفى اليوم التالى وجدوا أن كبير الأصنام قد تحطم تماماً.

تكررت تلك الحادثة أكثر من مرة مما دفعهم إلى إخراج التابوت.

من المكان ووضعوه فى ناحية أخرى من المدينة فأصيب أهل تلك الناحية بمرض قضى على الكثيرين منهم فأخرجوه إلى قرية أخرى فأصيبت تلك القرية بخسائر فادحة فى أموالهم نتيجة لظهور نوع من القوارض التى سُلطت على ممتلكاتهم ، بل قضت على كثير من الرجال أنفسهم وهم نيام فعلم الجميع أن تابوت بنى إسرائيل أصبح نقمة عليهم فأخرجوه من المدينة ودفنوه فى الصحراء ليتخلصوا منه فكان من يقترب من مكانه يصاب بالقولنج فتشاور قادة الفلسطينيين فى ذلك الأمر وفكروا فى وسيلة للتخلص من ذلك التابوت نهائياً وإخراجه من بين ظهرانيهم وأخبرتهم إحدى كاهناتهم أنهم سيصابون بالكوارث والمصائب ما دام ذلك التابوت بينهم فقرر الجميع إخراج ذلك التابوت نهائياً من أراضيهم وإعادته إلى بنى إسرائيل ، فحملوه على عربة خشبية يجرها ثوران وأطلقوهما جهة أراضى بنى إسرائيل فوكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أراضى بنى إسرائيل وعندما رأى بنوا إسرائيل تابوت العهد كبَّروا وحمدوا الله بعد أن رأوا بأنفسهم آية تملك شاؤل عليهم ليكون أول ملك لهم.

و بدأ شاؤل يعد جنوده لمهاجمة الفلسطينيين وجمع حوله جميع جنوده وأخبرهم أن معركتهم القادمة معركة حاسمة وعليهم طاعته وتنفيذ أوامره بكل دقة حتى يتم لهم النصر.   ثم انطلق بهم إلى المعركة وفى الطريق أخبرهم بأنهم سيمرون على نهر وبالرغم من عطشهم عليهم ألا يشربوا منه إلا غرفة بأيديهم تُذهب عطشهم فقط دون أن ينكبوا على المياه ، ومن يخالف ذلك الأمر فعليه بالعودة ، فمن لا يطع أمر قائده فى شربة ماء فلن يطيعه على القـتال والموت .  ولم ينفذ الكثيرون منهم ذلك الأمر وارتدوا عائدين ولم يبقَ منهم سوى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً هم الصفوة .

و اتجه شاؤل بتلك القلة ليحارب بهم أعدائه فلم تراءت الفئتان ورأى بنو إسرائيل كثرة أعدائهم بقيادة قائدهم الرهيب جليات "جالوت" فزع الجميع واضطربت صفوفهم }قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ| ([57]) فلما بدا عليهم الرعب أخذ جنود جليات يسبونهم ويستهينون بأمرهم ولم يجرؤ أحد من بنى إسرائيل على التقدم نحو ساحة القتال، وطلب جليات أن يبارزه أحد منهم فلم يجبه أحدٌ ؛ ومَنْ منهم يجرؤ على  نزاله؟.

ملك داود عليه السلام

كان داود عليه السلام فتى صغيراً يرعى أغنام قومه فى خضم تلك الأحداث المخزية لبنى إسرائيل وكان إخوته ممن اشتركوا فى تلك المعارك وأراد داود يوماً أن يطمئن على حياة إخوته فغادر مدينة بيت لحم حيث يقيم وتوجه إلى حيث يوجد الجيش ، وتعجب الفتى الصغير مما رأى وعزَّ عليه ذِلَّة قومه وهوانهم أمام أعدائهم حيث عدموا الشجاعة وعزت عليهم أنفسهم وأحبوا الحياة أكثر مما يجب فأصابهم الجبن والهلع ولم يجرؤ أحد منهم على التصدى لجالوت حين ينادى فيهم علَّه يجد فيهم من يقوى على مصارعته، وأنى لهم ذلك، إنهم أضعف وأهون، وكيف يجود أحدهم بنفسه ولم يكن الإيمان قد تمكن منهم بعد، ذلك الإيمان الذى يجعل الحياة تهون فى سبيل مجد أزلى وشرف يدوم أبد الآبدين .

إن أرجلهم لا تكاد تقوى على حملهم ترتعد فرائصهم وتزوغ أعينهم خشية من الموت المحتوم الذى يكادون أن يروه فى أعين أعدائهم وعلى أطراف سيوفهم ورماحهم.   خائفون لا أحد يجرؤ على ملاقاته أو أدنى تفكير فى إمكان ذلك الأمر. لكن داود سرت فى نفسه نخوة الرجولة والشجاعة فتسلل بين الصفوف حتى وصل إلى قائد قومه "طالوت" وطلب منه السماح له بمبارزة جالوت ، جبار الفلسطينيين ووافق طالوت مضطراً أمام إصرار داود وألبسوا داود لباس الحرب وهى ثياب ثقيلة لتحميه من الطعنات ، لكن الفتى عجز عن السير بها فخلعها وأخذ مقلاعه الصغير الذى يجيد التصويب به وجمع بعض الحجارة الصغيرة ليواجه بتلك الأدوات البسيطة أشرس قائد للفلسطينيين.

توجه داود إلى جالوت ليقاتله فسخر منه جالوت فلا مجال للمقارنة ، إنها مهزلة بمعنى الكلمة ، صبى بمقلاع وبعض الحصوات يواجه قائد جيش لم يُرَ من هو افتك منه ، منظر يثير الضحك!! ولكن الفتى أثبت نفسه وحسم الأمر حين وضع حجراً فى مقلاعه وصوب نحو جبهة جالوت فشج رأسه ونزف دماً غزيراً وأتبعه داود بحجر أخر وفقد جالوت توازنه وسقط على الأرض يصرخ من الألم فانتزع داود منه السيف وقطع به رأسه وانتهى الأمر تماماً فقد خرَّ جبَّارُ الفلسطينيين صريعاً فكيف يكون حالهم هم، اضطربت صفوف الفلسطينيين بعد ما رأوا بأعينهم صبياً يقتل قائد جيشهم، فما بالك برجالهم وتبدد جمعهم وفروا فى كل اتجاه فهجم طالوت بجنوده عليهم ومزقهم شر ممزق.

و طار ذكر داود فى الآفاق وأصبح الكل يتحدث عنه وما فعله بقائد جيش الفلسطينيين ولكن تلك الشهرة كانت تزعج شاؤل (طالوت) وتشعره باندحار ملكه وخاف أن ينتزع منه داود الملك فاخذ طالوت باستمالة داود إلى صفه فزوجه بابنته وعينه قائداً للجيش.

و توالت انتصارات داود على نطاق واسع على عدة جبهات خارجية مع الأعداء وداخلية، فالشعب اصبح يعرف من  هو داود وازداد حبهم له نظراً لانتصاراته العسكرية التى توالت وطار ذكره بين قومه ، وأخذت فكرة زوال الملك تراود شاؤل "طالوت" ، فدبر الكثير من المؤامرات لقتله باءت بالفشل، ولما علم داود بعزم الملك على قتله فر هارباً ، فتدخل رجال الدولة وطالبوا الملك بالعفو عنه فوافق الملك ولكنه عزم على قتله بطريقة أخرى – فعندما عاد داود إلى بيته بعث وراءه الجنود ليقتلوه، ولكن زوجته وهى ابنة شاؤل حذرته واستطاعت أن تسهل له طريقاً للهروب.

و فر داود وظل هارباً حتى قُتل شاؤل "طالوت" مع أبناءه الثلاثة [يوناثان وأبيناءاب وملكيشوع] فى معركة جبل جلبوع التى دارت بينه وبين الفلسطينيين وقطع الفلسطينيون رأسه ودقوا جسمه بالمسامير على أسوار [بيت شان] وبعثوا بدروعه إلى معبد فينوس ولم يعد لبنى إسرائيل قائد يقودهم أو ملك يحكمهم ، فلما علم داود بمقتل شاؤل عاد إلى مدينة "الخليل" حيث أعلن هناك ملكاً على بنى إسرائيل }وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء| ([58]) الذى كان بحق بداية العصر الذهبى لبنى إسرائيل فى ذلك الوقت ، وقاتل داود الكنعانيين وطالت حروبه معهم واستطاع الاستيلاء على الكثير من مدنهم وفرض على بعض تلك المدن الجزية كما حارب موآب وأدوم وظفر بهم أيضاً وضرب عليهم الجزية .

وامتد ملك داود شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً واتسعت مملكته وليس معنى هذا أنها أصبحت إمبراطورية ضخمة لأن تلك المملكة كانت محاطة من الشرق والغرب بإمبراطوريات الفراعنة والأشوريين والبابليين ، لكن ملك داود كان ضخماً بالنسبة لليهود فى تلك الفترة السحيقة من الزمن.

تجديد بناء أورشليم (القدس) فى عهد داود

إن استقرار الملك فى أى دولة أو مملكة يتبعه بالضرورة حركة ازدهار وتشييد فى معظم أنحاء تلك المملكة أو تلك الدولة وقد كانت مملكة داود فى حالة رخاء واستقرار بصورة واضحة مما دفعه إلى التفكير فى تجديد مدينة [بيبوس] نسبة إلى أحد بطون الكنعانيين والتى استولى عليها داود منهم وكان فى الأصل تحمل اسم [أورسالم] حيث أقيمت حول بئر ثم حولت إلى حصن لموقعها الحصين فوق السهل وحينما استولى عليها داود من الكنعانيين العرب قام بتجديدها كما أنشأ به العديد من القصور الفخمة ثم أعاد إليها اسمها القديم  [أورسالم] أو أورشليم أى مدينة السلام واتخذها حاضرة لملكه كما أنشأ مدينة [صهيونِ] الواقعة على جبل صهيون أيضًا، و ينسب إليها اليهود فى العصر الحاضر فيقال [الصهاينة] نسبة إلى تلك المدينة القديمة.

حادثة مدينة إيلات

لقد وقعت فى عهـد داود عليه السلام حادثة غريبـة فى مدينـة إيلات }التى كانت حاضرة البحر| على خليج العقبة وقد ذكرها الدكتور محمود شلبى بالتفصيل فى كتابه "حياة داود"([59])  ، كما ورد ذكرها فى الذكر الحكيم وذلك فى سورة البقرة ومجمل القصة : أن الله قد أختبر اليهود الذين يسكنون تلك المدينة وحرم عليهم الصيد فى يوم السبت ليرى هل يلتزمون أم لا، وأغراهم الله بالصيد لينظر هل يتمسكون بما أمرهم به أم لا، فكان السمك يزداد بكثرة فى ذلك اليوم بالقرب من الشاطىء مما أغرى معظمهم بالصيد فى ذلك اليوم على الرغم من أمر الله لهم بعدم الصيد فى ذلك اليوم بالتحديد لكن طبيعة الإنسان الطمع وقد جبل على العصيان والتمرد.  و عاقبهم الله على عصيانهم بمسخهم قردة وخنازير وعلم داود بتلك الحادثة فغضب عليهم وأنكر فعلهم .

مزامير داود [ الزبور] ([60])

أعطى الله داود مزامير لينشد تلك المزامير تعظيماً لجلال الله و تسبيحاً له فهو النبى الملك ومن تلك المزامير نورد منها المزمور الأول حيث ورد فيه :

" طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة المنافقين وفى طريق الخطاة لم يقف وفى مجلس الساخرين لم يجلس بل فى شريعة الرب هواه وفى شريعته يهذ نهاراً وليلاً فيكون كالشجر المغروس على مجارى المياه الذى يؤتى ثمره فى أوانه وورقه لا يذبل وكل ما يصنعه ينجح " ، والمزامير هى ما تعرف بالزبور ، وقد ورد ذكرها فى القرأن الكريم حيث قال تعالى }وآتينا داود زبورا| وهو ما يعرف بالمزامير وقد وردت فى أسفار العهد القديم فى سفر المزامير الذى ضم جميع تلك المزامير .

و قد استقر ملك داود زمناً طويلاً وتزوج بنساء كثيرات وكان له من السرارى الكثيرات ، ويروى أن داود قد أعجب بامرأة كان قد خطبها رجل يدعى [أوريا] ولكن ذلك الرجل قتل فى إحدى المعارك فخطبها داود وتزوجها ويذهب البعض أن تلك المرأة كانت زوجة لأوريا هذا ودبر له داود خطة لقتله حيث بعثه إلى إحدى المعارك ضد الفلسطينيين ليقتل هناك ثم تزوجها داود بعد مقتله مباشرة ويستدلون على ذلك بما ورد فى قوله تعالى }وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ... |([61]) , ولكن يبدو أن تلك القصة ملفقة والتأويل الصحيح لما ورد ذكره فى القرأن الكريم من الآيات السابقة أن ذلك تعليم لداود حتى لا يتسرع فى الإجابة على أى سؤال حتى ولو كانت الإجابة عليه واضحة فليس معنى أن يأخذ صاحب التسعة والتسعون نعجة؛ نعجة صاحبه صاحب النعجة الواحدة ، ليس معنى ذلك أنه ظالم وذلك ما يظهر للوهلة الأولى لكن إذا تأملت بعض الشىء فربما يظهر لك أمراً خلاف ذلك فلا يجب التسرع فى إصدار الحكم . ولذلك قال تعالى (وظن داود أنما فتناه) أى اختبرناه

وبفضل علم داود وفطنته استطاع تقوية دولته والتحالف مع من حوله من ملوك حيث عقد معاهدة تعاون مع ملك صور [حيرام] وهى تنص على مرور تجارة مملكة صور من أراضى مملكة داود إلى البحر الأحمر وذلك الإتحاد يعنى تأمين المملكة من جهة  الشمال كما أمد جيشه بدروع من الحديد كان يصنعها هو بنفسه وبذلك ازدهرت مملكته وقوى جيشه .

انقلاب ابن داود عليه

على الرغم من الرخاء الذى عم مملكة داود الذى لم يشهد له اليهود مثيلاً مند خروجهم من مصر فقد حصل انشقاق خطير كاد يطيح بالمملكة كلها . ولم يكن ذلك الانقلاب من غريب فقد كان من ابنه [أبشلوم] الذى قاد ضد أبيه ثورة مسلحة انقسم بسببها الشعب إلى فريقين أحدهما مع داود والآخر مع ابنه أبشلوم ولم يجد داود بداً من السيطرة على الوضع مهما كانت النتيجة فأعد عدته وهاجم ابنه بقوات كبيرة لكنه أصدر أوامره لقواته بعدم قتل ابنه مهما كانت النتيجة ، لكن أبشلوم أثناء سيره خلال الأشجار الواقعة فى ساحة القتال تعلق بإحدى الأشجار رغماً عنه فرآه وزير الملك داود فضربه بالرمح ثم قطع رأسه وعلم داود بالأمر فغضب لما حدث ولكن بمقتل أبشلوم قد قضى على تلك الفتنة مما جعل داود يتجه مرة أخرى إلى توطيد حكمه من جديد .

تولى سليمان بن داود الملك بعد أبيه سنة 960 قبل الميلاد

لقد حكم داود مملكته ما يقرب من أربعين سنة وظل يحكمها بقوة حتى أحس بدنو أجله فكان لابد أن يختار لتلك المملكة من يقودها من بعده فجعل ابنه [سليمان] هو ذلك الملك حيث أرسله مع الكبار من القواد إلى مدينة جيحون ليتم تنصيبه ملكاً رسمياً ولما أحس باقتراب أجله أوصاه بتلك الوصية ، حيث قال:

"أنا ذاهب فى سبيل أهل الأرض كلهم فتشدد وكن رجلاً واحفظ شعائر الرب إلهك و سر فى طريقه واحفظ وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب فى شريعة موسى لكى تفلح حيثما توجهت"([62]).

ثم توفى داود بعد أن ظل فى الحكم أربعين سنة وخلفه فى حكم البلاد ابنه سليمان }وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ | ([63]) وذلك فى عام 960 قبل الميلاد.

و قد أعطى الله لسليمان من الذكاء والفطنة ما جعل قومه يلتفون حوله من ذلك نورد تلك القصة التى تدل على مدى فطنته : حيث يروى أن امرأتين قد ذهبتا إليه ليحكم بينهما فى طفل تدعيه كل منهما لنفسها . فأمر سليمان سيافه بأن يقطع الطفل نصفين ليعطى كل واحدة منهما نصفه فوافقت إحداهما ولكن الثانية رفضت وقالت لا أيها الملك إدفعه إليها سليماً ولا تقتله ، وعلى الفور أمر سليمان أن تُعطى تلك المرأة ذلك الطفل لما بدا عليها من أمارات الحب والحنان الذى لا يصدر إلا من أم حقيقية أما التى وافقت على تقسيمه فلا يمكن أن يكون ولدها.

كما ذكر القرآن الكريم قصته حين حضر مشكلة كانت معروضة أمام أبيه داود وهو ما يزال صبياً حيث رعت غنم لقوم فى زرع لآخرين فقضى داود بأن يأخذ صاحب الزرع الغنم عوضاً عن زرعه لكن سليمان رأى أن يأخذ صاحب الزرع غنم الآخر فينتفع بلبنها وصوفها حتى يأخذ صاحب الغنم الأرض ليصلحها وتعود كما كانت ثم يأخذ كل واحد منهما ما يخصه بعد ذلك ولما سمع داود حكم سليمان أعجبه ذلك الحكم وأقره حيث رآه أفضل مما حكم به هو وهذا دليل واضح على مدى ذكاء سليمان وفطنته منذ صغره وقد وردت تلك القصة فى سورة الأنبياء كدليل واضح على عبقرية هذا النبى الملك.

عظمة ملك سليمان عليه السلام

لقد أعطى الله لسليمان ملكاً عظيماً فى إمكانياته حيث سخر له كل شىء فى الوجود من ريح وجن وطير وأناسى وهذا لا يعنى أن ملك سليمان قد شمل الأرض كلها بل إنه لم يتجاوز حدود أرض الشام كما أعتقد حيث كانت تحيط بمملكة سليمان من الشرق امبراطورية عريقة هى الإمبراطورية الأشورية ومن الغرب الإمبراطورية المصرية الفرعونية الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين كما عرفت ممالك قريبة منه كمملكة سبأ فى اليمن وتلك أدلة واضحة على أن ملك سليمان لم يكن واسعاً من الناحية الكمية أى مساحة الرقعة التى يحكمها بل من حيث إمكانياته فقد سخر الله له الجن والإنس والطير وكل شيء.

و قد أصيب فى أوائل فترة حكمه بمرض نحل منه جسمه حتى صار من شدة الضعف كأنه جسد ملقى على عرش ملكه فلما صبر لابتلاء الله شفى من مرضه وفى ذلك يقول تعالى }وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ | ثم دعا سليمان ربه فقال }قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي | فسخر الله له الجن يعملون له ما يشاء وسخر له الريح وكل قوى الطبيعة فكان جيشه من أقوى الجيوش ودولته من أعظم الدول بإمكانياتها ، وفى ذلك يقول تعالى }فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ| ([64])كما صورت أسفار العهد القديم ذلك الملك [ فقد أعطيت لك الحكمة والمعرفة وسأعطيك غنى وثروة ومجداً لم يكن مثلها للملوك من قبلك ولن يكون لأحد من بعدك ]([65]) وبذلك الملك العظيم قويت مملكة سليمان وعاش اليهود أزهى  عصورهم على الإطلاق بتلك الإمكانيات الضخمة ولا يعنى هذا أنهم استطاعوا السيطرة على المناطق المحيطة بل إنها مملكة إمكانيات لا مكان بمعنى أنها مملكة صغيرة المساحة لكنها تملك من الإمكانيات الكثير كما ذكرت من قبل وقد استغل سليمان تلك الإمكانيات فى توطيد حكمه وتقوية سلطانه.

بناء هيكل سليمان

إن هيكل سليمان عليه السلام هو من أكثر الأبنية التى دارت حولها كثير من الأحداث وتناقلت الألسن الأحاديث حولها كما كان له مكان الصدارة فى الصراع الدائم بين اليهود والمسلمين عبر التاريخ والعصور فماذا يعنى هذا البناء وكيف بنى؟!

الهيكل بالنسبة لليهود هو أقدس الأماكن وهو يوازى فى مكانته لدى اليهود مكانة الحرم المكى الشريف لدى المسلمين .

وفى الحقيقة أن الهيكل هو بناء تقام فيه مراسم الصلاة عند اليهود بمعنى أنه بناء دينى بحت وقد بدأ سليمان فى بناءه بعد أربع سنوات من توليه الحكم وقد استغل سليمان كل إمكانياته فى هذا البناء العظيم كما بعث إلى ملك صور الفينيقى حيرام يطلب منه بناء على التحالف الذى عقد بينه وبين أبيه داود أن يمده بالعمال المهرة وكميات ضخمة من خشب الأرز والصندل الموجود بكثرة فى جبال لبنان فاستجاب له ملك صور وأرسل إليه  ما طلب وشرع سليمان فى بناء هيكله الشهير كالآتى نقلاً عن وصف أسفار العهد القديم :

[ كانت الأسس التى وضعها سليمان لبناء بيت الله ستين ذراعاً طولاً وعشرين ذراعاً عرضاً.. كما ألبس البيت روافده وأعتابه وجدرانه ومصاريعه ذهباً .. وصنع مذبح نحاس طوله عشرون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً وسمكه عشرة أذرع .. وصنع سليمان جميع أدوات بيت الله ، ومذبح الذهب والموائد وعليها خبز الوجوه والمنائر وسُرجها لتوقد بحسب المرسوم أمام المحراب من ذهب خالص والأزهار والسرج من الذهب تام الخلوص والمقاريض والجامات والصحون والمجامر من ذهب خالص ومصاريع باب البيت الداخلى وهو قدس الأقداس من ذهب] ([66]) وقد بذل سليمان مجهوداً ضخماً فى هذا البناء العظيم حتى أتمه فى أعالى القدس شاهداً على عظمة ملكه .

وهو بناء اشترك فى بنائه الإنس  والجن كما قال تعالى }..وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ| ([67]), وقال أيضاً }وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ| ([68]) كل تلك الإمكانيات التى لم ولن تعط لبشر سخرت لإنشاء هذا البناء الذى ألهب خيال الناس على مر العصور .

وتم البناء على أكمل ما يكون بعد سبع سنوات من العمل المنظم والمجهود الضخم وأدخل سليمان تابوت العهد الذى يحوى آثار موسى وهارون ووضعه فى قلب الهيكل فى قدس الأقداس ثم جثا على ركبتيه شاكراً لله قائلاً: [ اللهم إله إسرائيل ليس مثلك فى السماوات العلى ولا فى الأرضين السفلى وقد وفيت لعبدك داود ما وعدته أسألك أنه إذا أثم بنوا إسرائيل وانهزموا أمام أعدائهم ودعوك فى هذا البيت فاستجب لهم واغفر خطاياهم وانصرهم على أعدائهم . وإذا أثموا فانحبس عنهم المطر فأتوا هذا البيت فأهطل لهم مطراً وآرْوِ أرضهم بغيثك وإذا كان فى الأرض جوع أو جراد أو موت أو مرض فاستغاثوك فاستجب لهم وإذا أتى أحد من الأمم الغريبة إلى هذا البيت ودعاك فاستجب له لتعلم شعوب الأرض أنك أنت الله وحدك فيخافوك]([69])

و ذبح سليمان ذبائح كثيرة وقرب إلى الله القرابين كما جعل ذلك اليوم عيداً يحتفل به الناس لمدة سبعة أيام ووفد إليه ملوك الأرض يهنئونه ويقدمون له الهدايا وطار ذكره فى الآفاق ، وفى حقيقة الأمر أن هيكل سليمان عليه السلام هو من الأماكن المقدسة التى يتمنى الجميع مسلمين أو يهود أو غيرهم لو رأوه فهو مكان لعبادة الله أقامه نبى من أنبيائه هو سليمان عليه السلام وليس هو حق لليهود وحدهم بل هو حق لكل من آمن بالله الواحد واتبع ما أنزل من عند الله وقد تعرض هذا البناء العظيم للهدم أكثر من مرة عبر العصور كما سنرى بإذن الله.

زيارة بلقيس ملكة سبأ لسليمان

أعطى الله النبى سليمان عليه السلام ملكاً لم يعطه لأحد ولن يحوزه  أحد فقد سخرت له الدنيا بما فيها من الإنس والجن والطير والرياح ، لذلك فقد طار ذكره فى الآفاق وخشيه ملوك الأرض حين يسمعون اسمه فهم يعرفون مدى عظمه ملكه ومن أشهر من آمن به واتبع تعاليمه ملكة سبأ التى بهرها برسالة ألقى بها هدهد من أتباع سليمان فلما رأت ذلك تعجبت عجباً شديداً فأى ملك يستطيع أن يتحكم فى تلك الطيور غير المستأنسة ولكنها أصيبت برعب خلع قلبها حين قرأت رسالة سليمان شديدة اللهجة التى يقول فى صدرها }إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ| صاحب الملك والجبروت }وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ| ([70]) فأتت إليه مسرعة خوفاً من بطشه بها وقومها ولكن الإيمان دخل قلبها حين رأت علو منزلته بين رعيته وبهرها ملكه الذى لا يضاهيه ملك فأعلنت اتباعها لدينه قائلة }قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ| ([71])، وهكذا أصبحت بلاد سبأ كلها فى أقصى اليمن تؤمن بالله الواحد بفضل سليمان عليه السلام بعد أن كانوا يعبدون الشمس والقمر من دون الله .

وفاة سليمان عليه السلام

حكم سليمان عليه السلام بحكمة وعبقرية فعاش اليهود فى كنفه فى راحة وسكينة وقد كانت فترة حكم سليمان أزهى عصور بنى إسرائيل على الإطلاق حيث عم الرخاء ربوع المملكة وشملها السلام بعد تأمينه حدودها الغربية بزواجه بابنة الفرعون المصرى شيشنق كما أن حدودها الشمالية مؤمنة بموجب اتفاقية الملك داود مع ملك صور وأنشأ سليمان العديد من المدن منها تَدْمُر وجازر كما أقام حول أورشليم صور عظيم وظل سليمان يحكم مملكته بكل قوة وحسم أربعين سنة كانت أزهى فترة عاشها الشعب اليهودى وأكثر فترة عم فيها السلام أراضيهم حتى توفى سليمان سنة 920 ق.م ودفن فى مدينة داود تاركاً مملكته يحكمها من يختاره الشعب.



# +

انقسام مملكة اليهود واستمرار تبادل الإمبراطوريات

الكبرى السيطرة على المنطقة

N

انقسام مملكة سليمان عقب وفاته .

غزو الفرعون المصرى شيشنق لمملكة اليهود .

النزاع بين ملوك مملكتى يهوذا وإسرائيل.

ضم الأشوريين مملكتى اليهود.

عودة سيطرة مصر على مملكتى اليهود.

الأسر البابلى لليهود وسيطرة بابل على المنطقة .

تدمير هيكل سليمان عليه السلام.

نبوة  عزير.

بدء الحياة الفكرية عند اليهود خلال فترة الأسر البابلى.

سقوط الإمبراطورية البابلية وعودة اليهود من الأسر.

الإمبراطورية الرومانية وفلسطين .

سيطرة مارك أنطونيو وكليوباترا على المنطقة.

بعثة زكريا ويحيا.

بناء الهيكل الثانى.



انقسام مملكة سليمان عليه السلام عقب وفاته سنة 920 ق.م

تحتاج الدولة الراقية إلى رجل ذو فطنة وذكاء ليستطيع الرقى بدولته وبنائها داخلياً وخارجياً وقد كانت مملكة سليمان متماسكة الأجزاء قوية الأركان بفضل ملكها القوى صاحب الفطنة والذكاء ، وبموت سليمان لم يستطع الحفاظ على تلك المملكة من جاء بعده نظراً للسياسة الخاطئة التى اتبعوها فى الحكم مع رعيتهم والتى ينتج عنه فى نهاية الأمر اضطراب الأوضاع وزعزعة الاستقرار فى البلاد.

فعندما توفى سليمان حوالى سنة 920 قبل الميلاد خَلَفَه فى حكم مملكته ابنه الأكبر [رحبعام] وقد كان شديداً جداً وجافاً مع رعيته حيث بدأ حكمه لهم بقوله :

[ إن أبى ثقل عليكم نيركم وأنا أزيد على نيركم وأبى أدبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب] وبناء على تلك القسوة التى أظهرها لهم لم يلتزم له من رعاياه سوى من ينتمون إلى سبطى يهوذا أو بنيامين فأصبح حكمه بذلك قاصراً على أراضيهم فقط كبيت المقدس وغزة وعسقلان .

بينما اختارت البقية العظمى من الشعب أخيه [يربعام] ليكون حاكماً عليهم، وبذلك تكون مملكة سليمان قد انقسمت إلى جزأين هما :

مملكة رحبعام وتسمى مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم وتقع فى الجنوب.

مملكة يربعام وتسمى مملكة إسرائيل وعاصمتها شكيم وتقع فى الشمال .

كما قامت النزاعات العنيفة بين المملكتين بسبب رغبة رحبعام فى ضم مملكة إسرائيل لكن الوضع لم يستقر كما هو عليه طويلاً فإن الدولتين تحيط بهما امبراطوريات ضخمـة ترغب فى توسـيع نفـوذها كالإمبراطورية الفرعونية والإمبراطورية الأشورية والإمبراطورية البابلية وتلك هى أكبر الإمبراطوريات التى شهدها العالم فى تلك الفترة من الزمن ، وكانت تلك المنطقة الواقعة على حدود تلك الإمبراطورية ساحة نزال بينهم وحين تتغلب إحدى الإمبراطوريات تسيطر على تلك المنطقة وتضم أراضيها إلى نفوذها ولا قدرة لليهود على مجابهة أى من تلك الإمبراطوريات وما عليهم إلا الإذعان أو الموت .

غزو الفرعون المصرى شيشنق سنة 920 ق.م لمملكة اليهود

انتهز شيشنق أحد فراعنة مصر وهو المؤسس للأسرة الثامنة والعشرين انقسام مملكة اليهود وانحلالها وقام بضمها إلى الإمبراطورية الفرعونية ليجعله بذلك حاجزاً بينه وبين الإمبراطورية الأشورية فى الشرق وقد استطاع ضمها بسهولة فهى أقل من أن تقاوم تلك الإمبراطورية العاتية .

إلا أن شيشنق كان يترك لهم فرصة الحكم الذاتى على شريطة ألا يمثلوا خطراً  على حدود الإمبراطورية وللتأكد من ذلك كان يقوم من حين لآخر ببعض الحملات عليهم .

النزاع بين ملوك مملكتى يهوذا وإسرائيل

لقد ظلت مملكتَىْ اليهود يهوذا وإسرائيل فى نزاع مستمر ففى الوقت الذى يتوقف غزو فراعنة مصر لهم يبدأون هم غزو بعضهم البعض وكأن الله قد سلطهم على أنفسهم وتبدوا تلك  الفترة للوهلة الأولى معقدة حيث تولى الحكم فى كلتا المملكتين تقريباً ثمانية وثلاثون ملكاً وهو عدد كبير فى فترة قصيرة إلى حد كبير وهم كالآتى :

يربعام ملك مملكة إسرائيل وهو ابن سليمان الأول وخلفه ناداب ثم بعشا – إيلة – زمرى – عمرى – أحاب – أحازيا – يورام – ياهو – يوآحاز – يوآش – يربعام الثانى– زكريا بن يربعام – شالوم بن يابيس – فاقح بن رمليا – هوشع بن إيلة .

وهم تسعة عشر ملكاً حكموا مملكة إسرائيل جميعهم من الأسرة الملكية .

أما من حكموا مملكة يهوذا فقد حكمها :

رحبعام بن سليمان ثم خلفه ابيا – أسا – يوشفاط – يورام – احازيا – عتليا – يوآش بن أحازيا – امصيا – عزريا – يوتام – آحاز – حزقيا – منسى– أمون – يوشيا – يوآ حاز – يوياقيم – صرقيا . وهم تسعة عشر ملكاً أيضاً .

و قد استمرت الحروب بين كل من المملكتين المنقسمتين فترة طويلة خلال حكم هؤلاء الملوك كما حدثت كثير من الأحداث التى غيرت كثيراً من شكل المملكتين أو ولائهما سواء كان ولاء لحكام مصر من الفراعنة أو لحكام الإمبراطورية الآشورية أو البابلية من تلك الحوادث .

ضم الآشوريين مملكتى اليهود

كانت مملكتا يهوذا وإسرائيل واقعتين على حدود أكبر إمبراطوريتين فى تلك الفترة هما الإمبراطورية الأشورية فى الشرق والإمبراطورية المصرية الفرعونية فى الغرب، وهاتان الإمبراطوريتان كانتا دائماً تتبادلان الاستيلاء على كلتا المملكتين فحين تتغلب إحداهما على الأخرى تستولى على تلك المنطقة بمن عليها من يهود وكنعانيين عرب فهم تبعاً لمن يحكم بلادهم أو تبعاً للأقوى على أدق الأقوال وأصحها.

وكانت مصر بقيادة الفرعون المصرى شيشنق قد ضمت تلك الأرض إلى حكمها وذلك عام 920 ق.م وأصبحت تابعة للإمبراطورية المصرية فترة طويلة وإن كانت تحت قيادة ذاتية إسمية فقط وقد يشتد النزاع أحياناً بين المملكتين فتستعين إحداهما على الأخرى بإحدى الدول الكبرى  المحيطة بها كما حدث حين تحالف كل من ملك إسرائيل فاقح مع ملك آرام ضد ملك يهوذا آحاز واستطاعا الاستيلاء على معظم أراضى مملكة يهوذا مما دفع أحاز إلى الاستنجاد بملك الإمبراطورية الأشورية [تجلات فلاسر] خاصة بعد أن حاصره ملك إسرائيل وملك أرام داخل مدينة أورشليم نفسها وقد نجح تجلات فلاسر فى غزو أراضى ملك آرام وقتله كما استولى على أرض إسرائيل وفرض على ملكها الجزية يؤديها إليه كل عام وظل يأخذ الجزية من مملكة إسرائيل حتى توفى وخلفه [شلمناصر الخامس] وفى عهده رفض ملك مملكة إسرائيل الجديد دفع الجزية لآشور مما دفع [شلمناصر الخامس] إلى مهاجمة مملكة إسرائيل مرة أخرى وحاصرها لكنه توفى أثناء الحصار وخلفه فى حكم آشور الملك سرجون الثانى الذى استطاع إخضاع مملكة إسرائيل لحكمه بعد حصار دام ثلاث سنوات وذلك فى عام 721 ق.م كما قتل معظم سكانها ونقل البقية منهم إلى مناطق مختلفة وبذلك قضى على مملكة إسرائيل تماماً وبقية مملكة يهوذا فقط ولكن أتى دورها هى الآخرى حيث استطاع خلفه [سنحاريب] أن يقضى عليها هى الأخرى ويضمها إلى مملكته واستطاع أن يجبره على دفع الجزية وبذلك جعل تلك المملكة خاضعة لآشور هى الأخرى وذلك اثناء حكم الملك [حزقيا] لتلك المملكة كما استولى الملك [سنحاريب] أيضاً على مدن الساحل الشمالية كما استطاع صد الغزو المصرى لمدن الساحل حيث كانت مصر تحاول إرجاع تلك المدن إلى سيطرتها ولكن استطاع الملك الأشورى سنحاريب صد ذلك الغزو ثم عاد بعد ذلك إلى حاضرة ملكه [نينوى] حيث قتله ابناه وهو ساجد لآلهته الوثنية .

لكن ظلت الإمبراطورية الأشورية مسيطرة على ا لمنطقة خاصة بعد أن أخضعت مصر ذاتها لسلطانها وذلك فى عام 760 ق.م ([72]) وبذلك أصبحت المنطقة كلها تابعة للإمبراطورية الآشورية ، إلا أن الدولة الآشورية أخذت تنهار شيئاً فشيئاً نتيجة للمعارك التى وقعت ضدها وقتال الفرس والكلدانيين الشرس مما أدى إلى انهيارها فى نهاية الأمر ونشأة الإمبراطورية البابلية الجديدة سنة 606 ق.م على أنقاضها .

إعادة مصر سيطرتها على مملكة اليهود

استطاعت مصر بزعامة [أبسمتيك الأول] التخلص من الحكم الأشورى أثناء الإضطرابات التى حلت بالإمبراطورية الآشورية نتيجة لانهيار الدولة القديمة وقيام الإمبراطورية البابلية على أنقاضها كما استولت مصر على سوريا بقيادة الفرعون المصرى [نخاو الثانى] واستمر الجيش المصرى يواصل فتوحاته فى سوريا دون مقاومة بهدف توسيع حدود مصر الشرقية على حساب الإمبراطورية الآشورية المريضة.

لكن [يوشيا] ملك إسرائيل فى تلك الفترة والذى كان تابعاً لبابل الجديدة وريثة آشور حاول صد الجيش المصرى فى منطقة [وادى مجدوا] لكنه بجيشه الهزيل أمام الحشود المصرية الفرعونية لقى هزيمة منكرة قتل فيها هو ومعظم قواته وذلك فى عام 608 ق.م([73]) .

ثم ولى الفرعون المصرى مكانه [يوياقيم] ليحكم مملكة يهوذا بالنيابة عن مصر وتحت التاج الفرعونى كما كانت من قبل.

الأسر البابلى لليهود وسيطرة بابل على المنطقة

فى الوقت الذى استولت فيه الإمبراطورية المصرية الفرعونية على المنطقة وبسطت نفوذها على الأراضى المتاخمة لحدودها الشرقية تولى الحكم فى الإمبراطورية الآشورية البابلية الملك [نبوخذ نصر] واستطاع إقامة امبراطورية أشورية بابلية قوية ومن أجل تقوية سلطانه حاول الاستيلاء على الأراضى التى انتزعتها من آشور الأمبراطورية المصرية الفرعونية وبالفعل فقد توجه إلى أورشليم لينتزعها من التاج الفرعونى إلا إن الفرعون المصرى [نخاو] توجه إليه بقواته واصطدمت قوات الدولتين العظيمتين فى موقعة كركميش سنة 597 ق.م

وانتصرت فى تلك الموقعة القوات الآشورية وأصبحت بلاد الشام رهن أمر ملكهم نبوخذ نصر الذى كان عليه بعد ذلك بسط سيطرته على بقية بلاد الشام.

تدمير هيكل سليمان عليه السلام

حين استطاع الإمبراطور الأشورى [نبوخذ نصر] التغلب على الفرعون المصرى [نخاو] فى موقعة كركميش سنة 597 ق.م توجه على الفور بقواته نحو أورشليم لفرض سيطرته عليها خاصة وأن ملك أورشليم [يوياقيم] كان يدين بالولاء للمصريين ولم يكن استيلاء نبوخذ نصر على أورشليم صعباً خاصة بعد قضائه على الجيش المصرى الذى كان يمدها بالمساعدات والسلاح واستطاع نبوخذ نصر بسهولة انتزاع المدينة بعد حصار قصير ثم عزل ملكها يوياقيم الذى يدين بالولاء لمليكه المصرى نخاو وجعل مكانه عمه صديقيا ليكون ملكاً على مملكة يهوذا الصغيرة كجزء من الإمبراطورية البابلية الأشورية إلا أن صديقيا كان يميل إلى الاستقلال عن بابل معتمدا ًعلى المساعدات المصرية التى كانت تقدم إليه خفية من آن لآخر مما شجعه على الامتناع عن الولاء لبابل وحين شعر الإمبراطور البابلى بنوخذ نصر بذلك عاد مرة أخرى بقواته وحاصر اورشليم أكثر من عام كامل واستطاع أخيراً الاستيلاء عليها ولأنه شعر بأن تلك المملكة الصغيرة ربما تتمرد مرة أخرى عمل على محوها من الوجود تماماً فأسر ملكها صديقيا وقتل أولاده أمام عينيه ثم ثمل عينيه وبعث به إلى بابل حيث مات هناك ورميت جثته وراء أسوار بابل .

وخرب بنوخذ نصر المملكة الصغيرة تماماً ودمر هيكل سليمان للمرة الأولى باعتباره أهم رموز اليهود فى ذلك الوقت فعمل على محو كل أثر لهم من الوجود تماماً كما جمع من تبقى منهم بعد القتال وبعث بهم إلى بابل كاسرى وعبيد يخدمون أسيادهم الجدد حيث عاشوا هناك فترة طويلة عرفت بفترة الأسر البابلى حيث خلت البلاد تماماً من أى أثر لهم بما فيه هيكل سليمان الشهير والذى كان تدميره للمرة الأولى سنة 586 قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الأحداث فى قوله تعالى }وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً| ([74]) .

ومن الملاحظ أن الفترة من وفاة سليمان عليه السلام حتى انتهاء مملكتى اليهود هى أكثر سنوات انحلال اليهود وتمردهم وعصيانهم لأوامر الله وتعاليم  التوراة التى كانت تعتبر بالنسبة لهم دستوراً خاصاً يتبعون تعاليمه وقوانينه إلا أنهم انحرفوا كثيراً وأدخلت عبادة الأصنام إلى هاتين المملكتين الصغيرتين، ومن أشهر الأحداث التى ساعدت على دخول عبادة الأصنام إلى هاتين المملكتين هى زواج الملك أحاب الذى كان يحكم مملكة يهوذا سنة 874  ق.م من ابنة ملك صيدا وصور والتى كانت تدعى [ايزابلا] التى استطاعت أن تنشر عبادة إله صيدا المعروف [بعل ماكرات] فى جميع أنحاء المملكة كما أشار إلى ذلك ول ديورانت فى كتابه "قصة الحضارة" ، ولا يعنى أن تلك الفترة كانت فى معظمها انحلالاً كاملاً فقد تخللها فترات - وإن كانت قصيرة- كان اليهود يعودون فيها إلى تعاليم التوراة ووصايا موسى عليه السلام .

نبوة عزير

وقع اليهود فى الأسر البابلى فترة طويلة ودمرت المدينة المقدسة تماماً وأصبحت خراباً بسبب سكانها الذين تمردوا أكثر من مرة على حكامهم من الأباطرة المحيطين بمملكتهم الصغيرة ووقعت لهم تلك الأحداث العظيمة التى أذهلتهم فى ذلك الوقت العصيب كان منهم عزير الذى ينسب إلى هارون عليه السلام والذى كان صبياً شب فى وسط تلك الأحداث وتعجب من الخراب الذى حل بالمدينة المقدسة بقوله }أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا| ([75]) وقبضه الله إليه مائة عام فيها أعيد بناء المدينة من جديد بعد عودة اليهود من الأسر . وبعثه الله من جديد فكان آية لهم حيث بعث على هيئته التى مات عليها ثم أعاد إليهم أسفار التوارة التى أحرقها نبوخذ نصر فقد كان يحفظها ونتيجة لتلك المعجزات الباهرة ألَّهه اليهود وقالوا }عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ| ([76]) نظرة لبعثه بعد موته بفترة طويلة جعلتهم يتخبطون فى ضلالهم ويجعلونه ابناً لله فعلى الرغم مما حل بهم على يد بنوخذ نصر لم يلتزموا بتعاليم الله بل حادوا عنها وزعموا أن له ابناً تعالى الله عما يقولون.

وكان تفرق اليهود بعد تلك الأحداث التى حلت بهم تفرقاً كبيراً حيث نزلت طائفة منهم أرض الحجاز وطائفة يثرب وطائفة وادى القرى ([77]) ليكون لهم شأن أخر.

بدء الحياة الفكرية عند اليهود خلال فترة الأسر البابلى :

لم يكن الشعب اليهودى قبل الأسر البابلى شعباً ذا حضارة وأمجاد فلم يكن ذا أصول متعمقة فى تاريخ الإنسانية كبقية شعوب المنطقة المحيطة بتجمعات اليهود من أشوريين وبابليين ومصريين، بل كان الشعب اليهودى قبل الأسر شعباً همجياً لا يعرف أكثرهم القراءة والكتابة وغير ذلك من أصول الحضارات القديمة ولم يكن لهم أدب يجمع قرائح أفكارهم إذ لم تكن لهم أفكار اصلاً وفى المقابل لم يكن لهم أدب ، فلم تكن حياتهم قبل الأسر سوى حياة مجموعة من الهمج تعيش فى جماعات عرقية ينتمون إلى أصول عرقية مختلفة تحافظ كل جماعة منهم على انتمائها العرقى يحكمهم حكام ليس لهم أية اهتمامات بتوعيتهم فكرياً بل يهتمون أولاً بتوطيد ملكهم والمحافظة عليهم من المتربصين بهم دون أدنى اهتمام منهم بالحياة الفكرية والثقافية لشعوبهم .

كما أن الشعب اليهودى كان يقطن على أطراف أكبر امبراطوريتين عرفهما العالم فى تلك الفترة هما المصرية والآشورية ، يقول ول ديورانت "وكان من حسن حظ فلسطين أومن سوء حظها أن تقع بين عواصم النيل وعواصم دجلة والفرات وهذا الموقع قد جاء إلى بلاد اليهود بالتجارة كما جاءها بالحرب وكم من مرة ضُيق على اليهود فلم يجدوا مخرجاً من ضيقهم إلا بالانضمام إلى أحد الطرفين فى الصراع القائم بين الإمبراطوريات الكبرى وبأداء الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكم من مرة اجتاح المصطرعون بلادهم"([78]) ولهذا الوضع غير المستقر لم يهنأ لليهود بالعيش لتعمهم مظاهر الرخاء ولتكون لهم حضارة وارفة الظلال.

وظل اليهود على ذلك الوضع غير المستقر حتى هبت العاصفة البابلية ومحت يد الدولة البابلية الجديدة أخر كيانات اليهود بالمنطقة باكتساحها لمملكة يهوذا ونقلها معظم سكانها إلى بابل فيما يعرف بالآسر البابلى وهناك فى الأسر البابلى اطلع اليهود على مظاهر الحضارة فشاهدوها بأعينهم وعايشوها بأنفسهم وأصبح الجو مهيأً لهم لتكوينهم لثقافتهم الخاصة وأدبهم الخاص .

فلا نزاع بينهم ولا ملوك لهم يتنازعون فيما بينهم على السلطة ولا انحلال داخل كياناتهم فالبلاد ليست بلادهم ، فليس لهم حق فى اختيار الملك أو اختيار السلطة الحاكمة لهم أو المساهمة فى تحقيق ذلك ، بل ليست لهم المقدرة على ذلك فهم لا يمثلون قوة داخل الدولة وليسوا من أبناء البلاد فما عليهم سوى العيش على هامش الحياة البابلية بلا تدخل منهم فيما لا يعنيهم من شئون اسيادهم البابليين الجدد كما كانوا فى مصر من قبل موسى.

و نتيجة لذلك أصبحت حياة اليهود فى بابل حياة هادئة لا تعكر صفوها الحروب والمنازعات فنضج الفكر اليهودى وظهرت أول جزئيات من الأدب اليهودى المتمثل فى أسفار العهد القديم.

موقف الإمبراطورية الفارسية من اليهود

سقوط الإمبراطورية البابلية وعودة اليهود من الأسر

حين تولى الإمبراطور [نابونيدس] الملك فى بابل ملأ حاضرة ملكه بابل بعدد كبير من آلهة الأقاليم كما أقام لها المعابد فى بابل ذاتها فى محاولة منه لبث روح المركزية فى دولته ([79]) ليحميها من عوامل التفكك التى بدأت تطرأ عليها.

إلا أن كهنة بابل لم يعجبهم هذا الوضع بل أثار ذلك غيرتهم على إلههم بعل مردوخ رب البابليين الأكبر فأخذوا فى تدبير الخطط للتخلص من ملكهم الذى جلب إليهم آلهة الأقاليم الأخرى.

وكانت الفرصة سانحة لهم للتخلص من الإمبراطور نابونيدس حين زحف قورش الفارسى حاكم الإمبراطوبية الميدية المجاورة على بابل سنة 538 قبل الميلاد.

و دارت معركة كبيرة خارج أسوار بابل بين نابونيدس وقورش وسهل كهنة بابل الأمر على قورش ففتحوا أبواب المدينة ليدخلها قورش بجيشه دون أدنى مقاومة ظناً من الكهنة بأن زوال ملك ملكهم نابونيدس يعنى سقوط الآلهة التى أتى بها إلى بابل وبقاء عبادة رب البابليين الأكبر بعل مردوخ.

ولكنهم لم يجنوا من خيانتهم لبابل شىء فلم تعد بابل هى العاصمة ([80])  وانتكست آلهتها بما فيها بعل مردوخ بزوال المركزية عنها .

و بسقوط بابل آلت الإمبراطورية البابلية بجميع ممتلكاتها إلى الفرس تباعاً، كما أطلق الفرس على اليهود المنتشرين داخل تلك الإمبراطورية البابلية لقب اليهود -كما يعتقد البعض- وسمح قورش لبعض اليهود بالعودة إلى أرض فلسطين ليعيشوا بها كرعايا له داخل أراضيه مع ولائهم الكامل له .

ولكن أكثر اليهود كانوا قد ألفوا الحياة البابلية وامتدت أعراقهم وعرفوا به  خصب العيش والتجارة الرابحة المغرية ومن ثم ترددوا طويلاً فى العودة لفقر تعيش فيه قفارهم القديمة واستقر رأى الغالبية منهم على البقاء فى بابل وعادت جماعات قليلة منهم إلى فلسطين وصرح لهم قورش ببناء هيكل سليمان المتهدم وبالطبع لم يكن على نفس المستوى الفنى لهيكل سليمان.

و ظلت فلسطين خاضعة للإمبراطورية الفارسية ردحاً من الزمن حتى توفى قورش وخلفه ابنه [قمبيز بن قورش] الذى استطاع إخضاع مصر أيضاً لسيادة الإمبراطورية الفارسية بمساعدة السفن الفينيقية([81])  إلا أنه توفى أثناء عودته فى الطريق بعد أن ضم مصر إلى حظيرة امبراطوريته وخلفه [دار الميدى] أحد مستشارى الملك السابق قورش([82])  والذى تم فى عهده بناء الهيكل سنة 515 قبل الميلاد فاختاره اليهود حاكماً عليهم تحت السيادة الفارسية.

وعند تولى [أرتحشتا الأول] الحكم فى الإمبراطورية الفارسية سمح لمجموعتين من اليهود بالعودة إلى بلادهم ، إحدى تلك المجموعات بزعامة نحما الذى كون حكومة يهودية تصطبغ بالصبغة الدينية المتشددة حيث لعن اليهود الذين تزوجوا من غير اليهوديات وقام بجلدهم ونزع شعورهم وأمرهم بالقسم على عدم العودة إلى مثل ذلك مرة أخرى([83]) كما أعاد نحما بناء أسوار أورشليم مرة أخرى .

وكانت المجموعة الثانية القادمة من بلاد فارس بزعامة عزرا الذى تشدد هو الآخر على اليهود وأجبرهم على إخراج النساء غير اليهوديات من بين ظهرانيهم وأعلن أن أبنائهم منهم غير شرعيين([84]) .

الإمبراطورية الرومانية وفلسطين

لم يستقر الوضع فى المنطقة فترة طويلة فما أن اكتسحتها الإمبراطورية الفارسية واستقر الحكم الفارسى على المنطقة بعض الوقت حتى استعدت اليونان لاسترداد مملكتها التى انتزعتها منها تلك الإمبراطورية، وبدأ الجيش اليونانى هجومه على الإمبراطورية الفارسية فى ربيع عام 433 قبل الميلاد بقيادة [الإسكندر] المقدونى الذى كان تحت إمرته ما يتراوح بين ثلاثين أو أربعين ألف جندى.

واستطاع الإسكندر التغلب على [داريوس الثالث] الفارس فى منطقة [ايسوس] ورغم تفوق جيش داريوس من الناحية العددية إلا أنه هُزم وفرَّ داريوس هارباً ثم قُتل بعد ذلك وسقطت الإمبراطورية الفارسية وآلت ممتلكاتها إلى اليونان واستسلمت فلسطين للإسكندر المقدونى سنة 332 قبل الميلاد .

و بعد وفاة الإسكندر قُسمت ممتلكاته على قواد جيشه فكانت آسيا الصغرى وفلسطين تابعة لأنتيغونس وبابل لسلوقس ومصر لبطليموس ومقدونيا لأنتينباترا.

وقامت المنازعات بين هؤلاء القواد حول مناطق نفوذهم فاستطاع [بطليموس] انتزاع فلسطين من [انتيغونس] سنة 312 قبل الميلاد وضم [سلوقس] شرق آسيا الصغرى وسوريا إلى ممتلكاته فانتزع منه بطليموس سوريا ، وعند تولى [انطيوخس الثالث] عرش الإمبراطورية السلوقية نجح فى استردادها منه بعد معركة طويلة استخدمت فيها الفيلة سنة 198 قبل الميلاد ([85]) . واستطاع خلفه [انطيوخس الرابع] الاستيلاء على مصر نفسها سنة 169 ق.م ثم عاد إلى أورشليم بعد استيلائه على مصر مباشرة فخرب هيكلها و هدم بيوتها وقتل الكثيرين من اليهود والعرب بعد أن سلب ممتلكاتهم فأصبحت أورشليم خراباً.

ولم يرضَ سكان البلاد من اليهود وغيرهم بذلك الوضع المخزى على الدوام فقد قاموا بعدة ثورات على هذا الوضع كان من ابرزها ثورة [يهوذا بن ماتانياس] سنة 168 ق.م الذى اتخذ لنفسه لقب المكابى وقد نظم العصابات غير النظامية التى كانت تعمل فى التلال تجنباً لمواجهة الجيش النظامى الضخم لأنطيوخس إلا أنه قتل فى نهاية الأمر وخلفه أخوه [سمعان] سنة 141 قبل الميلاد([86]) وقد منحه الإمبراطور السلوقى فى تلك الفترة [ديمتريوس الثانى] الحكـم الذاتى وظل يحكم اليهود باعتباره كاهن أعظم ثم خلفه ابنه [يوحنا] سنة 135 ق.م والذى أجبر الأدوميين على الدخول فى اليهودية ثم خلفه بعد وفاته ابنه [اريسطوبولس] سند 105 ق.م والذى أعلن نفسه ملكاً على اليهود بعد شعوره بضعف الإمبراطورية السلوقـية ثم خلفه ابنه [إسكندر جناديوس] سنة 103 ق.م وقد كان متشدداً لدرجة كبيرة فقد أجبر سكان الجليل من غير اليهوديين بالختان والدخول فى اليهودية أو القتل وبالطبع فقد فضلت الأكثرية منهم الدخول فى اليهودية ، ومن الملاحظ أن سيطرة اليهود وقياداتهم على الأراضى التى يقطنون فيها لم تكن سيطرة مطلقة فقد كانوا تابعين فى كل الأحوال لأى إمبراطورية كبرى تسيطر على بلاد الشام بأكملها فلم يكن لهم ملك مطلق كما قد يتصور البعض إلا أنهم فى الوقت الذى يشعرون فيه بضعف حكامهم من الأباطرة الذين يسيطرون على المنطقة كانوا يثورون على حكمهم وينزعون إلى الحكم الذاتى وذلك كان حالهم دائماً.

فى تلك الأثناء كانت روما تكتسح المنطقة لتضمها إلى حظيرتها واستطاعت بالفعل الاستيلاء على مناطق شاسعة من سوريا وتم لهم الاستيلاء على فلسطين سنة 63 ق.م بقيادة القائد الرومانى [بوبى] الذى ألغى المجمع اليهودى وهدم أسوار أورشليم وأقام [أرلوس غابينيوس] سنة 57 ق.م نائباً عن روما لحكم البلاد والذى جرد حاكم اليهود والكاهن الأعظم [هيركانوس الثانى] من رتبته الملكية وفرض ضرائب ثقيلة على السكان كما قام بتقسيم المملكة اليهودية الصغيرة إلى خمسة أقاليم ليقلل ممن قوتها وبعد وفاة [غابينوس] خلفه [كراسوس] سنة 54 ق.م ([87]) كنائب عن روما أيضاً والذى ظل يحكم المنطقة حتى وقعت الحرب الأهلية فى روما بين قادة الجيوش الرومانية .

سيطرة مارك انطونيو وكليوباترا على المنطقة

لقد ظلت روما تسيطر على بلاد الشام وفلسطين بقوة فترة طويلة حتى اغتيل القيصر الرومانى بأيدى رجال دولته مما أدى إلى وقوع حرب أهلية بين قادة الجيوش أدت فى نهاية الأمر إلى تقسيم الإمبراطورية بينهم فكانت مصر وبلاد الشام بما فيها فلسطين بالطبع تحت سيطرة القائد الرومانى الشهير مارك أنطونيو وذلك سند 40 ق.م.

وقد أهدى مارك أنطونيو [سوريا] وبلاد الشام إلى عشيقته المصرية [كليوباترا] والتى كان يربطها بذلك القائد الرومانى علاقة وطيدة جعلته يضع تلك البلاد تحت أقدامها دون تردد.

بعثة زكريا ويحيى

فى خضم تلك الأحداث وفى الوقت الذى خضعت فيه بلاد الشام لمارك أنطونيو وعشيقته المصرية كليوباترا سنة 20 ق. م بعث الله زكريا نبياً لبنى إسرائيل يدعوهم إلى العودة إلى تعاليم الدين القويم والتمسك بعقيدتهم فى ذلك الوقت العصيب ، فكان يدعوهم نهاراً ثم يأوى إلى محرابه متعبداً لله ، ولما بلغ من الكبر عتيا عهدت إليه إحدى نساء بنى إسرائيل وهى زوجة عمران  التى يقول فيه تعالى }إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا| ([88]) عهدت امرأة عمران تلك إلى زكريا بابنتها التى وهبتها لخدمة بيت الله ليتعهدها بالراعية حتى تشب متعبدة فى ذلك الجو الروحى وكم كانت دهشته حينما كان يدخل عليها محراب عبادتها فيجد عندها رزقاً وطعاماً لم يقدمه لها فيقول لها }يـَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ|، وكم كان زكريا يتمنى الولد فى ذلك الوقت فتوجه على الفور إلى ربه }رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً| واستجاب الله له ووهب له يحيى بعد أن كان قد يئس من الإنجاب حين بلغ من الكبر عتيا ومنَّ الله عليهما بالنبوة ليسير يحيى على طريق النور مع أبيه لتقويم بنى إسرائيل.

إعادة بناء الهيكل الثانى لليهود

حين استولى مارك أنطونيوا سنة 40 ق.م على بلاد الشام وفلسطين عزل الأسرة المكابية عن حكم اليهود وجعل مقامها الأسرة الهيرودية بزعامة [هيرودس] ([89]) وفى عام 37 ق.م كان هيرودس قد وطد حكمه فى أورشليم كنائب عن روما ولكن كملك للبلاد ويبدوا لى أن الذى ساعده على ذلك هو انشغال مارك انطونيو وكليوباترا بالصراع مع [أوكتافيون] القائد الرومانى الآخر المنافس لأنطونيو.

و بعد أن قوى هيرودس سلطانه وبسط نفوذه على البلاد شرع من جديد فى بناء هيكل لليهود عوضاً عن هيكل سليمان الذى دمر من قبل ، ولم يكن هذا الهيكل قريناً لهيكل سليمان ولا أظن ذلك على الإطلاق نظراً لحقارة إمكانيات هذا  الملك الصغير مقارنة بملك سليمان العظيم والذى لا يمكن مقارنته به بأى شكل من الأشكال إلا أنه اعد بنائه وفقاً لإمكانياته فى ذلك الوقت الكثير الاضطراب والتقلبات ليعيد لليهود بذلك رمز تدينهم الذى يحاولون إثباته من آن لآخر وقد ظل هيرودس يحكم اليهود فترة طويلة حتى بعد استيلاء [أوكتافيون] على مصر وسوريا من مارك أنطونيوا وكليوباترا بعد تغلبه عليهما فى موقعة أوكيتون البحرية الشهيرة والتى كانت سنة 31 قبل ميلاد المسيح عليه السلام وانتقال السيادة على المنطقة إليه واستغل هيرودس ذلك الوضع المتقلب وحكم اليهود حكماً مطلقاً كما سحق كل مظاهر المعارضة لحكمه ؛ حتى المعارضة التى كانت تصدر من أفراد أسرته وكان جائراً بصورة كبيرة فى أحكامه متسلطاً على قومه.

و فى الفترة التى كان يحكم اليهود هيرودس قتل نبى الله يحيى وقد ذكر ابن كثير أنه قتل بدمشق بأمر من ملك دمشق هداو بن هدار الذى أمر بذبحه ، وقيل أنه قتل على صخرة بيت المقدس ([90]) ثم تبعه مقتل والده زكريا عليه السلام لتقع بعد ذلك نكبات وأحداث عظام، وتوفى هيرودس سنة 4 ق.م بعد أن وهب ممتلكاته لابنه [أرخيلوس] .

ثم ولد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وخلع [أرخيلوس] بعد ميلاد المسيح عليه السلام بست سنوات ليوضع اليهود بذلك تحت الحكم المباشر من روما وظل الوضع كذلك فترة طويلة حتى بعث عيسى نبياً إلى بنى إسرائيل فى عهد بيلاطس البنطى بعد أن قتل اليهود معظم أنبيائهم غلواً وتعالياً وتمرداً على تعاليم الله وخروجاً على قواعد الدين الحق. وبميلاد المسيح عليه إسلام وبعثته يتحول اليهود إلى عيسى يكيلون له أصناف الإيذاء والإهانة ويكون لهم معه شأن جديد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

$ +

موقف اليهود من الأديان الأخرى

N

تمهيد

أولاً موقف اليهود من المسيح وأتباعه :

ظهور النبى عيسى عليه السلام.

بواكير الحركة الماسونية.

تدمير الهيكل الثانى لليهود

طرد اليهود من فلسطين نهائياً

إنشاء المسجد الأقصى .

زيارة الرسول ÷ للمسجد الأقصى ومدينة إيليا (القدس).

هزيمة الروم فى أدنى الأرض.

ثانياً موقف اليهود من الإسلام.

آخر مؤامرات اليهود ضد الأديان الأخرى وخاصة الإسلام.



6

على مر العصور كان لليهود الكثير من المواقف الغريبة ؛ فعلى الرغم من أنهم فى معظم الأحيان لا يلتزمون بتعاليم التوراة أو تعاليم أنبيائهم إلا أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار فهم فى اعتقادهم خير البشر والأحق برعاية الله دون النظر إلى مدى التزامهم بتعاليم الله وشريعته فلم يلتزموا بأدنى حقوق البشر فى وقت السلم أو فى وقت الحرب والأمثلة السابقة أو القادمة خير دليل على ذلك، وقد نسوا أن الله قد خلق البشر جميعاً ، وأنه لا يعنيه الجنس أو اللون أو الانتماء العرقى بل يعنيه سبحانه وتعالى التزام البشر جميعاً بالقواعد والأصول التى وضعها للبشر عن طريق الأنبياء والرسل والذى بعثهم كمعلمين وكقادة للبشر وإن كانوا يعتقدون أنهم الأفضل فلا ميزة لهم سوى ما يحدثونه من تفرقة ونزاعات وصراعات بين الأمم والتاريخ خير شاهد على ذلك قديماً وحديثاً .

لقد كان لليهود بسبب أفكارهم العدوانية تلك؛ مواقف فى غاية الانحطاط والخبث مع أتباع الديانات الأخرى سواء مع الأنبياء أو أتباعهم على الرغم من أن الجميع يدعون إلى عقيدة واحدة هى الوحدانية بكل ما تعنيه من إيمان بالله الواحد ومن التزام بكل تعاليمه ومراعاة حقوق البشر على السواء لا فضل لأحد إلا بالتقوى فكيف كان موقف اليهود من عيسى عليه السلام وأتباعه وموقفهم من نبى الإسلام ÷؟!!

ذلك ما سنتعرف عليه ..


أولاً:  موقف اليهود من المسيح وأتباعه

ظهور النبى عيسى عليه السلام

عندما ظهر المسيح بدعوته أثناء حكم بيلاطس البنطى لليهود تآمر اليهود عليه وحاولوا بشتى الطرق أن يقضوا على دعوته فى مهدها ، وبرغم من ذلك إلا أن أتباع المسيح كانوا يزدادون يوماً عن يوم فقد ظهرت على يديه الكثير من المعجزات الدالة على نبوته فقد كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله كما أن ولادته كانت من أجلّ المعجزات.

و لكن اليهود وخاصة زعمائهم أنكروا عليه دعوته خشية من ضياع نفوذهم فقد كان أكثرهم فى ضلال كبير فقد انحرفوا  عن الطريق القويم الذى رسمه موسى وكل أنبيائهم من بعده فلم يعد لهم هم سوى جمع المال وحاول عيسى تقويمهم ولكن دون جدوى.

فكانت دعوته مقلقة لهم فقد تبعه الكثيرون وساروا وراءه مما أثار الكهنة ضده ودفعهم إلى محاولات النيل منه (فقد هالهم اتباع الناس له وانصرافهم عنهم وخيلت لهم نفوسهم أن عيسى قد تستطير بسببه الفتنة ،وتكاد تشب من بين أنصاره الثورة مع أنه قد جاء مصدقاً لما بين يديه من التوراة ولكن أين هم منها وقد بدَّلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار واستبدلوا بدين ما ينمى ثروتهم ويغدق الخير عليهم ويبقى السلطان فى أيديهم )([91]) وعمل اليهود على نشر الريبة و الشك حول دعوته من الناس وزعموا أنه يحارب تعاليم التوراة وأنه خائن لدينه وعزم اليهود على التخلص منه حتى ينتهى أمره نهائياً.

و علم عيسى بمكيدتهم حينما ذهبوا إلى [بيلاطس البنطى] يحاولون أن يحصلوا منه على إذن بالقبض عليه وتم لهم ذلك لكنهم بحثوا عن عيسى فى كل مكان فلم يجدوه ولكن الخيانة هى داء البشر دائماً فما لبثوا يبحثون عنه حتى أتى أحد تلامذته المسمى [ يهوذا الإسخريوطى] ليعلن لهم عن مكانه نظير مكافئة مهينة نظير خيانته (وحين ذهبوا للقبض على عيسى فى هذه الساعة الرهيبة تجلت قدرة الله وامتدت إليه يد العناية فأخفاه الله عن أعين الناظرين ووقع تحت بصرهم رجل شديد الشبه به ذلك الرجل كان من أبلغ عن مكانه فانقضوا عليه وأخذوا بتلابيبه فتملكته الدهشة وعقدت المفاجأة لسانه فاستاقوه إلى ساحة الصلب حيث لقى حتفه جزاءاً لخيانته وانفض الجمع من حوله وهم يزعمون أنهم قتلوا عيسى)([92]) مهنئين أنفسهم بالانتصار عليه والتخلص من دعوته .

}وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا|([93])

ولم يقف الوضع عند ذلك الحد بل إن اليهود ظلوا يضطهدون أتباع المسيح بعد أن رفعه الله إليه .

بواكير الحركة الماسونية

إن بواكير الحركة الماسونية كانت فى الأصل تهدف إلى محاربة أتباع عيسى عليه السلام ويتضح ذلك حين نتأمل قول [حيرام أبيود] مستشار الملك [هيرودس اكريبا] وهو يكشف من البداية الفعلية لعمل الماسونية حين تم تأسيس جمعية (القوة الخفية) الماسونية فى أورشليم فى 24 يونيو حزيران سنة 43 م بعد رفع المسيح فنراه يقول:

"لما رأيت أن رجال الدجال يسوع وأتباعهم يكثرون ويجتهدون بتضليل الشعب اليهودى مثلت أمام مولاى جلالة الملك [هيرودس اكريبا] واقترحت عليه تأسيس جمعية سرية هدفها محاربة أولئك المضلين على أننا نبذل كل جهد ما عز وهان لأجل إحباط مساعيهم الفاسدة وإبادتهم إذا أمكننا "([94]) .

ووافق الملك هيرودس اكريبا على إنشاء تلك الجمعية واختار لها اسم "القوة الخفية" واختار لها ثمانية أعضاء بالإضافة إليه هم : الملك هيرودس اكربيا رئيساً – حيرام أبيود – موآب لافى – أدونيرام – جوهانان – أبدون أنتيبا – ابيرون – آبيا .

وأقسم كل عضو منهم قائلاً : " أنا فلان بن فلان اقسم بالله وبالتوراة وبشرفى بأننى حيث قد صرت عضواً من التسعة الأعضاء المؤسسين جمعية القوة الخفية . أتعهد أن لا أخون إخوانى أعضاءها بشىء يضر بشخصيتهم ولا بكل ما يعود لمقررات الجمعية . أتعهد بأن أتبع مبادئها وأتم كل ما نقرره باتفاقنا نحن التسعة المؤسسين بكل دقة وطاعة وضبط وبكل غيرة وأمانة ، وأتعهد أن أجتهد بتوفير عدد أعضائها . أتعهد بمناهضة كل من يتبع تعاليم الدجال يسوع ومحاربة رجاله حتى الموت...  الخ"([95]).

و هذا القَسَم يدل بكل وضوح على اعتقادهم الجازم بأن المسيح ما هو إلا دجال وعليهم محاربته بشتى الطرق ، ثم تطورت الحركات الماسونية بعد ذلك حتى تغلغلت فى العصر الحديث فى شتى نواحى المجتمع بصور مختلفة متخفين تحت ستار زاهى الألوان يخدع البلهاء من الناس فأصبحوا لا يعترفون بقيم أو دين رغم تسترهم أحياناً خلف شعار الدين والشعارات الخيرية مؤكدين قول القائل ليس قبيح إلا وظاهره أحسن من باطنه ، ونسوق بعض ما ذكره المسيحىُّ لويس شيخوا من أشياء مخزية تفضح الماسونية وتعريها من مظاهرها الخداعة ؛ فيقول "إن أراد الماسون أن ينظموا أحداً فى شيعتهم الماسونية فيصفونها لهم وصفاً شائعاً قائلين لهم إنها جمعية خيرية غايتها الترقى وان أعضائها إخوة يعيشون بالود والمساواة وان الماسونى وطنه المعمورة كلها فليس مكان فى العالم إلا ويلقى إخوة يتسابقون فى إكرامه ومساعدته لدى معرفته انه من شركتهم ...  وإن عثروا على رجل يطلب رفاهية الحياة فيذكرون له أن فى الماسونية مآدب  متواترة ...و إن كان المقصود إدخالهم فى الماسونية من أهل الصناعة والتجارة فيثبتون لهم أن الشركة الماسونية تفيدهم فى أرباحهم ... فعلى الماسونى أن يقدم لكل واحد من ا لأدلة الموافقة لحالته وحرفته وعقله وأمياله فيجذبه بما هوموافق لمقتضى الأحوال"([96])

ثم ينقل لويس شيخو رسالة وقعت فى يديه كانت مرسلة من أحد قادة الماسونيين إلى أحد رؤساء المحافل الماسونية جاء فيها: [عليكم خاصة بالشبيبة فلا تدخروا وسعاً لكى تجتذبوهم إلى جماعاتنا الماسونية بطريقة خفية لا يشعر به الشبان لئلا ينفروا عنا]([97]) .

فالماسونية داء يحاول الفتك بشباب الأمم من مسيحيين أو مسلمين لئلا تقوم لهم قائمة وتبقى لليهود اليد الطولى على العالم ومقدراته حيث يسيطرون على مراكز القوة فى العالم ويحركون قادته بخيوط غير مرئية. فدعوات الماسونية إذاً براقة تخدع من يقترب منها من القادة أومن العامة فهم يتخذون القادة فى كل مجال يتسللون من خلاله إلى العامة بأفكارهم الهدامة ليخربوا العقول ويهدموا حضارات الأمم فهم كالحيتان تحيا وتزدهر بالقضاء على غيرها.

([98])| إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }

تدمير الهيكل الثانى لليهود

فى الوقت  الذى كانت بلاد الشام بما فيها فلسطين ما تزال تحت سيطرة الدولة الرومانية استمرت الصراعات على أشدها بين اليهود وأتباع المسيح وخاصة فيما يقرب من سنة 66 م لنتيجة لخلافات عقائدية شديدة أدت إلى اضطرابات خطيرة فى المنطقة كما اشتعلت ثورات عديدة ضد الحكم الرومانى ؛ وخاصة فى أثناء تولى الحكم فى روما الحاكم الرومانى الشهير [نيرون] الذى غضب بشدة من تلك الاضطرابات وصمم على القضاء على زعماء الفتنة وتأكيد سيطرة روما على  المنطقة فقام بغزو المنطقة بجيوش جرارة استطاع من خلالها إخضاع المناطق الريفية مرة أخرى واستولى على بعض الحصون بالمنطقة كما دمر مدينة يافا تماماً.

و فى الوقت الذى كان فيه الجيش الرومانى على وشك محاصرة أورشليم توفى نيرون فخلفه على روما قائد جيشه [سباسيان] الذى كلف بدوره ابنه [تيطس] بمهمة الاستيلاء على أورشليم فتم له فتحها سنة 70 م بعد حصار دام خمسة أشهر كما قام بإحراقها وقتل غالبية سكانها تقريباً كما دمر هيكله الذى بناه هيرودس فى موقع هيكل سليمان ثم أخذ الكثير من الاسرى لتشاهدهم الجماهير الرومانية وهم يصارعون الوحوش فى مدرجات أعدت خصيصاً لذلك ، كما منع البقية الباقية من اليهود من الاقتراب من أورشليم لتنتهى بذلك الثورة على الحكم الرومانى ولكن انتهائها لم يكن نهائياً.

طرد اليهود من فلسطين نهائياً

حين قضى [تيطس] على الثورة ضد الحكم الرومانى وهدم مدينة أورشليم بأمر من الحاكم الرومانى سباسيان لم يستقر الوضع فى المنطقة فسرعان ما عادت الثورة من جديد بعد عدة سنوات على يد [سيمون باركوخبا] سنة 132م وعلى الفور قام الحاكم الرومانى فى ذلك الوقت [هدريان] بالتصدى لتلك الثورة المتأججة واستطاع سحقها من جديد وأعاد تدمير المدينة المقدسة أو ما تبقى منها ليمحوها تماماً من الوجود كما طرد كل من بقى من اليهود فى المنطقة طرداً نهائياً وبذلك خلت فلسطين منهم تماماً، ثم بنى الرومان مدينة جديدة فى موقع أورشليم تماماً وسميت بمدينة [ايليا] نسبة إلى الإمبراطور الرومانى ايليوس، وبنوا بها معبداً للإله الرومانى [جوبتر].

و هكذا غادر اليهود المنطقة بلا رجعة ويذكرنى ذلك بقول الشاعر:

إذا ذهب الحمار بأم عمرو         فلا رجعت ولا رجع الحمار

ليتفرقوا فى بقاع الأرض المختلفة وليعودوا كما كانوا من قبل بلا مكان أو وطن ينسبون إليه فاتجهت جماعات منهم إلى أوربا حيث استقروا بها ليكون لهم دور فى احداث التاريخ فى دول مختلفة من القارة الأوربية من إشعال للحروب والفتن.

كما اتجهت جماعات أخرى إلى افريقيا وأخرى إلى آسيا وشبه الجزيرة العربية لتكون لهم جولة خاصة مع الإسلام حين ظهوره فى تلك البقاع .

و فى كل مكان ينزلون به تدور صراعات وفتن فهم بلا وطن ولا يدينون بالولاء لأى مكان فيملأهم الحقد والبغضاء على أهل تلك الأوطان التى ينزلون بها ويعيشون فى جماعات منعزلة تثير عزلتها الريبة والشك فى أمرهم }و تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى| تلك طبيعتهم على الدوام.

إنشاء المسجد الأقصى

كانت سيطرة الرومان على بلاد الشام وفى نطاقها بالطبع فلسطين سيطرة قوية جداً خاصة بعد تدمير الحاكم الرومانى [هدريان] لمدينة القدس سنة 132 ميلادية بعد ثورة سكان المدينة من اليهود خاصة على الحكم الرومانى فلم يجد الحاكم الرومانى مفراً من تدمير المدينة عن بكرة أبيها والتنكيل بأسباب الفتنة والثورة بها من اليهود ومن أتباع المسيح ، ثم قام الرومان ببناء مدينة جديدة على أنقاض مدينة القدس وأطلقوا عليها اسم مدينة [ايليا] وذلك نسبة إلى الإمبراطور الرومانى ايليوس.

و بذلك التغيير فى اسم المدينة المقدسة تكون تلك المدينة قد حملت عدة أسماء منذ أقامها العرب الكنعانيون منها [أورسالم – بيبوس – أورشليم ثم إيليا] وغيرها من الأسماء . وظل الرومان تابعين لدينهم الخاص حيث كانوا يعبدون آلهة مختلفة ؛ أشهرها إلههم الرومانى [جوبيتر] فهم وثنيون يعبدون الأصنام كما هو واضح منذ عصورهم المتقدمة وقد استمروا على دينهم هذا حتى بعد بعثة عيسى عليه السلام بأكثر من ثلاثمائة عام حيث كان اضطهادهم لهذا الدين الجديد هو شغلهم الشاغل بتحريض من اليهود الذين كان لهم دور بارز فى كثير من المذابح التى أعدت لأتباع هذا الدين الجديد .

وحين تولى حكم الرومان الإمبراطور [قسطنطين] وذلك بعد بعثة عيسى عليه السلام بما يقرب من ثلاثمائة عام ؛ اعتنق هذا الإمبراطور الديانة المسيحية وعمل بدوره على نشر هذا الدين فى أنحاء إمبراطوريته فأنشأ العديد من أماكن العبادة وخاصة فى مدينة ايليا أو القدس الجديدة كما أنشأت أمه الإمبراطورة هيلانه كنيسة القيامة الشهيرة الموجودة حتى الآن فى قلب القدس .

وهنا يظهر لنا سؤال مُلحّ ، وهو أين كان المسجد الأقصى من كل هذا ؟! وهل أقيم فى موقع هيكل سليمان أم لا؟! والإجابة على هذا السؤال تجعلنا نعود إلى الإحداث السابقة .

لقد دمرت المدينة وأعيد بنائها أكثر من مرة كان أولها سنة 597 قبل الميلاد بعد تغلب نبوخذ نصر امبراطور الدولة الآشورية البابلية الجديدة على الفرعون المصرى [نخاو] فى موقعة كركميش ، واستيلائه على المدينة التى كانت ضمن الممتلكات الفرعونية فى تلك الفترة ومحيت معالمها تماماً من الوجود ثم أعيد بناء المدينة أو أجزاء منها سنة 515 قبل الميلاد وما بعدها .

ثم هدمت المدينة مرة أخرى ودمرت تماماً سنة 169 قبل الميلاد فى عهد الإمبراطور السلوقى انطيونس الرابع بعد استيلائه على مصر أيضاً. و دمرت المدينة مرة أخرى سنة 70  م فى عهد الحاكم الرومانى سباسيان الذى تولى الحكم فى روما بعد وفاة الحاكم الرومانى الشهير نيرون وكلف ابنه تيطس بمهمة الاستيلاء على المدينة وتدميرها بعد ثورة أهلها على الحكم الرومانى.

ثم أعاد الحاكم الرومانى هدريان تدمير المدينة مرة أخرى بعد عودة الثورة مرة ثانية تدميراً شديداً كما قام بحرث أراضيها حتى لا يبقى فيه حجر على حجر، وبذلك محا المدينة تماماً من الوجود وأقيم فى موقعها مدينة جديدة هى مدينة إيليا نسبة إلى الإمبراطور الرومانى ايليوس وبذلك تكون تلك المدينة قد دمرت أكثر من أربع مرات ومحيت معالمها تماماً من الوجود على مدى أكثر من خمسة قرون ، وبناء على ذلك لا يمكن على الإطلاق معرفة موضع أى بناء كان بها قبل ذلك وخاصة هيكل سليمان عليه السلام الذى دمر على وجه الخصوص بصورة مبالغ فيها باعتباره رمزاً لليهود فى تلك الفترة وهم المقصودون بالتدمير والإبادة وهو كذلك مركز قيادتهم ، فكان لذلك أكثر الأماكن تدميراً على مدى القرون.

وحين أعيد بناء مدينة القدس تحت اسم مدينة ايليا- كما أشرت إلى ذلك منذ قليل – كانت فى نفس موضع مدينة القدس المدمرة غير أن الأبنية القديمة التى دمرت بنيت من جديد تحمل سمات خاصة لذلك العصر وهو العصر الرومانى فلم تكن الديانة المسيحية قد عرفت فى تلك الفترة المتقدمة .

ومن الملاحظ أن تلك المدينة كانت ذات طابع دينى على مدى العصور منذ إنشاء هيكل سليمان عليه السلام بها وحتى بعد تدميرها وإعادة بنائها من جديد تحت اسم [ايليا] حيث أقام الرومان بها معبداً للإله [إيليوس] وبعد ظهور المسيحية بأكثر من ثلاثمائة عام ، اعتنق الإمبراطور الرومانى قسطنطين الديانة المسيحية وعمل على إنشاء العديد من دور العبادة بتلك المدينة المقدسة كما حول العديد من المعابد الوثنية إلى دور لعبادة الله الواحد وجعل عليها عمالاً يقومون على خدمتها وهم من عرفوا بالبطاركة ويبدو أن بيت المقدس كان من تلك الأبنية التى بنيت أو جددت فى عهد ذلك القيصر قسطنطين وإن كان إنشائها على غرار هيكل سليمان إلا أنه لا يمكن على الإطلاق القول بأن هذا البناء قد أقيم على أنقاض هيكل سليمان أو فى موقعه نظراً لتدمير المدينة أكثر من مرة وعدم وجود أى أدلة يمكن على أساسها معرفة موقعه على سبيل الدقة أو التحديد . ثم أعيد بناء هذا المبنى من جديد فى العصر الأموى على صورته التى هو عليها حتى الآن .

و الذى يؤكد ما أذهب إليه من وجود هذا المبنى فى العصر الرومانى وفى تلك الفترة بالذات هو زيارة الرسول ÷لهذا البناء فى رحلته الشهيرة رحلة الإسراء والمعراج والتى كانت فى عهد الإمبراطور الرومانى الشهير هرقل وقد يعتقد البعض أن الرسول ÷قد انطلق فى رحلة المعراج من مكان عرف فيما بعد وأقيم به المسجد الأقصى بمعنى أنه لم يكن هناك مبنى أصلاً ولكن ما يؤكد وجود ذلك المبنى فى ذلك الوقت بالذات هو أن الرسول ÷قد وصفه لقريش تفصيلاً حينما طلب منه القريشيون  ذلك مما يؤكد على وجوده فى ذلك الوقت الذى وقعت فهي حادثة الإسراء والمعراج كما سنرى..

زيارة الرسول  ÷للمسجد الأقصى ومدينة القدس

عرف القريشيون بلاد الشام معرفة جيدة فقد كانوا يقومون بزيارتها فى كل عام فى رحلة الصيف التجارية التى كانوا يتجهون بها إلى بلاد الشام والتى أشار إليها القرآن الكريم فى قوله تعالى }لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ|([99]) ، أما رحلة الشتاء فكانت إلى بلاد اليمن وكانت بلاد الشام فى بداية ظهور الإسلام واقعة فى نطاق الحكم الرومانى بقيادة الإمبراطور الرومانى الشهير هرقل وحين وقعت حادثة الإسراء والمعراج الشهيرة والتى قام بها النبى محمد ÷من مكة إلى مدينة ايليا أو القدس كما كان يطلق عليه فى تلك الفترة ، أخبر الرسول قريش بتفاصيل تلك الرحلة وبناء على معرفة القرشيون السابقة لبلاد الشام ومدينة القدس بالذات طلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس ليؤكد لهم صدق زعمه فوصفه لهم كما رآه.

وقد وقعت تلك الحادثة فى عهد الإمبراطور الرومانى هرقل . ومما يؤكد زيارة الرسول ÷لمدينة ايليا (القدس) فى تلك الفترة بالذات ووجود هذا المبنى الذى كان يقوم على خدمته مجموعة من البطاركة الذين يدينون بالوحدانية طبقاً لتعاليم المسيح المبكرة ، ما يؤكد على ذلك ما ذكره ابن كثير فى تفسيره نقلاً عن كتاب دلائل النبوة ([100]) حين بعث الرسول  ÷دحية بن خليفة إلى هرقل قيصر الروم برسالة يدعوه فيها إلى الإسلام فأرسل هرقل أعوانه للبحث عمن يوجد فى مدينة ايليا (القدس) من القرشيين ليتعرف منهم على أخبار ذلك النبى الجديد واتفق أنهم وجدوا أبا سفيان بن حرب كان فى تجارة لقريش بمدينة القدس فى رحلة الصيف المعروفة وعندما أحضر ابن حرب أمام هرقل كذَّب نبوة محمد÷، وذكر ادعاءه أنه أسرى به من مكة إلى مدينة ايليا فى ليلة واحدة مدللاً بذلك على أنه كاذب فى دعواه النبوة لكنه فوجىء بشىء قلب موازين الأمور فقد كان فى مجلس هرقل بطريرك مدينة القدس فحينما استمع لما قاله أبو سفيان بن حرب بشأن رحلة الإسراء إلى مدينة القدس ذكر للقيصر ما يؤكد على حدوث ذلك الأمر بالفعل وصدق محمد ÷فى دعواه فقال :

"لقد علمت تلك الليلة" فنظر إليه القيصر وقال : وما علمك بهذا؟ قال: إنى كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد – وهو مكان عبادتهم- فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبنى فاستعنت عليه بعمالى ومن يحضرنى كلهم معالجة فغلبنا فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلاً فدعوت إليه النجاجرة فنظروا إليه فقالوا : إن هذا الباب سقط عليه البنيان ولا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى . فرجعت وتركت الباب مفتوحاً فلما أصبحت غدوت عليه فإذا الحجر الذى فى زاوية المسجد مثقوب وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابى ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبى وقد صلى الليلة فى مسجدنا .

و تلك القصة تشير إلى وقوع حادثة الإسراء والمعراج فى عهد قيصر الروم [هرقل] حيث كانت سيطرة الروم على البلاد فى ذلك الوقت.

كما أن المكان الذى زاره الرسول ÷ هو أحد أماكن العبادة لله والتى جدد بناءها هرقل فى مدينة إيليا (القدس) فى ذلك الوقت وليس لهذا المبنى علاقة بهيكل سليمان على الإطلاق لأنه لا يعرف موقعه بسبب التدمير المتكرر للمدينة عبر القرون السابقة لتلك الفترة فهو إذاً من أماكن التوحيد التى كان يقصدها الناس لإقامة صلواتهم لله طبقاً لتعاليم المسيح السليمة والتى لم تكن قد أصيبت بتحريف أو تبديل فى تلك الفترة المبكرة بعد ميلاد المسيح عليه السلام وأصبح ذلك المكان معروفاً بأنه هو المكان الذى زاره الرسول محمد ÷، ومنه انطلقت رحلة المعراج إلى السماء .

و قد صلى به عمر بن الخطاب بعد فتحه لمدينة إيليا القدس سنة 640م تقريباً ثم جدد بناءه فى العصر الأموى فى عهد عبد الملك بن مروان وهذا ما سنتعرض له بالتفصيل حين وصولنا إلى تلك الفترة بإذن الله.

 

هزيمة الروم فى أدنى الأرض

عقب حادثة الإسراء والمعراج مباشرة استطاع الإمبراطور الفارسى [سابور] هزيمة هرقل الإمبراطور الرومانى فى موقعة [أذرعات] بالقرب من حوض البحر الميت فى فلسطين ، وقد أشار القرأن الكريم  إلى تلك المواجهة بقوله تعالى}غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ| وأدنى الأرض بمعنى المنطقة المنخفضة وقد أكدت الدراسات الحديثة أن حوض البحر الميت بالفعل هو أكثر الأماكن انخفاضاً عن مستوى سطح الماء فى العالم . وقد بُشِّر المسلمون بهزيمة الفرس مرة أخرى وهم عبدة النار وتغلب الروم عليهم وهم أهل كتاب مثلهم وذلك فى قوله تعالى }وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ|([101]) وقد كان ذلك بالفعل حيث استطاع الإمبراطور هرقل التغلب على كسرى فارس بعد ما يقرب من تسع سنوات واستعاد السيطرة على بلاد الشام مرة أخرى وذلك فى نفس اليوم الذى تغلب فيه المسلمون على قريش فى موقعة بدر الشهيرة .

* * *

ثانياً : موقف اليهود من الإسلام

أرسل الله سبحانه وتعالى العديد من الأنبياء والرسل إلى بنى إسرائيل وكان دأبهم كما قال تعالى }وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ|([102]) إعراض وصد عن سبيل الله وتدللاً عليه فقالوا لموسى حين خروجهم من مصر }أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً|([103]) وامتنعوا عن الجهاد حين أمرهم بقولهم }فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا|([104]) كما تآمروا على كثير من أنبيائهم فقتلوهم كزكريا ويحيى عليهما السلام كما تآمروا على عيسى حين بُعث بين ظهرانيهم ولكن حفظه الله من مكرهم ورفعه إليه .

ومن العجيب أن النبوة والرسالة ظلت فى أصلابهم قروناً عدة فحينما يحيدون عن الطريق القويم يبعث الله فيهم من يعيدهم إلى جادة الطريق أو يحاول إصلاحهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً لكنهم على الدوام متمردون زعماً منهم أنهم خيرة الناس فى الأرض! وأنى لهم ذلك ؟!

و كان دأب اليهود وأملهم أن تختم الرسالات السماوية فى أصلابهم على الرغم من فسادهم الدائم وتمردهم على أنبيائهم عبر الزمان وعلى الدوام يكيدون للأنبياء وللشعوب المحيطة بهم فى نرجسية مطلقة لا حياة إلا لهم والموت لغيرهم فى كل الأحوال.

ولما ظهر الإسلام فى قلب الجزيرة العربية وظهر محمد ÷ الذى ينتهى نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم سُقط فى أيديهم فقد خرجت الرسالة عن نسل إسحاق ويعقوب وعلى الرغم من أن الجد واحد هو إبراهيم إلا أنهم لم يعجبهم الأمر وكأنهم يوزعون الرسالات حسب أهوائهم وعجباً لهم }أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ |([105]) وعلى الرغم من وجود الأدلة والبراهين على صدق نبوته فقد قال لهم عيسى من قبل }وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ|([106]) وفى الحديث (لى خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد ... )([107]) وكانت معارضتهم له شديدة لم يلق لها مثيلاً مما دفعه ÷ إلى قوله ( لو آمن بى عشرة من اليهود لآمن اليهود)([108]) .

و قد وصفهم الذكر الحكيم }لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ | ([109]) ، فهم أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين ولقد حذر الإسلام من عداوتهم واحتيالهم فى الكيد للإسلام ومن ذلك قولهم للرسول ÷ أنت راعنا بمعنى من يتولى أمرنا وهو معناها الظاهرى ، لكنهم يعنون بها الشر ، فـ "رع" هو إله المصريين سادتهم القدامى وهو يمثل عند اليهود الشر ولذلك فقد حذر الله المسلمين من الوقوع فى ذلك الفخ فقال }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ|  ([110]) أى اهتم بنا وتولى أمرنا فإن راعنا بمعنى إرعانا وتولى أمرنا تحتمل معنى آخر يقصده اليهود وهو شرنا لذلك فقد حذر الذكر الحكيم المسلمين من استخدام تلك الكلمة . وكان لليهود المقيمين بالجزيرة العربية أيضاً الدور البارز فى جمع القبائل العربية لقتال المسلمين فى غزوة الأحزاب والمعروفة بغزوة الخندق على الرغم من توقيعهم لمعاهدة مشتركة بينهم وبين المسلمين فى المدينة ولكنهم استغلوا الموقف واستغلوا موقعهم خلف صفوف المسلمين ونقضوا تلك المعاهدة وطالبوا بالسماح بعودة من أخرجهم المسلمون من المدينة خاصة حينما أحسوا بمدى ضعف موقف المسلمين العسكرى ، كانت خيانتهم عظيمة ومهلكة للمسلمين لو تمت ولكن الله سلم ونجى المسلمين من عواقب تلك الخيانة وهُزم الأحزاب فى نهاية الأمر.

و بعد جلاء الموقف كان لابد من تأديبهم فقرر الرسول ÷ تطهير المدينة وإخراجهم منها تماماً وحاصرهم بالفعل خمساً وعشرين يوماً فطلبوا منه العفو عنهم فى مقابل خروجهم من المدينة ولكن لعظم خيانتهم رفض المسلمون الصلح وقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم عقاباً وجزاءاً لهم على خيانتهم . و استمر المسلمون فى تطهير المنطقة من اليهود فأخرجوهم من خيبر وحصونها وأخرجوهم من بقاع شتى وديار كانوا قد استوطنوها من قبل .

و بعد وفاة الرسول ÷ ظل اليهود يعملون على إثارة الفتن بين المسلمين يتسللون بينهم كجراثيم تنهك جسد الأمة فتصيبها بالإعياء والدمار. فكان لهم دورهم البارز فى حروب الردة وفى مقتل عمر بن الخطاب الخليفة الثانى ودورهم فى الفتنة الكبرى ومقتل عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب من بعده خاصة من لبس من اليهود رداء الإسلام نفاقاً وتمشياً مع الأحوال والظروف وحتى تكون إصابتهم للإسلام من الداخل، كان ذلك دأبهم وعادتهم عبر العصور حرباً على كل الأديان وخاصة الإسلام .

آخر مؤامرات اليهود ضد الأديان وخاصة الإسلام

لقد استمر اليهود فى عدائهم للإسلام على مدى العصور فى كل عصر يتلونون بلونه ويرتدون ثيابه ، فحين يكون للمال دوره تجدهم يسيطرون على مراكز المال فى العالم وحين تجد القوة هى المتحكمة تجدهم يسيطرون على مراكز صنع القرار فى العالم والعصر ملىء بتلك الصور.

وآخر تقليعاتهم ما تعرضت له بنفسى فى ثلاث مدن فى قلب أوربا؛ أولاهم مدينة فينا العاصمة النمساوية والثانية مدينة سالزبورج النمساوية أيضاً والقريبة من الحدود الألمانية وأخيراً مدينة فنيسيا الساحلية الإيطالية الشهيرة و المعروفة قديماً بالبندقية حيث عرض علىَّ مجموعة من اليهود النشطين أفكاراً فى ظاهرها الخير وفى باطنها تدمير للإسلام حجراً حجراً رويداً رويداً مجمل تلك الأفكار تجميع الأديان فى دين واحد أو [وحدة الدين] يتخلى كل صاحب دين عن بعض مبادىء دينه ليجتمع الجميع على دين واحد!! وفى ذلك إنهاء للخلاف والشقاق بين الأديان ليلتفت الجميع إلى التنمية والعمل على رخاء الإنسان ورفاهيته وكان حوارهم معى حواراً لا هوادة فيه خاصة حينما علموا أننى باحث فى جامعة الأزهر الشريف.

كان لقائى الأول بتلك الجماعات اليهودية حينما كنت ملتحقاً بالدراسة فى جامعة فينا وحاولت جماعة من الشبان اليهود دعوتى إلى اعتناق أفكارهم التى تدعوا إلى توحيد الأديان السماوية والعمل على نشر السلام بين الشعوب وكان حوارى معهم ركيكاً بالطبع بسبب ضعف اللغة الألمانية عندى بشدة ولكننى استطعت فى نهاية الأمر التعرف على أفكارهم ومجادلتهم بصورة قوية إلى حد ما ، وكم كانت دهشتى بالغة حينما أحضروا لى مطبوعات عربية حينما أصررت على الحصول عليها ورفض لما قدموه لى من مطبوعات ألمانية أو انجليزية ، ثم تكررت تلك الحادثة مرة ثانية حينما كنت فى زيارة سريعة لمدينة سالزبورج النمساوية الواقعة بالقرب من الحدود مع ألمانيا.

و فى زيارة قمت بها إلى مدينة فينسيا الإيطالية السياحية الشهيرة فوجئت بوجود أمثال هؤلاء هناك أيضاً غير أننى كنت فى شدة الغيظ بسبب عدم استطاعتى فهم معظم ما يقولون لتحدثهم باللغة الإيطالية وأحياناً بعض الجمل الإنجليزية لكنهم فى نهاية الأمر أحضروا لى مترجمة بالإنجليزية وهى مترجمة متقدة ذكاءً وجمالاً استطاعت أن تكون واسطة بينى وبينهم وبالطبع كانوا يعتقدون أنه من الممكن إقناعى بما يقولون خاصة وأننى كنت أحياناً أستهزىء بما يقولون باللغة العربية مبتسماً وربماً يكون ذلك هو السبب فى لطفهم الشديد معى .

محاولات عديدة من اليهود للنيل من الإسلام بشتى الطرق ودعوة خبيثة لهدم الدين رويداً رويداً ، نتنازل عن بعض أمور ديننا ويتخلون هم أيضاً عن بعض أمورهم!! أنتخلى عن الصلاة أم الزكاة أم التوحيد؟!! وعن أى شىء هم يتخلون؟! لقد تخلوا أصلاً عن كل مبدأ فى عقيدتهم الصحيحة من قبل ، وهل جاء الإنسان من أجل أن يعيش فى سلام ورغد من العيش فقط أم جاء إلى الحياة ليتأمل فى ملكوت الله فيعرف حقه عليه ليعبده حق عبادته فقد قال تعالى }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ|([111]) وحقيقة الأمر أن كل شىء فى هذه الحياة هو من أجل خدمة الدين وليس العكس ، فليذهب الرخاء والسلام بلا رجعة فداءً للدين ، وليحذر العقلاء من هذه الأهواء الخادعة }وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ|([112]) ، فالأساس هو أن الحياة بما فيها فى خدمة الدين وحين يصبح الواقع كذلك فسيكون الرخاء والسلام ، وصدق الله إذ يقول }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ.. | ([113]).

تلك آخر صيحاتهم فليحذر الجميع من ذلك الخطر الداهم والسيل العرمرم الذى يأتى على الأخضر واليابس ولنتذكر قول الله سبحانه وتعالى }إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْـضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا| ([114]).

 


# _

 

الفتح الإسلامى لفلسطين وبدء المشكلة الفلسطينية



 


N

! +: الفتح الإسلامى لفلسطين وتدفق الحملات الصليبية.

@ +    : الدولة العثمانية وظهور فكرة الدولة اليهودية.

# + :  قيام الدولة اليهودية واشتعال النزاع العربى الإسرائيلى .

$ + : حياة اليهود الدينية والاجتماعية والسياسية.



 

 

! +

الفتح الإسلامى لفلسطين

N

الفتح الإسلامى لفلسطين .

تجديد المسجد الأقصى فى العهد الأموى .

الحملات الصليبية على المنطقة

مقاومة صلاح الدين الأيوبى.



 

 

6

لقد ظلت منطقة الشام وفلسطين على وجه الخصوص منطقة نزاع مستمر بين الإمبراطوريات المحيطة بها من كل اتجاه حيث تبادل تلك الإمبراطوريات السيطرة على المنطقة ولم يكن للمنطقة استقلال يذكر سوى بعض المناطق الخاضعة للحكم الذاتى تحت حماية الإمبراطورية التى تسيطر على المنطقة ، فقد كانت منطقة متعددة الأعراق حيث سكنها أولاً الكنعانيون العرب ثم الفلسطينيون ثم العبريون ثم بنو إسرائيل، كل تلك الأعراق كانت تسكن فلسطين وما حولها من بلاد . غير أن الطابع الذى كان يغلب عليها هو الطابع الكنعانى العربى ثم يليه الطابع العبرى ثم الطابع اليهودى.

لكن بدخول الإسلام المنطقة أخذت تتغير الأحوال بدرجة كبيرة...


الفتح الإسلامى للمنطقة

ظلت الأراضى الفلسطينية الكنعانية والأراضى التى تقع فى حوزة القبائل اليهودية خاضعة بصورة كاملة للإمبراطورية الرومانية عدة قرون حتى ظهور الإسلام فى قلب الجزيرة العربية وبدأت الدولة الإسلامية الفتية فى إثبات وجودها حيث تغير شكل المنطقة حين بدأت فى ضم المناطق المحيطة بها من الشمال والجنوب والشـرق والغرب .  فحين تولى عمر بن الخطاب الخلافة الإسلامية سنة 634 م أمر أبا عبيدة بن الجراح بالتوجه على رأس الجيش الإسلامى نحو الشمال حيث تلك الأراضى الواقعة تحت السيادة الرومانية .

و التقى الجيش الإسلامى بالجيش الرومانى فى الموقعة الفاصلة الشهيرة اليرموك وتم النصر لجيش الدولة الإسلامية الفتية وبذلك أصبح الطريق إلى القدس ممهداً سنة 636م - 15 هـ ، فبعث أبو عبيدة كتاباً إلى كهان المدينة يخيرهم فيه بين الإسلام أو الجزية أو الحرب فاختاروا الأخير منها حيث استطاع المسلمون سحقهم بكل سهولة وفتحت القدس أبوابها للعرب والمسلمين من جديد بعد غياب طويل استمر سبعة قرون حيث طردهم اليهود منها منذ سبعة قرون حين أخرجوا القبائل العربية الكنعانية من أراضيهم، وعاد العرب إليها بدين جديد هو الإسلام .

وقد ذهب الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس بنفسه عقب الاستيلاء عليها مباشرة حيث ألقى خطبة أمّن فيها سكانها على حياتهم وممتلكاتهم وعقيدتهم.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت فلسطين عربية إسلامية فقد ظلت تحت سيطرة الخلافة الإسلامية منذ الخليفة عمر بن الخطاب ثم انتقلت إلى سيطرة الدولة الأموية ، وحين قامت دولة بنى أمية لم يكن يعنى هذا أن السيادة تغيرت عليها ؛ فالدولة الأموية مرحلة تاريخية ضمن الإطار الإسلامى العام.

 

 

تجديد المسجد الأقصى فى العهد الأموى

حين تولى الخلافة الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان شرع فى تجديد المسجد الأقصى فى المنطقة التى أكدت الروايات بدء رحلة المعراج منها حيث عرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء فى رحلة الإسراء والمعراج وجعل حائط البراق هو آخر الحرم القدسى حيث يقال أن الرسول قد ربط به البراق وهو من الأحجار الضخمة وطوله 156 قدماً وارتفاعه 56 قدماً وقد شرع فى بنائه سنة693 م – 74 هـ ، وتم الانتهاء منه فى  عهد ابنه الوليد بن عبد الملك سنة 705 م – 86 هـ أى أن تجديده قد استغرق اثنا عشر عاماً ، وجُعل طول مبنى المسجد ما يقترب من ثمانين متراً وعرضه خمسة وخمسين متراً تقريباً أى أن مساحته الإجمالية 4400 متراً ، تلك المساحة هى مساحة مبنى المسجد ، أما مساحة الحرم المحيط بالمسجد فتبلغ 145 ألف متر تقريباً .

وبالفعل كان البناء موجوداً قبل تلك التجديدات والتوسعات لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد زاره فى رحلة الإسراء والمعراج ووصفه لقريش التى كانت تعرفه جيداً قبل ظهور الإسلام مما يعنى أنه لم يكن خاصاً لعبادة الله وفقاً لتعاليم الإسلام لكنه كان مخصصاً لإقامة الشعائر الدينية وعبادة الله أيضاً قبل ذلك وفقاً لتعاليم نبى الله عيسى عليه السلام وأنبياء الله من قبله ، فهو مكان جامع يدعوا إلى الوحدانية وعبادة الله الواحد ، وهو من الأبنية التى أقيمت من أجل عبادة الله ومن أجل كل من اعتنق عبادة التوحيد فى تلك الفترة السابقة لظهور النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فقد زاره صلى الله عليه وسلم فى رحلة الإسراء والمعراج تعبيراً عن وحدة الشرائع الإسلامية والتى تدعوا إلى عبادة الله الواحد وصدق الله }إن الدين عند الله الإسلام| وكل ما يعبد فيه الله عبادة خالصة صحيحة فهو مسجد ، ولم يقم هذا المسجد إذاً على أنقاض هيكل سليمان كما قد يدعى اليهود لأن مكانه غير معروف أصلاً نظراً لتهدم المدينة وتخريبها وحرث أراضيها أكثر من مرة مما يجعل من المستحيل تحديد موقع الهيكل على الإطلاق كم أشرت إلى ذلك عن عند التعرض لذكر تأسيس المسجد الاقصى .

أما إطلاق اسم المسجد الأقصى عليه فيرجع إلى بداية التاريخ الإسلامى لأن المسجد الأقصى بالنسبة لمكة هو من الأماكن القاصية والبعيدة فأطلق عليه المسلمون والعرب المسجد الأقصى ، وقد ورد فى الحديث الشهير (لا تُشَد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدى هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى) وعرف بعد ذلك بهذا الاسم وظل علماً عليه حتى العصر الحديث .

سيطرة الدولة العباسية على  المنطقة

استطاع العباسيون القضاء على دولة بنى أمية تماماً سنة 750 م – 132 هـ خاصة حين استطاع عبد الله بن على ذبح من تبقى من ولاة الأمويين فى مدينة الرملة الواقعة فى قلب فلسطين الآن والتى كانت قلب الدولة الإسلامية على مدى العصور واستمرت المنطقة تحت سيطرة الدولة العباسية القوية فترة طويلة حتى ضعفت الخلافة العباسية وعمل بعض الولاة على الاستقلال بولايتهم عن الدولة العباسية فظهرت كثير من الدويلات التابعة اسمياً فقط إلى الدولة العباسية أو الدويلات المستقلة تماماً عن الدولة العباسية .

فظهرت الدولة الطولونية فى مصر ومؤسسها محمد بن طولون الذى استقل بمصر ثم ضم إليها فلسطين سنة 882 ميلادية ثم أعادها الخليفة المستكفى إلى حظيرة الدولة العباسية وجعل عليها محمد بن طغج الأخشيدى سنة 943 م.

و حينما قامت الدولة الفاطمية أصبحت الشام كلها بما فيها فلسطين ولاية فاطمية واستمرت تابعة للدولة الفاطمية حتى جاء الزحف الصليبى من أوربا على المنطقة وكأنهم جراد منتشر .

الحملات الصليبية على المنطقة

كانت أوربا تعانى فى تلك الفترة من فقر وبؤس شديدين وكانت الكنيسة البابوية وعلى رأسها البابا أوربانوس الثانى فى أوربا كانت هى المتحكمة فى سياسة أوربا فى ذلك الوقت ونتيجة لأطماع الأوربيين فى خيرات المنطقة وانتهازهم الفرص للاستيلاء على المنطقة وذلك حين انعقد المجمع الدينى فى مدينة [كلرمون] بحضور ألوف الفرسان فما كان منه إلا الدعوة إلى خروج الناس تحت شعار الصليب والمسيحية المتدينة ليفتحوا القبر المقدس قبر المسيح عليه السلام بدعوى أن ذلك جهاد مقدس ضد المسلمين المسيطرين على المنطقة وفى حقيقة الأمر لم تكن سوى دعوى للسيطرة على خيرات المنطقة  غير أن كثيرين من فرسان أوربا قد خدعوا بتلك الدعوة البراقة تحت شعار الجهاد لإنقاذ القبر المقدس وأعدوا العدة لذلك الغزو الشامل للمنطقة وأعدت حملات متتالية على المنطقة فى محاولة للسيطرة على تلك البلاد الواقعة فى بلاد الشرق وحمل الجميع شعار الحملة وهو صليب من القماش الأحمر يوضع على الكتف اليمنى بعد أن منحهم البابا غفراناً على جميع خطاياهم.([115])

و قد استطاع هؤلاء الصليبيون بالفعل الاستيلاء على بيت المقدس فى عهد الخليفة الفاطمى المستعلى فى 15 يوليو سنة 1099 م بزعامة القائد الصليبى [جود فري Godefry] وكانت الكارثة بالنسبة للمسلمين وغيرهم من سكان المدينة من مسيحيين أو غيرهم من اليهود أنفسهم من سكان المدينة فلقد ارتكب الصليبيون فى فتح القدس أنواعاً من الفظائع لم يسبق لها مثيل "فكانوا يكرهون العرب على إلقاء أنفسهم من أعالى البروج والبيوت ويجعلونهم طعاماً للنار ويخرجونهم من بيوتهم ويجرونهم فى الساحات فوق الجثث من الآدميين  حيث يقتلونهم واستمروا فى ذلك أسبوعاً كاملاً حتى قتلوا ما يقرب من سبعين ألف نسمة ولم ينج اليهود من سكان البلاد من الذبح كالعرب حيث لجأوا إلى مذبحهم فأشعل فيه الصليبيون النار حيث هلكوا عن آخرهم "([116]) .

ولم يكن قتل اليهود بالذات عشوائياً فقد كان يقتصر على من لم يساعدهم على دخول المدينة حيث عاثوا فى المدينة فساداً ، كما استولوا على المسجد الأقصى ونفائسه ولقب جود فرى نفسه بحامى القبر المقدس.

مقاومة صلاح الدين الأيوبى للحملات الصليبية

لقد هام الناس على وجوههم فى الأرض يطلبون الأمان بعد أن أهلك الصليبيون ممتلكاتهم وخاصة بعد استيلائهم على عكا ويافا والرملة وحاول بعض أمراء البلاد المحيطة بهذه البلاد التصدى لهم دون جدوى إلى أن استطاع صلاح الدين الأيوبى إعادة بعض المدن التى استولى الصليبيون عليها كمدينة إيلات أو إيلة وغزة وعسقلان وذلك بمساعدة حاكم الموصل نور الدين محمود وذلك سنة 1170 م.

و بعد وفاة نور الدين محمود بفترة قصيرة تمكن صلاح الدين الأيوبى من توحيد الجبهة الإسلامية ضد الصليبين وخاصة بعد أن انتهك قائدهم [أرناط] عدة اتفاقيات وُقّعت بينهم وبين المسلمين تقضى بعدم الاعتداء على القوافل التجارية أو قوافل الحجاج إلا أن أرناط انتهك تلك الاتفاقيات علانية حين قتل أعداداً كبيرة من الحجاج المسلمين بل إنه حاول أكثر من مرة مهاجمة الحرم المكى نفسه من البر والبحر فلم يجد صلاح الدين بداً من تأديبه فهاجم طبرية واستولى عليه ثم استدرج الصليبيين من [صفورية] ثم أحرق الأعشاب المحيطة بالصليبيين حتى يزداد ضعفهم مع زيادة حاجتهم للمياه واستطاع بالفعل التغلب عليهم وقتل قائدهم أرناط بعد معركة حامية سحقهم فيها سنة 1187 م .

و بذلك الانتصار العظيم تمكن صلاح الدين من الاستيلاء على مناطق شاسعة حيث استولى على مدينة الناصرة ومدينة قيصرية بالإضافة إلى حيفا ونابلس وغزة وبيت لحم وغيرها من المدن ليتم له السيطرة على المنطقة ليتوجه بعد ذلك إلى درة الشام القدس ولكنه آثر دخول تلك المدينة بطريقة سليمة حيث دخل القدس صلحاً بعد أن كان قادراً على الفتك بكل من فيها وذلك فى أكتوبر سنة 1187 م .

لكن صلاح الدين لم يستطع الاستيلاء على صور التى تحصن بها ملكها "كوفراد" وبعض أمراء الصليبيين الذين فروا من أمام صلاح الدين واستنجد ملك صور بملوك أوربا لإنقاذ الصليبيين من أيدى صلاح الدين واستجابة لطلب ملك صور خرجت ثلاثة جيوش أوربية أولها بقيادة [فردريك] ملك ألمانيا وقد هلك فى طريقه إلى فلسطين وثانى الجيوش بقيادة [فيليب أوغسطس] ملك فرنسا وجيش ثالث انجليزى بقيادة [ريتشرد قلب الأسد] ملك انجلترا وحين وصل الجيشان إلى صور انضم إليهما الأمراء الصليبيون الفارون من أمام جيش صلاح الدين ثم انطلق الجيشان نحو عكا وتم الاستيلاء عليها سنة 1192م ثم عاد ملك فرنسا فيليب أوغسطس إلى بلاده بعد خلاف وقع بينه وبين ملك انجلترا ريتشرد قلب الأسد وبعودة ملك فرنسا أصبحت قيادة الحملة الصليبية قاصرة على ريتشرد قلب الأسد الذى توجه إلى القدس فى محاولة للاستيلاء عليها إلا أن صلاح الدين كان قد حصن المدينة تحصيناً جيداً مما جعلها تصمد فى وجه ريتشرد ملك انجلترا واستمر ريتشرد يحاصر القدس حتى دب خلاف بينه وبين كوفراد ملك صور مما أدى إلى تفتت قواتهما ويأسهما من فتح المدينة المقدسة فطلب كل منهما الصلح مع صلاح الدين فوافق صلاح الدين وتم توقيع اتفاقية الصلح فى سبتمبر سنة 1192 م.

وكان من أهم بنود الصلح بقاء مدينة عسقلان وجميع الأراضى الواقعة جنوبها بما فيها بيت المقدس فى أيدى المسلمين وقد توفى صلاح الدين بعد توقيع ذلك الصلح بثلاث سنوات بعد كفاحه المرير ضد الغزاة الأوربيين الذين حاولوا الاستيلاء على خيرات المنطقة متسترين خلف شعار الصليب حتى تظهر حملاتهم وكأنها حملات دينية لا غير لا يقصدون من ورائها سوى استيلائهم على المدينة المقدسة حتى لا يتعرض حجاجهم لضغط من المسلمين .

ولكن الحقيقة التى تظهر للعيان بكل وضوح أن المسلمين لم يمنعوا أحداً من المسيحيين الأوربيين وغيرهم من زيارة الأماكن المقدسة فى المنطقة .

أما السبب الحقيقى للحروب فقد ذكره أهل الأخبار الأوربيين فقالوا (إن المسيحيين والمسلمين كانوا حتى القرن الحادى عشر الميلادى على صلات سلمية إلا قليلاً . يحمل العرب إلى مصر والقسطنطينية حاصلات مختلفة من بلاد الهند والشرق الأقصى فتستبضعها مدن إيطاليا ثم تبيعها فى أوربا ، وكان العرب يسمحون للزوار أن يأتوا إلى فلسطين فكان يفد إليها جماهير عظيمة من نصارى أوربا يسجدون أمام القبر المقدس فلما تداعى الحكم العربى القائم على التسامح وقام مقامه المحاربون من الترك المعروفين بتعصبهم وبسالتهم ودانت لهم القدس سنة 1076م اختلت العلائق الاقتصادية بين آسيا وأوربا ، فخافت المدن التجارية فى البحر المتوسط أن يغلق الأتراك أمامها أسواق الشرق )([117]) بالإضافة إلى الوضع الاقتصادى المتردى فى أوربا كل ذلك جعل الطريق ممهدة للأوربيين للقيام بحملاتهم الصليبية بدافع من عاملين رئيسيين؛ أولهما كان العامل الاقتصادى وثانيهما كان العامل الدينى واستمرت الحروب الصليبية قائمة على أشدها أملاً من الصليبيين فى الاستيلاء على مدينة القدس وقد تم لهم ذلك مرة واحدة حين توفى صلاح الدين وضعفت شوكة المسلمين فسلمت المدينة المقدسة إلى فردريك الثانى امبراطور ألمانيا بموجب اتفاقية تمت بيه وبين الملك الكامل ثم استطاع ابنه نجم الدين أيوب استعادة المدينة المقدسة سنة 1244م كما استعاد طبرية وعسقلان وبعض المدن الأخرى .

و عند قيام دولة المماليك أصبحت الشام ضمن ممتلكات دولتهم وعليهم الدفاع عنها ضد كل معتدٍ يحاول تملكها و انتزاعها من أيديهم , فقام الظاهر بيبرس بحملات لتطهير المنطقة من الصليبيين فاستطاع تخليص حصن الكرك من أيديهم واستعاد مدن قيسارية ويافا وأرسوف ، ثم استطاع المسلمون بعد ذلك تطهير المنطقة  من بقايا الصليبيين بعد قرنين من الزمان ظلوا فيها يذيقون سكان المنطقة ويلات الحرب والدمار وبذلك خلصت جميع مدن الشام للعرب دون منازع .

 

* * *



@ +

سيطرة الدولة العثمانية على المنطقة

وظهور فكرة الدولة اليهودية

N

تمهيد

استيلاء الدولة العثمانية على بلاد الشام وما حولها .

نشاط اليهود فى المنطقة .

ظهور فكرة الدولة اليهودية على يد تيدور هرتزل

رفض السلطان عبد الحميد لفكرة إنشاء الدولة اليهودية فى فلسطين

وزير المستعمرات البريطانى يعرض على اليهود سيناء أو أوغندة كبديل .

إنهيار الامبراطورية العثمانية ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطانى.

صدور وعد بلفور الشهير سنة 1917 م.

إصدار انجلترا الكتاب الأبيض الأول سنة 1922م.

إصدار الكتاب الأبيض الثانى سنة 1939 م.

إصدار الأمم المتحدة للقرار رقم 181 لسنة 1947 .



 

6

 

كان استيلاء الدولة العثمانية على بلاد الشام وفلسطين على وجه الخصوص إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة حيث أصبح الطابع الغالب على المنطقة الطابع الإسلامى دون تمييز بين الأعراق بمعنى عدم تمييز الطابع العربى واستمر هذا الوضع هو السائد طوال فترة الحكم العثمانى حتى ضعفت الدولة العثمانية مما جعل الصراعات العرقية تظهر بوضوح على الساحة وذلك الوضع المتدنى فى المنطقة هو الذى أطمع غير العرب فى محاولة إظهار كيانات لهم فى المنطقة كنتيجة حتمية لضعف الدولة وعدم مقدرتها على السيطرة على مجريات الأمور.

وذلك ما سيظهر لنا خلال تتبع أحداث فترة الحكم العثمانى للمنطقة .


إستيلاء الدولة العثمانية على منطقة بلاد الشام وما حولها

يبدوا أن المنطقة العربية قد كتب عليها التفرق منذ زمن بعيد فمنذ أواخر العصر العباسى كانت المنطقة العربية الإسلامية ممزقة دويلات وإمارات مستقلة وإن كانت تابعة بالإسم لسيادة الدولة العباسية وانهارت الإمبراطورية العباسية فى نهاية الأمر تماماً.

و فى أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر الميلاديين كانت تعيش كل منطقة فى الدولة الإسلامية المترامية الأطراف بصورة منعزلة وفى الوقت الذى كانت فيه الدولة الإسلامية بالأندلس تنهار انهياراً تاماً لم يكن للولاة هَمٌّ سوى توطيد ملكهم بشتى الصور وكان الوضع فى الأندلس لا يعنيهم بشىء.

و ربما كان الغزو العثمانى للمنطقة هو السبب الرئيسى فى تأجيل انهيار الإمبراطورية الإسلامية ومحوها من الوجود تماماً على أيدى الطامعين فيها والمتربصين بها ممن يحيطون بها من كل جانب وربما يكون ذلك هو السبب الرئيسى بالفعل فى غزو الدولة العثمانية للمنطقة فى محاولة منها لحماية بقايا الروح الإسلامية بالمنطقة وقد استطاعت بالفعل الاستيلاء على الشام بعد انتصارها على المماليك فى موقعة مرج دابق الشهيرة فى شمال سوريا سنة 1516 م ثم استولت على مصر بعد ذلك ثم أعقبتها بقية المنطقة .

إلا أن ضعف الدولة العثمانية بعد ذلك مكَّن محمد على باشا والى مصر فى الاستقلال بمصر وانتزاع الشام مرة أخرى من الدولة العثمانية سنة 1831 م . ولكن انجلترا وفرنسا وروسيا والنمسا أجبرته على التخلى عن الشام لتعود إلى الدولة العثمانية مرة أخرى .

و لم يكن ذلك العمل من جانب انجلترا وحليفاتها حباً فى الدولة العثمانية ولكن رغبة منها فى ألاّ يسيطر على الشام رجل قوى كمحمد على باشا ليكون لتلك الدول السيطرة الحقيقية على المنطقة خاصة وأن الدولة العثمانية أصبحت ضعيفة جداً مما يعنى أن السيطرة الفعلية ستكون لتلك الدول خاصة وأن ضعف الدولة العثمانية مكَّن تلك الدول من التدخل بالفعل فى شئون الدولة العثمانية والتحكم فى ممتلكاتها بعد ذلك مما مكن اليهود من التحرك تحت حماية تلك الدول فى محاولة منهم لاستقطاع جزء من تلك الإمبراطورية ليكون لهم به كيانهم الخاص.

نشاط اليهود فى المنطقة

لقد أخذ اليهود فى النشاط بصورة صارخة وواضحة كل الوضوح خاصة وأن الدولة العثمانية أصبح تحكمها فى المنطقة غير واضح المعالم بسبب تحكم الدول الأجنبية فى مقدرات الدولة العثمانية ، وما اليهود إلا بعض رعايا تلك الدول فما المانع من عودتهم إلى تلك الأراضى فربما يحدث شىء  فى المستقبل ، وبالفعل عمل اليهود فى شتى أنحاء العالم على ضم أكبر الشخصيات الأدبية والمالية والاقتصادية فى العالم إلى صفوفهم فى محاولات دائبة منهم للسيطرة على مراكز  صنع القرار فى العالم .

و أسس اليهود المنظمات اليهودية التى تتستر خلف أسماء مختلفة لكى يعملون بشكل منظم فى الخفاء ، وقد كانت تلك المنظمات اليهودية تستهدف قطاعاً عريضاً من جمهور الأمم والشعوب ، ولذا كان على تلك المنظمات أن تعمل بادىء ذى بدء على صبغ الدعوة التى توجه إلى تلك الشخصيات بصبغات تغير صورتها الخارجية ولا تؤثر على مضمونها الداخلى ، فكانت تلك المنظمات تجند رجال من كل الاتجاهات الفكرية طالما أن اتجاهاتهم الفكرية من الممكن أن تساعدهم على تحقيق أهدافهم .

وبظهور الشيوعية على يد مؤسس تلك النظرية كارل ماركس اليهودى الأصل مسيحى العقيدة ؛ وجد اليهود لأنفسهم ستاراً يتخفون خلفه من أجل أهدافهم حتى ولو كان هذا الستار هو الشيوعية ، وحين تأسست جمعية العمال العالمية فى 28 سبتمبر سنة 1864 م التى كانت تضم قاعدة عريضة من العالم من شتى أنحاء العالم وجد اليهود هدفهم المنشود حيث كان توجههم أكثر ما يكون إلى ذلك القطاع من المجتمع العمالى العالمى بالرغم من أن الشيوعية تقوم أساساً على الإلحاد وإنكار كل القيم السماوية إلا أن هذا لا يعنى شيئاً بالنسبة لليهود فى تلك الفترة فهدفهم المنشود فى تكوين كيان لهم يترك لهم الباب مفتوحاً على مصراعيه ليسيروا فى أى طريق ضاربين بكل القيم عرض الحائط طالما أن ذلك الطريق سيصلهم فى النهاية إلى هدفهم وغايتهم الأولى وهو تكوين كيان خاص بهم ، أما خلاف ذلك فلا أهمية له على الإطلاق .

ظهور فكرة الدولة اليهودية على يد الأب الروحى لدولة إسرائيل تيودور هرتزل:

إن فكرة تكوين الدولة اليهودية قابعة فى أعماق اليهود منذ دخولهم إلى أرض فلسطين وتكوينهم لمملكة اليهود الأولى ثم زوالها ولم تظهر تلك الفكرة إلى الوجود ومن جديد إلا فى أواخر القرن التاسع عشر.

ففى ما بين عامى 1891 م و1895 م أدانت محكمة فرنسية أحد ضباط الجيش الفرنسى وهو يهودى  يدعى دريفوس بتهمة الخيانة العظمى والتجسس ضد بلاده وجردته تلك المحكمة من رتبته العسكرية وحكمت عليه بالإعدام . وقد أثارت تلك المحاكمة غضب الجماهير الفرنسية ضد اليهود وضد السامية بوجه عام وصاح الجميع الموت لليهود .

و رأى كثير من اليهود عقب تلك الحادثة أن العداء لليهود والسامية أصبح واضحاً جداً وعليهم التنبه لخطورة ذلك الوضع ، وعليهم العمل على تكوين كيان لهم مستقل ليحميهم من تلك الأخطار التى قد يتعرضون لها فى أى لحظة نتيجة للعداء المتزايد لهم .

وهاجم الكثيرون منهم اندماج اليهود فى المجتمعات التى يعيشون فيها من أجل أن يظل لليهود كيانهم المنفصل تمهيداً لجمع شملهم فى أى لحظة حين تحين الفرصة لذلك .

و كان من أبرز هؤلاء اليهود [تيودور هرتزل] والذى يعد الأب الروحى لدولة إسرائيل حيث هاجم فى كتابه "الدولة اليهودية" اندماج اليهود فى المجتمعات الأجنبية كما أعلن فى كتابه أنه ليس أمام اليهود أى طريق لحل مشكلاتهم إلا أن تكون لهم دولتهم الخاصة التى تجمع شتاتهم ، كما دعا هرتزل إلى طرح الشعارات جانباً والاتجاه نحو العمل بشتى الطرق لتحقيق ذلك الهدف ، وقد وضع هرتزل فى كتابه الدولة اليهودية الأسس التى يجب أن تقوم عليها تلك الدولة وبذلك الكتاب الذى رسم فيه الأسس التى يمكن قيام الدولة عليها يعد الأب الروحى والمؤسس الحقيقى لدولة إسرائيل .

رفض السلطان عبد الحميد لفكرة إنشاء الدولة اليهودية فى فلسطين

كانت الطريق طويلة أمام تيودرهرتزل لتحقيق هدفه فى تكوين دولة مستقلة لليهود فى فلسطين ولكنه قد وضع الفكرة وعليه السعى إلى تحقيقها ولعلمه أن الدولة العثمانية تسيطر على تلك الأرض فقد حاول الاتصال بالسلطان العثمانى عبد الحميد الذى كانت دولته فى ذلك الوقت تعانى من كساد اقتصادى وكان هرتزل يعلم أن السلطان عبد الحميد ليس من السهل التغلب عليه بسهولة فلن يستجيب لطلبه على الإطلاق فهو سلطان المسلمين وليس من السهل إقناعه بأفكار هرتزل المخزية لأى مسلم يستجيب لها فما بالك بسلطان المسلمين ولكنه حاول الوصول إليه بنفسه أو توصيل الفكرة إليه على الأقل .

و أقام هرتزل عدة اتصالات مع صديقين له هما "ديونس روزنفيلدِ" رئيس تحرير جريدة البريد العثمانى و"ينولنكس"  رئيس تحرير جريدة بريد الشرق اللتان تصدران فى القسطنطينية . ([118])

كما اتصل بحاشية السلطان عبد الحميد إلا أن السلطان عبد الحميد رفض تلك الفكرة كلياً بكل صرامة ، وكان موقفه مشرفاً لكل مسلم غيور على أراضى المسلمين وأعراضهم حيث رفض التفريط فى أى شبر من أرض المسلمين قائلاً:

"إن الإمبراطورية التركية ليست ملكاً لى وإنما هى ملك للشعب التركى فليس فى استطاعتى والحال كذلك أن أهب أحداً أى جزء فيها .. فليحتفظ اليهود ببلاينيهم  فى جيوبهم ... فإذا قُسمت الإمبراطورية يوماً فقد يحصلون على فلسطين دون مقابل ولكن التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا "([119]) وهو رد قاطع بالرفض يدل على شخصية قوية فقدها العالم الإسلامى اليوم . ولكن هرتزل لم ييأس فاتجه إلى تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية لتسانده فى تحركاته حيث عقد أول مؤتمر لها تحت رئاسته فى بازل بسويسرا سنة 1897 م وخطب فى تلك المنظمة قائلاً: "يمكن التجاوز عما قاله أو كتبه أى فرد منا من قبل أما قرارات هذا المؤتمر فلا"([120]) .

و اتجه هرتزل إلى كل الوسائل التى تتيح له الاتصال بالسلطان العثمانى عبد الحميد عن طريق شراء حاشيته الخونة ولكنه فى النهاية لم يستطع أن يحصل منه على أى تصريح لليهود بالهجرة إلى فلسطين ، ولم يستطع أن يحصل منه على أى شىء على الإطلاق حتى يئس منه تماماً.

وزير المستعمرات البريطانى يعرض على اليهود سيناء أو أوغنده كبديل لهم عن فلسطين

لما يئس هرتزل من الحصول من السلطان عبد الحميد على أى جزء من فلسطين توجه إلى بريطانيا صاحبة الكلمة الحقيقية فى المنطقة ليحصل منها على بعض المناطق فى سيناء باعتبارها أقرب نقطة إلى فلسطين واستطاع عرض الفكرة على وزير المستعمرات البريطانى (جسوتشمبرلين) سنة 1902م. لكن الحكومة المصرية فى ذلك الوقت عارضت بكل قوة تلك الفكرة ورفضت منح أى امتياز لليهود فى سيناء أو فى أى شبر من أراضيها ولما فشلت محاولات تشمبرلين فى إقناع الحكومة المصرية فى ذلك الوقت لمنح أى امتياز لليهود فى سيناء عرض على هرتزل أن يمنح لليهود أوغنده كوطن قومى لليهود بعد فشل مشروع سيناء ووصلت إليه رسالة رسمية من الحكومة البريطانية بخصوص هذا الأمر وذلك فى الرابع عشر من سبتمبر سنة 1903م ([121]) .

و قد انقسم أعضاء مؤتمرات الصهيونية العالمية السادس الذى انعقد فى سويسرا بين مؤيد لهذا الاقتراح والرافض له ، وكان المؤيدون يرون أن ذلك الوضع سيكون حلاً مؤقتاً لإنقاذ اليهود من المذابح التى يواجهونها فى شتى أنحاء العالم ولكن تلك الفكرة فشلت هى الأخرى فى نهاية الأمر ولم يعد أمام اليهود سوى فلسطين وما عليهم إلا الانتظار حتى تسقط الدولة العثمانية ثم سيكون لهم شأن آخر مع فلسطين .

إنهيار الإمبراطورية العثمانية ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطانى

أثناء ذلك النشاط اليهودى كانت الإمبراطورية العثمانية فى أشد حالات الضعف والإنهاك ؛ فى الوقت الذى كانت فيه انجلترا وحلفائها تتربص بها لتنقض عليها فى أى لحظة .

ووقعت الحرب فى نهاية الأمر بين الدولة العثمانية وحلفائها ودول أوربا المتربصة بها وهى الحرب العالمية الأولى سنة 1914 م وساند العرب انجلترا ضد تركيا رغبة منهم فى التخلص من الحكم العثمانى أملاً منهم فى الحصول على الاستقلال كما ساند اليهود انجلترا ليتخلصوا من الدولة العثمانية التى تقف حجر عثرة فى طريق تكوين دولتهم فى فلسطين وتغلبت انجلترا وحلفاؤها على الدولة العثمانية واستولت على القدس فى سنة 1917 م وانتهت الدولة العثمانية تماماً .

صدور وعد بلفور الشهير

عقب سقوط الدولة العثمانية وقعت أملاكها فريسة للدول المنتصرة فى الحرب وضمت انجلترا الجزء الأكبر من فلسطين إلى ممتلكاتها وتحرك اليهود على الفور حيث قدموا عدة مذكرات رسمية إلى الحكومة البريطانية يشرحون فيها أهدافهم فى فلسطين وكان أبرز تلك المذكرات المذكرة التى تقدم بها "حاييم وايزمان" اليهودى الذى يعمل فى وزارة الحربية البريطانية فى ذلك الوقت تحت قيادة صديقه بلفور الذى استطاع أن يستخلص منه وعد بلفور الشهير وذلك فى 2 نوفمبر سنة 1917 م, الذى تضمن قوله :

إن حكومة جلالة ملك بريطانيا تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية . وعلى ألاّ يؤثر ذلك على الحقوق المدنية أو الدينية للطوائف غير اليهودية فى فلسطين .




ويعد وعد بلفور مكسباً كبيراً جداً بالنسبة لليهود فى تلك الفترة وأساساً يبنون عليه أطماعهم فى إنشاء دولتهم ، فبعد انتهاء الحرب مباشرة سعى اليهود إلى تحقيق هذا الوعد بشتى الطرق ففى مؤتمر الصلح الذى عقد فى باريس بفرنسا لمناقشة وضع المنطقة سنة 1919م قدم الوفد الصهيونى بزعامة حاييم وايزمان مذكرة يعرض فيها القضية اليهودية وذكر فيها الحدود المقترحة للدولة اليهودية والتى تضم جزء كبير من الأراضى الأردنية وجزء من جنوب لبنان بالإضافة إلى كل الأراضى الفلسطينية .

 

خريطة الوطن القومى لليهود كما قدمها الوفد الصهيونى لمؤتمر

الصلح بباريس سنة 1919 م([122])

 

وغضت انجلترا الطرف عن آمال العرب فى الاستقلال بل أخذت على عاتقها بعد وضع فلسطين تحت انتدابها تحقيق حلم اليهود فى إنشاء دولتهم فعينت لها مندوباً سامياً يهودياً فى فلسطين سنة 1920 م هو "هربرت صمويل" الذى سهل بدوره لليهود جميع سبل الهجرة إلى فلسطين فتزايدت اعدادهم بسرعة كبيرة داخل فلسطين.

و شعر العرب بالخطر من ذلك الوضع المتردى فى المنطقة حيث عمل اليهود على زيادة المهاجرين منهم إلى فلسطين بشتى الطرق فى محاولة لتغيير الوضع الديموجرافى لصالح اليهود مما جعل العرب بشتى طوائفهم يستشعرون الخطر من ذلك الوضع فحمل الرجال والشباب شتى أنواع الأسلحة، فمنهم من تسلق الجبال ومنهم من تمركز فى أماكن معلومة فى المدن ومنهم من اتخذ الأحراش مقراً لمباغتة الجيش الإنجليزى لدى مروره بالمنطقة ([123]) . ومن الواضح أن مهاجمة العرب للانجليز هى نتيجة حتمية لمساعدة الإنجليز لليهود على الاستيطان فى الأراضى العربية.

إصدار انجلترا الكتاب الأبيض الأول سنة 1922 م

حين هاجمت الجماعات العربية المدافعة عن أراضى فلسطين القوات الانجليزية بالإضافة لمهاجمتهم المستوطنين اليهود أحست انجلترا بالخطر المحيط بوجودها فى المنطقة نتيجة لتزايد الغضب العربى من موقف انجلترا الداعم لليهود فعملت على تهدئة الموقف وحاولت طمأنة العرب وإشعارهم بعدم جدية وعد بلفور الذى يدعم وجود وطن قومى لليهود فأصدرت الكتاب الأبيض الأول سنة 1922 م والتى أشارت فيه إلى أن وعد بلفور لن يكون سبباً فى ضياع فلسطين من أيدى العرب بل انه يهدف إلى تكوين كيان قومى لليهود دون مساس بالمصالح العربية بالمنطقة . وفى الحقيقة يبدو لى أن ذلك الكلام ليس منطقياً على الإطلاق إذ كيف يكون فى فلسطين وطن قومى لليهود دون مساس بمصالح العرب ومما نص عليه الكتاب الأبيض وضع دستور للفلسطينيين ينص فيه على تكوين مجلس تشريعى يتكون من اثنين وعشرين  عضواً ؛ عشرة بريطانيون وثمانية مسلمون واثنين من اليهود واثنين من المسيحيين ، ومن الواضح أن هذا الكتاب قد وضع اليهود بشكل رسمى فى موضع اصحاب الأرض على الرغم من أنهم ليسوا من سكان البلاد الأصليين .

و بالطبع لم يقبل العرب تلك الأفكار الواردة فى هذا الكتاب كما قاطعوا الانتخابات التى دعا إليها هذا الكتاب لتأسيس المجلس التشريعى وثار العرب على تفاقم الوضع ووقعت اضطرابات عنيفة فأرسلت انجلترا عدة لجان إلى المنطقة للتحقيق فى هذه الاضطرابات فأوصت هذه اللجان بضرورة النظرة إلى المطالب العربية نظرة عادلة ، ولكن بالطبع لم ينظر الإنجليز إلى هذه التوصيات وكان إرسال هذه اللجان بمثابة محاولة بريطانية لامتصاص الغضب العربى بإرسال هذه اللجان وكانت أولى تلك اللجان ما عرف بلجنة (شو) وكان أهم ما جاء فى تقرير هذه اللجنة أنها حثت الحكومة البريطانية على وضع حد لإجلاء المزارعين الفلاحين عن أراضيهم.

ثم تبع تلك اللجنة لجنة أخرى برئاسة القاضى [سمبسون] وورد فى تقريرها نقطتان هامتان ، أولهما: أن الوكالـة اليهودية هى المسئولة عن التوسع المفاجىء فى تهجير اليهود إلى فلسطين مما لا تطيقه إمكانيات أرض فلسطين وشعبها . والثانية: أن البطالة بين العرب تفاقمت إلى حد يهدد الحياة الاقتصادية والاجتماعية بأشد الأخطار.

كما أكدت اللجنة أن حالة الفلاح العربى نتيجة لسياسة الهجرة اليهودية للمنطقة دون قيد ثم الإجحاف بحق الفلاح العربى وحرمانه من جميع الوظائف جعلت حالته أسوأ مما كانت عليه فى عهد الحكومة العثمانية وبناء على ما جاء بتقريرى لجنتى [شو وسمبسون] أصدرت الحكومة البريطانية ما يسمى بالكتاب الأبيض والتى تتظاهر فيه بتقييد انتقال الأراضى من أيدى العرب وهو تظاهر على الورق فقط دون تحرك حقيقى فى الواقع ، وفى الحقيقة  لقد تعرض عرب فلسطين لألوان شتى من الضغط النفسى والسياسى طوال الفترة التى أعقبت الانتداب البريطانى حتى عام 1930م وخاصة حينما تدفقت الهجرة اليهودية إلى فلسطين على نحو أحدث تأثيراً سيئاً على إمكانيات الأرض والثروة القومية الفلسطينية وتنبه العرب الفلسطينيون أكثر من أى وقت مضى إلى قيمة الأرض التى بقيت فى أيديهم وأحسوا بفداحة الخطأ الذى وقع فيه الكثيرون بالاستسلام للضغط وبيع الأرض لليهود ويبدوا لى أن ذلك الإحساس كان متأخراً جداً ، فقد استطاع اليهود بالفعل الحصول على مساحات واسعة من الأراضى الزراعية الخصبة التى أقاموا عليها العديد من المستعمرات والمنشآت المدنية والعسكرية والتى كان لها دور كبير فى الأحداث التالية وكان وراء عمليات شراء الأراضى الفلسطينية لحساب اليهود بنك [روتشيلد] الصهيونى وصندوق النقد اليهودى المعروف باسم [كيرن كايميت] .

و إنصافاً للحقيقة يجب أن نشير إلى ملاحظة هامة جداً من شأنها أن تهدم ادعاء الدوائر الاستعمارية الصهيونية بأن العرب كانوا يبيعون أرضهم طواعية واختياراً ؛ فليس هذا صحيحاً على الإطلاق بل إنه بالإضافة إلى أساليب الإرهاب والبطش التى كانت تستخدم لإرغام العرب على ترك أراضيهم فإنه حينما سقطت السلطنة العثمانية فوجىء عرب فلسطين مما لم يكن فى حسبانهم ذلك أن البنك الزراعى الذى كان يمولهم ويسد احتياجات الزراعة سقط ايضاً مع سقوط السلطنة العثمانية والتى قضى عليه نهائياً كمال أتاتورك بإعلانه قيام الجمهورية التركية وإلغاء الخلافة العثمانية . ومن الطبيعى أن بريطانيا لم تنشىء بديلاً لهذا البنك عند انتدابها مشاركة منها فى المساعدة على نقل الأراضى العربية إلى أيدى اليهودى بل إنها كانت تعمد إلى وضع العراقيل والحيلولة دون تسويق المنتجات الزراعية الفلسطينية حتى ناء المزارعون الفلسطينيون بالديون التى أثقلت كواهلهم وعلى الرغم من ذلك الوضع القاسى الذى يُشعر القارىء والمتتبع لتلك الأحداث بالمرارة فإن عرب فلسطين ثاروا وهبوا للذود عن وطنهم وثارت كل أحياء العرب فى كل المدن الفلسطينية للدفاع عن بلادهم ودارت فى القرى معارك رهيبة وسالت دماء الأبرياء أنهاراً، وتأمل أيها القارىء كيف كانت مشاهد الفظائع التى ارتكبها الجيش البريطانى ضد العرب العزل الذين لم يكن لهم من سلاح سوى الإيمان بعدالة قضيهم ...

إن من يتأمل أحداث تلك الفترة فيما قبل عام سنة 1948م يلاحظ بكل وضوح أن اليهود فى كل تحركاتهم فى ذلك الوقت يتحركون بشكل منظم ومخطط له من قبل فالأحداث سريعة جداً والانجليز يساعدونهم كحلفاء وهم يتحركون بخطى ثابتة فى الوقت الذى يتحرك فيه العرب بصورة عشوائية غير منظمة فى حماسة غير مقننة ولا أعرف هل تلك طبيعتهم دائماً أم ماذا ؟! إذ لو كانت تحركاتهم أكثر تنظيماً واتحاداً لاستطاعوا الحفاظ على فلسطين بكل سهولة ولكن تتابع الأحداث يؤكد غير ذلك ففى الوقت الذى كانوا يحاولون فيه الضغط على الإنجليز لمنع تدفق اليهود إلى المنطقة كان اليهود يفدون إلى فلسطين جماعات جماعات وكأنهم سيل العرم كما عملوا على شراء أكثر الأراضى من الفلسطينيين فى محاولة منهم لوضع أيديهم على أكبر مساحة من الأراضى بصورة رسمية ، ورداً على تلك الخطوة قام المجلس الإسلامى وصندوق الأمة وبعض المؤسسات العربية بشراء الأراضى التى يبيعها الفلسطينيون كى لا تقع فى أيدى اليهود فتم إنقاذ أراضى زيتا ودير عمر والطيبة وعتيل من البيع لليهود ([124])  وهو تحرك يحمد لتلك المؤسسات العربية بالطبع واستمر الصراع بين العرب والمهاجرين اليهود بشتى الطرق ووقعت عدة حوادث أشعلت ذلك الصراع وأججت نيران الغضب العربية ففى أحد الأيام وضع مجموعة من اليهود ستاراً على حائط البراق وهو ما يعرف بحائط المبكى عند اليهود والموجود فى غرب المسجد الأقصى وسارعت الشرطة الإنجليزية وأزالته ونتيجة لتلك الحادثة اشتعل الصراع بين العرب واليهود بصورة كبيرة ووقعت حوادث دامية وخاصة حين سافر وفد عربى فلسطين إلى لندن فى محاولة للحصول على موافقة الحكومة الإنجليزية لإنشاء حكومة فلسطينية وطنية وعاد خالى الوفاض .

ثم عرضت انجلترا تأسيس مجلس تشريعى يضم 28 عضواً أكثرهم من الفلسطينيين إلا أن اليهود رفضوا ذلك الاقتراح وعادت الاشتباكات بين العرب واليهود من جديد ولم يكتفِ العرب بمهاجمة الجماعات اليهودية المسلحة بل عملوا على مهاجمة الإنجليز فى محاولة للضغط عليهم وإجبارهم على وقف تدفق اليهود على أرض فلسطين من شتى بقاع العالم ، واستمرت محاولات العرب  للحفاظ على أرض فلسطين مصممين على أحد أمرين ؛ إما الاحتفاظ بالأرض عربية وإما الموت ، ونجحوا بالفعل فى تخريب الكثير من سكنات الإنجليز للحصول على الأسلحة والذخيرة وإلحاق أكبر قدر من الخسائر فى صفوفهم وقد استغل اليهود ذلك فعملوا على قتل الجنود الإنجليز بأنفسهم على الرغم من أنهم حلفاء لهم حتى يظن الإنجليز أن العرب وراء عمليات القتل ضدهم وهى عمليات توضح دون أدنى شك عدم وفاء اليهود لأى حليف إلا فى حالة وجود مصلحة لهم فى ذلك الوفاء ، وبخلاف ذلك فليذهب الجميع إلى الجحيم فداء لدولتهم المنشودة ، ومن أشهر من شاركوا فى عمليات اغتيال الجنود الإنجليز وقادتهم فى فلسطين أحد زعماء اليهود - والذى أصبح رئيساً للوزراء فيما بعد- إسحاق شامير وغيره من مشاهير سفاحى اليهود فى ذلك الوقت ممن تولوا فيما بعد مناصب هامة فلكلٍّ تاريخه الدموى المعروف وكأنى بهم يظنون أن أرواح الأبرياء من غير اليهود لا قيمة لها وصدق الله إذ يقول }ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأمّيّين سبيل| فلقد عملوا على القضاء على الأمم المحيطة بهم بأى شكل من الأشكال .

لقد قام اليهود بمذابح شتى ضد سكان فلسطين من العرب وخاصة فى أواخر سنة 1937م راح ضحيتها أرواح آلاف من السكان المدنيين تشتكى إلى الله ظلم العبيد وتخاذل المسلمين وضعفهم المهين .

 

صدور الكتاب الأبيض الثانى

نتيجة لتأزم الوضع واشتداد الضغط على انجلترا لتوقف ذلك الصراع المرير فقد أصدرت انجلترا الكتاب الأبيض الثانى سنة 1938م والذى عدلت فيه عن فكرة تقسيم البلاد وعلى الرغم من تساهله مع اليهود فى مسألة الهجرة فقد رفضه اليهود كما اعترض عليه العرب بدورهم على الرغم من عدول انجلترا فيه عن فكرة التقسيم .

و استمر اليهود يتدفقون على فلسطين من شتى بقاع الأرض وخاصة عندما قامت الحرب العالمية الثانية سنة 1939 م فقد هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى المنطقة بلغ عددهم أكثر من 27561 شخصاً([125]) فى خضم انشغال انجلترا بالحرب والتى لم تعر أهمية لما يحدث .

قرار مجلس الأمن الدولى رقم 181 سنة 1947 م

حاولت الأمم المتحدة إيقاف الوضع المتردى فى المنطقة فأصدرت القرار رقم 181 فى 29-11 سنة 1947م ويقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية ، ويعدُّ هذا القرار هو أول شكل رسمى للدولة اليهودية ويبدوا للوهلة الأولى أن هذا القرار يحاول حل المشكلة ولكنه فى حقيقة الوضع صنع كياناً رسمياً لليهود فقد اعترف المجتمع الدولى للمرة الأولى بأحقية اليهود فى إقامة دولة لهم فى قلب فلسطين فلم يعيدوا الحق إلى نصابه بل زادوا الطين بله .

وبالطبع لم يوافق العرب على ذلك القرار وتجمعت أعداد كبيرة من العرب من شتى أنحاء العالم العربى فى محاولة للحفاظ على الأرض ولكن دون جدوى ، فلقد استطاعت القوات اليهودية التى تعد مقارنة بالقوات العربية أكثر تنظيماً وأقوى تسليحاً الاستيلاء على طبرية كما قتلوا أعداداً ضخمة من سكانها دون تفرقة بين كبير وصغير فى محاولة لتفريغ تلك المدن من سكانها إما بالطرد أو بالقتل.




خريطة تقسيم فلسطين طبقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 م ([126])

و فى ظل ذلك الوضع المرير كان موقف انجلترا سلبياً على الرغم من أنها صاحبة اليد الطولى فى هذه البلاد نظراً لوقوعها تحت سيطرتها بموجب اتفاقية الانتداب . ولم يقتصر موقف انجلترا على الصمت على جرائم اليهود وضد العرب بل عملت على تهيئة الظروف لإعلانهم قيام دولتهم المشؤمة فأعلنت أنها ستلغى انتدابها على فلسطين فى الخامس عشر من مايو سنة 1948 م مُهيِّأةً الظروف لليهود لإعلان قيام دولتهم على تراب فلسطين لتتغير الأحداث من سيء إلى أسوأ.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

# +

قيام الدولة اليهودية

واشتعال النزاع العربى الإسرائيلى

N

تمهيد

الأصول المختلفة لليهود المعاصرين .

اختيار اسم الدولة اليهودية .

تكوين الجيش الإسرائيلى – إعلان قيام الدولة .

إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية .

استيلاء القوات الإسرائيلية على أجزاء من الدول العربية سنة 1967م.

صدور قرار مجلس الأمن  رقم 242 لسنة 1967م.

انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء عقب هزيمتها فى حرب 1973م.

غزو إسرائيل لجنوب لبنان .

تصفية اليهود للمقاومة الفلسطينية فى الداخل والخارج.

إعلان منظمة التحرير الفلسطينية عن إقامة دولة فلسطين سنة 1988 م.

مرحلة المفاوضات المستمرة وأبعادها .

رؤية مستقبلية للصراع العربى الإسرائيلى .



6

عمل يهود العالم على الترويج لفكرة إقامة دولتهم الخاصة بهم بشتى الطرق واستطاعوا تحقيق أولى خطواتهم نحو تحقيق هذا الهدف بانتزاعهم وعد بلفور الشهير الذى لم يكن حصولهم عليه وليد الصدفة بل كان نتيجة مجهود شاق وضغط قوى على انجلترا وملكها .

ويُعد هذا الوعد المشؤم هو نواة تكوين الدولة اليهودية وعلى أساسه كان تحركهم بعد ذلك فى خطى منظمة وعمل مخطط فى الوقت الذى كان العرب فيه كعادتهم ممزقين كل ممزق غافلين عن الخطر القادم الذى سوف يكون الداء العضال ؛ ذلك الداء هو الدولة اليهودية .

و لـنَرَ معاً كيف أصبح الأمر وكيف صار...


الأصول المختلفة لليهود المعاصرين

من المؤكد  أن اليهود المعاصرين هم خليط من جميع الأجناس الزنوج والمغول و...

ولا يمكن نسبتهم إلى أسباط يعقوب عليه السلام بأى وجه من الوجوه ؛ إذ لا علاقة لليهود المعاصرين بهم على الإطلاق ، فمن الثابت تاريخياً أن كثيراً من الشعوب المختلفة المتعددة الأعراق قد اتبعت الديانة اليهودية وقد ساعد على ذلك انتشار اليهود وتفرقهم بين الأمم فى ربوع الأرض خاصة بعد طردهم من فلسطين أكثر من مرة كان آخرها فى العصر الرومانى نتيجة للفتن والصراعات التى كانوا سبباً فى اشتعالها فى المنطقة ، وفى غضون القرون الميلادية المتتابعة اعتنق اليهودية أفواج كبيرة بلغت ذروتها عندما اعتنق حاكم مملكة الخازار الوثنية وكبار رجال مملكته الديانة اليهودية ثم تبعه شعبه بالكامل، وبذلك تهودت المملكة بالكامل وكانت فى جنوب روسيا بين نهرى الفولجا والدون وتمتد حتى شواطىء البحرين الأسود و بحر قزوين. ومما يؤكد ذلك الرسائل المتبادلة بين أحد مستشارى الخليفة الأموى الأندلسى [عبد الرحمن] وهو الطبيب اليهودى [حسدى بن شابروت] وبين حاكم هذه المملكة المسمى [عبوديا] والذى كان يلقب بـ خاقان ، وتؤكد هذه الرسائل أن اليهودية ازدهرت ازدهاراً كبيراً فى هذه المملكة بعد أن اتخذت اليهودية ديناً رسمياً له و أنشأت بها العديد من المدارس لتعليم التوراة والتلمود وكثير من المعابد اليهودية ، ثم قُضِىَ على هذه المملكة نهائياً سنة 969 م حيث زحفت عليها جيوش الدولة البيزنطية وروسيا واقتحمت عاصمتها [اتيل] وأزيلت تماماً من الوجود وانتشر شعبها فى أوربا الشرقية والقوقاز لتصبح بذلك مصدراً من مصادر نشر اليهود فى العالم والذين ينتمون إلى أصول هذه المملكة الوثنية وليس لهم أى صلة ببنى إسرائيل على الإطلاق .

و استناداً إلى هذه الحقائق التاريخية فإن جُل اليهود الأوربيين هم من السلالة الخزرية الذين تحولوا من الوثنية إلى اليهودية أمثال [بن جوريون ووايزمان] وليس لهم علاقة من قريب أو بعيد بنسل بنى إسرائيل إلا فى خيالهم ، وربما فى خيال من يضلونهم من كبار الساسة . ومما يؤكد ذلك ما يراه العالم [فاينسبرج] من أن هناك ملامح معينة تميز طوائف اليهود بعضها عن بعض وترد كل طائفة إلى بيئتها وسلالتها ، ومن ذلك مثلاً البشرة السمراء والأنف المدبب وهما من سمات اليهود القاطنين فى حوض البحر المتوسط ثم الأنف الغليظ واللون الأشقر وهما من ملامح اليهود الذين عاشوا فى شرق أوربا والمعروفين بالجنس التترى الخزرى ([127]) وعلى ذلك فلا صلة لمعظمهم بالجنس السامى كما يدعون .

و على النقيض من هذه الدعوى ؛ فإن أكثر الشعوب العربية فى الشرق الأوسط تنتمى إلى الجنس السامى على اعتبار أنهم فى الأصل ينتمون إلى سام بن نوح ولم يختلطوا بغيرهم من الشعوب اختلاطاً قوياً بل احتفظت معظم الشعوب العربية وخاصة القاطنة بشبه الجزيرة العربية بسلالتها ونقاء دمها وتعد أسرة آل سعود الحاكمة فى المملكة العربية السعودية هى نموذجاً حياً مؤكداً للسلالة السامية العربية التى تنحدر من ذرية إبراهيم عليه السلام ، وبناء على ذلك فالعرب يمثلون فى معظمهم وخاصة أبناء الجزيرة العربية أنقى الشعوب السامية فى العالم.

أما اليهود المعاصرون فلا يمكن نسبتهم إلى السامية بأى وجه من الوجوه إلا على سبيل المزاح والتغاضى عن الحقائق التاريخية المؤكدة .. وإلا فمَن منهم ينتمى إلى السامية ومن منهم ينتمى إلى بنى إسرائيل؟! لاشك فى أنهم لا يعرفون لهم أصلاً بل ربما لا يعرف معظمهم لهم أباً من أجل ذلك فهم ينسبون إلى أمهاتهم ولا يعد يهودياً إلا من كانت أمه يهودية بغض النظر عن أبيه ولعمرى إن ذلك لهروب من الحقيقة التى لا تقبل الشك وهى أن اليهود المعاصرين مجموعات عرقية لا أصل لها ولا ينتمون إلى الجنس السامى أو بنى إسرائيل بصلة ، ولو كان الأمر بخلاف ذلك فليأت أحدهم بنسبه وأصله أو أصل أسرته إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.

و لقد أكدت هيئة اليونسكو سنة 1952م تلك الحقيقة حين أصدرت بياناً أيده علماء التاريخ فى جامعة كولومبيا جاء فيه :

( إن اليهود هم شعب يعتنق الديانة اليهودية وهم خليط من جميع الأجناس بما فيها الزنجى والمغولى ، أما ما يسمونه بالطابع اليهودى الخاص فهو طابع شائع بين جميع بلدان شعوب الشرق الأوسط الممتدة على شواطىء البحر المتوسط).

فهم إذاً شراذم شتى من أعراق وأجناس مختلفة ، فمنهم العراقيون ويمثلون عُشر سكان إسرائيل ، ومنهم الهنود الذين يكرهون على العمل فى أحط الأعمال ، ومنهم الأوربيون الذين يطلق عليهم اليهود [الاشكناز] وهم فى معظم الأحوال أصحاب أرفع المناصب ومنهم الأمريكيون وهم أصحاب اليد العليا بجانب الاشكناز ، ومنهم اليمنيون ويهود شمال أفريقيا ويطلق عليهم يهود [السفرديم] ومنهم اليهود [الصبار] وهم من ولدوا فى أرض فلسطين وصدق الله إذ يقول }تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى|.

وما أظن أننا سنسمع فى التاريخ من قبل ومن بعد بدولة يتآلف شعبها من أشتات بلغت من الاختلاف والتنافر ما بلغت طوائف اليهود التى لا أصل لها والتى وفدت إلى أرض فلسطين تزعم أن لها حقاً فيها على زعم أنهم من سلالة يعقوب كذباً وافتراءاً ولو كان حياً لتبرأ منهم ومن افعالهم الشاذة الخارجة عن كل القيم الإنسانية والبعيدة من كل حقائق التاريخ الإنسانى .

اختيار اسم الدولة اليهودية

قبل خروج انجلترا من فلسطين فى 15 مايو سنة 1948 م بفترة قصيرة وانتهاء الانتداب البريطانى ؛ انعقد المجلس الوطنى اليهودى والذى يتكون من 37 عضواً من شتى أجناس اليهود واختلاف أعراقهم وأصولهم وذلك لمناقشة أمر إعلان قيام دولتهم بتنسيق مع انجلترا وبالفعل تم الاتفاق على أن يكون الرابع عشر من مايو أيار سنة 1948م هو يوم إعلان قيام دولتهم أى قبل إنهاء الانتداب البريطانى بيوم واحد لتكون نهاية الانتداب إعلاناً عن سحب السلطة الانجليزية على المنطقة لتبقى الساحة خالية لعصابات اليهود لتسيطر على المنطقة فى الوقت الذى يعيش فيه العرب مرحلة من السكينة والهدوء .

وتشاور أعضاء المجلس الوطنى اليهودى حول اسم الدولة اليهودية فكان اقتراح بعض أعضاء المجلس أن يكون اسم الدولة اليهودية [جوديا] بمعنى يهوذا ولكنها كانت تعنى المنطقة المحيطة بالقدس فقط مما يعنى مستقبلياً صغر حجمها باعتراف منهم فاستبعد ذلك الاسم .

و اقترح بعضهم اسم [اينار] ويعنى العبرية واستبعد هو الآخر. وأخيراً اقترح حاييم افجدور جرين والذى يعرف بـ "دافيد بن جوريون" ([128])  اسم إسرائيل ووافق عليه غالبية الأعضاء بعد نقاش صغير ([129]) وهو مأخوذ من اسم مملكة إسرائيل الصغيرة .

و هى تخص الأسباط أولاد نبى الله يعقوب عليه السلام والمنحدرين من ذريته والذى كان معروفاً بـ "إسرائيل" كما أطلق عليه الذكر الحكيم . فهو اسم مأخوذ من اسم هذه المملكة واسم يعقوب عليه السلام استغلالاً منهم لذلك الاسم النبوى الشريف لتنفيذ اطماعهم واستغلالاً لما يعنيه من طابع دينى لدى كل من يؤمنون بالله وبأنبيائه وما أظن إلا أن نبى الله يعقوب لو كان حاضراً لصب عليهم لعنة من الله ليس لها حدود ، فهم يزعمون أنهم من نسله وما هم إلا شرذمة  من اعتنقوا التعاليم اليهودية المحرفة من أعراق وأجناس مختلفة لا صلة لهم على الإطلاق بهذا النسب إلا فى خيالهم ويكفى أنهم ينسبون إلى أمهاتهم ولا يعترفون لشخص بأنه يهودى إلا إذا كانت أمه يهودية ، ولا أظن أن أحدهم قد يعرف أصله أو يكاد يعرفه أو يعرف له اباً على سبيل اليقين .

تكوين الجيش الإسرائيلى

كان على اليهود أن يكونوا لهم جيشاً ليحمى دولتهم حين يتم إعلانهم عن تأسيسها ولن تكون لهم دولة ما لم يساندها جيش قوى وقد سعى  اليهود لتكوين قوة مسلحة لهم فى فلسطين منذ ظهرت فكرة تكوين الدولة اليهودية لهدفين أساسين هما :

أولاً: استخدام تلك القوة العسكرية فى إرهاب العرب والبطش بهم فى فلسطين وهم لا يملكون سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم ويقفون ضد اليهود القادمين من بلاد شتى وبالفعل نجحت تلك القوة فى إرهاب كثير من السكان العرب الذين فروا هرباً من الفتك والدمار الذى يحيط بهم على أيدى العصابات اليهودية المسلحة  وتخلوا بذلك عن مناطق بأسرها للمهاجرين اليهود .

ثانياً: استخدام القوة المسلحة لتكوين الجيش اليهودى الذى يعمل على تحقيق المطامع اليهودية بعد ذلك وكان بن جوريون أول من نادى بتكوين الكتائب الخاصة ليهود فلسطين وكانت أول فرقة عسكرية منظمة لليهود هى فرقة البغال الصهيونية ، وفى سنة 1920م تكونت عصابات [الهجاناه] التى كانت تضم مجموعة من العصابات الصغيرة التى قامت بدور خطير فى إشاعة الخراب فى قرى فلسطين والتى كانت تنهب الأسلحة من مخازن الجيش البريطانى دون أن يتدخل أحد من البريطانيين، بل إنها أقامت عدة مصانع للأسلحة فى وضح النهار.

و قد كان للانتداب البريطانى دور بارز فى قيادة اليهود للوصول إلى تكوين قوة عسكرية تخصهم طبقاً للمخطط الذى وضعه [فاديميير جابوتنيسكى] اليهودى الذى تلقى تدريباته فى بريطانيا وقاد فرقة يهودية اشترك بها فى القتال ضد الأتراك تحت قيادة الجنرال [اللنبى] .

و قد لعبت هذه العصابات اليهودية دوراً خطيراً فى إشاعة الفزع والدمار فى قرى فلسطين والتى كان يقودها مشاهير اليهود والذين أصبحوا فيما بعد قادة إسرائيل.

و قد تفاوض زعماء اليهود مع العصابات اليهودية المنتشرة فى ربوع فلسطين وتم الاتفاق معهم على أن تحل تلك العصابات نفسها تلقائياً عقب إعلان قيام الدولة وتنضم بجميع أفرادها إلى قوات الجيش ، وبذلك اعتمد تكوين الجيش الإسرائيلى على عنصرين هما عنصر المجموعات اليهودية التى كانت تخدم مع القوات الإنجليزية بالمنطقة والعنصر الآخر هو عناصر العصابات اليهودية التى كانت تعيث فى الأرض فساداً .

و اختار اليهود لجيشهم اسم [تسهال] وهو اختصار للكلمات العبرية [تسفاها جاناتا ليسرائيل] ومعناها جيش الدفاع الإسرائيلى كما أسندت قيادته إلى بن جوريون .

و بتأسيس الجيش اليهودى يكون اليهود قد أسسوا درعاً واقياً يحمى دولتهم حين قيامها، ولم يبقَ أمامهم سوى الخطوة الأخيرة وهى الإعلان عن قيام الدولة اليهودية فى قلب العالم العربى.

الإعلان عن قيام دولة إسرائيل

نجح اليهود فى تأسيس نواة الجيش اليهودى، وساعدهم على ذلك القوات  البريطانية التى كانت تسيطر على المنطقة وتغض الطرف عن أعمال الجماعات العسكرية اليهودية، وتعمل على تقوية نفوذها على العرب بشتى الطرق .

و بالتنسيق مع العصابات  اليهودية التى كان يخدم معظمها فى صفوف القوات البريطانية؛ أصبح لليهود كيان عسكرى قوى فى فلسطين هو تسهال أو جيش الدفاع الإسرائيلى، وبقى أمام اليهود الخطوة الأخيرة لتولد الدولة اليهودية -أمام أعين العرب- وهى الإعلان عن قيامها، وبالفعل تم ذلك .. ففى الرابع عشر من مايو سنة 1948م أعلن دافيد بن جوريون  والذى أسند إليه قيادة الجيش اليهودى الوليد أعلن عن قيام دولة إسرائيل وعاصمتها تل أبيب .

و أتمت انجلترا المشروع اليهودى لإقامة الدولة اليهودية فأعلنت فى اليوم التالى 15 مايو سنة 1948م إنهاء الانتداب البريطانى، ممهدة لليهود الطريق لتقوية سلطانهم فى المنطقة. فقد عملت القوات العسكرية الإسرائيلية على الاستيلاء على المدن والقرى التى تنسحب منها القوات البريطانية وضمها إلى دولتهم التى أعلنوا عن قيامها، كما عملوا على تنفيذ سياسة الأرض المحروقة، وأعنى بها إخلاء الأراضى والمدن الفلسطينية من كل ما هو عربى فلسطينى ، فقتلوا معظم السكان العرب فى مذابح وحشية يندى لها جبين التاريخ .

و تجمعت القوات العربية فى محاولة للقضاء على جرثومة الكيان اليهودى الجديد الذى برز فى المنطقة والذى ينمو على أشلاء الأبرياء من العرب. وتحركت الجيوش العربية وتوغلت داخل الأراضى الفلسطينية حتى استطاعت الوصول إلى مدينة تل أبيب مقر قادة اليهود وطوقتها من جميع الجهات فقد وصل الجيش المصرى إلى جنوب تل أبيب ووصل الجيش العراقى شمالها والجيش الأردنى شرقها كما وصل الجيش السورى إلى مدينة الناصرة وأصبح القضاء على اليهود نهائياً وشيكاً إلا أن تحركات اليهود بشكل منظم على الصعيد الدولى مكنهم من الضغط على الأمم المتحدة لتوقف القتال وبالفعل أعلنت الأمم المتحدة وقف القتال وإعلان الهدنة وقبلت الدول العربية تلك الهدنة  ووقعت عليها فى التاسع من يونيو سنة 1948 م وانسحبت الجيوش العربية من المنطقة .

و قد ساعدت تلك الهدنة اليهود على تنظيم قواتهم وتسليحها بمساعدة الدول التى تقف خلفهم ، فى الوقت الذى كانت فيه الجيوش العربية فى حالة جمود تام فلم تعمل على تنظيم قواتها أو إدخال أى تعديلات على تلك القوات سواء من الناحية التنظيمية أو التسليحية مكتفية بالانتصارات التى حققتها قبل الهدنة ، مما مكن اليهود عند انتهاء الهدنة وعودة القتال من جديد إلى قلب الموازين لصالحهم ونجحت القوات الإسرائيلية فى التغلب على الجيوش العربية على جميع جبهات القتال كما توغلت القوات الإسرائيلية فى أراضى فلسطين حتى وصلت إلى مدينة إيلات فى الجنوب كما وصلت إلى الحدود المصرية فى الغرب ،كما وصلت أيضاً إلى الحدود الأردنية فى الشرق ، ولم يبقَ تحت سيطرة القوات  العربية سوى قطاع غزة والضفة الغربية لنهر الأردن ، وأصبح الوضع خطيراً جداً إذ لم يعد للفلسطينيين معيناً قوياً يدافع عنهم أو عن أراضيهم بعد أن أصبحت الجيوش العربية غير ذات جدوى بعد أن أصابها الوهن والضعف .

إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية

كنتيجة مباشرة لانهيار الجيوش العربية عقب هزيمتها عام 148م أصبحت المواجهة بين القوات الإسرائيلية مباشرة مع المدنيين الفلسطينيين وبالطبع كانت المواجهة المباشرة مع الجيش الإسرائيلى فى غير صالح الفلسطينيين لعدم توازن ميزان القوى ولم يبق أمامهم سوى مهاجمة الجيش الإسرائيلى بطريقة حرب العصابات آى دون مواجهة مباشرة مع القوات النظامية اليهودية لعدم إمكانية ذلك وقد تزعم هذه الجماعات الوطنية مجموعة من المجاهدين الفلسطينيين والذين عملوا على توحيد صفوفهم ومقاومة الاحتلال الإسرائيلى تحت قيادة موحدة وبالفعل نجحوا فى تحقيق ذلك ، ففى 28 مايو سنة 1964م أعلن عن قام منظمة التحرير الفلسطينية بجميع هيئاتها وكان مقرها الشقيقة المجاورة لبنان ، وقد سارعت القمة العربية بالاعتراف بها فى 10 سبتمبر سنة 1964م كممثل شرعى وحيد للشعب الفلسطينى.

و تولى زعامة تلك المنظمة أحمد الشقيرى ليحمل على عاتقه تنظيم صفوف الفلسطينيين للدفاع عن أراضيهم بأنفسهم ضد المرض الصهيونى العضال . ثم خلفه فى قيادة المنظمة الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات ليقود الفلسطينيين عبر فترة طويلة من الصراع من أجل تحرير فلسطين .

استيلاء القوات الإسرائيلية على أجزاء من الدول العربية المجاورة

استمرت الدول العربية فى حالة من الخمول والركون إلى الدعة والهدوء حتى بعد هزيمة كل الجيوش العربية فى حرب عام 1948م ولم يكن هناك أى تنسيق بين الدول العربية فى مجال الصراع  العربى الإسرائيلى ، وذلك الوضع السَّىِّء هو الذى شجع الجيش الإسرائيلى على القيام بهجوم مباغت على كل الجيوش العربية المحيطة بفلسطين ونجحت بالفعل فى الاستيلاء على أراضى الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة ولم تقف عند هذا الحد بل إن سهولة العمليات العسكرية شجع إسرائيل على التوغل فى أراضى الدول العربية المحيطة بالكيان اليهودى حيث تمكنت بالفعل من احتلال أراضى سيناء المصرية وأرض هضبة الجولان السورية وغيرها من الأراضى العربية التى لم تستطع التصدى لهذا الهجوم المباغت الذى قضى على معظم قواتها فى اللحظات الأولى للقتال مما مكن الجيش الإسرائيلى من الاستيلاء على أراضيهم بسهولة ويسر وبأقل الخسائر .

صدور قرار مجلس الأمن  242 سنة 1967م

نظراً لأهمية منطقة الشرق الأوسط لمعظم دول العالم وباعتبارها مصدراً مهماً لإمداد العالم المتقدم بالطاقة اللازمة للصناعة وغيرها فقد سارعت الأمم المتحدة فى محاولة لتهدئة الصراع العربى الإسرائيلى وأصدرت قرارها الشهير رقم 242 فى 22 نوفمبر سنة 1967م وينص على الآتى:

[إن مجلس الأمن إذ يعرب عن قلقه المستمر بشأن الوضع الخطير فى الشرق الأوسط وإذ يؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضى بالقوة والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة فى المنطقة أن تعيش فيه بأمان . وإذ يؤكد أيضاً أن جميع الدول والأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة 25 من الميثاق :

يؤكد أن تطبيق مبادىء الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم فى الشرق الأوسط ويستوجب كلاً من المبدأين التاليين :

أ-     إنسـحاب القوات المسلحة من الأراضى التى احتلتها فى  النزاع الأخير 5 يونيو سنة 1967م

ب-    إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة ووحدة أراضى كل دولة فى المنطقة واستقلالها السياسى وحقها فى العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها حرة من التهديد بالقوة أو استعمالها.

يؤكد أيضاً الحاجة إلى:

أ-     ضمان حرية الملاحة فى الممرات المائية الدولية فى المنطقة.

ب-    تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين .

ج-    ضمان حرمة الأراضى والاستقلال السياسى لكل دولة فى المنطقة عن طريق إجراءات من بينها إقامة منطقة مجردة من السلاح .

يطلب من الأمين العام تعيين ممثل خاص ليتوجه إلى الشرق الأوسط كى يجرى اتصالات بالدول المعنية ويستمر فيها بغية إيجاد اتفاق ومساعدة الجهود لتحقيق تسوية سليمة ومقبولة وفقاً لأحكام هذا القرار ومبادئه .

يطلب من الأمين العام أن يرفع تقريراً إلى مجلس الأمن بشأن تقدم جهود الممثل الخاص فى أقرب وقت ممكن].

و فى حقيقة الأمر لم توافق إسرائيل على هذا القرار لأن جميع الأراضى الفلسطينية أصبحت تحت سيطرتهم كما أنهم نجحوا فى القضاء على معظم القوات العربية الفاعلة فى القتال ، مما يعنى أن لهم اليد العليا فى المنطقة وما عليهم إلا رفض أى تقسيم لتلك الأراضى لأن معنى التقسيم والانسحاب من الأراضى المحتلة فى 1967م هو التخلى عن أراضى استطاعوا استقطاعها من أيدى العرب، وأصبح الوضع أكثر خزياً للعرب مع استمرار القوات الإسرائيلية فى التنكيل بالشعب الفلسطينى والأماكن المقدسة بمدينة القدس حيث أحرق اليهود فى 21 أغسطس سنة 1969م المسجد الأقصى فى محاولة لتدميره نهائياً من أجل إعادة بناء هيكل اليهود الثالث على أنقاض الحرم القدسى الشريف دون النظر إلى قداسة هذا الحرم عند المسلمين

انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء سنة 1973م

فى الوقت الذى كانت فيه القوات الإسرائيلية تعربد فى المنطقة فى حالة زهو وفخار حيث استطاعت استقطاع أراضٍ عربية بالقوة وأحكموا سيطرتهم عليها لكن الجيوش العربية والجيش المصرى على وجه الخصوص عمل على تجديد نفسه وتنظيم القوات وتزويدها بأحدث التقنيات ومواردها، وذلك فيما يعرف بحرب الاستنزاف فيما بين عامى 1968 م  و1969م.

و فى السادس من أكتوبر 1973م الموافق 10 رمضان 1393هـ استطاعت القوات المصرية الوصول إلى سيناء بعد عبور خط برليف المقام على الساحل  الشرقى لقناة السويس ونجحت فى خرق جميع خطوط الدفاع الإسرائيلية على طول القناة فى محاولة لاستردادها من أيدى القوات الإسرائيلية وسارعت الدول العربية فى ملحمة بطولية فى مساندة دولتى المواجهة مصر وسوريا بالأموال والأسلحة والقوات ، كما أوقفت إمداد الدول التى تساند إسرائيل بالبترول ، وترنحت إسرائيل من شدة الضربة التى لم تكن مفاجئة لها كما زُعم فى محاولة للتقليل من شأن القوات العربية وإحباط محاولتها المستقبلية ، فقد كانت إسرائيل على علم بالتحركات العسكرية للقوات المصرية والسورية نحو الجبهات العسكرية وذلك عن طريق المعلومات التى التقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية قُبيل الحرب.

و لجأت إسرائيل إلى حليفاتها لتمدها بالسلاح والأموال مما ساعدها على الصمود مرة أخرى أمام الهجوم ، ولكن الأمم المتحدة تدخلت من جديد وتم الفصل بين القوات سنة 1974م واستردت سوريا أجزاء من هضبة الجولان كما استردت مصر أجزاء واسعة من سيناء ثم استعادت سيناء بكاملها بموجب اتفاقية كمب ديفيد سنة 1977م، ولكن إسرائيل لم تنفذ بنود اتفاقية كمب ديفيد بكاملها بما فيه الاعتراف بالحكم الذاتى للفلسطينيين بالمنطقة ، وقامت بإنشاء كثير من المستوطنات اليهودية فى الأراضى الفلسطينية فى محاولة منها لترسيخ وجودها فى المنطقة وتوسيع نطاق الأراضى التى تسيطر عليها.

وقد أكدت حرب أكتوبر أن اليهود لا يمكن أن يتنازلوا عن شىء حصلوا عليه إلا بالقوة وأن المفاوضات معهم ما هى إلا مضيعة للوقت والجهد فى شىء لا طائل من ورائه سوى الأمل المزيف فى مستقبل أفضل ولكن الحقيقة المؤكدة أنهم لن يتركوا شبراً من الأراضى التى استولوا عليها إلا حين يعلمون مدى قوة خصمهم وليس ذلك فقط ولكن مدى شجاعته أيضاً فربما يملك الخصم القوة الكافية للنصر ولكنه غير واثق من قدراته نتيجة مما تبثه الدعاية الصهيونية من الوهن فى نفوس أعداء اليهود وإشعارهم بمدى قوة اليهود وأنه لا يمكن التغلب عليهم ولكن الحقيقة التى لا تقبل الجدال أنه لا يوجد مستحيل فى الوجود على الإطلاق وأن كل شىء ممكن ولكن المهم وجود العزيمة والأمل والثقة فى النفس والقدرة على توظيف الإمكانيات واستغلالها وفقاً للواقع والظروف الطارئة

كما أكدت حرب أكتوبر لليهود أيضاً أن مصر ومصر بالذات لا يمكن أن تترك لهم شبراً من أراضيها مهما طال الزمن يهنئون به وأنها بالفعل كنانة الله فى أرضه ، والتاريخ خير شاهد على ذلك .. ففيها قضى على الهكسوس فى غابر الزمان وعلى مشارفها قضى على التتار بأيدى المصريين ومنها خرجت جيوش صلاح الدين للقضاء على الصليبيين وعلَّمتهم كيف تكون الحرب.

و بها استعان الأتراك فى حربهم فى بلاد المورة حيث وصلت الجيوش المصرية إلى مشارف أثينا فى بلاد اليونان وحاصرتها بقيادة إبراهيم باشا .

و مصر هى التى قضت على أطماع اليهود فى التوسع وهى الصخرة التى تحطمت عليها أطماعهم وآمالهم وسوف تتحطم عليها كل أمانيهم المستقبلية وطموحاتهم ،و عليها تكسر أنوفهم وإن صبرت عليهم لبعض الوقت :

إذا رأيت نيوب الليث بارزة          فلا تظـنن بأن الليث يبتسم

غزو جنوب لبنان وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت

استطاع اليهود ترسيخ أقدامهم فى الأراضى الفلسطينية بعد أن اعترفت بها دول عديدة بالمنطقة وبعد هدوء الوضع نسبياً على جميع الجبهات .

و اتجهت إسرائيل بعد ذلك إلى تصفية المقاومة الفلسطينية فى الخارج ، فكان اتجاه القوات الإسرائيلية نحو لبنان فى عام 1982م للقضاء على المقاومة الفلسطينية هناك ودخلت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان بقيادة الجنرال الإسرائيلى "أورى أور" ، وحاولت تلك القوات اجتياح بيروت على محاور المرفأ والأوزعى والمطار والطيوفة وغيرها واستطاعت احتلال منطقة المطار والأوزعى واستخدم الإسرائيليون كل إمكانياتهم فى محاولة منهم للاستيلاء على مقر القيادة الفلسطينية فى بيروت ولكن القيادة الفلسطينية قد خرجت من لبنان بموجب اتفاقية وقعت بين الأطراف المعنية بطرق غير مباشرة ، ونقل قادة المقاومة الفلطسينية من بيروت إلى اثينا على متن السفينة اليونانية أطلانتس تحت حراسة طراد حربى أمريكى وطراد حربى فرنسى وآخر يونانى.

و قد كان لدخول القوات الإسرائيلية جنوب لبنان أسباب مختلفة كان من أبرزها الأسباب الدينية التى تزعم إسرائيل أنها من أهم الأسباب التى دعتها إلى دخول لبنان وهى الأسباب التى تدعوها لدخول مناطق أخرى فى البلاد العربية , ونسوق بعض النصوص التى وردت فى أسفار العهد القديم مشيرة إلى الهدف الرئيسى من إشعال النزاعات فى المنطقة .

ففى سفر يوشع : " كل مكان تطأه أخامص أرجلكم لكم أعطيته كما قلت لموسى . من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحيثيين وإلى البحر الكبير الذى فى جهته مغارب الشمس تكون تخومكم"([130])

و فى سفر التثنية "كل مكان تدوسه أقدامكم يكون لكم من البرية ولبنان" .

و كان من أسباب الغزو الإسرائيلى لجنوب لبنان المطامع الإسرائيلية فى مصادر المياه وتفتيت لبنان لكى تضمن إسرائيل أن تكون حدودها الشمالية فى مأمن من القوات اللبنانية فطالما أن النزاع واقع بين القوات اللبنانية فى الداخل فلن يكون هناك أية خطة لضرب إسرائيل من الشمال عن طريق لبنان ونجحت إسرائيل فى تحقيق ذلك الهدف بعد أن استطاعت أن تشعل الحرب الأهلية فى لبنان ليشهد التاريخ أن اليهود لا يقيمون فى أرض حتى ينشرون بذور الفرقة والعداء بين أهل البلاد كما كانوا من قبل فى الجزيرة العربية ثم فى أوربا وآسيا وأخيراً فى لبنان.

و اتجه اللبنانيون إلى مقاومة ذلك الاحتلال لأراضيهم بشتى السبل الممكنة فى محاولة منهم لتحرير أراضيهم واشتركت كثير من المنظمات الدينية أو غير الدينية فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى خاصة مع وجود الدعم الخارجى لتلك المقاومة وقد تزعم تلك المنظمات منظمة حزب الله اللبنانية التى اتبعت أسلوباً خاصاً فى مقاومة الجيش الإسرائيلى نظراً لعدم تكافؤ القوى واختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل مما جعل المواجهة المباشرة للعتاد الحربى الإسرائيلى ليست فى صالح تلك المنظمات فاتجهت فصائل المقاومة إلى أسلوب حرب العصابات بمعنى مهاجمة القوات النظامية الإسرائيلية بصورة مباغتة عن طريق الكرِّ والفرِّ السريع .

و نتيجة لكثرة تلك العمليات وتكبُّد القوات الإسرائيلية خسائر فادحة فى الأرواح والعتاد لم يجد الجيش الإسرائيلى مفراً من مغادرة المنطقة والانسحاب بشكل مفاجىء ينم عن مدى الخسائر التى تكبدتها تلك القوات خاصة بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتوحُّد القوى الوطنية اللبنانية فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى لجنوب لبنان والذى كان له الدور البارز فى مذبحة "صابرا وشاتلا" والتى ذهب ضحيتها آلاف القتلى من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على أيدى الميليشيات المسيحية التابعة لها، والتى كانت تتلقى الدعم من الجيش الإسرائيلى وشارون وزير الحرب الإسرائيلى فى ذلك الوقت .

و يبدو أن انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية كان بداية النهاية للوجود الإسرائيلى فى جنوب لبنان ، حيث وقع الجيش الإسرائيلى فريسة سهلة لجماعات المقاومة اللبنانية والتى أجبرت الجيش الإسرائيلى على الفرار من جنوب لبنان تاركاً وراءه ميليشيات جيش جنوب لبنان العميلة لإسرائيل ليلقى جميع أفراد تلك الميليشيات العقاب المناسب وفقاً للقضاء اللبنانى.

تصفية اليهود للمقاومة الفلسطينية فى الداخل والخارج

عمل قادة اليهود منذ إقامة دولتهم على القضاء على أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين قضاءً نهائياً، من أجل ذلك هاجم الجيش الإسرائيلى جنوب لبنان لتحقيق ذلك الهدف، وعلى الرغم من انتقال منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس بعد نجاحها فى الفرار من جنوب لبنان بمساعدة الأسطول الأمريكى فقد امتدت يد إسرائيل إلى قادة حركة التحرير الفلسطينية فى تونس حيث قامت القوات الإسرائيلية بغارة على مقر المنظمة فى منطقة حمام الشط ونجحت فى قتل عدد كبير من قادة المنظمة فى عقر دار العرب وقلب الوطن العربى دون النظر إلى خطورة هذه الخطوة ولم يقف الوضع عند ذلك الحد بل استمرت القيادات اليهودية على العمل على القضاء على قادة المنظمة الفلسطينية وبالفعل نجحوا فى التخلص من أبرز قيادات المنظمة فى تونس والمعروف بـ "أبو جهاد" وتبعه زعيمان آخران فى يناير 1991م وهما "ابو إياد" و"أبو الهول". وبذلك يتضح المخطط الذى يسير عليه قادة اليهود ليس فقط طرد الفلسطينيين من المنطقة وجلب أعداد ضخمة من اليهود من أنحاء العالم وتوطينهم فى أراضى فلسطين فى محاولة لتغيير الوضع الديموجرافى بمعنى تغيير التركيبة السكانية لصالح اليهود وأيضاً تصفية قادة المنظمات فى داخل فلسطين أو خارجها، وليعلم الجميع أن تلك السياسة لليهود لن تتوقف على مدى التاريخ طالما وضع اليهود أيديهم على قلب العالم العربى فلسطين .

إعلان منظمة التحرير الفلسطينية عن إقامة دولة فلسطين

عانى الفلسطينيون كثيراً من أجل الحفاظ على وطنهم ، أو من أجل الحفاظ على وجود اسمه فى المحافل الدولية حتى لايضيع اسم فلسطين فى خضم التاريخ . ففى الخامس عشر من نوفمبر سنة 1988م أعلن عن قيام دولة فلسطين على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 181 السابق الذكر الذى تقسم على أساسه أرض فلسطين بين اليهود والفلسطينيين، وسارعت كثير من الدول العربية وغيرها للاعتراف بهذه الدولة ، ولكن فى حقيقة الأمر لم يكن هناك وجود حقيقى لهذه الدولة سوى على أوراق منظمة التحرير الفلسطينية فقط ، فالواقع يؤكد أن أرض فلسطين نجح اليهود فى ابتلاعها ولن يخرجوها من بطونهم إلا أن يشاء الله .

و سعى الفلسطينيون لتحقيق أملهم عن طريق حضور العديد من مؤتمرات السلام أملاً منهم فى تحقيق السلام الذى يكفل لهم العودة إلى بلادهم آمنين ، طالما أن القوة قد فقدت منهم حيث أصبح العرب والمسلمون غثاء كغثاء السيل لا حول لهم ولا قوة ، وتستمر المفاوضات فى الوقت الذى ينتشر فيه الفلسطينيون مشردين فى بقاع الأرض وينعم اليهود بأرضهم ، فلتستمر المفاوضات على مر العصور صراع مرير ومنذ القدم .

فهل يمكن تغيير الوضع القائم ؟  يملأنى الشكُّ , ويحدونى الأملُ فى غدٍ أفضل ..

مرحلة المفاوضات المستمرة وأبعادها

من الملاحظ أن المشكلة الفلسطينية أصبحت تحمل اسماً منفرداً أعنى به "المشكلة الفلسطينية" وليست "المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية" ويبدو لى أن ذلك يرجع إلى أن الإسرائيليون لم يعد لديهم مشكلة فى الواقع سوى ما يدعونه من مشاكل تخص الأمن فقد نجحوا بالفعل فى إقامة دولة لهم فى قلب العالم العربى كما نجحوا فى السيطرة على معظم أرض فلسطين التاريخية إن لم يكن كلها فى حقيقة الأمر وانقلب الوضع رأساً على عقب وأصبحت المشكلة الآن هى إيجاد وطن للفلسطينيين أو دولة على ما تبقى من أراضيهم ومحاولة انتزاع حقوقهم من بين أنياب الدولة اليهودية التى تظهر لهم أنيابها من حين لآخر آن لم يكن لسانها .

و قد سعى الفلسطينيون بشتى الطرق فى محاولة لتحقيق الحلم الفلسطينى وهو تكوين دولة تشمل كل الفلسطينيين فى الداخل والخارج من أجل ذلك عمل الفلسطينيون على الضغط على الحكومات الغربية من أجل تحقيق ذلك الهدف إذ لم يعد للحكومات العربية أدنى تأثير على القضية ، ونجحت الوساطة النرويجية فى عقد عدة مؤتمرات سرية تجمع بين مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين تابعين لحركة فتح التى يرأسها الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات والتى تعد أكبر المنظمات الفلسطينية . وقد أسفرت تلك المفاوضات عن اتفاق يتم بموجبه نقل قيادة حركة فتح بما فيها الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات إلى منطقة غزة وبسط السيطرة الفلسطينية على نسبة كبيرة من قطاع غزة بالإضافة إلى نسبة أخرى من أراضى الضفة الغربية، وبالفعل تم تنفيذ الاتفاق خاصة حينما عقد مؤتمر مدريد للسلام ، والذى كان يرعاه كل من الاتحاد الروسى والولايات المتحدة الأمريكية ، إلا أن مقتل رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين والذى ساعد على تنفيذ هذا القرار كان بمثابة الزلزال الذى دحر هذا الاتفاق بصورة كبيرة خاصة بعد تولى رئاسة الوزراء فى إسرائيل متشددين عملوا على هدم هذا الاتفاق والاستفادة مما تم تنفيذه منه؛ عن طريق السيطرة على الزعماء الفلسطينيين الذين برزوا على الساحة الفلسطينية أمام أعين الإسرائيليين مما جعلهم هدفاً سهلاً للتصفية وأصبح الصراع أكثر مرارة من قبل نظراً لتعقد الوضع ووجود القيادة الفلسطينية تحت أعين الكيان الإسرائيلى وأصبح "اتفاق أوسلو" غير ذى جدوى فلم يحقق للفلسطينيين ما كانوا يأملونه فى نهاية الأمر وهو إقامة الدولة الفلسطينية التى طالما حلم بها الفلسطينيون ومن أجلها ضحى الجميع بأرواحهم وأغلى ما يملكون .

و أصبح الصراع العربى الإسرائيلى ذا شكل جديد ، فله تأثيره القوى على المنطقة ، وله تأثيره على مجريات الأحداث فى معظم أرجاء العالم ، فإلى أى مدى تسير الأحداث وكيف ستكون الصورة النهائية لهذا الصراع المرير والذى فقد من أجله آلاف الشباب أرواحهم، وقضى فيه على آمالهم وأحلامهم وصدق الشاعر العربى حين يقول

تهـون علينا فى المعالى نفوسنا      ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر

ذلك المهر هو الدم العربى الثمين الذى جاد به شباب العرب وشيوخهم وأطفالهم من أجل أرضهم وزمارهم ، فهل ينجح العرب فى تحقيق هدفهم وأملهم وتحقيقاً لوعد الله }وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا| ([131]) ، أم أن عليهم أن يبذلوا مزيداً من الدماء التى تسفك بأيدى اليهود بدم بارد دون أدنى رحمة أو إنسانية وكأن دماء العرب رخيصة لا ثمن لها فهل يتحقق العدل الإلهى الآن أم أن الوقت لم يحن بعد.. ذلك ما ستقرره الأحداث القادمة

وتستمر الأحداث مادامت الحياة.. و لله الأمر من قبل ومن بعد..


رؤية مستقبلية لهذا الصراع

من خلال تتبعنا للأحداث التاريخية السابقة نرى بوضوح أن أبعاد المشكلة متعددة، فالصراع مرير والمشكلة معقدة بصورة كبيرة ، وتزداد تعقيداً بمرور الوقت وذلك نظراً لمستجدات العصر الحديث ، ففى بداية الأمر حاول تيودورهرتزل - الأب الروحى لإسرائيل وأول من دعا إلى إنشاء وطن قومى لليهود – إقناع السلطان العثمانى عبد الحميد أن يمنحه فلسطين ليحقق على أرضها طموحاته حينما كانت الدولة العثمانية تسيطر على المنطقة وحاول إقناعه بشتى الطرق بما فيها الضغط المادى والمالى ولكن السلطان عبد الحميد رفض بقوة قائلاً له : "إن الإمبراطورية العثمانية ليست ملكاً لى وإنما هى ملكٌ للشعب وليس فى استطاعتى والحال كذلك أن أهب أحداً أى جزء فيها ... فليحتفظ اليهود ببلايينهم فى جيوبهم ... فإذا قسمت الإمبراطورية يوماً ما فقد يحصلون على فلسطين دون مقابل ولكن ذلك التقسيم لن يتم إلا على أجسادنا" ، وبذلك الرفض النهائى توقف أمل هرتزل فى تحقيق هدفه لبعض الوقت حتى تتغير الأحوال.

و تغيرت الأحوال وانهارت الإمبراطورية العثمانية ووقعت فلسطين تحت الانتداب البريطانى واستطاع حاييم وايزمان اليهودى الذى يعمل فى وزارة الحربية البريطانية فى تلك الفترة أن يحصل على وعد من صديقه بلفور لتحقيق مطمع اليهود فى فلسطين واستطاع اليهود على أساسه السيطرة على المنطقة فى نهاية الأمر ، وسهل لهم ذلك تفكُّكُ العرب وعدم شعورهم بفداحة المشكلة ولم يتنبهوا لمدى خطورة الوضع إلا عقب أحداث عام 1967م حين هاجمت  إسرائيل كل الدول المحيطة بها وتوسعت بصورة مفاجئة ولم يكن تدخل العرب بعد ذلك ذا أهمية نظراً للتخطيط الجيد من اليهود والذى لا يمكن إنكاره أو التقليل من شأنه على الإطلاق.

و أصبح الوضع القائم اليوم هو وجود دولة يهودية قوية بصورة جيدة تقف خلفها عدة قوى خارجية سيطرت عليها القوى اليهودية الصهيونية فى الخارج بما لها من نفوذ مالى وإعلانى وسياسى خاصة فى بريطانيا التى كان لها الفضل على اليهود فى إقامة دولتهم والولايات المتحدة الأمريكية القوة الكبرى فى العالم .

فى نفس الوقت أصبح الفلسطينيون على الرغم من تساويهم فى العدد مع اليهود داخل فلسطين إلا أنهم يعيشون فى بلادهم كأقليات ، ليس لهم أى حقوق سياسية أو اجتماعية ، إذ لا يوجد لهم قوة عسكرية تكفل لهم تلك الحقوق ، ونتيجة لشدة الضغط الاجتماعى والعسكرى على الفلسطينيين من جانب الكيان الإسرائيلى ومحاولتهم الضغط على الفلسطينيين ليفروا من أراضيهم وبلادهم ونتيجة لذلك عمل الفلسطينيون على الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم عن طريق المقاومة وذلك بمهاجمة المستوطنات اليهودية التى أقيمت داخل المدن الفلسطينية ومهاجمة قوات الاحتلال على قدر إمكانياتهم المحدودة ولكن الأمر لم يتغير بصورة مهمة نظراً لضعف الإمكانيات وضآلة الدعم العربى الحقيقى المخزى الذى لا يتجاوز الدعم المالى الهزيل, وأصبح الصراع بين أملين كما أعتقد :

أمل اليهود فى محو الفلسطينيين من الوجود والقضاء على أى أثر لهم وقتل طموحاتهم فى إنشاء كيان وطنى لهم قوى يستطيع حمايتهم من البطش الإسرائيلى والقضاء على كل مظاهر المقاومة الفلسطينية .

و أمل الفلسطينيين فى القضاء على الكيان الإسرائيلى ومحوه من الوجود وإنشاء الكيان الوطنى الفلسطينى .. أملان متناقضان كل التناقض متصادمان كل التصادم ولا يمكن تحقيق أيهما على حساب الآخر نظراً لتدخل العديد من العوامل التى تؤثر على الوضع الحالى بصورة أو بأخرى فالولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجى لإسرائيل لها العديد من المصالح فى المنطقة التى تجعلها فى خطر إن هى أطلقت يد إسرائيل فى المنطقة ، كما أن القوة العسكرية العربية وخاصة فى مصر تضعف من شوكة إسرائيل بصورة كبيرة وتجعل حربها ضد الفلسطينيين حرباً محدودة خشية من اتساع نطاق الصراع والذى لا يمكن التكهن بنتائجه وعواقبه على الإطلاق.

من جهة ثانية فإن وجود النفوذ الأمريكى القوى فى المنطقة والذى يوجهه ويؤثر فيه اللوبى اليهودى الأمريكى يحد من طمع الفلسطينيين والعرب فى القضاء على الكيان الإسرائيلى ، بالإضافة إلى وجود كثير من المصالح العربية فى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية والتى تجعل من الدعم العربى المطلق الفعال للفلسطينيين أمراً مشكوكاً فيه خاصة مع وجود الوهن السياسى فى الكيان العربى وعدم الثقة فى القدرات العسكرية العربية وهى الثقة التى تجعل أضعف القدرات العسكرية أقوى القدرات وهى الثقة التى مكنت الجيش المصرى من استرداد معظم أراضيه بالقوة.

و بناء على ذلك أصبح الأملان فى حقيقة الأمر لا يمكن تحقيق أيهما على حساب الآخر نتيجة لتشابك المصالح الدولية وتعقدها بصورة كبيرة ، ولم يعد هناك سوى حلٍّ واحد وهو وجود دولتين؛ إحداهما فلسطينية خالصة وعاصمتها القدس والأخرى يهودية وعاصمتها تل أبيب ونظراً لتعقد قضية القدس يمكن جعل القدس الشرقية عاصمة للكيان الفلسطينى ، والقدس الغربية عاصمة للكيان اليهودى وبذلك يمكن للدولة الإسرائيلية الشعور بالأمن الذى تفتقده على الدوام والتى لا يمكنها الحصول عليه وحدها فقط دون حصول الفلسطينيين عليه ، إذ لا يمكن لإسرائيل حصولها على السلام والأراضى الفلسطينية العربية فى نفس الوقت. بل يحصل الفلسطينيون أولاً على أرضهم ودولتهم المستقلة بما لها من حدود معترف بها دولياً ، ثم تحصل إسرائيل على السلام تبعاً لذلك لأن الفلسطينيين حين تكون لهم دولة لها استقلالها وحدودها يمكن حسابها بعد ذلك على أى خطأ أو تهديد للسلام وهذا هو ما دعا إليه معظم القادة العرب منذ فترة طويلة وحتى الآن وأكده مجلس الأمن من قبل بقراره رقم 242 الذى ينص على مبادلة الأرض مقابل السلام وهو الخيار الوحيد أمام إسرائيل لتعيش فى سلام حقيقى.

وكذلك يمكن اعتبار هذا الحل بالنسبة للدول العربية شكلاً من أشكال حفظ ماء الوجه وبعيداً عن الشعارات التى لا تغنى ولا تسمن من جوع تلك الشعارات الرنانة التى تظهر العرب بصورة مزرية تنم عن الضعف المتناهى وعدم الشعور بالثقة ولا يتولد عنها إلا مزيد من الشعارات التى تصب أطناناً من اللعنات على إسرائيل دون أدنى حراك أو فعل على أرض الواقع وكأنها سحاب براق يملأه الرعد والبرق دون أن ينتج عنه قطرة من ماء تبث الحياة فى أرض الواقع.

و يبدو لى أن الكثيرين من العرب أو غيرهم يفضلون هذا الحل بشكل أو بآخر والذى من أجله قبل الفلسطينيون التفاوض مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة علهم يحصلون على الفتات من أراضيهم ومن أجله ناضل الفلسطينيون فى الداخل أو الخارج فى محاولة للضغط على الدول الداعمة لإسرائيل لتتوسط بين الجانبين فى حل تلك المشكلة المعقدة التى استمرت أجيالاً وعقوداً وسوف تستمر أجيالاً وعقوداً قادمة ، وقد عملت كثير من المنظمات الفلسطينية وغير الفلسطينية فى داخل العالم العربى وخارجه وخاصة فى دول أوربا الغربية والولايات المتحدة عملت على لفت الانتباه إلى خطورة تلك المشكلة بشكل أو بآخر لتشعر الجميع بخطورة المشكلة وضرورة حصول الفلسطينيين على حقوقهم لينعم الجميع بالسلام .

و على الرغم من إمكانية حل المشكلة عن طريق تقسيم الأراضى بين الجانبين وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولى إلا أن هذا الحل على فرض حصوله لا يمكن لأحد أن يضمن استمراريته دون حدوث مشاكل أو انهيار الوضع من جديد نتيجة لظروف قد تظهر فى المستقبل وذلك نظراً لعدم ثقة أى من الطرفين فى الآخر ووجود الشك الدائم والذى ينميه اعتقاد كل منهما الجازم بأن الطرف الآخر يتربص به ليقضى عليه فى الوقت المناسب وهو اعتقاد له ما يبرره فى واقع الأمر مما يجعل الأحداث مستمرة ومتغيرة طبقاً للظروف والملابسات.

و أخيراً فإنه يمكن القول بأن الأمل فى السلام لابد وأن يظل قائمًا فربما يأتى اليوم الذى يحل فيه السلام وينعم الجميع بالأمان والرخاء.

 

* * *

 

$ +

حياة اليهود الدينية والاجتماعية والسياسية

N

لغة اليهود .

التقويم اليهودى .

مصادر التشريع عند اليهود.

الصلاة عند اليهود .

الزواج عند اليهود .

الحياة السياسية.



 

6

بعد نهاية الدخول فى أعماق التاريخ الإنسانى مع أنبياء الله الذين أرسلوا إلى بنى إسرائيل وبعد التعرف على موقف اليهود منهم وبعد الاطلاع على صور الصراع العربى اليهودى على الأرض نتفقد معاً صور الحياة المعتادة لليهود الصورة اللغوية وكيف يتكلمون وما هى لغتهم ومفرداتهم والتقويم الذى يعيشون عليه ومصادر التشريع عندهم وكيف يؤدون مراسم عبادتهم وكيف يمارسون حياتهم الأسرية ثم نتعرف على صور الحياة السياسية ليتم لدينا الصورة العامة بشكل إن لم يكن كاملاً فهى بصورة أقرب للكمال ..


حياة اليهود الدينية والاجتماعية والسياسية

لغة اليهود

تعتبر اللغة العبرية هى أهم لغة يتحدث بها اليهود اليوم نظراً لصلتها الوثيقة بنصوص لعهد القديم والتى كتبت معظمها بتلك اللغة.

و نشأة تلك اللغة ترجع إلى الأيام الأولى للعبريين حين خرجوا من مدينة أور الكلدانية بزعامة إبراهيم الخليل فى رحلتهم الطويلة التى امتدت لسنوات عديدة مروا خلاله بأمم كثيرة كالآريين والكنعانيين ونتيجة لاحتكاك العبريين بتلك الأمم نشأة لهم لغتهم الخاصة التى هى مزيج من ثقافات تلك الأمم والتى تطورت بعد ذلك على عدة مراحل حتى وصلت تلك اللغة إلى ما هى عليه الآن والتى أطلق عليها اللغة العبرية نسبة إلى أول المتكلمين بها وهم من عبروا نهر الفرات تحت قيادة إبراهيم الخليل.

و اللغة العبرية هى من فصائل اللغات السامية كالعربية والأرمية. وقد ازدهرت تلك اللغة ازدهارا كبيراً فى عهد الملك داود وابنه سليمان نظراً لوحدة اليهود فى تلك الفترة تحت قيادة ملك واحد ينصاعون لأوامره .

ثم أصيبت تلك اللغة بنكسة خطيرة حين وقع الأسر البابلى لليهود وأصبحوا يعيشون بين شعوب لا تتكلم بلسانهم العبرى مما قصر اللغة العبرية على المعابد فقط وأصبحت بذلك لغة دينية فقط قاصرة على الكهنة ورجال الدين اليهود .

ثم ازدهرت اللغة العبرية مرة أخرى فى ظل الإسلام وما يكفله للأديان الأخرى من حريات وخاصة فى الأندلس التى كانت تعيش فترة من الازدهار والتقدم الفكرى والثقافى مما مكن اليهود من بعث الروح مرة أخرى فى لغتهم التى كادت تنتهى من الوجود تماماً.

و تكتب اللغة العبرية كسائر اللغات السامية من اليمين إلى اليسار وحروفها اثنان وعشرون حرفاً تكتب جميعاً فرادى فلا يتصل بعضها ببعض.

والحروف العبرية الاثنان وعشرون حرفاً هى:

1-

 

أ

6-

 

ف

11-

 

ك

16-

 

ع

21-

 

ش

2-

 

ب

7-

 

ذ

12-

 

ل

17-

 

ب

22-

 

س

3-

 

ج

8-

 

ح

13-

 

م

18-

 

ص

23-

 

ت

4-

 

د

9-

 

ط

14-

 

ن

19-

 

ق

 

 

 

5-

 

هـ

10-

 

ى

15-

 

س

20-

 

د

 

 

 

التقويم اليهودى

تعتبر بداية اليوم عند اليهود من غروب الشمس حتى غروبها فى اليوم التالى، ففى سفر التكوين (و سمى الله النور نهاراً والظلام سماه ليلاً وكان مساء وكان صباح يوم واحد)([132]) وتبدأ الشهور العبرية بشهر نيسان "ابريل" ولكن السنة الرسمية تبدأ بشهر تشرين "أكتوبر" وتسمى الفصول بأسماء الشهور التى تبدأ بها تلك الفصول.

و أسماء الشهور العبرية هى :

نيسان – أيار – سيران – تموز – آب – أيلول – تشرى – حشران – كسلو – طبت – شباط – آزار.

أما أسماء الفصول فهى :

تشرين "الخريف" – طبت "الشتاء" – نيسان "الربيع" – تموز "الصيف".

و حسب اعتقاد اليهود فإن بداية التقويم عندهم يبدأ منذ خلق الكون.

و يتبع حساب الشهور عند اليهود الدورة القمرية فهم يحسبون بداية الشهر تبعاً لدورة القمر الشهرية المعروفة ، أما حساب السنوات فيعتمد على الدورة الشمسية ولأن السنة القمرية هى أقل من السنة الشمسية بعشرة أيام فيكمل الفرق بين التقويمين القمرى والشمسى عند اليهود بزيادة عشرة أيام على الشهور الإثنى عشر فينتج عن ذلك وجود سنة كل ثلاث سنوات تتكون من اثنى عشر شهراً.

مصادر التشريع عند اليهود

يعتمد التشريع عند اليهود على مصدرين هما العهد القديم والتلمود:

العهد القديم

تعتبر نصوص العهد القديم أو ما يطلق عليه مجازاً التوراة هى الأساس الأول للتشريع اليهودى وقد استغرق تدوين العهد القديم أكثر من خمسمائة عام دُوِّن خلالها على عدة مراحل ، ويتكون العهد القديم من ثلاثة أجزاء هى :

التوراة : وتتكون من خمسة أسفار تنسب إلى موسى عليه السلام وهى: سفر التكوين – سفر الخروج – سفر الأحبار اللاويين – سفر العدد –سفر تثنية الإشتراع .

و تغطى تلك الأسفار الأحداث التى وقعت منذ بدء الخليقة حتى وفاة موسى عليه السلام ويقال أن تلك الأسفار قد أنزلها الله على موسى فى طور سيناء ولكن الحقيقة أن موسى لم يتلقَّ تلك الأسفار بعينها من الله ولم يكتبها ، بل إن مؤلفها شخص آخر عاش بعد موسى بزمن طويل فهو يقص الأحداث التى حدثت فى الفترة التى عاشها موسى بالإضافة إلى تضمينها بعض الأجزاء التى تلقاها موسى من ربه، فلم تُروى التوراة من جيل إلى جيل عن طريقه سلسلة من الرواة المتعاقبين بل دثرت أجزائها وبعد مضى فترة طويلة من الزمن أعاد كتابتها بعض الكهنة مضيفين إليها بعض الفقرات والأحداث التاريخية.

الأنبياء : وهو القسم الثانى من العهد القديم ويغطى الأحداث التى وقعت بعد موسى حتى خروج بنى إسرائيل من فلسطين فيما عرف بالأسر البابلى والذى بيناه فيما سبق ويشمل عدة أسفار منها : سفر يشوع- القضاة – راعوت .. بالإضافة إلى أسفار الملوك الأول والثانى والثالث والرابع وغيرهم .

الكتب : وهو عبارة عن مجموعة من الأسفار التى يغلب عليها الطابع الأدبى النثرى أو الشعرى.

التلمـــــــود :

يعد التلمود المصدر الثانى للتشريع عند اليهود وينقسم إلى قسمين :

المشنا : وهو عبارة عن مجموعة من الشرائع اليهودية التى كانت تروى على الألسنة.

2-  الجمارا : وهو عبارة عن شرح للمشنا بلهجة آرامية([133])  ، وقد تعاقبت على شرح المشنا أجيال كثيرة من أحبار اليهود وخاصة فى العراق كان من أشهرهم "أبا أريكا – مارصمويل"([134]) ، وقد أصاب تلك الكتب والأسفار كثير من التغيير والتبديل مما جعل الاعتماد على مصادرها اعتماداً كلياً مما يؤدى إلى كثير من الأخطاء التاريخية والدينية على وجه الخصوص.

و قد استطاع بعض رجال الدين اليهود قديماً تغيير وتحريف النصوص التى كانوا لا يرغبون فى أن يطلع عليها معظم الناس وخاصة من غير اليهود وذلك لاعتبارات كثيرة تتعلق بهم.

 

الصلاة عند اليهود

كانت الصلاة فى بداية ظهور الديانة اليهودية عبارة عن تقديم القرابين على الهيكل فى المناسبات الدينية الخاصة. و عندما سبى بنى إسرائيل إلى بابل وضع رجال الكنيسة اليهودية فى ذلك الوقت صلوات يؤديها الشعب اليهودى أثناء فترة الأسر حتى يظل اليهود على اتصال بشعائر دينهم ، ولم تكن تلك الصلاة منزلة من عند الله بل اخترعها الكهنة بأنفسهم.

و تلك الصلوات عبارة عن آية التوحيد لدى اليهود وهى التى وردت فى العهد القديم:  "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا واحد"([135]) . و للصلاة فى اليهودية قسم آخر وهو عبارة عن تسعة عشر بَرَكة وتشتمل تلك البركات ثلاثة أقسام:

القسـم الأول عبارة عن تسبيح لله بصور مختلفة ، و القسم الثانى عبارة عن أدعية وطلبات من الله يتوجه بها اليهودى إلى الله ليستجيب له ، والقسم الثالث عبارة عن شكر لله .

و يجب على اليهودى أن يؤدى الصلاة ثلاث مرات فى  اليوم الواحد. الصلاة الأولى هى صلاة الفجر، والصلاة الثانية تؤدى فى منتصف النهار، أما الصلاة الثالثة فتؤدى فى مساء كل يوم.

كما يوجد فى الديانة اليهودية الكثير من الصلوات والأدعية التى تتلى فى مناسبات خاصة منها ما يتلى على أرواح الموتى عقب الوفاة ومنها ما يتلى فى الصلاة وغير ذلك من الصلوات والأدعية التى يلتزم بها اليهودى.

الزواج عند اليهود

حثت اليهودية اليهود على الزواج والتناسل ففى مواطن عدة فى أسفار العهد القديم نجد بكل وضوح النصوص التى تشير إلى ذلك ، ففى سفر التكوين "وأنتم فانموا واكثروا وتوالدوا فى الأرض واكثروا فيها"([136]).

و يختار الرجل زوجته من داخل نطاق عشيرته أو أسرته غالباً وذلك للمحافظة على ممتلكات الأسرة حتى لا تذهب إلى الغرباء وتعتبر سن الثالثة عشر للرجل والثانية عشرة للمرأة هى أنسب أوقات الزواج.

و يتقدم الشاب إلى أسرة من يريد الزواج بها وحين موافقة أسرتها يقدم الرجل الشبكة إلى عروسه مباشرة ثم يقام الاحتفال عقب دفع العريس للمهر حسب اتفاق الأسرتين .

ثم تبدأ مراسم الزواج بتقديم كأسين من النبيذ لكلا العروسين ثم تُحرر وثيقة الزواج الرسمية، ويمتدح الحضور جميعاً العروس فى كلمات موجزة ، ولكن بعض رجال الدين اليهود قد اعترضوا على ذلك الأمر وذلك لأن مدح الحاضرين جمال العروس يعتبر فى بعض الأحيان كذباً وافتراءاً حين لا تكون العروس على قدر كبير من الجمال وفى ذلك انتهاك للوصايا العشر والتى تحذر من الكذب ولكن بعض الكهنة رأوا أن تلك الشهادة فى حق العروس لا تعتبر من قبيل الكذب وذلك لأن كل عروس تبدوا يوم زفافها لا مثيل له فى نظر زوجها ولذلك لا يعد مدح العروس فى تلك الحالة كذباً.

وتنتهى المراسم الرسمية للزواج بتقديم كأس ثانية من النبيذ لكل من العروسين ثم تحطم تلك الكؤس عقب تناول النبيذ بها وذلك حسب اعتقادهم لإبعاد الأرواح الشريرة بالإضافة إلى تذكير الجميع بتحطيم هيكل سليمان قديماً وليس مهماً أن يكون الزوجان مؤمنين بالشريعة اليهودية وإنما يكفى أن يكونا يهوديين فقط ، فالزواج من يهودى ليس له علاقة باليهودية سوى أنه ولد يهودياً يعتبر حلالاً ولا شبهة فيه . ويعتبر يهودياً كل من ولد من أمٍّ يهودية سواء كان الأب يهودياً أو غير يهودى فلا اعتداد بديانة الأب فى اعتبار الإبن يهودياً أو غير يهودى وإنما يرجع ذلك إلى كون الأم يهودية فقط .

ويحذر على اليهود الزواج بغير اليهود ويعتبر زواج اليهودى بغير يهودية من قبيل الزنا المستمر ، ويعتبر الأولاد الذين يولدون من هذه المعاشرة أبناء غير شرعيين .

ولا يوجد أى حظر على تعدد الزوجات لليهود كما لا يوجد عدد محدد لايتجاوزه اليهودى؛ بل يسمح لكل يهودى أن يتزوج بأى عدد من النساء دون تحديد لذلك العدد المسموح  به.

وشهر العسل عند اليهود عام كامل لا يلحقون خلاله بأى عمل أو بالجيش([137]) ويبدو أن ذلك محاولة للحافظ على الاستقرار الأسرى على نطاق واسع.

الحياة السياسية

أولاً :   الدستــــــور :

لا يوجد لدى الإسرائيليين دستور مكتوب ويحل محله قوانين أساسية تحدد أساس نظام الدولة وتوزيع السلطات . وتتعتبر تلك القوانين حسب الأحوال الطارئة .

ثانياً: السلطة التشريعية :

يمثل الكنيست السلطة التشريعية فى إسرائيل ويتكون من 120 نائباً ينتخبهم الشعب لمدة أربعة سنوات بالاقتراع العام ويحق لكل من يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً أن يدلى بصوته فى أية انتخابات تنظمها الدولة . (ولا يكون أعضاء البرلمان "الكنيست" من الشخصيات التى تشغل مراكز ريادية فى هيكل السلطة كرئيس الدولة والقضاة ومفتشى الدولة وقواد الأركان)([138]) وغيرهم من أصحاب المراكز الريادية فى هيكل الدولة التنظيمى .

و لا يسرى مفعول القوانين التى يصدرها الكنيست إلا بعد موافقة غالبية الأعضاء ، ويحق للكنيست سحب الثقة من الحكومة ، وحين ذلك يقوم رئيس الدولة بتكليف أحد قادة الأحزاب الكبرى بتشكيل حكومة جديدة تعرض على الكنيست بعد ذلك ليبدى الأعضاء آرائهم حول تلك الحكومة الجديدة تمهيداً لممارسة تلك الحكومة أعمالها .

ثالثا: رئيس الدولة :

يعتبر منصب رئيس الدولة من المناصب الفخرية ويختاره البرلمان لمدة خمس سنوات وليس لرئيس الدولة أى سلطات سوى سلطات محدودة تتمثل فى اختيار مرشح لرئاسة الوزراء وتعيين مفتش الدولة والقضاة بالإضافة إلى توقيعه للاتفاقيات مع الدول الأخرى وتعيينه للدبلوماسيين وقبوله للدبلوماسيين الأجانب .

رابعاً:    الحكومـــــــــة :

الحكومة هى السلطة الحاكمة فى إسرائيل وهى تخضع رسمياً للكنيست وتقوم بتوجيه السياسة الخارجية والداخلية للبلاد كما تشرف على النواحى المالية والاقتصادية والعسكرية.

خامساً :  المنظمات والأحزاب:

يوجد فى إسرائيل الكثير من الأحزاب والمنظمات على رأس تلك المنظمات منظمة الهستدروت (وهى المنظمة النقابية المركزية فى إسرائيل الواقعة تحت تأثير الحكومة وهى منظمة غير سياسية تكونت سنة 1920م) ([139]). ولها تأثيرها الكبير على شتى نواحى الحياة فى إسرائيل أما الأحزاب السياسية فعلى رأسها حزبى العمل والليكود بالإضافة إلى الأحزاب العمالية الأخرى . وقد اتحدت بعض الأحزاب مكونة أحزاب ائتلافية جديدة, مثل (حزب إسرائيل الديمقراطية) وهو ائتلاف بين عدة أحزاب يسارية هى : راتز – شينوى – مابام ويطلق على ذلك الحزب اسم ميرتس.

كما يوجد العديد من الأحزاب السياسية والدينية التى لها دور بارز فى الحياة السياسية فى إسرائيل كحزب (تسوميت) والحزب الليبرالى الجديد وحزب (هتحيا) والحزب الشيوعى الإسرائيلى ومن أبرز الأحزاب الدينية الحزب المتشدد (مفدال) كما يوجد فى إسرائيل بعض الأحزاب العربية التى لا يكاد يكون لها أدنى تأثير على الحياة السياسية فى إسرائيل كالحزب الديمقراطى العربى وحزب الأخوة والتعاون.

الخاتـمــة

هذا الكتاب    ثمرة مجهود عدة سنوات من البحث الشاق فى محاولة منى لإبراز الوقائع والحقائق دون تحيز أو حيف حاولت من خلاله الكشف عن أحداث هامة ذات أثر كبير فى تاريخ المنطقة وفى تكوينها الديموجرافى وهو أثر قد يمتد إلى أحقاب طويلة قادمة ..

ويضم الكتاب مقدمة، و أربعة أبواب، وخاتمة.

تناولت فى المقدمة الفكرة العامة للكتاب والنتائج المرجوة منه ..

و يتناول الباب الأول : "الهجـرات الكبرى إلى بلاد الشام وما حولها" ، ويشمل ذلك ثلاثة فصول : الفصل الأول المهاجرون الأوائل . الفصل الثانى : بنو إسرائيل فى مصر. الفصل الثالث: هجرة بنى إسرائيل من مصر.

ويتناول الباب الثانى: "استقـرار بــنى إســرائيل فـى فلسـطين"، ويشتمل على أربعة فصول: الفصل الأول : قضاة بنى إسرائيل . الفصل الثانى  : ملوك بنى إسرائيل . الفصل الثالث: انقسام مملكة اليهود وتبادل الإمبراطوريات الكبرى السيطرة على المنطقة . الفصل الرابع : موقف اليهود من الأديان الأخرى .

ويتناول الباب الثالث: "الفتح الإسلامى لفلسطين وبدء المشكلة الفلسطينية"، ويشتمل على أربعة فصول: الفصل الأول : الفتح الإسلامى لفلسطين وتدفق الحملات الصليبية. الفصل الثانى : الدولة العثمانية وظهور فكرة الدولة اليهودية. الفصل الثالث: قيام الدولة اليهودية واشتعال الصراع العربى الإسرائيلى.الفصل الرابع حياة اليهود الدينية والاجتماعية والسياسية.

ثم الخاتمـــة والنهايــة.

و قد دعَّمت هذا الكتاب بالعديد من الخرائط التى اعتمدت فى رسمها على إمكانياتى الخاصة فى محاولة منى لإطلاع القارىء على الصورة الحقيقية الأقرب إلى الواقع لما يجرى فى تلك المنطقة من أحداث تاريخية ذات طابع سياسى واجتماعى مؤثر على سكان تلك البلاد والعالم بأسره والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وعلى الله قصد السبيل.

المؤلف الدكتور

محمد عبد الحميد همام

دكتوراه في اللغة العربية

قسم البلاغة والنقد

جامعة الأزهر الشريف
 المراجــــع

القرآن الكريم .

بعض كتب التفسير.

البداية والنهاية، ابن كثير.

إسرائيل بين المسير والمصير ، صابر عبد الرحمن طعيمة.

خطط الشام ، محمد كرد على المطبعة الحديثة بدمشق سنة 1925م

تاريخ الأمم والملوك ، ابن جرير الطبرى.

تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ، فيليب حتى دار الثقافة بيروت – لبنان.

حياة داود ، محمود شلبى – دار الجيل بيروت سنة 1980م.

دراسة فى اللهجات العربية  ، د/ أحمد أبو اليزيد الغريب.

رسالة فى اللاهوت والسياسة  ، سبينوزا – ترجمة د/ حسن حنفى – الهيئة  المصرية العامة للنشر.

أسرار الماسونية (السر المصون فى شيعة الفرسون) ، لويس شيخو – تقديم أبو صادق – دار منشورات البصرى سنة 1965م.

الساميون ولغاتهم  , حسن ظاظا – دار المعارف سنة 1971م.

فتح البارى بشرح صحيح البخارى  ، ابن حجر العسقلانى.

قصص القرآن  ، محمد أحمد جاد المولى وآخرون.

قضية فلسطين الحربية والسياسية ، جميل الشقيرى.

قصة الحضارة ، ول ديورانت – ترجمة زكى نجيب محمود.

كيف يفكر زعماء الصهيونية ، أمين هويدى.

مقارنة الأديان ، د/ أحمد شلبى مكتبة النهضة سنة 1967م طبقة 2.

معجم القبائل العربية ، عمر رضا كحالة.

موجز تاريخ العالم ، هربرت جورج ولز – مكتبة النهضة.

الماسونية والصهيونية والشيوعية ، صابر عبد الرحمن طعيمة.

اليهود فى موكب التاريخ ، صابر عبد الرحمن طعيمة.

بالإضافة إلى بعض الحوليات.


فهرس الموضوعات

المقدمــة 5

تمهيــد   7

الباب الأول: الهجرات الكبرى إلى بلاد الشام    9

الفصل الأول (المهاجرون الأوائل) 11

تمهيــد   13

السلالات البشرية 14

السامية والساميون   15

الهجرات الأولى إلى بلاد الشام 20

إنشاء مدينة القدس (أورشليم) 22

كيف ظهر اسم فلسطين 24

ظهور إبراهيم الخليل عليه  السلام وهجرته من مدينة أور  25

إطلاق اسم العبريين على إبراهيم الخليل وأتباعه. 26

نشأة اللغة العبرية 23

دخول إبراهيم الخليل أبو الأنبياء أرض فلسطين 28

زيارة إبراهيم الخليل لمصر أثناء حكم الهكسوس لها  28

عودة إبراهيم وقومه إلى بلاد الشام 29

ذرية إبراهيم فى أرض الشام 29

الحرم الإبراهيمى الشريف 30

أصل كلمة إسرائيل  32

أولاد يعقوب عليه السلام [الأسباط] 34

أصل اسم اليهود  35

مؤامرة أبناء يعقوب 37

الفصل الثانى (بنو إسرائيل فى مصر) 39

تمهيــد   41

يوسف فى أرض مصر أثناء حكم الهكسوس لها 41

تولى يوسف إحدى الوزارات المصرية   42

انتقال بنى إسرائيل من بلاد الشام إلى مصر    44

طرد الهكسوس من مصر وتغير وضع بنى إسرائيل 45

موقف رمسيس الثانى من بنى إسرائيل    46

تولى الملك منفتاح حكم مصر 46

ولادة موسى بن عمران وتزعمه لليهود   47

هروب موسى من مصر   48

نبوة موسى وبدء التاريخ اليهودى   49

مواجهة موسى للفرعون المصرى منفتاح    51

الفصل الثالث (هجرة بنى إسرائيل من مصر)    55

تمهيــد   57

الضربات العشر على مصر  57

هروب موسى وأتباعه من مصر    59

دخول موسى وأتباعه أرض سيناء  60

نزول التوراة  63

انحراف أتباع موسى وعبادتهم للعجل الذهبى    64

عودة موسى إلى قومه وموقفه من عبادتهم للعجل الذهبى  65

محاولات موسى لدخول الأرض المقدسة (فلسطين)  67

وفاة موسى وهارون 68

الباب الثانى : استقرار بنى إسرائيل فى فلسطين 70

الفصل الأول (قضاة بنى إسرائيل) 71

تمهيــد   73

تولى يوشع بن نون قيادة اليهود بعد وفاة موسى عليه السلام   74

غزو فلسطين  74

قضاة بنى إسرائيل   77

ظهور النبى صمويل عليه السلام ونهاية عصر القضاة  81

الفصل الثانى (ملوك بنى إسرائيل) 83

تمهيــد   85

أول ملوك بنى إسرائيل طالوت  86

تولى داود عليه السلام الملك  88

تجديد بناء أورشليم فى عهد داود عليه السلام    90

حادثة مدينة إيلات   91

مزامير داود   91

انقلاب ابن داود عليه   92

تولى سليمان بن داود عليهما السلام الملك بعد أبيه   93

عظمة ملك سليمان   94

بناء هيكل سليمان عليه السلام    95

زيارة ملكة سبأ لمملكة سليمان   97

وفاة سليمان عليه السلام   98

الفصل الثالث (انقسام مملكة اليهود واستمرار تبادل الإمبراطوريات

الكبرى السيطرة على المنطقة)  99

انقسام مملكة سليمان عقب وفاته 101

غزو الفرعون المصرى شيشنق لمملكة اليهود    102

النزاع بين ملوك مملكتى يهوذا وإسرائيل    102

ضم الأشوريين لمملكتى اليهود  103

عودة سيطرة مصر على مملكتى اليهود    104

الأسر البابلى لليهود وسيطرة بابل على المنطقة 104

تدمير هيكل سليمان عليه السلام 105

نبوة عُزير عليه السلام 106

بدء الحياة الفكرية عند اليهود خلال فترة الأسر البابلى  107

سقوط الإمبراطورية البابلية دعوة اليهود من الأسر 108

الإمبراطورية الرومانية وفلسطين  110

سيطرة مارك أنطونيو وكليوباترا على المنطقة  112

بعثة زكريا ويحيى   113

بناء الهيكل الثانى لليهود   113

الفصل الرابع (موقف اليهود من الأديان الأخرى)    115

تمهيــد   117

أولاً موقف اليهود من المسيح وأتباعه 118

ظهور النبى عيسى عليه السلام  118

بواكير الحركة الماسونية  119

تدمير الهيكل الثانى لليهود 121

طرد اليهود من فلسطين نهائياً    122

إنشاء المسجد الأقصى  123

زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصى ومدينة إيليا (القدس)   126

هزيمة الروم فى أدنى الأرض   128

ثانياً موقف اليهود من الإسلام    128

آخر مؤامرات اليهود ضد الأديان الأخرى وخاصة الإسلام  131

الباب الثالث  : الفتح الإسلامى لفلسطين وبدء المشكلة الفلسطينية   133

الفصل الأول: (الفتح الإسلامى لفلسطين)    135

تمهيــد   137

الفتح الإسلامى للمنطقة 138

تجديد المسجد الأقصى فى العهد الأموى    139

سيطرة الدولة العباسية على المنطقة   140

الحملات الصليبية على المنطقة  140

مقاومة صلاح الدين للحملات الصليبية    142

الفصل الثانى (سيطرة الدولة العثمانية على المنطقة وظهور فكرة الدولة اليهودية) 145

تمهيــد   147

استيلاء الدولة العثمانية على بلاد الشام وما حولها    148

نشاط اليهود فى المنطقة    149

ظهور فكرة الدولة اليهودية على يد تيودور هرتزل  150

رفض السلطان عبد الحميد لفكرة إنشاء الدولة اليهودية فى فلسطين 151

وزير المستعمرات البريطانى يعرض على اليهود سيناء أو أوغندة كبديل 152

انهيار الإمبراطورية العثمانية ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطانى   153

صدور وعد بلفور سنة 1917 م 153

صدور الكتاب الأبيض الأول سنة 1922م    155

صدور الكتاب الأبيض الثانى سنة 1939م    160

صدور قرار مجلس الأمن الدولى 181 سنة 1947م 160

الفصل الثالث (قيام الدولة اليهودية واشتعال النزاع العربى الإسرائيلى)    163

تمهيــد   165

الأصول المختلفة لليهود المعاصرين   166

اختيار اسم الدولة اليهودية 168

تكوين الجيش الإسرائيلى 169

إعلان قيام الدولة 171

إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية 172

إستيلاء القوات الإسرائيلية على أجزاء من الدول العربية سنة 1967م    173

صدور قرار مجلس الأمن الدولى رقم 242 سنة 1967م   173

انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء عقب هزيمتها سنة 1973م   175

غزو إسرائيل لجنوب لبنان   177

تصفية اليهود للمقاومة الفلسطينية فى الداخل والخارج 179

إعلان منظمة التحرير الفلسطينية عن إقامة دولة فلسطين  180

مرحلة المفاوضات المستمرة وأبعادها 180

رؤية مستقبلية حول الصراع العربى الإسرائيلى 183

الفصل الرابع حياة اليهود الدينية والاجتماعية والسياسية   187

تمهيــد   189

لغة اليهود  190

التقويم اليهودى   191

مصادر التشريع عند اليهود   192

الصلاة عند اليهود   194

الزواج عند اليهود   194

الحياة السياسية    196

الخاتمـــــــــــة 198

فهرس المراجع والمصادر 199

فهرس الموضوعات 200 .

  1. (1) دراسة فى اللهجات العربية د/ أحمد أبو اليزيد ص 15.
  2. (2) سورة نوح آية 26.
  3. (3) ينظر لسان العرب ج 4 ص 3682 مادة عرب .
  4. ([4]) قصة الحضارة ص 310.
  5. ([5]) قصة الحضارة ص 315 بتصرف .
  6. ([6]) سفر حزقيال ، الفصل السادس عشر (3).
  7. ([7]) الأنبياء آية 71.
  8. ([8]) سورة الصافات آية 100.
  9. ([9]) معنى إسماعيل بالعبرية المطيع لله .
  10. ([10]) العهد القديم سفر التكوين 27 : 28 – 30 .
  11. ([11]) سورة التحريم آية 10 .
  12. ([12]) العنكبوت آية 27 .
  13. ([13]) مريم آية 58 .
  14. ([14]) سورة الأعراف آية 106 .
  15. ([15]) سورة يوسف آية 10 .
  16. ([16]) سورة يوسف أية 18 .
  17. ([17]) البداية والنهاية ص 229 بتصرف .
  18. ([18]) سورة يوسف أية 43 .
  19. ([19]) ينظر سفر التكوين فصل 41 : 1 – 5 .
  20. ([20]) يقال أنه شعيب عليه السلام ويقال أنه ابن أخيه ويسمى يثرون .
  21. ([21]) سورة القصص أية 30 .
  22. ([22]) سورة طه أية 13 - 14 .
  23. ([23]) سورة النازعات أية 17 .
  24. ([24]) سورة النازعات أية 17 .
  25. ([25]) سورة الشعراء أية 16.
  26. ([26]) سورة الشعراء أية 18- 21 .
  27. ([27]) سورة الشعراء أية 29 .
  28. ([28]) سورة الشعراء آية 30 - 33
  29. ([29]) سورة طه آية 59 .
  30. ([30]) سورة طه آية 64 .
  31. ([31]) سورة طه آية 68 ، 69 .
  32. ([32]) سورة الأعراف آية 120 – 122 .
  33. ([33]) سورة طه آية 71.
  34. ([34]) سورة طه آية 72 - 73 .
  35. ([35]) سورة طه آية 47.
  36. ([36]) سورة الشعراء الآيات 61 – 63 .
  37. ([37]) سفر الخروج 15 : 1 : 19 .
  38. ([38]) ص 326 جـ 2
  39. ([39]) سورة البقرة آية 60 .
  40. ([40]) الأعراف 138 – 140 .
  41. ([41]) سورة الأعراف آية 142 .
  42. ([42]) العهد القديم سفر الخروج 20 : 1 – 7 . وسفر التثنية 5 : 6 – 21 .
  43. ([43]) سورة المائدة آية 45 .
  44. ([44]) سورة المائدة آية 44 .
  45. ([45]) سورة طه آية 88 .
  46. ([46]) سورة طه آية 91 .
  47. ([47]) سورة الأعراف آية 155 .
  48. ([48]) سورة البقرة آية 54 .
  49. ([49]) سورة الأعراف 171.
  50. ([50]) سورة المائدة آية 21 ، 22 .
  51. ([51]) سورة المائدة آية 24 ، 25 ، 26 .
  52. ([52]) قصة الحضارة جـ 2 صــ 327 .
  53. ([53]) رسالة سبينوزا فى اللاهوت هامش 30 من ص 138.
  54. ([54]) سفر القضاة الفصل 19.
  55. ([55]) سورة البقرة آية 246 .
  56. ([56]) سورة البقرة آية 247 .
  57. ([57]) سورة البقرة آية 249 .
  58. ([58]) سورة البقرة آية 251.
  59. ([59]) حياة داود ص 93 .
  60. ([60]) المزامير هى مجموعة من الأناشيد والأدعية وقد سماها الذكر الحكيم الزبور.
  61. ([61]) سورة ص آية 21 – 22 – 23 .
  62. ([62]) سفر الملوك الثالث 2 : 2 – 3 .
  63. ([63]) سورة النمل آية 16 .
  64. ([64]) سورة ص أية 34 ، 35 .
  65. ([65]) سفر أخبار الأيام الثانى 1 : 12.
  66. ([66]) سفر أخبار الأيام الثانى الفصلين الثالث والرابع .
  67. ([67]) سورة سبأ الآيتان 12 – 13 .
  68. ([68]) سورة ص آية 37 .
  69. ([69]) سفر أخبار الأيام الثانى (1) وسفر الملوك الثالث (2)
  70. ([70]) سورة النمل آية 30-31
  71. ([71]) سورة النمل آية 44 .
  72. ([72]) موجز تاريخ العالم ص 74
  73. ([73]) تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ص 218 .
  74. ([74]) سورة الإسراء آية 4 – 5 .
  75. ([75]) سورة البقرة آية 259 .
  76. ([76]) سورة التوبة آية 29.
  77. ([77]) البداية والنهاية لابن كثير جـ 1 ص 427 ، دار الغد العربى .
  78. ([78]) قصة الحضارة ص 321 .
  79. ([79]) موجز تاريخ العالم ص 84 .
  80. ([80]) نفسه ص 88 .
  81. ([81]) تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ص 245 .
  82. ([82]) موجز تاريخ العالم ص 86 .
  83. ([83]) سفر نحميا 13 : 25 .
  84. ([84]) سفر عزريا الفصل العاشر.
  85. ([85]) تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ص 266 .
  86. ([86]) نفسه ص 268 .
  87. ([87]) نفسه ص 310.
  88. ([88]) سورة آل عمران آية 35 .
  89. ([89]) تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين ص 311.
  90. ([90]) البداية والنهاية جـ 1 ص 445 .
  91. ([91]) قصص القرآن ص 259 .
  92. ([92]) نفسه ص 262 بتصرف .
  93. ([93]) سورة النساء آية 157- 158
  94. ([94]) الماسونية والصهيونية والشيوعية ص 50 .
  95. ([95]) نفسه ص 61 .
  96. ([96]) السر المصون فى شيعة الماسون ص 45 – 46 . بتصرف .
  97. ([97]) نفسه ص 7 .
  98. ([98]) سورة ق آية 37 .
  99. ([99]) سورة قريش الآيتان 1 – 2 .
  100. ([100]) تفسير ابن كثير جـ 3 ص 24 .
  101. ([101]) سورة الروم آية 2، 3 ، 4.
  102. ([102]) سورة الحجر آية 11.
  103. ([103]) سورة البقرة آية 55 .
  104. ([104]) سورة المائدة آية 24.
  105. ([105]) سورة الزخرف آية 32 .
  106. ([106]) سورة الصــــف آية 6.
  107. ([107]) أخرجه البخارى ومسلم .
  108. ([108]) فتح البارى ج7 ص 321 .
  109. ([109]) سورة المائدة آية 82 .
  110. ([110]) سورة البقرة آية 104 ؟
  111. ([111]) سورة الذاريات آية 56 .
  112. ([112]) سورة البقرة آية 145 .
  113. ([113]) سورة الأعراف آية 96 .
  114. ([114]) سورة النساء 150 – 151 .
  115. ([115]) خطط الشام ص 277 .
  116. ([116]) نفسه ص 282 بتصرف .
  117. ([117]) خطط الشام ص 277 بتصرف .
  118. ([118]) كيف يفكر زعماء الصهيونية ص 30 .
  119. ([119]) نفسه ص 32 .
  120. ([120]) نفسه ص 17 .
  121. ([121]) كيف يفكر زعماء الصهيونية ص 43 .
  122. ([122]) الوثائق الفلسطينية ص 35 نشر حركة التحرير الفلسطينى الوطنى بالقاهرة .
  123. ([123]) قضية فلسطين الحربية والسياسية ص 39 .
  124. ([124]) نفسه ص 34 .
  125. ([125]) اليهود فى موكب التاريخ ص 639 .
  126. ([126]) ينظر الوثائق الفلسطينية ص 35 نشر حركة التحرير الفلسطينية .
  127. ([127]) مجلة منبر الإسلام من مقال للأستاذ محمد تقى الدين – العدد الأول سنة 1968 م.
  128. ([128]) ولد سنة 1886 فى بلدة بلونسك البولندية ومعنى بن جوريون أى شبل الأسد وليس هذا هو اسمه الحقيقى كما ذكرت وإنما اسمه الحقيقى حييم أفجدور جرين .
  129. ([129]) كيف يفكر زعماء الصهيونية ص 138 بتصرف .
  130. ([130]) سفر يوشع 1 : 3 ، 4 .
  131. ([131]) سورة الإسراء آية 7 .
  132. ([132]) سفر التكوين 1 : 5 .
  133. ([133]) الآرامية هى لغة الآراميين الذين كانوا يسكنون الأراضى الواقعة غرب العراق.
  134. ([134]) الساميون ولغاتهم ص 116 .
  135. ([135]) سفر تثنية الاشتراع 6 : 4.
  136. [136])) سفر التكوين 9 : 7 .
  137. ([137]) مقارنة الأديان ص 300 .
  138. ([138]) إسرائيل بين المسير والمصير ص 336 بتصرف .
  139. ([139]) نفسه ص 355 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...