حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الخميس، 3 نوفمبر 2022

48.و49.*من بناء دار الخلافة في بغداد . العام الهجري : 280 العام الميلادي : 893.

ج48. بناء دار الخلافة في بغداد .
العام الهجري : 280 العام الميلادي : 893
تفاصيل الحدث:

أوَّلُ مَن بناها المعتضدُ بالله في هذه السَّنة، وهو أوَّلُ مَن سكَنَها من الخلفاءِ إلى آخرِ دولتِهم، وكانت أولًّا دارًا للحسَنِ بنِ سَهلٍ تُعرَفُ بالقصرِ الحَسَني، ثم صارت بعد ذلك لابنتِه بُوران زوجةِ المأمون، ثم أَصلحَت ما وَهَى منها ورَمَّمَت ما كان قد تشعَّثَ فيها، وفرَشَتْها بأنواعِ الفُرشِ في كُلِّ مَوضعٍ منها ما يليقُ به من المفارشِ، وأسكَنَتْه ما يليقُ به من الجواري والخَدَمِ، وأعدَّت بها المآكلَ الشَّهيَّة وما يَحسُن ادِّخاره في ذلك الزمان، ثم أرسَلَت مفاتيحَها إلى المعتَضِد، فلمَّا دخلها هالَه ما رأى من الخيراتِ، ثمَّ وسَّعَها وزاد فيها وجعل لها سورًا حَولَها، وكانت قدرَ مدينة شيراز، فبنى المعتضِدُ فيها الميدانَ، ثم بنى فيها قصرًا مُشرِفًا على دجلةَ، ثمَّ بنى فيها المُكتفي التَّاجَ، فلما كان أيَّام المقتدر زاد فيها زياداتٍ أخرى كبيرةً وكثيرةً جِدًّا، ثم بعد هذا كُلِّه خَربَت حتى كأنْ لم يكُنْ مَوضِعَها عمارةٌ، وتأخَّرَت آثارُها إلى أيام التتار الذين خَرَّبوها وخَرَّبوا بغداد، وقال الخطيبُ البغدادي: والذي يُشبِهُ أنَّ بُورانَ وهبت دارها للمعتَمِد لا للمعتَضِد؛ فإنَّها لم تعِشْ إلى أيَّامه, وقد تقَدَّمَت وفاتُها".
المعتضد بالله يقضي على فتنة بني شيبان في الموصل .
العام الهجري : 280 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 893
تفاصيل الحدث:

كان بنو شَيبانَ قد أفسدوا في الأرضِ وأخذوا يُغِيرونَ على المَوصِل وينهبون ويَسلبونَ، فتصدَّى لهم الخوارجُ وأهلُ الموصِلِ إلَّا أنهم هزموهم, فسار إليهم المعتَضِد، وقصدَ الموضِعَ الذي يجتمعونَ به من أرضِ الجزيرة، فلمَّا بلَغَهم قَصدُه جمعوا إليهم أموالَهم، فأغار عليهم وأوقعَ بهم، فقتَلَ منهم مقتلةً عظيمةً وغَرِقَ منهم خلقٌ كثيرٌ في الزابين – فروع أنهارٍ حَولَ الفُرات- وأخذ النِّساءَ والذراريَّ وغَنِم أهلُ العَسكرِ مِن أموالِهم ما أعجَزَهم حَملُه، وأخذَ مِن غَنَمِهم وإبلِهم ما كثُرَ في أيدي الناس حتى بِيعَت الشاةُ بدِرهَم والجَمَلُ بخَمسةِ دراهِمَ، وأَمَرَ بالنساءِ والذراريِّ أن يُحفَظوا حتى يحدروا إلى بغداد، ثم مضى المعتضِدُ إلى الموصِل، ثم إلى بلدٍ، ثم رجع إلى بغدادَ فلَقِيَه بنو شيبان يسألونَه الصَّفحَ عنهم وبذلوا له الرهائِنَ، فأخذ منهم خمسَمائة رجلٍ فيما قيل، ورجع المعتضِدُ يريد مدينة السَّلام.
نشوء الدولة الزيدية في مدينة صعدة باليمن .
العام الهجري : 280 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 893
تفاصيل الحدث:

كان يَحيى بنُ الحُسَين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيلَ بنِ إبراهيم بن الحسن بن الحسَن بن علي بن أبي طالب، يقيمُ بالمدينة المنوَّرة، فجاءه وفٌد مِن اليمَنِ يدعوه للمُقامِ في بلادهم وأن يقومَ لهم بأمرِهم، فسافر إليهم في هذا العامِ، غيرَ أنَّه لم يجد ما كان يتوقَّعُه، فعاد للمدينةِ، فجاءه وفدٌ آخَرُ فاعتذر إليه ممَّا كان ووعدوه بالنَّصرِ فرجع إليهم، وأقام في صعدة، ثمَّ بدأت الدولةُ تتأسَّسُ وتَقوى، وكانت بينهم وبين بني يعفر حروبٌ على مدى السَّنَواتِ.
ظهور القرامطة في البحرين .
العام الهجري : 281 العام الميلادي : 894
تفاصيل الحدث:

كان ابتداءُ القرامِطةِ بناحية البحرين أنَّ رجُلًا يُعرفُ بيحيى بن المهدي قصدَ القَطيفَ فنزل على رجلٍ يُعرَفُ بعليِّ بن المعلي بن حمدان، مولى الزياديِّين، وكان مُغاليًا في التشيُّع، فأظهَرَ له يحيى أنَّه رسولُ المهدي، وكان ذلك سنة 281، وذكَرَ أنه خرج إلى شيعتِه في البلاد يدعوهم إلى أمرِه، وأنَّ ظهورَه قد قَرُب، فوجه عليُّ بن المعلي إلى الشيعةِ مِن أهل القطيف فجمَعَهم، وأقرأهم الكتابَ الذي مع يحيى بن المهدي إليهم من المهديِّ، فأجابوه، وأنهم خارجونَ معه إذا أظهر أمرَه، ووجَّه إلى سائر قرى البحرين بمثلِ ذلك فأجابوه، وكان فيمن أجابه أبو سعيدٍ الجنابي. كان يبيعُ للنَّاسِ الطَّعام، ويَحسِبُ لهم بيعَهم، ثم غاب عنهم يحيى بن المهديِّ مُدَّة، ثم رجع ومعه كتابٌ يزعُمُ أنَّه من المهدي إلى شيعته، فيه: قد عرَّفَني رسولي يحيى بن المهدي مسارعتَكم إلى أمري، فليدفَعْ إليه كل رجل منكم ستةَ دنانيرَ وثُلُثَين، ففعلوا ذلك. ثم غاب عنهم، وعاد ومعه كتابٌ فيه أنِ ادفَعوا إلى يحيى خُمسَ أموالِكم، فدفعوا إليه الخُمُس. وكان يحيى يتردَّدُ في قبائل قيس، ويوردُ إليهم كتبًا يزعُمُ أنَّها مِن المهدي، وأنَّه ظاهِرٌ، فكُونوا على أُهبَةٍ. وحكى إنسانٌ منهم يقالُ له إبراهيم الصائغ أنَّه كان عند أبي سعيدٍ الجنابي، وأتاه يحيى، فأكلوا طعامًا، فلما فرغوا خرج أبو سعيدٍ مِن بيتِه، وأمر امرأتَه أن تدخُلَ إلى يحيى، وألَّا تمنَعَه إن أرادها، فانتهى هذا الخبَرُ إلى الوالي، فأخذ يحيى فضرَبَه، وحلق رأسَه ولحيَتَه، وهرب أبو سعيدٍ الجنابي إلى جنابا، وسار يحيى بن المهدي إلى بني كلابٍ، وعَقيل، والخريس، فاجتمعوا معه ومع أبي سعيدٍ، فعَظُمَ أمرُ أبي سعيد.
خِمارَوَيه أميرُ مِصرَ يغزوِ بلاد الرومِ .
العام الهجري : 281 العام الميلادي : 894
تفاصيل الحدث:

أرسل خِمارَوَيه أميرُ مِصرَ طغج بن جف إلى غزوِ الرومِ، فتوجَّهَ مِن طرسوس حتى بلغ طرابزون، وفتح ملورية في جُمادى الآخرة، ودامت الحربُ بين المسلمين والروم اثني عشر يومًا، فظَفِرَ المسلمونَ وغَنِموا غنائمَ كثيرةً ثمَّ عادوا.
هدم دار الندوة بمكة وبناء مسجد مكانها .
العام الهجري : 281 العام الميلادي : 894
تفاصيل الحدث:

كانت دارُ النَّدوةِ عامرةً بالحَرَمِ تجاهَ الكعبةِ في مكَّةَ المُكرَّمة مِن الجِهةِ الشَّماليَّة الغربيَّة، وكان ينزِلُ بها الخُلَفاءُ والأُمَراءُ في حجِّهم في صدرِ الإسلام، ولكنَّها أُهمِلَ أمرُها في مُنتصَفِ القَرنِ الثالثِ الهجريِّ فأخذ يتهَدَّمُ بناؤُها. فكتب في ذلك إلى الخليفةِ المُعتَضِد العباسيِّ، فأمر بها فهُدِمَت في هذا العامِ وجُعِلَت مسجِدًا وفيها قبلةٌ إلى الكعبةِ، ثم بُني له قُبَّةٌ عاليةٌ.
مسير المعتضِد بالله إلى المَوصِل لقتال الخوارج .
العام الهجري : 281 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 895
تفاصيل الحدث:

خرج المعتضِدُ إلى المَوصِل، قاصدًا حَمدانَ بنَ حمدون التغلبيَّ؛ لأنَّه بلغه أنَّ حَمدانَ التَّغلِبيَّ مال إلى هارون الشاري الخارجي، ودعا له، فلمَّا بلغ الأعرابَ والأكرادَ مَسيرُ المعتَضِد تحالَفوا أنَّهم يُقاتِلونَ على دمٍ واحد، واجتمعوا وعَبَّوا عسكرَهم، وسار المعتضِدُ إليهم في خَيلِه، فأوقع بهم، وقتل منهم، وغرِقَ منهم في الزابِ خَلقٌ كثير. ثم تابع المعتَضِدُ سَيرَه إلى الموصل يريد قلعةَ ماردين، وكانت لحمدانَ بنِ حمدون، فهرب حمدانُ منها وخَلَّفَ ابنَه بها فنازلها المعتَضِد، وقاتل مَن فيها يومَه ذلك، فلما كان من الغدِ ركبَ المعتَضِدُ فصَعِد إلى باب القلعة، وصاح: يا ابنَ حَمدانَ, فأجابه، فقال له: افتَحِ الباب، ففَتَحه، فقعد المعتَضِدُ في الباب، وأمر بنقلِ ما في القلعةِ وهَدمِها، ثم وجه خلفَ ابنِ حمدون، وطُلِبَ أشدَّ الطَّلَبِ، وأُخِذَت أموالٌ له، ثم ظفرَ به المعتَضِد بعد عودتِه إلى بغدادَ.
اغتيال خمارويه حاكم الدولة الطولونية .
العام الهجري : 282 العام الميلادي : 895
تفاصيل الحدث:

كان خِمارَوَيه في دمشقَ في قاسيون، وكان قد بلغه أنَّ جاريةً له قد اتَّخَذت خَصِيًّا له كالزَّوجِ لها، فلمَّا عَلِمَ بذلك وأراد أن يقتُلَه تمالأ الخدَمُ على قتلِه فقَتَلوه وهو في فراشِه ذبحًا، ثم أُخِذَ الخدَمُ وقُتِلوا وكانوا أكثَرَ مِن عشرين، وقيل غيرُ ذلك في سبب قتلِه، ثم حُمِلَ في تابوتٍ إلى مصرَ ودُفِنَ فيها، وتوَّلى الحكم بعده ابنَه جيشَ بنَ خِمارَوَيه
المعتضِد بالله يقضي على فتنة الخارجي هارون الشاري .
العام الهجري : 282 العام الميلادي : 895
تفاصيل الحدث:

خلَّفَ المعتَضِدُ بالموصِلِ نصرًا القشوريَّ يَجبي الأموالَ ويُعينُ العُمَّال على جبايتها، فخرج عامل معلثايا - معلثايا قريةٌ غَربَ مدينة دهوك- إليها ومعه جماعةٌ مِن أصحاب نصرٍ، فوقع عليهم طائفةٌ مِن الخوارجِ، فاقتتلوا إلى أن أدرَكَهم الليلُ وفَرَّقَ بينهم، وقُتِلَ من الخوارج إنسان اسمُه جعفر، وهو من أعيان أصحابِ هارون، فعَظُم عليه قتلُه، وأمر أصحابَه بالإفسادِ في البلادِ، فكتب نصرٌ القشوري إلى هارونَ الخارجيِّ كتابًا يتهدَّدُه بقُرب الخليفة، فلما قَدِمَ المعتَضِد، جَدَّ في قَصدِه، وولَّى الحسَنَ بن عليٍّ كورةَ المَوصِل، وأمره بقصدِ الخوارج، وأمرَ مُقدَّمِي الولاياتِ والأعمالِ كافةً بطاعتِه، فجَمَعَهم، وسار إلى أعمال المَوصِل، وخندقَ على نفسِه، وأقام إلى أن رفعَ النَّاسُ غُلاتَهم، ثم سار إلى الخوارج، وعبَرَ الزابَ إليهم، فلَقِيَهم قريبًا من المغلَّة، وتصافُّوا للحرب، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وانكشف الخوارجُ عنه ليفَرِّقوا جمعيَّتَه ثم يَعطِفوا عليه، فأمر الحسَنُ أصحابَه بلزومِ مواقِفِهم، ففعلوا فرجعَ الخوارِجُ وحَمَلوا عليهم سبعَ عشرةَ حملةً، فانكشفت ميمنةُ الحسَنِ، وقُتِلَ من أصحابه، وثبت هو، فحمَلَ الخوارجُ عليه حملةَ رجلٍ واحدٍ، فثبت لهم وضُرِبَ على رأسِه عِدَّةُ ضربات فلم تؤثِّرْ فيه. فلما رأى أصحابُه ثباتَه تراجعوا إليه وصبَرُوا، فانهزم الخوارجُ أقبَحَ هزيمةٍ، وقُتِلَ منهم خلقٌ كثيرٌ، وفارقوا موضِعَ المعركة، ودخلوا أذربيجان. وأمَّا هارون فإنَّه تحيَّرَ في أمره، وقصَدَ البرِّية، ونزل عند بني تغلِب، ثم عاد إلى معلثايا ثم عاد إلى البرِّية، ثم رجع عبْرَ دجلة إلى حزةَ، وعاد إلى البرية. وأمَّا وجوهُ أصحابه، فإنَّهم لَمَّا رأوا إقبالَ دولة المعتَضِد وقوَّتَه، وما لَحِقَهم في هذه الوقعةِ، راسلوا المعتضِدَ يطلُبون الأمانَ فأمَّنَهم، فأتاه كثيرٌ منهم، يبلُغون ثلاثَمائة وستينَ رجُلًا، وبقي معه بعضُهم يجولُ بهم في البلادِ، إلى أن قُتِلَ سنة 383هـ، حيث لاحَقَه الحسينُ بنُ عبدانَ التغلِبيُّ حتى قبَضَ عليه وأرسلَه للمعتَضِد الذي قتله وصَلَبه.
ملك الروم يستعين بأسارى المسلمين في قتال نصارى الصقالبة .
العام الهجري : 283 العام الميلادي : 896
تفاصيل الحدث:

في هذه السَّنة سارت الصَّقالِبة (البلغار) إلى الرُّوم، فحصروا القُسطنطينية، وقتلوا من أهلِها خَلقًا كثيرًا وخَرَّبوا البلادَ، فلما لم يَجِدْ ملِكُ الرومِ منهم خلاصًا، جمع مَن عنده مِن أُسارى المُسلمين، وأعطاهم السِّلاحَ، وسألهم مَعونتَه على الصَّقالبة، ففعلوا وكَشَفوا الصَّقالبة وأزاحوهم عن القُسطنطينية، ولَمَّا رأى ملِكُ الروم ذلك خاف المسلمينَ على نفسِه، فردَّهم وأخذ السلاحَ منهم، وفرَّقَهم في البلاد؛ حذرًا من جنايتِهم عليه.
عصيان رافع بن هرثمة على الخليفة المُعتَضِد .
العام الهجري : 283 العام الميلادي : 896
تفاصيل الحدث:

كان الخليفةُ المُعتَضِد قد عزل رافِعَ بنَ هرثمةَ مِن ولاية خُراسان وأعطاها لعمرِو بنِ الليث، وذلك عام 279هـ، فأعلن رافِعٌ العصيانَ، وانضم إلى محمَّدِ بنِ زيد العلوي بطبرستان، فجهَّز جيشًا وتوجَّه إلى خراسان لاستردادِها، فخرج إليه عمرُو بنُ الليث بجيشٍ واقتتل الطرفان في معركةٍ قرب طوس، فهرب رافِعٌ إلى خوارزم فتعَقَّبَه عمرو إلى أن قبضَ عليه وقتَلَه، وأرسل رأسَه إلى المعتَضِد.
وفاة الشاعر ابن الرومي .
العام الهجري : 283 العام الميلادي : 896
تفاصيل الحدث:

هو أبو الحسَنُ عليُّ بنُ العبَّاسِ بن جريج، مولى آل المنصورِ, أصلُه روميٌّ يُوناني، شاعِرُ زمانِه مع البحتريِّ، وُلد سنة 221. كان من كُتَّاب الدواوين، غلب عليه الشِّعرُ فلم يُعرَفْ إلَّا به، كان مُرَّ الهِجاءِ، قيل توفِّيَ مسمومًا بأمر القاسم بن عبيدالله وزيرِ المعتَضِد؛ لأنه أكثَرَ مِن هجائِه وأفحشَ، توفِّي في بغداد عن 62 عامًا. وقيل: مات سنة 284.
اغتيال أبي العساكر بن خمارويه حاكم الدولة الطولونية .
العام الهجري : 283 العام الميلادي : 896
تفاصيل الحدث:

خرج جماعةٌ مِن قُوَّاد حاكِمِ مِصرَ جيشِ بنِ خِمارَوَيه، وجاهروا بالمُخالفة، وقالوا: لا نرضى بك أميرًا فاعتَزِلْنا حتى نولِّي عَمَّك الإمارةَ. وكان سببُ ذلك أنَّه لَمَّا وَلِيَ وكان صبيًّا قَرَّبَ الأحداثَ والسفلَ، وأخلد إلى استماعِ أقوالهم، فغَيَّروا نيَّته على قوَّادِه وأصحابه، وصار يقعُ فيهم ويذُمُّهم، ويُظهِرُ العزمَ على الاستبدالِ بهم، وأخذَ نَعَمَهم وأموالَهم، فاتَّفَقوا عليه ليقتلوه ويقيموا عمَّه، فبلغه ذلك فلم يكتُمْه بل أطلق لسانَه فيهم، ففارَقَه بعضُهم، وخلعه طغج بن جف أميرُ دمشق. وسار القوَّادُ الذين فارقوه إلى بغداد، وهم محمَّد بن إسحاق بن كنداجيق، وخاقان المفلحي وبدر بن جف، أخو طغج، وغيرُهم من قوَّاد مصر، وقَدِموا على المعتَضِد، وبقِيَ سائرُ الجنود بمصر على خِلافِهم ابنَ خِمارَوَيه، فسألهم كاتبُه عليُّ بن أحمد الماذرائي أن ينصرفوا يومَهم ذلك، فرجعوا فقتَلَ جيشُ بنُ خِمارَوَيه عمَّينِ له، وبكَّر الجندُ إليه، فرمى بالرأسينِ إليهم، فهجَمَ الجندُ على جيشِ بنِ خِمارَوَيه فقتلوه ونهبُوا داره، ونهبوا مصرَ وأحرَقوها، وأقعدوا أخاه هارونَ بنَ خِمارَوَيه في الإمرةِ بعدَه، فكانت ولايتُه تسعةَ أشهرٍ.
وفاة البحتري الشاعر المشهور .
العام الهجري : 284 العام الميلادي : 897
تفاصيل الحدث:

هو أبو عُبادةَ الوليدُ بنُ عبيدِ بنِ يحيى الطائي البُحتري المنبجي القحطاني، صاحِبُ الديوان المعروف، شاعرٌ كبيرٌ يقال لِشعِرِه سلاسِلُ الذَّهَبِ، كان أحدَ أشعَرِ أهلِ عَصرِه، وُلِدَ بمَنبج إحدى قرى حلب عام 206ه وهو أحدُ الثلاثة الذين كانوا أشعَرَ أبناءِ عَصرِهم: هو، والمتنَبِّي، وأبو تمَّام، قيل إنَّ أبا تمام لَمَّا سمع شِعرَه قال: نُعِيَت إليَّ نَفسي، رحلَ البُحتري إلى العراق متكسِّبًا بشِعرِه، فكان يمدحُ ويهجو على حسَبِ ذلك، اتُّهِم بالبخلِ وقِلَّة الوفاء؛ بسبب ذلك التقلُّبِ بالمديح والهجاء، أمَّا شِعرُه فغلب عليه الوصفُ وسُهولةُ التراكيبِ، مع براعةٍ في الوصف والخيال، اعتزل في آخِرِ أيامِه في مدينة مولده منبج، حتى مات فيها عن 78 عامًا.
فتنة في مدينة طرسوس بين أتباع الدولة العباسية والطولونية .
العام الهجري : 284 العام الميلادي : 897
تفاصيل الحدث:

كان سبَبُ الفِتنةِ أنَّ راغِبًا مولى المُوَفَّق ترك الدُّعاءَ لهارون بن خِمارَوَيه بن أحمد بن طولون، ودعا لبدر مولى المعتَضِد، واختلف هو وأحمدُ بن طوغان، فلمَّا انصرف أحمدُ بنُ طوغان من الفداء سنة 283 ركب البحرَ ومضى، ولم يدخُلْ طرسوس، وخلَّفَ دِميانةَ غلامَ بازمان بها للقيامِ بأمرها، وأمَدَّه ابن طوغان، فقَوِيَ بذلك، وأنكر ما كان يفعَلُه راغب، فوقعت الفتنةُ، فظَفِرَ بهم راغب، فحمل دميانةَ إلى بغداد، ثمَّ في هذه السنة قَدِمَ قَومٌ من أهل طرسوس على المعتَضِد يسألونه أن يولِّيَ عليهم واليًا، وكانوا قد أخرجوا عامِلَ ابنِ طولون، فسيَّرَ إليهم المعتضدُ ابنَ الإخشيدِ أميرًا.
بداية لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر .
العام الهجري : 284 العام الميلادي : 897
تفاصيل الحدث:

عزَمَ المُعتَضِد على لعْنِ مُعاويةَ بنِ أبي سفيانَ- رضيَ اللهُ عنه- على المنابرِ، فحَذَّره وزيرُه عبدُ الله بن وهب، وقال له: إنَّ العامَّةَ تُنكِرُ قُلوبُهم ذلك، وهم يترحَّمونَ عليه ويترَضَّونَ عنه في أسواقِهم وجوامِعِهم، فلم يلتَفِتْ إليه، بل أمر بذلك وأمضاه، وكتب به نُسخًا إلى الخُطَباءِ بلَعنِ مُعاويةَ، وذكَرَ فيها ذمَّه وذَمَّ ابنِه يزيدَ بنِ معاوية وجماعةٍ مِن بني أمية، وأورد فيها أحاديثَ باطلةً في ذمِّ مُعاويةَ وقُرِئَت في الجانبينِ مِن بغداد، ونُهِيَت العامةُ عن الترحم على معاويةَ والتَّرضِّي عنه، فلم يزَلْ به الوزير حتى قال له فيما قال: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ هذا الصنيعَ لم يسبِقْك أحَدٌ من الخلفاء إليه، وهو ممَّا يُرَغِّبُ العامَّةَ في الطالبيِّينَ وقَبولِ الدعوةِ إليهم، فوَجَم المعتَضِدُ عند ذلك؛ تخوفًا على المُلْك.
اضطرابات في مصر على هارون بن خمارويه .
العام الهجري : 284 العام الميلادي : 897
تفاصيل الحدث:

ظهر اختلالُ حالِ هارونَ بنِ خِمارَوَيه بنِ أحمد بن طولون بمصر، واختلَفَت القوَّاد، وطَمِعوا فانحَلَّ النظام، وتفَرَّقَت الكلمة، فأقاموا له أحدَ أمراءِ أبيه يديرُ الأمورَ ويُصلِحُ الأحوال، وهو أبو جعفرِ بن أبان، وكان عند والدِه وجَدِّه مُقَدَّمًا كبيرَ القَدرِ، فأصلحَ مِن الأحوالِ ما استطاع، وكان مَن بدمشق من الجُندِ قد خالفوا على أخيه جيشِ بنِ خِمارَوَيه، فلما تولى أبو جعفرٍ الأمورَ سَيَّرَ جيشًا إلى دمشق عليهم بدرُ الحمامي، والحسينُ بن أحمد الماذرائي، فأصلحا حالَها وقرَّرا أمور الشامِ، واستعملا على دمشقَ طغج بن جف واستعملا على سائر الأعمال، ورجعا إلى مصرَ والأمور فيها اختلالٌ، والقُوَّاد قد استولى كلُّ واحدٍ منهم على طائفةٍ مِن الجند وأخذَهم إليه، وهكذا يكون انتقاضُ الدُّوَل، وإذا أراد الله أمرًا فلا مَرَدَّ لحُكمِه، وهو سريعُ الحِسابِ.
راغِبٌ الخادِمُ مَولى المُوفَّقُ يغزو بلادَ الرومِ .
العام الهجري : 285 العام الميلادي : 898
تفاصيل الحدث:

غزا راغِبٌ الخادِمُ مَولى المُوفَّقُ بلادَ الرومِ ففتح حصونًا كثيرةً، وأسَرَ ذراريَّ كثيرةً جِدًّا، وقتَلَ مِن أُسارى الرجالِ الذين معه ثلاثةَ آلاف أسير، ثم عاد سالِمًا مُؤَيَّدًا منصورًا.
ابنُ الإخشيد نائب مدينة طرسوس يغزو بلادَ الرومِ .
العام الهجري : 285 العام الميلادي : 898
تفاصيل الحدث:

غزا ابنُ الإخشيد بأهلِ طرسوس بلادَ الرومِ، ففتح اللهُ على يديه حصونًا كثيرةً، ولله الحمدُ.
وفاة أبي العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرد .
العام الهجري : 285 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 899
تفاصيل الحدث:

هو إمامُ النحو أبو العبَّاس محمَّدُ بنُ يزيدَ بنِ عبد الأكبر الأزديُّ الثمالي المعروف بالمُبَرِّد، النحويُّ البصري. ولِدَ بالبصرة عام 210 إمامٌ في اللغة العربية، أخذ ذلك عن المازنيِّ وأبي حاتم السِّجستاني، وكان إمامًا علَّامةً، جميلًا وسيمًا، فَصيحًا مُفَوَّهًا، ثقةً ثَبتًا فيما ينقُلُه, كان المبَرِّدُ مناوِئًا وزميلًا لأبي العبَّاسِ أحمد بن يحيى المشهور بثَعلب. والمبرد يحِبُّ مناظرتَه والاستكثارَ منها، بينما ثعلب كان يكرهُ ذلك ويمتَنِعُ عنه لتفَوُّقِه عليه, وله كتابُ "الكامِلُ في الأدَب".

=================

ج49. المعتضد بالله يحاصر مدينة آمد ويأخذها بالأمان .
العام الهجري : 285 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 899
تفاصيل الحدث:

لَمَّا توفِّيَ أحمدُ بنُ عيسى بن الشيخ الشَّيباني صاحِبُ ديار بكر، قام بعده ابنُه محمد بآمد وما يليها على سبيل التغَلُّب، فسار المعتَضِدُ إلى آمد بالعساكر، ومعه ابنُه أبو محمد علي المُكتَفي، وجعل طريقَه على الموصِل، فوصل آمدَ، وحصرها إلى ربيع الآخر من سنة 286، ونصب عليها المجانيقَ، فأرسل محمَّد بن أحمد بن عيسى يطلبُ الأمانَ لنفسه، ولِمَن معه، ولأهل البلد، فأمَّنَهم المعتضد، فخرج إليه وسلَّم البلد، فخلع عليه المُعتَضِد وأكرَمَه، وهدم سورَها. ثم بلغه أنَّ محمَّدَ بن أحمد يريد الهربَ، فقبض عليه وعلى أهلِه.
قتال بين إسماعيلَ الساماني وعمرو بن الليث الصَّفار .
العام الهجري : 286 العام الميلادي : 899
تفاصيل الحدث:

قامت الحربُ بين إسماعيلَ بنِ أحمدَ الساماني وعمرو بن الليث بنِ يعقوبَ الصَّفار؛ وذلك أنَّ عمرَو بنَ الليث لَمَّا قَتلَ رافِعَ بن هرثمة وبعث برأسِه إلى الخليفةِ، سأل منه أن يُعطِيَه ما وراء النهرِ مضافًا إلى ما بيده من ولاية خُراسان، فأجابه إلى ذلك فانزعج لذلك إسماعيلُ بنُ أحمد الساماني نائبُ ما وراء النهر، وكتب إليه: إنَّك قد وُلِّيتَ دنيا عريضةً فاقتَنِعْ بها عمَّا في يديَّ مِن هذه البلاد، فلم يقبَلْ، فأقبل إليه إسماعيلُ في جيوشٍ عظيمةٍ جدًّا، فالتقيا عند بلخ فهُزِمَ أصحابُ عمرو، وأُسِرَ عمرٌو، فلما جيء به إلى إسماعيلَ بنِ أحمد قام إليه وقبَّلَ بين عينيه وغسَلَ وجهَه وخلع عليه وأمَّنَه وكتب إلى الخليفةِ في أمره، ويُذكَرُ أنَّ أهلَ تلك البلاد قد مَلُّوا وضَجِروا من ولايته عليهم، فجاء كتابُ الخليفة بأن يتسَلَّمَ حواصِلَه وأموالَه فسَلَبَه إيَّاها، فآل به الحالُ بعد أن كان مطبخُه يُحمَلُ على ستِّمائةِ جمل إلى القيدِ والسَّجنِ، ومن العجائب أنَّ عَمرًا كان معه خمسونَ ألف مقاتل لم يُصَب أحدٌ منهم ولا أُسِر سواه وحده، وهذا جزاءُ مِن غلب عليه الطَّمعُ، وقاده الحِرصُ حتى أوقعه في ذُلِّ الفَقرِ، وهذه سنَّةُ الله في كل طامعٍ فيما ليس له، وفي كلِّ طالبٍ للزيادةِ في الدُّنيا.
ظهور أبي سعيد الجنابي القرمطي في البحرين .
العام الهجري : 286 العام الميلادي : 899
تفاصيل الحدث:

ظهر أمرُ رجلٍ مِن القرامطة يُعرَفُ بأبي سعيد الجنابي بالبحرين، كان أوَّلَ أمرِه يبيعُ للنَّاسِ الطعامَ ويحسِبُ لهم بيعَهم، ثم أصبح أبو سعيدٍ مِن أبرز أتباعِ يحيى بن المهديِّ رسولِ المهديِّ المُنتظَر- على زعمِهم- فاجتمع إليه جماعةٌ مِن الأعراب والقرامطة، وقَوِيَ أمرُه، فقتَلَ مَن حولَه من أهلِ القُرى، ثمَّ سار إلى القطيف فقتَلَ ممَّن بها وأظهر أنَّه يريد البصرةَ، فكتب أحمدُ بنُ محمد بن يحيى الواثقي- وكان متولِّيَ البصرةِ- إلى المعتضِد بذلك، فأمره بعمَلِ سورٍ على البصرةِ.
إظهار عمر بن حفصون النصرانية بالأندلس .
العام الهجري : 286 العام الميلادي : 899
تفاصيل الحدث:

أظهر عُمَرُ بنُ حفصون النصرانيَّة، وكان قد خرج في الأندلسِ على أميرها وحصَلَت بينهم عدَّةُ وقائِعَ، وكان قبل ذلك يُسِرُّها، وانعقد مع أهلِ الشِّركِ وباطَنَهم، ونفر عن أهلِ الإسلام ونابَذَهم، فتبرأ منه خلقٌ كثير، ونابذه عوسجة بن الخليع، وبنى حصِنَ قنبط، وصار فيه مواليًا للأمير عبد الله، محاربًا لابنِ حفصون, فرأى جميعُ المسلمينَ أنَّ حَربَه جهادٌ، فتتابعت عليه الغزواتُ بالصوائفِ والشَّواتي من ذلك الوقتِ.
قتل محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان .
العام الهجري : 287 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

كان سببُ قَتلِ محمَّدِ بنِ زيد العَلويِّ أنَّه لَمَّا عَلِمَ بأسر عمرِو بن الليث الصَّفَّار، خرج من طبرستان نحو خراسان ظنًّا منه أنَّ إسماعيل الساماني لا يتجاوزُ عَمَلَه، ولا يقصِدُ خُراسان، وأنه لا دافِعَ له عنها، فلما سار إلى جُرجان أرسل إليه إسماعيل، وقد استولى على خُراسان، يقول له: الزَمْ عمَلَك، ولا تقصِدْ خُراسان؛ وتَرك جُرجان له، فأبى ذلك محمد، فندب إليه إسماعيلُ بنُ أحمد، محمَّدَ بنَ هارون، ومحمَّدٌ هذا كان يخلُفُ رافِعَ بنَ هرثمة أيَّامَ ولايتِه خراسان، فجمع محمَّدٌ جمعًا كثيرًا من فارسٍ وراجلٍ، وسار نحوَ محمَّد بن زيد، فالتَقَوا على باب جرجان، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزم محمد بن هارون أوَّلًا ثم رجع وقد تفَرَّقُ أصحاب محمد بن زيد في الطلبِ، فلما رأوه قد رجع إليهم ولَّوا هاربينَ، وقُتِلَ منهم بشَرٌ كثيرٌ، وأصابت ابنَ زيدٍ ضَرَباتٌ، وأُسِرَ ابنُه زيد، وغَنِمَ ابنُ هارون عسكَرَه وما فيه، ثم مات محمَّد بن زيد بعد أيَّامٍ مِن جراحاته التي أصابته، فدُفِنَ على باب جرجان, وحُمِلَ ابنُه زيد بن محمد إلى إسماعيل بن أحمد، فأكرمه ووسَّعَ في الإنزال عليه، وأنزله بُخارى، وسار محمَّدُ بن هارون إلى طبرستان.
الروم يغيرون على طرسوس ويأسرون أميرها .
العام الهجري : 287 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

اجتمَعَت الروم وتحشَّدَت، ووافت بابَ قلميَّة من طرسوس، فنفر أبو ثابتٍ أميرُ طرسوس بعد كوت بن الإخشيد، وكان استخلَفَه عند موته، فبلغ أبو ثابتٍ في نفيرِه إلى نهر الرجان في طلَبِهم، فأُسِرَ أبو ثابت، وأصيبَ النَّاسُ معه، وكان ابن كلوب غازيًا في دربِ السَّلامة – موقِعٌ كان يسمَّى بدرب الحدث، لكنَّ بني أمية سمَّوه بدرب السلامة- فلمَّا عاد ابنُ كلوب جمعَ مشايخَ الثغرِ لِيَتراضَوا بأميرٍ، فأجمعوا رأيَهم على ابنِ الأعرابيِّ، فولَّوه أمرَهم.
واقعة ركب الحاج العراقي بأرض المعادن .
العام الهجري : 287 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

هاجمت طيِّئٌ ركْبَ الحاجِّ العراقي بأرض المعدن. وكانت الأعرابُ في ثلاثة آلافٍ ما بين فارس وراجل، وكان أميرَ الحاجِّ أبو الأغَرِّ، فأقاموا يقاتِلونَهم يومًا وليلة. واشتد القتالُ، ثمَّ إنَّ الله أيَّدَ الرَّكبَ وهزموهم، وقُتِلَ صالحُ بنُ مدرك الذي نهب الحاجَّ فيما مضى، وقُتِلَ معه أعيانُ طيئٍ، ودخل الركبُ بغدادَ بالرؤوس على الرِّماحِ وبالأسرى.
ولاية أبي العباس بن الأغلب جزيرة صقلية .
العام الهجري : 287 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

كان إبراهيمُ بنُ الأمير أحمدَ أمير إفريقيَّة قد استَعمَلَ على صقليَّةَ أبا مالكٍ أحمدَ بنَ عمر بن عبدالله، فاستضعفه، فولَّى بعده ابنَه أبا العباسِ بنَ إبراهيمَ بنِ أحمد بن الأغلب، فوصل إليها في مائةٍ وعشرين مركبًا وأربعينَ حربيًّا.
المعتضد بالله يأمر بقتال القرامطة .
العام الهجري : 287 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 900

تفاصيل الحدث:

عظُمَ أمرُ القرامطةِ بالبحرين، وأغاروا على نواحي هجَر، وقَرُب بعضُهم من نواحي البصرةِ، فكتب أحمدُ الواثقيُّ يسألُ المدَدَ، فأمر المعتَضِدُ باختيار رجلٍ يُنفِذُه إلى البصرة، وعزَلَ العبَّاسَ بنَ عمرو عن بلاد فارس، وأقطعه اليمامةَ والبحرين، وأمَرَه بمحاربة القرامطة وضَمَّ إليه زُهاءَ ألفَي رجل، فسار إلى البصرةِ، واجتمع إليه جمعٌ كثيرٌ من المتطوِّعة والجُند والخَدَم، ثم سار إلى أبي سعيدٍ الجَنابي، فلَقُوه مساءً، وتناوشوا القتال، وحجز بينهم الليلُ، فلما كان الليلُ انصرف عن العبَّاسِ مَن كان معه من أعرابِ بني ضَبَّة، وكانوا ثلاثَمائة إلى البصرةِ، وتبعهم مطَوِّعةُ البصرة، فلما أصبح العبَّاسُ باكَرَ الحربَ، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ثم حمل نجاحٌ غلامُ أحمد بن عيسى بن الشيخ من ميسرةِ العبَّاسِ في مائة رجل على ميمنةِ أبي سعيدٍ، فتوغَّلوا فيهم، فقُتِلوا عن آخِرِهم، وحمل الجنابيُّ ومن معه على أصحابِ العبَّاس، فانهزموا وأُسِرَ العبَّاس، واحتوى الجنابيُّ على ما كان في عسكَرِه، فلما كان من الغدِ أحضر الجنابيُّ الأسرى فقَتَلهم جميعًا وحَرَقَهم، ثم سار الجنابيُّ إلى هجر بعد الوقعة، فدخلها وأمَّنَ أهلَها وانصرف مَن سَلِمَ من المنهزمين، وهم قليلٌ، نحو البصرة بغير زادٍ، فخرج إليهم من البصرة نحوُ أربعمائة رجلٍ على الرواحل، ومعهم الطعامُ والكسوة والماء، فلَقُوا بها المنهزمين، فخرج عليهم بنو أسَدٍ وأخذوا الرواحِلَ وما عليها وقَتَلوا من سَلِمَ من المعركة، فاضطربت البصرةُ لذلك، وعزم أهلُها على الانتقالِ منها فمَنَعَهم الواثقي، وبقيَ العبَّاسُ عند الجنابي أيامًا ثم أطلَقَه، وقال له: امضِ إلى صاحِبِك وعرِّفْه ما رأيت؛ وحَمَله على رواحِلَ، فوصل إلى بعضِ السواحل وركب البحرَ فوافى الأبُلَّة، ثم سار منها إلى بغدادٍ فوصَلَها في رمضان، فدخل على المعتَضِدِ فخلع عليه.
دخول الروم إلى بلادَ الرقَّة .
العام الهجري : 288 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

قصد الرومُ في هذه السنة بلادَ الرقَّة في جحافِلَ عظيمةٍ وعساكِرَ من البحر والبر، فقتلوا خلقًا وأسَروا نحوًا من خمسةَ عشر ألفًا من الذريَّة.
وفاة أبي الحسن ثابت بن قرة الصابئي .
العام الهجري : 288 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

هو الحاسِبُ الحكيمُ أبو الحسن ثابت بن قُرَّة بن مروان بن ثابت الحَرَّاني الصابئي, وُلد في مدينة حرَّان الشامية سنة 221. كانت أسرتُه تدرِّسُ قديمًا الديانةَ الصابئيَّةَ، ثم أسلمت. كان صيرفيًّا بحرَّان، ثم انتقل إلى بغداد واشتغل بعلوم الأوائل فمهر فيها وبرعَ في الطبِّ، وكان الغالبُ عليه الفلسفةَ، وكان ثابتٌ يجيدُ عِدَّةَ لغات، منها: السريانية والعربية واليونانية، وترجم عدَّةَ مؤلَّفات من اليونانية للعربية، كأعمال أبي لونيوس وأرخميدس وإقليدس وبطليموس, وكان ثابت صابئيًّا من أعيان عصره ومن حذَّاق الأطباء، عالج مَرَّة السريَّ الرَّفَّاء الشاعر، فأصاب العافية وحصل على مال كثير. جرى بينه وبين أهل مذهبِه أشياء أنكروها عليه في المذهب فرفعوه إلى رئيسهم، فأنكر عليه مقالتَه ومنعه من دخول الهيكل، فتاب ورجع عن ذلك، ثم عاد مدَّةً إلى تلك المقالة فمنعوه من الدخول إلى المجمعِ، فخرج من حرَّان، فلما قدِمَ محمد بن موسى من بلاد الروم راجعًا إلى بغداد اجتمع به، فرآه فاضلًا فصيحًا، فاستصحبه إلى بغداد. توفي ثابت عن تسع وخمسين سنة.
تأسيس أشهر دول الزيدية باليمن .
العام الهجري : 288 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

مؤسِّسُها يحيى بن الحسَن الطالبيُّ الذي كان يعيشُ بالمدينة المنورة، ولكِنَّه وبطلَبٍ مِن أهل اليمَنِ سافر إليهم فالتَفُّوا حوله واستقَرَّ في صعدةَ عام 284 فأراد التوسُّعَ، فاصطدم بمقاومةِ حُكَّامِ اليمَنِ، وكان أشدَّهم عليه بنو يعفرَ في صنعاء، فاصطدم معهم عام 285 غيرَ أنَّه عجزَ عن دخولها، لكنَّه دخلها عام 288ه بمساعدة الأئمَّة الزُّيود الذين استولَوا على الحُكمِ فيما بعدُ، وهم بنو الرسِّ في صعدة، ثم حكَمَهم الإمام المنصور يحيى الذي دام حكمُه من عام 325ه حتى عام 366ه ومِن بعده جاء يوسُفُ الداعي الذي امتَدَّ حكمُه من 366 إلى 430. ثم ضَعُفَ أمر بني رسٍّ بعد موت الداعي يوسُفَ وموت المهديِّ الحسين بن القاسم في العام نفسِه، وقد كانا إمامينِ في وقتٍ واحد. وانقطعت دولتُهم حتى عام 426 ثمَّ قام الحسن بن عبد الرحمن (أبو هاشم) واستمَرَّ أمره حتى عام 431، ثم انقطعت الدولة الثانيةُ مُدَّةَ سِتِّ سنواتٍ أخرى، حيث قام أبو الفتح الديلمي عام 437 ثم قُتِلَ عام 444 في معركةِ فيد أثناء حروبِه مع علي الصليحي، وتوقف أمرُ الأئمة حوالي مائة سنةٍ بعد ذلك، ثمَّ برز إمامُ بني الرس أحمد بن سليمان، وبقي حتى عام 566 ولم يكُنْ وضعُه مستقرًّا.
السامانيون في بلاد ما وراء النهر يقوضون على دولة الصفارية .
العام الهجري : 288 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

كان يعقوبُ بنُ اللَّيثِ الصَّفَّار قد قضى على الدَّولةِ الطاهريَّة، وأقام دولتَه على أنقاضِها، فأمر الخليفةُ أن يجهِّزَ جيشًا بقيادةِ أخيه الموفَّقِ؛ لِمُواجهة يعقوب، وذلك في عام 262هـ / 876م، ويشاءُ اللهُ أن تدور الدائرةُ على يعقوبَ فيُهزَم، ولكِنَّ المُعتَمِد يرى الاحتفاظَ بولائه للخلافةِ، فمِثلُه يمكِنُ الاعتماد عليه في مواجهةِ الثَّوراتِ والانتفاضات، فبعث إليه يستميلُه ويتَرضَّاه، ويقَلِّدُه أعمال فارس وغيرِها ممَّا هو تحت يديه، ويصِل رسولُ الخليفة إليه، وهو في مرَضِ الموت، ولكِنْ بعد أن كَوَّنَ دولةً، وبسط سلطانَه عليها. ويُظهِرُ أخوه (عمرو) من بعدِه ولاءَه للخليفة، فيولِّيه الخليفةُ خُراسان، وفارِسَ، وأصبهان، وسجستان، والسِّند، وكرمان، والشرطة ببغداد، وكان عمرٌو كأخيه ذا أطماعٍ واسعةٍ، فانتهز فرصةَ تحسُّن العلاقة بينه وبين الخليفةِ وراح يتَمِّمُ رسالة أخيه. فاتَّجَه بنظره إلى إقليم ما وراءَ النهر الذي كان يحكُمُه السامانيون، ولكِنَّ قُوَّتَهم لا يستهان بها، فكتب إلى الخليفة المعتَضِد ليساعِدَه على تملُّكِ هذا الإقليم، فهُزِمَ عمرُو بن الليث الصفار هزيمةً ساحقةً، ووقع أسيرًا في أيدي السامانيِّين، وأُرسل إلى بغداد ليُقضى عليه، فيقتل سنة 289هـ / 902م. ولم تكَدْ تمرُّ ثماني سنوات حتى كان السامانيُّون قد قَضَوا نهائيًّا على الصفاريِّين، واستولَوا على أملاكِهم
بدء الدولة العبيدية (الفاطمية) في أفريقيا .
العام الهجري : 288 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

لم تنقَطِعْ حركاتُ التشَيُّع ولم تتوقَّف، فقد كانوا متعصِّبين لآرائهم، مؤمنينَ بفِكرتِهم، يزعمونَ أنَّ أحَقَّ النَّاسِ بالخلافةِ أبناءُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ مِن نسلِ السَّيِّدةِ فاطمةَ الزَّهراءِ، فإن نالَها غيرُهم فما ذاك إلَّا أمرٌ باطِلٌ يجب أن يُمحى، ونَشِطَ دُعاةُ الشيعةِ في الدعوةِ إلى مذهبهم، وبخاصةٍ في الجهاتِ البعيدةِ عن مركز الخلافةِ، مثل أطراف فارِسَ واليمَنِ وبلاد المغرب. وكان من هؤلاء الدُّعاةِ أبو عبدالله الشِّيعي وهو رجُلٌ مِن صنعاء اتَّجه إلى المغرب بعد أن رأى دويلاتِ الأغالبةِ والأدارسةِ وغَيرِهما تنشأُ وتُقام بعيدًا عن يدِ الدَّولةِ العباسيَّة وسُلطانها، وركَّزَ أبو عبد الله دعايتَه بين البربرِ، وسُرعانَ ما انضَمُّوا إليه في آلافٍ عديدة، فأرسل إلى زعيمِه الفاطميِّ عُبَيدِ الله بن محمَّد. وقال لهم إنَّ عُبَيد الله شريف علوي فاطميٌّ. ولَمَّا عَلِمَ الخليفة العباسي بالأمرِ أمر بمطاردةِ عُبيد الله، والقبضِ عليه، فاضطُرَّ حين وصل مصرَ إلى أن يتنكَّرَ في زيِّ التجَّار، ثم حاول أن يُفلِتَ مِن دويلات شمال إفريقيا، ولكنَّه سقط أخيرًا في يد أميرِ سجلماسة. فاعتَقَله، وكان معه ابنُه محمد وسجَنَهما.
خروج طاهر بن الليث الصفار إلى فارس .
العام الهجري : 288 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 901
تفاصيل الحدث:

دخل طاهِرُ بنُ محمَّد بنِ عمرِو بنِ الليث بلادَ فارس في عسكَرِه وأخرجوا عنها عامِلَ الخليفة، فكتب الأميرُ إسماعيلُ بنُ أحمد الساماني إلى طاهر يذكُرُ له أنَّ الخليفةَ المعتضِدَ قد ولَّاه سجستان، وأنَّه سائر إليها فعاد طاهِرٌ لذلك، فولَّى المعتضِدُ مولاه بدرًا فارِسَ، وأمره بالشُّخوصِ إليها لَمَّا بلغه أنَّ طاهرًا تغلب عليها، فسار إليها في جيشٍ عظيمٍ في جمادى الآخرة، فلما قَرُب من فارس تنحَّى عنها مَن كان بها من أصحابِ طاهرٍ، فدخَلَها بدر، وجَبى خراجَها وعاد طاهرٌ إلى سجستان.
أخبار القرامطة في العراق .
العام الهجري : 289 العام الميلادي : 901
تفاصيل الحدث:

انتشر القرامطةُ بسَوادِ الكوفة، فوجَّه المعتَضِدُ شِبلًا غلامَ أحمد بن محمد الطائي، وظفِرَ بهم، وأخذ رئيسًا لهم يُعرَف بأبي الفوارس، فسيَّرَه إلى المعتضد، فأحضره بين يديه، وقال له: أخبرني، هل تزعمون أنَّ رُوحَ الله تعالى ورُوحَ أنبيائه تحُلُّ في أجسادِكم فتعصِمُكم من الزلل وتوفِّقُكم لصالح العمل؟ فقال له: يا هذا، إن حَلَّت رُوحُ الله فينا فما يضُرُّك؟ وإن حلَّت روحُ إبليسَ فما ينفَعُك؟ فلا تسألْ عمَّا لا يعنيك وسَلْ عمَّا يخُصُّك، فقال: ما تقولُ فيما يخصُّني؟ قال: أقولُ: إنَّ رسولَ اللهِ- صلَّى الله عليه وسلم- مات وأبوكم العبَّاسُ حَيٌّ، فهل طالبَ بالخلافةِ أم هل بايَعَه أحدٌ من الصحابةِ على ذلك؟ ثم مات أبو بكرٍ فاستخلف عُمَرَ، وهو يرى موضِعَ العبَّاسِ، ولم يوصِ إليه، ثم مات عمَرُ وجَعَلَها شورى في ستَّةِ أنفُس، ولم يوصِ إليه، ولا أدخَلَه فيهم، فبماذا تستحِقُّونَ أنتم الخلافة؟ وقد اتَّفَق الصحابةُ على دفع جَدِّك عنها. فأمر به المعتَضِدُ فعُذِّبَ، وخُلِعَت عظامه، ثم قُطِعَت يداه ورجلاه، ثم قُتِل.
أخبار القرامطة في الشام .
العام الهجري : 289 العام الميلادي : 901
تفاصيل الحدث:

ظهر بالشامِ رجلٌ مِن القرامطة، وجمع جموعًا من الأعرابِ، وأتى دمشق، وأميرها طغج بن جف من قِبَل هارون بن خِمارَوَيه بن أحمد بن طولون، وكانت بينهما وقَعاتٌ، وكان ابتداءُ حال هذا القرمطيِّ أنَّ زكرَوَيه بن مهرَوَيه الداعية القرمطي الذي بدأ أمرُه في العراق هذا لَمَّا رأى أنَّ الجيوشَ مِن المعتَضِد متتابِعةٌ إلى مَن بسواد الكوفةِ مِن القرامطة، فإنَّ القتلَ قد أبادهم، سعى باستغواءِ مَن قَرُب من الكوفة من الأعرابِ: أسَد وطيئ وغيرهم، فلم يجِبْه منهم أحد، فأرسل أولادَه إلى كلب بن وبرة فاستغوَوهم، فلم يجِبْهم منهم إلَّا الفَخذُ المعروف ببني العليص بن ضمضَم بن عدِيِّ بن خباب ومواليهم خاصةً، فبايعوا في هذه السَّنة، بناحية السماوة، ابنَ زكرَوَيه، المسمَّى بيحيى، المُكنَّى أبا القاسم، فلقبوه الشيخ، وزعم أنَّه محمَّد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقيل: لم يكن لمحمَّد بنِ إسماعيل ولدٌ اسمه عبد الله، وزعم أنَّ له بالبلاد مائة ألفِ تابعٍ، وأنَّ ناقتَه التي يركَبُها مأمورةٌ، فإذا تبعوها في مسيرِها نُصِروا، وأظهَرَ عَضُدًا له ناقصة، وذكَرَ أنَّها آيتُه، وأتاه جماعةٌ من بني الأصبع، أخلصوا له وتَسَمَّوا بالفاطميين، ودانُوا بدينه، فقصدهم شبلٌ غلامُ المعتَضِد من ناحية الرصافة فاغتَرُّوه فقتلوه، وأحرقوا مسجِدَ الرصافة، واعتَرَضوا كلَّ قرية اجتازوا بها حتى بلغوا هارونَ بنَ خمارَوَيه التي قوطِعَ عليها طغج بن جف، فأكثَروا القتلَ بها والغارة، فقاتَلَهم طغج، فهزموه غيرَ مَرَّة.
وفاة الخليفة العباسي المعتضد بالله وتولي ابنه المكتفي بالله الخلافة .
العام الهجري : 289 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 902
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنينَ أبو العَبَّاس أحمدُ بنُ طلحة الموفَّق بالله بن المتوكل على الله جَعْفَر بن المُعْتَصم بن الرشيد الهاشمي العباسي. ولد في ذي القَعدة سنة 242 في دولةِ جَدِّه، استخلف بعد عَمِّه المعتَمِد في رجبٍ سنة تسع وسبعين. وكان ملكًا شجاعًا مهيبًا، أسمرَ نحيفًا، معتدِلَ الخَلقِ، ظاهِرَ الجبروت، وافِرَ العقل، شديدَ الوطأة، من أفراد خلفاءِ بني العَبَّاس. وكان ذا سياسةٍ عظيمة. وكان المُعْتَضِدُ يبخل ويجمَعُ المال، وقد وليَ حَربَ الزِّنجِ وظَفِرَ بهم، وفي أيَّامِه سكنت الفتَنُ لفَرطِ هيبتِه. وكان غلامُه بدرٌ على شرطتِه، وعبيد الله بن سُلَيْمَان على وزارته، ومحمَّد بن سِياه على حرسه، وكانت أيامُه أيامًا طيبة كثيرةَ الأمن والرخاء. وكان قد أسقط المُكوسَ، ونشَرَ العدل، ورفع الظُّلمَ عن الرعية. وكان يُسمَّى السفاحَ الثانيَ؛ لأنَّه جدَّد مُلكَ بني العباس، وكان مُلْكُهم قد خلقَ وضعُف وكاد يزولُ. أصيب المعتَضِد في آخر أيامه بمرضٍ واشتدَّ به المرض حتى توفِّيَ، فتولى غَسلَه محمَّدُ بن يوسف، وصلَّى عليه الوزيرُ عبيد الله بن سُلَيمان، ودُفِنَ ليلًا في دار محمَّد بن طاهر، وجلس الوزيرُ في دار الخلافة للعزاء، وجدَّد البيعة للمُكتفي, وكانت مُدَّةُ خلافة المعتَضِد سبعَ سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يومًا. لَمَّا توفِّيَ المعتَضِد كتب الوزيرُ إلى أبي محمد علي بن المُعتَضِد، وهو المكتفي باللهِ، يعَرِّفُه بذلك وبأخذِ البيعة له، وكان بالرقَّة، فلما وصله الخبَرُ أخذ البيعةَ على مَن عِندَه من الأجناد، ووضع لهم العطاءَ وسار إلى بغداد، ووجَّه إلى النواحي من ديارِ ربيعةَ ومُضَرَ ونواحي العرَبِ مَن يحفظُها ودخل بغدادَ لثمانٍ خَلَونَ مِن جمادى الأولى.
استيلاء محمد بن هارون على بلاد الري .
العام الهجري : 289 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 902
تفاصيل الحدث:

كاتب أهلُ الريِّ محمَّدَ بنَ هارون الذي حارب محمَّدَ بن زيد العلوي، وتولى طبرستان لإسماعيلَ بنِ أحمد الساماني، فلما خلع محمَّدُ بن هارون طاعةَ إسماعيل، سأله أهلُ الرَّيِّ المسيرَ إليهم ليُسَلِّموها إليه، وكان سببُ ذلك أنَّ الواليَ عليهم كان قد أساء السيرةَ فيهم، فسار محمَّدُ بن هارون إليهم فحاربه واليها وهو الدتمش التركي، فقتله محمَّد وقتَلَ ابنينِ له وأخا كيغلغ، وهو من قوَّاد الخليفة، ودخل محمَّدُ بن هارون الريَّ، واستولى عليها، وفي هذه السنة كانت وقعةٌ بين إسماعيل بن أحمد وبين محمَّد بن هارون بالري، فانهزم محمَّد، ولحق بالديلم مُستجيرًا بهم، ودخل إسماعيلُ الرَّيَّ.
الحروب مع القرامطة في الشام .
العام الهجري : 290 العام الميلادي : 902
تفاصيل الحدث:

أقبل يحيى بن زكرَوَيه بن مهرويه أبو قاسم القرمطي المعروفُ بالشيخ في جحافلِه، فعاث بناحية الرقَّة فسادًا، فجهز إليه الخليفةُ جيشًا نحو عشرة آلاف فارس، وكان قد سار يحيى بن زكرويه إلى دمشق وحاصرها، فقُتِلَ على باب دمشق، زرَقَه رجلٌ من المغاربةِ بِمزراقِ نارٍ- المزراقُ رُمحٌ قصير أو خفيفٌ يُقْذَف باليد- فقَتَله، ففَرِحَ الناس بقتله، وكان هذا المغربيُّ من جملة جيش المصريين، فقام بأمرِ القرامطةِ مِن بعده أخوه الحُسَين وتسمَّى بأحمد وتكنَّى بأبي العباس وتلقَّب بأمير المؤمنين، وأطاعه القرامطة، فحاصر دمشقَ فصالحه أهلُها على مال، ثم سار إلى حمصَ فافتتحها وخُطِبَ له على منابِرِها، ثمَّ سار إلى حماة ومعرَّة النعمان فقهر أهلَ تلك النواحي واستباح أموالَهم وحريمَهم، وكان يقتُلُ الدوابَّ والصِّبيانَ في المكاتب، ويُبيحُ لِمَن معه وطء النِّساء، فربما وطئَ الواحدةَ الجماعةُ الكثيرةُ مِن الرجال، فإذا ولَدَت ولدًا هنأَ به كلُّ واحدٍ منهم الآخَرَ، فكتب أهل الشامِ إلى الخليفة ما يلقَونَ مِن هذا اللعين، فجهَّز إليهم جيوشًا كثيفة، وأنفق فيهم أموالًا جزيلة، وركب في رمضان فنزل الرقَّةَ وبَثَّ الجيوشَ في كلِّ جانبٍ لقتال القرامطة، وكان القرمطي هذا يكتُبُ إلى أصحابه: "مِن عبد الله المهديِّ أحمد بن عبد الله المهدي المنصور الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذابِّ عن حريم الله، المختار من ولد رسول الله" وكان يدَّعي أنَّه من سلالة علي بن أبي طالب من فاطمة، وهو كاذِبٌ أفاكٌ أثيمٌ- قبَّحه الله- فإنَّه كان من أشدِّ الناس عداوةً لقريش، ثم لبني هاشم، دخل سلميةَ فلم يدَعْ بها أحدًا من بني هاشم حتى قتَلَهم، وقتل أولادَهم، واستباح حريمَهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...