حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الأحد، 6 نوفمبر 2022

من ج.132 الي ج142.{ظهور النووي ج137} من قيام حروب داخلية بين الصليبيين . العام الهجري : 653 العام الميلادي : 1255.


132. قيام حروب داخلية بين الصليبيين .
العام الهجري : 653 العام الميلادي : 1255

تفاصيل الحدث:
جرت بين الصليبيِّينَ حُروبٌ داخلية أضعَفَت قواهم بحَمدِ الله، فقامت حروبٌ بين البندقية وجنوة امتدت إلى عام 660 انضَمَّت فيها جميعُ الأحزاب المتنافرة إلى أحَدِ الجانبين وأنهكَتْهم ممَّا كان له الأثَرُ في استعادة الظاهر بيبرس في حينها أنطاكية منهم.
هولاكو يجتاح بلاد فارس ويقتل جماعة الحشاشين الإسماعيلية .
العام الهجري : 654 العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:
بعد الاتِّفاقِ المغولي على الزَّحفِ إلى بلاد الإسماعيلية وغيرها, حدث في هذه السَّنة أن استولى هولاكو على حصنينِ مِن حُصونِ الإسماعيليَّة بولاية قهستان وأمَرَ بإعدام كلِّ مَن يزيد عمره على عشرِ سنوات، ثم استولى على قلعتي ألموت وميمون دز وقبضَ على زعيمِ الإسماعيليَّة ركن الدين خورشاه وأرسَلَه إلى قره كروم عاصمة المغول، فأمر منكو زعيمُهم بقتله وقتْل أتباعِه الذين كانوا معه.
فيضانات أغرقت بغداد .
العام الهجري : 654 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:
أصاب بغدادَ غَرَقٌ عظيمٌ حتى طفح الماء من أعلى أسوارِ بغداد إليها، وغرق كثيرٌ منها، ودخل الماءُ دار الخلافة وسَطَ البلد، وانهدمت دارُ الوزير وثلاثمائة وثمانون دارًا، وانهدم مخزنُ الخليفة، وهلك مِن خزانة السلاحِ شيء كثير، وأشرف الناسُ على الهلاك وعادت السفُنُ تدخل إلى وسط البلدة، وتخترق أزقَّة بغدادَ.
احتراق المسجد النبوي الشريف .
العام الهجري : 654 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:
في ليلةِ الجُمُعةِ مُستهَلَّ رَمَضانَ احترق المسجدُ النبوي بالمدينةِ- على ساكِنِه أفضَلُ الصلاة والسلام، ابتدأ حريقُه من زاويتِه الغربيَّة من الشمال، وكان دخل أحدُ القومةِ إلى خزانةٍ ومعه نار فعَلِقَت في الأبوابِ ثم اتصلت بالسَّقفِ بسُرعةٍ، ثم دبَّت في السقوف، وأخذت قبلةً فأعجلت النَّاسَ عن قطعها، فما كان إلا ساعةٌ حتى احترقت سقوفُ المسجِدِ أجمع، ووقعت بعض أساطينِه وذاب رصاصُها، وكلُّ ذلك قبل أن ينامَ النَّاسُ، واحترق سقف الحُجرةِ النبويَّة ووقع ما وقع منه في الحُجرة، وقد خرَّب الحريقُ المسجِدَ، ولم يُفلِتْ منه إلاَّ قبَّةُ الناصر لدين الله التي كانت في رحبتِه، وبقي على حالِه حتى شرع في عمارةِ سَقفِه وسَقفِ المسجِدِ النبوي، وأصبح الناسُ فعزلوا موضعًا للصلاة، وعُدَّ ما وقع من تلك النَّار ِالخارجة وحريقِ المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت منُذِرةً بما يعقُبُها في السنة الآتية من الكائناتِ، وحين بلغ المستعصِمَ العباسيَّ الخبَرُ أرسل الصنَّاعَ والآلاتِ في موسم الحج، وبدأ العمل عام 655هـ. وقد حدثت في هذا العامِ أحداثُ التتار وحروبهم، ولكِنَّ عمل البناءِ لم يتوقَّفْ؛ إذ اشترك فيه الملك المظفَّر ملك اليمن، وملك مصر نور الدين علي بن المعز الصالحي، وإن كانت العمارةُ لم تنتهِ إلا في عهد الملك الظاهر بيبرس.
فتنة بين السنة والشيعة في بغداد .
العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
وقوع فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة، قال ابن كثير: "فنُهِبَ الكرخ ودُورُ الرافضة حتى دورُ قرابات الوزير ابنِ العلقمي، وأنَّ ذلك من أقوى الأسبابِ في ممالأتِه للتتار".
إسلام ملك بلاد القبجاق بركة خان المغولي .
العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
اعتنق الإسلامَ بَرَكةُ خان بن جوجي بن جنكيز خان المغولي متمَلك بلاد القبجاق, وزعيمُ القبيلة الذهبيَّة المغولية, وهو ابنُ عم هولاكو، وكذلك أسلَمَت زوجتُه ججك. أسلم بركةُ خان على يد الشَّيخِ أبو المعالي سعيد بن المطهر الباخرزي, وكان عنده ستون زوجة، فأمره باتخاذِ أربعٍ فقط وفراق الباقيات، ففعل، ورجع إلى بلاده، وأظهر شعائر الملة الإسلامية، وأسلم معه جماعةٌ من أمرائه وأهل بيته، وأخذوا في تعلُّمِ الفرائض.
بداية قصد المغول بغداد .
العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
جرت فتنةٌ مهولة ببغدادَ بين الناس وبين الرَّافضة، وقُتِلَ عدة من الفريقين، وعَظُم البلاء، ونهب الكرخ، فحنق ابن العلقمي الوزير الرافضي، وكاتَبَ هولاكو، وطَمَّعَه في العراق، فجاءت رسُلُ هولاكو إلى بغدادَ، وفي الباطِنِ معهم فرماناتٌ لغير واحد، وَصَلت جواسيس هولاكو إلى وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله مؤيد الدين محمد بن العلقمي الرافضي ببغداد، وتحَدَّثوا معه ووعدوا جماعةً مِن أمراء بغداد مواعيدَ، والخليفةُ لا يدري ما يتمُّ، وأيَّامُه قد ولت ثم قَوِيَ قَصدُ هولاكو بن طولو بن جنكيزخان بغداد، وبعث يطلبُ الضيافةَ مِن الخليفة فكَثُرَ الإرجافُ ببغداد، وخرج الناسُ منها إلى الأقطار، ونزل هولاكو تجاهَ دار الخلافة وملك ظاهِرَ بغداد، وقتل من الناسِ عالَمًا كثيرًا.
وفاة الملك المعز عز الدين أيبك صاحب مصر وأول سلطان مملوكي .
العام الهجري : 655 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
هو السُّلطانُ الملك المعز عِزُّ الدنيا والدين، أيبك التركماني، الصالحي الجاشنكير- جاشنكير متذوِّق طعام السلطان- صاحب مصر. لما قتل المماليكُ المعظَّم توران شاه، خَطَبوا لشجرةِ الدر أمِّ خليل أيامًا، وكانت تعلِّمُ على المناشير، وتأمُرُ وتنهى، ويُخطَبُ لها بالسلطنة. ولما وصل الخبَرُ بذلك إلى بغداد فبعث الخليفة المستعصم بالله من بغداد كتابا إلى مصر وهو ينكِرُ على الأمراء ويقولُ لهم: "إن كانت الرجالُ قد عَدِمَت عندكم فأعلِمونا حتى نسَيِّرَ إليكم رجلًا" فاجتمع الأمراءُ والبحرية للمشورة واتفقوا على إقامة الأمير عز الدين أيبك مقَدَّم العسكر في السلطنة ولقَّبوه بالملك المعز. كان المعزُّ أكبر الصالحية، دَيِّنًا عاقلًا ساكًنا، كريمًا تاركًا للشرب. ملكوه في أواخر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين، وتزوَّجَ بأم خليل، فأنِفَ من سلطنتِه جماعة، فأقاموا في الاسمِ الملك الأشرف موسى بن الناصر يوسف ابن المسعود أطسز بن السلطان الملك الكامل وله عشرُ سنين، وذلك بعد خمسة أيام، فكان التوقيع يبرز وصورته: رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزي. واستمَرَّ ذلك والأمور بيد المعز، وكان في المعِزِّ تُؤَدة ومداراة، ثم استقَلَّ بالملك بلا منازعة، وكسر الناصِرَ لَمَّا أراد أخذ الديار المصرية وقَتَلَ فارِسَ الدين أقطاي الجمدار- جمدار حامل ملابس السلطان- سنة ثنتين وخمسين، وخلع بعده الأشرفَ، واستقَلَّ بالملك وحده، وهو واقِفُ المدرسة المعزية بمصرَ ومجازُها من أحسن الأشياء. كان موتُه في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول، أصبح المعز بداره ميتًا فاتَّهَم مماليكُه زوجته شجرة الدر، وقد كان عَزَم على تزوُّجِ ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، فأمرت جواريها أن يمسِكنَه لها فما زالت تضربُه بقباقيبِها والجواري يَعركنَ في أنثَيَيه حتى مات وهو كذلك، وقيل بل أعدت له شجرة الدرِّ خمسةً ليقتلوه منهم محسن الجوجري، وخادمٌ يعرف بنصر العزيزي، ومملوكٌ يسمى سنجر، فلما كان يوم الثلاثاء ركب الملك المعز من الميدان بأرضِ اللوق، وصَعِدَ إلى قلعة الجبل آخِرَ النهار، ودخل إلى الحمام ليلًا، فأغلق عليه الباب محسن الجوجري، وغلام كان عنده شديدُ القوة ومعهما جماعة، وقتلوه بأن أخذه بعضُهم بأنثييه وبخناقه، فاستغاث المعز بشَجَرةِ الدر فقالت اتركوه، فأغلظ لها محسن الجوجري في القول، وقال لها: متى ترَكْناه لا يبقي علينا ولا عليك، ثم قتلوه، وأقامت الأتراكُ بعده ولَدَه عليًّا، بإشارةِ أكبر مماليكه الأمير سيف الدين قطز، ولَقَّبوه الملك المنصور، وخُطِبَ له على المنابر وضُرِبَت السكة باسمه وجَرَت الأمور على ما يختاره برأيه ورسمه، عاش المعِزُّ نيفًا وخمسين سنة، وكان قد مكث في الملك نحوًا من سبع سنين.
مقتل شجرة الدر بسبب قتلها زوجها الملك المعز عز الدين أيبك .
العام الهجري : 655 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
هي شجرةُ الدر الصالحيَّة بنت عبد الله أم خليل التركيَّة، ذاتُ حُسنٍ وظرف ودهاء وعقل، ونالت من العِزِّ والجاه ما لم تنَلْه امرأة في عصرها، كانت جاريةً اشتراها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وحَظِيَت عنده بمكانةٍ كبيرة، وكانت أمَّ ولدٍ عنده؛ فقد ولدت منه خليلًا، من أحسن الصور، فمات صغيرًا، وكانت تكونُ في خدمة الملك الصالحِ لا تفارقه حضرًا ولا سفرًا من شدة محبته لها, فأعتَقَها وتزوَّجَها. وكانت تقومُ بتدبير شؤون الدولة في أثناء مرض زوجِها، فلما تُوفى الملك الصالح بدمياط في أثناء حربه مع الإفرنج سنة 647 كتمت خبَرَ موته، وأرسلت إلى ابنه توران شاه ليتولى أمورَ الملك من بعده، إلَّا أن توران شاه هدَّدها، وطالبها بأموال الملك الصالح، فدبَّرت لقَتلِه، وبعد مقتَلِه اجتمعت الآراء على توليتها السلطنة في صفر سنة 648, وكان مماليك الصالح يخضعون لها، فمَلَّكوها بعد قتل المعظَّم توران شاه ثمانين يومًا، وكان المعِزُّ لا يقطع أمرًا دونها، ولها عليه صولةٌ، وكانت جريئةً وَقِحة، قتَلَت وزيرَها الأسعَدَ، وكانت تحجُر على الملك المعز، فأنِفَ من ذلك, ولما بَلَغَها عزمُ المعز الزواجَ مِن بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قتَلَتْه, ولما توفِّيَ لم يصَدِّقْ مماليك عز الدين بأنه توفي بغير سببٍ، وقام الأمير علم الدين سنجر الغتمي - وهو يومئذٍ شَوكةُ البحرية وشديدُهم- وبادر هو والمماليك إلى الدور السلطانية، وقبضوا على الخُدَّام والحريم وعاقبوهم، فأقَرُّوا بأن شجرة الدر أمرت مماليكَها بقتله، وعند ذلك قبضوا على شجرةِ الدر، ومحسن الجوجري، وناصر الدين حلاوة، وصدر الباز، وفر العزيزي إلى الشام، فأراد مماليكُ المعز قَتْلَ شجرة الدر، فحماها الصالحيَّة، ونُقِلَت إلى البرج الأحمر بالقلعة، ثم لما أقيم ابنُ المعز في السلطنة، حُمِلَت شجرةُ الدر إلى أمِّه في اليومِ السابع عشر، فضرَبَها الجواري بالقباقيبِ إلى أن ماتَت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندقِ، وليس عليها سراويل وقميص، فبَقِيَت في الخندق أيامًا، ثم دفنت بعد أيام - وقد نتنت، وحُمِلَت في قفة- بتربتها قريب المشهد النفيسي، وكانت من قُوَّةِ نَفسِها، لما عَلِمَت أنها قد أحيطَ بها، أتلفت شيئًا كثيرًا من الجواهِرِ واللآلئ، كسَّرَته في الهاون، وقد قيل إنه لما سمع مماليك عز الدين أيبك بخبر وفاته أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلةٍ غيرَ مستورةِ العورةِ.
القتال بين المماليك البحرية الذين هربوا من مصر وبين عسكر مصر .
العام الهجري : 655 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
وقَعَت الوحشةُ بين الملك الناصر وبين من عنده من المماليك البحريَّة، ففارقوه في شوال، وقصدوا الملك المغيثَ صاحب الكرك، فأخرج الأميرُ سيف الدين قطز العسكَرَ الصالحية، فواقعوهم في يوم السبت خامِسَ عشر ذي القعدة، وأسَرُوا الأمير سيف الدين قلاوون، والأميرَ سيف الدين بلبان الرشيدي، وقتل الأمير سيف الدين بلغان الأشرفي، وانهزم عَسكَرُ الكرك وفيهم بيبرس البندقداري، وعاد العسكرُ إلى القاهرة، فضمن الأميرُ شرف الدين قيران- المعزي وهو أستادار السلطان- الأمير قلاوون وأطلقه، فأقام قلاوون بالقاهرة قليلًا، ثم اختفى بالحُسَينية عند سيف الدين قطليجا الرومي، فزوَّدَه وسار إلى الكرك.
استيلاء المغول على بلاد الجزيرة وغيرها .
العام الهجري : 656 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
نزل هولاكو بجيشِه المغولي بعدَ مذبحةِ بغداد حرَّان واستولى عليها ومَلَك بلادَ الجزيرة، ثم سيَّرَ ولده أشموط إلى الشامِ وأمره بقطعِ الفرات وأخْذ البلاد الشامية، وسيَّرَه في جمعٍ كثيف من التتار فوصَلَ أشموط إلى نهرِ الجوز وتل باشر، ووصل الخبَرَ إلى حلب من البيرة بذلك، وكان نائبُ السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه، فجفَل النَّاسُ بين يدي التتارِ إلى جهة دمشق وعظم الخطب، واجتمع الناسُ من كلِّ فجٍّ عند الملك الناصر بدمشق، واحترز الملك المعظَّم توران شاه بن الملك الناصر بحَلَب غاية الاحتراز، وكذلك جميعُ نوَّاب البلاد الحلبيَّة، وصارت حَلَب في غاية الحصانة بأسوارها المحكَمة البناءِ وكثرة الآلات، فلمَّا كان العشر الأخير من ذي الحِجَّة قصد التتارُ حَلَب ونزلوا على قريةٍ يقال لها سلميَّة وامتَدُّوا إلى حيلان والحادي، وسيَّروا جماعةً مِن عَسكَرِهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكرُ حلب ومعهم خلقٌ عظيم من العوام والسُّوقة، وأشرفوا على التتار وهم نازلونَ على هذه الأماكِنِ، وقد رَكِبوا جميعُهم لانتظار المسلمينَ، فلمَّا تحقَّق المسلمون كثرتَهم كَرُّوا راجعين إلى المدينة، فرسم المَلِكُ المعظَّم بعد ذلك ألا يخرُجَ أحد من المدينة، ولما كان غدُ هذا اليوم رحلت التتارُ من منازلهم طالبين مدينةَ حلب، واجتمع عسكرُ المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتَمِدونه، فأشار عليهم الملك المعظَّم أنهم لا يخرجون أصلًا لكثرة التتار ولقوَّتهم وضعف المسلمين على لقائهم، فلم يوافِقْه جماعة من العسكر وأبوا إلَّا الخروج إلى ظاهر البلد لئلَّا يطمع العدو فيهم، فخرج العسكرُ إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوامُّ والسوقة، واجتمع الجميعُ بجبل بانقوسا، ووصل جمع التتار إلى أسفَلِ الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتِلوهم، فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرًا منهم وخديعةً، فتبعهم عسكرُ حلب ساعةً من النهار، ثم كرَّ التتار عليهم فوَلَّوا منهزمينَ إلى جهة البلد والتتارُ في أثرهم، فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلُّهم نحو البلد والتتار في أعقابِهم، فقتلوا من المسلمينَ جمعًا كثيرًا من الجند والعوام، ونازل التتارُ المدينة في ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا طالبينَ أعزاز فتسَلَّموها بالأمانِ.
وفاة أبي الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الصوفية الشاذلية .
العام الهجري : 656 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو شَيخُ الطائفة الشاذليَّة الزاهد أبو الحَسَن علي بن عبد الله بن عبد الجبَّار بن تميم المغربي الشاذلي المالكي، نزيلُ الإسكندرية، مؤسِّس الطريقة الصوفيَّة المشهورة بالشاذليَّة، ولد في غمارة قرب سبتة بالمغرب، وفيها نشأ وتعلم، رافق أبا القاسم الجُنَيد البغداديَّ الصوفيَّ، فأخذ عنه التصوفَ، ثم اتخذ في تونس رباطًا له في جبل وبدأ ينشُرُ أفكاره في بلدة شاذلة القريبةِ مِن رباطه فكَثُرَ أتباعه، ثم نُفِيَ إلى مصر واستقَرَّ في الإسكندرية، وتبعه خلقٌ كثير في مصر والشام. قال الذهبي: "وقد انتسَبَ في بعض مؤلفاته في التصوُّف إلى علي بن أبي طالب، وكان الأولى به تركَه هذا الانتسابَ وتَرْكَ كثيرٍ ممَّا قاله في تواليفِه من الحقيقة، وهو رجلٌ كبيرُ القدر، كثيرُ الكلام، عالي المقام. له شِعرٌ ونَثرٌ فيه متشابهات وعبارات، يُتكَلَّف له في الاعتذار عنها. ورأيت شيخنا عمادَ الدين قد فتَرَ عنه في الآخر، وبَقِيَ واقفًا في عباراته، حائرًا في الرجل؛ لأنه كان قد تصَوَّف على طريقتِه، وكان الشاذلي ضريرًا، ولخلقٍ فيه اعتقاد كبير". له تصانيف منها (عمدة السالك على مذهب الإمام مالك) وله (التسلي والتصبر على ما قضاه الله من أحكام التجبر والتكبر) وله أحزابٌ خاصة به، منها (الحزب الكبير) أو حزب البِرِّ، وحزب البحر، وحزب الإخفاء، وحزب النصر، وحزب الطمس على عيون الأعداء، وحزب اللطف وغيرها، توفي في حميترة من صحراء عيذاب في صعيد مصر، وفيها دفن.
سقوط بغداد على يد هولاكو قائد المغول .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
كان الوزيرُ ابن العلقمي يجتَهِدُ في صرف الجيوش وإسقاطِ اسمِهم من الديوان، فكانت العساكِرُ في آخر أيام المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء ومن هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلِهم إلى أن لم يبقَ سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتارَ وأطمعهم في أخذِ البلاد، وسَهَّل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقةَ الحال، وكشَفَ لهم ضعف الرجال، وذلك كلُّه طمعًا منه أن يزيل السُّنَّة بالكُلِّيَّة، وأن يُظهِرَ البِدعةَ الرَّافضية، وأن يقيمَ خليفةً مِن الفاطميِّينَ، وأن يُبيدَ العلماء والمُفتين- والله غالبٌ على أمرِه- كانت الفِتَنُ قد استعرت بين السُّنة والرافضة في بغداد حتى تجالَدوا بالسيوف، وشكا أهلُ باب البصرة إلى الأمير ركن الدين الدويدار والأمير أبي بكر بن الخليفة فتَقَدَّما إلى الجند بنَهبِ الكرخ، فهَجَموه ونهبوا وقتلوا، وارتكبوا من الشنعة العظائم، فحنق ابنُ العلقمي ونوى الشرَّ، وأمر أهل الكرخ بالصَّبرِ والكف. فمالأ- قبَّحَه اللهُ- على الإسلامِ وأهلِه المغولَ الكَفَرةَ وزَعيمَهم هولاكو، حتى فعل ما فعل بالإسلامِ وأهلِه، خاصة في بغداد- عليه من الله ما يستحقُّ- كان قدوم هولاكو بجنوده كلها- وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل- إلى بغداد في ثاني عشرَ المحرم من هذه السنة، وجاءت إليهم أمدادُ صاحب الموصل يساعِدونَهم على أهل بغداد, وميرته وهداياه وتُحَفه، وكل ذلك خوفًا على نفسه مِن التتار، ومصانعةً لهم، وقد سُتِرَت بغداد ونُصِبَت فيها المجانيق والعرادات وغيرها من آلات الممانعة، فأحاطوا ببغدادَ مِن ناحيتها الغربيَّة والشرقية، وجيوش بغداد في غايةِ القِلَّة ونهاية الذِّلَّة، لا يبلغونَ عَشرةَ آلاف فارس، وهم وبقيَّة الجيش، كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتِهم وذلك كلُّه عن آراء الوزيرِ ابن العلقميِّ الرافضي، الذي دبَّر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيعِ، الذي لم يؤرخ أبشَعُ منه منذ بُنِيَت بغداد، وكان أوَّلَ مَن برز إلى التتار هو، فخرج بأهلِه وأصحابِه وخَدَمِه وحَشَمِه، فاجتمع بالسلطانِ هولاكو خان- لعنه الله- ثم عاد فأشار على الخليفةِ بالخروجِ إليه والمثول بين يديه لتقَعَ المصالحة على أن يكون نِصفُ خراج العراق لهم ونِصفُه للخليفة، فخرج الخليفةُ في سبعمائة راكبٍ مِن القضاة والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان، فلما اقتَرَبوا من منزل السلطان هولاكو خان حُجِبوا عن الخليفةِ إلا سبعة عشر نفسًا، فخَلَص الخليفة بهؤلاء المذكورين، وأُنزِلَ الباقون عن مراكبهم فنُهِبَت وقُتِلوا عن آخرهم، وأُحضِرَ الخليفة بين يدي هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة، فيقال: إنَّه اضطرب كلامُ الخليفة من هَولِ ما رأى من الإهانةِ والجبروت، ثم عاد إلى بغداد وفي صُحبَتِه خوجه نصير الدين الطوسي، والوزير ابن العلقمي وغيرهما، والخليفةُ تحت الحوطة والمصادرة، فأحضَرَ مِن دار الخلافة شيئًا كثيرًا مِن الذهب والحُلِيِّ والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة، وقد أشار أولئك الملأ من الرَّافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو ألَّا يصالح الخليفة، وقال الوزير: متى وقع الصلحُ على المناصفة لا يستمِرُّ هذا إلا عامًا أو عامين، ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحَسَّنوا له قتل الخليفة، فلما عاد الخليفةُ إلى السلطان هولاكو أمر بقَتلِه، ويقال: إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي، والمولى نصير الدين الطوسي، وكان النصيرُ عند هولاكو قد استصحبه في خدمَتِه لما فتح قلاع ألموت التي للإسماعيلية، وانتزعها من أيديهم، وانتخب هولاكو الطوسيَّ ليكون في خدمته كالوزير المشير، فلما قَدِمَ هولاكو وتهيبَ مِن قَتلِ الخليفة هَوَّن عليه الوزير ذلك فقتلوه، فباؤُوا بإثمِه وإثم من كان معه من ساداتِ العُلَماءِ والقُضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحَلِّ والعقد ببلاده، ومالوا على البلد فقَتَلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبَّان، ودخل كثيرٌ من الناس في الآبار وأماكِنِ الحشوش، وقنى الوسَخِ، وكَمَنوا كذلك أيامًا لا يظهرون، وكان الجماعةُ مِن الناس يجتمعون إلى الخانات ويُغلِقونَ عليهم الأبواب فتفتحها التتارُ إمَّا بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلونَ عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنةِ فيقتلونهم بالأسطُحِ، حتى تجري الميازيب من الدماءِ في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون!! وكذلك في المساجد والجوامع والرُّبُط، ولم ينجُ منهم أحد سوى أهل الذمَّة من اليهود والنصارى ومَن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفةٌ مِن التجَّار أخذوا لهم أمانًا، بذلوا عليه أموالًا جزيلةً حتى سَلِموا وسَلِمَت أموالهم، وعادت بغدادُ بعد ما كانت آنَسَ المدن كلِّها كأنها خرابٌ ليس فيها إلا القليلُ مِن الناس، وهم في خوفٍ وجوعٍ وذِلَّة وقلة! وكان دخولهم إلى بغداد في أواخِرِ المحرم، وما زال السيف يقتُلُ أهلَها أربعينَ يومًا، وكان الرجلُ من بني العباس يُستدعى به مِن دار الخلافة فيخرج بأولادِه ونسائه فيُذهَبُ به إلى مَقبرةِ الخَلَّال تجاه المنظرة فيُذبَحُ كما تُذبَحُ الشاة، ويؤسَرُ من يختارون من بناتِه وجواريه، وتعطَّلَت المساجد والجمع والجمعات مدة شهورٍ ببغداد، ولما انقضى الأمرُ المقَدَّر وانقضت الأربعون يومًا بقيت بغداد خاويةً على عروشها ليس بها أحَدٌ إلا الشاذُّ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطَرُ فتغيرت صُوَرُهم وأنتنت من جِيَفِهم البلد، وتغيَّرَ الهواء فحصل بسببه الوباءُ الشديد حتى تعدى وسرى في الهواءِ إلى بلاد الشام، فمات خلقٌ كثير من تغيُّرِ الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاءُ والوَباءُ والفَناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولما نودي ببغداد بالأمانِ خرج من تحت الأرضِ مَن كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نُبِشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضُهم بعضًا، فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباءُ الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقَهم من القتلى، واجتمعوا تحت الثرى بأمرِ الذي يعلَمُ السر َّوأخفى، اللهُ لا إلهَ إلا هو له الأسماءُ الحسنى. حكى جمال الدين سليمان بن عبد الله بن رطلين قال: "لما قُتِلَ الخليفة, وأَطلَقَ المغول السبعة عشر الذين كانوا معه وكان أبي معهم، قُتِلَ منهم رجلان وطلب الباقونَ بيوتهم فوجدوها بلاقِعَ. فأتوا المدرسةَ المغيثية، وقد كُنتُ ظَهرتُ مِن مخبئي, فبقيت أسألُ عن أبي، فدُلِلْتُ عليه، فأتيتُه وهو ورفاقه، فسَلَّمت عليهم، فلم يعرفني أحدٌ منهم، وقالوا: ما تريد؟ قلت: أريدُ فخر الدين ابن رطلين. وقد عرفتُه، فالتفَتَ إليَّ وقال: ما تريد منه؟ قلت: أنا ولَدُه. فنظر إليَّ وتحقَّقني، فلما عرفني بكى!!". كان رحيل هولاكو خان عن بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر مُلكِه، وفوَّضَ أمر بغداد إلى الأمير علي بهادر، فوَّضَ إليه الشحنكية بها وإلى الوزير ابن العلقمي الذي مات بعد أشهرٍ من هذه الحادثةِ غَمًّا وكَمَدًا, فولي بعده الوزارة ولدُه عز الدين بن الفضل محمد، فألحقه اللهُ بأبيه في بقيَّة هذا العام.
وفاة القاضي محيي الدين يوسف بن الجوزي واقف المدرسة الجوزية .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو أستاذ دار الخلافة الصاحِبُ القاضي محيي الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حماد بن أحمد بن يعقوب بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النصر بن محمد بن أبي بكر الصديق، المعروفُ بابنِ الجوزيِّ القرشيِّ التيمي البكري البغدادي الحنبلي، ولد في ذي القعدة سنة 580 ونشأ شابًّا حسنًا وحين توفِّيَ والِدُه وعَظَ في موضعه فأجاد وأحسن وأفاد، ثم تقَدَّمَ وولِيَ حِسبةَ بغداد مع الوَعظِ الرائِقِ والأشعار الحسنة الرائعة، وولي تدريسَ الحنابلة بالمستنصرية سنة 632 وكانت له مدارس أخرى، صار محيي الدين رسولَ الخلفاءِ إلى الملوكِ بأطرافِ البلادِ ولا سيَّما إلى بني أيوبَ بالشَّامِ وقد حصل منهم من الأموالِ والكراماتِ ما ابتغى من ذلك بناءَ المدرسة الجوزيَّة التي بالنشابين بدمشق, ولما وَلِيَ مؤيِّدُ الدين بن العلقمي الوزارةَ سنة 640 وشغر عنه الأستادارية، وَلِيَها عنه محيي الدين وانتصب ابنه عبد الرحمن للحسبة والوعظِ، فأجاد فيها وسار سيرةً حسنةً، ثم كانت الحسبةُ تنتَقِلُ في بنيه الثلاثة: جمال الدين عبد الرحمن، وشرف الدين عبد الله، وتاج الدين عبد الكريم، وقد قُتِلوا معه في هذه السَّنة, ولمحيي الدين مُصَنَّف في مذهب الإمام أحمد، وذكر له ابنُ الساعي أشعارًا حسنة يهنِّئ بها الخليفةَ في المواسم والأعياد تدُلُّ على فضيلةٍ تامةٍ وفصاحةٍ بالغة، وقد وقَفَ المدرسةَ الجَوزيَّةَ بدِمشقَ، وكان كثيرَ المحفوظ قويَّ المشاركة في العلومِ، وافر الحُرمةِ، ضُرِبَت عُنُقُه هو وأولاده تاج الدين والمحتسب جمال الدين وشرف الدين مع الخليفةِ المُستَعصِم بالله عام هولاكو ببغدادَ في صَفَر.
مقتل المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين على يد التتار .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو الخليفةُ الشهيد أمير المؤمنين المستعصِم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله منصور بن الظاهر محمد بن الناصر أحمد بن المستضيء الهاشمي، العباسي، البغدادي. ولد: سنة 609, واستُخلِفَ سنة أربعينَ يومَ مَوتِ أبيه في عاشر جمادى الآخرة، وكان فاضلًا تاليًا لكتاب الله، كان مليحَ الخَطِّ، قرأ القرآن على الشيخ علي بن النيار الشافعي، ويوم خَتَمَه خلع على الشَّيخِ، وأعطي ستة آلاف دينار. ويوم خلافته بلغت الخِلَع ثلاثة عشر ألف خلعة وسبعمائة وخمسين خلعة, وكان كريمًا حليمًا، سليمَ الباطن، حَسَن الديانة. قال الشيخ قطب الدين: "كان المستعصمُ بالله متدينًا مُتمَسِّكًا بالسنَّة كأبيه وجَدِّه، ولكنه لم يكن على ما كان عليه أبوه المستنصر وجده الناصر من التيقُّظ والحزم وعلُوِّ الهمة؛ فإن المستنصر بالله كان ذا همة عالية، وشجاعةٍ وافرة، ونفسٍ أبيَّة، وعنده إقدامٌ عظيم, وكان له أخٌ يُعرَف بالخفاجي يزيدُ عليه في الشهامة والشجاعة، وكان يقول: إن ملَّكني الله الأمرَ لأعبُرَنَّ بالجيوش نهر جيحون وأنتزع البلاد من التتار واستأصلهم, فلما توفِّيَ المستنصر لم يَرَ الدويدار والشرابي والكبار تقليد الخفاجي الأمرَ، وخافوا منه، وآثروا المستعصِمَ لِمَا يعلمون من لينِه وانقياده وضَعفِ رأيه؛ ليكونَ الأمر إليهم. فأقاموا المستعصم، ثم ركَنَ إلى وزيره ابن العلقمي، فأهلك الحَرثَ والنَّسلَ، وحَسَّنَ له جمع الأموال، والاقتصارَ على بعض العساكر، وقطَعَ الأكثر, فوافقه على ذلك, وكان فيه شُحٌّ، وقلة معرفة، وعدم تدبيرٍ، وحُبٌّ للمال، وإهمالٌ للأمور. وكان يتَّكِلُ على غيره، ويُقدِمُ على ما لا يليق وعلى ما يُستقبَحُ". قال الذهبي: "كان يلعب بالحَمام، ويُهمِلُ أمر الإسلام، وابنُ العلقمي يلعَبُ به كيف أراد، ولا يُطلِعُه على الأخبار. وإذا جاءته نصيحةٌ في السر أطلع عليها ابنَ العلقمي؛ ليقضيَ الله أمرًا كان مفعولًا. حكى جمال الدين سليمان بن عبد الله بن رطلين قال: "جاء هولاكو في نحو مائتي ألف، ثم طلب الخليفةَ، فطلع ومعه القُضاة والمدرِّسون والأعيان في نحو سبعمائة نفس، فلما وصلوا إلى الحربية جاء الأمرُ بحضور الخليفة ومعه سبعة عشر نفسًا، فاتفق أن أبي كان أحدهم، فحدثني أنهم ساقوا مع الخليفة، وأنزلوا مَن بَقِيَ عن خيلهم، وضَرَبوا رقابَهم. ووقع السيف في بغداد، فعَمِلَ القتل أربعين يومًا. وأنزلوا الخليفةَ في خيمةٍ صغيرة، والسبعة عشر في خيمة. قال أبي: فكان الخليفةُ يجيء إلى عندنا كل ليلة ويقول: ادعُوا لي. قال: فاتفَقَ أنَّه نزل على خيمته طائرٌ، فطلبه هولاكو وقال: أيش عَمَلُ هذا الطائر؟ وأيش قال لك؟ ثم جرت له محاوراتٌ معه ومع ابن الخليفةِ أبي بكر. ثم أمَرَ بهما فأُخرِجا، ورفسوهما في غرارة -كيس كبير من صوف أو شعر- حتى ماتا، وكانوا يسمُّونه: الأبْلَه. توفي الخليفةُ في أواخر المحرم، وما أظنه دُفِنَ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكان الأمرُ أعظم من أن يوجَدَ مؤرخ لموته، أو موارٍ لجَسَدِه. وراح تحت السيف أممٌ لا يحصيهم أحَدٌ إلا الله، فيقال: إنَّهم أكثرُ من ألف ألف، واستغنت التتارُ إلى الأبد، وسَبَوا من النساء والولدان ما ضاق به الفَضاءُ. وقيل: إن الخليفة بقي أربعة أيام عند التتار، ثم دخل بغداد ومعه أمراء من المغول ونصير الطوسي، فأخرج إليهم من الأموال والجواهر والزركش والثياب والذخائر جملةً عظيمة، ورجَعَ ليَومِه، وقُتِلَ، وقُتِلَ ابناه أحمد وعبد الرحمن، وبَقِيَ ابنه الصغير مبارك، وأخواته فاطمة، وخديجة، ومريم، في أَسْرِ التتار"، وقُتِلَ عدد من أعمام الخليفة وأقاربه, وقيل كانت المغول بقيادة هولاكو قد أخذوه وكانوا أولًا يهابون قَتْلَه، ثم هون عليهم ابن العلقمي والطوسي قَتْلَه فقُتل, وكان عمره يومئذ ستًّا وأربعين سنة وأربعة أشهر، ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر، به انتهت الخلافة العباسية وانقضت أيامُها، وبقي الناسُ بلا خليفة فكانت أيامُ الدولة العباسية جملةً خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة.
وفاة الوزير الرافضي ابن العلقمي الذي كان سبباً في سقوط بغداد .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو الوزيرُ, المُدْبر، المُبير, وزيرُ العراق، أبو طالب مؤيد الدين محمد بن أحمد بن علي بن أبي طالب بن محمد العلقمي البغدادي، وزير المستعصم بالله. كان عنده فضيلةٌ في الإنشاء والأدب، لكنه كان رافضيًّا شيعيًّا جَلْدًا خَبيثًا داهيةً- لَعَنه اللهُ- استوزره الخليفةُ المستعصِمُ بالله سنة 642 وكان مشؤومًا على نفسِه، وعلى أهل بغداد، ورديء الطويَّة على الإسلام وأهله، ولم يُعصَم المستعصم في وزارته، فإنه لم يكن وزيرَ صِدقٍ ولا مرضيَّ الطريقة؛ فإنه هو الذي أعان على المسلمينَ في قضية هولاكو وجنوده في سقوط بغداد، وارتكاب مذبحة فيها- قبَّحه الله. وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصُلْ لِغَيرِه من الوزراء. ثم إنَّ ابنَ العلقمي عَمِلَ على ألَّا يُخطَب بالجوامِعِ، ولا تُصَلى الجماعة، وأن يبني مدرسةً على مذهب الشيعة، فلم يحصل له أمَلُه، وفُتِحَت الجوامع، وأُقِيمَت الجماعات. وقد رد كيدَه في نحرِه، وأذَلَّه بعد العزة القعساء، وصار ذليلًا عند التَّتارِ بعد ما كان وزيرًا للخُلَفاء! واكتسب إثمَ من قُتِلَ ببغداد من الرجال والنساء والأطفال، فالحُكمُ لله العليِّ الكبيرِ رَبِّ الأرض والسماء، وأراد الوزيرُ ابن العلقمي- قَبَّحه الله ولَعَنَه- أن يعَطِّلَ المساجد والمدارس والرُّبُطَ ببغداد، ويستَمِرَّ بالمَشاهد ومحالِّ الرفض، وأن يبني للرَّافضة مدرسةً هائلة ينشرون عِلمَهم بها وعليها، فلم يُقدِرْه الله تعالى على ذلك، بل أزال نعمتَه عنه وقَصَفَ عمره بعد شهورٍ يسيرةٍ مِن سقوط بغداد على أيدي المغولِ، فلم يمهِلْه اللهُ ولا أهمَلَه، بل أخذه أخذَ عزيزٍ مُقتَدِرٍ، في مستهلِّ جمادى الآخرةِ عن ثلاث وستين سنة، فمات جَهدًا وغَمًّا وحزنًا وندمًا، حيث كان يظنُّ أنَّ التَّتارَ ستُكرِمُه أكثَرَ مما كان مُكرَّمًا في بني العباس، فأخزاه الله فنَزَل من رتبةِ الوزارة إلى رتبةِ الخَدَمِ، وقد رأته يومًا امرأةٌ وهو يقادُ به وهو راكبٌ على بِرذَون، وكان قبل ذلك يسيرُ في موكبٍ وأبَّهةٍ، فقالت له: أهكذا كان يعامِلُك بنو العبَّاسِ؟!! فكانت هذه الكَلِمةُ سَببًا في زيادة كَمَدِه وغَمِّه، فوقعت كلمتُها في قلبه وانقطع في دارِه إلى أن مات كمدًا وغبينةً وضيقًا، وقِلَّة وذِلَّة، فلم يلبث بعدها يسيرًا حتى هلك- عامله اللهُ بما يستحِقُّ- ودفن في قبور الروافض، وقد سَمِعَ بأذنيه، ورأى بعينيه من الإهانةِ مِن التتارِ والمسلمينَ ما لا يُحَدُّ ولا يوصف. وكانت دولتُه أربع عشرة سنة.
وفاة الحافظ المنذري .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو الإمام العلامة الحافظ المحقِّق شيخ الإسلام: أبو محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد المنذري، الشامي الأصل، المصري، الشافعي. أصلُه من الشام وولد بمصر، وكان شيخَ الحديث بها مدةً طويلة، إليه الوِفادةُ والرحلة من سنين متطاولة، وقيل: إنه وُلِدَ بالشام في غرة شعبان، سنة 581. كان متينَ الديانة، ذا نسُك وورع وسَمت وجلالة, وسمِعَ الكثير ورحل وطلَب وعُني بهذا الشأن، حتى فاق أهلَ زَمانه فيه، قال الحافظُ الشريف عز الدين الحسيني: "درَّس شيخُنا الحافظ المنذري بالجامع الظافري، ثم وليَ مشيخةَ الدار الكامليَّة، وانقطع بها عاكفًا على العلم، وكان عديمَ النظير في علم الحديث على اختلافِ فنونه. كان ثقةً حُجَّةً متحرِّيًا زاهدًا, ثَبتًا إمامًا ورِعًا عالِمًا بصحيحِ الحديث وسقيمِه، ومعلوله وطرقه، متبحرًا في معرفة أحكامه ومعانيه ومُشكِله، قيمًا بمعرفة غريبه وإعرابه واختلافِ ألفاظه، قرأتُ عليه قطعة حسنة من حديثه، وانتفعتُ به كثيرًا". قال: الذهبي قال: شيخنا الدمياطي: "الحافظُ المنذر هو شيخي ومخرجي، أتيته مبتدئًا، وفارقته معيدًا له في الحديث" صنَّفَ وخرج، واختصر (صحيح مسلم)، و(سنن أبي داود وشرحه)، وله (كتاب الترغيب والترهيب) المشهور، وله كتاب (الجمع بين الصحيحين)، وله اليد الطولى في اللغة والفقه والتاريخ، توفي يوم السبت رابعَ ذي القعدة من هذه السنة بدار الحديث الكامليَّة بمصر، ودُفِن بالقرافة.
المغول ينذرون صاحب دمشق ويطلبون منه تسليمها .
العام الهجري : 657 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
أرسل الملك الغاشم هولاكو خان إلى المَلِك الناصر صاحِبِ دمشق يستدعيه إليه، فأرسل إليه ولَدَه العزيز وهو صغيرٌ ومعه هدايا كثيرةٌ وتُحَف، فلم يحتَفِلْ به هولاكو خان بل غضب على أبيه إذ لم يُقبِلْ إليه، وأخذ ابنُه، وقال: أنا أسير إلى بلاده بنفسي، فانزعج الناصِرُ لذلك، وبعث بحريمِه وأهله إلى الكرك ليحَصِّنَهم بها وخاف أهلُ دمشق خوفًا شديدًا، ولا سيما لما بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات، فسافر كثيرٌ منهم إلى مصر في زمن الشتاء، فمات ناسٌ كثير منهم ونُهبوا، ثم رجع العزيزُ بن الملك الناصر من عند هولاكو، وعلى يده كتابُه ونصه: الذي يعلمُ به الملك الناصر صاحب حلب أنا نحن قد فتحنا بغدادَ بسيف الله تعالى، وقتَلْنا فُرسانَها وهَدَمْنا بُنيانَها وأسَرْنا سكانها، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، واستحضرنا خليفتَها وسألناه عن كلماتٍ فكذب، فواقعه الندمُ واستوجب منا العَدَم، وكان قد جمع ذخائرَ نفيسة، وكانت نفسُه خسيسة فجمع المال ولم يعبأ بالرِّجال، وكان قد نمى ذكرُه وعظُمَ قدره، ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال، إذا وقفت على كتابي هذا، فسارع برجالِك وأموالِك وفرسانك إلى طاعةِ سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين، تأمن شرَّه وتنل خيرَه، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} ولا تعوِّقْ رُسُلَنا عندك كما عوَّقْت رسلَنا من قبل، فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بأموالِهم وحريمهم إلى كروان سراي فإن كانوا في الجبالِ نسفناها، وإن كانوا في الأرضِ خسفناها، فانزعج الناصِرُ, وبعث عندما بلغه توجه هولاكو نحو الشام بالصاحِبِ كمال الدين عمر بن العديم إلى مصر، يستنجِدُ بعَسكَرِها.
هولاكو يهدد السلطان المظفر سيف الدين قطز .
العام الهجري : 657 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
بعد أن سقطت بغدادُ بيد هولاكو زحف إلى الشَّامِ واستولى عليها وأنذر سيفَ الدين قطز حاكِمَ مِصرَ يريد بذلك إخافتَه، وذلك أنه يريد أن يُكمِلَ زَحفَه على مصر وإنهاءَ حكم المماليك بعد أن أنهى الدَّولةَ العباسيَّة، ولكن المظفَّرَ قطز كان يجهِّزُ جيشًا لملاقاتِه، ثم قدَّر الله أن يعودَ هولاكو بسبب عصيانِ الأمراءِ في بلادِه عليه فذهب وترك بعضَ عساكره في الشامِ والذين قاتَلَهم المظفر سيف الدين قطز في عينِ جالوت.
سيف الدين قطز يقبض على الملك المنصور صاحب مصر .
العام الهجري : 657 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1259
تفاصيل الحدث:
بعد أن جاءت الأخبارُ بتحَرُّك المغول إلى الشام وبَعْثهم الرسائِلَ التهديديَّة للأمراء عقَدَ الأمير سيف الدين قطز في مصر اجتماعًا حضره الفُقَهاءُ وعلى رأسِهم العِزُّ بن عبد السلام بأخذ أموالٍ مِن العامَّة لتجهيز الجيوشِ, ثم قبض قطز على الملك نور الدين عليِّ بن المعز أيبك الملقَّب بالمنصور صاحب مصر، وذلك في غيبةِ أكثر الأمراءِ مِن مماليك أبيه وغيرِهم في الصيد، فلمَّا قبض على المنصور بَعَث به وبأخيه وأمِّه إلى دمياط، واعتَقَلَهم في برج عَمَرَه وسماه برجَ السلسلة، ثم سيَّرَهم إلى بلاد الأشكري وقبض على بعضِ الأمراء واعتقَلَهم وتسلطَنَ هو وسمَّى نفسَه بالملك المظفَّر، واعتذر إلى الفُقَهاءِ والقُضاة وإلى ابن العديم الرَّسول الذي جاء من الشامِ لمساعدتهم ضِدَّ المغول، فإنه قال: لا بدَّ للناسِ مِن سلطانٍ قاهرٍ يقاتِلُ عن المسلمين عَدُوَّهم، وهذا صبيٌّ صغير لا يعرفُ تدبير المملكةِ، فكانت مدَّة المنصور سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام، وكانت قد كثُرَت مفاسد الملك المنصور علي، واستهتر في اللَّعِب وتحكَّمَت أمُّه فاضطربت الأمور، فجلس المظفَّر سيف الدين قطز على سريرٍ بقلعة الجبل يوم السبت الرابع والعشرين من ذي القعدة، وهو ثالثُ ملوك المماليك بمصر، وقطز بضم القاف والطاء المهملة وسكون الزاي، وهو لفظٌ مَغولي.
قيام حروب داخلية بين الصليبيين .
العام الهجري : 653 العام الميلادي : 1255
تفاصيل الحدث:
جرت بين الصليبيِّينَ حُروبٌ داخلية أضعَفَت قواهم بحَمدِ الله، فقامت حروبٌ بين البندقية وجنوة امتدت إلى عام 660 انضَمَّت فيها جميعُ الأحزاب المتنافرة إلى أحَدِ الجانبين وأنهكَتْهم ممَّا كان له الأثَرُ في استعادة الظاهر بيبرس في حينها أنطاكية منهم.
هولاكو يجتاح بلاد فارس ويقتل جماعة الحشاشين الإسماعيلية .
العام الهجري : 654 العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:
بعد الاتِّفاقِ المغولي على الزَّحفِ إلى بلاد الإسماعيلية وغيرها, حدث في هذه السَّنة أن استولى هولاكو على حصنينِ مِن حُصونِ الإسماعيليَّة بولاية قهستان وأمَرَ بإعدام كلِّ مَن يزيد عمره على عشرِ سنوات، ثم استولى على قلعتي ألموت وميمون دز وقبضَ على زعيمِ الإسماعيليَّة ركن الدين خورشاه وأرسَلَه إلى قره كروم عاصمة المغول، فأمر منكو زعيمُهم بقتله وقتْل أتباعِه الذين كانوا معه.
فيضانات أغرقت بغداد .
العام الهجري : 654 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:
أصاب بغدادَ غَرَقٌ عظيمٌ حتى طفح الماء من أعلى أسوارِ بغداد إليها، وغرق كثيرٌ منها، ودخل الماءُ دار الخلافة وسَطَ البلد، وانهدمت دارُ الوزير وثلاثمائة وثمانون دارًا، وانهدم مخزنُ الخليفة، وهلك مِن خزانة السلاحِ شيء كثير، وأشرف الناسُ على الهلاك وعادت السفُنُ تدخل إلى وسط البلدة، وتخترق أزقَّة بغدادَ.
احتراق المسجد النبوي الشريف .
العام الهجري : 654 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1256
تفاصيل الحدث:
في ليلةِ الجُمُعةِ مُستهَلَّ رَمَضانَ احترق المسجدُ النبوي بالمدينةِ- على ساكِنِه أفضَلُ الصلاة والسلام، ابتدأ حريقُه من زاويتِه الغربيَّة من الشمال، وكان دخل أحدُ القومةِ إلى خزانةٍ ومعه نار فعَلِقَت في الأبوابِ ثم اتصلت بالسَّقفِ بسُرعةٍ، ثم دبَّت في السقوف، وأخذت قبلةً فأعجلت النَّاسَ عن قطعها، فما كان إلا ساعةٌ حتى احترقت سقوفُ المسجِدِ أجمع، ووقعت بعض أساطينِه وذاب رصاصُها، وكلُّ ذلك قبل أن ينامَ النَّاسُ، واحترق سقف الحُجرةِ النبويَّة ووقع ما وقع منه في الحُجرة، وقد خرَّب الحريقُ المسجِدَ، ولم يُفلِتْ منه إلاَّ قبَّةُ الناصر لدين الله التي كانت في رحبتِه، وبقي على حالِه حتى شرع في عمارةِ سَقفِه وسَقفِ المسجِدِ النبوي، وأصبح الناسُ فعزلوا موضعًا للصلاة، وعُدَّ ما وقع من تلك النَّار ِالخارجة وحريقِ المسجد من جملة الآيات، وكأنها كانت منُذِرةً بما يعقُبُها في السنة الآتية من الكائناتِ، وحين بلغ المستعصِمَ العباسيَّ الخبَرُ أرسل الصنَّاعَ والآلاتِ في موسم الحج، وبدأ العمل عام 655هـ. وقد حدثت في هذا العامِ أحداثُ التتار وحروبهم، ولكِنَّ عمل البناءِ لم يتوقَّفْ؛ إذ اشترك فيه الملك المظفَّر ملك اليمن، وملك مصر نور الدين علي بن المعز الصالحي، وإن كانت العمارةُ لم تنتهِ إلا في عهد الملك الظاهر بيبرس.
فتنة بين السنة والشيعة في بغداد .
العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
وقوع فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة وأهل السنة، قال ابن كثير: "فنُهِبَ الكرخ ودُورُ الرافضة حتى دورُ قرابات الوزير ابنِ العلقمي، وأنَّ ذلك من أقوى الأسبابِ في ممالأتِه للتتار".
إسلام ملك بلاد القبجاق بركة خان المغولي .
العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
اعتنق الإسلامَ بَرَكةُ خان بن جوجي بن جنكيز خان المغولي متمَلك بلاد القبجاق, وزعيمُ القبيلة الذهبيَّة المغولية, وهو ابنُ عم هولاكو، وكذلك أسلَمَت زوجتُه ججك. أسلم بركةُ خان على يد الشَّيخِ أبو المعالي سعيد بن المطهر الباخرزي, وكان عنده ستون زوجة، فأمره باتخاذِ أربعٍ فقط وفراق الباقيات، ففعل، ورجع إلى بلاده، وأظهر شعائر الملة الإسلامية، وأسلم معه جماعةٌ من أمرائه وأهل بيته، وأخذوا في تعلُّمِ الفرائض.
بداية قصد المغول بغداد .
العام الهجري : 655 العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
جرت فتنةٌ مهولة ببغدادَ بين الناس وبين الرَّافضة، وقُتِلَ عدة من الفريقين، وعَظُم البلاء، ونهب الكرخ، فحنق ابن العلقمي الوزير الرافضي، وكاتَبَ هولاكو، وطَمَّعَه في العراق، فجاءت رسُلُ هولاكو إلى بغدادَ، وفي الباطِنِ معهم فرماناتٌ لغير واحد، وَصَلت جواسيس هولاكو إلى وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله مؤيد الدين محمد بن العلقمي الرافضي ببغداد، وتحَدَّثوا معه ووعدوا جماعةً مِن أمراء بغداد مواعيدَ، والخليفةُ لا يدري ما يتمُّ، وأيَّامُه قد ولت ثم قَوِيَ قَصدُ هولاكو بن طولو بن جنكيزخان بغداد، وبعث يطلبُ الضيافةَ مِن الخليفة فكَثُرَ الإرجافُ ببغداد، وخرج الناسُ منها إلى الأقطار، ونزل هولاكو تجاهَ دار الخلافة وملك ظاهِرَ بغداد، وقتل من الناسِ عالَمًا كثيرًا.
وفاة الملك المعز عز الدين أيبك صاحب مصر وأول سلطان مملوكي .
العام الهجري : 655 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
هو السُّلطانُ الملك المعز عِزُّ الدنيا والدين، أيبك التركماني، الصالحي الجاشنكير- جاشنكير متذوِّق طعام السلطان- صاحب مصر. لما قتل المماليكُ المعظَّم توران شاه، خَطَبوا لشجرةِ الدر أمِّ خليل أيامًا، وكانت تعلِّمُ على المناشير، وتأمُرُ وتنهى، ويُخطَبُ لها بالسلطنة. ولما وصل الخبَرُ بذلك إلى بغداد فبعث الخليفة المستعصم بالله من بغداد كتابا إلى مصر وهو ينكِرُ على الأمراء ويقولُ لهم: "إن كانت الرجالُ قد عَدِمَت عندكم فأعلِمونا حتى نسَيِّرَ إليكم رجلًا" فاجتمع الأمراءُ والبحرية للمشورة واتفقوا على إقامة الأمير عز الدين أيبك مقَدَّم العسكر في السلطنة ولقَّبوه بالملك المعز. كان المعزُّ أكبر الصالحية، دَيِّنًا عاقلًا ساكًنا، كريمًا تاركًا للشرب. ملكوه في أواخر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين، وتزوَّجَ بأم خليل، فأنِفَ من سلطنتِه جماعة، فأقاموا في الاسمِ الملك الأشرف موسى بن الناصر يوسف ابن المسعود أطسز بن السلطان الملك الكامل وله عشرُ سنين، وذلك بعد خمسة أيام، فكان التوقيع يبرز وصورته: رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزي. واستمَرَّ ذلك والأمور بيد المعز، وكان في المعِزِّ تُؤَدة ومداراة، ثم استقَلَّ بالملك بلا منازعة، وكسر الناصِرَ لَمَّا أراد أخذ الديار المصرية وقَتَلَ فارِسَ الدين أقطاي الجمدار- جمدار حامل ملابس السلطان- سنة ثنتين وخمسين، وخلع بعده الأشرفَ، واستقَلَّ بالملك وحده، وهو واقِفُ المدرسة المعزية بمصرَ ومجازُها من أحسن الأشياء. كان موتُه في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول، أصبح المعز بداره ميتًا فاتَّهَم مماليكُه زوجته شجرة الدر، وقد كان عَزَم على تزوُّجِ ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، فأمرت جواريها أن يمسِكنَه لها فما زالت تضربُه بقباقيبِها والجواري يَعركنَ في أنثَيَيه حتى مات وهو كذلك، وقيل بل أعدت له شجرة الدرِّ خمسةً ليقتلوه منهم محسن الجوجري، وخادمٌ يعرف بنصر العزيزي، ومملوكٌ يسمى سنجر، فلما كان يوم الثلاثاء ركب الملك المعز من الميدان بأرضِ اللوق، وصَعِدَ إلى قلعة الجبل آخِرَ النهار، ودخل إلى الحمام ليلًا، فأغلق عليه الباب محسن الجوجري، وغلام كان عنده شديدُ القوة ومعهما جماعة، وقتلوه بأن أخذه بعضُهم بأنثييه وبخناقه، فاستغاث المعز بشَجَرةِ الدر فقالت اتركوه، فأغلظ لها محسن الجوجري في القول، وقال لها: متى ترَكْناه لا يبقي علينا ولا عليك، ثم قتلوه، وأقامت الأتراكُ بعده ولَدَه عليًّا، بإشارةِ أكبر مماليكه الأمير سيف الدين قطز، ولَقَّبوه الملك المنصور، وخُطِبَ له على المنابر وضُرِبَت السكة باسمه وجَرَت الأمور على ما يختاره برأيه ورسمه، عاش المعِزُّ نيفًا وخمسين سنة، وكان قد مكث في الملك نحوًا من سبع سنين.
مقتل شجرة الدر بسبب قتلها زوجها الملك المعز عز الدين أيبك .
العام الهجري : 655 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
هي شجرةُ الدر الصالحيَّة بنت عبد الله أم خليل التركيَّة، ذاتُ حُسنٍ وظرف ودهاء وعقل، ونالت من العِزِّ والجاه ما لم تنَلْه امرأة في عصرها، كانت جاريةً اشتراها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وحَظِيَت عنده بمكانةٍ كبيرة، وكانت أمَّ ولدٍ عنده؛ فقد ولدت منه خليلًا، من أحسن الصور، فمات صغيرًا، وكانت تكونُ في خدمة الملك الصالحِ لا تفارقه حضرًا ولا سفرًا من شدة محبته لها, فأعتَقَها وتزوَّجَها. وكانت تقومُ بتدبير شؤون الدولة في أثناء مرض زوجِها، فلما تُوفى الملك الصالح بدمياط في أثناء حربه مع الإفرنج سنة 647 كتمت خبَرَ موته، وأرسلت إلى ابنه توران شاه ليتولى أمورَ الملك من بعده، إلَّا أن توران شاه هدَّدها، وطالبها بأموال الملك الصالح، فدبَّرت لقَتلِه، وبعد مقتَلِه اجتمعت الآراء على توليتها السلطنة في صفر سنة 648, وكان مماليك الصالح يخضعون لها، فمَلَّكوها بعد قتل المعظَّم توران شاه ثمانين يومًا، وكان المعِزُّ لا يقطع أمرًا دونها، ولها عليه صولةٌ، وكانت جريئةً وَقِحة، قتَلَت وزيرَها الأسعَدَ، وكانت تحجُر على الملك المعز، فأنِفَ من ذلك, ولما بَلَغَها عزمُ المعز الزواجَ مِن بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قتَلَتْه, ولما توفِّيَ لم يصَدِّقْ مماليك عز الدين بأنه توفي بغير سببٍ، وقام الأمير علم الدين سنجر الغتمي - وهو يومئذٍ شَوكةُ البحرية وشديدُهم- وبادر هو والمماليك إلى الدور السلطانية، وقبضوا على الخُدَّام والحريم وعاقبوهم، فأقَرُّوا بأن شجرة الدر أمرت مماليكَها بقتله، وعند ذلك قبضوا على شجرةِ الدر، ومحسن الجوجري، وناصر الدين حلاوة، وصدر الباز، وفر العزيزي إلى الشام، فأراد مماليكُ المعز قَتْلَ شجرة الدر، فحماها الصالحيَّة، ونُقِلَت إلى البرج الأحمر بالقلعة، ثم لما أقيم ابنُ المعز في السلطنة، حُمِلَت شجرةُ الدر إلى أمِّه في اليومِ السابع عشر، فضرَبَها الجواري بالقباقيبِ إلى أن ماتَت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندقِ، وليس عليها سراويل وقميص، فبَقِيَت في الخندق أيامًا، ثم دفنت بعد أيام - وقد نتنت، وحُمِلَت في قفة- بتربتها قريب المشهد النفيسي، وكانت من قُوَّةِ نَفسِها، لما عَلِمَت أنها قد أحيطَ بها، أتلفت شيئًا كثيرًا من الجواهِرِ واللآلئ، كسَّرَته في الهاون، وقد قيل إنه لما سمع مماليك عز الدين أيبك بخبر وفاته أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلةٍ غيرَ مستورةِ العورةِ.
القتال بين المماليك البحرية الذين هربوا من مصر وبين عسكر مصر .
العام الهجري : 655 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1257
تفاصيل الحدث:
وقَعَت الوحشةُ بين الملك الناصر وبين من عنده من المماليك البحريَّة، ففارقوه في شوال، وقصدوا الملك المغيثَ صاحب الكرك، فأخرج الأميرُ سيف الدين قطز العسكَرَ الصالحية، فواقعوهم في يوم السبت خامِسَ عشر ذي القعدة، وأسَرُوا الأمير سيف الدين قلاوون، والأميرَ سيف الدين بلبان الرشيدي، وقتل الأمير سيف الدين بلغان الأشرفي، وانهزم عَسكَرُ الكرك وفيهم بيبرس البندقداري، وعاد العسكرُ إلى القاهرة، فضمن الأميرُ شرف الدين قيران- المعزي وهو أستادار السلطان- الأمير قلاوون وأطلقه، فأقام قلاوون بالقاهرة قليلًا، ثم اختفى بالحُسَينية عند سيف الدين قطليجا الرومي، فزوَّدَه وسار إلى الكرك.
استيلاء المغول على بلاد الجزيرة وغيرها .
العام الهجري : 656 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
نزل هولاكو بجيشِه المغولي بعدَ مذبحةِ بغداد حرَّان واستولى عليها ومَلَك بلادَ الجزيرة، ثم سيَّرَ ولده أشموط إلى الشامِ وأمره بقطعِ الفرات وأخْذ البلاد الشامية، وسيَّرَه في جمعٍ كثيف من التتار فوصَلَ أشموط إلى نهرِ الجوز وتل باشر، ووصل الخبَرَ إلى حلب من البيرة بذلك، وكان نائبُ السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه، فجفَل النَّاسُ بين يدي التتارِ إلى جهة دمشق وعظم الخطب، واجتمع الناسُ من كلِّ فجٍّ عند الملك الناصر بدمشق، واحترز الملك المعظَّم توران شاه بن الملك الناصر بحَلَب غاية الاحتراز، وكذلك جميعُ نوَّاب البلاد الحلبيَّة، وصارت حَلَب في غاية الحصانة بأسوارها المحكَمة البناءِ وكثرة الآلات، فلمَّا كان العشر الأخير من ذي الحِجَّة قصد التتارُ حَلَب ونزلوا على قريةٍ يقال لها سلميَّة وامتَدُّوا إلى حيلان والحادي، وسيَّروا جماعةً مِن عَسكَرِهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكرُ حلب ومعهم خلقٌ عظيم من العوام والسُّوقة، وأشرفوا على التتار وهم نازلونَ على هذه الأماكِنِ، وقد رَكِبوا جميعُهم لانتظار المسلمينَ، فلمَّا تحقَّق المسلمون كثرتَهم كَرُّوا راجعين إلى المدينة، فرسم المَلِكُ المعظَّم بعد ذلك ألا يخرُجَ أحد من المدينة، ولما كان غدُ هذا اليوم رحلت التتارُ من منازلهم طالبين مدينةَ حلب، واجتمع عسكرُ المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتَمِدونه، فأشار عليهم الملك المعظَّم أنهم لا يخرجون أصلًا لكثرة التتار ولقوَّتهم وضعف المسلمين على لقائهم، فلم يوافِقْه جماعة من العسكر وأبوا إلَّا الخروج إلى ظاهر البلد لئلَّا يطمع العدو فيهم، فخرج العسكرُ إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوامُّ والسوقة، واجتمع الجميعُ بجبل بانقوسا، ووصل جمع التتار إلى أسفَلِ الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتِلوهم، فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرًا منهم وخديعةً، فتبعهم عسكرُ حلب ساعةً من النهار، ثم كرَّ التتار عليهم فوَلَّوا منهزمينَ إلى جهة البلد والتتارُ في أثرهم، فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلُّهم نحو البلد والتتار في أعقابِهم، فقتلوا من المسلمينَ جمعًا كثيرًا من الجند والعوام، ونازل التتارُ المدينة في ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا طالبينَ أعزاز فتسَلَّموها بالأمانِ.
وفاة أبي الحسن الشاذلي مؤسس الطريقة الصوفية الشاذلية .
العام الهجري : 656 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو شَيخُ الطائفة الشاذليَّة الزاهد أبو الحَسَن علي بن عبد الله بن عبد الجبَّار بن تميم المغربي الشاذلي المالكي، نزيلُ الإسكندرية، مؤسِّس الطريقة الصوفيَّة المشهورة بالشاذليَّة، ولد في غمارة قرب سبتة بالمغرب، وفيها نشأ وتعلم، رافق أبا القاسم الجُنَيد البغداديَّ الصوفيَّ، فأخذ عنه التصوفَ، ثم اتخذ في تونس رباطًا له في جبل وبدأ ينشُرُ أفكاره في بلدة شاذلة القريبةِ مِن رباطه فكَثُرَ أتباعه، ثم نُفِيَ إلى مصر واستقَرَّ في الإسكندرية، وتبعه خلقٌ كثير في مصر والشام. قال الذهبي: "وقد انتسَبَ في بعض مؤلفاته في التصوُّف إلى علي بن أبي طالب، وكان الأولى به تركَه هذا الانتسابَ وتَرْكَ كثيرٍ ممَّا قاله في تواليفِه من الحقيقة، وهو رجلٌ كبيرُ القدر، كثيرُ الكلام، عالي المقام. له شِعرٌ ونَثرٌ فيه متشابهات وعبارات، يُتكَلَّف له في الاعتذار عنها. ورأيت شيخنا عمادَ الدين قد فتَرَ عنه في الآخر، وبَقِيَ واقفًا في عباراته، حائرًا في الرجل؛ لأنه كان قد تصَوَّف على طريقتِه، وكان الشاذلي ضريرًا، ولخلقٍ فيه اعتقاد كبير". له تصانيف منها (عمدة السالك على مذهب الإمام مالك) وله (التسلي والتصبر على ما قضاه الله من أحكام التجبر والتكبر) وله أحزابٌ خاصة به، منها (الحزب الكبير) أو حزب البِرِّ، وحزب البحر، وحزب الإخفاء، وحزب النصر، وحزب الطمس على عيون الأعداء، وحزب اللطف وغيرها، توفي في حميترة من صحراء عيذاب في صعيد مصر، وفيها دفن.
سقوط بغداد على يد هولاكو قائد المغول .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
كان الوزيرُ ابن العلقمي يجتَهِدُ في صرف الجيوش وإسقاطِ اسمِهم من الديوان، فكانت العساكِرُ في آخر أيام المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل، منهم من الأمراء ومن هو كالملوك الأكابر الأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلِهم إلى أن لم يبقَ سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتارَ وأطمعهم في أخذِ البلاد، وسَهَّل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقةَ الحال، وكشَفَ لهم ضعف الرجال، وذلك كلُّه طمعًا منه أن يزيل السُّنَّة بالكُلِّيَّة، وأن يُظهِرَ البِدعةَ الرَّافضية، وأن يقيمَ خليفةً مِن الفاطميِّينَ، وأن يُبيدَ العلماء والمُفتين- والله غالبٌ على أمرِه- كانت الفِتَنُ قد استعرت بين السُّنة والرافضة في بغداد حتى تجالَدوا بالسيوف، وشكا أهلُ باب البصرة إلى الأمير ركن الدين الدويدار والأمير أبي بكر بن الخليفة فتَقَدَّما إلى الجند بنَهبِ الكرخ، فهَجَموه ونهبوا وقتلوا، وارتكبوا من الشنعة العظائم، فحنق ابنُ العلقمي ونوى الشرَّ، وأمر أهل الكرخ بالصَّبرِ والكف. فمالأ- قبَّحَه اللهُ- على الإسلامِ وأهلِه المغولَ الكَفَرةَ وزَعيمَهم هولاكو، حتى فعل ما فعل بالإسلامِ وأهلِه، خاصة في بغداد- عليه من الله ما يستحقُّ- كان قدوم هولاكو بجنوده كلها- وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل- إلى بغداد في ثاني عشرَ المحرم من هذه السنة، وجاءت إليهم أمدادُ صاحب الموصل يساعِدونَهم على أهل بغداد, وميرته وهداياه وتُحَفه، وكل ذلك خوفًا على نفسه مِن التتار، ومصانعةً لهم، وقد سُتِرَت بغداد ونُصِبَت فيها المجانيق والعرادات وغيرها من آلات الممانعة، فأحاطوا ببغدادَ مِن ناحيتها الغربيَّة والشرقية، وجيوش بغداد في غايةِ القِلَّة ونهاية الذِّلَّة، لا يبلغونَ عَشرةَ آلاف فارس، وهم وبقيَّة الجيش، كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتِهم وذلك كلُّه عن آراء الوزيرِ ابن العلقميِّ الرافضي، الذي دبَّر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيعِ، الذي لم يؤرخ أبشَعُ منه منذ بُنِيَت بغداد، وكان أوَّلَ مَن برز إلى التتار هو، فخرج بأهلِه وأصحابِه وخَدَمِه وحَشَمِه، فاجتمع بالسلطانِ هولاكو خان- لعنه الله- ثم عاد فأشار على الخليفةِ بالخروجِ إليه والمثول بين يديه لتقَعَ المصالحة على أن يكون نِصفُ خراج العراق لهم ونِصفُه للخليفة، فخرج الخليفةُ في سبعمائة راكبٍ مِن القضاة والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان، فلما اقتَرَبوا من منزل السلطان هولاكو خان حُجِبوا عن الخليفةِ إلا سبعة عشر نفسًا، فخَلَص الخليفة بهؤلاء المذكورين، وأُنزِلَ الباقون عن مراكبهم فنُهِبَت وقُتِلوا عن آخرهم، وأُحضِرَ الخليفة بين يدي هولاكو فسأله عن أشياء كثيرة، فيقال: إنَّه اضطرب كلامُ الخليفة من هَولِ ما رأى من الإهانةِ والجبروت، ثم عاد إلى بغداد وفي صُحبَتِه خوجه نصير الدين الطوسي، والوزير ابن العلقمي وغيرهما، والخليفةُ تحت الحوطة والمصادرة، فأحضَرَ مِن دار الخلافة شيئًا كثيرًا مِن الذهب والحُلِيِّ والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة، وقد أشار أولئك الملأ من الرَّافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو ألَّا يصالح الخليفة، وقال الوزير: متى وقع الصلحُ على المناصفة لا يستمِرُّ هذا إلا عامًا أو عامين، ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحَسَّنوا له قتل الخليفة، فلما عاد الخليفةُ إلى السلطان هولاكو أمر بقَتلِه، ويقال: إن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي، والمولى نصير الدين الطوسي، وكان النصيرُ عند هولاكو قد استصحبه في خدمَتِه لما فتح قلاع ألموت التي للإسماعيلية، وانتزعها من أيديهم، وانتخب هولاكو الطوسيَّ ليكون في خدمته كالوزير المشير، فلما قَدِمَ هولاكو وتهيبَ مِن قَتلِ الخليفة هَوَّن عليه الوزير ذلك فقتلوه، فباؤُوا بإثمِه وإثم من كان معه من ساداتِ العُلَماءِ والقُضاة والأكابر والرؤساء والأمراء وأولي الحَلِّ والعقد ببلاده، ومالوا على البلد فقَتَلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبَّان، ودخل كثيرٌ من الناس في الآبار وأماكِنِ الحشوش، وقنى الوسَخِ، وكَمَنوا كذلك أيامًا لا يظهرون، وكان الجماعةُ مِن الناس يجتمعون إلى الخانات ويُغلِقونَ عليهم الأبواب فتفتحها التتارُ إمَّا بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلونَ عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنةِ فيقتلونهم بالأسطُحِ، حتى تجري الميازيب من الدماءِ في الأزقة، فإنا لله وإنا إليه راجعون!! وكذلك في المساجد والجوامع والرُّبُط، ولم ينجُ منهم أحد سوى أهل الذمَّة من اليهود والنصارى ومَن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي، وطائفةٌ مِن التجَّار أخذوا لهم أمانًا، بذلوا عليه أموالًا جزيلةً حتى سَلِموا وسَلِمَت أموالهم، وعادت بغدادُ بعد ما كانت آنَسَ المدن كلِّها كأنها خرابٌ ليس فيها إلا القليلُ مِن الناس، وهم في خوفٍ وجوعٍ وذِلَّة وقلة! وكان دخولهم إلى بغداد في أواخِرِ المحرم، وما زال السيف يقتُلُ أهلَها أربعينَ يومًا، وكان الرجلُ من بني العباس يُستدعى به مِن دار الخلافة فيخرج بأولادِه ونسائه فيُذهَبُ به إلى مَقبرةِ الخَلَّال تجاه المنظرة فيُذبَحُ كما تُذبَحُ الشاة، ويؤسَرُ من يختارون من بناتِه وجواريه، وتعطَّلَت المساجد والجمع والجمعات مدة شهورٍ ببغداد، ولما انقضى الأمرُ المقَدَّر وانقضت الأربعون يومًا بقيت بغداد خاويةً على عروشها ليس بها أحَدٌ إلا الشاذُّ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطَرُ فتغيرت صُوَرُهم وأنتنت من جِيَفِهم البلد، وتغيَّرَ الهواء فحصل بسببه الوباءُ الشديد حتى تعدى وسرى في الهواءِ إلى بلاد الشام، فمات خلقٌ كثير من تغيُّرِ الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاءُ والوَباءُ والفَناء والطعن والطاعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولما نودي ببغداد بالأمانِ خرج من تحت الأرضِ مَن كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نُبِشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضُهم بعضًا، فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباءُ الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقَهم من القتلى، واجتمعوا تحت الثرى بأمرِ الذي يعلَمُ السر َّوأخفى، اللهُ لا إلهَ إلا هو له الأسماءُ الحسنى. حكى جمال الدين سليمان بن عبد الله بن رطلين قال: "لما قُتِلَ الخليفة, وأَطلَقَ المغول السبعة عشر الذين كانوا معه وكان أبي معهم، قُتِلَ منهم رجلان وطلب الباقونَ بيوتهم فوجدوها بلاقِعَ. فأتوا المدرسةَ المغيثية، وقد كُنتُ ظَهرتُ مِن مخبئي, فبقيت أسألُ عن أبي، فدُلِلْتُ عليه، فأتيتُه وهو ورفاقه، فسَلَّمت عليهم، فلم يعرفني أحدٌ منهم، وقالوا: ما تريد؟ قلت: أريدُ فخر الدين ابن رطلين. وقد عرفتُه، فالتفَتَ إليَّ وقال: ما تريد منه؟ قلت: أنا ولَدُه. فنظر إليَّ وتحقَّقني، فلما عرفني بكى!!". كان رحيل هولاكو خان عن بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر مُلكِه، وفوَّضَ أمر بغداد إلى الأمير علي بهادر، فوَّضَ إليه الشحنكية بها وإلى الوزير ابن العلقمي الذي مات بعد أشهرٍ من هذه الحادثةِ غَمًّا وكَمَدًا, فولي بعده الوزارة ولدُه عز الدين بن الفضل محمد، فألحقه اللهُ بأبيه في بقيَّة هذا العام.
وفاة القاضي محيي الدين يوسف بن الجوزي واقف المدرسة الجوزية .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو أستاذ دار الخلافة الصاحِبُ القاضي محيي الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حماد بن أحمد بن يعقوب بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النصر بن محمد بن أبي بكر الصديق، المعروفُ بابنِ الجوزيِّ القرشيِّ التيمي البكري البغدادي الحنبلي، ولد في ذي القعدة سنة 580 ونشأ شابًّا حسنًا وحين توفِّيَ والِدُه وعَظَ في موضعه فأجاد وأحسن وأفاد، ثم تقَدَّمَ وولِيَ حِسبةَ بغداد مع الوَعظِ الرائِقِ والأشعار الحسنة الرائعة، وولي تدريسَ الحنابلة بالمستنصرية سنة 632 وكانت له مدارس أخرى، صار محيي الدين رسولَ الخلفاءِ إلى الملوكِ بأطرافِ البلادِ ولا سيَّما إلى بني أيوبَ بالشَّامِ وقد حصل منهم من الأموالِ والكراماتِ ما ابتغى من ذلك بناءَ المدرسة الجوزيَّة التي بالنشابين بدمشق, ولما وَلِيَ مؤيِّدُ الدين بن العلقمي الوزارةَ سنة 640 وشغر عنه الأستادارية، وَلِيَها عنه محيي الدين وانتصب ابنه عبد الرحمن للحسبة والوعظِ، فأجاد فيها وسار سيرةً حسنةً، ثم كانت الحسبةُ تنتَقِلُ في بنيه الثلاثة: جمال الدين عبد الرحمن، وشرف الدين عبد الله، وتاج الدين عبد الكريم، وقد قُتِلوا معه في هذه السَّنة, ولمحيي الدين مُصَنَّف في مذهب الإمام أحمد، وذكر له ابنُ الساعي أشعارًا حسنة يهنِّئ بها الخليفةَ في المواسم والأعياد تدُلُّ على فضيلةٍ تامةٍ وفصاحةٍ بالغة، وقد وقَفَ المدرسةَ الجَوزيَّةَ بدِمشقَ، وكان كثيرَ المحفوظ قويَّ المشاركة في العلومِ، وافر الحُرمةِ، ضُرِبَت عُنُقُه هو وأولاده تاج الدين والمحتسب جمال الدين وشرف الدين مع الخليفةِ المُستَعصِم بالله عام هولاكو ببغدادَ في صَفَر.
مقتل المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين على يد التتار .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو الخليفةُ الشهيد أمير المؤمنين المستعصِم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله منصور بن الظاهر محمد بن الناصر أحمد بن المستضيء الهاشمي، العباسي، البغدادي. ولد: سنة 609, واستُخلِفَ سنة أربعينَ يومَ مَوتِ أبيه في عاشر جمادى الآخرة، وكان فاضلًا تاليًا لكتاب الله، كان مليحَ الخَطِّ، قرأ القرآن على الشيخ علي بن النيار الشافعي، ويوم خَتَمَه خلع على الشَّيخِ، وأعطي ستة آلاف دينار. ويوم خلافته بلغت الخِلَع ثلاثة عشر ألف خلعة وسبعمائة وخمسين خلعة, وكان كريمًا حليمًا، سليمَ الباطن، حَسَن الديانة. قال الشيخ قطب الدين: "كان المستعصمُ بالله متدينًا مُتمَسِّكًا بالسنَّة كأبيه وجَدِّه، ولكنه لم يكن على ما كان عليه أبوه المستنصر وجده الناصر من التيقُّظ والحزم وعلُوِّ الهمة؛ فإن المستنصر بالله كان ذا همة عالية، وشجاعةٍ وافرة، ونفسٍ أبيَّة، وعنده إقدامٌ عظيم, وكان له أخٌ يُعرَف بالخفاجي يزيدُ عليه في الشهامة والشجاعة، وكان يقول: إن ملَّكني الله الأمرَ لأعبُرَنَّ بالجيوش نهر جيحون وأنتزع البلاد من التتار واستأصلهم, فلما توفِّيَ المستنصر لم يَرَ الدويدار والشرابي والكبار تقليد الخفاجي الأمرَ، وخافوا منه، وآثروا المستعصِمَ لِمَا يعلمون من لينِه وانقياده وضَعفِ رأيه؛ ليكونَ الأمر إليهم. فأقاموا المستعصم، ثم ركَنَ إلى وزيره ابن العلقمي، فأهلك الحَرثَ والنَّسلَ، وحَسَّنَ له جمع الأموال، والاقتصارَ على بعض العساكر، وقطَعَ الأكثر, فوافقه على ذلك, وكان فيه شُحٌّ، وقلة معرفة، وعدم تدبيرٍ، وحُبٌّ للمال، وإهمالٌ للأمور. وكان يتَّكِلُ على غيره، ويُقدِمُ على ما لا يليق وعلى ما يُستقبَحُ". قال الذهبي: "كان يلعب بالحَمام، ويُهمِلُ أمر الإسلام، وابنُ العلقمي يلعَبُ به كيف أراد، ولا يُطلِعُه على الأخبار. وإذا جاءته نصيحةٌ في السر أطلع عليها ابنَ العلقمي؛ ليقضيَ الله أمرًا كان مفعولًا. حكى جمال الدين سليمان بن عبد الله بن رطلين قال: "جاء هولاكو في نحو مائتي ألف، ثم طلب الخليفةَ، فطلع ومعه القُضاة والمدرِّسون والأعيان في نحو سبعمائة نفس، فلما وصلوا إلى الحربية جاء الأمرُ بحضور الخليفة ومعه سبعة عشر نفسًا، فاتفق أن أبي كان أحدهم، فحدثني أنهم ساقوا مع الخليفة، وأنزلوا مَن بَقِيَ عن خيلهم، وضَرَبوا رقابَهم. ووقع السيف في بغداد، فعَمِلَ القتل أربعين يومًا. وأنزلوا الخليفةَ في خيمةٍ صغيرة، والسبعة عشر في خيمة. قال أبي: فكان الخليفةُ يجيء إلى عندنا كل ليلة ويقول: ادعُوا لي. قال: فاتفَقَ أنَّه نزل على خيمته طائرٌ، فطلبه هولاكو وقال: أيش عَمَلُ هذا الطائر؟ وأيش قال لك؟ ثم جرت له محاوراتٌ معه ومع ابن الخليفةِ أبي بكر. ثم أمَرَ بهما فأُخرِجا، ورفسوهما في غرارة -كيس كبير من صوف أو شعر- حتى ماتا، وكانوا يسمُّونه: الأبْلَه. توفي الخليفةُ في أواخر المحرم، وما أظنه دُفِنَ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكان الأمرُ أعظم من أن يوجَدَ مؤرخ لموته، أو موارٍ لجَسَدِه. وراح تحت السيف أممٌ لا يحصيهم أحَدٌ إلا الله، فيقال: إنَّهم أكثرُ من ألف ألف، واستغنت التتارُ إلى الأبد، وسَبَوا من النساء والولدان ما ضاق به الفَضاءُ. وقيل: إن الخليفة بقي أربعة أيام عند التتار، ثم دخل بغداد ومعه أمراء من المغول ونصير الطوسي، فأخرج إليهم من الأموال والجواهر والزركش والثياب والذخائر جملةً عظيمة، ورجَعَ ليَومِه، وقُتِلَ، وقُتِلَ ابناه أحمد وعبد الرحمن، وبَقِيَ ابنه الصغير مبارك، وأخواته فاطمة، وخديجة، ومريم، في أَسْرِ التتار"، وقُتِلَ عدد من أعمام الخليفة وأقاربه, وقيل كانت المغول بقيادة هولاكو قد أخذوه وكانوا أولًا يهابون قَتْلَه، ثم هون عليهم ابن العلقمي والطوسي قَتْلَه فقُتل, وكان عمره يومئذ ستًّا وأربعين سنة وأربعة أشهر، ومدة خلافته خمس عشرة سنة وثمانية أشهر، به انتهت الخلافة العباسية وانقضت أيامُها، وبقي الناسُ بلا خليفة فكانت أيامُ الدولة العباسية جملةً خمسمائة سنة وأربع وعشرون سنة.
وفاة الوزير الرافضي ابن العلقمي الذي كان سبباً في سقوط بغداد .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو الوزيرُ, المُدْبر، المُبير, وزيرُ العراق، أبو طالب مؤيد الدين محمد بن أحمد بن علي بن أبي طالب بن محمد العلقمي البغدادي، وزير المستعصم بالله. كان عنده فضيلةٌ في الإنشاء والأدب، لكنه كان رافضيًّا شيعيًّا جَلْدًا خَبيثًا داهيةً- لَعَنه اللهُ- استوزره الخليفةُ المستعصِمُ بالله سنة 642 وكان مشؤومًا على نفسِه، وعلى أهل بغداد، ورديء الطويَّة على الإسلام وأهله، ولم يُعصَم المستعصم في وزارته، فإنه لم يكن وزيرَ صِدقٍ ولا مرضيَّ الطريقة؛ فإنه هو الذي أعان على المسلمينَ في قضية هولاكو وجنوده في سقوط بغداد، وارتكاب مذبحة فيها- قبَّحه الله. وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصُلْ لِغَيرِه من الوزراء. ثم إنَّ ابنَ العلقمي عَمِلَ على ألَّا يُخطَب بالجوامِعِ، ولا تُصَلى الجماعة، وأن يبني مدرسةً على مذهب الشيعة، فلم يحصل له أمَلُه، وفُتِحَت الجوامع، وأُقِيمَت الجماعات. وقد رد كيدَه في نحرِه، وأذَلَّه بعد العزة القعساء، وصار ذليلًا عند التَّتارِ بعد ما كان وزيرًا للخُلَفاء! واكتسب إثمَ من قُتِلَ ببغداد من الرجال والنساء والأطفال، فالحُكمُ لله العليِّ الكبيرِ رَبِّ الأرض والسماء، وأراد الوزيرُ ابن العلقمي- قَبَّحه الله ولَعَنَه- أن يعَطِّلَ المساجد والمدارس والرُّبُطَ ببغداد، ويستَمِرَّ بالمَشاهد ومحالِّ الرفض، وأن يبني للرَّافضة مدرسةً هائلة ينشرون عِلمَهم بها وعليها، فلم يُقدِرْه الله تعالى على ذلك، بل أزال نعمتَه عنه وقَصَفَ عمره بعد شهورٍ يسيرةٍ مِن سقوط بغداد على أيدي المغولِ، فلم يمهِلْه اللهُ ولا أهمَلَه، بل أخذه أخذَ عزيزٍ مُقتَدِرٍ، في مستهلِّ جمادى الآخرةِ عن ثلاث وستين سنة، فمات جَهدًا وغَمًّا وحزنًا وندمًا، حيث كان يظنُّ أنَّ التَّتارَ ستُكرِمُه أكثَرَ مما كان مُكرَّمًا في بني العباس، فأخزاه الله فنَزَل من رتبةِ الوزارة إلى رتبةِ الخَدَمِ، وقد رأته يومًا امرأةٌ وهو يقادُ به وهو راكبٌ على بِرذَون، وكان قبل ذلك يسيرُ في موكبٍ وأبَّهةٍ، فقالت له: أهكذا كان يعامِلُك بنو العبَّاسِ؟!! فكانت هذه الكَلِمةُ سَببًا في زيادة كَمَدِه وغَمِّه، فوقعت كلمتُها في قلبه وانقطع في دارِه إلى أن مات كمدًا وغبينةً وضيقًا، وقِلَّة وذِلَّة، فلم يلبث بعدها يسيرًا حتى هلك- عامله اللهُ بما يستحِقُّ- ودفن في قبور الروافض، وقد سَمِعَ بأذنيه، ورأى بعينيه من الإهانةِ مِن التتارِ والمسلمينَ ما لا يُحَدُّ ولا يوصف. وكانت دولتُه أربع عشرة سنة.
وفاة الحافظ المنذري .
العام الهجري : 656 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
هو الإمام العلامة الحافظ المحقِّق شيخ الإسلام: أبو محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد المنذري، الشامي الأصل، المصري، الشافعي. أصلُه من الشام وولد بمصر، وكان شيخَ الحديث بها مدةً طويلة، إليه الوِفادةُ والرحلة من سنين متطاولة، وقيل: إنه وُلِدَ بالشام في غرة شعبان، سنة 581. كان متينَ الديانة، ذا نسُك وورع وسَمت وجلالة, وسمِعَ الكثير ورحل وطلَب وعُني بهذا الشأن، حتى فاق أهلَ زَمانه فيه، قال الحافظُ الشريف عز الدين الحسيني: "درَّس شيخُنا الحافظ المنذري بالجامع الظافري، ثم وليَ مشيخةَ الدار الكامليَّة، وانقطع بها عاكفًا على العلم، وكان عديمَ النظير في علم الحديث على اختلافِ فنونه. كان ثقةً حُجَّةً متحرِّيًا زاهدًا, ثَبتًا إمامًا ورِعًا عالِمًا بصحيحِ الحديث وسقيمِه، ومعلوله وطرقه، متبحرًا في معرفة أحكامه ومعانيه ومُشكِله، قيمًا بمعرفة غريبه وإعرابه واختلافِ ألفاظه، قرأتُ عليه قطعة حسنة من حديثه، وانتفعتُ به كثيرًا". قال: الذهبي قال: شيخنا الدمياطي: "الحافظُ المنذر هو شيخي ومخرجي، أتيته مبتدئًا، وفارقته معيدًا له في الحديث" صنَّفَ وخرج، واختصر (صحيح مسلم)، و(سنن أبي داود وشرحه)، وله (كتاب الترغيب والترهيب) المشهور، وله كتاب (الجمع بين الصحيحين)، وله اليد الطولى في اللغة والفقه والتاريخ، توفي يوم السبت رابعَ ذي القعدة من هذه السنة بدار الحديث الكامليَّة بمصر، ودُفِن بالقرافة.
المغول ينذرون صاحب دمشق ويطلبون منه تسليمها .
العام الهجري : 657 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
أرسل الملك الغاشم هولاكو خان إلى المَلِك الناصر صاحِبِ دمشق يستدعيه إليه، فأرسل إليه ولَدَه العزيز وهو صغيرٌ ومعه هدايا كثيرةٌ وتُحَف، فلم يحتَفِلْ به هولاكو خان بل غضب على أبيه إذ لم يُقبِلْ إليه، وأخذ ابنُه، وقال: أنا أسير إلى بلاده بنفسي، فانزعج الناصِرُ لذلك، وبعث بحريمِه وأهله إلى الكرك ليحَصِّنَهم بها وخاف أهلُ دمشق خوفًا شديدًا، ولا سيما لما بلغهم أن التتار قد قطعوا الفرات، فسافر كثيرٌ منهم إلى مصر في زمن الشتاء، فمات ناسٌ كثير منهم ونُهبوا، ثم رجع العزيزُ بن الملك الناصر من عند هولاكو، وعلى يده كتابُه ونصه: الذي يعلمُ به الملك الناصر صاحب حلب أنا نحن قد فتحنا بغدادَ بسيف الله تعالى، وقتَلْنا فُرسانَها وهَدَمْنا بُنيانَها وأسَرْنا سكانها، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}، واستحضرنا خليفتَها وسألناه عن كلماتٍ فكذب، فواقعه الندمُ واستوجب منا العَدَم، وكان قد جمع ذخائرَ نفيسة، وكانت نفسُه خسيسة فجمع المال ولم يعبأ بالرِّجال، وكان قد نمى ذكرُه وعظُمَ قدره، ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال، إذا وقفت على كتابي هذا، فسارع برجالِك وأموالِك وفرسانك إلى طاعةِ سلطان الأرض شاهنشاه روي زمين، تأمن شرَّه وتنل خيرَه، كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} ولا تعوِّقْ رُسُلَنا عندك كما عوَّقْت رسلَنا من قبل، فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ، وقد بلغنا أن تجار الشام وغيرهم انهزموا بأموالِهم وحريمهم إلى كروان سراي فإن كانوا في الجبالِ نسفناها، وإن كانوا في الأرضِ خسفناها، فانزعج الناصِرُ, وبعث عندما بلغه توجه هولاكو نحو الشام بالصاحِبِ كمال الدين عمر بن العديم إلى مصر، يستنجِدُ بعَسكَرِها.
هولاكو يهدد السلطان المظفر سيف الدين قطز .
العام الهجري : 657 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:
بعد أن سقطت بغدادُ بيد هولاكو زحف إلى الشَّامِ واستولى عليها وأنذر سيفَ الدين قطز حاكِمَ مِصرَ يريد بذلك إخافتَه، وذلك أنه يريد أن يُكمِلَ زَحفَه على مصر وإنهاءَ حكم المماليك بعد أن أنهى الدَّولةَ العباسيَّة، ولكن المظفَّرَ قطز كان يجهِّزُ جيشًا لملاقاتِه، ثم قدَّر الله أن يعودَ هولاكو بسبب عصيانِ الأمراءِ في بلادِه عليه فذهب وترك بعضَ عساكره في الشامِ والذين قاتَلَهم المظفر سيف الدين قطز في عينِ جالوت.
سيف الدين قطز يقبض على الملك المنصور صاحب مصر .
العام الهجري : 657 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1259
تفاصيل الحدث:
بعد أن جاءت الأخبارُ بتحَرُّك المغول إلى الشام وبَعْثهم الرسائِلَ التهديديَّة للأمراء عقَدَ الأمير سيف الدين قطز في مصر اجتماعًا حضره الفُقَهاءُ وعلى رأسِهم العِزُّ بن عبد السلام بأخذ أموالٍ مِن العامَّة لتجهيز الجيوشِ, ثم قبض قطز على الملك نور الدين عليِّ بن المعز أيبك الملقَّب بالمنصور صاحب مصر، وذلك في غيبةِ أكثر الأمراءِ مِن مماليك أبيه وغيرِهم في الصيد، فلمَّا قبض على المنصور بَعَث به وبأخيه وأمِّه إلى دمياط، واعتَقَلَهم في برج عَمَرَه وسماه برجَ السلسلة، ثم سيَّرَهم إلى بلاد الأشكري وقبض على بعضِ الأمراء واعتقَلَهم وتسلطَنَ هو وسمَّى نفسَه بالملك المظفَّر، واعتذر إلى الفُقَهاءِ والقُضاة وإلى ابن العديم الرَّسول الذي جاء من الشامِ لمساعدتهم ضِدَّ المغول، فإنه قال: لا بدَّ للناسِ مِن سلطانٍ قاهرٍ يقاتِلُ عن المسلمين عَدُوَّهم، وهذا صبيٌّ صغير لا يعرفُ تدبير المملكةِ، فكانت مدَّة المنصور سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام، وكانت قد كثُرَت مفاسد الملك المنصور علي، واستهتر في اللَّعِب وتحكَّمَت أمُّه فاضطربت الأمور، فجلس المظفَّر سيف الدين قطز على سريرٍ بقلعة الجبل يوم السبت الرابع والعشرين من ذي القعدة، وهو ثالثُ ملوك المماليك بمصر، وقطز بضم القاف والطاء المهملة وسكون الزاي، وهو لفظٌ مَغولي.
================
133.
اتفاق أحوال عجيبة في ولاية الأمر بالشام .
العام الهجري : 658 العام الميلادي : 1259
تفاصيل الحدث:
اتَّفَق في هذا العام أمورٌ عجيبة، وهي أن أوَّلَ هذه السنة كانت الشامُ للسلطان الناصر بن العزيز، ثمَّ في النصف من صفر صارت لهولاكو مَلِك التتار، ثمَّ في آخر رمضان صارت للمظَفَّر قطز، ثمَّ في أواخر ذي القَعدة صارت للظاهِرِ بيبرس، وقد شاركه في دمشقَ الملك المجاهد سنجر، وكذلك كان القضاءُ في أولها بالشام لابن سنى الدولة صدر الدين، ثم صار للكمال عمر التفليسي من جهة هولاكو، ثم لابن الزكي ثم لنجم الدين بن سنى الدولة.
محاولة انقلاب فاشلة على المظفر سيف الدين قطز سلطان مصر .
العام الهجري : 658 العام الميلادي : 1259
تفاصيل الحدث:
ثار جماعةٌ مِن السودان والركبدارية والغِلمان على حاكِمِ مِصرَ السُّلطان سيفُ الدين قطز، وفتحوا دكاكينَ السيوفيِّين بين القصرين وأخذوا ما فيها من السِّلاحِ، واقتحموا اصطبلات الأجناد وأخذوا منها الخيولَ، وكان الحامِلُ لهم على هذا رجلٌ يعرف بالكوراني، أظهَرَ الزُّهدَ بيَدِه سبحةٌ وسكن قبة بالجبل، وتردَّد إليه الغلمان فحَدَّثَهم في القيام على أهل الدولة، وأقطعهم الإقطاعاتِ وكتب لهم بها رقاعًا، فلما ثاروا في الليل ركب العسكرُ وأحاطوا بهم وربطوهم، فأصبحوا مصلَّبينَ، خارج باب زويلة، وسكَنَت الثائرةُ.
سقوط حلب بيد المغول واستباحتها .
العام الهجري : 658 العام الميلادي : 1259
تفاصيل الحدث:
كان التتارُ قد نزلوا على حَلَب في ذي القعدة سنة 556 ولم يدخُلوها, ثم عادوا إليها في ثاني صفر مِن هذه السَّنة, وحاصروها حتى استولَوا عليها في تاسِع صَفَر بالأمان، فلمَّا مَلَكوها غَدَروا بأهل حلب وقتَلوا ونَهَبوا وسَبَوا وفعلوا تلك الأفعالَ القبيحة على عادةِ فِعلِهم.
كيف استهلت أول سنة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العباسية .
العام الهجري : 658 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:
استهلَّت هذه السَّنةُ بيوم الخميسِ، وليس للناس خليفةٌ، ومُلك العراقين وخراسان وغيرها من بلاد المشرق للطاغية هولاكو خان ملك التَّتار، وسُلطان ديار مصرَ للمظفَّر سيف الدين قطز، مملوكِ المعزِّ أيبك التركماني، وسلطانُ دمشقَ وحَلَب للملك الناصر بن العزيز بن الظاهر، وبلادُ الكرك والشوبك للمَلِك المغيث بن العادل بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب، وهو حربٌ مع الناصِرِ صاحِبِ دمشق على المصريِّين، ومعهما الأميرُ ركن الدين بيبرس البندقداري، وقد عزموا على قتال المصريِّينَ وأخذِ مِصرَ منهم.
سقوط دمشق في أيدي المغول وتمكين النصارى فيها .
العام الهجري : 658 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:
أرسل هولاكو وهو نازلٌ على حلب جيشًا مع أميرٍ مِن كبار دولته يقال له كتبغانوين، فوردوا دمشقَ في آخر صفر فأخذوها سريعًا من غير ممانعة ولا مدافع، بل تلقَّاهم كبارها بالرَّحبِ والسعة، وقد كتب هولاكو أمانًا لأهل البلد، فقُرئ بالميدانِ الأخضر ونودي به في البلد، فأمِنَ الناس على وجَلٍ مِن الغدر، كما فعل بأهلِ حلب، هذا والقلعةُ ممتنعةٌ مستورة، وفي أعاليها المجانيقُ منصوبة والحالُ شديدة، فأحضر التتارُ منجنيقًا يُحمَلُ على عجل والخيولُ تجُرُّه، وهم راكبون على الخيلِ وأسلحتهم على أبقار كثيرة، فنصب المنجنيقَ على القلعة من غربيها، وخرَّبوا حيطانًا كثيرةً وأخذوا حجارتَها ورَموا بها القلعةَ رميًا متواترًا كالمطر المتدارك، فهدموا كثيرًا من أعاليها وشرفاتها وتداعت للسقوطِ فأجابهم متوليها في آخِرِ ذلك النهارِ للمصالحة، ففتحوها وخَرَّبوا كل بدنة فيها، وأعالي بروجِها، وذلك في نصف جمادى الأولى من هذه السنة، وقتلوا المتوليَ بها بدر الدين بن قراجا، ونقيبَها جمال الدين بن الصيرفي الحلبي، وسَلَّموا البلد والقلعة إلى أميرٍ منهم يقال له إبل سيان، وكان- لعنه الله- مُعظِّمًا لدين النصارى، فاجتمع به أساقفتُهم وقسوسهم، فعظَّمَهم جدًّا، وزار كنائِسَهم، فصارت لهم دولةٌ وصولة بسببه، وذهب طائفةٌ من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفًا، وقَدِموا من عنده ومعهم أمانٌ مِن جهته، ودخلوا من بابِ توما ومعهم صليبٌ منصوب يحملونه على رؤوسِ النَّاسِ، وهم ينادون بشعارِهم ويقولون: ظهر الدين الصحيح دين المسيح، ويذمُّون دينَ الإسلام وأهله، ومعهم أوان فيها خمرٌ لا يمرون على باب مسجد إلا رشُّوا عنده خمرًا، وقماقم ملآنة خمرًا يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازونَ به في الأزقَّة والأسواق أن يقوم لصليبِهم، ودخلوا من دربِ الحَجَر فوقفوا عند رباط الشيخِ أبي البيان، ورشوا عنده خمرًا، وكذلك على باب مسجدِ درب الحجر الصغير والكبير، واجتازوا في السوقِ حتى وصلوا درب الريحان أو قريبًا منه، فتكاثر عليهم المسلمونَ فردُّوهم إلى سوق كنيسة مريم، فوقف خطيبُهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دينَ النصارى وذمَّ دين الإسلام وأهله، ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريمَ وكانت عامرة، ولكن هذا سببُ خرابها، وضربوا بالناقوسِ في كنيسة مريم ودخلوا إلى الجامع بخمرٍ وكان في نيَّتِهم إن طالت مدة التتار أن يخرِّبوا كثيرًا من المساجد وغيرها، ولما وقع هذا في البلد اجتمع قضاةُ المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعةَ يشكون هذا الحالَ إلى متسِلِّمِها إبل سيان فأُهينوا وطُردوا، وقَدَّم كلامَ رؤساء النصارى عليهم، وهذا كان في أول هذه السَّنة وسلطان الشام الناصر بن العزيز مقيمٌ في وطأة برزة، ومعه جيوشٌ كثيرة من الأمراء وأبناء الملوك ليناجِزوا التتار إن قَدِموا عليهم، وكان في جملة من معه الأمير بيبرس البندقداري في جماعةٍ مِن البحرية، ولكِنَّ الكلمة بين الجيوش مختلفةٌ غير مؤتلفة، لِما يريدُه الله عزَّ وجلَّ، وقد عَزَمت طائفةٌ من الأمراء على خلعِ الناصر وسَجنِه ومبايعة أخيه وشقيقِه الملك الظاهِرِ علي، فلما عرف الناصِرُ ذلك هرب إلى القلعةِ وتفَرَّقت العساكر شذَرَ مَذَرَ، وساق الأمير ركن الدين بيبرس في أصحابِه إلى ناحية غزة، فاستدعاه الملك المظفَّر قطز إليه واستقدمه عليه، وأقطعه قليوبَ، وأنزله بدار الوزارة وعَظَّم شأنَه لديه.
المماليك يهزمون المغول في موقعة عين جالوت بقيادة المظفر قطز .
العام الهجري : 658 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:
لمَّا بلغ الملك المظفَّر سيف الدين قُطز صاحِبَ مِصرَ أنَّ التتارَ قد فعلوا بالشَّامِ ما فعلوه، وقد نهَبوا البلاد كلَّها حتى وصلوا إلى غزَّة، وقد عزم كتبغانوين نائب هولاكو في الشام على الدخولِ إلى مصر، وكان إذ ذاك في البقاع فاستشار الأشرفَ صاحِبَ حمص والمجير بن الزكي، فأشاروا عليه بأنَّه لا قِبَل له بالمظفَّر حتى يستَمِدَّ هولاكو فأبى إلا أن يناجزه سريعًا، فبادرهم المظفَّر قطز قبل أن يبادِروه ويبرز إليهم وقد اجتمعت الكلمةُ عليه، فبعد قدومِ الصاحب كمال الدين بن العديم رسولًا من الشام يطلبُ النَّجدةَ على التتار، جمعَ قُطز الأمراءَ‍ والأعيان، وحضر معهم الشيخُ عز الدين بن عبد السلام والقاضي بدر الدين السنجاري، وجلس المَلِكُ المنصور في دَست السلطنة، فاعتمدوا على ما يقولُه الشيخ عز الدين، فكان خلاصته: "إذا طرق العدوُّ البلادَ وجب على العالمَ كُلِّهم قتالُهم، وجاز أن يؤخَذَ مِن الرعيَّة ما يُستعانُ به على جهادِهم، بشرط ألَّا يبقى في بيتِ المال شيءٌ، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائِصِ والآلاتِ، ويَقتَصِر كل منكم على فَرَسِه وسلاحِه، ويتساووا في ذلك هم والعامَّة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاءِ ما في أيدي الجُندِ مِن الأموال والآلاتِ الفاخرةِ فلا"، ثم بعد أيامٍ يسيرةٍ قَبَضَ على المنصور علي بن المعز وقال: هذا صبيٌّ والوقت صعبٌ، ولا بد من أن يقوم رجلٌ شجاع ينتصب للجهادِ فقبض عليه، وتسلطَنَ وتلقَّبَ بالملك المظفر. ثم قَدِمَ الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري من دمشق مهاجرًا إلى مصرَ؛ لخدمة الملك المظفر سيف الدين قطز, فدخل القاهرةَ يوم السبت ثاني وعشرين ربيع الأول سنة ثمان وخمسين، فركب المظفَّر للقائه وأنزله في دارِ الوَزارة وأقطعه قَصبةَ قيلوب لخاصَّتِه، وأشار عليه بيبرس بملاقاة التتار وقَوَّى جأشَه وحَرَّك عزائمه وحرَّضَه على التوجه للقائهم, فخرج المظفَّر قطز يوم الاثنين خامس عشر شعبان بجميع عساكِرِ مِصرَ مع ما انضاف إليهم من العَرَب وغيرهم لقصدِ التتار الذين بالشَّامِ، فلما وصل إلى مرج عكا بلغ بكتبغانوين، مُقَدَّمَ عسكر التتار بالشام خروجُ الملك المظفَّر، وكان في بلد حمص فتوجَّه إلى الغور، وبعث الملك المظفر للأمير ركن الدين البندقداري في عسكرٍ ليتجَسَّس خبَرَ التتار، فلما وقعت عينُه عليهم كتب للملك المظفر يعلِمُه بوصولهم ثمَّ انتهز الفرصةَ في مناوشتهم، فلم يزل يستدرجُهم تارة بالإقبال وتارة بالإحجام حتى وافى بهم إلى المَلِك المظفَّر على عين جالوت فكانت الوقعةُ التي أيَّدَ الله بها المُسلِمينَ على التتارِ، وأخَذَ بها منهم ثأرَ أهلِ الوَبَر والمَدَر، وحاقَ بهم مَكرُ السَّيفِ، وحكَمَ فيهم الحَتفُ بالحَيفِ، وقَتَلوهم وأخذوهم ومعهم مَلِكُهم كتبغانوين، فقُتِلَ وأُخِذَ رأسُه وأُسِرَ ابنه، وكانت الوقعةُ بين المسلمين والتتار على ((عين جالوت)) يومَ الجمعة خامس وعشرين من شهر رمضان المعظَّم، ووصل الخبَرُ إلى دمشق في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان فانهزم بتلك الليلة من كان بدمشقَ مِن التتار وأيل سبان نائب الملك وأتباعهم، وتبعهم النَّاسُ وأهل الضياع ينهبونهم ويقتلونَ مَن ظَفِروا به، فلله الحمدُ والشُّكر, ودخل السلطانُ الملك المظفَّر إلى دمشق يوم الأحد رابع شوال، فأقام بها إلى أن خرج منها طالبًا للدِّيار المصرية, ومن العجائِبِ أن التتار كُسِروا وأُهلِكوا بأبناء جنسِهم المماليكِ، وهم من التركِ!! وعَمِل الشيخُ شهاب الدين أبو شامة في ذلك شِعرًا:
غلبَ التَّتارُ على البلادِ فجاءهم
مِن مِصرَ تركيٌّ يجودُ بنَفسِه
بالشَّامِ بدَّدَهم وفَرَّق شَملَهم
ولكلِّ شَيءٍ آفةٌ مِن جِنسِه
وقد قاتل الملكُ المنصورُ صاحِبُ حماة مع المَلِك المظفَّر قِتالًا شَديدًا، وكذلك الأميرُ فارس الدين أقطاي المستعرب، وكان أتابك العسكَر، وقد أُسِرَ من جماعة كتبغانوين المَلِك السعيد بن العزيز بن العادل فأمَرَ المظفَّر بضَرب عُنُقِه، واستأمن الأشرفُ صاحِبُ حمص، وكان مع التَّتارِ وقد جعله هولاكو خان نائبًا على الشام كُلِّه، فأمنه الملك المظفَّر ورَدَّ إليه حمص، وكذلك ردَّ حماة إلى المنصور وزاده المَعَرَّة وغيرها، وأطلق سلمية للأميرِ شَرَف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب، واتَّبَع الأميرُ بيبرس البندقداري وجماعةٌ من الشجعان التتارَ يقتُلونَهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفَهم إلى حَلَب، وهرب مَن بدمشقَ منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان، فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلونَ فيهم ويفتِكونَ الأسارى من أيديهم، وجاءت بذلك البشارةُ، ولله الحمدُ على جبرِه إيَّاهم بلُطفِه فجاوبتها دقُّ البشائر من القلعة، وفرح المؤمنون بنصر الله فرحًا شديدًا، وأيَّدَ اللهُ الإسلامَ وأهله تأييدًا وكَبَت الله النصارى واليهودَ والمنافقين، وظهر دينُ الله وهم كارهون، فتبادر عند ذلك المسلمونَ إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصَّليبُ فانتَهَبوا ما فيها وأحرقوها وألقوا النَّارَ فيما حولها، فاحترق دُورٌ كثيرةٌ إلى النصارى، وملأ اللهُ بيوتَهم وقبورَهم نارًا، وأُحرِقَ بعضُ كنيسةِ اليعاقبة، وهمَّت طائفةٌ بنَهبِ اليهود، فقيل لهم إنَّه لم يكن منهم من الطغيانِ كما كان من عَبَدة الصُّلبان، وقَتَلَت العامَّة وسطَ الجامِعِ شَيخًا رافضيًّا كان مُصانِعًا للتتار على أموالِ النَّاسِ يقال له الفخر محمد بن يوسف بن محمد الكنجي، كان خبيثَ الطويَّة مشرقيًّا ممالئًا لهم على أموالِ المسلمين- قبَّحه الله- وقَتَلوا جماعةً مِثلَه من المنافقين، فقُطِعَ دابِرُ القَومِ الذين ظَلَموا والحمدُ لله رب العالَمينَ.
هلاك قائد المغولي كتبغانوين نائب هولاكو بالشام .
العام الهجري : 658 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:
هو كتبغانوين نائب هولاكو على بلاد الشَّامِ- لعنه الله، ومعنى نوين يعني أمير عشرة آلاف، وكان هذا الخبيث قد فتح لأستاذه هولاكو من أقصى بلاد العَجَمِ إلى الشام، وقد أدرك جنكيزخان جد هولاكو، وكان كتبغا هذا يعتمد في حروبه للمسلمين أشياءَ لم يسبِقْه أحد إليها، فكان إذا فتح بلدًا ساق مقاتِلةَ هذا البلد إلى البلد الآخر الذي يليه، ويطلب من أهل ذلك البلد أن يُؤوا هؤلاء إليهم، فإن فعلوا حصل مقصودُه في تضييقِ الأطعمةِ والأشربةِ عليهم، فتقصُر مدَّة الحصارِ عليه لِما ضاق على أهلِ البلد أقواتُهم، وإن امتنعوا من إيوائِهم عندهم قاتَلَهم بأولئك المقاتِلة الذين هم أهلُ البلد الذي فتحه قبل ذلك، فإن حصل الفتحُ وإلَّا كان قد أضعَفَ أولئك بهؤلاء حتى يفني تلك المقاتِلةَ، فإن حصل الفتحُ وإلَّا قاتَلَهم بجُندِه وأصحابِه مع راحةِ أصحابِه وتَعَبِ أهلِ البلد المحاصَرِ وضَعفِهم فيفتَحُها سريعًا. كان شيخًا كبيرًا قد أسَنَّ وكان يميل إلى دين النصارى ولكن لا يمكِنُه الخروجُ مِن حكم جنكيزخان في الياسق. قال الشيخ قطب الدين اليونيني: وقد رأيتُه ببعلبك حين حاصر قلعتَها، وكان شيخًا حسنًا له لحية طويلة مسترسلة قد ضفَرَها مثل الدبوقة، وتارة يعلِّقُها من خَلفِه بأُذنِه، وكان مَهيبًا شديد السَّطوة، قال: وقد دخل الجامِعَ فصَعِدَ المنارة ليتأمَّل القلعة منها، ثم خرج من الباب الغربي فدخل دكانًا خرابًا فقضى حاجتَه والنَّاسُ ينظرون إليه وهو مكشوفُ العورة، فلما فرغ من حاجته مسحه بعضُ أصحابه بقطن ملبدٍ مَسحةً واحدة, وكان قاِئَد التتار في عين جالوت, فقُتِلَ في المعركة وأُسِرَ ابنُه، وكان شابًّا حسنًا، فأُحضِرَ بين يدي المظفَّر قطز فقال له أهَرَب أبوك؟ قال: إنَّه لا يهرب، فطلبوه فوجَدوه بين القتلى، فلما رآه ابنُه صرخ وبكى، فلما تحقَّقَه المظفر سجَدَ لله تعالى، ثم قال: أنامُ طَيِّبًا. كان هذا سعادةَ التتارِ وبقَتلِه ذهب سَعدُهم، وهكذا كان كما قال، ولم يفلحوا بعده أبدًا، وكان قتلُه يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، وكان الذي قتله الأميرُ جمال الدين آقوش الشمسي.
اغتيال سيف الدين قطز سلطان دولة المماليك بمصر والشام .
العام الهجري : 658 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:
هو السُّلطانُ الشهيدُ الملك المظفر، سيفُ الدين قطز محمود بن عبد الله التركي المعزي. كان أنبَلَ وأخَصَّ مماليك الملك المعز عز الدين أيبك التركماني، ثم صار نائِبَ السلطنة لوَلَدِه المنصور, ثالثِ سلاطين دولة المماليك في مصرَ والشام. كان شابًّا أشقرَ وافِرَ اللحية, فارسًا شجاعًا بطلًا، سائِسًا، دَيِّنًا، حازمًا، حسَنَ التدبيرِ، محَبَّبًا إلى الرعيَّة. كثير الخير ناصحًا للإسلام وأهله، وكان الناسُ يحبُّونَه ويدعون له كثيرًا. هزم التتار، وطهَّر الشام منهم يومَ عين جالوت، وهو الذي كان قَتَلَ فارس الدين أقطاي الجمداري، ويقال: إن قطز ابن أخت السلطان خوارزم شاه جلال الدين، وإنه حُرٌّ واسمُه محمود بن ممدود. لما قُتِلَ أستاذُه المعز عز الدين أيبك قام في توليةِ ولده المنصور علي، فلما سَمِعَ بأمر التتار خاف أن تختَلِفَ الكلمة لصِغَرِ سِنِّ المنصور علي, ودعا إلى نفسه، فبويع في ذي القعدة سنة 657، ثم سار إلى التتار فجعل اللهُ على يديه نصرة الإسلام والمسلمين. وكان اجتماعه مع عدوه في العشر الأخير من رمضان يوم الجمعة، حيث كان فيه نصرُ الإسلام والمسلمين. قال ابن كثير: "لما كان يومُ المعركة بعين جالوت قُتِلَ جوادُه فترجَّلَ وبَقِيَ واقفًا على الأرض ثابتًا، والقتالُ يعمل في المعركة، وهو في موضِعِ القَلبِ، فلما رآه بعضُ الأمراء ترجَّل عن فرسه وحَلَف على السلطان ليركبَنَّها فامتنع، وقال لذلك الأمير: ما كنتُ لأحرِمَ المسلمينَ نَفعَك. ولم يزَلْ كذلك حتى جيءَ له بخيلٍ فرَكِبَه! فلامه بعض الأمراء وقال: يا خوند (يا سيد) لم لا ركبتَ فَرسَ فلان؟ فلو أنَّ بعض الأعداء رآك لقتلَكَ وهلك الإسلامُ بسَبَبِك، فقال: أمَّا أنا فكنتُ أروح إلى الجنة، وأمَّا الإسلامُ فله ربٌّ لا يضيعه، قد قُتِلَ فلان وفلان وفلان حتى عد خَلقًا من الملوك، فأقام للإسلامِ مَن يحفظُه غيرهم، ولم يضيِّع الإسلام", ولما قدم دمشقَ في شوال أقام بها العَدلَ ورتَّبَ الأمور، وأرسل بيبرس خلف التتار ليخرِجَهم ويطرُدَهم عن حلب، ووعَدَه بنيابتِها فلم يفِ له لما رآه من المصلحةِ، فوقعت الوحشةُ بينهما, فلما فرَغ المظَفَّر من الشام ثم رجع إلى الديار المصرية والعساكر الإسلامية في خدمته، كان الأميرُ ركن الدين بيبرس البندقداري قد اتَّفَق مع جماعةٍ مِن الأمراء على قتله، فلما وصلَ بين القرابي والصالحيَّة ضرب دهليزه وساق خَلفَ أرنب، وساق معه أولئك الأمراءَ فشَفَعَ عنده ركن الدين بيبرس في شيءٍ فشَفَّعَه، فأخذ يده ليُقَبِّلَها فأمسَكَها وحمل عليه أولئك الأمراءُ بالسيوف فضربوه بها، وألقوه عن فرَسِه ورشقوه بالنشَّاب حتى قتلوه ودفن بالقصر، وكان قُتله يوم السبت سادس عشر من ذي القعدة، وكانت مُدَّة ملكه من حين عَزَل ابنَ أستاذه المنصور عليِّ بن المعز التركماني إلى هذه المدة، وهي أواخِرُ ذي القعدة نحوًا من سنة، رحمه الله وجزاه عن الإسلامِ وأهله خيرًا.
الركن بيبَرس البندقداري يحكم مصر .
العام الهجري : 658 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:
بعد اغتيالِ سيف الدين قطز حار الأمراءُ فيما بينهم فيمن يوَلُّون المُلك، وصار كل واحد منهم يخشى غائلة ذلك، وأن يصيبه ما أصاب غيرَه سريعًا، فاتفقت كلمتُهم على أن بايعوا بيبرس البندقداري، ولم يكن هو مِن أكابِرِ المقَدَّمين، ولكن أرادوا أن يجرِّبوا فيه، ولقَّبَوه الملك الظاهِرَ، فجلس على سريرِ المملكة وحكمه، ودقت البشائِرُ وضُرِبَت الطبول والبوقات, وزعقت الشاووشية بين يديه، وكان يومًا مشهودًا ثم دخل مصرَ والعساكرُ في خدمته، فدخل قلعةَ الجبل وجلَسَ على كرسِيِّها، فحكَمَ وعدل، وقطع ووصل، وولَّى وعزل، وكان شهمًا شجاعًا, وكان أولًا لَقَّب نفسه بالملك القاهر، فقال له الوزير: إن هذا اللَّقَب لا يُفلِحُ من يلَقَّب به، تلقَّبَ به القاهرَ بن المعتمد فلم تطل أيامه حتى خُلِعَ وسُمِلَت عيناه، ولقب به القاهِرُ صاحب الموصل فسُمَّ فمات، فعدل عنه حينئذ إلى الملك الظاهر، ثم شرع في مَسكِ من يرى في نفسه رئاسةً مِن أكابر الأمراء حتى مهَّد المُلكَ لنَفسِه، ويُذكَرُ أن مولد بيبرس كان بصحراء القِبجاق, والقبجاق قبيلة عظيمة في الترك، وهو بكسر القاف وسكون الباء ثانية الحروف، أما بيبرس بسكون الياء المثناة من تحتها ثم فتح الباء الموحدة وسكون الراء والسين المهملتين ومعناه باللغة التركية: أمير فهد. أُخذ بيبرس من بلادِه وبِيعَ بدمشق للعِمادِ الصائغ، ثم اشتراه الأميرُ علاء الدين أيدكين الصالحي البندقداري وبه سمي البندقداري، ثم صادره منه المَلِكُ الصالح نجم الدين الأيوبي ثم أعتَقَه وجعله من جملةِ مماليكِه، وقَدَّمَه على طائفة الجمدارية- الجمدار حامِلُ ملابس السلطانِ- لِما رأى من فِطنتِه وذكائِه.
المغول يغيرون على حلب بعد هزيمتهم شمالي حمص .
العام الهجري : 659 العام الميلادي : 1260
تفاصيل الحدث:
أغار التتارُ على حلَب فلَقِيَهم صاحِبُها حسامُ الدين العزيزي، والمنصورُ صاحِبُ حماة، والأشرَفُ صاحِبُ حمص، وكانت الوَقعةُ شماليَّ حِمصَ قَريبًا من قَبرِ خالد بن الوليدِ، والتتار في ستة آلاف، والمسلمون في ألف وأربعمائة، فهزمهم الله عز وجل، وقتل المسلمونَ أكثَرَهم، فرجع التتار إلى حلب فحصروها أربعةَ أشهُر وضيَّقوا عليها الأقوات، وقَتَلوا من الغرباء خلقًا صبرًا، والجيوش الذين كسروهم على حمص مُقيمونَ لم يرجعوا إلى حلب بل ساقوا إلى مِصرَ، فتلقاهم الملك الظاهِرُ في أبَّهة السلطنة وأحسنَ إليهم، وبَقِيَت حلب محاصرة لا ناصِرَ لها في هذه المدة، ولكن سلم الله سبحانه وتعالى بتجهيز الظاهرِ بيبرس جيشًا إلى حلب ليطرُدَ التتار عنها، فلما وصل الجيشُ إلى غزة كتب الفرنجُ إلى التتار ينذِرونَهم، فرحلوا عنها مسرعينَ واستولى على حلب جماعةٌ من أهلها، فصادروا ونهبوا وبلغوا أغراضَهم، وقَدِمَ إليهم الجيش الظاهري فأزال ذلك كُلَّه، وصادروا أهلَها بألف ألف وستمائة ألف، ثم قَدِمَ الأمير شمس الدين آقوش التركي من جهة الظاهرِ فتسلم البلد فقطع ووصَل، وحكَمَ وعَدَل.
كثرة الملوك والأمراء في البلدان الإسلامية بعد سقوط الخلافة العباسية .
العام الهجري : 659 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1261
تفاصيل الحدث:
استهَلَّت بيوم الاثنين لأيامٍ خَلَونَ مِن ديسمبر، وليس للمسلمينَ خليفة، وصاحب مكة أبو نمي بن أبي سعيد بن علي بن قتادة الحسني، وعمه إدريس بن علي شريكُه، وصاحِبُ المدينة الأميرُ عِزُّ الدين جماز بن شيحة الحسيني، وصاحِبُ مصر والشام السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وشريكُه في دمشق وبعلبك والصبيبة وبانياس الأميرُ علم الدين سنجر الملقب بالملك المجاهد، وشريكُه في حلب الأمير حسام الدين لاشين الجوكنداري- حامل الجوكان مع السلطان في لعب الكُرة- العزيزي، والكرك والشوبك للملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل بن سيف الدين أبي بكر الكاملِ محمد بن العادل الكبير سيف الدين أبي بكر بن أيوب، وحصن جهيون وبازريا في يد الأمير مظفر الدين عثمان بن ناصر الدين مكورس، وصاحِبُ حماة الملك المنصور بن تقي الدين محمود، وصاحِبُ حمص الأشرف بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين الناصر، وصاحِبُ المَوصِل الملك الصالح بن البدر لؤلؤ، وأخوه الملك المجاهِد صاحِب جزيرة ابن عمر، وصاحبُ ماردين الملك السعيد نجم الدين ايل غازي بن أرتق، وصاحب بلاد الروم ركنُ الدين قلج أرسلان بن كيخسرو السلجوقي، وشريكُه في الملك أخوه كيكاوس والبلاد بينهما نصفَينِ، وسائرُ بلاد المشرق بأيدي التتار أصحاب هولاكو، وبلاد اليَمَن يملكها غيرُ واحد من الملوك، وكذلك بلادُ المغرب في كل قطر منها مَلِك.
البيعة بالخلافة للمستنصر بالله في مصر وتجهيزه لاستعادة بغداد .
العام الهجري : 659 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1261
تفاصيل الحدث:
كان المستنصِرُ بالله أبو القاسِمِ أحمَدُ بن أمير المؤمنين الظاهِر مُعتقَلًا ببغداد فأُطلِقَ، وكان مع جماعةِ الأعراب بأرض العراق، ثم قصَدَ الظاهر بيبرس حين بلغه تسلطُنَه بمصر، فقدم إليه بصحبته جماعةٌ مِن أمراء الأعراب عشرةٌ منهم الأمير ناصر الدين مهنا في ثامن رجب من هذه السنة، فخرج السلطانُ الظاهر ومعه الوزير والشهود والمؤذنون فتلَقَّوه وكان يومًا مشهودًا، وخرج أهلُ التوراة بتوراتهم، والنصارى بإنجيلهم، ودخل مِن باب النصر في أبهةٍ عظيمة، فلما كان يوم الاثنين ثالث عشر رجب جلس السلطان والخليفة بالإيوان بقلعةِ الجبل، والوزيرُ والقاضي والأمراء على طبقاتهم، وأثبت نَسَب الخليفة المستنصر بالله على الحاكِم تاج الدين بن الأعز، وهذا الخليفةُ هو أخو المستنصر باني المستنصريَّة، وعم المستعصِم بالله، فبويع بالخلافةِ بمصرَ، بايعه المَلِك الظاهر والقاضي والوزير والأمراء، وركب في دست الخلافةِ بديار مصر والأمراء بين يديه والناسُ حَولَه، وشَقَّ القاهرة في ذلك اليوم، وهو الخليفة الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس، بينه وبين العباس أربعة وعشرون أبًا، قال عز الدين بن عبد السلام: لما أخَذْنا في بيعة المستنصر باللهِ، قلت للملك الظاهر: بايِعْه، فقال: ما أُحسِنُ، لكن بايِعْه أنت أوَّلًا وأنا بعدك، فكان أوَّلَ من بايعه القاضي تاج الدين لما ثَبت نَسَبه، ثم السلطان ثم الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم الأمراء والدولة، وخطب له على المنابر، وضُرِبَ اسمُه على السكة وكان مَنصِبُ الخلافة قد شغر منذ ثلاثِ سنين ونصف؛ لأنَّ المستعصم بالله قُتِلَ في أول سنة ست وخمسين وستمائة، وبويع هذا في يوم الاثنين في ثالث عشر رجب من هذه السنة، وقد أُنزل الخليفةُ المستنصر بالله وحَشَمُه في البرج الكبير بقلعة الجبل، فلما كان يوم سابع رجب ركب في السواد وجاء إلى الجامِعِ بالقلعة فصَعِدَ المنبر وخطب خطبةً ذكر فيها شَرَفَ بني العباس، ثم استفتح فقرأ صدرًا من سورة الأنعام، ثم صلى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم ترضى عن الصحابةِ ودعا للسلطان الظاهر، ثم نزل فصلى بالنَّاسِ فاستحسنوا ذلك منه، وكان وقتًا حسنًا ويومًا مشهودًا، ثم لما كان يوم الاثنين الرابع من شعبان، ركب الخليفةُ والسلطان والوزير والقضاة والأمراء وأهل الحَل والعَقدِ إلى خيمة عظيمةٍ قد ضُرِبَت ظاهِرَ القاهرةِ فجلسوا فيها، فأُلبِسَ الخليفةُ السلطان بيده خلعةً سوداء، وطوقًا في عنقه، وقيدًا في رجليه وهما من ذهب، ثمَّ إن الخليفة طلب من السلطان أن يجَهِّزَه إلى بغداد، فرتَّبَ السلطان له جندًا هائلة وأقام له من كل ما ينبغي للخلفاء والملوك، ثم سار السلطانُ بصحبته قاصدين دمشق فدخلوا دمشقَ يوم الاثنين سابع ذي القعدة، وكان يومًا مشهودًا، وصلَّيَا الجمعة بجامع دمشق، وكان دخولُ الخليفة من باب البريد، ودخل السلطانُ من باب الزيارة، وكان يومًا مشهودًا أيضًا، ثم جهَّزَ السلطان بيبرس الخليفةَ المستنصر بالله إلى بغداد ومعه أولاد صاحِبِ الموصل, وأنفق عليه وعليهم وعلى من استقَلَّ معه من الجيش الذين يَرِدونَ عنه من الذَّهَب العين ألف ألف دينار، وأطلق له وزاده، فجزاه الله خيرًا.
بداية الخلاف بين هولاكو وابن عمه بركة خان .
العام الهجري : 660 العام الميلادي : 1261
تفاصيل الحدث:
كان سَبَبُ عداوة بركة خان وهولاكو أنَّ وقعةً كانت بينهما، قُتِلَ فيها ولد هولاكو وكُسِرَ عَسكَرُه وتمزَّقوا في البلاد، وصار هولاكو إلى قلعةٍ بوسط بحيرة أذربيجان محصورًا بها، وأرسَلَ إليه بركةُ يطلُبُ منه نصيبًا مما فتحه من البلاد وأخَذَه من الأموال والأسرار، على ما جرت به عادةُ ملوكهم، فقتَلَ رُسُلَه فاشتَدَّ غَضَبُ بركة، ومما زاد الخلافَ بينهما هو إسلامُ بركة خان وغَضَبُه على هولاكو مما فَعَله ببغداد وقَتْله للخليفة العباسي المستعصم بالله، وكاتب الظاهِرَ ليتَّفِقا على هولاكو، فلمَّا بلغ ذلك السلطانَ سُرَّ به، وفرح الناسُ باشتغال هولاكو عن قَصدِ بلاد الشام، وكتب السلطانُ إلى النواب بإكرام الوافديَّة من التتار، وكانوا مائتي فارسٍ بأهاليهم، فحَسُنَت حالهم، ودخل في الإسلامِ مَن لم يُسلِمْ مِن قبلُ، وكتب السلطانُ إلى الملك بركة كتابًا، وسيَّرَه مع الفقيه مجد الدين والأمير سيف الدين كسريك.
قتل المغول الخليفة العباسي الجديد المستنصر بالله في بغداد .
العام الهجري : 660 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1261
تفاصيل الحدث:
هو أميرُ المؤمنينَ الخليفةُ المستنصِرُ بالله أبو القاسِمِ أحمد بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بالله الهاشمي العباسي، البغدادي، الأسود. ولي الخلافةَ بعد قتل ابن أخيه المستعصِم بالله بن المستنصر بالله منصور بثلاثِ سنينَ، في وقتٍ خلا فيه من خليفة للمسلمين. وكان شديدَ السُّمرة، جَسيمًا، عاليَ الهمة، شجاعًا، قال الإمام أبو شامة: في رجب قُرئ بالعادلية كتابُ السلطان الظاهِر بيبرس إلى قاضي القضاة نجمِ الدين بن سني الدولة بأنَّه قَدِمَ عليهم بمصر أبو القاسم أحمد بن الظاهر بن الناصر، وهو أخو المستنصر بالله، وأنه جمَعَ له الناسَ مِن الأمراء والعلماء والتجَّار، وأثبت نَسَبَه عند قاضي القضاة في ذلك المجلس، فلما ثبت بايعَه الناس، وبدأ بالبيعة القاضي تاج الدين، ثمَّ السلطان الملك الظاهر، ثم الكبار على مراتبهم، ونُقِشَ اسمُه على السكة، وخَطَب له ولُقِّبَ بلَقَب أخيه، وفَرِحَ النَّاسُ, ثم رتَّبَ له السلطان أتابكًا، وأستاذ دار، وشرابيًّا، وخزندارًا- ممسك خزانة المال-، وحاجِبًا، وكاتبًا، وعَيَّنَ له خزانةً وجُملةَ مماليك، ومائة فرس، وثلاثين بغلًا، وعشرة قطارات جمال، إلى أمثال ذلك, ثم عزم الخليفةُ على التوجه إلى العراق, فحَسَّن له السلطان ذلك وأعانه, وسار من مصر هو والسلطانُ في تاسع عشر رمضان فدخلوا دمشق في سابع ذي القعدة، ثم جهَّزَ السلطان الخليفةَ وأولاد صاحِبِ الموصل، وغَرِمَ عليه وعليهم من الذهب فوق الألف ألف دينار، فسار الخليفةُ ومعه ملوك الشرق: صاحِبُ الموصل، وصاحِبُ سنجار والجزيرة من دمشق في الحادي والعشرين من ذي القعدة، ثم نزل الخليفةُ بمن معه مشهدَ عليٍّ رضي الله عنه، ولما وصلوا إلى عانة وجدوا بها الحاكِمَ بأمر الله أحمد، ومعه نحوٌ من سبعمائة نفس فاستمالهم الخليفةُ المستنصر، وأنزل الحاكِمَ معه في دهليزه، وتسلَّم الخليفةُ عانة، فلما بلغ المغولَ وصولُ الخليفة المستنصر بالله العراق. خرج قرابغا مُقَدَّم التتار من بغداد- وكان قد استخلفه هولاكو عليها عند عودِه إلى بلاد الشرق- يريد لقاء الخليفة المستنصِر بالله ومحاربته، فنهب الأنبارَ وقَتَل جميعَ من فيها، وتلاحقت به بقيَّةُ التتار من بغداد، ولَقِيَهم الخليفة وقد رتَّب عسكره، فجعل التركمانَ والعرب جناحَي العسكر، واختص جماعةً جَعَلَهم في القلب، وحمَلَ بنفسه على التتار فكسَرَ مُقَدِّمَتَهم، وخذله العربُ والتركمان فلم يقاتِلوا، وخرج كمينٌ للتتار ففَرَّ العرب والتركمان، وأحاط التتار بمن بقي معه فلم يُفلِتْ منهم سوى الأميرِ أبي العباس أحمد الذي قَدِمَ إلى مصر بعد ذلك وتلَقَّب بالحاكم بالله، والأميرُ ناصر الدين بن مهنا، والأميرُ ناصر الدين بن صيرم، والأميرُ سابق الدين بوزبا الصيرفي، والأمير أسد الدين محمود، في نحو خمسينَ من الأجناد، ولم يُعرَف للخليفةِ خبَرٌ، فيقال قُتِلَ بالمعركة في ثالث المحرم، ويقال بل نجا مجروحًا في طائفةٍ مِن العرب فمات عندهم، وكانت هذه الواقعةُ في العشر الأول من المحرم، فكانت خلافتُه دون السَّنة، وبلغت نفقةُ الملك الظاهر على الخليفةِ والملوك المواصلة ألف ألف دينار وستين ألف دينار عينًا.
وفاة الأمير الوزير كمال الدين بن العديم .
العام الهجري : 660 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
هو الأميرُ الوزير والرئيس الكبير، كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن العديم العقيلي الحنفي الحلبي، ولد سنة 586، سمع الحديث وحَدَّث وتفَقَّه وأفتى ودرَّس وصنف، وكان إمامًا في فنونٍ كثيرة، وقد ترسل إلى الخلفاء والملوك مرارًا عديدة، وكان يكتُبُ حَسنًا طريقة مشهورة، وصنف لحلب تاريخًا مفيدًا قريبًا في أربعين مجلدًا، وكان جيد المعرفة بالحديث، حسنَ الظَّنِّ بالفقراء والصالحين كثيرَ الإحسان إليهم، وقد أقام بدمشقَ في الدولة الناصرية المتأخرة، وكانت وفاتُه بمصر، ودُفِنَ بسفح الجبل المقطم بعد الشيخ عز الدين بعشرة أيام.
وفاة العلامة سلطان العلماء العز بن عبد السلام .
العام الهجري : 660 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
هو العلَّامة أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن القاسم بن الحسن بن محمد المهذب، المشهورُ بالعز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي شيخ المذهب ومُفيدُ أهله، وله مصنَّفاتٌ حِسانٌ، منها التفسير الكبير، واختصار النهاية، والقواعد الكبرى والصغرى قواعد الأحكام في مصالح الأنام، وكتاب الصلاة، والفتاوى الموصلية، وغير ذلك، ولد سنة 578 وقيل سنة سبع، وسَمِعَ كثيرًا، واشتغل على فخر الدين بن عساكر وغيره، وبرع في المذهَبِ وجَمَعَ عُلومًا كثيرة، وأفاد الطلبةَ ودَرَّسَ بعدة مدارس بدمشق، وولي خطابتَها ثم نفاه صاحِبُها إلى مصر بسَبَبِ أنَّه شنع عليه لتسليمه صفد والشقيف للصليبيين لقاءَ مساعدته على صاحبِ مصر، فدَرَّس بمصرَ وخَطَب وحكم. قال الذهبي: " دخل الشيخ عز الدين بن عبد السلام الشافعي إلى ديار مصر، وأقبل عليه السلطانُ الملك الصالح نجم الدين أيوب إقبالًا عظيمًا، وولَّاه الخطابة والقضاء، فعزل نفسَه من القضاءِ مرتين وانقطع" انتهت إليه رئاسة الشافعيَّةُ، وقُصِدَ بالفتاوى من الآفاق، وكان رحمه الله آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر لا يخافُ في الله لومة لائم، ذكر جلال الدين السيوطي: "ولي الشيخُ عز الدين بن عبد السلام قضاءَ مِصرَ والوجه القبلي، وكان قَدِمَ في هذه السنة من دمشق بسبب أن سلطانَها الملك الصالح إسماعيل استعان بالفرنج وأعطاهم مدينةَ صيدا وقلعة الشقيف. فأنكر عليه الشيخُ عز الدين، وتَرَك الدعاء له في الخطبة، فغضب السلطانُ منه، فخرج إلى الديارِ المصريَّة، فأرسل السلطان الملك الصالح إسماعيل إلى الشيخ عز الدين؛ وهو في الطريق من يتلطَّفُ به في العَودِ إلى دمشق، فاجتمع به ولاينه، وقال له: ما نريد منك شيئًا إلا أن تنكَسِرَ للسلطان، وتقَبِّلَ يَدَه لا غير, فقال الشيخ له: يا مسكين، ما أرضاه يُقَبِّلُ يدي فضلًا عن أن أقبِّلَ يده! يا قوم، أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ! والحمد لله الذي عافانا ممَّا ابتلاكم. فلما وصل إلى مصر، تلقَّاه سلطانها الصالحُ نجم الدين أيوب وأكرمه، وولَّاه قضاء مصر، فاتفق أن أستاذ داره فخر الدين عثمان بن شيخ الشيوخ- وهو الذي كان إليه أمر المملكة- عمد إلى مسجدٍ بمصر، فعَمِلَ على ظهره بناء طبلخاناه– مكان تدق فيه الطبول والأبواق- وبَقِيَت تُضرَبُ هناك، فلما ثبت هذا عند الشيخِ عز الدين حكَمَ بهَدمِ ذلك البناء، وأسقطَ عدالةَ فخر الدين، وعزَلَ نفسه من القضاء، ولم تَسقُطْ بذلك منزلة الشيخ عند السلطان، ولَمَّا تولى الشيخ عز الدين القضاء تصَدَّى لبيع أمراء الدَّولةِ من المماليك الأتراك، وذكر أنه لم يَثبُت عنده أنهم أحرار، وأنَّ حُكمَ الرِّقِّ مُستصحَبٌ عليهم لبيت مالِ المسلمين، فبَلَغَهم ذلك، فعَظُمَ الخطبُ عندهم، والشيخُ مُصَمِّمٌ لا يُصَحِّحُ لهم بيعًا ولا شراءً ولا نكاحًا، وتعطَّلَت مصالحُهم لذلك؛ وكان من جملتِهم نائبُ السلطنة، فاستثار غضبًا، فاجتمعوا وأرسلوا إليه، فقال: نعقِدُ لكم مجلسًا، وننادي عليكم لبيتِ مال المسلمينَ، فرفعوا الأمرَ إلى السلطان، فبعث إليه فلم يرجِعْ، فأرسل إليه نائِبَ السلطنة بالملاطفةِ فلم يُفِدْ فيه، فانزعج النائبُ، وقال: كيف ينادِي علينا هذا الشَّيخُ، ويبيعُنا ونحن ملوكُ الأرضِ؟! واللهِ لأضربَنَّه بسيفي هذا، فرَكِبَ بنفسه في جماعته، وجاء إلى بيتِ الشيخ والسَّيفُ مسلول في يده، فطرق البابَ، فخرج ولدُ الشيخ، فرأى مِن نائبِ السلطان ما رأى، وشرحَ لأبيه الحال، فقال له: يا ولدي، أبوك أقلُّ من أن يُقتَلَ في سبيل الله، ثم خرج, فحين وقَعَ بصَرُه على النائِبِ يَبِسَت يدُ النائب، وسَقَط السيف منها، وأُرعِدَت مفاصِلُه، فبكى وسأل الشيخَ أن يدعو له، وقال: يا سيدي أيش تعمل؟ فقال: أنادي عليكم وأبيعُكم، قال: ففيم تَصرِفُ ثمَنَنا؟ قال: في مصالحِ المسلمينَ، قال: من يَقبِضُه؟ قال: أنا. فتَمَّ ما أراد، ونادى على الأمراءِ واحدًا واحدًا، وغالى في ثمَنِهم ولم يَبِعْهم إلَّا بالثَّمَن الوافي، وقَبَضَه وصَرَفه في وجوهِ الخير". توفي في عاشر جمادى الأولى وقد نيف على الثمانين، ودُفِنَ مِن الغد بسفحِ المقَطَّم، وحضر جنازتَه السلطان الظاهِرُ وخَلقٌ كثير، وقد كان يُعرَفُ بسلطانِ العلماء؛ لأنه كان مهابًا من قِبَل السلاطينِ، وكان يقول الحقَّ أمامَهم ولا يخافُهم، ويُفتي بلا مداهنةٍ بما يراه، وأشهَرُ ذلك فتواه لَمَّا جاء ابنُ العديم إلى مصر يحمِلُ رسالة استنجاد من قِبَلِ الناصر صلاح الدين صاحِبِ دمشق ضِدَّ التتار فجمَعَ الفقهاء والقضاة ليستفتوهم بأخذ المالِ من العامة لتجهيزِ الجيوشِ، فكان كلامُ العِزِّ بن عبد السلام هو الذي عوَّلوا عليه، وهو أنَّه قال: لا يأخُذُ السلطانُ مِن العامة أيَّ مالٍ إلا بعد أن ينتهيَ المالُ الذي في بيت المال، ثمَّ تُنفَقُ الجواهر والذَّهَب وما إلى ذلك التي عند الملوكِ والأمراءِ حتى يُصبِحوا في القَدرِ كالعامَّة، فحينها يجوزُ لهم أخذُ المال من العامة؛ لأن واجِبَ الجهادِ بالمالِ والنَّفسِ أصبَحَ على الجميعِ، فرحمه الله وجزاه خيرًا.
نهاية دولة الأتابكة بالموصل على يد قوات هولاكو .
العام الهجري : 660 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
كان الصالحُ إسماعيل بن لؤلؤ صاحبُ الموصل من الذين ساروا مع المستنصِر الخليفة الجديد إلى بغداد، فلما حصلَ من الحرب ما حصَلَ هَرَب ورجع إلى بلادِه، فأرسل هولاكو طائفةً مِن جنده نحو عشرة آلاف وقائدهم صندغون وراءه فحاصروا الموصِلَ ونَصَبوا عليها خمسةً وعشرين منجنيقًا، وضاقت بها الأقواتُ، فأرسل الملك الصالحُ إسماعيل بن لؤلؤ إلى التركي يستنجِدُه فقَدِمَ عليه فهُزِمَت التتار ثم ثَبَتوا والتَقَوا معه، وإنما كان معه سبعُمائة مقاتل فهزموه وجرحوه وعاد إلى البيرةِ وفارقه أكثَرُ أصحابه فدخلوا الديارَ المصريَّة، وأما التتارُ فإنهم عادوا إلى الموصِل ولم يزالوا حتى استنزلوا صاحِبَها الملك الصالح إليهم ونادَوا في البلد بالأمان حتى اطمأن النَّاسُ ثم مالوا عليهم فقتلوهم تسعةَ أيام وقادوا الملِكَ الصالح إسماعيل وولده علاء الدين معهم إلى هولاكو ولكنَّهم قتلوه في الطريق، وخَرَّبوا أسوار البلد وتركوها بلاقِعَ، ثم كروا راجعين قبَّحهم الله، فكانت هذه نهايةَ دولة الأتابكة، وكان هذا الملك الصالح إسماعيل آخرَ ملوك الأتابكة.
عساكر الظاهر بيبرس تهاجم الصليبيين في أنطاكية لإخراجهم منها .
العام الهجري : 660 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
جهَّز الملكُ الظاهر عسكرًا إلى حَلَب، وكان مُقَدَّمُهم شمس الدين سنقر الرومي، فأَمِنَت بلاد حلب وعادت إلى الصَّلاح، ثم تقَدَّم الملك الظاهر بيبرس إلى سنقر الرومي إلى صاحِبِ حماة الملك المنصور، وإلى صاحِبِ حمص الملك الأشرف موسى أن يسيروا إلى أنطاكيةَ، للإغارة عليها، فساروا إليها ونَهَبوها وضايقُوا الفرنجَ فيها، ثم عادُوا، فتوجَّهَت العساكرُ المصريَّة بصُحبة سنقر الرومي إلى مصر، ووصلوا إليها في تاسع وعشرين رمضان من هذه السنة، ومعهم ما ينَيِّف عن ثلاثمائة أسير، فقابلهم الملكُ الظاهرُ بالإحسان والإنعام.
وفاة الأمير سيف الدين بلبان الزردكاش .
العام الهجري : 660 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
هو الأمير الكبيرُ سَيفُ الدين بلبان المعروف بالزردكاش. من أمراء دمشقَ الأعيان، وكان دَينًا مشكورًا، وقد استنابه بيبرس موضِعَه بدار العدل على دمشق لما سافر إلى حصار أنطاكية، وكان دَيِّنًا خيِّرًا يحب العدل والصلاح. مات في الثامن من ذي الحجة من هذه السنة.
الحرب بين هولاكو وابن عمه بركة خان ملك القبيلة الذهبية المغولية .
العام الهجري : 661 العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
قَدِمَت رسلُ بركة خان إلى السلطانِ الظاهرِ بيبرس يقول له: قد عَلِمتَ محبَّتي للإسلام، وعَلِمتَ ما فعَلَ هولاكو بالمسلمين، فاركَبْ أنت من ناحيةٍ حتى آتيَه أنا من ناحيةٍ حتى نصطَلِمَه أو نخرِجَه من البلاد. فالتقى بركة خان وهولاكو ومع كلِّ واحدٍ جيوشٌ كثيرة فاقتتلوا فهزم اللهُ هولاكو هزيمةً فظيعةً وقُتِلَ أكثر أصحابه وغَرِقَ أكثر من بقي، وهرب هو في شرذمةٍ يسيرةٍ، ولله الحمد، ولما نظَرَ بَركة خان كثرة القتلى قال: يعِزُّ علي أن يقتل المغولُ بعضُهم بعضًا، ولكن كيف الحيلةُ فيمن غيَّرَ سُنَّة جنكيز خان، ثم أغار بركة خان على بلادِ القسطنطينية فصانعه صاحِبُها وأرسل الظاهِرُ هدايا عظيمةً إلى بركه خان.
=========
134.

اللغة
الموسوعة التاريخية
الرئيسة
الموسوعة التاريخية
تنويه سَردٌ تاريخيٌّ مختصرٌ، مُجردٌ من التعليقِ والتحليل
تحالف الظاهر بيبرس مع بركة خان المغولي .
العام الهجري : 661 العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
أرسل بركة خان المغولي رسلًا إلى السُّلطان الظاهر بيبرس يطلُبُ منه أن يتحالَفَ معه ضِدَّ هولاكو، وخاصَّةً أنه قد أسلَمَ ووقَعَ بينه وبين هولاكو من الخلافِ، فأكرم الظاهِرُ بيبرس الرسُلَ، ثمَّ أرسل هو بدوره رسلًا إلى بركة خان يعرِّفُه بموافقته على هذا الأمر مِن تحالُفِهما ضد هولاكو، وكتب الظاهِرُ إلى ملك شيراز وأهل تلك الديار، وإلى عرب خفاجة، يستحثُّهم على قتالِ هولاكو مَلَكِ التتار، وأن الأخبارَ قد وردت من البحرِ بكَسرِ الملكِ بركة له غيرَ مَرَّة.
بيعة الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله .
العام الهجري : 661 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:
دخل الخليفة أبو العبَّاس الحاكِمُ بأمر الله أحمد بن الأمير أبي علي القبي بن الأمير علي بن الأمير أبي بكر بن الإمام المسترشد بالله بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد, من بلاد الشرق وبصحبته جماعةٌ من رؤوس تلك البلاد، وقد شَهِدَ الوقعةَ بصحبة المستنصر الذي قُتِلَ فيها، وهرب هو في جماعةٍ مِن المعركة فسَلِمَ، فلما كان يومُ دخوله إلى مصر تلقَّاه السلطان الظاهر وأظهر السرورَ له والاحتفال به، وأنزله في البرجِ الكبير من قلعة الجبل، وأُجرِيَت عليه الأرزاق الدارَّة والإحسان، ثم في ثاني المحرم وهو يوم الخميس، جلس السلطانُ الظاهر والأمراء في الإيوان الكبير بقلعة الجبل، وجاء الخليفةُ الحاكم بأمر الله راكبًا حتى نزل عند الإيوان، وقد بسط له إلى جانب السلطان، وذلك بعد ثبوت نسبه، ثم قُرئَ نَسَبُه على الناس ثم أقبَلَ عليه الظاهر بيبرس فبايعه وبايعه الناس بعده، وكان يومًا مشهودًا، فلما كان يوم الجمعة ثانيه خطب الخليفةُ بالناس وكُتِبَ ببيعتِه إلى الآفاق ليُخطَبَ له وضُرِبَت السكة باسمه، فخُطِبَ له بجامع دمشق وسائر الجوامِعِ يوم الجمعة سادس عشر المحرم من هذه السنة، وهذا الخليفةُ هو التاسع والثلاثون من خلفاء بني العباس.
نهاية الأيوبيين بعد أخذ الظاهر بيبرس مدينة الكرك وإعدام صاحبها .
العام الهجري : 661 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
ركب الظاهِرُ بيبرس من مصرَ في العساكر المنصورة قاصدًا ناحية بلاد الكرك، واستدعى صاحِبَها الملك المغيث عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل، فلما قَدِمَ عليه بعد جهدٍ أرسله إلى مصر معتقَلًا، فكان آخر العهد به، وذلك أنَّه كاتب هولاكو وحَثَّه على القدوم إلى الشَّامِ مَرَّةً أخرى، وجاءته كتبُ التتار بالثَّباتِ ونيابة البلاد، وأنهم قادِمونَ عليه عشرون ألفًا لفتح الديارِ المصريَّة، وأخرج السلطانُ فتاوى الفقهاء بقَتلِه وعَرَضَ ذلك على القاضي ابن خَلِّكان، وكان قد استدعاه من دمشقَ، وعلى جماعةٍ مِن الأمراء، ثم سار فتسَلَّمَ الكرك يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى ودخلها يومئذٍ في أبهة المُلك، ثم عاد إلى مصرَ مُؤَيَّدًا منصورًا، وبه تنتهي الدولةُ الأيوبيَّةُ في بلاد الشام.
الظاهر بيبرس يأمر بعمارة المسجد النبوي بعد احتراقه .
العام الهجري : 661 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
في رمضانَ جَهَّزَ الظاهِرُ صُنَّاعًا وأخشابًا وآلاتٍ كثيرة لعمارة مسجِدِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعد حريقِه، فطيفَ بتلك الأخشاب والآلات بمصرَ فَرحةً وتعظيمًا لشأنها، ثم ساروا بها إلى المدينةِ النبوية.
نصير الدين الطوسي مبعوث هولاكو للنظر في أوقاف بغداد .
العام الهجري : 662 العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
قدم نصيرُ الدين الطوسي إلى بغداد من جهة هولاكو، فنظر في الأوقافِ وأحوالِ البلد، وأخذ كتبًا كثيرةً مِن سائِرِ المدارس وحَوَّلها إلى رَصدِه الذي بناه بمراغة، ثم انحَدَر إلى واسط والبصرة.
تحرير الظاهر بيبرس مدن ساحل الشام من الصليبيين .
العام الهجري : 662 العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
لمَا خلا بالُ السلطان الظاهر بيبرس من هَمِّ المَلِك المغيث صاحب الكرك، توجَّهَ بكليته إلى الفرنجِ؛ فإنَّهم كانوا قد شرعوا في التعَلُّل وطلبوا زرعين- وهي قرية في سهل زرعين بصفد- فأجابَهم السلطان بأنكم تعوَّضتُم عنها في الأيام الناصرية ضِياعًا من مرج عيون، وهم لا يزدادونَ إلا شكوى، وآخِرَ الحال طلب الفرنجُ من والي غزة كتابًا بتمكينِ رُسُلِهم إذا حضروا، فكتب لهم الكتابَ، وتواصلت بعد ذلك كتُبُهم، ووردت كتبُ النواب بشكواهم، وأنهم اعتمدوا أمورًا تفسِخُ الهدنة فلمَّا صار السلطان في وسط بلادِهم وردت عليه كتُبُهم، هذا وقد أمَرَ السلطان ألا ينزِلَ أحد في زرع الفرنجِ ولا يُسَيِّب فرسًا، ولا يؤذي لهم ورقةً خضراء، ولا يتعَرَّض إلى شيء من مواشيهم ولا إلى أحد من فلَّاحيهم، وكانت كتبهم أولًا تَرِدُ بندمهم على الهدنة وطلَبِهم فَسْخَها، فلما قرب السلطانُ منهم صارت تَرِدُ بأنهم باقون على العَهدِ مُتمَسِّكون بأذيال المواثيق، وفي اليوم الذي قُبِضَ فيه على الملك المغيث، أمَرَ السلطان بإحضار بيوت الفرنجيَّة، وقال: ما تقولون؟ قالوا: نتمَسَّك بالهدنة التي بيننا، فقال السلطان: لم لا كان هذا قبلَ حُضورنا إلى هذا المكان، وبالجملة فأنتم أخذتم هذه البلاد من المَلِك الصالح إسماعيل لإعانةِ مملكة الشام، وطاعةِ مَلِكِها ونصرته والخروجِ في خدمته، وإنفاقِ الأموال في نجدتِه، وقد صارت بحمد الله مملكةُ الشام وغيرها لي، وما أنا محتاج إلى نصرتكم ولا إلى نجدَتِكم، ولم يبقَ لي عدو أخافه، فرُدُّوا ما أخذتموه من البلاد، وفكُّوا أسرى المسلمين جميعهم، فإني لا أقبل غير ذلك، فلما سمع رسل الفرنج هذه المقالةَ بُهِتوا، وقالوا: نحن لا ننقُضُ الهدنة، وإنما نطلُبُ مَراحِمَ السلطان في استدامتِها، ونحن نزيل شكوى النواب، ونخرجُ مِن جميع الدعاوى ونفُكُّ الأسرى، ونستأنف الخِدمةَ، فقال السلطان: كان هذا قبل خروجي من مصرَ، في هذا الشتاءِ وهذه الأمطارِ، ووصول العساكرِ إلى هنا، وانفَصَلوا على هذه الأمور، فأمر السلطانُ بإخراجهم وألَّا يَبِيتوا في الوطاق، ووجَّه الأمير علاء الدين طيبرس إلى كنيسة الناصرة، وكانت أجلَّ مواطِنِ عباداتهم ويزعُمونَ أنَّ دينَ النصرانية ظهَرَ منها، فسار إليها وهدمها، فلم يتجاسَرْ أحدٌ من الفرنج أن يتحَرَّك، ثمَّ وجه السلطانُ الأمير بدر الدين الأيدمري في عسكر إلى عكا، فساروا إليها واقتَحَموا أبوابها وعادوا، ثم ساروا ثانيًا، وأغاروا على مواشي الفرنجِ، وأحضروا منها شيئًا كثيرًا إلى المخَيَّم، ثم ركب السلطان وجَرَّد من كل عشرة فارسًا، واستناب الأميرَ شجاع الدين الشبلي المهمندار- من يقوم بضيافة الرسل الواردين على السلطان- في الدهليز السلطاني، وساق من منزلة الطور نصف الليل، فصبَّحَ عكَّا وأطاف بها من جهة البر، وندب جماعةً لحصار برج كان قريبًا منه فشرعوا في نقبه، وأقام السلطانُ على ذلك إلى قريبِ المغرب وعاد، وكان قصدُه بذلك كشْفَ مدينة عكا؛ فإنَّ الفرنج كانوا يزعمونَ أن أحدًا لا يجسُرُ أن يقرب منها، فصاروا ينظرُونَ من أبواب المدينة ولا يستطيعون حركة، ولما عاد السلطان إلى الدهليز ركب لما أصبح، وأركب ناس معه، وساق إلى عكا، فإذا الفرنجُ قد حفروا خندقًا حول تل الفضول، وجعلوا معاثر في الطريق، ووقفوا صفوفًا على التلِّ، فلما أشرف السلطانُ عليهم رتَّب العسكرَ بنفسه، وشرع الجميعُ في ذكرِ الله وتهليلِه وتكبيرِه، والسلطان يحثُّهم على ذلك حتى ارتفعت أصواتهم، وللوقت رُدِمَت الخنادقُ بأيدي غلمان العساكِرِ وبمن حضر من الفقراءِ المجاهدين، وصَعِد المسلمون فوق تل الفُضول، وقد انهزم الفرنجُ إلى المدينة، وامتَدَّت الأيدي إلى ما حول عكا من الأبراج فهُدِمَت، وحُرِقَت الأشجارُ حتى انعقد الجوُّ من دخانها، وساق العسكرُ إلى أبوابِ عكا، وقَتَلوا وأسروا عِدَّةً مِن الفرنجِ، والسلطان قائمٌ على رأس التل يعملُ في أخذِ رأي المدينة، والأمراءُ تحمِلُ على الأبواب واحدًا بعد واحد، ثم حملوا حملةً واحدة ألقوا فيها الفرنجَ في الخنادق، وهلك منهم جماعةٌ في الأبواب، فلما كان آخرُ النهار ساق السلطانُ إلى البرج الذي نُقب، وقد تعلَّقَ حتى رُمِيَ بين يديه، وأُخِذَ منه أربعةٌ من الفرسان ونيف وثلاثون راجلًا، وبات السلطان على ذلك، فلما أصبح عاد على بلاد الفرنجِ وكشفها مكانًا مكانًا، وعبر على الناصرةِ حتى شاهد خرابَ كنيستِها وقد سوَّى بها الأرض، وصار إلى الصفَّة التي بناها قبالة الطور، فوافاها ليلًا وجلس عليها، وأحضر الشموع التي بالمنجنيقات ونصب عليها خمسة، ورحل السلطان من الطور يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة، وسار إلى القدسِ فوافاه يوم الجمعة عشرة، وكشف أحوال البلدِ وما يحتاج إليه المسجِدُ من العمارة، ونظر في الأوقاف وكتب بحمايتِها، ورتَّبَ برسم مصالح المسجد في كل سنة خمسة آلاف درهم وأمر ببناء خان خارج البلد، ونقل إليه من القاهرة باب القصر المعروف بباب العيد، ونادى بالقدس ألا ينزل أحدٌ في زرع.
محاولة عز الدين السلجوقي قتل الأشكري صاحب القسطنطينية .
العام الهجري : 662 العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
في هذه السنةِ قبض الأشكري صاحِبُ قسطنطينية على عزِّ الدين كيكاوس بن كيخسرو بن كيقباذ صاحِبِ بلاد الروم، وسَبَبُه أن الأشكري كان قد وقع بين كيكاوس وبين أخيه، فاستظهر أخوه عليه، فهرب كيكاوس وبقِيَ أخوه ركن الدين قليج أرسلان في سلطنة بلاد الرومِ، ثم سار كيكاوس إلى قسطنطينيَّة، فأحسن إليه الأشكري صاحبُ قسطنطينية. وإلى من معه من الأمراء، واستمَرُّوا كذلك مدة، فعزمت الأمراءُ والجماعة الذين كانوا مع عزِّ الدين على اغتيالِ الأشكري، والتغَلُّب على قسطنطينية، وبلغ ذلك الأشكريَّ، فقبض عليهم، واعتقَلَ عز الدين كيكاوس بن كيخسرو في بعض القلاعِ، وكحَلَ الأمراءَ والجماعةَ الذين كانوا عَزَموا على ذلك، فأعمى عيونَهم.
عدوان الأرمن على الشام .
العام الهجري : 662 العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
ورد الخبر أن هيتوم ملك الأرمن جمَعَ قوَّاتِه وسار إلى هرقلة، ونزل على قلعةِ صَرخد، فخرج البريدُ مِن قلعة الجبَلِ إلى حماة وحِمص بالمسير إلى حلب، فخرجوا وأغاروا على عَسكَرِ الأرمن، وقتَلوا منهم وأسَروا، فانهزم الأرمنُ واستنجدوا بالتَّتارِ، فقَدِمَ منهم من كان في بلادِ الروم وهم سبعُمائة فارس، فلما وصلوا إلى حارم رجعوا من كثرة الثلج، وقد هلك منهم كثيرٌ، ومع ذلك اهتم ملك الأرمن بالمسير إلى بلاد الشام، وأعدَّ ألف قباء –ثوب- تتري وألف سراقوج - لباس الرأس عند التتار- ألبسها الأرمن ليوهم أنهم نجدة من التتار، ولما ورد الخبَرُ بذلك خرج البريد إلى دمشق بخروج عسكَرِها إلى حمص، وخروج عسكر حماة، وألا يخرجُ عُربان الشام في هذه السنة إلى البرية، فخرَجَت العساكر، ووالت الغاراتِ مِن كل جهة، فانهزم الأرمنُ، ونزل العسكر على أنطاكية فقَتَل وأسر وغنم، وأغار العسكرُ أيضًا ببلاد الساحل على الفرنج حتى وصل إلى أبواب عكا.
الأسبان يهاجمون غرناطة وابن الأحمر يهزمهم ويسترجع بعض المدن .
العام الهجري : 662 العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
كان مَلِكُ قشتالة ألفونسو ملك النصارى قد طلب من محمَّدِ بنِ يوسف بن الأحمر حاكِمِ غرناطةَ الساحِلَ من مالقةَ إلى المرية فاستعان ابنُ الأحمر بالمتطَوِّعة والمجاهدين الذين وفدوا إليه من المغربِ فهزم الأسبان واسترد منهم مدينةَ شريش وقادس، وأخذ ألفونسو أسيرًا. ثم اجتمع العدوُّ المخذول في جمع كبير، ونازلوا غرناطة فانتصر عليهم المسلمون، وقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، وجُمِع من رؤوسِهم نحو خمسة وأربعين ألف رأس، فعملوها كومًا، وأذَّنَ المسلمونَ فَوقَه، وأسروا منهم عشرة آلاف أسير. وكان ذلك في رمضان. وانهزم ألفونسو إلى إشبيلية، وهي له، وكان قد دَفَنَ أباه بها بالجامع، فأخرجه من قبرِه خوفًا من استيلاء المسلمين، وحمله إلى طليطلة. واسترجع المسلمون اثنين وثلاثين بلدًا، من جملتِها إشبيلية ومرسية.
وفاة الأمير حسام الدين الجوكندار من كبار أمراء دمشق .
العام الهجري : 662 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1263
تفاصيل الحدث:
هو الأميرُ حسام الدين لاجين العزيزي الجوكندار- حامل الجوكان مع السلطان في لعب الكرة- وهو مِن غِلمانِ العزيز بن الظاهر بن السلطان صلاح الدين ومن كبار أمراء دمشق, وهو من أكابِرِ الأمراء وأعظَمِهم قدرًا، جوادًا ديِّنًا فارسًا شجاعًا حازمًا، له في الحروبِ آثارٌ جميلةٌ، وكان محبًّا للفقراء وأخلاقهم، كثيرَ البِرِّ بهم، يجمَعُهم على السَّمَاعات التي يُضرَبُ بها المثل، وكان له يدٌ طولى في كَسرِ التتار بوقعة حمص سنة 659، وقتل مقدمهم بيدرًا، وكان قد تولى نيابةَ حلب، ومات كهلًا في التاسع عشر من محرم.
وفاة الملك الأشرف صاحب حمص .
العام الهجري : 662 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1264
تفاصيل الحدث:
هو الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك المنصور أبو إبراهيم بن الملك المجاهد شيركوه بن الأمير ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان صاحب حمص، مَلَك حمصَ بعد وفاة أبيه، وطالت مدَّتُه بها، وكان فيه مداراةٌ للتَّتارِ واستمرَّ على ذلك إلى أن توفِّيَ بحمص يوم الجمعة حادي عشر من صفر عن غيرِ ولد ولا أخٍ ولا ولي، فبعث السلطانُ الظاهر بيبرس إلى الأمير عز الدين بيليك العلائي أحد الأمراء، فتسَلَّمَها في السابع عشر من هذا الشهر وحَلَفَ الناسُ بها للملك الظاهر، وتسَلَّمَ الرحبةَ أيضًا، وبعث السلطان إليها عشرين ألف دينار عينًا، وولى مدينة حران الأمير جمال الدين الجاكي، وولى مدينة الرقة أميرا آخر.
وفاة الشيخ الصالح محمد بن منصور القباري الإسكندراني .
العام الهجري : 662 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1264
تفاصيل الحدث:
الشيخ الصالحُ محمد بن منصور بن يحيى الشيخ أبي القاسم القباري الإسكندراني كان مقيمًا بغيط له يقتاتُ منه ويعمَلُ فيه ويبذره، ويتورَّعُ جدًّا ويُطعِمُ الناس من ثماره. توفي في سادس شعبان بالإسكندرية وله خمس وسبعون سنة، وكان يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر ويردَعُ الولاة عن الظلمِ فيَسمَعون منه ويطيعونَه لزهده، وإذا جاء الناسُ إلى زيارته إنما يكَلِّمُهم من طاقة المنزل وهم راضونَ منه بذلك، ولما توفي ترك من الأثاث ما يساوي خمسين درهمًا فبيع بمبلغ عشرين ألفًا.
سلطنة الملك السعيد ناصر الدين بركة .
العام الهجري : 662 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1264
تفاصيل الحدث:
في يومِ الخميس ثالث عشر شوال من هذه السنة، أركَبَ السلطانُ الظاهر بيبرس ولَدَه الملك السعيد بشِعارِ السَّلطنةِ ومشى في ركابِه حاملًا له الغاشيةَ، وأخذها الأمراءُ الكبار واحدًا بعد واحدٍ، وعليهم الخِلَعُ الفاخرة، والحُلَل الزاهرة، وزينت المدينةُ زينةً تامة، واستبشر بذلك الخاصَّةُ والعامة، وتقَرَّر أن يكون أتابكه الأمير عز الدين أيدمر الحلي.
الظاهر بيبرس يؤدب اليهود والنصارى بسبب افتعالهم الحرائق بمصر .
العام الهجري : 663 العام الميلادي : 1264
تفاصيل الحدث:
كثُرَت الحرائقُ بالقاهرة ومِصرَ في مدَّة سفر السلطان الظاهر بيبرس، وأُشيعَ أنَّ ذلك من النصارى، ونزل بالناسِ مِن الحريق في كلِّ مكان شدَّةٌ عظيمة، ووُجِدَ في بعض المواضع التي احترقت نفطٌ وكبريت، فأمر السلطانُ بجمع النصارى واليهود، وأنكر عليهم هذه الأمورَ التي تفسَخُ عهدهم وأمَرَ بإحراقهم، فجُمِعَ منهم عالمٌ عظيم في القلعة، وأُحضِرَت الأحطاب والحلفاء، وأُمِرَ بإلقائهم في النار، فلاذُوا بعفوه وسألوا المنَّ عليهم، وتقَدَّم الأمير فارس الدين أقطاي أتابك العساكر فشَفَعَ فيهم، على أن يلتزموا بالأموالِ التي احتَرَقت، وأن يحملوا إلى بيتِ المال خمسين ألف دينار، فأفرج عنهم السلطانُ الظاهر، وتولى البطرك توزيعَ المال، والتزموا ألا يعودوا إلى شيءٍ مِن المنكرات، ولا يخرجوا عمَّا هو مرتب على أهلِ الذمَّة، وأُطلِقوا.
هلاك هولاكو المغولي .
العام الهجري : 663 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1265
تفاصيل الحدث:
هو هولاكو خان بن تولي خان بن جنكيز خان ملك التتار بن ملك التتار، وهو والِدُ مُلوكِهم، والعامَّةُ يقولون هولاوون مثل قلاوون، وقد كان هولاكو ملكًا جبارًا فاجرًا كفَّارًا- لعنه الله- قتل من المسلمين شرقًا وغربًا ما لا يَعلَمُ عَدَدَهم إلَّا الذي خلقهم، وسيجازيه على ذلك شَرَّ الجزاء، كان لا يتقيَّدُ بدين من الأديان، وإنما كانت زوجتُه تنصَّرَت وكان هو يترامى على محبَّة المعقولات، ولا يتصوَّر منها شيئًا، قال الشيخ قطب الدين: "كان من أعظَمِ ملوك التتار، وكان شجاعًا حازمًا مدبِّرًا، ذا همة عالية، وسطوةٍ ومهابة، ونهضةٍ تامة، وخبرة بالحروب، ومحبَّة في العلوم العقلية من غير أن يتعقَّل منها شيئًا، وكان أهلُها من أفراخ الفلاسفة لهم عنده وجاهة ومكانة، اجتمع له جماعة من فضلاء العالم، وجمع حُكماء مملكته، وأمَرَهم أن يرصدوا الكواكب. وكان يطلق الكثيرَ من الأموال والبلاد. وهو على قاعدةِ المغول في عدم التقيدِ بدين، لكن زوجته ظفر خاتون قد تنصَّرَت، وكانت تفضِّلُ النصارى على سائر الخلق، وكان سعيدًا في حروبه وحصاراته. طوى البلاد، واستولى على الممالكِ في أيسرِ مدة، وهزم الجيوش، وأباد الملوك، وقتل الخليفةَ، وأمراء العراق، وصاحبَ الشام، وصاحب ميافارقين". كانت همته في تيسير مملكتِه وتملك البلاد شيئًا فشيئًا، قال النجم أحمد بن البواب النقاش: "عزم هولاكو على زواجِ بنت ملك الكرج، فقالت له: حتى تُسلِمَ، فقال: عرفوني ما أقولُ, فعرضوا عليه الشهادتينِ فأقَرَّ بهما، وشَهِدَ عليه بذلك الفيلسوف الخواجة نصير الدين الطوسي، وفخر الدين المنجم. فلما بلغها ذلك أجابت. فحضر القاضي فخر الدين الخلاطي، فتوكَّل لها النصير، وللسلطان الفخر المنجم، وعقدوا العقدَ باسم تامار خاتون بنت الملك داود بن إيواني على ثلاثين ألف دينار، قال لي ابن البواب: وأنا كتبت الكتابَ في ثوب أطلس أبيض، فعَجِبتُ مِن إسلامه. قلت(الذهبي): إن صحَّ هذا فلعله قالها بفمه لعَدَمِ تقيُّدِه بدين، ولم يدخُلِ الإسلامُ إلى قلبه، فالله أعلم". هلك بمرض الصَّرعِ واجتمعت التتار على ولده أبغا، كان هلاكُه في سابع ربيع الآخر بعلَّة الصرع، فإنه حصل له الصرعُ منذ قتل الملك الكامل صاحب ميافارقين، فكان يعتريه في اليوم المرَّة والمرتين, ولما عاد من كسرةِ ابن عمه بركة خان له أقام يجمع العساكر، وعزم على العَودِ لقتال بركة خان، فزاد به الصرعُ، ومرض نحوًا من شهرين، وهلك، فأخفَوا موته، وصبروه، وجعلوه في تابوت، ثم أظهروا موتَه. وكان موته بمدينة مراغة، ودفن بقلعة تلا, وبنيت عليه قبة, وكان ابنه أبغا غائبًا فطلبوه ثمَّ مَلَّكوه، وقيل كان موتُه في سنة 664هـ.
إجلاء السلطان الظاهر بيبرس التتار من مدينة البيرة .
العام الهجري : 663 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1265
تفاصيل الحدث:
نزل التتارُ على البيرة، فجهَّز السلطانُ بيبرس مِن فَورِه الأميرَ بدر الدين الخازندار- ممسك خزانة المال- على البريد؛ ليخرج أربعة آلاف فارس من بلاد الشام، وركبَ السلطان من موضِعِه وساق إلى القلعة، وعيَّنَ الأمير عز الدين إيغان المعروف باسم الموت لتقدمةِ العساكر، فخرجوا من القاهرة جرائدَ- خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها- في رابع شهر ربيع الأول، ثم عين الأمير جمال الدين المحمدي، والأمير جمال الدين أيدغدي الحاجي، ومعهما أربعة آلاف أخرى، فبرزوا ثانيَ يوم خروجِ الأمير عز الدين إيغان إلى ظاهر القاهرة، وساروا في عاشِرِه، وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر: شرع السلطانُ في السفر، وخرج بنفسه في خامس شهر ربيع الآخر ومعه عساكر كثيرة، فوقع فناءٌ في الدواب هلك منها عددٌ كثير، وصارت الأموالُ مطروحة، والسلطانُ لا يقَصِّرُ في المسير، ونزل السلطانُ غزة في العشرين منه، فورد الخبَرُ بأن العدو نصب على البيرة سبعة عشر منجنيقًا، فكتم ذلك ولم يعلم به سوى الأمير شمس الدين سنقر الرومي والأمير سيف الدين قلاوون فقط، وكتب السلطان للأميرِ إيغان: " متى لم تدركوا قلعةَ البيرة وإلَّا سُقتُ إليها بنفسي جريدة، فساق الأمير إيغان العسكر، ورحل السلطان من غزة، ونزل قريبًا من صيداء، وأتاه قسطلان يافا بتقادم، ونزل السلطانُ بيبني في السادس عشر، فورد البريدُ من دمشق بأن بطاقة الملك المنصور صاحب حماة سقطت بأنَّه وصل إلى البيرة بالعساكر، صحبة الأمير عز الدين إيغان وجماعة الأمراء يوم الاثنين، وأن التتارَ عندما شاهدوهم هربوا، ورموا مجانيقَهم وغرقوا مراكِبَهم، وكان من حين كتابتِها بالبيرة إلى حين وصولها يبني أربعة أيام، ثم توالت كتُبُ الأمراء بالبشارة، فكتب بذلك إلى القاهرة وغيرها، وكتب السلطانُ بعمارة ما خُرِّبَ من البيرة، وحمل آلات القتال والأسلحة إليها من مصر والشام، وأن يُعَبَّأ فيها كل ما يحتاجُ إليه أهلها في الحصار لمدة عشر سنين، وكتب للأمراء ولصاحب حماة بالإقامة على البيرة، حتى ينظف الخندق من الحجارة التي ردَمَها العدوُّ فيه، فكان الأمراءُ ينقلون الحجارة على أكتافهم مدة.
الظاهر بيبرس يسترجع مدينة قيسارية وغيرها من الفرنج .
العام الهجري : 663 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1265
تفاصيل الحدث:
رحل السلطانُ بيبرس إلى قريبِ عيونِ الأساور من وادي عارة وعرعرة، فلما كان بعد عشاءِ الآخرِ أمر العسكَرَ كُلَّه فلبسوا آلة الحرب، وركِبَ آخِرَ الليل وساق إلى قيسارية، فوافاها بكرةَ نهار الخميس تاسع جمادى الأولى على حين غفلةٍ مِن أهلها، وضرب عليها بعساكِرِه، وللوقت ألقى الناسُ أنفُسَهم في خندقها، وأخذوا سكك الحديدِ التي برسم الخيولِ مع المقاود والشبح، وتعلَّقوا فيها من كل جانبٍ حتى صعدوا، وقد نُصِبَت المجانيق ورمي بها، فحرقوا أبوابَ المدينة واقتحموها، فَفَرَّ أهلها إلى قلعتها، وكانت من أحصَنِ القلاع وأحسَنِها وتعرف بالخضراء، وكان قد حمل عليها الفرنجُ العُمُدَ الصوان، وأتقنوها بتصليبِ العُمُدِ في بنيانها، حتى لا تُعمَلَ فيها النقوبُ ولا تقَعُ إذا علقت، فاستمر الزحف والقتال عليها بالمجانيق والدبابات والزحَّافات ورمي النشَّاب، وخرجت جريدة- خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها- من عسكر السلطان إلى بيسان مع الأمير شهاب الدين القيمري، فسَيَّرَ جماعة من التركمان والعربان إلى أبوابِ عكا، فأسروا جماعةً مِن الفرنج، هذا والقتال ملِحٌّ على قلعة قيسارية، والسلطانُ مقيمٌ بأعلى كنيسةٍ تجاه القلعة ليمنَعَ الفرنج من الصعودِ إلى علو القلعةِ، وتارة يركَبُ في بعضِ الدبَّابات ذوات العجل التي تجري حتى يصل إلى السور ليرى النقوبَ بنَفسِه، وأخذ السلطانُ في يده يومًا من الأيامِ تُرسًا وقاتل، فلم يرجِعْ إلَّا وفي ترسِه عِدَّةُ سِهامٍ، فلما كان في ليلةِ الخميس النصف من جمادى الأولى: سلَّم الفرنجُ القلعةَ بما فيها، فتسلق المسلمونَ من الأسوار، وحرقوا الأبواب ودخلوها من أعلاها وأسفَلِها، وأذِّنَ بالصبحِ عليها، وطلع السلطانُ ومعه الأمراء إليها، وقسَّمَ المدينة على الأمراء والمماليك والحلقة، وشرع في الهدمِ ونزل وأخذ بيَدِه قطاعةً وهدَمَ بنَفسِه، فلما قارب الفراغَ مِن هدم قيسارية بعث السلطانُ الأمير سنقر الرومي والأمير سيف الدين المستعرب في جماعة، فهدموا قلعةً كانت للفرنج عند الملوحة قريب دمشق، وكانت عاتية حتى دكُّوها دكًّا، وفي السادس عشر: سار السلطانُ جريدة إلى عثليث، وسير الأمير سنقرًا السلاح دار، والأمير عز الدين الحموي، والأمير سنقرًا الألفي إلى حيفا، فوصلوا إليها، ففر الفرنجُ إلى المراكب وتركوا قلعَتَها، فدخلها الأمراءُ بعد ما قتلوا عِدَّةً من الفرنج وبعد ما أسروا كثيرًا، وخربوا المدينة والقلعة وأحرقوا أبوابها في يومٍ واحد، وعادوا بالأسرى والرؤوس والغنائم سالمين، ووصل السلطانُ إلى عثليث فأمر بتشعيثِها وقطْع أشجارها، فقُطِعَت كلُّها وخربت أبنيتها في يوم واحد، وعاد إلى الدهليز بقيسارية، وكمَّل هَدْمَها حتى لم يدَعْ لها أثرًا، وقدمت منجنيقات من الصبيبة وزرد خاناه من دمشق، وورد عِدَّة من الفرنج للخدمة، فأكرَمَهم السلطان وأقطعهم الإقطاعات، وفي التاسع عشر: رحل السلطان من قيسارية، وسار من غير أن يَعرِفَ أحدٌ قَصْدَه فنزل على أرسوف مستهلَّ جمادى الآخرة، ونقل إليها من الأحطاب ما صارت حولَ المدينة كالجبال الشاهقة وعَمَل منها ستائر، وحفر سربين من خندق المدينة إلى خندق القلعةِ وسَقَفَه بالأخشاب، وعمل السلطان طريقًا من الخندقين إلى القلعة، وردمت الأحطابُ في الخندق، فتحَيَّل الفرنجُ وأحرقوها كلَّها، فأمر السلطان بالحفر من باب السربين إلى البحرِ، وعمل سروبًا تحت الأرض يكون حائطُ خندق العدو ساترًا لها، وعمل في الحائط أبوابًا يرمي التراب منها وينزل في السروب حتى تساوي أرضُها أرض الخندق، وأحضر المهندسين حتى تقَرَّر ذلك، وولي أمرَه للأمير عز الدين أيبك الفخري، فاستمر العمل، والسلطان بنفسِه ملازم العمل بيده في الحفرِ وفي جر المنجنيقات ورمي الترابِ ونَقلِ الأحجار، أسوةً لغيره من الناس، وكان يمشي بمفرده وفي يده ترسٍ، تارة في السَّرَب وتارة في الأبوابِ التي تفتح، وتارة على حافةِ البحر يرامي مراكِبَ الفرنج، وكان يجرُّ في المجانيق، ويطلع فوق الستائر يرمي من فوقها، ورمى في يوم واحد ثلاثمائة سهم بيده، وحضر في يومٍ إلى السرب وقُدَّ في رأسه خلف طاقة يرمي منها، فخرج الفرنج بالرماح وفيها خطاطيف ليجبذوه فقام وقاتلهم يدًا بيد وكان معه الأميرُ سنقر الرومي، والأمير بيسري، والأمير بدر الدين الخازندار، فكان سنقر يناوله الحجارةَ حتى قتل فارسين من الفرنج، ورجعوا على أسوأ حال، وكان يطوفُ بين العساكر في الحصار بمفردِه، ولا يجسِرُ أحد ينظر إليه ولا يشير إليه بإصبُعِه، بل كان الناسُ فيها سواءً في العمل، حتى أثرت المجانيق في هدمِ الأسوار، وفُرِغَ من عمل الأسربة التي بجانبي الخندق، وفتحت فيها أبواب متسعة، فلما تهيأ ذلك وقع الزحفُ على أرسوف في يوم الخميس ثامن رجب، ففتحها الله في ذلك اليوم عندما وقَعَت الباشورة – الباشورة حائط ظاهر الحصن يختفي وراءه الجند عند القتال- فلم يشعر الفرنج إلا بالمسلمين قد تسلقوا وطلعوا القلعة، ورفعت الأعلام الإسلامية على الباشورة، وحَفَّت بها المقاتلة وطُرِحَت النيران في أبوابها، هذا والفرنجُ تقاتل، فدفع السُّلطانُ سنجقه للأميرِ سنقر الرومي وأمَرَه أن يؤمِّنَ الفرنج من القتل، فلما رآه الفرنجُ تركوا القتالَ، وسلَّمَ السنجق للأمير علم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط الحاجب، ودُلِّيَت له الحبال من القلعة فربطها في وسطِه والسنجق معه، ورفع إليها فدخَلَها وأخذ جميعَ سيوف الفرنج وربَطَهم بالحبال وساقهم إلى السلطانِ والأمراء صفوف وهم ألوف، وأباح السلطانُ القلعة للناس، وكان بها من الغِلالِ والذخائر والمال شيءٌ كثير، وكان فيها جملةٌ من الخيول والبغال لم يتعرض السلطان لشيءٍ منه، إلا ما اشتراه ممَّن أخذه بالمال ووجد فيها عِدَّةً من أسرى المسلمين في القيود فأُطلِقوا، وقَيَّد الفرنجَ بقيودهم، وعيَّنَ السلطانُ جماعةً مع الأسرى من الفرنج ليسيروا بهم، وقسَّم أبراج أرسوف على الأمراء، وأمر أن يكون أسرى الفرنجِ يتولون هدم السورِ، فهُدِمَت بأيديهم، وأمرَ السلطان بكشف بلاد قيسارية وعمَل متحَصَّلِها، فعُمِلَت بذلك أوراقٌ، وطَلَبَ قاضي دمشق وعدوله ووكيل بيت المال، وتقدم بأن يملك الأمراءُ المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه، وكتبت تواقيع كل منهم من غير أن يطَّلعوا على ذلك، فلما فرغت التواقيعُ فُرِّقَت على أربابها، وكتب بذلك مكتوبٌ جامع بالتمليك ورحل السلطانُ من أرسوف بعد استكمال هدمِها في يوم الثلاثاء الثالث عشر شهر رجب إلى غزة وسار منها إلى مصر ودخل السلطان من القاهرة في يوم الخميس حادي عشر شعبان والأسرى بين يديه.
الأسبان يستردون مرسية .
العام الهجري : 664 العام الميلادي : 1265
تفاصيل الحدث:
كان المُسلِمونَ قد استردُّوا مدينة مرسية من يد الأسبان سنة 662هـ، ثم في هذا العام استطاع ألفونسو العاشر ملك قشتالة بمساعدة ليون وجيمس الأول ملك أرغونة من استعادتها من يد المسلمينَ، فلم يبقَ بيد المسلمينَ بعدها سوى مقاطعةِ غِرناطة.
السلطان الظاهر بيبرس يحرر مدينة صفد .
العام الهجري : 664 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1266
تفاصيل الحدث:
اهتم السلطانُ الظاهر بيبرس بأمر صفد، وأحضر العساكِرَ المجردة، ورحَّل الأمير بكتاش الفخري أميرَ سلاح بالدهليز السلطاني ونزل على صفد، وتبعه الأميرُ البندقدار والأميرُ عز الدين أوغان في جماعة، وحاصروها، هذا والسلطانُ مقيم على عكا حتى وافته العساكرُ، وعمل عدةَ مجانيقَ، ثم رحل والعساكِرُ لابسة، وساق إلى قربِ باب عكا، ووقفَ على تل الفضول، ثم سار إلى عين جالوت، ونزل على صفد يوم الاثنين ثامن شهر رمضان وحاصرها، فقدم عليه رسول متملك صور ورسل الفداوية، ورسول صاحب بيروت ورسول صاحب يافا، ورسل صاحب صهيون، وصار السلطان يباشر الحصارَ بنَفسِه، وقَدِمَت المجانيق من دمشق إلى جسر يعقوب وهو منزلة من صفد ثم نصبت المجانيقُ فرمي بها في السادس عشر، وصار السلطان يلازم الوقوف عندها وهي ترمي، وأتت العساكِرُ من مصر والشام، فنزلوا على منازلهم وفي ثاني يوم عيد الفطر: وقع الزحفُ على صفد، ودفع الزراقون النفطَ، ووعد السلطان الحجَّارين أنه من أخذ أول حجر كان له مائة دينار، وكذلك الثاني والثالث إلى العشرة، وأمر حاشيته بألا يشتغلوا بخدمته، فكان بين الفريقين قتال عظيم استُشهِدَ فيه جماعة، وكان الواحد من المسلمين إذا قُتِلَ جَرَّه رفيقه ووقف موضِعَه، وتكاثرت النقوبُ ودخل النقَّابون إليها، ودخل السلطانُ معهم، وبذل السلطانُ في هذا اليوم من المال والخِلَع كثيرًا، ونصب خيمةً فيها حكماء وجرائحية وأشربة ومآكل، فصار من يُجرَحُ من العُربان والفقهاء والفقراء وغيرهم يُحضَرُ إليها، وفي ثامنه: كانت بين الفريقين أيضًا مَقاتِلُ، وفي ليلة الرابع عشر: اشتد الزحف من الليل إلى وقت القائلة، فتفرق الناس من شدة التعب، فغضب السلطانُ من ذلك وأمر خواصَّه بالسَّوقِ إلى الصاواوين وإقامة الأمراء والأجداد بالدبابيس، وقال المسلمون على هذه الصورة، وأنتم تستريحون!! فأقيموا، وقبَضَ السلطان على نيف وأربعين أميرًا، وقيَّدَهم وسجَنَهم بالزردخاناه-خزانة السلاح-، ثم شفع فيهم فأطلَقَهم وأمرهم بملازمةِ مواضِعِهم، وضُرِبَت الطبلخاناه- الطبول والأبواق- واشتد الأمر إلى أن طلب الفرنجُ الأمان، فأمَّنَهم السلطان على ألا يخرجوا بسلاحٍ ولا لَأْمةِ حَربٍ ولا شيءٍ مِن الفضيات، ولا يُتلِفوا شيئًا من ذخائر القلعة بنارٍ ولا هدم، وأن يُفتَّشوا عند خروجهم، فإن وُجِدَ مع أحد منهم شيء من ذلك انتقَضَ العهد، ولم تزل الرسُلُ تتردد بينهم إلى يوم الجمعة الثامن عشر، ثم طلعت السناجق –رماح- الإسلاميَّة، وكان لطلوعها ساعةٌ مشهودة، هذا والسلطان راكِبٌ على باب صفد حتى نزل الفرنجُ كُلُّهم، ووقفوا بين يديه فرسم بتفتيشِهم، فوجد معهم ما يناقض الأمانَ من السلاح والفضيات، ووجد معهم عِدَّةً من أسرى مسلمين أخرجوهم على أنهم نصارى، فأخذ ما وجد معهم وأُنزِلوا عن خيولهم، وجُعِلوا في خيمةٍ ومعهم من يحفظهم، وتسَلَّمَ المسلمون صفد، وولى السلطانُ قلعَتَها الأميرَ مجد الدين الطوري، وجعل الأميرَ عز الدين العلائي نائب صفد، فلما أصبح حضر إليه النَّاسُ، فشكر اجتهادَهم واعتذر إليهم مما كان منه إلى بعضِهم، وإنه ما قصَدَ إلَّا حَثَّهم على هذا الفتح العظيم، وقال: من هذا الوقتِ نتحالَلُ، وأمَرَهم فركبوا، وأُحضِرَت خيالة الفرنج وجمعٌ من صفد، فضُرِبَت أعناقهم على تل قرب صفد حتى لم يبق منهم سوى نفرينِ، أحدهما الرسول، فإنه اختار أن يقيمَ عند السلطان ويُسلِم، فأسلم وأقطَعَه السلطانُ إقطاعًا وقَرَّبَه، والآخَرُ تُرِكَ حتى يخبِرَ الفرنج ممَّا شاهده، وصَعِدَ السلطانُ إلى قلعة صفد، وفَرَّق على الأمراء العُدَد الفرنجية والجواري والمماليك، ونَقَل إليها زردخاناه من عنده، وحمل السلطانُ على كتفه من السلاح إلى داخل القلعة، فتشَبَّه به الناس ونقلوا الزردخاناه في ساعةٍ واحدة، واستدعى السلطانُ الرجال من دمشق للإقامةِ بصفد، وقرر نفقةَ رجال القلعة في الشهرِ مبلغ ثمانين ألف درهم نقرةً واستخدم على سائر بلاد صفد، وعَمِلَ بها جامعًا في القلعة وجامعًا بالربض ووقفَ على المجنون نصف وربع الحباب، وللربع الآخر على الشيخ إلياس، ووقف قريةً منها على قبر خالد بن الوليد بحمص، وفي السابع عشر: رحل السلطان من صفد إلى دمشق.
الملك المنصور صاحب حماة يأخذ بلاد سيس من الأرمن .
العام الهجري : 664 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1266
تفاصيل الحدث:
سار الملك المنصور صاحب حماة ومن معه، إلى حصن دير بساك ودخلوا الدربند، وقد بنى التكفور هيتوم بن قسطنطين بن باساك ملك الأرمن على رؤوس الجبال أبراجًا وهو الذي تزهَّد فيما بعد، وترك المُلكَ لولده ليفون فاستعد ووقف في عسكره، فعندما التقى الفريقان أُسِرَ ليفون بن ملك سيس، وقُتِلَ أخوه وعمه، وانهزم عمه الآخر، وقتل ابنه الآخر، وتمزق الباقي من الملوك, وكانوا اثني عشر ملكًا وقُتِلَت أبطالهم وجنودهم، وركب العسكر أقفيتهم وهو يقتل ويأسر ويحرق، وأخذ العسكر قلعة حصينة للداوية، فقُتِلَت الرجال وسُبِيت النساءُ وفُرِّقَت على العسكر وحُرِقت القلعة بما فيها من الحواصل، ودخلوا سيس فأخربوها وجعلوا عاليها سافلها، وأقاموا أيامًا يحرقون ويقتلون ويأسرون، وسار الأمير أوغان إلى جهة الروم، والأمير قلاوون إلى المصيصة وأذنة وأياس وطرسوس، فقتلوا وأسروا وهَدَموا عِدَّةَ قلاع وحرقوا، هذا وصاحب حماة مقيم بسيس، ثم عادوا إليه وقد اجتمع معهم من الغنائم ما لا يعد ولا يحصى، وذلك أن أهل سيس كانوا أضرَّ شيء على المسلمين زمن التتار، لما أخذوا مدينة حلب وغيرها أسروا من نساء المسلمين وأطفالهم خلقًا كثيرًا، ثم كانوا بعد ذلك يغيرون على بلاد المسلمين في زمن هولاكو، فكبته الله وأهانه على يدي أنصار الإسلام، هو وأميره كتبغا، وكان أخذ سيس يوم الثلاثاء العشرين من ذي القعدة من هذه السنة، وطلب صاحب سيس أن يفادي ولده، فقال السلطان لا نفاديه إلا بأسير لنا عند التتار يقال له سنقر الأشقر، فذهب صاحب سيس إلى ملك التتار فتذلل له وتمسكن وخضع له، حتى أطلقه له، فلما وصل سنقر الأشقر إلى السلطان أطلق ابن صاحب سيس.
==============
135.

اللغة
الموسوعة التاريخية
الرئيسة
الموسوعة التاريخية
تنويه سَردٌ تاريخيٌّ مختصرٌ، مُجردٌ من التعليقِ والتحليل
إيقاع السلطان الظاهر بيبرس بأهل قارا النصارى .
العام الهجري : 664 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1266
تفاصيل الحدث:
عندما توجه الملك الظاهر من دمشق، لملتقى عساكره العائدة من غزوة بلاد سيس، ونزل على قارا بين دمشق وحمص، أمر بنهب أهلها وقتلِ كبارهم، فنُهِبوا وقُتِل منهم جماعة لأنهم كانوا نصارى، وكانوا يسرِقونَ المسلمين ويبيعونَهم بالخُفيةِ إلى الفرنج، وأُخِذَت صبيانهم مماليكَ، فترَبَّوا بين الترك في الديار المصرية، فصار منهم أجنادٌ وأمراء.
إقامة الجمعة في الجامع الأزهر بعد أن انقطعت عنه زمنا طويلًا .
العام الهجري : 665 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1266
تفاصيل الحدث:
أُقيمَت الجمعةُ بالجامع الأزهر من القاهرة، وكانت قد بطلت منه منذ ولي قضاء مصر صدرُ الدين عبد الملك بن درباس، عن السلطان صلاحِ الدين يوسف بن أيوب، وقد ظَلَّ كذلك إلى أن سكن الأميرُ عز الدين أيدمر الحلي بجواره، فانتزع كثيرًا من أوقاف الجامع كانت مغصوبة بيد جماعة، وتبرع له بمالٍ جزيل، واستطلق له مِن السلطان الظاهر بيبرس مالًا، وعَمَرَ الواهيَ من أركانه وجدرانه، وبيَّضَه وبلَّطَه ورمَّم سقوفه، وفَرَشه واستجَدَّ به مقصورةً وعَملَ فيه منبرًا، فتنازع الناسُ فيه هل تصح إقامة الجمعة فيه أم لا، فأجاز ذلك جماعةٌ من الفقهاء، ومنع منه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز وغيره، فشكى الحليُّ ذلك إلى السلطان، فكلم فيه قاضي القضاة فصَمَّم على المنع، فعَمِلَ الحلي بفتوى من أجاز ذلك وأقام فيه الجمعة، وسأل السلطانَ أن يحضُرَ فامتنع من الحضور ما لم يحضُرْ قاضي القضاة، فحضَرَ الأتابك والصاحب بهاء الدين وعِدَّة من الأمراء والفقهاء، ولم يحضُر السلطان ولا قاضي القضاة تاج الدين، وعَمِلَ الأمير بدر الدين بيليك الخازندار- ممسك خزانة المال- بالجامع مقصورةً، ورتَّبَ فيها مدرِّسًا وجماعةً مِن الفقهاء على مذهب الشافعي، ورتب محدِّثًا يُسمِعُ بالحديث النبوي والرقائق، ورتَّبَ سبعةً لقراءة القرآن العظيم، وعَمِلَ على ذلك أوقافًا تكفيه، إلَّا أن ابن كثير قال: "في ثاني عشر ربيع الأول صلى الظاهر بالجامع الأزهر الجمعة، ولم يكن تقامُ به الجمعة من زمن العبيديين إلى هذا الحين، مع أنه أول مَسجدٍ بني بالقاهرة، بناه جوهرٌ القائدُ وأقام فيه الجمعةَ، فلما بنى الحاكِمُ جامِعَه حَوَّل الجمعةَ منه إليه، وترك الأزهرَ لا جمعةَ فيه، فصار في حكم بقية المساجِدِ وشَعِثَ حالُه وتغيَّرَت أحواله، فأمر السلطانُ الظاهر بيبرس بعمارتِه وبياضِه وإقامةِ الجمعة"
وفاة بركة خان ابن عم هولاكو .
العام الهجري : 665 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1267
تفاصيل الحدث:
هو زعيمُ القبيلة الذهبية بركة خان بن جوجي بن جنكيز خان في بلاد القفجاق، وهو ابنُ عم هولاكو، وقد أسلم بركة خان وزوجته ججك سنة 655، وكان يحِبُّ العلماء والصالحين ومن أكبَرِ حَسَناتِه كَسرُه لهولاكو وتفريقُ جنوده، وكان يناصِحُ الملكَ الظاهِرَ ويعَظِّمُه ويُكرِمُ رسُلَه إليه، ويُطلِقُ لهم شيئًا كثيرًا، وقد اتَّفَق معه على حربِ هولاكو، في سنة إحدى وستين وقد قام في الملكِ بعده بعضُ أهل بيته وهو منكوتمر بن طغان بن بابو بن تولى بن جنكيزخان، وكان على طريقتِه ومنوالِه، ولله الحمد.
هدنة بين ابن الأحمر ملك غرناطة وملك قشتالة .
العام الهجري : 666 العام الميلادي : 1267
تفاصيل الحدث:
تجدَّدَت الهدنةُ بين محمد بن الأحمر ملك غرناطة وبين مَلِك قشتالة ألفونسو العاشر على أن يَنزِلَ له عن عَدَدٍ من البلادِ والحُصونِ.
وفاة كيقباد صاحب سلاجقة الروم .
العام الهجري : 666 العام الميلادي : 1267
تفاصيل الحدث:
هو السلطانُ ركن الدين كيقباد بن السلطان غياث الدين كيخسرو بن السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش بن أتسز بن إسرائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقي صاحب الروم، كان ملكًا جليلًا شجاعًا لكنَّه كان غيرَ سديد الرأي، كان جعَلَ أمْرَه بيَدِ البرواناه- الحاجب- فاستفحل أمر البرواناه، فأراد ركن الدين هذا قتْلَه فعاجله البرواناه وعمل على قَتْلِه حتى قُتِلَ.
تحرير الظاهر بيبرس مدينة يافا من الفرنج .
العام الهجري : 666 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1268
تفاصيل الحدث:
لما كان يوم العشرين من جمادى الآخر سار السلطانُ الظاهر من العوجاء إلى يافا، وحاصرها حتى ملكها من يومه، وأخذ قلعتها وأخرج من كان فيها من الفرنجِ، وهَدَمَها كُلَّها وجمع أخشابَها ورخامها وحمَلَه في البحر إلى القاهرة، وأمَرَ السلطان ببناء الجوامِعِ بتلك البلاد، وأزال منها المنكَراتِ، ورتَّبَ الخفراءَ على السواحلِ وألزَمَهم بدَركِها، ورسم أن المال المتحصَّل من هذه البلاد لا يُخلَطُ بغيره، وجعله لمأكله ومشربه، وأنزل التركمان بالبلاد الساحلية لحمايتها، وقرر عليهم خيلًا وعدة، فتجَدَّد له عسكرٌ بغير كلفة، وفيه رسَمَ بتجديد عمارةِ الخليل عليه السَّلامُ، ورسم أن يكون عمل الخوان الذي يمَدُّ ناصيةً عن مسجد الخليل.
تحرير الظاهر بيبرس حصن الشقيف من الفرنج .
العام الهجري : 666 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1268
تفاصيل الحدث:
جهَّزَ السلطان عسكرًا إلى الشقيف، ثم سار إليها بنفسه فنزل عليها في يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رجب، وقدم الفقهاءُ للجهاد، ونصب السلطانُ عليها ستة وعشرين منجنيقًا، وألح عليها حتى أخذها يوم الأحد آخر رجب، وأخرج منها نساء الفرنجِ وأولادهم إلى صور، وقيَّدَ الرجال كلهم وسَلَّمَهم للعساكر، وهدم السلطان قلعةً استجدها الفرنجُ هناك، واستناب على القلعة الأخرى الأميرَ صارم الدين قايماز الكافري، ورتب بها الأجناد والرجالة، وقرر فيها قاضيًا وخطيبًا.
غزو السلطان الظاهر بيبرس الفرنج بالشام .
العام الهجري : 666 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1268
تفاصيل الحدث:
رحل السُّلطانَ من الشقيف إلى قرب بانياس، وبعث الأثقالَ إلى دمشق وجهز الأميرَ عز الدين أوغان بجماعة لجهة، وجهز الأمير بدر الدين الأيدمري في جماعةٍ إلى جهة أخرى، فحَفِظَت العساكر الطرقات، ثم سار السلطانُ إلى طرابلس وخيَّمَ عليها في النصف من رجب، وناوش أهلَها القتال وأخذ برجًا كان هناك، وضرب أعناقَ مَن كان من الفرنج، وأغارت العساكِرُ على من في تلك الجبال، وغَنِموا شيئًا كثيرًا وأخذوا عدة مغاير بالسيف، وأحضروا المغانمَ والأسرى إلى السلطان فضَرَبَ أعناق الأسرى، وقطع الأشجارَ وهدم الكنائس، وقسَمَ الغنائم في العسكر، ودخل السلطانُ عن طرابلس في الرابع عشر، فتلقَّاه صاحب صافيتا وأنطرسوس بالخدمة، وأحضر ثلاثمائة أسير كانوا عنده، فشكَرَه السلطان ولم يتعرَّض لبلاده، ونزل السلطان على حمص، وأمر بإبطالِ الخمر والمنكَرات، ثم دخل إلى حماة ولا يعرف أحدٌ أي جهة يقصد، فرتَّب العسكر ثلاثَ فرق: فرقة بصحبة الأمير بدر الدين الخازندار- ممسك خزانة المال- وفرقة مع الأمير عز الدين إيغان، وفرقة مع السلطان، فتوجه الخازندار إلى السويدية، وتوجه إيغان إلى درب بساك، فقتلوا وأسروا، ونزل السلطان أفامية، ووافاه الجميع على أنطاكية.
الظاهر بيبرس يحرر إمارة أنطاكية من الصليبيين .
العام الهجري : 666 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1268
تفاصيل الحدث:
بعد أن انتهى السلطان الظاهر بيبرس من أمر طرابلس وعاد إلى حماة واجتمعت فيه أمراؤه، فأصبح أول شهر رمضان والسلطان مغير على أنطاكية، وأطافت العساكرُ بها من كل جانب، فتكمَّلوا بخيامهم في ثالثه، وبعث السلطان إلى الفرنج يدعوهم وينذرهم بالزحف عليهم، وفاوضهم في ذلك مدة ثلاثة أيام وهم لا يجيبونَ، فزحف عليهم وقاتلهم قتالًا شديدا، وتسَوَّر المسلمون الأسوار من جهة الجبل بالقرب من القلعة، ونزلوا المدينة ففر أهلُها إلى القلعة، ووقع النهبُ والقتل والأسر في المدينة، فلم يُرفَعِ السيف عن أحد من الرجال وكان بها فوقَ المائة ألف، وأحاط الأمراءُ بأبواب المدينة حتى لا يفِرَّ منها أحد، واجتمع بالقلعة من المقاتلة ثمانيةُ آلاف سوى النساء والأولاد، فبعثوا يطلبونَ الأمان فأمِّنوا، وصَعِدَ السلطان إليهم ومعه الحبال، فكُتِّفوا وفُرِّقوا على الأمراء، والكتَّاب بين يدي السلطان ينزلون الأسماءَ، وكانت أنطاكية للبرنس بيموند بن بيموند، وله معها طرابلس، وهو مقيم بطرابلس وكتبت البشائرُ بالفتح إلى الأقطار الشامية والمصرية والفرنجية، وسلمَ السلطان القلعة إلى الأمير بدر الدين بيليك الخازندار- ممسك خزانة المال- والأمير بدر الدين بيسري الشمسي، وأمر بإحضار المغانم لتقتسم، وركب وأبعد عن الخيام وحَمَل ما غَنِمَه وما غنمته مماليكُه وخواصه، وأقام السلطان يومين وهو يباشر القِسمةَ بنفسه، وما ترك شيئًا حتى قسَّمَه ثم ركب السلطان إلى القلعة وأحرقها، وعم بالحريقِ أنطاكية، فأخذ الناسُ من حديد أبوابها ورصاص كنائسِها ما لا يوصف كثرةً، وأقيمت الأسواق خارج المدينة، فقَدِمَ التجَّار من كل جهة، وكان بالقرب من أنطاكية عدَّةُ حصون، فطلب أهلُها الأمان، فتوجه إليهم الأمير بيليك الأشرفي وتسلمها في الحادي عشر، وأسر من فيها من الرجال، ورحل السلطان من أنطاكية إلى شيزر، ثم سار السلطانُ من حمص إلى دمشق، فدخلها في السادس عشر والأسرى بين يديه.
السلطان الظاهر بيبرس يحرر قلعة بغراس .
العام الهجري : 666 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1268
تفاصيل الحدث:
حرر الملك الظاهر بغراس وسبب ذلك أنَّه لما فتح أنطاكية، هرب أهلُ بغراس منها وتركوا الحِصنَ خاليًا، فأرسل الظاهِرُ من استولى عليها، وشحنه بالرِّجالِ والعُدَد، وصار من الحصونِ الإسلاميَّة.
دخول السلطان بيبرس إلى دمشق بعد تحرير أنطاكية .
العام الهجري : 666 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1268
تفاصيل الحدث:
لما فرغ أمر السلطانِ الظاهِرِ من غزوه للشامِ وتحرير أنطاكية عاد منصورًا، فدخل دمشقَ في السابع والعشرين من رمضان في أبهة عظيمة وهيئة هائلة، وقد زُينت له البلد، ودُقت البشائر فرحًا به.
السلطان الظاهر بيبرس يجدد البيعة لولده بركة من بعده .
العام الهجري : 667 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1268
تفاصيل الحدث:
جدَّد السلطان الظاهِرُ البيعةَ لولده من بعده الملك السعيدِ محمد بركة خان، وأحضَرَ الأمراءَ كُلَّهم والقضاة والأعيان وأركَبَه ومشى بين يديه، وكتب له ابنُ لقمان تقليدًا هائلًا بالمُلكِ مِن بعد أبيه، وأن يحكُمَ عنه أيضًا في حالِ حياته.
إبطال السلطان الظاهر بيبرس الخمور وبيوت الخنا .
العام الهجري : 667 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:
أمَرَ السلطان الملك الظاهر بإراقةِ الخمور وتبطيل المُفسِدات وبيوت الخنا بالبلاد كلها، فنُهِبَت الزواني وسُلِبنَ جميعَ ما كان معهن حتى يتزوَّجنَ، وكُتِبَ إلى جميع البلاد بذلك، وأسقَطَ المكوسَ التي كانت مرتَّبةً على ذلك، وعوَّضَ من كان محالًا على ذلك بغيرِها.
الظاهر بيبرس يبسط نفوذه على الحجاز .
العام الهجري : 667 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:
وصَلَ السلطانُ بيبرس إلى المدينة النبويَّةِ في خامس عشر من ذي القعدة، فلم يقابِلْه جماز ولا مالك أميرا المدينة وفَرَّا منه، ورحل منها في سابع عشر، وأحرم فدخل مكَّةَ في خامس ذي الحجة، وأعطى خواصَّه جملةً من المال ليفَرِّقوها سرًّا، وفرق كساويَ على أهل الحرمينِ وصار كواحدٍ مِن الناس، لا يحجُبُه أحَدٌ ولا يحرُسُه إلا الله، وهو منفَرِدٌ يصلي ويطوف ويسعى، وغَسَلَ البيتَ، وصار في وسط الخلائق، وكلُّ من رمى إليه إحرامَه غَسَلَه وناولَه إيَّاه، وجلس على باب البيت، وأخذ بأيدي النَّاسِ ليُطلِعَهم إلى البيت، فتعلَّق بعض العامَّة بإحرامه ليَطلَعَ فقَطَعه، وكاد يرمي السُّلطانَ إلى الأرض، وهو مستبشر بجميعِ ذلك، وعَلَّق كسوة البيت بيده وخواصِّه، وتردد إلى مَن بالحرمين من الصالحين، هذا وقاضي القضاة صدر الدين سليمان بن عبد الحق الحنفي مرافِقُه طول الطريق، يستفتيه ويتفهَّمُ منه أمر دينه، ولم يغفُل السلطان مع ذلك تدبيرَ الممالك، وكتاب الإنشاء تكتُبُ عنه في المهمات، وكتب إلى صاحِبِ اليمن كتابًا ينكر عليه أمورًا، ويقول فيه: سطرتُها من مكة المشرَّفة، وقد أخذت طريقها في سبع عشرة خطوة يعني بالخطوة المغزلة، ويقول له: الملك هو الذي يجاهِدُ في الله حَقَّ جهاده، ويبذلُ نَفسَه في الذبِّ عن حوزةِ الدين، فإن كنتَ ملكًا فأخرج التتارَ، وأحسَن السلطانُ إلى أميري مكة، وهما الأمير نجم الدين أبي نمي والأمير إدريس بن قتادة، وإلى أمير ينبُع وأمير خليص وأكابر الحجاز، وكتب منشورين لأميري مكَّة، فطلبا منه نائبًا تقوى به أنفسُهما، فرتَّبَ الأمير شمس الدين مروان نائب أمير جاندار بمكة، يرجع أمرُهما إليه ويكون الحَلُّ والعقد على يديه، وزاد أميري مكة مالًا وغِلالًا في كلِّ سنة بسبَبِ تسبيل البيتِ للنَّاسِ، وزاد أمراءَ الحجاز إلَّا جمازًا ومالكًا أميري المدينة، فإنهما انتزحا من بين يديه، وقضى السلطانُ مَناسِكَ الحج وسار من مكَّةَ في الثالث عشر، فوصل إلى المدينة في العشرينَ منه، فبات بها وسار من الغدِ، فجَدَّ في السير ومعه عدةٌ يسيرة حتى وصل إلى الكرك بُكرةَ يوم الخميس آخره، ولم يعلم أحدٌ بوصوله إلا عند قبر جعفر الطيَّار بمؤتة، فالتَقَوه هناك، ودخل السلطانُ مدينة الكرك وهو لابس عباءةً، وقد ركب راحلةً، فبات بها ورحل من الغد.
رياح وأمطار شديدة في مصر يهلك بسببها الكثير .
العام الهجري : 667 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:
هبَّت ريحٌ شديدة بديار مصر غرقت مائتي مركبٍ في النيل، وهلك فيها خلقٌ كثير، ووقع هنالك مطرٌ شديدٌ جدًّا، وأصاب الشامَ من ذلك صقعةٌ أهلَكَت الثِّمارَ.
تحصين الإسكندرية وعمل الجسور خوفًا من مداهمة الفرنجة .
العام الهجري : 668 العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:
اهتم السلطان الظاهر لأمر الإسكندرية وأولاها اهتمامَه البالغ كل ذلك لأنها محطُّ نظر الفرنج، ومنها يدخلون مصرَ، فأمر بتحصينها للغايةِ، فعُمِلَت الجسور عليها التي تمنع دخول السفنِ وحُصِّنَت بالأسوار، وقُتِلَت الكلابُ التي فيها.
حرب الموحدين مع بني مرين ونهاية دولة الموحدين في المغرب .
العام الهجري : 668 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:
قام ملك الموحدين الواثقُ بالله المعروف بأبي دبوس بالسير لقتال بني مرين فالتقى معهم في معركة جرت في وادي غفو بين مراكش وفاس، انهزم فيها الموحدون وقُتل فيها أبو العلاء إدريس بن عبد الله بن محمد بن يوسف الواثق واستولى المرينيون على معسكرهم، وكان الواثق آخر ملوك الموحدين في المغرب، وبالتالي تنتهي دولتهم في المغرب.
تحالف الصليبيين مع المغول .
العام الهجري : 668 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:
بعد أن رجع السلطان الظاهر من الحج ودخل دمشق وعاد منها إلى مصر، بلغه حركة التتار، وأنهم واعدوا فرنج الساحل، فعاد إلى قلعة الجبل، فورد الخبر بغارة التتار على الساجور بالقرب من حلب، فجرد السلطانُ الأميرَ علاء الدين البندقدار في جماعة من العسكر، وأمره أن يقيمَ في أوائل البلاد الشاميَّة على أُهبة، وسار السلطانُ من قلعة الجبل في ليلة الاثنين الحادي عشر ربيع الأول ومعه نفرٌ يسير فوصَلَ إلى غزةَ، ثمَّ دخل دمشق في سابع ربيع الآخر، ولحق الناسَ في الطريق مشقةٌ عظيمة من البرد، فخيَّم على ظاهر دمشق، ووردت الأخبارُ بانهزام التتار عندما بلغهم حركةُ السلطان، ثم ورد الخبَرُ بأن جماعة من الفرنج خرجوا من الغرب، وبعَثوا إلى أبغا بن هولاكو بأنهم واصلون لمواعدتِه من جهة سيس في سفن كثيرةٍ، فبعث الله على تلك السفن ريحًا أتلفت عدَّةً منها، ولم يُسمَع بعدها لمن بقي في الأخرى خبَرٌ.
إغارة السلطان الظاهر بيبرس على عكا بسبب نكثهم العهد .
العام الهجري : 668 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1269
تفاصيل الحدث:
خرج فرنج عكا وخيَّموا بظاهرها، وركبوا وأعجبَتْهم أنفسُهم بمن قدم إليهم من فرنج الغرب، وتوجَّهت طائفة منهم إلى عسكر جينين وعسكر صفد، فخرج السلطانُ من دمشق على أنه يتصَيَّد في مرج برغوث وبعث من أحضر إليه العُدَد ومن أخرج العساكرَ كُلَّها من الشام، فتكاملوا عنده بكرةَ يوم الثلاثاء الحادي عشر ربيع الأول بمرج برغوث، وساق بهم إلى جسرِ يعقوب فوصل آخرَ النهار، وسار بهم في الليل فأصبحَ في أول المرج، وكان السلطانُ قد سيَّرَ إلى عساكر عين جالوت وعساكر صفد بالإغارة في الثاني عشر، فإذا خرج إليهم الفرنج انهزموا منهم، فاعتمدوا ذلك، ودخل السلطان الكمين، فعندما خرج جماعة من الفرنج لقتال عسكر صفد تقدم إليهم الأمير إيغان، ثم بعده الأمير جمال الدين الحاجبي، ومعهما أمراءُ الشام، ثم ساق الأمير أيتمش السعدي، والأميرُ كندغدي أمير مجلس، ومعهما مقدَّمو الحلقة، فقاتل الأمراءُ الشاميون أحسَنَ قتال، وتَبِعَ السلطان مقَدَّمي الحلقة، فما أدركهم إلا والعدوُّ قد انكسر، وصارت الخيَّالة بخيلها مطَّرحةً في المرج، وأسر السلطان كثيرا من أكابرهم، ولم يعدم من المسلمين سوى الأمير فخر الدين ألطونبا الفائزي، فسارت البشائرُ إلى البلاد، وعاد السلطانُ إلى صفد والرؤوس بين يديه، وتوجَّه منها إلى دمشق فدخَلَها في السادس عشر، والأسرى ورؤوس القتلى بين يديه.
إغارة السلطان الظاهر بيبرس على حصن الأكراد .
العام الهجري : 668 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1270
تفاصيل الحدث:
ركب السلطان في ثالث جمادى الآخرة، بمائتي فارس من غير سلاح، وأغار على حصن الأكراد وصَعِدَ الجبل الذي عليه حصن الأكرادِ ومعه قدر أربعين فارسًا، فخرج عليه عدة من الفرنج ملبسين، فحمل عليهم وقتل منهم جماعةً، وكسر باقيَهم وتبعهم حتى وصل إلى خنادقهم، وقال يستخف بهم: خلوا الفرنجَ يخرجوا، فما نحن أكثَرُ من أربعين فارسًا، وعاد إلى مخيمه، ورعى الخيولُ مروجَها وزروعَها.
===============
136.

اللغة
الموسوعة التاريخية
الرئيسة
الموسوعة التاريخية
تنويه سَردٌ تاريخيٌّ مختصرٌ، مُجردٌ من التعليقِ والتحليل
أمراء الشام يقدمون على الظاهر بيبرس لتقديم فروض الطاعة .
العام الهجري : 668 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1270
تفاصيل الحدث:
أثناء حصارِ السلطان بيبرس حصن الأكرادَ حضر إلى خدمة السلطان كثيرٌ من أصحاب البلاد المجاورة، فلم يبق أحدٌ إلا وقدم على السلطان مثل: صاحب حماة، وصاحب صهيون، إلا نجم الدين حسن بن الشعراني صاحب قلاع الإسماعيليَّة، فإنه لم يحضر بل بعث يطلبُ تنقيضَ القطعة التي حملوها لبيت المال، بدلًا مما كانوا يحملونه إلى الفرنج، وكان صارم الدين مبارك بن الرضي صاحب العليقة قد تغير السلطان عليه من مدة، فدخل صاحب صهيون بينه وبين السلطان في الصلح، وأحضره إلى الخدمة، فقَلَّدَه السلطان بلاد الدعوةِ استقلالًا، وأعطاه طبلخاناه، وعزل نجمَ الدين حسن بن الشعراني وولده من نيابة الدعوة، وتوجه صارم الدين إلى مصياف كرسي بلاد الإسماعيليَّة في السابع عشر جمادى الآخرة، وصَحِبَته جماعةٌ لتقرير أمره.
الحملة الصليبية الثامنة على شمال أفريقيا بقيادة لويس التاسع .
العام الهجري : 669 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1270
تفاصيل الحدث:
قام ملك فرنسا لويس التاسع بتجهيز حملة صليبيةٍ هي في التعداد الثامنة، وقصد بها تونسَ ليجعَلَها طريقه إلى مصر، لكنَّ قواتِ أمير تونس أبي عبد الله محمد بن أبي زكريا الحفصي تصَدَّت لها وساعد أيضًا على فشلها انتشار الأوبئة بينهم مع حرارةِ الجو وكان ممَّن توفي في تونس من الصليبيين الملك نفسُه لويس التاسع، غير الكثير من أفراد جيشه.
وفاة الملك تقي الدين عباس بن الملك العادل الأيوبي .
العام الهجري : 669 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:
هو الملك تقي الدين عباس بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شاذي، وهو آخِرُ من بقي من أولاد العادل، وقد سَمِعَ الحديثَ مِن الكندي وابن الحرستاني، وكان محترمًا عند الملوك لا سيما عند الملك الظاهِرِ لا يترفَّعُ عليه أحد في المجالِسِ والمواكب، وكان لين الأخلاق حَسَن العِشرة، لا تُمَلُّ مجالسته‏, توفِّيَ يوم الجمعة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة بدرب الريحان، ودُفِنَ بتربة له بسفح قاسيون.
السلطان الظاهر بيبرس يفتح حصن الأكراد .
العام الهجري : 669 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:
في يوم الخميس ثامن رجب دخل الظاهر دمشق وفي صحبته ولده الملك السعيد بركة وابن الحنا الوزير وجمهور الجيش ثم خرجوا متفرقين وتواعدوا أن يلتقوا بالساحل ليشنوا الغارة على جبلة واللاذقية ومرقب وعرقا وما حولها من البلاد، فلما اجتمعوا فتحوا صافينا والمجدل، ثم ساروا فنزلوا على حصنِ الأكراد يوم الثلاثاء التاسع عشر رجب، وله ثلاثةُ أسوار، فنصبوا المنجنيقاتِ ففتحها قسرًا يوم نصف شعبان، فدخل الجيش، وكان الذي يحاصره ولد السلطان الملك السعيد بركة، فأطلق السلطان أهله ومَنَّ عليهم وأجلاهم إلى طرابلس، وتسَلَّم القلعةَ بعد عشرة أيام من الفتح، فأجلى أهلَها أيضًا وجعل كنيسةَ البلد جامعًا، وأقام فيه الجمعة، وولى فيها نائبًا وقاضيًا وأمر بعمارة البلد، وبعث صاحبَ طرسوس بمفاتيح بلده يطلُبُ منه الصُّلحَ على أن يكون نصف مغل بلاده للسلطان، وأن يكون له بها نائبًا فأجابه إلى ذلك، وكذلك فعل صاحب المرقب فصالحه أيضًا على المناصفة ووضع الحربَ عشرَ سنين.
تحرير السلطان الظاهر حصن عكا .
العام الهجري : 669 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:
بلغ السلطان الظاهر بيبرس وهو مخيِّم على حصن الأكراد أنَّ صاحب جزيرة قبرص قد ركِبَ بجيشه إلى عكا لينصُرَ أهلها خوفًا من السلطان، فأراد السلطان أن يغتَنِمَ هذه الفرصة فبعث جيشًا كثيفًا في اثني عشرة شيني - نوعا من المراكب- ليأخذوا جزيرة قبرص في غيبةِ صاحِبِها عنها، فسارت المراكِبُ مسرعة فلما قاربت المدينة جاءتها ريحٌ عاصف فصدم بعضها بعضًا فانكسر بعضُها, وغَرِقَ خلقٌ وأسَرَ الفرنج من الصناع والرجال قريبًا من ألف وثمانمائة، ثم سار السلطانُ فنصب المجانيق على حِصنِ عكا فسأله أهلُها الأمان على أن يخَلِّيَهم فأجابهم إلى ذلك، ودخل البلدَ يوم عيد الفطر فتسَلَّمه، وكان الحِصنُ شديد الضرر على المسلمين، وهو وادٍ بين جبلين.
وفاة ابن سبعين الصوفي .
العام الهجري : 669 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:
هو أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن محمد بن نصر بن محمد بن سبعين، القرشي، المخزومي، بن قطب الدين المقدسي الصوفي الرقوطي، نسبة إلى رقوطة بلدة قريبة من مرسية بالأندلس. المشهور بابن سبعين، ولِدَ سنة أربع عشرة وستمائة، واشتغل بعلم الأوائل والفلسفة، فتولَّدَ له من ذلك نوع من الإلحاد، وصنَّفَ فيه، وكان يعرف السيميا، وكان يلَبِّسُ بذلك على الأغبياء من الأمراء والأغنياء، ويزعُمُ أنه حال من أحوال القوم، وله المصنفات منها كتاب البدوي، وكتاب الهو، رسالة النصيحة النورية، عهد ابن سبعين، الإحاطة، الرسالة الفقيرية، الحكم والمواعظ، الرسالة القبرصية, وقد أقام بمكة واستحوذ على عقل صاحبها أبي نمي بن أبي سعد. وشاع صيتُه وكثر أتباعه بين أهل مكة بسبب سخائه وعِلمِه، وقد ظل ابن سبعين في مكَّة حتى توفي به، وجاور في بعض الأوقاتِ بغار حراء يرتجي فيما يُنقَلُ عنه أن يأتيه فيه وحيٌ، كما أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم!! بناء على ما يعتقده من العقيدة الفاسدة من أن النبوة مكتسبة، وأنها فيض يفيض على العقل إذا صفا، فما حصل له إلا الخزي في الدنيا والآخرة، إن كان مات على ذلك, وقد كان إذا رأى ابن سبعين الطائفينَ حول البيت يقول عنهم كأنهم الحميرُ حول المدار، وأنهم لو طافوا به كان أفضَلَ من طوافهم بالبيتِ، وقد نُقِلَت عنه عظائم من الأقوال والأفعال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فصار بعضُهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقُه فيقول كما كان ابن سبعين يقول: "لقد زرَّب ابن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي" أو يرى لكونه أشد تعظيمًا للشريعة أن باب النبوة قد أغلق فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة، وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء!! ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية؛ لأنه يرى الأمر على ما هو عليه فلا بد أن يراه هكذا، وإنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية؛ لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول!! وهذا بناء على أصول هؤلاء الفلاسفة الكفار الذين هم أكفر من اليهود والنصارى". وقال شيخ الإسلام: "ابن سبعين أحد أئمة الاتحادية ومحققيهم وأذكيائهم، أنه قال عن كلام ابن عربي: "فلسفة مخموجة" وكلامه هو أدخل في الفلسفة وأبعد عن الإسلام، ولا ريب أن هؤلاء من جنس الملاحدة الباطنية القرامطة، وهؤلاء الفلاسفة مشتركون في الضلال ومذاهب هؤلاء الفلاسفة في الإلهيات من أشد المذاهب اضطرابًا وتناقضًا وقولًا لا حقيقة له، فلما كان مذهبهم المقارنة التي هي في الحقيقة تعطيل الصنع والخلق والإبداع وإن كانوا يدَّعون أنهم يثبتون واجبًا غير العالم، فهذا دعواهم، وإلا ففي الحقيقة يلزمهم ألا يكون ثَمَّ واجِبُ الوجود غير العالم، وهذا حقيقة قول الاتحادية وهو الذي أظهره إمام هؤلاء فرعون؛ فإن الاتحادية تنتحله وتعظمه والباطنية تنتحله وتعظمه وهو على مقتضى أصول الفلاسفة الصابئة المشركين الذين هم من أعظم الناس إيمانًا بالجبت والطاغوت" قال الذهبي: "كان ابن سبعين صوفيًّا على قاعدة زهاد الفلاسفة وتصوفهم، وله كلام كثير في العرفان على طريق الاتحاد والزندقة, وقد ذكرنا محط هؤلاء الجنس في ترجمة " ابن الفارض "، و " ابن العربي " وغيرهما. فيا حسرة على العباد كيف لا يغضبون لله تعالى ولا يقومون في الذبِّ عن معبودهم، تبارك اسمُه وتقدست في ذاته، عن أن يمتزج بخَلقِه أو يحِلَّ فيهم, وتعالى الله عن أن يكون هو عينَ السموات والأرض وما بينهما, فإن هذا الكلام شر من مقالة من قال بقدم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عذرني، أو هو زنديق مبطن للاتحاد يذب عن الاتحادية والحلولية، ومن لم يعرفهم فالله يثيبه على حسن قصده. وينبغي للمرء أن يكون غضَبُه لربه إذا انتُهِكَت حرماته أكثَرَ من غضبه لفقير غير معصوم من الزَّلَل. فكيف بفقير يحتمل أن يكون في الباطن كافرًا، مع أنا لا نشهد على أعيان هؤلاء بإيمان ولا كفر لجواز توبتهم قبل الموت. وأمرهم مُشكِل وحسابُهم على الله, وأما مقالاتهم فلا ريب في أنها شر من الشرك، فيا أخي ويا حبيبي أعطِ القوس باريَها ودعني ومعرفتي بذلك، فإنني أخاف الله أن يعذبني على سكوتي، كما أخاف أن يعذبني على الكلام في أوليائه. وأنا لو قلت لرجل مسلم: يا كافر، لقد بؤتُ بالكفر، فكيف لو قلتُه لرجل صالح أو ولي لله تعالى؟ " توفي ابن سبعين في الثامن والعشرين من شوال بمكة.
السلطان الظاهر بيبرس يحرر القرين .
العام الهجري : 669 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:
خرج السلطان الظاهر بيبرس من دمشق وأتى إلى الساحل، ثم سار إلى القرين وهي قلعة تقع شمال شرق عكا ونازله، وأخذ باشورته –حائط ظاهر الحصن يختفي وراءه الجند عند القتال- في ثاني ذي القعدة، فأخذ الحصن وأمر بهدم قلعته، ثم سار عنه ونزل اللجون، وتقدمت مراسيمه إلى النواب بالديار المصرية بتجهيز الشواني، ثم إن السلطان جاء إلى عكا وأشرف عليها وتأملها، ثم سار إلى الديار المصرية.
السلطان الظاهر بيبرس يأمر بإراقة الخمور من سائر بلاده .
العام الهجري : 669 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:
وفي اليوم السابع عشر من ذي الحجة من هذه السنة أمر بإراقة الخمور من سائر بلادِه وتهَدَّد من يعصِرُها أو يعتَصِرُها بالقتل، وأسقَطَ ضمان ذلك، وكان ذلك بالقاهرة وحدها كلَّ يوم ضمانه ألف دينار، ثم سارت البُرُد بذلك إلى الآفاق.
الروم يغيرون على بعض بلاد المسلمين .
العام الهجري : 670 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1271
تفاصيل الحدث:
وصلت العساكرُ المصريَّةُ إلى حضرة السلطان الظاهر بيبرس إلى دمشق فسار بهم منها في سابع هذا الشهر، فاجتاز بحماة واستصحب ملكها المنصور، ثم سار إلى حَلَب فخيم بالميدان الأخضر بها، وكان سَبَبُ ذلك أن عساكِرَ الروم جمعوا نحوًا من عشرة آلاف فارس وبعثوا طائفةً منهم فأغاروا على عينِ تاب، ووصلوا إلى نسطون ووقعوا على طائفة من التركمان بين حارم وأنطاكية فاستأصلوهم، فلما سمع الروم بوصول السلطان ومعه العساكر المنصورة ارتدوا على أعقابهم راجعينَ، وكان بلغه أن الفرنج أغاروا على بلاد قاقون ونهَبوا طائفة من التركمان، فقبض على الأمراءِ الذين هناك حيث لم يهتَمُّوا بحفظ البلاد وعادوا إلى الديارِ المصرية.
محاربة السلطان الظاهر طائفة من التتار وخوضه نهر الفرات .
العام الهجري : 671 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1273
تفاصيل الحدث:
في خامس جمادى الآخرة وصل السلطان بعسكره إلى الفراتِ؛ لأنه بلغه أن طائفةً مِن التتار هنالك فخاض إليهم الفراتَ بنَفسِه وجنده، وقتل من أولئك مقتلةً كبيرةً وخلقًا كثيرًا، وكان أوَّلَ من اقتحم الفراتَ يومئذ الأميرُ سيف الدين قلاوون وبدر الدين بيسرى وتبعهما السلطانُ، وكان قد اقتحم الأمير قلاوون الألفي الصالحي الفرات، فخاض ومعه عِدَّةٌ وافرة، وصدم التتارَ صَدمةً فَرَّقهم بها ومزَّقهم، ثم فعل بالتتار ما فعل من القتلِ والأسر، ثم ساق إلى ناحيةِ البيرة وقد كانت محاصرةً بطائفة من التتار أخرى، فلما سمعوا بقدومه هربوا وتركوا أموالهم وأثقالهم، ودخل السلطانُ إلى البيرة في أبَّهة عظيمةٍ وفَرَّق في أهلها أموالًا كثيرة، ثم عاد إلى دمشقَ في ومعه الأسرى.
وفاة الإمام العلامة القرطبي صاحب التفسير .
العام الهجري : 671 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1273
تفاصيل الحدث:
هو الإمامُ العلَّامة، المتفنن المتبحر في العلم، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرخ الخزرجي الأنصاري القرطبي، من أهل قرطبة، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. قال الذهبي: "له تصانيفُ مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله، أشهرها تفسيره الجامع لأحكام القرآن، وقد سارت به لعظيمِ شأنه الركبانُ، وهو كامل في معناه. ومن تصانيفه كذلك: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، والتذكار في أفضل الأذكار، وكتاب "التذكرة"، وأشياء تدل على إمامته وذكائه وكثرة اطلاعه". رحل إلى المشرق واستقر في شمال أسيوط، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. توفي في أوائل هذه السنة بمنية بني خصيب من الصعيد الأدنى عن 93 عامًا.
تسليم الإسماعيلية ما كان بقي بأيديهم من الحصون .
العام الهجري : 671 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1273
تفاصيل الحدث:
في سادس عشر من صفر عام 670هـ قدم شمس الدين بن نجم الدين صاحب الدعوة الإسماعيلية، فقُبِضَ عليه وعلى أصحابه وسُيِّروا إلى مصر، واستمرت مضايقةُ حصونهم حتى تسَلَّم نواب السلطان حصنَ الخواني وحصن العليقة، وفي ذي القعدة من هذا العام سلمت الإسماعيليةُ ما كان بقي بأيديهم من الحصونِ، وهي الكهف، والقدموس، والمنطقة، وعُوِّضوا عن ذلك بإقطاعات، ولم يبق بالشامِ شَيءٌ لهم من القلاع، واستناب السلطانُ فيها.
وفاة الملك المغيث عمر بن الملك العادل .
العام الهجري : 671 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1273
تفاصيل الحدث:
هو الملك المغيث فتح الدين أبو الفتح عمر بن الملك العادل أبي بكر بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، صاحب الكرك، كان مولده بالقاهرة في صفر سنة 606. قتل المَلِك المغيث في هذه السنة, وسَبَب قتله كما قال الذهبي: "أنه كان في قلب الملك الظاهِرِ بيبرس منه غيظٌ عظيم، لأمورٍ كانت بينهما، قيل إنَّ المغيث أكره امرأةَ الملك الظاهر بيبرس، لَمَّا قبضَ المغيث على البحرية. وأرسَلَهم إلى الناصر يوسف صاحب دمشق، وهرب الملِكُ الظاهر بيبرس، وبقيت امرأتُه في الكرك، والله أعلم بحقيقة ذلك، وكان من حديثِ مَقتَلِه: أنَّ الملك الظاهر بيبرس ما زال يجتهد على حضور المغيث، وسار المغيثُ حتى وصل إلى بيسان، فركب الملك الظاهِرُ بعساكره والتقاه في يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة، فلما شاهَدَ المغيث الملك الظاهر، ترجَّلَ فمنعه الملك الظاهِرُ وأركبه وساقَ إلى جانِبِه، وقد تغير وجهُ الملك الظاهر، فلما قارب الدهليز، أفرد المَلِكَ المغيثَ عنه وأنزَلَه في خيمةٍ وقَبَضَ عليه، وأحضر الفُقَهاءَ والقضاة وأوقَفَهم على مكاتبات من التتار إلى الملك المغيث، أجوبةً عمَّا كتب إليهم به في إطماعِهم في ملك مصر والشام, ثم أرسَلَه مُعتَقَلًا إلى مصر، فكان آخرَ العهد به. وقيل إنه حُمِلَ إلى امرأة الملك الظاهر بيبرس بقلعة الجبل، فأمَرَت جواريَها فقتَلْنَه بالقباقيبِ" قُتِلَ المغيث في السابع والعشرين من ذي الحجة.
مقتل رجل ادعى أنه عيسى بن مريم .
العام الهجري : 672 العام الميلادي : 1273
تفاصيل الحدث:
فوض ملك التتار إلى علاء الدين صاحب الديوان ببغداد النظرَ في تستُرَ وأعمالِها، فسار إليها ليتصَفَّحَ أحوالها فوجد بها شابًّا من أولاد التجَّار يقال له "لي" قد قرأ القرآنَ وشَيئًا من الفقه والإشارات لابن سينا، ونظر في النجوم، ثمَّ ادعى أنه عيسى ابن مريم، وصَدَّقه على ذلك جماعةٌ من جهلة تلك الناحية، وقد أسقَطَ لهم من الفرائِضِ صلاةَ العصر وعِشاء الآخرة!! فاستحضره وسأله عن ذلك فرآه ذكيًّا، إنما يفعل ذلك عن قصدٍ، فأمر به فقُتِلَ بين يديه، جزاه الله خيرًا، وأمر العوامَّ فنهبوا أمتعَتَه وأمتعة العوامِّ ممَّن كان اتبعه.
وفاة جلال الدين الرومي أحد أعلام الشعر الصوفي .
العام الهجري : 672 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1274
تفاصيل الحدث:
هو جلال الدين محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي البكري, وعرف أيضًا باسم مولانا جلال الدين الرومي شاعر، عالمٌ بفقه الحنفيَّة. من فحولِ شعراء الصوفية في الإسلام. وُلد ببلخ في 6 من ربيع الأول 604هـ (30 من سبتمبر 1207م) لأسرةٍ قيل: إن نسَبَها ينتهي إلى أبي بكر الصديقِ رضي الله عنه، وتحظى بمصاهرة البيت الحاكم في خوارزم، وأمُّه كانت ابنة خوارزم شاه علاء الدين محمد, وما كاد يبلغُ الثالثة من عمره حتى انتقل مع أبيه إلى بغداد سنة 607هـ (1210م) على إثر خلاف بين أبيه والوالي محمد قطب الدين خوارزم شاه, وفي بغداد نزل أبوه في المدرسة المستنصريَّة، ولكنه لم يستقِرَّ بها طويلًا؛ إذ قام برحلة واسعة ومعه ابنه جلال الدين زار خلالها دمشق ومكة وملطية وأرزبخان ولارند، ثم استَقَرَّ آخر الأمر في قونية في عام 632هـ (1226م) حيث وجَدَ أبوه الحماية والرعاية في كنف الأمير السلجوقي علاء الدين قبقباذ، واختير للتدريس في أربع مدارس بقونية حتى توفي سنة 628هـ (1231م)، فخلفه ابنه جلال الدين في التدريس بتلك المدارس. وقد عُرف جلال الدين بالبراعة في الفقه إلا أنه لم يستمر كثيرًا في التدريس؛ فقد كان للقائه بالصوفي المعروف شمس الدين تبريزي أعظَمُ الأثر في حياته العقليَّة والأدبية، فمنذ أن التقى به حينما وفد على قونية في إحدى جولاته، تعلق به جلال الدين، وأصبح له سلطانٌ عظيمٌ عليه ومكانةٌ خاصة لديه. وانصرف جلال الدين بعد هذا اللقاء عن التدريس، وانقطع للتصوُّفِ ونظْمِ الأشعار وإنشادها، وأنشأ طريقةً صوفية عُرفت باسم المولويَّة نسبة إلى مولانا جلال الدين.اهتم جلال الدين الرومي بالرياضة وسماع الموسيقى، وجعل للموسيقى مكانةً خاصة في محافِلِ تلك الطريقة. توفِّي جلال الدين عن عمر بلغ نحو سبعين عامًا، ودُفن في ضريحه المعروف في "قونية" في تلك التكية التي أنشأها لتكون بيتًا للصوفيَّة.
وفاة ابن مالك النحوي صاحب الألفية .
العام الهجري : 672 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1274
تفاصيل الحدث:
هو العلَّامة الأوحَدُ، أبو عبدِ اللهِ جمالُ الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الأندلسي الشافعي النحوي، نزيلُ دمشق. ولد بجيَّان في الأندلس سنة 600 وأقام بحَلَب مدة، ثم بدمشق، أخذَ العربية عن غير واحد، وجالس بحلب ابن عمرون وغيره. وتصدر بحَلَب لإقراء العربية وصَرَف همَّتَه إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغايةَ، وحاز قَصَب السبق، وأربى على المتقدِّمين, وهو صاحب الألفية المشهورة (ألفية بن مالك) التي شرحها وَلَدُه بدر الدين شرحًا مفيدًا، وكان كثير الاجتماع بابنِ خَلِّكان وأثنى عليه غيرُ واحد، كان إمامًا في اللغة والنحو والقراءات وعِلَلِها، صَنَّف فيها قصيدة دالية مرموزة في مقدار "الشاطبية"، وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثارِ مِن نَقلِ غَريبِها والاطلاعِ على وَحشِيِّها، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرًا لا يجارى وحَبرًا لا يُبارى، وأما أشعار العرب التي يُستشهَدُ بها على اللغة والنحو فكانت الأئمَّة الأعلام يتحيَّرون فيه ويتعجبون من أين يأتي بها، وكان نظمُ الشِّعرِ سَهلًا عليه، رَجَزُه وطويلُه وبسيطُه وغير ذلك، هذا مع ما هو عليه من الدِّينِ المتين وصِدقِ اللهجة وكثرة النوافِلِ، وحُسنِ السَّمتِ، ورقة القلبِ، وكمال العقل والوقار والتؤَدة. أقام بدمشقَ مدة يصنِّف ويشغل. وتصدر بالتربة العادلية وبالجامع المعمور، وتخرج به جماعة كثيرة. وله تصانيفُ مشهورة المفيدة، منها الكافية الشافية وشرحها وهي في ثلاثة آلاف بيت، تسهيل الفوائد في النحو وشرحه، وسبك المنظوم وفك المختوم، وله تحفة المودود في المقصور والممدود، ولامية الأفعال، وغيرها، توفي ابن مالك بدمشق ليلة الأربعاء ثاني عشر رمضان، وقد نيف على التسعين، ودفن بتربة القاضي عز الدين بن الصائغ بقاسيون.
وفاة نصير الدين الطوسي وزير هولاكو .
العام الهجري : 672 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1274
تفاصيل الحدث:
هو الفيلسوف الرياضي الفلكي نصير الدين أبو جعفر محمد بن عبد الله الطوسي، كان يقال له المولى نصير الدين، ويقال الخواجا نصير الدين، اشتغل في شبيبتِه وحصَّل علم الأوائلِ جيدًا، وصَنَّف في ذلك في علم الكلامِ، وشرح الإشارات لابن سينا، حتى كان رأسًا في علم الأوائل، لا سيَّما معرفة الرياضة وصنعة الأرصاد، فإنه فاق بذلك على الكبار. اشتغل في بداية أمرِه على المعين سالم بن بدران المصري المعتزلي، المتشيِّع الرافضي فنزع فيه عروق كثيرة منه، حتى أفسد اعتقادَه، وزَرَ نصير الدين لأصحاب قلاع ألموت من الإسماعيلية، ثم وزر لهولاكو، وكان ذا حُرمة وافرة ومنزلةٍ عاليةٍ عند هولاكو, وكان معه في واقعة بغداد، وقيل إنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفةِ بعد أن كان أحدُ منجِّمي هولاكو حذَّره من مغبة ذلك، وكان يطيعُه فيما يشير به, وجعله هولاكو على أوقافِ بغداد يتصَرَّف فيها كيف يشاء, فابتنى بمدينةِ مراغة قُبَّة رصد عظيمة ورتَّبَ فيها الحكماء من المنجِّمين والفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمحدثين والأطباء وغيرهم من أنواع الفضلاء، وجعل لهم الجامكيَّة- الراتب- واتخذ فيها خزانةً عظيمة عالية، فسيحةَ الأرجاء وملأها بالكتب التي نُهِبَت من بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمَّعَ فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد. وكان سمحًا، كريمًا، حليمًا حسن العشرةِ، غزيرَ الفضائل، جليلَ القدر، لكنَّه على مذهب الأوائِلِ في كثيرٍ مِن الأصول، نسأل الله الهدى والسَّداد. وله شعرٌ جيد قوي, وله كتابُ أخلاق ناصري بالفارسية ألَّفه لمتملك الإسماعيليَّة لما كان وزيرًا له في ألموت، وله كتاب تجريد العقائد بالعربية، وهو في الفلسفة وعلم الكلام، وله إثبات العقل الفعال وشرح كتاب المجسطي (المنطق) وغير ذلك. قال ابن القيم: " صارع محمد الشهرستانى ابن سينا في كتاب سماه "المصارعة" أبطل فيه قولَه بقدم العالم وإنكار المعاد، ونفى علمَ الرب تعالى وقدرته، وخلقه العالم، فقام له نصير الإلحاد وقعد، ونقَضَه بكتاب سماه "مصارعة المصارعة" ووقَفْنا على الكتابين نصر فيه: أن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام. وأنه لا يعلم شيئًا، وأنه لا يفعل شيئًا بقدرته واختياره، ولا يبعث من في القبور, وبالجملة فكان هذا الملحِدُ هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر". توفي في بغداد في ثاني عشر ذي الحجة، وله خمس وسبعون سنة.
استيلاء المرينيين على سجلماسة .
العام الهجري : 673 العام الميلادي : 1274
تفاصيل الحدث:
قام المنصور بالله أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني الأمازيغي بالاستيلاءِ على سجلماسة واستخلصها من أيدي بني زيان بعد أن حاصرها عامًا كاملًا، ويُذكَرُ أنه استعمل في هدم أسوارِها قاذفات البارود.
الظاهر بيبرس يغزو كليكيا والمصيصة الأرمينية .
العام الهجري : 673 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1275
تفاصيل الحدث:
في سابع رمضان دخل السلطانُ بيبرس حماة، ثم صار منها بالعساكر والعربان، وجرَّد السُّلطان عيسى بن مهنا، والأمير حسام الدين العنتابي، بعسكرٍ إلى البيرة، وجهَّزَ الأمير قلاوون الألفي والأمير بيليك الخازندار – ممسك خزنة المال- بعسكرٍ إلى بلاد سيس؛ وذلك بسبب أن الحاجِبَ معين الدين سليمان بن مهذب الدين علي الديلمي وزير قليج أرسلان الرابع ملك سلاجقة الروم دعاه إليها وحرضه على القدوم، وبسبب أيضا تحالف الأرمنيين مع التتار، فساروا وهجموا على الأرمن في المصيصة، وقتلوا من بها، وكانت المراكِبُ قد حملت معهم على البغال وهي مفصلة، ليعدُوا فيها من نهر جهان والنهر الأسود، فلم يحتَجْ إليها، ووصل السلطانُ على الأثر بعد ما قطع بعساكره النهرَ الأسود وقاسَوا مشقة، وملكوا الجبالَ وغَنِموا عنها ما لا يحصى كثرة، ما بين أبقار وجواميس وأغنام، فدخل السلطانُ إلى سيس في التاسع عشر وعيَّدَ بها، وانتهبها وهدم قصور التكفور ومناظِرَه وبساتينَه، وبعث إلى دربند الروم، فأحضر إليه من سبايا التتار عدة نساء وأولاد، وسَيَّرَ إلى طرسوس، فأُحضِرَ إليه منها ثلاثمائة رأس من الخيل والبغال، وبعث إلى البحر عسكرًا فأخذ مراكب، وقتل من كان فيها، وانبثت الغاراتُ في الجبال، فقتلوا وأسروا وغنموا، وبعث السلطانُ إلى إياس بالعساكر، وكانت قد أُخلِيَت، فنَهَبوا وحَرَقوا وقَتَلوا جماعةً، وكان قد فَرَّ مِن أهلها نحوُ الألفين ما بين فرنج وأرمن في مراكب، فغَرِقوا بأجمَعِهم في البحر، واجتمَعَ من الغنائم ما لا يحصُرُه قَلَمٌ لكثرته، ووصلَت العُربان والعسكَرُ إلى البيرة، وساروا إلى عينتاب وغنموا، فانهزم التتارُ منهم وعادوا، فرحل السلطانُ من سيس إلى المصيصة من الدربند، فلما قطَعَه جعل الغنائِمَ بمرج أنطاكيةَ حتى ملأته طولًا وعرضًا، ووقف بنفسه حتى فرقها، فلما فرغ من القسمة سار إلى دمشق، فدخلها في النصفِ من ذي الحجة.
ملك غرناطة يستنجد بملك مرين .
العام الهجري : 674 العام الميلادي : 1275
تفاصيل الحدث:
استنجد أبو عبد الله محمد الثاني بن محمد الأول ملك غرناطة الملقَّب بالفقيه السلطان أبي يوسف المنصور يعقوب بن عبد الحق ملك بني مرين فسَيَّرَ إليه الأخير جيشًا كثيفًا عبر البحر ونزل مدينةَ طريف وأخذ في غزو البلاد التي استولى عليها الأسبانُ فخرج إليه سانشو ملك قشتالة ووقع اللقاءُ على مقربة من مدينة استجه، وانتهت المعركة الضارية بانتصار المسلمين فطلب سانشو الصلحَ فاستجاب السلطان واشترط شروطًا منها مسالمةُ المسلمين وعدم الاعتداءِ على أراضيهم.
=======
137.

اللغة
الموسوعة التاريخية
الرئيسة
الموسوعة التاريخية
تنويه سَردٌ تاريخيٌّ مختصرٌ، مُجردٌ من التعليقِ والتحليل
التتار والروم ومن تواطأ معهم من المسلمين يغزون البيرة .
العام الهجري : 674 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1275
تفاصيل الحدث:
نزل التتار على البيرة في ثلاثين ألف مُقاتلٍ، خمسة عشر ألفًا من المغول، وخمسة عشر ألفًا من الروم، والمقَدَّم على الجميع البرواناه- الحاجب- وهو حاجب السلطان السلجوقي بأمر أبغا بن هولاكو ملك التتار، ومعهم جيش الموصل وجيش ماردين والأكراد، ونَصَبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقًا، فخرج أهلُ البيرة في الليل فكبسوا عسكَرَ التتار وأحرقوا المنجنيقاتِ ونهبوا شيئًا كثيرًا، ورجعوا إلى بيوتهم سالمين، فأقام عليها الجيشُ مُدَّة إلى التاسِعَ عشر من هذا الشهر، ثم رجعوا عنها بغيظِهم لم ينالوا خيرا {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، ولما بلغ السلطانَ بيبرس نزولُ التتار على البيرة أنفَقَ في الجيش ستَّمائة ألف دينار، ثم ركب سريعًا وفي صحبته ولدُه الملك السعيد بركة، فلما كان في أثناء الطريق بلغه رحيلُ التتار عنها فعاد إلى دمشق، ثم ركب في رجب إلى القاهرة فدخلها في الثامن عشر.
عسكر السلطان الظاهر بيبرس يقاتلون أهل النوبة .
العام الهجري : 674 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1276
تفاصيل الحدث:
حضر ابنُ أخت ملك النوبة واسمه مشكد متظلمًا من داود ملك النوبة، فجَرَّد السلطانُ الظاهر بيبرس معه الأميرَ آقسنقر الفارقاني، ومعه من العسكَرِ وأجناد الولاة والعربان، والزرَّاقون والرُّماة والحراريقُ والزردخاناه-خزانة السلاح- فخرج مشكد في مستهل شعبان حتى تجاوز أسوان، وقاتل خالَه الملك داود ومن معه من السودان، فقاتلوه على النجب، وهَزَمَهم وأسر منهم كثيرًا، وبعث الأميرُ آقسنقر الأميرَ عزَّ الدين الأفرم، فأغار على قلعة الدقم، وقَتَل وسبى، ثم توجه الأمير سنقر في أثَرِه يقتل ويأسر حتى وصل إلى جزيرة ميكاليل وهي رأس جنادل النوبة، فقتل وأسر، وأقَرَّ الأميرُ آقسنقر قمر الدولة صاحب الجبل وبيده نصفُ بلاد النوبة على ما بيده، ثم واقَعَ الملك داود حتى أفنى معظَمَ رجاله قتلًا وأسرًا، وفر داود بنفسه في البحر وأُسِرَ أخوه شنكو، فساق العسكر خَلفَه ثلاثة أيام، والسيفُ يعمل فيمن هناك حتى دخلوا كلُّهم في الطاعة، وأُسِرَت أم الملك داود وأخته، وأقيم مشكد في المملكة، وأُلبِسَ التاج وأُجلِسَ في مكان داود، وقُرِّرَت عليه القطعة في كل سنة، وهي ثلاثة فيلة، وثلاث زرافات، وخمس فهود إناث، ومائة صهب جياد، ومائة من الأبقار الجياد منتخبة, وقرر أن تكون البلادُ مشاطرة، نصفُها للسلطان ونصفُها لعمارة البلاد وحفظِها، وأن تكون بلادُ العلى وبلاد الجبل للسلطان، وهي قدر ربع بلاد النوبة لقُربِها من أسوان، وأن يحمِلَ القُطن والتمر مع الحقوق الجاري بها العادةُ من القديم، وعرض عليهم الإسلامَ أو الجزية أو القَتلَ، فاختاروا الجزيةَ، وأن يقومَ كُلٌّ منهم بدينار عينًا في كلِّ سنةٍ، وعُمِلَت نسخة يمين بهذه الشروط، وحلف عليها مشكد وأكابِرُ النوبة، وعملت أيضًا نسخةٌ للرغبة بأنهم يطيعون نائِبَ السلطان ما دام طائعًا له، ويقومون بدينارٍ عن كلِّ بالغٍ، وخُرِّبَت كنيسة سرس، التي كان يزعم داود أنَّها تحدِّثُه بما يريده، وأخَذَ ما فيها من الصُّلبان الذَّهَب وغيرها، فجاءت مبلغ أربعة آلاف وستمائة وأربعين دينارًا ونصف، وبلغت الأواني الفِضَّة ثمانية آلاف وستمائة وستين دينارًا، وكان داودُ قد عَمَرَها على أكتاف المسلمين الذين أسَرَهم من عيذاب وأسوان، وقرر على أقارب داود حمل ما خلفه من رقيقٍ وقماشٍ إلى السلطان، وأُطلِقَت الأسرى الذين كانوا بالنوبة من أهل عيذاب وأسوان، ورُدُّوا إلى أوطانهم، ومن العسكرِ مِن الرقيق شيئًا كثيرًا، حتى بِيعَ كُلُّ رأس بثلاثة دراهم، وفضَل بعد القتل والبيع عشرة آلاف نفس، وأقام العسكر، بمدينة دنقلة سبعة عشر يومًا، وعادوا إلى القاهرة في خامس ذي الحجة بالأسرى والغنائم، فرسَمَ السلطان للصاحب بهاء الدين بن حنا أن يستخدم عمالًا على ما يستخرج من النوبة من الخَراجِ والجزية بدنقلة وأعمالا، فعمل لذلك ديوان.
ثورة العامة على اليهود بمدينة فاس .
العام الهجري : 674 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1276
تفاصيل الحدث:
ثارت العامَّةُ في فاس على اليهود بسَبَبِ حدثٍ أحدثوه فقتلوا منهم أربعة عشر يهوديًّا، ولولا أنَّ السلطان يعقوب ركب بنَفسِه وردَّ العامة عنهم لقتلوهم جميعًا.
وفاة أحمد البدوي الصوفي .
العام الهجري : 675 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1276
تفاصيل الحدث:
هو أبو العباس أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر المقدسىُّ الأصل، الحسيني البدوي، يلقَّب بالسطوحي، والسيد صاحب الشهرة في الديار المصرية، الذي يَستغيثُ به كُفرًا وعُدوانًا كثيرٌ مِن المتصوفة اليوم، ويعتقدون فيه من النفع والضر ممَّا لا يملكه إلا الله، يُعرف بأبي اللثَّامين لملازمته اللثامَ صيفًا وشتاء، أصله من المغرب حيث وُلِدَ بفاس، سنة 596 طاف البلاد وأقام بمكة والمدينة، ودخل مصرَ في أيام الظاهر بيبرس، سافر إلى دمشقَ والعراق، عظُمَ شأنُه جدًّا في مصر حتى عدُّوه صاحب طريقة، ولقِّبَ بالسطوحي لأنه مكث على السطوح اثني عشر عامًا، نُسِبَت له كرامات، توفي في طنطا وبني عليه مسجد وقبره يزار من قبل الجَهَلة والمتصَوِّفة إلى اليوم!!!
وقعة البلستين وفتح قيسارية .
العام الهجري : 675 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1277
تفاصيل الحدث:
في ثالث عشر المحرم دخل السلطان الظاهر بيبرس إلى دمشق، وسبق العساكر إلى بلاد حلب، فلما توافدت إليه أرسل بين يديه الأميرَ بدر الدين الأتابكي بألف فارس إلى البلستين بتركيا، فصادف بها جماعةً مِن عسكر الروم فرَكِبوا إليه وحَمَلوا إليه الإقاماتِ، وطلب جماعةٌ منهم أن يدخلوا بلادَ الإسلام فأذِنَ لهم، فدخل طائفةٌ منهم بيجار وابن الخطير، فرسم لهم أن يدخلوا القاهرةَ فتلقَّاهم الملك السعيد بركة بن السلطان بيبرس، ثم عاد السلطان من حَلَبَ إلى القاهرة، فدخلها في ثاني عشر ربيع الآخر، ثم ركِبَ السلطان من مِصرَ في العساكر فدخل دمشق في سابع عشر شوال، فأقام بها ثلاثةَ أيام، ثم سار حتى دخل حلب في مستهَلِّ ذي القعدة، فأقام بها يومًا ورسم لنائب حلب أن يقيم بعسكَرِ حَلَب على الفراتِ لحِفظِ المنائر، وسار السُّلطان الظاهر بيبرس فقطع الدربند في نصف يوم، ووقع سنقر الأشقر في أثناء الطريقِ بثلاثة آلاف من المغول فهزمهم يوم الخميسِ تاسع ذي القعدة وصَعِدَ العسكر على الجبالِ فأشرفوا على وطأة البلستين، فرأوا التتار قد رتَّبوا عسكرهم وكانوا أحدَ عَشَرَ ألف مقاتل، وعَزَلوا عنهم عسكَرَ الروم خوفًا من مخامرتهم، فلمَّا تراءى الجمعان حملت ميسرةُ التتار فصَدَمت رماح السلطان، ودخلت طائفةٌ منهم بينهم فشقُّوها، وساقت إلى الميمنة، فلما رأى السلطان ذلك أردف المسلمينَ بنفسه ومن معه، ثم لاحت منه التفاتةٌ فرأى الميسرة قد كادت أن تتحطَّمَ فأمر جماعةً من الأمراء بإردافها، ثم حمل العسكرُ جميعُه حملةً واحدة على التتار فترجَّلوا إلى الأرض عن آخرهم، وقاتلوا المسلمينَ قتالًا شديدًا، وصبر المسلمون صبرًا عظيمًا، فأنزل اللهُ نَصرَه على المسلمين، فأحاطت بالتتارِ العساكرُ مِن كل جانب، وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وقتل من المسلمين أيضًا جماعةً، وأسر جماعةً من أمراء المغول، ومن أمراءِ الروم، وهرب حاجِبُ السلطان السلجوقي, فنجا بنفسه، ودخل قيسارية بفلسطين في بكرة الأحد ثاني عشر ذي القعدة، وأعلم أمراءُ الروم مَلِكَهم بكسرةِ التتار على البلستين، وأشار عليهم بالهزيمةِ فانهزموا منها وأخلوها، فدخلها الملكُ الظاهر وصلى بها الجمعةَ سابع ذي القعدة، وخُطِبَ له بها، ثم كرَّ راجعًا مؤيَّدًا منصورًا، وسارت البشائِرُ إلى البلدان ففرح المؤمنون يومئذ بنصر الله، ولما بلغ خبَرُ هذه الوقعة ملكَ التتار أبغا بن هولاكو جاء حتى وقف بنفسه وجيشِه، وشاهد مكان المعركة ومَن فيها من قتلى المغول، فغاظه ذلك وأعظَمَه وحنق على البرواناه؛ إذ لم يُعلِمه بجليَّة الحال، وكان يظنُّ أمر الملك الظاهر دون هذا كلِّه، واشتد غضَبُه على أهل قيسارية وأهلِ تلك الناحية، فقتَلَ منهم قريبًا من مائتي ألف، وقيل قتل منهم خمسمائة ألف من قيسارية وأرزن الروم، وكان في جملةِ مَن قُتِلَ القاضي جلال الدين حبيب، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
وفاة الأمير أبي عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا صاحب تونس. .
العام الهجري : 675 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1277
تفاصيل الحدث:
هو الأميرُ أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر الأمير المستنصر بن الأمير أبي زكرياء الهنتاتي البربري، الموحدي، ولي أبوه يحيى مدة ومات سنة 647 وهما بربريان من أتباع دولة الموحدين صاحبا تونس وأجل ملوكِ الغرب في زمانهما، كان جدُّه الشيخ الهنتاتي من العشرة خواص ابن تومرت، وكان محمد ملكًا مدبِّرًا شجاعًا، عاليَ الهمة، سائسًا، متحيلًا على بلوغ مقاصده، مقتحمًا للأخطار، كريمًا جوادًا، ذا غرام بالعمارات واللذات، تُزَفُّ إليه كلَّ ليلة جارية، وكان وليَّ عهد أبيه واتفق موت أبيه وهو غائبٌ عن تونس، يعني أبا عبد الله، فساق إليها على بغل في خمسة أيام ومات البغلُ وأسرع خوفًا مِن عَمَّيه، ثم لما تمكَّن قَتَلَ عمَّيه وأنفق في العرب الأموالَ واستخدمهم. أباد جماعة من الخوارج ظفر بجماعةٍ مِن أعيانهم وسجَنَهم، ثم أهلكَهم ببناء قبة عمل أساسها من ملحٍ وحبسهم بها، ثم أرسل الماء على أساسِها، فانردمت عليهم, وكانت أسلحةُ الجيش كلُّها في خزائنه، فإذا وقع أمرٌ أخرَجَها وفَرَّقَها عليهم وإذا فرغ من الحَربِ أعادها إلى الخزائن. ولم يكن لجنده إقطاع، بل يجمَعُ ارتفاع البلاد، فيأخذ لنفسِه الربعَ والثمُنَ ويُنفِقُ ما بقي فيهم في كلِّ عام أربع نفقات، توفي في أواخر هذه السنة وسَبَبُ موته أنه خرج إلى الصيد وحصل له من كثرةِ الحركة انزعاج وتغير مزاج، وزاد به الألم، فعاد إلى المدينة وهو ضعيف، فبقي على ذلك مدة أيام إلى أن توفي، وله من العمر اثنان وخمسون سنة.
مقتل الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني .
العام الهجري : 676 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1277
تفاصيل الحدث:
هو الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي وهو شيخ السلطان الظاهر بيبرس، كان حظيًّا عنده مُكرَّمًا لديه، له عنده المكانة الرفيعة، كان السلطان ينزل بنَفسِه إلى زاويته التي بناها له في الحُسَينية، في كل أسبوع مرة أو مرتين، وبنى له عندها جامعًا يخطب فيه للجمعة، وكان يعطيه مالًا كثيرًا، ويطلق له ما أراد، ووقف على زاويته شيئًا كثيرًا جِدًّا، وكان معظَّمًا عند الخاص والعام بسبب حبِّ السلطان وتعظيمه له، وكان يمازِحُه إذا جلس عنده، وكان فيه دينٌ وصلاح. كان صاحب حالٍ ونفس قوية، وكان يتكهَّن كحالِ الكهان، وله مكاشفات يخبر بها الظاهِرُ؛ ولهذا كان السلطانُ يقَرِّبُه، أخبر الظاهر بسلطنَتِه قبل وقوعِها، فلهذا كان يعظِّمُه ويزوره ويُطلِعُه على غوامِضِ أسراره ويستصحِبُه في أسفاره، سأله وهو محاصِرٌ أرسوف: متى تؤخَذُ؟ فعين له اليومَ، فوافق ذلك، وكذلك صفد وقيسارية, ولما عاد إلى الكرك سنة خمس وستين استشاره في قَصدِها، فأشار عليه ألَّا يقصدها ويتوجه إلى مصر، فخالفه وتوجَّه فوقع عند بركة زيزا وانكَسَرَت فَخِذُه, وقال في بعلبك والظاهِرُ على حصن الأكراد: يأخذُه السلطان بعد أربعين يومًا، فوافق ذلك. وقد دخل الشيخ خضر مرة كنيسة القمامة بالمقدس فذَبَحَ قِسِّيسَها بيده، ووهب ما فيها لأصحابِه، وكذلك فعَلَ بالكنيسة التي بالإسكندرية وهي من أعظم كنائِسِهم، نهبها وحوَّلها مسجدًا ومدرسة أنفق عليها أموالًا كثيرةً مِن بيت المال، وسَّماها المدرسة الخضراء، وكذلك فعل بكنيسة اليهود بدمشق، دخلها ونهب ما فيها من الآلات والأمتعة، ومد فيها سماطًا، واتخذها مسجدًا مُدَّةً، ثم سعوا إليه في رَدِّها إليهم وإبقائها عليهم، ثم اتفق في هذه السنة أنه وقعت منه أشياءُ أُنكِرَت عليه وحُوقِقَ عليها عند السلطان الظاهر، فظهر له منه ما أوجب سجنه، كاللُّواط والزِّنا وغيره، وقيل مخالطته لبنات الأمراءِ حتى أصبَحْنَ لا يستَتِرْنَ منه فافتتَنَ بهن ووقع منه القبائِحُ، فأمر السلطان بإعدامِه، فقال له إن بيني وبينك أيامًا قلائل، فسجنه من عام 671هـ إلى هذا العام، فأمر بقَتلِه، وكانت وفاته في هذه السنة، ودُفِنَ بزاويته سامحه الله، وقد كان السلطانُ يحبُّه محبة عظيمة حتى إنه سمى بعض أولاده خضرًا موافقة لاسمه، وإليه تُنسَبُ القبة التي على الجبل غربي الربوة التي يقال لها قبة الشيخ خضر.
وفاة السلطان الظاهر بيبرس البندقداري وتولي ابنه السعيد بركة .
العام الهجري : 676 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1277
تفاصيل الحدث:
هو السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدين بيبرس بن عبد الله، البندقداري الصالحي؛ يُعد المؤسِّسَ الفعلي لدولة المماليك وأعظَمَ سلاطينها، اجتمعت فيه صفاتُ العدل والفروسية والإقدام. ولِدَ بيبرس- بيبرس كلمة تركية تعني أمير فهد- بأرض القبجاق سنة 625، تعرضت ديارهم في القبجاق لغارات فأُسِرَ جماعة منهم، وكان بيبرس فيمن أُسِرَ وحُمِلَ إلى القاهرة، فاشتراه الأميرُ علاء الدين البندقدار الصالحي فطلع بطلًا شجاعًا نجيبًا لا ينبغي أن يكونَ إلَّا عند ملك. فأخذه الملِكُ الصالح إليه وصار من جملةِ البحرية. وشَهِدَ وقعة المنصورة بدمياط وصار أميرًا في دولة المعز عز الدين أيبك. وتقلبت به الأمور وجرت له أحوال, واشتهر بالشجاعةِ والإقدام وبَعُدَ صِيتُه. ولما سارت الجيوشُ المنصورة من مصر لحرب التتار في عين جالوت كان هو طليعةَ الإسلام. وجلس على سريرِ المُلكِ بعد قتل الملكِ المظفَّر وذلك في سابع عشر ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين بقلعة الجبل, فصار أستاذُه البندقدار بعض أمرائه وكان الظاهر غازيا، مجاهدا، مرابطا، خليقا للملك، لولا ما كان فيه من الظلم والله يرحمه ويغفر له ويسامحه، فإن له أياما بيضاء في الإسلام ومواقف مشهودة وفتوحات معدودة. وله سيرتان كبيرتان لابن عبد الظاهر ولابن شداد. كانت وفاته يوم الخميس السابِعَ عشَرَ من محرم بعد الزوال، وقد تجاوز الخمسين سنة، ومُدَّة ملكه سبعَ عشرة سنة وشهران واثنا عشر يومًا، أما عن سبب موته فقيل إنه شرب القمز، وهو نوعٌ من النبيذ فمَرِضَ بعده أيامًا ثم إنَّه أخذ دواءً فزاد مرضُه وأصيبَ بإسهالٍ حادٍّ وحاول الأطباءُ علاجه بدواء آخر فأفرط الإسهال حتى إنه رمى دمًا قيل إنه كَبِدُه، ثم لم يلبث أيامًا حتى توفي، وقيل بل إن وفاته كانت بالسُّمِّ حيث إنه وُضِعَ السم في القمز للملك القاهر بهاء الدين عبد الملك بن الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، الذي أبلى بلاءً عظيمًا ضد المغول وكان بيبرس قد قيل له إنه يموت في دمشق مَلِكٌ بالسمِّ في هذا العام فأراد أن يكون هذا الملك هو القاهر بهاء، وخاصة أنه خاف منه لما ظهر منه أمام المغول فوضع له السمُّ فشربه القاهر ومات من فَورِه ولكِنَّ الله أنسى بيبرس أمر الكأسِ وسقاه خادِمُه من نفس الكأس ثانيةً، فكانت بقايا السم هي سبب حتفه، فالله أعلم كيف كانت وفاته، ودفن في دمشق قريبًا من المكتبة الظاهرية، فجزاه الله خيرًا على ما قام به من فتح كثير من البلاد التي كانت استعصت على من قَبلَه، وعلى العمران الذي شيَّدَه وعلى الهيبةِ التي ردها للمُسلمينَ بعد أن كانت تحطَّمَت أمام أفعال المغول، وبالجملة أقامه الله في هذا الوقت المتأخر عونًا ونصرًا للإسلام وأهله، وشجًا في حلوق المارقين من الفرنج والتتار، والمشركين، وكان الملك الظاهر بيبرس قد عَهِدَ بالملك لابنه الملك السعيد بركة الذي أصبح ملكًا بعد أن أخفي موت الظاهر بيبرس أيامًا حتى استحلف الأمراء مرة أخرى على بيعته، ثم أعلنت وفاة الظاهر وبويع الملكُ السعيدُ بالمُلكِ بعده.
ما فعله الملك السعيد بأمراء المماليك بعد أن استلم الملك .
العام الهجري : 676 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1277
تفاصيل الحدث:
في سادس ربيع الآخر مات الأمير بدر الدين بيليك النائب، واتهم أن المَلِكَ السعيد سَمَّه؛ وذلك أنه اختصَّ بجماعة من المماليك الأحداث، ومن بعده اضطربت أمورُ الملك السعيد، وأقام الملك السعيد بعده في نيابةِ السلطنة الأمير شمس الدين آقنسنقر الفارقاني، وكان حازمًا، فضم إليه جماعة منهم شمس الدين أقوش، وقطليجا الرومي، وسيف الدين قلج البغدادي، وسيف الدين بيجو البغدادي، وعز الدين ميغان أمير شكار، وسيف الدين بكتمر السلاح دار, فثقَّل الأمير آقسنقر على خاصكية السلطان، فحدثوا السلطانَ في أمره، واستعانوا بالأمير سيف الدين كوندك الساقي، وكان الملك السعيد قد قَدَّمَه وعظَّمَه لأنه ربِّيَ معه في المكتب، فقبض على آقسنقر الفارقاني وهو جالسٌ في باب القلة، وسُجِنَ وأهين ونُتِفَت لحيته وضُرِب، ثم أُخرج بعد أيام يسيرة ميتًا، فاستقر بعده في النيابة الأمير شمس الدين سنقر الألفي المظفري، فكرهه الخاصكية وقالوا، هذا ما هو من الظاهريَّة وخيلوا الملك السعيد منه أنه يريد أن يثور بخشداشيته- زملاء مهنته- مماليك الملك المظفر قطز، فعزله سريعًا، وولى الأمير سيف الدين كوندك الساقي نيابة السلطة وهو شابٌّ، فعضده الأمير سيف الدين قلاوون الألفي ومال إليه، وكان من جملة المماليك السلطانية الخاصكية شخصٌ يعرف بلاجين الزيني، وقد غلب على الملك السعيد في سائر أحوالِه، وضم إليه عدة من الخاصكية، وأخذ لاجين لهم الإقطاعات والأموال الجزيلة، وتنافر كوندك النائب ولاجين، فتوغرت بينهما الصدور، وأعمل كل منهما مكرهَ في أذية الآخر، وضم النائبُ إليه جماعة من الأمراء الكبار، وصار العسكرُ حزبين، فآل الأمرُ إلى ما آل إليه من الفساد، وتغير السلطانُ على الأمراء، وقبض في السابع عشر على الأمير جودي القيمري الكردي فنفرت منه قلوبُ الأمراء لا سيما الصالحيَّة: مثل الأمير سيف الدين قلاوون، والأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير علم الدين سنجر الحلبي، والأمير بدر الدين، بيسري، وأقرانهم فإنهم كانوا يأنفون من تمَلُّك الملك الظاهر عليهم، ويرون أنهم أحقُّ منه بالملك، فصار ابنه الملك السعيد يضَعُ من أقدارهم، ويقَدِّمُ عليهم مماليك أصاغر، ويخلو بهم وكانوا صِباحَ الوجوه، ويعطهيم مع ذلك الأموال الكثيرة، ويسمَعُ من رأيهم ويُبعِدُ الأمراءَ الكبار، واستمر الحالُ على هذا إلى أن كان يوم الجمعة الخامس عشر، فقبض السلطان على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير بدر الدين بيسري، وسجنهما بالقلعة ثلاثة وعشرين يومًا، فزادت الوحشة بينه وبين الأمراء، ودخل خالُه الأمير بدر الدين محمد بركة خان إلى أختِه أم السلطان، وقال لها: قد أساء ابنك التدبير بقبضه على مثل هؤلاء الأمراء الأكابر، والمصلحةُ أن تردِّيه إلى الصواب، لئلا يَفسُد نظامُه وتَقصُر أيامه، فلما بلغ الملك السعيد ذلك قبض عليه واعتقله، فلم تزل به أمه تعنِّفُه وتتلطف به، حتى أطلقهم وخلع عليهم وأعادَهم إلى ما كانوا عليه، وقد تمسَّكَت عداوته من قلوبهم، وتوهَّم منه بقية الأمراء، وخَشُوا أن يعامِلَهم كما عامل الأميرَ بيليك الخازندار- ممسك خزنة المال- مع حفظه له المُلك وتسليم الخزائن والعساكر إليه، فلم يكافئْه إلا بأن قتله بالسمِّ، فاجتمع الأمراء وهموا أن يَخرُجوا عنه إلى بلاد الشام، ثم اتفقوا وصعدوا إلى قلعة الجبل، ومعهم مماليكُهم وألزامهم وأجنادُهم وأتباعهم، ومن انضَمَّ إليهم من العساكر، فامتلأ منهم الإيوانُ ورحبة القصر، وبعثوا إلى الملك السعيد: بأنَّك قد أفسدت الخواطِرَ، وتعرضتَ إلى أكابر الأمراء، فإما أن ترجِعَ عما أنت عليه، وإلا كان لنا ولك شأن، فلاطفهم في الجوابِ وتنَصَّلَ مما كان منه، وبعث إليهم التشاريفَ فلم يلبسوها، وترددت الأجوبةُ بينهم وبينه إلى أن تقرَّر الصلحُ، وحلف لهم إنَّه لا يريد بهم سوءًا، وتولى تحليفَه الأمير بدر الدين الأيدمري فَرَضُوا وانصَرَفوا.
وفاة الإمام محيي الدين النووي .
العام الهجري : 676 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1277
تفاصيل الحدث:
هو الإمام أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف بن حسن بن حسين بن جمعة النووي، الشافعي نسبة إلى نوى قرية من قرى حوران بسوريا، وُلِدَ بنوى في العشر الأوسط من المحرم سنة 631. رحل أبو زكريا إلى دمشق ودرس فيها وسَمِعَ الحديث مع زهد وورع وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، قال الشيخ محيي الدين: "لما كان لي تسع عشرة سنة قدم بي والدي إلى دمشق في سنة تسع وأربعين، فسكنت المدرسة الرواحية، وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الأرض. وكان قوتي فيها جرايةَ المدرسة لا غير، وحفظت التنبيهَ في نحو أربعة أشهر ونصف, وبقيت أكثَرَ من شهرين أو أقل لما قرأت: يجب الغُسلُ من إيلاج الحشفة في الفرج، أعتقد أن ذلك قرقرة البطنِ، وكنت أستحمَّ بالماء البارد كلما قرقَرَ بطني. وقرأت حفظًا ربع المهذب في باقي السنة، وجعلت أشرحُ وأصحِّحُ على شيخنا كمال الدين إسحاق بن أحمد المغربي، ولازمته فأُعجِبَ بي وأحبني، وجعلني أعيد لأكثر جماعته, وكنت أقرأُ كل يوم اثني عشر درسًا على المشايخ شرحًا وتصحيحًا وكنت أعلِّقُ جميع ما يتعلق بها من شرح مُشكِل، ووضوحِ عبارة، وضَبطِ لغة، وبارك الله لي في وقتي, وخطَرَ لي الاشتغالُ بعلم الطب، فاشتريتُ كتاب القانون فيه، وعزمتُ على الاشتغال فيه، فأظلم عليَّ قلبي، وبقيت أيامًا لا أقدر على الاشتغالِ بشيءٍ، ففكَّرتُ في أمري ومن أين دخل عليَّ الداخل، فألهمني الله أنَّ سَبَبَه اشتغالي بالطب، فبِعتُ القانون في الحال، واستنار قلبي." وليَ أبو زكريا مشيخة دار الحديث من غيرِ أجر، وله مصنفات عديدة مفيدة أشهرها كتاب: رياض الصالحين، والأربعون النووية، وشرحه لصحيح مسلم المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ومنهاج الطالبين في الفقه الشافعي الذي يعتبر عمدة في المذهب، ويعتبر النووي من المعُتمَدين في المذهب؛ فكلامه أصل في المذهبِ، وهو أحد الشيخين الذين يعتمد على ترجيحهم في المذهب والآخر هو الرافعي، وله كتاب المجموع شرح المهذب أيضًا في الفقه الشافعي لكنه لم يتِمَّه، وله كتاب التقريب والتيسير في مصطلح الحديث. قال ابن العطار: "ذكر لي شيخنا محيي الدين رحمه الله أنه كان لا يضيِّعُ له وقتًا في ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطرق يكرِّرُ أو يطالع. وأنه بقي على هذا نحو ست سنين، ثم اشتغل بالتصنيفِ والإشغال والنصح للمسلمين وولاتهم، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الفقه، والحرص على الخروجِ مِن خلاف العلماء، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب، يحاسِبُ نفسَه على الخطرة بعد الخطرة. وكان محقِّقًا في علمه وفنونه، مدققًا في عمله وشؤونه، حافظًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفًا بأنواعه من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه واستنباط فقهه، حافظًا للمذهب وقواعده وأصوله، وأقوالِ الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم؛ سالكًا في ذلك طريقة السلف. قد صرف أوقاتَه كلَّها في أنواع العلم والعمل بالعلم". توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب في نوى عن خمس وأربعين عامًا، ودفن هناك وقبره فيها معروف رحمه الله وجزاه خيرًا.
ملك غرناطة يسترد مالقة .
العام الهجري : 677 العام الميلادي : 1278
تفاصيل الحدث:
استولى ملك غرناطة الفقيه محمد الثاني بن الأحمر على مالقة وضمها إلى مملكته، وكان المنصورُ يعقوب ملك بني مرين يطمع فيها فساءت بذلك العلاقةُ بينه وبين ملك غرناطة، فعَزَم على قتلِه.
خلاف يدب في سائر الطوائف .
العام الهجري : 678 العام الميلادي : 1279
تفاصيل الحدث:
اتَّفَق في هذه السنة أمورٌ عجيبة، وذلك أنَّه وقع الخُلفُ بين الممالك كلِّها؛ اختلفت التتارُ فيما بينهم واقتتلوا فقُتِلَ منهم خلق كثير، واختلفت الفرنجُ في السواحِلِ وصال بعضهم على بعض وقتل بعضُهم بعضًا، وكذلك الفرنجُ الذين في داخل البحور وجزائرها، فاختلفوا واقتتلوا، وقَتَلت قبائلُ الأعراب بعضُها في بعض قتالًا شديدًا، وكذلك وقع الخلف بين العشير من الحوارنة وقامت الحرب بينهم على ساق، وكذلك وقع الخلفُ بين الأمراء الظاهرية بسبب أن السلطان الملك السعيد بن الظاهر لَمَّا بعث الجيش إلى سيس أقام بعده بدمشقَ وأخذ في اللَّهوِ واللعب والانبساط مع الخاصكية، وتمكَّنوا من الأمور، وبعد عنه الأمراء الكِبار، فغضبت طائفةٌ منهم ونابذوه وفارَقوه.
بنو مرين يغزون غرناطة .
العام الهجري : 678 العام الميلادي : 1279
تفاصيل الحدث:
لما ساءت العلاقة بين بني مرين وملك غرناطة بسبب استيلاء ابن الأحمر على مالقة، وجَّه المنصور أبو يوسف ملك بني مرين في هذه السنة جيشًا بقيادة ابنه الأمير أبي يعقوب لقتال بني الأحمر واستعان بملك قشتالة فاستولى على ماربللا وهي من أملاك غرناطة، ثم زحف إلى غرناطة، ولكن ابن الأحمر ردَّه عنها، ثم إن ابن الأحمر صالح المنصور سلطان بني مرين على أن يتنازلَ له عن مالقة لتكون قاعدةَ عبور لبني مرين إلى الأندلس.
خلع الملك السعيد وتولية أخيه سلامش بن الظاهر بيبرس .
العام الهجري : 678 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1279
تفاصيل الحدث:
كان قد حدث من الملك السعيد أشياء أوغرت صدورَ الأمراء عليه، وأصبَحَ خاصية الملك يحظَونَ بما يريدون ويُبعِدونَ من أرادوا حتى كان في السنة الماضيةِ أن أرسل بعض الأمراء إلى سيس للقتال فخرجوا وهم مكرهون، فأما الأمراء فإنهم غَزَوا سيس وقتلوا وسَبَوا، ثم عادوا إلى دمشق ونزلوا بالمرجِ، فخرج الأميرُ كوندك إلى لقائهم على العادة، وأخبرهم مما وقع من الخاصكية في حَقِّهم وحَقِّه من تخوُّفِ الملك منهم، فحَرَّك قَولُه ما عندهم من كوامِنِ الغضب، وتحالفوا على الاتفاق والتعاون، وبعثوا من المرج إلى السلطانِ يُعلِمونَه أنهم مقيمون بالمرج، وأن الأمير كوندك شكى إليهم من لاجين الزيني وهو من أقرَبِ مقربي الملك السعيد شكاوى كثيرة، ولا بد لنا من الكشفِ عنها، وسألوا السلطانَ أن يحضر إليهم حتى يسمعوا كلامَه وكلام كوندك، فلما بلغ السلطانَ ذلك لم يعبأ بقولهم، وكتب إلى من معهم من الأمراءِ الظاهريَّة يأمُرُهم بمفارقة الصالحيَّة ودخول دمشق، فرحلوا مِن فَورِهم ونزلوا على الجورةِ مِن جهة داريا، وأظهروا الخلافَ، ورموا الملكَ السعيد بأنه قد أسرف وأفرطَ في سوء الرأي وأفسد التدبير، فخاف السلطان عند ذلك سوء العاقبة، وبعث إليهم الأميرَ سنقر الأشقر، والأمير سنقر التكريتي الأستادار- المشرف على شؤون بيوت السلطان- ليلطفا بهم ويعملا الحيلة في إحضارِهم، فلم يوافقوا على ذلك، وعادا إلى السلطان فزاد قلقُه، وتردَّدَت الرسل بينه وبين الأمراء، فاقترحوا عليه إبعادَ الخاصكية، فلم يوافق، فرحل الأمراءُ بمن معهم من العساكِرِ إلى مصر وتَبِعَهم الملك السعيد ليلحَقَهم ويتلافى أمرَهم فلم يُدرِكْهم فعاد إلى دمشق وبات بها، ثم سار من دمشق بالعساكر يريد مصرَ فنزل بلبيس في نصف ربيع الأول وكان قد سبقه الأميرُ قلاوون بمن معه إلى القاهرة، ونزلوا تحت الجبل الأحمر، فبلغ ذلك الأمراء الذين بقلعة الجبل، وهم الأمير عز الدين أيبك أمير جانذار والأمير أفطوان الساقي، والأمير بلبان الزربقي، فامتنعوا بها وحَصَّنوها وتقدموا إلى متولي القاهرة فسَدَّ أبوابها فراسَلَهم قلاوون والأمراء في فتحِ أبواب القاهرة ليدخُلَ العسكر إلى بيوتهم ويُبصِروا أولادَهم؛ فإن عهدهم بَعُدَ بهم ونزل الأمير لاجين البركخاي وأيبك الأفرم وأقطون إلى الأمراء لمعرفة الخبر فقَبَضوا عليهم وبعثوا إلى القاهرة ففُتِحَت أبوابها ودخل كلُّ أحد إلى داره وسُجِنَ الثلاثة الأمراء في دار الأمير قلاوون بالقاهرة وزحفوا إلى القلعةِ وحاصروها وأمَّا السلطان فإنه لما نزل بلبيس وبلغه خبَرُ الأمراء خامر عليه من كان معه من عسكَرِ الشام وتركوه في بلبيس وعادوا إلى دمشق وبها الأمير عز الدين أيدمر نائب الشام، فصاروا إليه ولم يبقَ مع السلطان إلا مماليكُه ولم يبق معه من الأمراء الكبار إلا الأميرُ سنقر الأشقر فقط، فسار السلطان من بلبيس ففارقه الأشقر من المطرية وأقام بموضعه، وبلغ الأمراءَ أن السلطان جاء من خَلفِ الجبل الأحمر فركبوا ليحولوا بينه وبين القلعة وكان الضباب كثيرًا فنجا منهم واستتر عن رؤيتِهم وطلع إلى المقَدِّمة، فلما انكشف الضباب بلغ الأمراء أن السلطانَ بالقلعة فعادوا إلى حصارِها وصار السلطان يُشرِفُ من برج الرفرف المطلِّ على الإسطبل ويصيح بهم: يا أمراءُ، أرجِعُ إلى رأيكم ولا أعمَلُ إلا ما تقولونَه، فلم يجبه أحدٌ منهم وأظهروا كتبًا عنه يطلب فيها جماعةً من الفداوية لقَتلِهم وأحاطوا بالقلعة وحصروه، وكان الأميرُ سنجر الحلبي معتَقلًا بالقلعة، فأخرجه السلطانُ وصار معه، فاستمر الحصارُ مدة أسبوع، وكان الذي قام في خلع السلطان جماعةٌ كثيرة من الأمراء وأعيان المفاردة والبحرية، ولما طال الحصار بعث الخليفةُ العباسي الحاكم بأمر الله أحمد، يقول: يا أمراءُ، أيش غرضكم؟ فقالوا: يخلع المَلِكُ السعيد نفسه من الملك ونعطيه الكرك، فأذعن السعيدُ لذلك، وحلف له الأمراء، وحضر الخليفةُ والقضاة والأعيان، وأنزل بالملك السعيد، وأشهد عليه أنَّه لا يَصلُحُ للمُلك، وخلعَ السعيدُ نفسَه، وحلف أنه لا يتطَرَّقُ إلى غير الكرك، ولا يكاتِبُ أحدًا من النواب، ولا يستميلُ أحد من الجند، وسافر من وقته إلى الكرك مع الأمير بيدغان الركني، وذلك في سابع شهر ربيع الآخر، فكانت مدة ملكه من حين وفاة أبيه إلى يوم خلعه سنتين وشهرين وثمانية أيام، فوصل إلى الكرك وتسَلَّمَها في الخامس عشر من جمادى الآخرة، واحتوى على ما فيها من الأموال وكانت شيئًا كثيرًا، ولما تم خلعُ الملك السعيد وسافر إلى الكرك، عرض الأمراءُ السلطنة على الأمير سيف الدين قلاوون الألفي فامتنع، وقال: أنا ما خلعت الملك السعيد طمعًا في السلطنة، والأولى ألا يخرجَ الأمر عن ذرية الملك الظاهر، فاستُحسِنَ ذلك منه؛ لأن الفتنة سكنت فإنَّ الظاهرية كانوا معظم العسكرِ، وكانت القلاعُ بيَدِ نواب الملك السعيد، وقصَدَ قلاوون بهذا القَولِ أن يتحَكَّم حتى يغَيِّرَ النواب ويتمكن مما يريد، فمال الجميعُ إلى قوله وصوبوا رأيه، واستدعوا سلامش بن السلطان الظاهر، واتفقوا أن يكون الأمير قلاوون أتابِكَه، وأن يكون إليه أمرُ العساكر وتدبير الممالك، فحضر سلامش وله من العمر سبع سنين وأشهر، وحلف العسكرُ جميعه على إقامته سلطانًا، وإقامة الأمير قلاوون أتابك العساكر، ولقَّبوه الملك العادل بدر الدين، فاستقَرَّ الأمرُ على ذلك، وأقيم الأمير عز الدين أيبك الأفرم في نيابة السلطنة.
عزل العادل سلامش وتنصيب السلطان قلاوون الألفي .
العام الهجري : 678 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1279
تفاصيل الحدث:
بعد أن تمَّ تنصيبُ العادل سلامش في الملك لم يكنْ له من الأمر شيءٌ، بل كل شيء من حَلٍّ وعَقدٍ بيد قلاوون الألفي فشرع الأمير قلاوون في القبض على الأمراء الظاهريَّة، فقبض على أعيانِهم وبعث بهم إلى الثغور فسُجِنوا بها، وأمسك أيضًا كثيرًا من الظاهريَّة وملأ الحبوسَ بهم، وأعطى قلاوونُ ومنع وقطع، ووصل واستخدم وعزل، فكان صورتُه أتابك وتصَرُّفُه تصرُّفَ الملوك، وانفرد قلاوون بالمملكة وأجَدَّ في تدبر أحواله وفَرَّق على المماليك واستمالهم، وقرَّبَ الصالحية وأعطاهم الإقطاعات، وسَيَّرَ عدة منهم إلى البلاد الشاميَّة واستنابهم في القلاع، وتتَبَّع ذراريَّهم وأخذ كثيرًا منهم كانوا قد تصَنَّفوا بالصنائع والحرف، فرتَّبَ طائفة منهم في البحرية، وقررَ لجماعة منهم جامكية –رواتب- وقوِيَ بهم جانبه وتمكَّنَت أسبابه، ثم جمع قلاوون الأمراء في العشرين من رجب وتحَدَّث معهم في صغر سن الملك العادِلِ، وقال لهم: قد علمتُم أن المملكة لا تقومُ إلا برجلٍ كامل، إلى أن اتفقوا على خلع سلامش فخلعوه، وبعَثوا به إلى الكرك وكانت مُدَّة مُلكِه مائة يوم، ولم يكن حَظُّه من المُلك سوى الاسم فقط، وجميعُ الأمور إلى الأتابك قلاوون، وقع الاتفاق على خلع العادل وإقامة قلاوون، فأُجلِسَ قلاوون على تخت المُلك في يوم الأحد العشرين من رجب، وحلَفَ له الأمراءُ وأرباب الدولة، وتلَقَّب بالملك المنصور، وأمر أن يُكتَبَ في صدر المناشير والتواقيع والمكاتبات لفظُ الصالحي، فكُتِبَ بذلك في كل ما يكتب عن السلطان، وجعل عن يمين البسملة تحتها بشيء لطيف جدًّا، وخرج البريد بالبشائر إلى الأعمال، وجُهِّزَت نسخة اليمين إلى دمشق وغيرها، وزُيِّنَت القاهرة ومصر وظواهِرُهما وقلعة الجبل، وأقيمت له الخطبةُ بأعمال مصر، ويُذكَرُ أن قلاوون هذا هو السابع من ملوك الترك بالديار المصريَّة، والرابع ممن مَسَّه الرِّقُّ.
وفاة الملك السعيد محمد بركة خان بن الملك الظاهر صاحب الكرك .
العام الهجري : 678 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1280
تفاصيل الحدث:
هو السُّلطان الملك السعيد، ناصر الدين، أبو المعالي محمد بركة خان بن السلطان الملك الظاهر بيبرس وُلِدَ سنة 658 في صفر بالعش من ضواحي القاهرة، وسلطنه أبوه وهو ابن خمس سنين أو نحوها. وبويع بالملك بعد والده وهو ابن ثمان عشرة سنة. وكان شابًّا مليحًا كريمًا، فيه عَدلٌ ولين وإحسان إلى الرعيَّة، ليس في طبعه ظلمٌ ولا عسف، بل يحب الخير وفعله. وكان محببا إلى الرعية، لكنه شاب غِرٌّ لم يحمِلْ أعباء الملك، وعجز عن ضبط الأمورِ فتعصَّبَ أمراء المماليك لذلك وخلعوه من السلطنة، وعملوا محضرًا بذلك، وأطلقوا له سلطنة الكرك فسار إليها بأهله ومماليكه، فلما استقر بها قَصَده جماعةٌ من الناس، فكان يُنعِمُ عليهم ويصلهم، فكثروا عليه بحيث نَفِدَ كثير من حواصِلِه، وبلغ ذلك السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي فتأثر منه، مات الملك السعيد بركة خان بالكرك في الحادي عشر من ذي القعدة، وكان قد ركبَ في الميدان فتقنطر عن فَرَسِه وهو يلعب بالكرة، فصدع وحُمَّ أيامًا، ومات وعمره نيف وعشرون سنة، وقيل إنه مات مسمومًا، وورد الخبر بوفاته إلى مصر في العشرين منه، فعمل له السلطان قلاوون عزاءً بالإيوان من قلعة الجبل، وجلس كئيبًا ببياضٍ، وقد حضر العلماء والقضاة والأمراء والوعاظ والأعيان، فكان يومًا مشهودًا، وأقام القراءُ شهرًا يقرؤون القرآن، وكتب إلى أعمال مصر والشام بأن يصلَّى عليه صلاة الغائب، ودُفِنَ عند جعفر الطيار، ثمَّ نقل إلى تربته بدمشق بعد سنة وخمسة أشهر، ودفن عند والده. ووجدت عليه امرأتُه بنت الملك المنصور سيف الدين وجدًا شديدًا، ولم تزل باكية حزينة إلى أن ماتت بعده بمدة. وعندما مات الملك السعيد أقام الأمير ُعلاء الدين أيدغدي الحراني نائب الكرك نجمَ الدين خضر بن الظاهر ملكًا مكان أخيه بالكرك، ولقَّبه الملك المسعود فتحَكَّم عليه مماليكه وأساؤوا التدبير، وفَرَّقوا الأموال ليستجلبوا الناسَ، وحضر إليهم طائفةٌ من البطَّالين فساروا إلى الصلت واستولوا عليها، وبعثوا إلى صرخد فلم يتمَكَّنوا منها، وأتَتْهم العربان وتقربوا إليهم بالنصيحة، وأخذوا مالًا كثيرا من المسعود ثم تسلَّلوا عنه، ولم يزل المسعود في إنفاق المالِ حتى فنيت ذخائر الكرك التي كان المَلك الظاهر قد أعدَّها لوقت الشدة، وبعث المسعودُ إلى الأمير سنقر الأشقر نائب دمشق يستدعيه، فجرد السلطان قلاوون الأمير عز الدين أيبك الأفرم إلى الكرك.
غزو الفرنج لمعاونتهم التتار .
العام الهجري : 679 العام الميلادي : 1280
تفاصيل الحدث:
خرج الأميرُ بدر الدين بكتاش النجمي إلى حمص مجردًا، وخرج الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري الصالحي لحفظ الساحل من الفرنج، وكتب السلطان قلاوون إلى الأمير سيف الدين بلبان الطباخي نائب حصن الأكراد بغزو الفرنج بالمرقب؛ لمساعدتهم التتارَ عند وصولهم حلب، فجمَعَ التركمان وغيرَهم، وحمل المجانيق والآلات، ونازل المرقَبَ، فانهزم المسلمون ونهَبَهم الفرنج، وعَدِمَ من المسلمين مقدارُ مائتي فارس وراجل، فكبُرَ ذلك على السلطان، وتحرك للسَّفَرَ وخرج في أول ذي الحجة، واستخلف ابنَه الملك الصالح، وخيم بمسجدِ تبر.
الأمير شمس الدين سنقر الأشقر يستولي على دمشق .
العام الهجري : 679 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1280
تفاصيل الحدث:
لما كان يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 678هـ ركب الأمير شمس الدين سنقر الأشقر من دار السعادة بعد صلاة العصر وبين يديه جماعة من الأمراء والجند مشاة، وقصد باب القلعةِ الذي يلي مدينة دمشق، فهجم منه ودخل القلعة واستدعى الأمراء فبايعوه على السلطنة، ولُقِّبَ بالملك الكامل، وأقام بالقلعة ونادت المنادية بدمشق بذلك، فلما أصبح يومَ السبت استدعى بالقضاة والعلماء والأعيان ورؤساء البلد إلى مسجد أبي الدرداء بالقلعة، وحَلَّفهم وحلف له بقية الأمراء والعسكر، وأرسل العساكر إلى غزة لحفظ الأطراف وأخذ الغلات، وفي يوم الخميس أول المحرم من هذه السنة ركب الملك الكامِلُ سنقر الأشقر بشعار السلطنة من قلعة دمشق إلى الميدان الأخضر، وبين يديه الأمراء مشاة بالخِلَع، ثم عاد، وفي يوم الجمعة ثانيه: خطب له على منبر الجامع بدمشق.
قتال عسكر مصر لسنقر الأشقر بعد استيلائه على دمشق .
العام الهجري : 679 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1280
تفاصيل الحدث:
لما أعلن سنقر الأشقر نفسَه سلطانًا في دمشق كتب إلى الأمير عز الدين الأفرم وهو بالكرك يعتذر عن قيامِه بما كَلَّف به السلطان في الكرك، وأتبع الكتابَ بعسكر، فلما ورد كتابه جهزه الأفرم إلى السلطان قلاوون بمصر، فكتب السلطانُ عند وروده إلى الأشقر يقَبِّحُ فعله، وكتب أمراءُ مصر إليه بذلك، ويحثُّونه على الإذعان وترك الفتنة، وسار بالكتُبِ بلبان الكريمي، فوصل دمشقَ في ثامنه، وخرج سنقر الأشقر إلى لقائه وأكرمه، ولم يرجِعْ عما هو فيه، واستقر الأفرم بغزة، فوافاه عسكَرُ سنقر الأشقر بها، فاندفع من قُدَّامِهم إلى الرمل، وملك عسكر سنقر غزة واطمأنوا، فطرَقَهم الأفرم وأوقع بهم فانهزموا إلى الرملة، وأسَرَ من الأمراء عدة وغنم منهم مالًا وخيولًا وأثقالًا كثيرة، وبعث الأفرم بالبشارةِ على يد ناصر الدين محمد ولد الأمير بكتاش الفخري، فقدم في الخامس عشر بالأمراء المأسورين، فعفا السلطانُ عنهم وأحسن إليهم، وأعادهم على أخبازهم – عطاياهم-وجعلهم في عسكَرِه، ولما بلغ سنقر الأشقر كسرةُ عَسكرِه، جمع وحشد وبعث إلى الأمراء بغزة يَعِدُهم ويستميلهم، فقَدِمَ عليه شهاب الدين أحمد بن حجي أمير العربان بالبلاد القبلية، والأمير شرف الدين عيسى بن مهنا أمير العربان بالبلاد الشرقية والشمالية، وأتته النجداتُ مِن حلب وحماة ومن جبال بعلبك، واستخدم عدةً كبيرةً وبذل فيهم المال، وكَثُرت عنده بدمشق الأرجافُ أن عسكر مصر قد سار إليه، فاشتد استعدادُه، وجرَّد السلطان من القاهرة الأميرَ بدر الدين بكتاش الفخري أميرَ سلاح، ومعه الأمير بدر الدين الأيدمري والأمير حسام الدين أيتمش بن أطلس خان في أربعة آلاف فارس، فسار إلى غزة، واجتمعوا مع الأمير عز الدين الأفرم والأمير بدر الدين الأيدمري، وساروا جميعًا والمقَدَّم عليهم علم الدين سنجر الحلبي، فرحل عسكَرُ سنقر الأشقر من الرملة إلى دمشق، فخرج سنقر الأشقر في الثاني عشر صفر بعساكره وخيم بالجسورة خارج دمشق، ونزل عسكرُ مصر الكسوة والعقوة في يوم الاثنين السابع عشر بالجسورة، فوقعت الحرب في التاسع عشر، وثبت سنقر الأشقر وأبلى بلاء عظيمًا، ثم خامر من عسكَرِه طائفة كبيرة إلى عسكر مصر، وانهزم كثيرٌ منهم، ورجع عسكر حلب وحماة عنه إلى بلادِهم، وتخاذل عنه عسكرُ دمشق، وحمَلَ عليه الأمير سنجر الحلبي فانهزم منه، وهرب سنقر الأشقر وتَبِعَه بعض خواصه من الأمراء وساروا معه هم والأمير عيسى بن مهنا إلى برية الرحبة، وأقاموا بها أيامًا، وتوجهوا إلى الرحبة، وكان سنقر قبل ذلك قد بَعَثَ حرمه وأمواله إلى صهيون، ولما انهزم سنقر الأشقر تفرق عسكرُه في سائر الجهات، وغُلِّقَت أبواب دمشق، وزحف عسكر مصر إليها وأحاطوا بها، ونزلوا في الخيام ولم يتعرضوا لشيء، وأقام الأمير سنجر الحلبي بالقصر الأبلق في الميدان الأخضر خارج دمشق، فلما أصبح أمَرَ فنُوديَ بالأمان، وكان بقلعة دمشق الأميرُ سيف الدين الجكندار، وهو متوليها من جهة سنقر الأشقر، فأفرج عن الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الجالق، والأمير حسام الدين لاجين المنصوري، والصاحب تقي الدين توبة، وحَلَّفَهم ألا يؤذوه إذا أطلقهم، ثم فتح باب القلعة، ونزل لاجين إلى باب الفرج فوقَفَ عليه، ومنع العسكَرَ من دخول المدينة، ونودِيَ بإطابة قلوب النَّاسِ وزينة البلد، فوقَفَ البشائر بالقلعة، وقدم كثيرٌ ممن كان مع سنقر الأشقر فأمنهم الأميرُ سنجر الحلبي، ثم في صفر من سنة 680هـ جردَ السلطان من دمشق الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الأفرم والأمير علاء الدين كشتغدي الشمسي في عدة من الأجناد، فساروا إلى شيزر، فبعث سنقر الأشقر يطلب الصلحَ على أن يسلِّمَ شيزر، ويعَوَّضَ عنها الشغر وبكاس وكانتا، قد أخذت منه ومعهما فامية وكفر طلب وأنطاكية وعدة ضياع، مع ما بيده من صهيون وبلاطنس ونرزية واللاذقية، وشرط أيضًا أن يكون أميرًا بستمائة فارس، ويؤمر من عنده من الأمراء، فأُجيبَ إلى ذلك.
وفاة الأمير سيف الدين أبي بكر بن أسبهسلار والي شرطة مصر .
العام الهجري : 679 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1280
تفاصيل الحدث:
هو الأمير سيف الدين أبو بكر بن أسبهسلار وقد ولي شرطةَ مِصرَ عِدَّةَ سنين، وكان موصوفًا بالكرم المفرط، خيِّرًا في أموره، يشكُره الناس, وكان ممن زاد به السِّمَن– زيادة الوزن- حتى قاسى منه شِدَّة، وأشار عليه الطبيب بعدم النوم على جنبٍ، وبقي مدة لا يرمي جنبَه إلى الأرض خوفًا من أن يغرق في النومِ فيموت. مات في ربيع الآخر من هذه السنة، ودُفِنَ في القرافة.
========
ج138.

اللغة
الموسوعة التاريخية
الرئيسة
الموسوعة التاريخية
تنويه سَردٌ تاريخيٌّ مختصرٌ، مُجردٌ من التعليقِ والتحليل
المغول يزحفون نحو إمارة حلب المملوكية .
العام الهجري : 679 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1280
تفاصيل الحدث:
ورد الخبر بمسير التتار إلى البلاد الشامية وذلك لما بلغهم من حصول الاختلاف بين المسلمين، وافترق التتار ثلاث فرق: فرقة سارت من جهة بلاد الروم ومقدمهم صمغار وتنجي وطرنجي، وفرقة من جهة الشرق ومقدمهم بيدو بن طوغاي بن هولاكو وبصحبته صاحب ماردين، وفرقة فيها معظم العسكرِ وشِرارُ المغول ومقدَّمُهم منكوتمر بن هولاكو، فخرج من دمشقَ الأميرُ ركن الدين إياجي على عسكر، وانضم مع العسكر المحاصر لشيزر، وخرج من القاهرةِ الأمير بدر الدين بكتاش النجمي على عسكر، واجتمع الجميعُ على حماة، وراسلوا الأميرَ سنقر الأشقر في إخماد الفتنة والاجتماعِ على قتال التتار، فبعث إليهم عسكرًا من صهيون أقام حول صهيون، ونزل الحاج أزدمر من شيزر وخيم تحت قلعتها، ووقعت الجفلةُ في البلاد الحلبية، فسار منها خلق كثير إلى دمشق في النصف من جمادى الآخرة، وكثُرَ الاضطراب في دمشق وأعمالها، وعزم الناسُ على تركها والمسير إلى ديار مصر، فلما كان في الحادي عشر هجمت طوائف التتار على أعمال حلب، وملكوا عينتاب وبغراس ودربساك، ودخلوا حلَبَ وقد خلت من العسكَرِ، فقتلوا ونهبوا وسَبَوا، وأحرقوا الجامِعَ والمدارس ودارَ السلطنة ودور الأمراء، وأقاموا بها يومينِ يكثرون الفساد بحيث لم يسلم منهم إلا من اختفى في المغائر والأسربة، ثم رحلوا عنها في يوم الأحد ثالث عشر عائدين إلى بلادهم بما أخذوه، وتفَرَّقوا في مشاتيهم، وتوجه السلطان قلاوون من مصر بالعساكر إلى البلاد الشاميَّة يريد لقاء التتار، بعد ما أنفق في كل أميرٍ ألف دينار، وفي كل جندي خمسَمائة درهم، واستخلف على مصر بقلعة الجبل ابنه الملك الصالح عليها، فسار السلطان إلى غزة، وقدم عليه بغزة من كان في البلاد الشامية من عساكر مصر، وقدم عليه أيضًا طائفةٌ من أمراء سنقر الأشقر فأكرَمَهم، ولم ينزل السلطانُ بغزة إلى عاشر شعبان، فرحل منها عائدًا إلى مصر، بعد أن بلغه رجوعُ التتار.
وفاة أبغا بن هولاكو المغولي وقيام أخيه تكدرا بالملك وإسلامه .
العام الهجري : 680 العام الميلادي : 1281
تفاصيل الحدث:
هو ملك التتار، وصاحِبُ العراق والجزيرة وخراسان وغير ذلك، أبغا بن هولاكو بن تولي بن جنكيزخان, ويقال: اسمه أباقا، كان مقدامًا شجاعًا، عالي الهمة، لم يكن في إخوتِه مِثلُه، وهو على دينِ التتار لم يدخل في الإسلام، وكان ذا رأيٍ وحزم وخبرةٍ بالحرب، ولما توجَّه أخوه منكوتمر بالعساكِرِ إلى الشام لم يكن ذلك بتحريضِه، بل أشير عليه فوافق. قال الذهبي: "كان كافِرَ النفس، سفاكًا للدماء، قتل في الروم خلقًا كثيرًا؛ لكونهم دخلوا في طاعة الملك الظاهرِ، وفرحوا بمجيئه إليهم، وقد نفذ الملك الظاهر إليه رسُلَه وهديه" قال ابن عبد الظاهر في السيرة: "وصِفَتُه أنه شاب أسمر أكحل، ربع القامة، جهوري الصوت، فيه بحة يسيرة، عليه قباء نفطي رومي، وسراقوج بنفسجي، تزوج زوجةَ أبيه ألجي خاتون وهي كهلة" هلك أباقا بنواحي همذان عن نحو خمسين سنة، منها مدة ملكه سبع عشرة سنة، وقام في الملك بعده أخوه تكدار بن هولاكو، الذي اعتنق الإسلامَ بعد ذلك وتسمَّى بأحمد ولَقَّب نفسه بالسلطان فانقلبت بعد ذلك سياسةُ الدولة الإيلخانية ناحية بلاد الإسلام، وكان قد أرسل رسالة إلى السلطان قلاوون يُعلِمُه بإسلامه وما قام به من بناء المساجد والمدارس والأوقاف وتجهيز الحُجَّاج، وطلب منه كذلك العمَلَ على اجتماع الكلمة لإخماد الحروب والفِتَن والتحالُفِ ضدَّ الصليبيينَ.
الهدنة بين الفرنج والسلطان قلاوون .
العام الهجري : 680 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1281
تفاصيل الحدث:
سار السلطان قلاوون من ظاهر القاهرة فأتته رسلُ الفرنج وهو بمنزلة الروحا في تقريرِ الهدنة، فتقَرَّرَت بين مقدم بيت الإسبتار وسائر الإسبتارية بعكا، وبين السلطان وولده الملك الصالح لمدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات، أولُها يوم السبت الثاني والعشرين من المحرم، وتقررت الهدنة أيضًا مع متملك طرابلس الشام بيمند بن بيمند لمدة عشر سنين، أولها السابع والعشرين شهر ربيع الأول، وعادت الرسل، وتوجه الأمير فخر الدين أياز المقري الحاجب لتحليف الفرنج ومقدم الإسبتار على ذلك، فحلفهم.
ثورة العشير من الحورانية ونهبهم لغزة .
العام الهجري : 680 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1281
تفاصيل الحدث:
ثار العشير من الحورانية ونهبوا مدينة غزة، وقتلوا خلقًا كثيرًا وأفسدوا، فبعث السلطانُ قلاوون الأمير علاء الدين أيدكين الفخري على عسكرٍ مِن دمشق، وخرج من القاهرةِ الأمير شمس الدين سنقر البدوي على عسكر لتأديبِهم
هزيمة التتار على يد السلطان المنصور قلاوون في حمص .
العام الهجري : 680 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1281
تفاصيل الحدث:
ورد الخبر بدخول منكوتمر أخي أبغا بن هولاكو بن طلوي بن جنكيزخان إلى بلاد الروم بعساكر المغول، وأنه نزل بين قيسارية والأبلستين، فبعث السلطان قلاوون الكشافة، فلقوا طائفةً من التتار أسروا منهم شخصًا وبعثوا به إلى السلطان، فقَدِمَ إلى دمشق في العشرينَ مِن جمادى الأولى، فأتاه السلطانُ ولم ينزل به حتى أعلَمَه أن التتار في نحو ثمانين ألفًا، وإنهم يريدونَ بلاد الشام في أول رجب، فشرع السلطانُ في عرض العساكر، واستدعى الناس، فحضَرَ الأمير أحمد بن حجي من العراق في جماعة كبيرةٍ مِن آل مراتكون زهاء أربعة آلاف فارس، وقدمت نجدةٌ من الملك المسعود خضر بن الظاهر بيبرس صاحب الكرك، وقدمت عساكِرُ مصر وسائر العربان والتركمان وغيرهم، فوردت الأخبار بمسير التتار، وأنهم انقَسَموا فسارت فرقةٌ مع الملك أبغا بن هولاكو إلى الرحبة ومعه صاحب ماردين، وفرقة أخرى من جانب آخر، فخرج بجكا العلائي في طائفة من الكشافة إلى جهة الرحبة، وجفل الناسُ من حلب إلى حماة وحمص حتى خلت من أهلها، وعَظُم الإرجاف، وتتابع خروج العساكر من دمشق إلى يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة، فخرج السلطانُ إلى المرج، بمن بقي من العساكر وأقام به إلى آخر الشهر، ثم رحل يريد حمص فنزل عليها في حادي عشر رجب ومعه سائر العساكر، وحضر الأمير سنقر الأشقر من صهيون ومعه بعض أمرائه فسُرَّ السلطان قلاوون بذلك وأكرمهم وأنعم عليهم، وكان ذلك في ثاني عشر فنزل سنقر الأشقر على الميسرة، وقويت الأراجيف بقرب العدو، ووصل التتارُ إلى أطراف بلاد حلب، وقدم منكوتمر إلى عين تاب، ونازل الملك أبغا قلعة الرحبة في السادس عشر جمادى الآخرة، ومعه نحو ثلاثة آلاف فارس، وتقدم منكوتمر قليلًا قليلًا حتى وصل حماة، وأفسد نواحيها وخرب جواسقَ الملك المنصور صاحب حماة وبستانه فورد الخبر إلى السلطان قلاوون بذلك وهو على حمص، وأن منكوتمر في خمسين ألفًا من المغول وثلاثين ألفًا من الكرج والروم والأرمن والفرنجة، وأنَّه قد قفز إليه مملوك الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الجالق ودله على عورات المسلمين، ثم ورد الخبَرُ بأن منكوتمر قد عزم أن يرحل عن حماة، ويكون اللقاء في يوم الخميس رابع عشر رجب، واتفق عند رحيله أن يدخل رجلٌ منهم إلى حماة وقال للنائب: اكتُبِ الساعة إلى السلطان قلاوون على جناحِ الطائر بأن القَومَ ثمانون ألف مقاتل، في القلب منهم أربعةٌ وأربعون ألفًا من المغول وهم طالبون القلب، وميمنتهم قوية جدًّا، فيقوي ميسرة المسلمين، ويحترز على السناجق، فسقط الطائر بذلك وعلم بمقتضاه، وبات المسلمون على ظهور خيولهم، وعند إسفار الصباح من يوم الخميس رابع عشر شهر رجب: ركب السلطان ورتب العساكِرَ: وجعل في الميسرة الأميرَ سنقر الأشقر ومن معه من الأمراء، ثم اختار السلطانُ مِن مماليكه مائتي فارس، وانفرد عن العصائب ووقف على تل، فكان إذا رأى طلبًا قد اختل أردفه بثلاثمائةٍ مِن مماليكه، فأشرَفت كراديس التتار وهم مِثْلَا عساكر المسلمين، ولم يعتدُّوا منذ عشرين سنة مثل هذه العِدَّة، ولا جمعوا مثل جَمعِهم هذا، فإنَّ أبغا عرض من سيره صحبة أخيه منكوتمر فكانوا خمسة وعشرين ألف فارس منتخبة، فالتحم القتال بين الفريقين بوطأة حمص، قريبًا من مشهد خالد بن الوليد، ويوم الخميس رابع عشر رجب، من ضحوة النهار إلى آخره، وقيل من الساعة الرابعة، فصدمت ميسرة التتار ميمنة المسلمينَ صَدمةً شديدة ثبتوا لها ثباتًا عظيمًا، وحملوا على ميسرةِ التتار فانكسرت وانتَهَت إلى القلب وبه منكوتمر، وصَدَمَت ميمنة التتار ميسرة المسلمين، فانكسرت الميسرةُ وانهزم من كان فيها، وانكسر جناحُ القلب الأيسر، وساق التتار خلفَ المسلمين حتى انتهوا إلى تحت حمص وقد غُلِّقَت أبوابها، ووقعوا في السوقةِ والعامة والرجَّالة والمجاهدين والغلمان بظاهر حمص، فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وأشرف الناس على التلاف، ولم يعلم المسلمون من أهل الميسرة بما جرى للمسلمين أهل الميمنة من النصر، ولا علم التتار الذين ساقوا خلف المسلمين ما نزل بميسرتِهم من الكسرة، ووصل بعض المنهزمين إلى صفد، وكثيرٌ منهم دخل دمشق، ومر بعضُهم إلى غزة، فاضطرب الناسُ بهذه البلاد وانزعجوا انزعاجًا عظيمًا، وأما التتار الذين ساقوا خلف المنهزمين من المسلمين أصحاب الميسرة، فإنهم نزلوا عن خيولهم وأيقنوا بالنَّصرِ، وأرسلوا خيولهم ترعى في مرج حمص، وأكلوا ونهبوا الأثقال والوطاقات والخزانة وهم يحسبون أن أصحابهم ستُدرِكُهم، فلما أبطأوا عليهم بعثوا من يكشف الخبر، فعادت كشافتُهم وأخبرتهم أن منكوتمر هرب، فركبوا وردُّوا راجعين، هذا ما كان من أمر ميمنة التتار وميسرة المسلمين، وأما ميمنة المسلمين فإنها ثبتت وهزمت ميسرة التتار حتى انتهت إلى القلب، إلا الملك المنصورَ قلاوون فإنه ثبت تحت السناجق –الرماح-، ولم يبقَ معه غير ثلاثمائة فارس، والكوسات تضرب، وتقدَّم سنقر الأشقر، وبيسري، وطيبرس الوزيري، وأمير سلاح، وأيتمش السعدي، ولاجين نائب دمشق، وطرنطاي نائب مصر، والدواداري، وأمثالهم من أعيان الأمراء إلى التتار، وأتاهم عيسى بن مهنا فيمن معه، فقتلوا من التتار مقتلةً عظيمة، وكان منكوتمر مقدم التتار قائمًا في جيشه، فلما أراده الله من هزيمته نزل عن فرسه ونظر من تحت أرجل الخيل، فرأى الأثقالَ والدواب فاعتقد أنَّها عساكر، ولم يكن الأمرُ كذلك، بل كان السلطان قلاوون قد تفرقت عنه عساكِرُه ما بين منهزم ومَن تقدم القتال، حتى بقي معه نحو الثلاثمائة فارس لا غير، فنهض منكوتمر من الأرض ليركَبَ فتقنطر عن فرسِه، فنزل التتار كلُّهم لأجله وأخذوه، فعندما رآهم المسلمون قد ترجَّلوا حملوا عليهم حملةً واحدة كان الله معهم فيها، فانتصروا على التتار، وقيل إنَّ الأمير عز الدين أزدمر الحاج حمل في عسكر التتار وأظهر أنه من المنهزِمين، فقَدِمَهم وسأل أن يوصَلَ إلى منكوتمر، فلما قرب منه حمل عليه وألقاه عن فَرَسِه إلى الأرض، فلما سقط نزل التتارُ إليه من أجل أنه وقع، فحمل المسلمون عليهم عند ذلك، فلم يثبُت منكوتمر وانهزم وهو مجروح، فتبعه جيشه وقد افترقوا فرقتين: فرقة أخذت نحو سلمية والبرية، وفرقة أخذت جهة حلب والفرات، وأما ميمنة التتار التي كسرت ميسرة المسلمين، فإنها لما رجعت من تحت حمص كان السلطان قد أمر أن تلف السناجق ويبطل ضرب الكوسات، فإنَّه لم يبق معه إلَّا نحو الألف، فمرت به التتار ولم تعرض له، فلما تقدموه قليلًا ساق عليهم، فانهزموا هزيمةً قبيحة لا يلوون على شيء، وكان ذلك تمام النصر، وهو عند غروبِ الشمس من يوم الخميس، ومر هؤلاء المنهزمون من التتار نحو الجبل يريدون منكوتمر، فكان ذلك من تمام نعمة الله على المسلمين، وإلَّا لو قدر الله أنهم رجعوا على المسلمين لما وجدوا فيهم قوة، ولكِنَّ الله نصر دينه، وهزَمَ عَدُوَّه مع قوتهم وكثرتهم، وانجلَت هذه الواقعة عن قتلى كثيرة من التتار لا يحصى عددهم، وعاد السلطانُ في بقية يومه إلى منزلتِه بعد انقضاء الحرب، وكتب البطائِقَ بالنصرة وبات ليلةَ الجمعة إلى السحر في منزلته، فثار صياحٌ لم يشك النَّاسُ في عود التتار، فبادر السلطان وركب وسائِرُ العساكر، فإذا العسكر الذي تبع التتار وقت الهزيمة قد عاد، وقتل من التتار في الهزيمة أكثَرَ ممن قتل في المصاف، واختفى كثيرٌ منهم بجانب الفرات، فأمر السلطان أن تُضرَمَ النيران بالأزوار التي على الفرات، فاحترق منهم طائفة عظيمة، وهلك كثير منهم في الطريق التي سلكوها من سلمية، وفي يوم الجمعة: خرج من العسكر طائفة في تتبع التتار، مقدمهم الأمير بدر الدين بيليك الأيدمري، ورحل السلطان من ظاهر حمص إلى البحيرة ليبعد عن الجيف، وقتل من التتار صمغار، وهو من أكبر مقدميهم وعظمائهم، وكانت له إلى الشام غارات عديدة، واستشهد من المسلمين زيادة على مائتي رجل، وأمَّا أبغا بن هولاكو ملك التتار فإنه لم يشعر وهو على الرحبة إلا وقد وقعت بطاقة من السلطانِ إلى نائب الرحبة، بما منَّ الله به من النصر وكسرةِ التتار فعندما بلغه ذلك بدق بشائر القلعة رحل إلى بغداد، ووصل الأميرُ بدر الدين الأيدمري إلى حلب، وبعث في طلب التتار إلى الفرات، ففَرُّوا من الطلب وغرق منهم خلق كثير، وعبرت طائفة منهم على قلعة البيرة، فقاتلهم أهلُها وقتلوا منهم خمسمائة، وأسروا مائة وخمسين، وتوجَّه منهم ألف وخمسمائة فارس إلى بغراس، وفيهم أكابِرُ أصحاب سيس وأقاربهم فخرج عليهم الأميرُ شجاع الدين السيناني بمن معه، فقتَلَهم وأسَرَهم عن آخرهم بحيث لم يُفلِتْ منهم إلا دون العشرين، وتوجَّه منهم على سلمية نحو أربعة آلاف، فأخذ عليهم نواب الرحبة الطرقات والمعابر، فساروا في البرية فماتوا عطشًا وجوعًا، ولم يسلم منهم إلا نحو ستمائة فارس، فخرج إليهم أهل الرحبة فقتلوا أكثرهم، وأحضروا عِدَّةً منهم إلى الرحبة ضُرِبت أعناقهم بها، وأدرك بقية التتار الملك أبغا، وفيهم أخوه منكوتمر وهو مجروح، فغضب عليه وقال: " لم لا مت أنت والجيش ولا انهزمت" وغضب أيضًا على المقدمين، فلما دخل أبغا بغداد سار منها إلى جهة همذان وتوجه منكوتمر إلى بلاد الجزيرة فنزل بجزيرة ابن عمر، وكانت الجزيرة لأمه قد أعطاها إياها أبوه هولاكو لما أخذها.
ثورة ابن أبي عمارة في تونس .
العام الهجري : 681 العام الميلادي : 1282
تفاصيل الحدث:
ثار على إبراهيم بن زكريا بن يحيى الثاني أمير الحفصيين في تونس رجل يدعى أحمد بن مرزوق يعرف بابن أبي عمارة الذي قوي أمره، حتى تنازل إبراهيم لابنه أبي فارس أمير مدينة بجاية من قبل أبيه فلقب نفسه بالمعتمد وسار إلى قتال ابن أبي عمارة غير أنه هزم وقُتِلَ، فما كان من أبيه إلا أن هرب باتجاه تلمسان فأدركه بعض أتباع ابن أبي عمارة فحُمِلَ إلى بجاية وقُتِلَ فيها عام 683هـ.
بعض أخبار بني مرين والأندلس .
العام الهجري : 681 العام الميلادي : 1282
تفاصيل الحدث:
قام سانشو بن ملك قشتالة بالخروج على أبيه لينتزع منه الملك، فاستنجد الملك ألفونسو بأبي يوسف يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين بالمغرب فأنجده بمال يستعين به على حشد الجنود، كما اجتاز السلطان بنفسِه البحر إلى الأندلس فأغار على أراضي قشتالة وحاصر قرطبة وغزا طليطلة، أمَّا أمير غرناطة أبو عبد الله محمد بن نصر بن الأحمر فأراد أن يصانع سانشو فزحف على المنكب التي كانت تحتلها قوات بني مرين؛ مما اضطر السلطان المريني أن يتخلى عن مؤازرة ألفونسو وعاد ليستردَّ المنكب وكادت أن تقع بينه وبين ابن نصر ملك غرناطة فتنة تفاداها ابن نصر بالتفاهم معه والتخلي له عن المنكب، وعاد السلطانُ المريني إلى المغرب وقد مكنت عودته وانسحابه من إنجاد ألفونسو أن تغلب سانشو على أبيه وهَزَمَه فأصبح طريدًا إلى أن توفي بعد سنتين.
وفاة قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان .
العام الهجري : 681 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1282
تفاصيل الحدث:
قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خَلِّكان البرمكي الأربلي الشافعي، ولد بإربل سنة 608, وكان فاضلًا بارعًا متفننًا كريمًا جوادًا ممدوحًا فيه ستر وحِلمٌ وعفو، وعارفًا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرًا بالعربية علَّامة في الأدب والشعر وأيام الناس، كثيرَ الاطلاع حلو المذاكرة وافِرَ الحرمة، فيه رياسة كبيرة، قدم الشام في شبيبته, ودخل مصرَ وسكنها مدَّةً وتأهل بها وناب بها في القضاءِ عن القاضي بدر الدين السنجاري، ثم قدم الشام على القضاء في ذي الحجة سنة تسع وخمسين منفردًا بالأمر ثم أقيم معه في القضاء ثلاثة قضاة, ثم عزل عن القضاء سنة تسع وستين بالقاضي عز الدين بن الصائغ، ثم عزل ابن الصائغ بعد سبع سنين به، وقد كان المنصب بينه وبين ابن الصائغ دولًا يُعزل هذا تارة ويولى هذا، ويُعزَلُ هذا ويولى هذا، وابن خلكان هو أوَّلُ من جدد في أيامه قضاءَ القضاة من سائر المذاهب، فاشتغلوا بالأحكامِ بعد ما كانوا نوابًا له، وقد درَّس ابن خلكان في عدة مدارس لم تجتمع لغيره، ولم يبقَ معه في آخر وقت سوى الأمينية، وبيَدِ ابنه كمال الدين موسى النجيبية، توفي ابن خلكان بالمدرسة النجيبية في إيوانها يوم السبت آخر النهار، في السادس والعشرين من رجب، ودفن من الغد بسفح قاسيون عن ثلاث وسبعين سنة، له مصنفات أشهرها وفيات الأعيان وقد اشتهر كثيرًا وأنباء أبناء الزمان فيه أكثر من ثمانمائة ترجمة, وله مجاميع أدبية.
أخذ قلعة قطيبا من التتار وقلعة كختا من النصارى .
العام الهجري : 682 العام الميلادي : 1283
تفاصيل الحدث:
في خامس المحرم خرجت تجريدة -الجريدة خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها - من قلعة كركر إلى حصار قلعة قطيبا إحدى قلاع آمد، فأخذوها من أيدي التتار، وأقيم فيها الرجالُ وعملت بها الأسلحة والغلال، فصارت من حصون الإسلام المنيعة، وأخذت أيضًا قلعة كختا من النصارى بسؤال أهلها، فتسَلَّمَها أمراء السلطان قلاوون، بمدينة حلب، وشحنت بالأسلحة وغيرها، وصارت مسلطة على الأرمن.
قتال مع الأرمن عند باب إسكندرونة .
العام الهجري : 682 العام الميلادي : 1283
تفاصيل الحدث:
غارت عساكر المسلمين على بلاد الأرمن، ووصلوا إلى مدينة أياس وقتلوا ونهبوا وحرقوا، واقتتلوا مع الأرمن عند باب إسكندرونة وهزموهم إلى تل حمدون، وعادوا سالمين ظافرين بالغنائم.
قتال المسلمين مع فرنج قبرص ببيروت .
العام الهجري : 682 العام الميلادي : 1283
تفاصيل الحدث:
حين قصد الفرنج قبرص بلاد الساحل، قاتلهم المسلمون فردوهم عن دخول الساحل، وأسروا منهم زيادة على ثمانين رجلًا، وأخذت منهم غنائم كثيرة.
وصول رسل صاحب بلاد سيلان من الهند إلى السلطان قلاوون .
العام الهجري : 682 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1283
تفاصيل الحدث:
وصولُ رسل صاحب بلاد سيلان من أرض الهند واسمه أبو أنكيه بكتابه، وهو صحيفة ذهب عرض ثلاثة أصابع في طول نصف ذراع بداخلها شيء أخضر يشبه الخوص، إلى السلطان قلاوون بمصر مكتوب فيه بقلم لم يوجد في القاهرة من يحسن قراءته، فسئل الرسل عنه فقالوا " إنه يتضمن السلام والمحبة وإنه ترك صحبة صاحب اليمن وتعلق بمحبة السلطان، ويريد أن يتوجه إليه رسول، وذكر أن عنده أشياء عدها من الجواهر والفيلة والتحف ونحوها، وأنه عبأ تقدمة إلى أبواب السلطان، وأن في مملكة سيلان سبعًا وعشرين قلعة، وبها معادن الجواهر والياقوت، وأن خزائنه ملآنة من الجواهر.
هدنة بين السلطان قلاوون وبين الفرنج .
العام الهجري : 682 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1283
تفاصيل الحدث:
جرت الهدنة بين السلطان قلاوون وبين الفرنج بعكا مدة عشر سنين.
خروج أرغون بن أبغا المغولي على عمه أحمد سلطان .
العام الهجري : 682 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1283
تفاصيل الحدث:
خرج أرغون بن أبغا على عمه تكدار المسمى أحمد سلطان بخراسان، فسار إليه وهزمه ثم أسره، فقامت الخواتين مع أرغون، وسألن الملك تكدار أحمد في الإفراج عنه وتوليته خراسان، فلم يرضَ بذلك، وكانت المغول قد تغيرت على تكدار، لكونه دخل في دين الإسلام وإلزامه لهم بالإسلام، فثاروا وأخرجوا أرغون من الاعتقال، وطرقوا ألناق نائب تكدار ليقتُلوه ففَرَّ منهم فأدركوه وقتلوا تكدار أيضًا في العام التالي، وأقاموا أرغون بن أبغا ملكًا، فولى أرغون وزارته سعد الدولة اليهودي، وولى ولديه خربندا وقازان خراسان، وعمل أتابكهما الأمير نوروز.
وفاة شهاب الدين عبد الحليم بن تيمية والد شيخ الإسلام .
العام الهجري : 682 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1284
تفاصيل الحدث:
هو شهاب الدين عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة مجد الدين عبد السلام أبي البركات بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، والد تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية، مفتي الفرق، الفارق بين الفرق، كان له فضيلة حسنة، ولديه فضائل كثيرة، وكان له كرسي بجامع دمشق يتكلم عليه عن ظاهر قلبهِ، وولي مشيخةَ دار الحديث السكَّرية بالقصاعين، وبها كان سكَنُه، كان إمامًا في المذهب الحنبلي وَلِيَ القضاء على كُرهٍ، ثم اعتزله كان زاهدًا وَرِعًا مشهورَ الصَّلاحِ، توفي في دمشق عن 55 عامًا ودفن بمقابر الصوفيَّة رحمه الله.
انقسام دولة بني حفص في تونس .
العام الهجري : 683 العام الميلادي : 1284
تفاصيل الحدث:
بعد خروج ابن أبي عمارة على دولة الحفصيين بتونس خلع أميرَها إبراهيم بن زكريا الحفصي وبويع أبو حفص عمر الأول بن يحيى بن عبد الواحد الحفصي، أما أبو زكريا يحيى بن أبي إسحاق فقد استقَلَّ بمدينة بجاية وقسطينة وبونة، وأقام دولة لهم بالمغرب الأوسط واتخذَ مِن بجاية عاصمةً له.
وفاة ابن مودود الموصلي الفقيه الحنفي .
العام الهجري : 683 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1284
تفاصيل الحدث:
هو الإمام العالم المصَنِّف الفقيه الحنفي أبو الفضل عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، ولد بالموصل سنة 599هـ (1203م) له أصحاب وحلقة أشغال، ومن مصنفاته: "المختار في الفتوى" و"الاختيار لتعليل المختار" و"الوقاية" و"شرح الجامع الكبير للشيباني"، تولى قضاء الكوفة فترة، ثم استقَرَّ في بغداد يفتي ويدرس في مسجد الإمامِ أبي حنيفة. قال ابن الفوطي: "كان عالمًا بالفقه والخلاف والأصول، سمع الكثيرَ في صباه وألحق الأحفاد بالأجداد، وكان صبورًا على السماع، ولي قضاء الكوفة، ثم فوض إليه تدريس مشهد الإمام أبي حنيفة، فكان على ذلك إلى أن توفي في العشرين من محرم" مات ببغداد ودفن بمشهد أبي حنيفة، وكان يومًا مشهودًا.
تحرك الفرنج لأخذ الشام .
العام الهجري : 683 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1284
تفاصيل الحدث:
ورد الخبر بحركة الفرنج لأخذ الشام، فتجَهَّز السلطان قلاوون الألفي للسَّفَر وركب بعساكِرِه في يوم الأحد ثامن جمادى الأولى، وتوجه من قلعة الجبل إلى دمشق، وفي يوم السبت ثاني عشر جمادى الآخرة دخل السلطان إلى دمشق، فقدم القصاد من بلاد التتار بقتل أحمد تكدار بن هولاكو ملك التتار المسلم وولاية ابن أخيه أرغون بن أبغا.
قتال الشريف أبو نمي بسبب أخذه الضرائب من حجاج اليمن .
العام الهجري : 683 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1284
تفاصيل الحدث:
طردَ الشَّريفُ أبو نمي جند اليَمَن واستبدَّ بها، وكان من خبَرِه أن مكة كانت بينه وبين قتادة، وكان يؤخَذُ من حاج اليمنِ على كل جمل مبلغ ثلاثين درهمًا، ومن حاج مصر على الجمل مبلغ خمسين درهمًا مع كثرة النهب والعسف في جباية ما ذكر، فما زال الظاهر بيبرس حتى صار يؤخَذُ من حاج مصر مبلغ ثلاثين درهمًا على كل جمل، فجرَّد المظفر صاحب اليمن إلى مكة عسكرًا عليه أسد الدين جغريل، فمَلَكَها بعد حرب، فجمع قتادة وأبو نمي العرب لحربه، فوقع الاتفاق بينهما أن تكون مكةُ بينهم نصفين ثم اختلفا بعد مُدَّة، وانفرد أبو نمي وقَوِيَ وأخرج عسكر اليمن، واشتد على الحجاجِ في الجباية، فرسم السلطانُ بسفر ثلاثمائة فارس صحبة الأمير علاء الدين سنجر الباشقردي، وأنفق في كل فارسٍ ثلاثمائة درهم، وكتب بخروجِ مائتي فارس من الشام فتوجهوا صحبة الحاج، فكانت بينهم وبين أبي نمي وقعة، وأخربوا الدرب، وكان الحاجُّ كثيرًا؛ لأنها كانت وقفة الجمعة، ووقعت الحربُ بمكة بسبب أن أبا نمي بلغه توجه العسكر، فلم يخرج إلى لقاء الحاج وبَعَث قواده فقط، فلم يرضَ الباشقردي إلا بحضوره واستعَدَّ للحرب، وقد وقف أبو نمي بمن معه ليمنع العسكر من دخول مكة، ورموهم بالحِجارةِ فرماهم العسكر بالنشَّاب، وأحرق البابَ ودخلوا مكة، فقام البرهانُ خضر السنجاري حتى أخمد الفتنةَ، وحُمِلَت خِلعةُ أبي نمي إليه، وقضى الناس حَجَّهم.
وفاة الملك المنصور ناصر الدين محمد الأيوبي صاحب حماة .
العام الهجري : 683 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1285
تفاصيل الحدث:
هو الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن نجم الدين أيوب بن شاذي، صاحب حماة. ولد سنة 630، وتملك حماة سنة ثنتين وأربعين، وله عشر سنين، فمكث في الملك أزيد من أربعين سنة، وكان له بر وصدقات، وقد أعتَقَ في مرض موته خلقًا من الأرقاء. توفي يوم عاشر شوال بحماة وقام في الملك بعده ولده الملك المظفر بتقليد الملك المنصور له بذلك.
=========
=139.

اللغة
الموسوعة التاريخية
الرئيسة
الموسوعة التاريخية
تنويه سَردٌ تاريخيٌّ مختصرٌ، مُجردٌ من التعليقِ والتحليل
أرغون المغولي يعتنق البوذية ويخطط لحرب المسلمين واستعانة بالبابا .
العام الهجري : 684 العام الميلادي : 1285
تفاصيل الحدث:
اعتنق أرغون البوذية- هو الذي خرج على عمه تكودار أحمد وقتله- وأرسل إلى البابا أربع سفارات يطلب منه إرسال حملة صليبية إلى مصر على أنه سيقوم هو بغزو الشام؛ حتى يُحكِموا قبضَتَهم على المسلمين، ولكن البابا لم يجِبه بشيء.
وفاة أبي البقاء الرندي .
العام الهجري : 684 العام الميلادي : 1285
تفاصيل الحدث:
هو العلامة أثير الدين أبو البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن علي بن موسى بن أبي القاسم بن شريف النفزي الرندي من قبيلة نفزة البربرية أبو الطيب، شاعر أندلسي من أهل رندة من جزيرة الأندلس، ولِدَ برندة سنة 601, وهو من القضاة، وله علمٌ بالحساب والفرائض، وهو أحد الأدباء المجيدين من أهل الأندلس. أقام بمالقة شهرًا، وأكثر الترددَ إلى غرناطة يسترفد ملوكَها، قال عنه أبو عبد الله محمد المراكشي في الذيل والتكملة: "كان خاتمة أدباء الأندلس، بارع التصرف في منظوم الكلام ومنثوره، فقيهًا حافظًا فرَضيًّا متفنِّنًا في معارف جليلة، نبيل المنازع، متواضعًا مقتصدًا في أحواله، وله مقامات بديعة في أغراض شتى، وكلامه نظمًا ونثرًا مدون، وله تأليف في العَروض، وتأليف في صنعة الشعر سماه "الكافي في علم القوافي"، وأودعه جملة وافرة من نظمه" وهو الذي نظم القصيدة المشهورة في رثاء الأندلس والتي أولها:
لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطِيبِ العيش إنسانُ
رثى فيها الأندلس بعد انهيار دولة الموحدين في أعقاب هزيمتهم في معركة العقاب سنة 609 وانحسار المسلمين في غرناطة بعد أن استولى الفرنج على معظم مدن الأندلس الكبرى، كقرطبة وإشبيلية وبلنسية وغيرها، وعمل الفرنج على محو آثار الإسلام في هذه المدن, وكذلك عندما تنازل حاكم غرناطة الأمير محمد بن يوسف بن نصر لملك قشتالة الفونسو عن بعض المدن والحصون الإسلامية مصانعةً له, فأثارت هذه الأوضاع حميةَ أبي البقاء وغيَّرَتْه، فنظم هذه القصيدة المشهورة، والتي انتشرت في بلاد المسلمين وخاصة بلاد المغرب أرض العدوة، يرثي فيها حال المسلمين بالأندلس، ويستنجد بحكامها لإنقاذ إخوانهم في الأندلس.
فتح المسلمين حصن المرقب وتحرير أسارى المسلمين .
العام الهجري : 684 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1285
تفاصيل الحدث:
سافر السلطان المنصور قلاوون الألفي بالعساكر المصرية والشامية فنزل المرقب، وهي قلعة حصينة تشرف على البحر بالشام، كانت بيد الإسبتارية، ففتحه الله عليهم في يوم الجمعة ثامن عشر صفر، وجاءت البشارة بذلك إلى دمشق فدُقَّت البشائر وزُينت البلد وفرح المسلمون بذلك؛ لأن هذا الحصن كان مضرة على المسلمين، ولم يتَّفِق فتحه لأحد من ملوك الإسلام لا للملك صلاح الدين، ولا للملك الظاهر بيبرس، وفتح حوله بلنياس ومرقب وهي بلدة صغيرة إلى جانب البحر عند حصن منيع جدًّا لا يصل إليه سهم ولا حجر منجنيق، فأرسل إلى صاحب طرابلس فهدمه تقربًا إلى السلطان الملك المنصور قلاوون، واستنقذ السلطان خلقًا كثيرًا من أسارى المسلمين، الذين كانوا عند الفرنجِ.
وفاة الأمير علاء الدين أيدكين البندقدار الصالحيّ. .
العام الهجري : 684 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1285
تفاصيل الحدث:
هو الأمير الكبير أيدكين علاء الدين البندقدار الصالحي أستاذ الملك الظاهر بيبرس وإليه ينسب. كان من كبار الأمراء الصالحية وكان عاقلًا ساكنًا. كان مملوكًا للأمير جمال الدين موسى بن يغمور ثم انتقل إلى الصالح نجم الدين فجعله بندقداره, ثم غضب الملك الصالح نجم الدين أيوب على أيدكين وصادره، وأخذ منه مماليكَه وكان منهم بيبرس البندقداري، وأضافه إليه لشهامتِه ونهضته، فتقدَّمَ بيبرس عنده على خشداشيته – زملائه مهنته – فلما تسلطن بيبرس صار علاء الدين أيدكين أحدَ قادة الظاهر بيبرس وتوفي علاء الدين بالقاهرة في ربيع الآخر من هذه السنة، ودُفِنَ بالشارع الأعظم قبالة حمام الفارقاني بظاهر القاهرة. وصُلي عليه بدمشق صلاة الغائب وكان قد ناهز السبعينَ.
وفاة الشاعر حازم القرطاجني .
العام الهجري : 684 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1285
تفاصيل الحدث:
هو الشاعر والناقد أبو الحسن حازم بن محمد بن حازم الأنصاري القرطاجني. ولد سنة 608هـ )1211م) في قرطاجنة وإليها نسب، ونشأ في أسرة ذات علم ودين، فأبوه كان فقيهًا عالِمًا، تولى والده قضاء قرطاجنة أكثر من أربعين عامًا، وقد عني بولده حازم فوجهه إلى طلب العلم مبكرًا. وبعد أن سقطت قرطاجنة ومرسية في أيدي القشتاليين للمرة الأولى سنة 640هـ (1243م) غادر عدد كبير من العلماء والأدباء الأندلس، ووجهوا شطرهم إما إلى بلاد المشرق الإسلامي أو إلى بلاد المغرب، وكان حازم القرطاجني ممن استقر به المقام في مراكش، والتحق بحاشية حاكم الموحدين أبي محمد عبد الواحد الملقب بالرشيد، وكان بلاطه عامرًا بالأدباء والشعراء، ثم ما لبث أن ترك مراكش إلى تونس، واتصل بسلطانها أبي زكريا الحفصي، فعرف له فَضلَه وعِلمَه، فقَرَّبه منه، وعيَّنه كاتبًا في ديوانه. ولما توفِّي أبو زكريا الحفصيُّ خلفه ابنه أبو عبد الله محمد المستنصر، وكان على شاكلة أبيه في احترامِ العلماء والأدباء وتقديرهم؛ ولهذا وجد حازم القرطاجني في ظِلِّ حُكمِه كل عناية وتقدير، وكان المستنصِرُ يثق به وبذوقه الأدبي، فكان يدفع إليه ببعض المؤلفات ليرى فيها رأيه ويقرر مستواها العلمي. وظل حازم القرطاجني في تونس ولم يغادرها، محاطًا بكل عناية من حكام الدولة الحفصية، موزعًا وقته بين العمل في الديوان وعقد حلقات العلم لتلاميذه، حتى تُوفِّي في ليلة السبت 24 من رمضان من هذه السنة.
وفاة السلطان المنصور يعقوب المريني .
العام الهجري : 685 العام الميلادي : 1286
تفاصيل الحدث:
هو السلطان المنصور أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محبو بن حمامة المريني مؤسس دولة بني مرين ببلاد المغرب بين فكيك وملوية. ولد بالمغرب سنة 609 وقد تولى قيادة بني مرين سنة 653 بعد وفاة أخيه أبي بكر بن عبد الحق, وتلقب يعقوب بالمنصور. وكان شجاعًا صوامًا قوامًا مجاهدًا مقرِّبًا لأهل الصلاح والخير والعلم. خرج على أبي دبوس آخر حكام الموحدين وقتله، واستولى على مملكة المغرب، فقضى على دولة آل عبد المؤمن الموحدين, ومَلَك سبتة سنة 672 واستقرَّت قدمُه في الملك، وكانت له جهود كبيرة في نصرة المسلمين في الأندلس، فاستعاد إشبيلية، وملَكَ بعده ولده يوسف أبو يعقوب, والمنصور هذا يختلف عن المنصور أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن الموحدي المتوفى سنة 595
وقعة بين بلبان الطباخي نائب حصن الأكراد وبين أهل المرقب .
العام الهجري : 685 العام الميلادي : 1286
تفاصيل الحدث:
كانت وقعةٌ بين الأمير بلبان الطباخي أحد مماليك المَلِك المنصور، ونائِبِه بحصنِ الأكراد وبينَ أهلِ حصنِ المرقب، بسَبَبِ أخذِهم قافلةَ تجارةٍ قُتِلَ فيها عِدَّةٌ من مماليك بلبان، وجُرِحَ هو في كَتِفِه، فاستأذنَ بلبان السُّلطان في الإغارةِ على بلَدِ المرقب، لِما اعتمده أهلُه من الفساد عند وصول التتر إلى حلب، فأذِنَ له السلطان في ذلك، فجمع بلبان الطباخي عساكرَ الحصون، وسار إلى المرقَب، ولم يزَلْ عليه حتى أخذَه بعد حروبٍ شديدةٍ في يوم الجمعة تاسع عشَرَ ربيع الأول، واستقَرَّ الطباخي نائبًا به.
وفاة القاضي البيضاوي .
العام الهجري : 685 العام الميلادي : 1286
تفاصيل الحدث:
هو القاضي الإمامُ العلَّامة ناصرُ الدين عبدُ الله بنُ عمر الشيرازي البيضاوي، قاضيها وعالمُها وعالمُ أذربيجان وتلك النواحي، ولِدَ في البيضا من فارس، تولى قضاء شيراز ثم رحل إلى تبريز، اشتهر بعلمِه فقد كان بارعًا في الأصول والفقه والكلام والنحو، ومن مصنفاته: منهاج الوصول إلى علم الأصول، وهو مشهور، وقد شرحه غيرُ واحد، وشرْح التنبيه في أربع مجلدات، والغاية القصوى في دراية الفتوى، وشرح المنتخب، والكافية في المنطق، وطوالع الأنوار وشرح المحصول أيضًا، والتفسير المشهور بتفسير البيضاوي، واسمُه أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وله غير ذلك من التصانيف، مات بتبريز سنة 685، وقد أوصى إلى القطب الشيرازي أن يُدفَنَ بجانبه بتبريز.
أخذ السلطان قلاوون الكرك من الملك المسعود بن الظاهر بيبرس .
العام الهجري : 685 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1286
تفاصيل الحدث:
سار الأميرُ حُسام الدين طرنطاي نائبُ السلطنة بعسكَرٍ كثيفٍ إلى الكرك، فتلَقَّاه عسكَرُ دِمشقَ صحبة الأمير بدر الدين الصوابي، فتوجَّهَ معه إليها، وضايقَها وقطَعَ الميرةَ عنها حتى بعث المَلِكُ المسعود بن الظاهر بيبرس أخاه خضر يطلبُ الأمان، فبعث إليه السلطانُ قلاوون الأميرَ ركن الدين بيبرس الدوادار من قلعة الجبل بالأمانِ، فنزل الملك المسعود وأخوه بدر الدين سلامش إلى الأميرِ طرنطاي في خامس صفر، واستقَرَّ الأمير عزُّ الدين أيبك الموصلي نائبُ الشوبك في نيابة الكرك، ووردت البشارة بأخذِ الكركِ إلى قلعةِ الجَبَل في ثامن صفر، وقَدِمَ الأمير طرنطاي بأولاد الظاهرِ إلى القاهرة، فخرج السلطانُ إلى لقائه في ثاني عشر ربيع الأول، وأكرم السلطانُ الملكَ المسعود وسلامش، وأمَّرَ كُلًّا منهما إمرةَ مائة فارس، وصارا يركبان في الموكب والميادين، ورتبا يركبان مع الملك الصالح علي، وفي سابع رجب توجَّه السلطان إلى الكرك، فوصلها وعرَضَ حواصِلَها ورجالها وشحَنَ بها ألفي غرارة قمح، وقرَّرَ بها بحريَّةً ورتَّبَ أمورَها، ونظَّف البركة، وجعل في نيابة الكرك الأميرَ ركن الدين بيبرس الدوادار، ونقل عز الدين أيبك إلى نيابة غزَّة، ثم نقله إلى نيابةِ صَفد.
مطر عظيم بالمدينة يخرب المسجد النبوي وجراد يهلك الزرع .
العام الهجري : 686 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1287
تفاصيل الحدث:
أُمطِرَت المدينةُ النبويَّةُ في ليلة الرابع من المحرم مطرًا عظيمًا فوكَفَت سقوفُ المسجِدِ النبوي والحُجرة الشريفة، وخَربت عدَّةُ دُورٍ وتَلِفَ نخلٌ كثيرٌ من السيولِ، ثم عقب ذلك جرادٌ عظيمٌ صار له دويٌّ كالرعد، فأتلف التَّمرَ وجريد النخلِ وغيرَه من المزارع، وكانت الأعينُ قد أتلَفَها السيلُ، وخَرَّبَ عين الأزرق حتى عادت مِلحًا أُجاجًا، فكتب بذلك إلى السُّلطانِ قلاوون، وأنَّ الحُجرةَ الشَّريفةَ عادتُها أن تُشمسَ في زَمَن الخُلَفاء إذا وَلِيَ الخليفةُ، فلا تزالُ حتى يقومَ خليفةٌ آخرُ فيُشمِسوها، وأنَّ المنبرَ والرَّوضةَ يُبعَث بكسوتِها في كلِّ سَنةٍ، وإنَّهما يحتاجانِ إلى كسوةٍ.
استرجاع حصن صهيون في اللاذقية .
العام الهجري : 686 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1287
تفاصيل الحدث:
توجَّه الأميرُ حُسام الدين طرنطاي نائبُ السُّلطة على عسكرٍ كثيرٍ لقتالِ الأمير شمسِ الدين سنقر الأشقر بصهيون، وسَبَبُ ذلك أنَّ السُّلطانَ لَمَّا نازَل المرقب وهي بالقربِ من صهيون، لم يحضُرْ إليه سنقر الأشقر، وبعث إليه ابنَه ناصرَ الدين صمغار، فأسَرَّها السلطانُ في نفسِه، ولم يمكِّنْ صمغار من العودِ إلى أبيه وحَمَله معه إلى مصر، واستمَرَّ الحالُ على ذلك حتى هذه السنة، فسار طرنطاي ونازل صهيونَ حتى بعث الأشقر يطلُبُ الأمانَ فأمَّنَه، ونزل سنقر إليه ليسَلِّمَ الحصن، فخرج طرنطاي إلى لقائِه ماشيًا، فنزل سنقر عندما رآه وتعانقا، وسار سنقر إلى مخيم طرنطاي، وقد خلع طرنطاي قباءَه وفَرَشه على الأرض ليمشيَ عليه سنقر، فرفع سنقر القباءَ عن الأرض وقَبَّله ثمَّ لَبِسَه، فأعظم طرنطاي ذلك من فِعلِ سنقر، وشَقَّ عليه وخَجِلَ، وأخذ يعامل سنقر من الخدمة بأتمِّ ما يكون، وتسَلَّمَ طرنطاي حصن صهيون، ورتَّبَ فيه نائبًا وواليًا وأقام به رجالًا، بعد ما أنفق في تلك المدَّة أربعَمائة ألف درهم في العسكر الذي معه، فعتب عليه السلطانُ، ثم سار طرنطاي إلى مصر ومعه سنقر الأشقر حتى قَرُب من القاهرة، فنزل السلطان من قلعة الجبل، وهو وابنُه الملك الصالح علي، وابنُه الملك الأشرف خليل، وأولاد الملك الظاهر، في جميعِ العساكر إلى لقاءِ سنقر الأشقر، وعاد به إلى القلعةِ، وبعث إليه الخِلَع والثيابَ وحوائِصَ الذَّهَب والتُّحَف والخيولَ، وأنعم عليه بإمرةِ مائة فارس وقَدَّمَه على ألف، فلازم سنقر الخِدمةَ مع الأمراءِ إلى سابع عِشْرِي شهر رجب، وخرج السلطان من قلعة الجبل سائرًا إلى الشام، فأقام بتل العجول ظاهِرَ غَزَّة.
غزو بلاد النوبة .
العام الهجري : 686 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1288
تفاصيل الحدث:
في سادس ذي الحجة توجَّه الأميرُ عَلَم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط متولي القاهرة، والأميرُ عز الدين الكوراني، إلى غزوِ بلاد النوبة، وجرَّدَ السلطانُ قلاوون معهما طائفةً مِن أجناد الولايات بالوجهِ القبلي والقراغلامية، وكتب إلى الأمير عز الدين أيدمر السيفي السلاح دار متولِّي قوص أن يسيرَ معهما بعُدَّته ومن عنده من المماليك السلطانية المركزين بالأعمال القوصيَّة، وأجناد مركز قوص، وعُربان الإقليم: وهم أولاد أبي بكر وأولاد عمر، وأولاد شيبان وأولاد الكنز وبني هلال، وغيرهم، فسار الخياط في البَرِّ الغربي بنصف العسكرِ، وسار أيدمر بالنصفِ الثاني من البر الشرقي، وهو الجانبُ الذي فيه مدينُة دنقلة، فلما وصل العسكرُ أطرافَ بلاد النوبة أخلى ملك النوبةِ سمامون البلادَ، وكان صاحِبَ مكرٍ ودهاء، وعنده بأس، وأرسل سمامون إلى نائبه بجزائر ميكائيل وعمل الدو واسمه جريس، ويُعرف صاحب هذه الولاية عند النوبة بصاحب الجبل، يأمره بإخلاء البلادِ التي تحت يده أمامَ الجيش الزاحف، فكانوا يرحلونَ والعسكَرُ وراءهم منزلةً بمنزلة، حتى وصلوا إلى مَلِك النوبة بدنقلة، فخرجَ سمامون وقاتلَ الأمير عز الدين أيدمر قتالًا شديدًا، فانهزم ملكُ النوبة وقُتِلَ كثيرٌ ممن معه، واستشهد عدَّةٌ من المسلمين، فتبع العسكَرُ مَلِكَ النوبةِ مَسيرةَ خَمسةَ عَشَر يومًا من رواءِ دنقلة إلى أن أدركوا جريس وأسروه، وأسَرُوا أيضًا ابنَ خالة الملك، وكان من عظمائِهم، فرتَّبَ الأميرُ عِزُّ الدين في مملكة النوبةِ ابنَ أختِ الملك، وجعل جريس نائبًا عنه، وجرَّد معهما عسكرًا، وقرَّرَ عليهما قطعةً يَحمِلانها في كلِّ سَنةٍ، ورجع بغنائم كثيرة ما بين رقيق وخيول وجمال وأبقار وأكسية.
نقض الفرنج بطرابلس الهدنة .
العام الهجري : 687 العام الميلادي : 1288
تفاصيل الحدث:
نقض الفرنجُ بطرابلس الهدنةَ، عندما أخذوا جماعةً مِن التجارِ وغَيرهم، وصار بأيديهم عدَّةُ أسرى، وكانوا لَمَّا مَلَك السلطانُ قَلعةَ المرقب قد بعثوا إليه هديةً، وصالحوه على ألَّا يتركوا عندهم أسيرًا، ولا يتعَرَّضوا لتاجرٍ ولا يقطعوا الطريقَ على مسافرٍ، فتجهَّزَ السلطان قلاوون لأخذ طرابلسَ.
وفاة الإمام النحوي بدر الدين محمد بن مالك .
العام الهجري : 687 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1288
تفاصيل الحدث:
هو الإمامُ البليغُ النَّحوي بدرُ الدين أبو عبدِ اللهِ محمَّدُ بنُ محمد بن الإمام العلامة الأوحد جمال الدين عبد الله بن مالك، الإمامُ البليغ النحوي بدر الدين ابن الإمام العلامة جمال الدين الطائي الجياني ثم الدمشقي شارح الألفية التي لأبيه، وهو من أحسَنِ الشروحِ وأكثَرِها فوائد، كان إمامًا ذكيًّا فَهِمًا حادَّ الخاطر، إمامًا في النحو والمعاني والبيان والبديع والعروض والمنطق، جَيِّدَ المشارَكةِ في الفقهِ والأصولِ، أخذ عن والده وسكن بعلبَكَّ فقرأ عليه بها جماعةٌ منهم بدر الدين بن زيد، فلما مات والده طلب إلى دمشق ووَلِيَ وظيفةَ والِدِه وسكنها وتصدى للأشغالِ والتصنيفِ, وكان لطيفًا ظريفًا فاضلًا، كانت وفاته يومَ الأحدِ الَّثاِمَن من المحرم، ودفن من الغد بباب الصغير بدمشقَ.
غزو دنقلة من بلاد النوبة .
العام الهجري : 687 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1288
تفاصيل الحدث:
كتب السلطان قلاوون إلى الأكابر ببلاد السند والهند والصين واليمن والنوبة صورةَ أمان لمن اختار الحضورَ إلى ديار مصر وبلادِ الشام، من إنشاءِ فَتحِ الدين بن عبد الظاهر، وسيَّرَه مع التجار، وفي أول جمادى الأولى ورَدَت كتب الأمير علم الدين سنجر المسروري الخياط من دنقلة (من بلاد النوبة)، بفتحها والاستيلاءِ عليها وأسرِ مُلوكها، وأخْذِ تيجانهم ونسائِهم، وكان الكِتابُ على يد ركن الدين منكورس الفاقاني، فخلع عليه وكتب معه الجوابَ بإقامة الأمير عزِّ الدين أيدمر والي قوص بدنقلة، ومعه مَن رسمَ لهم من المماليك والجُند والرجال، وأن يحضُرَ الأمير علم الدين ببقيَّة العسكر، وجهَّزَ من قلعة الجبل سعد ابن أخت داود؛ ليكونَ مع الأمير أيدمر لخبرته بالبلادِ وأهلها، فسار وقد أعطي سيفًا مُحلًّى، فأقام بقوص، وأما النوبةُ فإن عامون مَلِكَها رجع بعد خروج العسكر إلى دنقلة، وحارب من بها وهزَمَهم، وفَرَّ منه الملك وجريس والعسكر المجرد، وساروا إلى القاهرة، فغضب السلطانُ وأمر بتجهيز العسكر لغزو النوبةِ.
وفاة ولي العهد الملك الصالح علاء الدين بن الملك المنصور قلاوون .
العام الهجري : 687 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1288
تفاصيل الحدث:
هو المَلِكُ الصالح علاءُ الدين ابن الملك المنصور قلاوون وَليُّ العهدِ توفِّيَ في يوم الأحد خامس عشر من رجب خرج السلطان مبرزًا بظاهر القاهرة يريد الشامَ، فركب معه ابنه الملك الصالح ثمَّ عاد الصالح إلى قلعة الجبل آخِرَ النهار، فتحَرَّك عليه فؤاده في الليلِ وكَثُرَ إسهاله الدموي وأفرط، فعاد السلطانُ لعيادته في يوم الأربعاء الثامن عشر ولم يُفِدْ فيه العلاج، فعاد السلطانُ إلى الدهليز من يومِه، فأتاه الخبر بشدة مرض الملك الصالح، فعاد إلى القلعة، وصَعِدَت الخزائن في يوم الثلاثاء أوَّلَ شعبان، وطلعت السناجق والطلب في يوم الأربعاء ثانيه، فمات الصالحُ بكرة يوم الجمعة رابعَه من دوسنطاريا كبديَّة، وتحدثت طائفةٌ بأن أخاه الملك الأشرف خليلًا سَمَّه، فحضر الناسُ للصلاة عليه، وصلى عليه بالقلعةِ قاضي القضاة تقي الدين بن بنت الأعز إمامًا، والسلطانُ خَلفَه في بقيَّة الأمراء والملك الأشرف خليل، ثم حُمِلَت جنازته، وصلى عليه ثانيًا قاضي القضاة معز الدين نعمان بن الحسن بن يوسف الخطبي الحنفي خارج القلعة، ودُفِنَ بتربة أمه قريبًا من المشهد النفيسي، وفي حادي عشر شعبان..
ولاية العهد الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون بعد وفاة أخيه .
العام الهجري : 687 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1288
تفاصيل الحدث:
فوَّضَ السلطانُ قلاوون ولايةَ العهدِ لابنه المَلِك الأشرف صلاحِ الدين خليل بعد وفاة أخيه ولي العهد المَلِك الصالح علاء الدين، فركِبَ بشعار السَّلطنة من قلعةِ الجبل إلى باب النصر، وعبَرَ إلى القاهرة وخرج من بابِ زويلة، وصَعِدَ إلى القلعة وسائِرُ الأمراء وغيرُهم في خدمته، ودُقَّت البشائر، وحَلَف القضاةُ له وجميع العسكر، وخلع على سائرِ أهل الدولة، وخُطِبَ له بولاية العهد، واستقَرَّ على قاعدة أخيه الصالحِ علي، وكُتِبَ بذلك إلى سائر البلاد، وكُتِبَ له تقليدٌ.
وفاة الطبيب ابن النفيس .
العام الهجري : 687 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1288
تفاصيل الحدث:
هو العلَّامةُ علاء الدين علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي شيخُ الأطباء في عصرِه المعروف بابن النفيس، الحكيمُ في فَنِّه، لم يكُنْ في عصره من يضاهيه في الطبِّ والعلاج والعِلم، اشتغل على المهذَّب حتى برع، وانتهت إليه رياسةُ فَنِّه في زمانه، وهو صاحِبُ التصانيفِ المفيدة، منها: الشامِلُ في الطب، والمهَذَّب في الكحل، والموجز، وشرح القانون لابن سينا، وكانت تصانيفُه يُملِيها من ذهنه ولا يحتاجُ فيها إلى مراجعةٍ لِتَبحُّرِه في فن الطب, وانتهت إليه رياسةُ الطبِّ بالديارِ المصرية. درَّسَ الطبَّ في البيمارستان النوري في مصر، وإليه يُنسَبُ اكتشاف الدورة الدموية الصغرى، وقال: إن الدم ينقى في الرِّئتَين، ومات في ذي القعدة بعد أن أوقف داره وأملاكَه وجميع ما يتعلَّقُ به على البيمارستان المنصوري بالقاهرة.
فتح السلطان قلاوون قلاعًا كثيرة بناحية حلب .
العام الهجري : 688 العام الميلادي : 1289
تفاصيل الحدث:
فُتِحَت قلاعٌ كثيرة بناحية حلب كركر وتلك النواحي، وكُسِرَت طائفة من التتر هناك، وقُتِلَ مَلِكُهم خربندا نائبُ التتار على ملطية.
السلطان قلاوون يحرر إمارة طرابلس من الصليبيين .
العام الهجري : 688 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1289
تفاصيل الحدث:
خرج السلطانُ قلاوون من دمشق إلى طرابلس فنازلها، وقد قَدِمَ لنجدة أهلِها أربعة شوان- سفن حربية كبيرة- من جهةِ متمَلِّك قبرص، فوالى السلطانُ الرميَ بالمجانيق عليها والزَّحفِ والنُّقوب في الأسوار، حتى افتَتَحها عَنوةً في الساعة السابعة من يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر، بعدما أقام عليها أربعة وثلاثين يومًا، ونصب عليها تسعةَ عشر منجنيقًا، وعَمِلَ فيها ألف وخمسمائة نفسٍ من الحجَّارين الزرَّاقين- رُماة الرماح- وفرَّ أهلُها إلى جزيرة تجاه طرابلس، فخاض الناس فرسانًا ورجالًا وأسَرُوهم وقتلوهم وغَنِموا ما معهم، وظَفِرَ الغلمان والأوشاقية- مسؤولو ركوب السلطان للأحصنة للمتعة والرياضة- بكثيرٍ منهم كانوا قد ركبوا البحرَ فألقاهم الريحُ بالساحل، وكَثُرت الأسرى حتى صار إلى زردخاناه السلطان ألف ومائتا أسير، واستشهد من المسلمين الأميرُ عِزُّ الدين معن، والأميرُ ركن الدين منكورس الفارقاني، وخمسة وخمسون من رجال الحلقة، وأمر السلطان بمدينة طرابلس فهُدِمت، وكان عرض سورها يمرُّ عليه ثلاثةُ فرسان بالخيل، ولأهلها سعاداتٌ جليلة منها أربعة آلاف نول قزازاة، وأقر السلطان بلدةَ حبيل مع صاحِبِها على مالٍ أخذه منه، وأخذ بيروت وجبلة وما حولها من الحصون، وعاد السلطانُ إلى دمشق في نصف جمادى الأولى، ثم عمر المسلمون مدينة بجوار النهر فصارت مدينة جليلة، وهي التي تعرف اليوم بطرابلس، وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة 503 إلى هذا التاريخ، وقد كانت قبل ذلك في أيدي المسلمين من زمان معاوية، فقد فتحها سفيانُ بن نجيب لمعاوية، فأسكنها معاويةُ اليهود، ثم كان عبدُ الملك بن مروان جدَّدَ عِمارَتَها وحَصَّنَها وأسكنها المسلمين، وصارت آمنةً عامرة مطمئنة، وبها ثمارُ الشام ومصر، فإنَّ بها الجوز والموز والثلج والقصب، والمياه جارية فيها تصعدُ إلى أماكِنَ عالية، وقد كانت قبل ذلك ثلاثَ مدن متقاربةً، ثم صارت بلدًا واحدًا، ثم حُوِّلت من موضعها ثمَّ أمر السلطان الملك المنصور قلاوون أن تهَدَّمَ البلد بما فيها من العمائِرِ والدور والأسوار الحصينة التي كانت عليها، وأن يبنى على ميل منها بلدةٌ غيرُها أمكَنُ منها وأحسَنُ، ففعل ذلك، فهي هذه البلدة التي يقال لها طرابلس.
======
140.

اللغة
الموسوعة التاريخية
الرئيسة
الموسوعة التاريخية
تنويه سَردٌ تاريخيٌّ مختصرٌ، مُجردٌ من التعليقِ والتحليل
وفاة الملك المنصور شهاب الدين محمود .
العام الهجري : 688 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1289
تفاصيل الحدث:
هو الملك المنصور شهاب الدين محمود بن الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل. وقد توفِّيَ يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفِنَ مِن يومِه.
فتح مدينة دنقلة من بلاد النوبة .
العام الهجري : 688 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1289
تفاصيل الحدث:
جرَّد السلطان قلاوون الأميرَ عِزُّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندرا إلى بلاد النوبة، ومعه من الأمراء قبجاق المنصوري وبكتمر الجوكندار، وأيدمر والي قوص، وكثير من الأمراء، وسائرُ أجناد المراكز بالوجه القبلي، ونواب الولاة، ومن عُربان الوجهين القبلي والبحري عدة أربعين ألف راجل، ومعهم متمَلِّك النوبة وجريس، فساروا في ثامن شوال، وصَحِبَتهم خمسمائة مركب ما بين حراريق ومراكب كبار وصغار تحمِلُ الزاد والسلاح والأثقال، فلما وصلوا ثغر أسوان مات متمَلِّك النوبة ونائبه، فدُفِن بأسوان، فطالع الأميرُ عز الدين الأفرم السلطانَ بموته، فجَهَّزَ إليه من أولاد أخت الملك داود رجلًا كان بالقاهرة ليملِّكَه، فأدرك العسكرَ على خيل البريد بأسوان وسار معه، وقد انقسموا نصفين: أحدهما الأميرُ عز الدين الأفرم وقبجاق في نصف العسكرِ مِن الترك والعَرَب في البر الغربي، وسار الأمير أيدمر والي قوص والأمير بكتمر بالبقية على البر الشرقي، وتقَدَّمَهم جريس نائب ملك النوبة ومعه أولاد الكنز؛ ليؤمِّنَ أهل البلاد ويجهِّز الإقامات، فكان العسكرُ إذا قَدِمَ إلى بلد خرج إليه المشايخ والأعيان، وقَبَّلوا الأرض وأخذوا الأمان وعادوا، وذلك من بلد الدو إلى جزائر ميكائيل، وهي ولاية جريس، وأما ما عدا ذلك من البلاد التي لم يكن لجريس عليها ولاية، من جزائر ميكائيل إلى دنقلة، فإنَّ أهلَها جلوا عنها طاعة لمتمَلِّك النوبة، فنهبها العسكرُ وقَتَلوا من وجدوه بها، ورَعَوا الزروع وخرَّبوا السواقي إلى أن وصلوا مدينةَ دنقلة، فوجدوا المَلِكَ قد أخلاها حتى لم يبقى بها سوى شيخ وعجوز، فأخبر أنَّ المَلِكَ نزل بجزيرةٍ في بحر النيلِ بُعدُها عن دنقلة خمسة عشر يومًا، فتتبعه والي قوص، ولم يقدِرْ مركب على سلوك النيل هناك لتوعُّرِ النيل بالأحجارِ. وفي جمادى الأولى من عام 689 هـ وصل أيدمر والي قوص ممَّن معه إلى اتجاه الجزيرة التي بها سمامون ملك النوبة، فرأوا بها عدة من مراكب النوبة، فبعثوا إليه في الدخولِ في الطاعةِ وأمَّنوه فلم يقبَلْ، فأقام العسكرُ تجاهه ثلاثة أيام، فخاف سمامون من مجيءِ الحراريق والمراكبِ إليه، فانهزم إلى جهةِ الأبواب، وهي خارجةٌ عن مملكتِه، ففارقه السواكرة وهم الأمراء وفارقه الأسقُفُ والقُسوس، ومعهم الصليبُ الفِضَّة الذي كان يُحمَلُ على رأسِ الملك، وتاجُ الملك، وسألوا الأمان فأمَّنَهم أيدمر وخلَعَ على أكابِرِهم، وعادوا إلى مدينةِ دنقلة وهم جمعٌ كبير، وعند وصولهم عبر الأمير عزُّ الدين الأفرم وقبجاق إلى البر الشرقي، وأقام العسكرُ مكانه، واجتمع الأمراءُ بدنقلة، ولبس العسكرُ آلةَ الحرب وطلبوا من الجانبينِ، وزُيِّنَت الحراريق في البحر، ولعب الزرَّاقون بالنِّفاط، ومدَّ الأمراء السماط في كنيسةِ أسوس أكبَرِ كنائس دنقلة وأكلوا، ثم ملَّكوا الرجلَ الذي بعثه السلطانُ قلاوون وألبسوه التاجَ، وحلفوا وسائِرَ الأكابرِ، وعينوا طائفةً من العسكر تقيمُ عندهم وعليها بيبرس العزي مملوكُ الأمير عزِّ الدين، وعاد العسكرُ إلى أسوان بعدما غاب عنها ستة أشهر، وساروا إلى القاهرةِ في آخر جمادى الأولى بغنائِمَ كثيرة، وأما سمامون فإنَّه عاد إلى دنقلة مختفيًا، وصار بطريقِ باب كلِّ واحد من السواكرة ويستدعيه، فإذا خرج ورآه قَبَّلَ له الأرضَ وحلف له، فما طلع الفجرُ حتى ركِبَ معه سائرُ عَسكرِه، وزحف سمامون بعسكره على دار الملك، وأخرج بيبرس العزي ومَن معه إلى قوص، وقَبَض على الذي تمَلَّك مَوضِعَه وعرَّاه من ثيابه، وألبسه جلدَ ثورٍ كما ذُبِحَ ولَفَّها عليه، ثمَّ أقامه مع خشبةٍ وتركه حتى مات، وقُتِلَ جريس أيضًا، وكتب سمامون إلى السلطانِ يسأله العفو، وأنَّه يقوم بالمقرَّر وزيادة، وبعث رقيقًا وغيره تقدمةً فقَبِلَ منه، وأقرَّه السلطانُ بعد ذلك بالنوبةِ.
نهاية حكم الغوريين في الهند .
العام الهجري : 689 العام الميلادي : 1290
تفاصيل الحدث:
كانت أسرةُ بلبن الغورية تحكُمُ تلك المناطق في الهندِ دلهي وغيرَها، وكان آخِرُ ملوكهم هو معزُّ الدين كيقباد الذي مرِضَ مرضًا شديدًا عجز الأطباءُ عن إيجاد علاجِه، فيبس أحَدُ شِقَّيه، فخرج عليه نائبُه جلال الدين فيروز الخلجي وأعلن خلعَ الطاعةِ في ظاهر المدينةِ وانضَمَّ له الأمراءُ ودخل الخلجي دلهي وقتل كيقباد بعد أن بَقِيَ في حكمه ثلاث سنوات وبضعة أشهر، وبموتِه تنتهي حكومةُ أسرة بلبان وتبدأ دولة الخلجيين، وأوَّلُ ملوكها هو جلال الدين فيروز.
أهل عكا ينقضون العهد .
العام الهجري : 689 العام الميلادي : 1290
تفاصيل الحدث:
ثار أهلُ عكَّا بتجَّار المسلمين وقتلوهم، فغَضِبَ السلطان قلاوون وكتب إلى البلاد الشاميَّة بعَمَلِ مجانيق وتجهيزِ زردخاناة- خزنة الأسلحة- لحصارِ عكا، وذلك أنَّ الظاهِرَ بيبرس كان قد هادَنَهم، فصاروا يحمِلونَ إليه هديَّتَهم في كلِّ سَنةٍ واستمَرُّوا في حَملِها إلى الملك المنصور قلاوون، إلَّا أنهم كثُرَ طَمَعُهم وفسادُهم وقَطعُهم الطريقَ على التجار، فأخرج لهم السلطانُ قلاوون الأميرَ شمس الدين سنقر المساح على عسكر، ونزلوا اللجونَ على العادة في كلِّ سنة، فإذا بفرسانٍ مِن الفرنج بعكا قد خرَجَت فحاربوهم، واستمَرَّت الحربُ بينهم وبين أهل عكا مُدَّة أيام، وكُتِبَ إلى السلطان بذلك، فأخذ في الاستعدادِ لحَربِهم، فشرع الأميرُ شمس الدين سنقر الأعسر في عمل ذلك، وقرَّرَ على ضياع المرج وغوطة دمشق مالًا على كلِّ رجلٍ ما بين ألفي درهمٍ إلى خمسمائة درهم، وجبى أيضًا من ضِياعِ بعلبك والبقاع، وسار إلى وادٍ بين جبال عكا وبعلبك لقطع أخشابِ المجانيق، فسقط عليه ثلجٌ عظيمٌ كاد أن يُهلِكَه، فركب وساق وتَرَك أثقالَه وخيامه لينجوَ بنفسه، فطَمَّها الثلجُ تحته إلى زَمَنِ الصيف، فتَلِفَ أكثَرُها.
غزو بلاد الصعيد .
العام الهجري : 689 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1290
تفاصيل الحدث:
سار الأميرُ طرنطاي النائبُ إلى بلاد الصعيد ومعه عسكرٌ كبيرٌ، فوصل إلى طوخ تجاهَ قوص، وقَتَل جماعةً من العربان، وحرق كثيرًا منهم بالنار، وأخذ خيولًا كثيرة وسلاحًا ورهائنَ مِن أكابرهم، وعاد بمائة ألف رأسٍ مِن الغنم، وألفٍ ومائتي فرس، وألف جمل، وسلاحٍ لا يقع عليه حصرٌ.
غزو بلاد النوبة .
العام الهجري : 689 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1290
تفاصيل الحدث:
وصل والي قوص ممَّن معه إلى اتجاه الجزيرة التي بها عامون ملك النوبة، فرأوا بها عدة من مراكب النوبة، فبعثوا إليه في الدخولِ في الطاعةِ وأمَّنوه فلم يقبَلْ، فأقام العسكرُ تجاهه ثلاثة أيام، فخاف عامون من مجيءِ الحراريق والمراكبِ إليه، فانهزم إلى جهةِ الأبواب، وهي خارجةٌ عن مملكتِه وبينها وبين الجزيرة التي كان فيها ثلاثةُ أيام، ففارقه السواكرة وهم الأمراء وفارقه الأسقُفُ والقُسوس، ومعهم الصليبُ الفِضَّة الذي كان يُحمَلُ على رأسِ الملك، وتاجُ الملك، وسألوا الأمان فأمَّنَهم والي قوص وخلَعَ على أكابِرِهم، وعادوا إلى مدينةِ دنقلة وهم جمعٌ كبير، وعند وصولهم عبر الأمير عزُّ الدين الأفرم وقبجاق إلى البر الشرقي، وأقام العسكرُ مكانه، واجتمع الأمراءُ بدنقلة، ولبس العسكرُ آلةَ الحرب وطلبوا من الجانبينِ، وزُيِّنَت الحراريق في البحر، ولعب الزرَّاقون بالنِّفاط، ومدَّ الأمراء السماط في كنيسةِ أسوس أكبَرِ كنائس دنقلة وأكلوا، ثم ملَّكوا الرجلَ الذي بعثه السلطانُ قلاوون وألبسوه التاجَ، وحلفوا وسائِرَ الأكابرِ، وعينوا طائفةً من العسكر تقيمُ عندهم وعليها بيبرس العزي مملوكُ الأمير عزِّ الدين والي قوص، وعاد العسكرُ إلى أسوان بعدما غاب عنها ستة أشهر، وساروا إلى القاهرةِ في آخر جمادى الأولى بغنائِمَ كثيرة، وأما عامون فإنَّه عاد بعد رجوع العسكرِ إلى دنقلة مختفيًا، وصار بطريقِ باب كلِّ واحد من السواكرة ويستدعيه، فإذا خرج ورآه قَبَّلَ له الأرضَ وحلف له، فما طلع الفجرُ حتى ركِبَ معه سائرُ عَسكرِه، وزحف عامون بعسكره على دار الملك، وأخرج بيبرس العزي ومَن معه إلى قوص، وقَبَض على الذي تمَلَّك مَوضِعَه وعرَّاه من ثيابه، وألبسه جلدَ ثورٍ كما ذُبِحَ بعدما قَدَّه سيورًا ولَفَّها عليه، ثمَّ أقامه مع خشبةٍ وتركه حتى مات، وقُتِلَ جريس أيضًا، وكتب عامون إلى السلطانِ يسأله العفو، وأنَّه يقوم بالبقط المقرَّر وزيادة، وبعث رقيقًا وغيره تقدمةً فقَبِلَ منه، وأقرَّه السلطانُ بعد ذلك بالنوبةِ.
قيام الدولة الخلجية في الهند على أنقاض الدولة الغورية .
العام الهجري : 689 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1290
تفاصيل الحدث:
الخلجيُّونَ أصلُهم من الترك الأفغانيين، وكانوا أسرةً مُحارِبةً، ظهر أمرُها من أيام الغزنويِّينَ، ويرى بعضُ المؤرخين أنَّهم ينتَسِبونَ إلى "قليج خان" أحدِ أصهار "جنكيز خان" والذي نزل بجبال الغورِ بعد هزيمة "خوارزم شاه"، وحرَّف اسمه بعد ذلك إلى خلج، وعُرِفَ ورثته بالخلجيون، واندمجوا في الحياةِ في "أفغانستان"، واعتنقوا الإسلامَ في عهد سلاطين الدولةِ الغزنوية، وضم الجيشُ الغزنوي فرقًا منهم أسهمت في فتح الهند. وظهر أمرُهم منذ أيامِ الدولة الغورية، وازداد نفوذُهم في عهد المماليك، وتولَّوا حكمَ إقليم البنغال، ونهضوا بالوظائفِ الكبرى في الدولةِ، وبعد وفاة غياث الدين بلبن تولى حفيدُه كيقباد الحُكمَ، وكان شابًّا لاهيًا منصرفًا عن إدارة الدولة، وهو ما أطمعَ الخلجيينَ في الإطاحة بنظام الحُكمِ في دلهي، فجمعوا أمرَهم تحت قيادة زعيمِهم فيروز، ودخلوا دلهي، وأسقطوا حكمَ بيت غياث الدين بلبن، وأعلن فيروزُ نَفسَه سُلطانًا، ولقَّب نفسَه بجلال الدين، وذلك في الثاني من جمادى الآخرة 689هـ (13 من يونيو1290م) واستطاع السلطانُ جلال الدين أن يجذِبَ القلوبَ التي كانت نافرةً منه بعد اجتياحِ قُوَّاتِه مدينةَ دلهي وقَتلِها كيقباد، وقد كان شيخًا كبيرًا في السبعينَ مِن عُمُرِه، يميلُ إلى الحِلمِ والسماحة؛ فنجح في أن يتألَّف القلوبَ مِن حوله، وبلغ من سماحتِه أنَّه عفا عن بعض الثائرين عليه، وفكَّ أغلالَهم، وأجلَسَهم بمجلِسِه، وقال لهم: كنتم زملائي، وقد جعلني اللهُ ملكًا، فأنا أشكر الله على نعمته، ولا أنسى الماضي، وأنتم بوفائِكم لأميرِكم من آلِ بلبن قد قمتُم بواجِبِكم، ولا يمكِنُ أن أحاسِبَكم على هذا الوفاءِ. وقد نجح السلطانُ جلال الدين في ردِّ غارات المغول حين عاودوا هجومَهم على الهند، وأسَرَ منهم ألوفًا، وأنزلهم بضواحي دلهي, ثم خرج في سنة 694هـ لفتح الدكن، وتمكَّنَ من التغلُّبِ على إمارة ديوكر الهندية، ودخل الدكن، فكان أوَّلَ من دخلها من سلاطينِ المسلمين، وكان من إفراطِ السلطان في حُسنِ الظن بمن حوله أن استطاع ابنُ أخيه علاء الدين محمد أن يستدرِجَه إلى مقامِه في "كره"، بدعوى مشاهدةِ بعضِ الغنائِمِ الثمينةِ التي أتى بها من الدكن، ودَبَّرَ له مَن قتَلَه قبل أن يلتقيا في 4 من رمضان 694هـ (18 يوليو 1295م).
وفاة السلطان قلاوون وتولي ابنه خليل بعده .
العام الهجري : 689 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1290
تفاصيل الحدث:
هو السلطانُ المَلِكُ المنصورُ سَيفُ الدنيا والدين، أبو المعالي وأبو الفتوح قلاوون بن عبد الله التركي الصالحيُّ النجميُّ الألفي، اشتراه المَلِكُ الصالحُ نجم الدين أيوب بألفي دينار، ولهذا يقالُ له الألفي, وكان من أكابِرِ الأمراء عنده وبعدَه، كان ملكًا عظيمًا حَسَنَ الصورة مَهيبًا، عليه أبَّهةُ السلطنة ومهابة المُلك، تامَّ القامة حَسَنَ اللِّحيةِ عاليَ الهِمَّة شجاعًا وقورًا, وكان لا يحِبُّ سَفكَ الدماء، إلَّا أنه كان يحِبُّ جمع الأموال، ولَمَّا تزوَّج الملكُ السعيد بن الظاهر بابنة قلاوون غازية خاتون، عظُمَ شأنُه جِدًّا عند الظاهر، وما زال يترفَّعُ في الدولة حتى صار أتابكَ سلامش بن الظاهر، ثم عزله واستقَلَّ بالملك في سنة أربع وثمانين. فأمسَكَ قلاوون بجماعةٍ مِن أمراء ظاهرية، واستعمل مماليكَه على نيابة البلاد. كسر التتارَ سنة ثمانين، ونازل حصنَ المرقب, وفتح طرابلسَ سنة ثمان وثمانين، وعزم على فتح عكَّا وبرز إليها فعاجَلَته المنيَّةُ, ودفن بتربته بمدرسته العظيمةِ التي أنشأها بين القصرين، والتي ليس بديارِ مِصرَ ولا بالشَّامِ مِثلُها. وفيها دارُ حديث والمارستان المنصوري. وعليها أوقافٌ دارَّة كثيرة عظيمة، مات عن قريبٍ من ستين سنة، وكانت مدَّة ملكه اثنتي عشرة سنة، وقد أبقى اللهُ تعالى الملكَ في بنيه ومماليكِه وبني بنيه إلى أواخِرِ القرن الثامن الهجري, وبعد وفاته جلس ابنُه وولي العَهدَ الملِكُ الأشرف صلاح الدين خليل على تخت الملك بقلعةِ الجبل يوم الأحد سابع ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة.
مناوشات بين أمير مكة وحجاج مصر .
العام الهجري : 689 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:
حَجَّ بالنَّاسِ في هذه السنة من الشامِ الأمير بدر الدين بكتوت الدوباسي، وحَجَّ قاضي القضاة شهاب الدين بن الخوي، وشمسُ الدين بن السلعوس ومقَدَّم الركب الأمير عتبة، فتوهَّم منه أبو نُمي، وكان بينهما عداوةٌ، فأغلق أبوابَ مكَّةَ ومنع الناسَ مِن دخولِها، فأحرق البابَ وقتَلَ جماعةً ونهَبَ بعض الأماكِنِ، وجرت خطوبٌ فظيعة، ثم أرسلوا القاضيَ ابن الخوي ليصلح بين الفريقين، ولَمَّا استقر عند أبي نمي رحل الركوبُ وبقي هو في الحَرَمِ وَحدَه وأرسل معه أبو نمي من ألحقَه بهم سالِمًا معظَّمًا.
أحوال البلاد الإسلامية مع بداية هذه السنة .
العام الهجري : 690 العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:
استهلَّت هذه السنةُ والخليفةُ بمصرَ الحاكمُ بأمر الله أبو العباس العباسي، وسلطانُ البلادِ المَلِكُ الأشرف صلاحُ الدين خليل بن المنصور قلاوون، ونائبُه بمصر وأعمالها بدر الدين بيدرا، ووزيرُه ابن السلعوس الصاحِبُ شمس الدين، ونائبه بالشام حسامُ الدين لاجين السلحداري المنصوري، وصاحِبُ اليمن الملِكُ المظفَّر شمس الدين يوسف بن المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول، وصاحِبُ مكة نجم الدين أبو نمي محمد بن إدريس بن علي بن قتادة الحسيني، وصاحبُ المدينة عز الدين جماز بن شيحة الحسيني، وصاحب الرومِ غياثُ الدين كيخسرو، وهو ابنُ ركن الدين قلج أرسلان السلجوقي، وصاحِبُ حماة تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمد، وسلطانُ بلاد العراق وخراسان وتلك النواحي أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولو بن جنيكزخان. وجلال الدين فيروز الخلجي في الهند.
وفاة الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر بيبرس .
العام الهجري : 690 العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:
هو المَلِكُ العادِلُ بدرُ الدين سلامش بن الظاهرِ بيبرس بن عبد الله، كان قد بويع بالمُلك بعد أخيه الملِك السَّعيد، وجَعَلَ الملكُ المنصورُ قلاوونَ أتابِكَه وخطَبَ له، وضربَ السكةَ باسمه ثلاثة أشهر، ثم استقَلَّ قلاوون بالمُلكِ لصِغَرِ سِنِّ سلامش وقتَها، فلما عُزِلَ من الحكم بقي خاملًا. كان سلامش من أحسن الناسِ شَكلًا وأبهاهم منظرًا، فقد كان شابًّا مليحًا، تام الشكل، رشيق القدِّ، طويلَ الشعر، ذا حياءٍ وعقل، وقد افتتن به خلقٌ كثير، وكان رئيسًا مهيبًا وقورًا، أرسله السلطانُ قلاوون إلى أخيه الملك السعيد في الكركِ ثم أعادهم إلى القاهرةِ، ولما تملك الملكُ الأشرفُ جَهَّزه وأخاه الملك خضر وأهله إلى مدينة إسطنبول بلاد الأشكري، فمات هناك وهو قريب من عشرين سنة، وبقي أخوه نجم الدين خضر وأهلوهم بتلك الناحية، ويُذكَرُ أن الظاهر بيبرس كان قد اعتقل قلاوون لَمَّا استلم السلطنةَ وأرسله مع أمِّه إلى بلاد الأشكري، فجرى لولده سلامش وأمِّه ما فعَلَه هو بغيره!
وفاة أرغون بن أبغا بن هولاكو ملك التتار .
العام الهجري : 690 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:
هو أرغونُ بن أبغا ملكُ التتار, وحاكِمُ بلاد العراق وخراسان وما حولها. كان شهمًا شجاعًا سفَّاكًا للدماء، كافرًا، على دينِ قَومِه المغول؛ لذلك قتَلَ عَمَّه المسلمَ السلطان أحمد (تكدار) بن هولاكو، فعَظُمَ في أعين المغول, فلمَّا كان في هذه السنة مات من شرابٍ شَرِبَه فيه سُمٌّ، فاتهمت المغولُ اليهودَ به, وكان وزيرُه سعد الدولة بن الصفي يهوديًّا, فقتلوا من اليهودِ خلقًا كثيرًا، ونهبوا منهم أموالًا عظيمةً جدًّا في جميع مدائن العراق، ثم اختلفوا فيمن يقيمونَه بعده، فمالت طائفةٌ إلى كيختو فأجلسوه على سريرِ المملكة، فبقي مُدَّة، قيل سنةً، وقيل أقل من ذلك، ثم قتلوه وملَّكوا بعده بيدرا، وجاء الخبَرُ بوفاة أرغون إلى الملك الأشرف وهو محاصرٌ عكَّا ففرح بذلك كثيرًا، وكانت مُدَّةُ مُلك أرغون ثماني سنين، وقد وصفه بعض مؤرخي العراق بالعَدلِ والسياسة الجيِّدة.
تحرير إمارة عكا من الوجود الصليبي وهي آخر معاقلهم .
العام الهجري : 690 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:
شرع السلطانُ الأشرفُ صلاحُ الدين خليلُ بن قلاوون في الاهتمامِ بفَتحِ عَكَّا، وبعثَ الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندار إلى الشامِ لتجهيزِ أعوادِ المجانيق، فقَدِمَ دِمشقَ وجُهِّزَت أعوادُ المجانيق، وبرزت في أول ربيع الأول وتكامَلَت في الثاني عشر، وسار بها الأميرُ عَلَم الدين سنجر الدواداري أحدُ أمراء الشام، ثم فُرِّقَت على الأمراء مقَدَّمي الألوف، فتوجَّهَ كل أمير ومضافيه بما أمر بنقله منها، وخرج من القاهرةِ الأمير سيف الدين طغريل الأيغاني إلى استنفار الناسِ مِن الحصون بممالكِ الشام، فوصل المظفَّر صاحب حماة إلى دمشق في الثالث عشر بعسكره وبمجانيقِ وزردخاناه- خزانة الأسلحة- ووصل الأميرُ سيف الدين بلبان الطباخي نائبُ الفتوحات بعساكِرِ الحصون وطرابلس، وبالمجانيق والزردخاناه في الرابع عشر، وتوجَّه الأميرُ حسام الدين لاجين نائبُ الشام بالجيشِ مِن دمشق في العشرينَ مِن ربيع الأول، وسار جميعُ النواب بالعساكر إلى عكا، وكان السلطانُ الأشرف خليل توجَّه بالعساكِرِ يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول يريد أخْذَ عَكَّا، وسيَّرَ حريمه إلى دمشق فوصلوا إليها في سابع ربيع الآخر، وسار السلطان فنزل عكَّا في يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، ووصلت المجانيقُ يوم ثاني وصولِه وعدَّتُها اثنان وتسعون منجنيقًا، فتكاملَ نَصبُها في أربعة أيام، وأُقيمَت الستائرُ ووقع الحصارُ، وقد أتت جمائِعُ الفرنجِ إلى عكا أرسالًا من البحر، صار بها عالمٌ كبير، فاستمَرَّ الحصارُ إلى سادس عشر جمادى الأولى، وكثُرَت النقوب بأسوارِ عَكَّا، فلما كان يومُ الجمعة السابع عشر عزم السُّلطانُ على الزحف، فرَتَّب كوساته- قطعتان من نحاس تشبهانِ الترسَ الصغيرَ يُدَقُّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص- على ثلاثمائة جمل، وأمر أن تُضرَبَ كُلُّها دفعة واحدة، وركب السلطانُ وضُرِبَت، فهال ذلك أهلَ عكا، وزحف بعساكِرِه ومن اجتمع معه قَبلَ شروق الشمس، فلم ترتفع الشمسُ حتى علت السناجِقُ- الرايات- الإسلاميَّة على أسوار عكا، وهرب الفرنجُ في البحر وهلك منهم خلقٌ كثير في الازدحام، والمسلمون يقتُلونَ ويأسِرونَ وينهَبونَ فقَتَلوا ما لا يحصى عَدُّه كثرةً، وأخذوا من النساءِ والصبيان ما يتجاوَزُ الوصفَ، وكان عند فتحها أن أقبل من الفرنجِ نحوُ عشرة آلاف في هيئةٍ مُستأمنين، ففَرَّقهم السلطان على الأمراء فقتلوهم عن آخِرِهم، وكانت مدَّةُ حصار عكا أربعة وأربعين يومًا، واستُشهِدَ من المسلمين الأميرُ علاء الدين كشتغدي الشمسي ودُفِنَ بجلجولية، وعزُّ الدين أيبك العزي نقيب العساكر، وسيفُ الدين أقمش الغتمي، وبدرُ الدين بيليك المسعودي، وشرفُ الدين قيران السكزي، وأربعةٌ من مقَدَّمي الحلقةِ، وجماعةٌ من العسكر، وفي يومِ السبت الثامن عشر وقع الهدمُ في مدينة عكا، فهُدِّمَت الأسوار والكنائسُ وغيرها وحُرِقَت، وحُمِلَ كثير من الأسرى بها إلى الحصونِ الإسلاميَّة.
استرداد مدن الساحل من الصليبيين .
العام الهجري : 690 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:
بعد أن منَّ الله على المسلمينَ بفتح عكا، فُتِحَت صور وحيفا وعثليث وبعض صيدا بغيرِ قِتالٍ، وفَرَّ أهلُها خوفًا على أنفُسِهم، فتسَلَّمَها الأميرُ علم الدين سنجر الشجاعي، فقَدِمَت البشائرُ بتسليم مدينة صور في التاسع عشر، وبتسليم صيدا في العشرينَ منه، وأنَّ طائفةً مِن الفرنج عصَوا في برجٍ منها، فأمر السلطانُ بهدم صور وصيدا وعثليث وحيفا، فتوجَّه الأمير شمس الدين نبا الجمقدار بن الجمقدار لهدم صور، واتفق أمرٌ عجيب، وهو أن الفرنج لَمَّا قدموا إلى صور كان بها عزُّ الدين نبا واليًا عليها من قِبَل المصريين، فباع صور للفرنجِ بمالٍ، وصار إلى دمشقَ!
وفاة الملك المظفر صاحب ماردين وقيام ابنه بعده بالملك .
العام الهجري : 691 العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:
هو المَلِكُ المظَفَّر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن المنصور أرتق بن إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق، صاحِبُ ماردين بعدما ملكَ ثلاثًا وثلاثين سنة، وقام بعده ولدُه شمس الدين داود ولقِّبَ بالملك السَّعيدِ.
فتح الملك الأشرف قلعة الروم .
العام الهجري : 691 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1292
تفاصيل الحدث:
خرج الملِكُ الأشرَفُ مِن دمشق من يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، فدخل حَلَب في الثامن عشر، وخرج منها في رابعَ جمادى الآخرة يريدُ قلعةَ الروم فنزل عليها يومَ الثلاثاء ثامِنَه، ونصب عشرينَ منجنيقًا ورمى عليها، وعُمِلَت النقوبُ وعَمِلَ الأمير سنجر الشجاعي نائب دمشق سلسلةً وشَبَكَها في شراريفِ القلعة وأوثق طرفَها بالأرض، فصعد الأجنادُ فيها وقاتلوا قتالًا شديدًا، ففتح اللهُ القلعةَ يوم السبت حادي عشر رجب عَنوةً، وقَتَلَ من بها من المقاتلة، وسَبى الحريمَ والصبيان، وأخذ منها بترك الأرمن وكان بها فأُسِر، وكانت مدة حصارِها ثلاثة وثلاثين يومًا، وقد سماها السلطانُ قلعةَ المسلمين فعرفت بذلك، وحَمَل إليها زردخاناه- خزانة الأسلحة- وألفين ومائتي أسير، واستُشهِدَ عليها الأمير شرف الدين بن الخطير، فلما وردت البشائِرُ إلى دمشق بفتحِ قلعة الروم زُيِّنَت البلد ودُقَّت البشائر، ورتَّبَ السلطان الأميرَ سنجر الشجاعي نائبَ الشام لعمارة قلعة المسلمين، فعَمَر ما هدَّمَته المجانيق والنقوب، وخَرَّب رَبضَها، وعاد السلطانُ راجعًا يوم السبت الثامن عشر، فأقام بحلب إلىَ نصف شعبان، وعزل قرا سنقر عن نيابة حلَب، وولَّى عِوَضَه الأميرَ سيف الدين بلبان الطباخي المنصوري، ورتَّبَ بها الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الموصلي شاد الدواوين، ورحل السلطان إلى دمشق، فدخلها في الثانية من يوم الثلاثاء العاشر من شعبان، وبين يديه بترك الأرمن صاحبُ قلعة الروم وعِدَّة من الأسرى.
كيختو ملك التتار يهدد باجتياح بلاد الشام .
العام الهجري : 692 العام الميلادي : 1292
تفاصيل الحدث:
قَدِم رسُلُ كيختو ملك التتار بكتابِه يتضَمَّنُ أنه يريدُ الإقامة بحلب؛ فإنَّها مما فتحه أبوه هولاكو، وإن لم يُسمَحْ له بذلك أخَذَ بلادَ الشامِ، فأجابه السلطانُ بأنَّه قد وافق القان ما كان في نفسي، فإني كنتُ على عزمٍ مِن أخذ بغداد، وقَتْلِ رجاله، فإني أرجو أن أردَّها دارَ إسلامٍ كما كانت، وسينظُرُ أيُّنا يَسبِقُ إلى بلادِ صاحِبِه، وكتب إلى بلاد الشامِ بتجهيز الإقاماتِ وعرْضِ العساكِرِ.
الملك الأشرف يقتل عددا من أمرائه .
العام الهجري : 692 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
في ليلةِ أوَّلِ المحَرَّم أخرَجَ مَن في الجُبِّ مِن الأمراء، وقد كان اعتقَلَهم قبل ذلك لأمورٍ رآها منهم، ومنهم من اعتُقِلَ قبل هذا وأُطلِقَ ثمَّ اعتُقِلَ ثانيًا، وهم سنقر الأشقر وجرمك والهاروني وبكتوت وبيبرس وطقصوا ولاجين، وأمر بخَنقِهم أمامَ السلطان، فخُنِقوا بأجمعِهم حتى ماتوا، وتولى خنقَ لاجين الأميرُ قرا سنقر، فلمَّا وضع الوتَرَ في عنقِه انقطع، فقال: "يا خوند، مالي ذنب إلا حميي طقصوا وقد هلك، وأنا أطَلِّقُ ابنته، وكان قرا سنقر له به عناية، فتلطَّف به ولم يعجَلْ عليه، لما أراد الله من أن لاجين يقتُلُ الأشرفَ ويَملِكُ مَوضِعَه، وانتظر أن تقَعَ به شفاعة، فشفَعَ الأمير بدر الدين بيدرا في لاجين، وساعَدَه مَن حضر من الأمراء، فعفا عنه ظنًّا أنه لا يعيشُ!
عقد صلح بين الملك الأشرف وبلاد سيس .
العام الهجري : 692 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
ركِبَ الملِكُ الأشرف خليلُ بن قلاوون على الهجنِ في أوَّلِ جمادى الأولى ومعه جماعةٌ مِن أمرائه وخواصِّه، وسار إلى الكرك من غيرِ الدَّربِ الذي يُسلَكُ منه إلى الشام، فرَتَّب أحوالَها، وتوجَّهَ إلى دمشقَ، فقَدِمَها في تاسِعِ جمادى الآخرةِ بعد وصولِ الأميرِ بيدرا والوزيرِ بثلاثة أيام، فأمَرَ بالتجهيزِ إلى بهسنا وأخَذَها من الأرمِن أهل سيس، فقَدِمَ رسل سيس يطلبونَ العفوَ، فاتفق الحالُ معهم على تسليم بهسنا ومرعش وتل حمدون، فسار الأميرُ طوغان والي البر بدمشقَ معهم ليتسلَّما، وقدم البريدُ إلى دمشق بتسليمِها في أول رجب، فدُقَّت البشائِرُ، واستَقَرَّ الأميرُ بدر الدين بكتاش في نيابةِ بهسنا، وعُيِّن لها قاضٍ وخطيب، واستُخدِمَ لها رجالٌ وحَفَظة، وقَدِمَ الأمير طوغان ومعه رسُلُ سيس بالحمل والتقادم إلى دمشق في الثاني عشر بعد توجُّه السلطان، فتَبِعوه.
أمطار شديدة في الشام .
العام الهجري : 692 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
وقع ببعلبكَّ أمطار وسيولٌ خارجةٌ عن الحد، ففسد من كرومِها ومزارعِها ومساكِنِها ما تزيد قيمتُه على مائةِ ألفِ دينار.
=========
ج 141.
وفاة الكاتب المؤرخ ابن عبد الظاهر .
العام الهجري : 692 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
هو الكاتبُ المؤرِّخُ الصاحبُ محيى الدين عبد الله بن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر السّعدىُّ الموقَّعُ كاتب الإنشاء بالديار المصريَّة، وكان من أبرع المؤرِّخين الذين ظهروا في مطالِعِ دولة المماليك البحريَّة، وكان إلى جانب كونِه مؤرِّخًا، كاتبًا صاحِبَ قَلمٍ بليغٍ أهَّلَه لأن يحتلَّ مكانةً مرموقة في الصفِّ الأوَّل من كتَّاب العربيَّة. ولد بالقاهرة في 9 محرم 620هـ (12 من فبراير 1223م) بدأ حياته بحفظ القرآنِ مِثلَ أقرانه من طلبةِ العلم، وتردَّدَ على حلقات الفُقَهاءِ والمحدثين, وامتَدَّت ثقافته لتشمل الأدبَ والتاريخ والأخبار، وهو ما مكَّنَه من الالتحاق بديوانِ الإنشاء على عهدِ الأيوبيِّينَ، الذي كان يضُمُّ فحولَ الكتَّاب البارعين، ولم يبدأ نجم ابن عبد الظاهر في التألُّق والظهورِ إلَّا في عهد السلطان الظاهر بيبرس، حين عَهِدَ إليه بعَمَلِ شَجرةِ نَسَب للخليفة الحاكِمِ بأمر الله أحمد العباسي، الذي اختاره بيبرس خليفةً للمسلمين في محاولةٍ منه لإحياء الخلافة العباسيَّة في القاهرةِ بعد أن سقَطَت في بغداد سنة 656هـ ( 1257م)، ثم توثَّقَت صلتُه بالظاهر بيبرس حتى صار موضِعَ ثِقتِه، فعندما أرسلَ إليه الملك المغولي بركة خان يطلُبُ عَقدَ حِلفٍ مع بيبرس كتَبَ ابن عبد الظاهر صيغةَ الكِتاب، وقرأه على السلطانِ بحضور الأمراء، كما كتب تفويضَ الظاهر بيبرس بولايةِ العهدِ إلى ولَدِه الملك السعيدِ بركة خان. واحتفَظَ ابن عبد الظاهر بمكانتِه أيضًا في عهد السلطان قلاوون الذي حكم مصرَ بعد الظاهِرِ بيبرس وولَدَيه، وكتب له تفويضَ السَّلطَنة بولايةِ العَهدِ إلى ابنه علاء الدين علي، ثم لابنه الملك الأشرف خليل قلاوون. وقد أشاد ببلاغتِه معاصِروه وشهدوا له بالتقدُّم في صناعةِ الكِتابة والأدب؛ فقد وصفه القلقشندي بأنَّه وأبناءه بيتُ الفصاحة ورؤوسُ البلاغة، وقال عنه ابن تغري بردي: بأنَّه من ساداتِ الكُتَّاب ورؤسائِهم وفُضَلائِهم, وهو صاحِبُ النَّظمِ الرَّائقِ والنَّثر الفائق, ولَمَّا وضع ابن عبد الظاهر مؤلَّفاته التاريخيَّةَ ضَمَّنَها عددًا كبيرًا من الوثائق التي كتبها، وصاغ أحداثَ عَصرِه ووقائعه وصوَّرَ أبطالَه ومعاركَه، وترك ابن عبد الظاهر عددًا من المؤلَّفات التاريخيَّة والأدبيَّة وصل إلينا كثيرٌ منها مثل: الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، وهذه السيرة كتبها المؤلِّفُ في حياة السلطانِ، وتشريف الأيام والعصور بسيرة السلطان الملك المنصور، وهي سيرةٌ للمنصور قلاوون، والروضة البهيَّة الزاهرة في خطط المُعِزِّية القاهرة. وقد امتدَّت الحياة بابن عبد الظاهر حتى تجاوز السبعينَ مِن عمره قضى معظمَها قريبًا من الأحداث التي شَهِدَتها مصرُ والشام فسَجَّلَها في كتبه. تُوفي في القاهرة في 4 من شهر رجب من هذه السنة, ودفن بالقرافة بتُربتِه التي أنشأها.
واقعة النصراني الذي شتم الرسول صلى الله عليه وسلم واستجارته بعساف بن حجي .
العام الهجري : 693 العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
كان هذا النَّصرانيُّ من أهل السويداء قد شَهِدَ عليه جماعةٌ أنَّه سَبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقد استجار هذا النصرانيُّ بعساف بن أحمد بن حجي أمير آل مري، فاجتمع شيخُ الإسلام تقي الدين ابنِ تيميَّة، والشيخ زين الدين الفارقي شيخُ دار الحديث، فدخلا على الأميرِ عزِّ الدين أيبك الحموي نائبِ السَّلطنة فكَلَّماه في أمرِه فأجابهما إلى ذلك، وأرسل ليُحضِرَه فخرجَا من عنده ومعهما خلقٌ كثيرٌ من الناس، فرأى الناسُ عسَّافًا حين قَدِمَ ومعه الرجلُ فسَبُّوه وشَتَموه، فقال عساف: هو خيرٌ منكم- يعني النصرانيَّ- فرجمَهما الناسُ بالحجارة، وأصابت عسَّافًا ووقعت خبطةٌ قويَّةٌ، فأرسل النائِبُ فطلب الشيخينِ ابنَ تيميَّةَ والفارقيَّ فضرَبَهما بينَ يديه، ورسَمَ عليهما في العذراويَّة، وقَدِمَ النصرانيُّ فأسلَمَ وعُقِدَ مجلسٌ بسَبَبِه، وأثبت بينه وبين الشهودِ عداوةً، فحُقِنَ دمُه، ثم استدعى بالشيخينِ فأرضاهما وأطلقَهما، ولحقَ النصرانيُّ بعد ذلك ببلادِ الحجاز، ثم في السنة التالية اتفق قتلُ عَسَّاف قريبًا من مدينة رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، قتَلَه ابنُ أخيه هنالك، وصَنَّف الشيخُ تقي الدين ابن تيميَّةَ بسَبَبِ هذه الواقعةِ كتابَه المشهورَ (الصارمُ المسلول على شاتِمِ الرَّسول).
اغتيال السلطان الأشرف خليل بن قلاوون .
العام الهجري : 693 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
هو السُّلطانُ المَلِكُ الأشرف صلاحُ الدين خليل بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، جلس على تخت المُلك في ذي القعدة سنة 689، بعد موت والده، واستفتح المُلكَ بالجهاد، وسار فنازل عكَّا وافتتحها، ونظَّفَ الشامَ كُلَّه من الفرنج، ثم سار في السنة الثانية فنازل قلعةَ الروم وحاصَرَها خمسة وعشرين يومًا وافتتحها، ثم في السنة الثالثة جاءته مفاتيحُ قلعة بهسنا من غير قتالٍ إلى دمشق، ولو طالت مدَّتُه مَلَكَ العِراقَ وغيرها، فإنه كان شجاعًا مِقدامًا مَهيبًا عالي الهمَّة، يملأُ العينَ ويَرجُف القلب. وكان ضخمًا سمينًا كبيرَ الوجه مستديرَ اللحية، على صورتِه رونقُ الحُسنِ وهَيبةُ السلطنة، وكان إلى جودِه وبذلِه الأموالَ في أغراضِه المنتهى، تخافه الملوكُ في أقطارها؛ أباد جماعةً من كبار الدولة، وكان منهَمِكًا على اللذَّات، لا يعبأُ بالتحرُّزِ على نفسِه لشجاعتِه. توجه من القاهرة ثالث المحرم سنة 693 هو والوزير شمس الدين بن السلعوس وأمراءُ دولته، وفارقه وزيرُه من الطرانة إلى الإسكندرية، وعَسَف وظَلَم وصادَرَ النَّاس، ونزل السلطانُ الأشرف بأرض الحمامات للصيد، وأقام إلى يومِ السبت ثالث عشر المحرم، فلما كان العصرُ وهو بتروجة حضر نائب السلطنةِ بيدرا وجماعةٌ من الأمراء، وكان الأشرف أمره بُكرةً أن يتقَدَّم بالدهليز ليتصَيَّدَ هو ويعود عشيَّة، فاحتاطوا به وليس معه إلَّا شهاب الدين بن الأشل أميرُ شكارة، فابتدره نائبُه على مصر بدر الدين بيدرا فضربَه بالسيف فقطَعَ يَدَه، فصاح حسامُ الدين لاجين عليه، وقال: من يريد السلطنةَ تكونُ هذه ضربَتَه؟! وضربه على كَتِفِه فحله، فسقط السلطان إلى الأرض، ولم يكن معه سيفٌ، بل كان وسَطُه مشدودًا بالبند، ثم جاء سيف الدين بهادر رأس نوبة، فأدخل السيفَ من أسفله وشَقَّه إلى حلقه، وتركوه طريحًا في البريَّة، والتفُّوا على بيدرا وحَلَفوا له، وساق تحت العصايب يطلب القاهرةَ، وتسَمَّى بالملك الأوحد، وبات تلك الليلةَ، وأصبح يسيرُ، فلما ارتفع النهار إذا بطَلَبٍ كبير قد أقبل يقدُمُه زين الدين كتبغا وحسام الدين أستاذدار يطلبون بيدرا بدمِ أستاذِهم، وذلك بالطرانة.
بدر الدين بيدرا يتولى السلطنة بمصر بعد قتله السلطان الأشرف .
العام الهجري : 693 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
لَمَّا قَتَل بدر الدين بيدرا السلطانَ الأشرفَ بن قلاوون عاد بمن معه من الأمراء، ونزل بالدهليزِ وجلس في دست السلطة، وقام الأمراءُ فقَبَّلوا الأرضَ بين يديه وحلفوا له، وتلقَّب بالملك الأوحد وقيل المعظَّم، وقيل المَلِك القاهر، ثمَّ قبض بيدرا على الأميرِ بيسري والأميرِ بكتمر السلاح دار أمير جاندار، وقصد قتْلَهما ثم تركهما تحت الاحتياطِ لشفاعةِ الأمراء فيهما، وركب إلى الطرانة فبات بها وقد سار الأمراءُ والمماليكُ السلطانية ومعهم الأميرُ برغلي، وهم الذين كانوا بالدهليز والوطاق، ورَكِبوا في آثار بيدرا ومَن معه يريدون القبضَ عليه، فبلغ الأميرَ كتبغا ومن معه مقتلُ السلطانِ وسَلطنة بيدرا، فلَحِقَ بمن معه الأميرُ برغلي ومن معه من الأمراء والمماليك، وجدُّوا بأجمَعِهم في طلب بيدرا ومَن معه، وساقوا في تلك الليلة إلى الطرانة وقد لحِقَ بيدرا بسيف الدين أبي بكر بن الجمقدار نائبِ أمير جاندار، والأمير صارم الدين الفخري، والأمير ركن الدين بيبرس أمير جاندار، ومعهم الزردخاناه- خزينة الأسلحة- عند المساءِ من يوم السبت الذي قُتِلَ فيه السلطان الأشرف، فعندما أدركهم تقَدَّم إليه بيبرس أمير جاندار وقال له: يا خوند، هذا الذي فعلته كان بمشورة الأمراء؟ فقال: نعم، أنا قتلتُه بمشورتهم وحضورِهم، وهاهم كلهم حاضرون، ثم شرع يعَدِّدُ مساوئَ الأشرف ومخازيَه واستهتارَه بالأمراء ومماليكِ أبيه، وإهماله لأمور المسلمين، ووزارته ابن السلعوس، ونفور الأمراء منه لمَسكِه عز الدين الأفرم، وقتل سنقر الأشقر وطقصوا وغيره، وتأميره مماليكَه، وقِلَّة دينه وشُربه الخمرَ في شهر رمضان، وفِسْقه بالمردان، ثمَّ سأل بيدرا عن الأمير كتبغا فلم يَرَه، فقيل له: هل كان عند كتبغا من هذه القضية عِلمٌ؟ قال: نعم، هو أول من أشار بها، فلما كان يوم الأحد ثاني يومٍ من قَتْلِ الأشرفِ وافى الأميرُ كتبغا في طلبٍ كبيرٍ من المماليك السلطانية عِدَّتُه نحو الألفي فارس، وجماعة من الحلقة والعسكر ومعهم الأمير حسام الدين لاجين الأستادار الطرانة وبها بيدرا يريدون قتالَه، وميز كتبغا أصحابَه بعلائِمَ حتى يُعرَفوا من جماعة بيدرا، وهم أنَّهم جعلوا مناديلَ مِن رقابِهم إلى تحت آباطِهم فأطلق بيدرا حينئذ الأميرينِ بيسري وبكتمر السلاح دار، ليكونا عونًا له فكانا عونًا عليه، ورتَّبَ كتبغا جماعةً ترمي بالنشاب، وتقَدَّمَ بمن معه وحملوا على بيدرا حملةً منكرة، وقصد الأميرُ كتبغا بيدرا، وقال: يا بيدرا أين السلطان؟ ورماه بسَهمٍ وتبعه البقيَّةُ بسهامهم، فولى بيدرا بمَن معه وكتبغا في طلبِه حتى أدركه، وقُتِلَ بيدرا بعدما قُطِعَت يدُه ثمَّ كَتِفُه كما فَعَل بالأشرف، وحُمِلَت رأسُه على رمحٍ وبُعِثَ بها إلى قلعة الجبل، فطِيفَ بها القاهرة ومصر، ووُجِدَ في جيب بيدرا ورقةٌ فيها: ما يقول السادةُ الفقهاءُ في رجلٍ يَشرَبُ الخمرَ في شَهرِ رَمَضانَ، ويَفسُق بالمردان ولا يصلِّي، فهل على قاتِلِه ذَنبٌ أو لا؟ فكُتِبَ جوابُها: يُقتَلُ ولا إثمَ على قاتِلِه، وعندما انهزم بيدرا هرب لاجين وقرا سنقر، ودخلا القاهرةَ فاختفيا، وكان الذي وصل إلى قلعة الجبل بخبر مقتل السلطان الأشرف سيف الدين سنكو الدوادار، ولَمَّا بلغ الأميرَ علم الدين سنجر الشجاعي قتلُ السلطانِ، ضَمَّ الحراريقَ والمعادي وسائِرَ المراكِبِ إلى برِّ مِصرَ والقاهرة، وأمَرَ ألا يعدى بأحدٍ من الأمراء والمماليك إلا بإذنه، موصل الأمير زين الدين كتبغا ومَن معه من الأمراء والمماليك، بعد قتل بيدرا وهزيمة أصحابه، فلم يجدوا مركبًا يعدونَ به النيل، فأشار على من معه من الأمراء وهم حسام الدين لاجين الأستادار، وركن الدين بيبرس الجاشنكير، وسيف الدين برلغي وسيف الدين طغجي، وعز الدين طقطاي، وسيف الدين قطبة، وغيرهم أن ينزلوا في برِّ الجيزة بالخيام حتى يراسلوا الأميرَ سنجر الشجاعي، فوافقوه وضربوا الخيامَ وأقاموا بها، وبعثوا إلى الشجاعي فلم يمكِّنْهم من التعدية، وما زالت الرسل بينهم وبينه حتى وقع الاتفاقُ على إقامة المَلِك الناصِرِ محمَّد بن قلاوون، فبعَث عند ذلك الحراريقَ والمراكِبَ إليهم بالجيزة، وعدوا بأجمعهم وصاروا إلى قلعة الجبل في رابع عشر المحرم.
مقتل الأمراء الذين شاركوا في قتل الملك الأشرف بن قلاوون .
العام الهجري : 693 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
وقع الطَّلَبُ على الأمراء الذين كانوا مع بدر الدين بيدرا في قَتلِ السلطان الأشرف، فأوَّلُ من وُجِدَ منهم الأميرُ سيف الدين بهادر رأسُ نوبة، والأميرُ جمال الدين أقش الموصلي الحاجب، فضُرِبَت أعناقُهما وأُحرِقَت أبدانُهما في المجاير ثامِنَ يوم سلطنة الناصر، ثمَّ أخذ بعدهما سبعة أمراء: وهم حسام الدين طرنطاي الساقي، ونوغاي السلاح دار، وسيف الدين الناق الساقي السلاح دار، وسيف الدين أروس الحسامي السلاح دار، وعلاء الدين ألطبغا الجمدار، وأقسنقر الحسامي، وناصر الدين محمد بن خوجا، ثم قُبِضَ على قوش قرا السلاح دار، وذلك في العشرين من المحرم فسُجِنوا بخزانة البنود من القاهرة، وتولى بيبرس الجاشنكير عقوبتَهم ليُقِرُّوا على من كان معهم، ثم أُخرِجوا يوم الاثنين الثامن عشر، وقُطِعَت أيديهم بالساطور على قرم خشب بباب القلعة، وسُمروا على الجمال وأيديهم معلَّقة، وشقُّوا بهم- ورأس بيدرا على رمح قدامهم- القاهرةَ ومصرَ، واجتمع لرؤيتِهم من العالَم ما لا يمكِنُ حصرُه، بحيث كادت القاهرة ومصر أن تُنهَبا، ومَرُّوا بهم على أبوابِ دُورِهم، فلما جازوا على دار علاء الدين الطنبغا خرجت جواريه حاسراتٍ يَلطِمنَ، ومعهن أولادُه وغِلمانُه قد شَقُّوا الثياب وعَظُم صياحُهم، وكانت زوجتُه بأعلى الدار، فألقت نفسَها لتقع عليه فأمسَكْنْها جواريها، وهي تقولُ: ليتني فداك، وقَطَّعَت شعرَها ورمَتْه عليه فتهالك النَّاسُ من كثرةِ البكاءِ رحمة لهم، واستمَرُّوا على ذلك أيامًا: فمنهم من مات على ظهور الجمال، ومنهم من فُكَّت مساميرُه وحُمِلَ إلى أهلِه ثمَّ أُخِذَ مَرَّةً ثانية وأعيد تسميرُه فمات، هذا وجواري المَلِك الأشرف وسيال حواشيه قد لَبِسنَ الحِدادَ وتذرَّعنَ السخام، وطفن في الشوارع بالنواحات يُقِمن المأتم، فلم يُرَ بمصر أشنع من تلك الأيام، ثم أُخِذَ بعد ذلك الأمير سيف الدين قجقار الساقي فشُنِقَ بسوق الخيل، ولم يوقف لقراسنقر ولا للاجين على خبرٍ البتةَ، ثم في أواخر رمضان ظهر الأميرُ حسام الدين لاجين، فاعتذر له عند السلطانِ فقَبِلَه وخَلَع عليه وأكرَمَه، وأنه لم يكن قتَلَه باختيارِه.
تولية الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر .
العام الهجري : 693 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:
لَمَّا قُتِلَ المَلِكُ الأشرَفُ صلاحُ الدين خليلُ بن قلاوون بالقُربِ مِن تروجة، وعدى الأميرُ زين الدين كتبغا والأمراء، اجتمَعَ بهم الأميرُ علم الدين سنجر الشجاعي ومن كان بالقاهرةِ والقلعة من الأمراء الصالحيَّة والمنصورية، وقرَّروا سلطنةَ الناصر محمد بن قلاوون وأحضروه وعُمُرُه تسعُ سنين سوى أشهر في يومِ السبت سادس عشر المحرم وأجلَسوه على سريرِ السلطنة، ورتَّبوا الأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة عِوَضًا عن بيدرا، والأميرَ علم الدين سنجر الشجاعي وزيرًا ومدبرًا عِوَضًا عن ابن السلعوس، والأميرَ حُسام الدين لاجين الرومي الأستادار أطابكَ العساكر، والأميرَ رُكنَ الدين بيبرس الجاشنكير أستادارا، والأميرَ ركن الدين بيبرس الدوادار دوادارًا، وأعطِيَ إمرةَ مائة فارس وتقدمة ألف، وجعل إليه أمر ديوان الإنشاء في المكاتَباتِ والأجوبة والبريد، وأنفق في العسكرِ وحَلَفوا فصار كتبغا هو القائِمَ بجميع أمورِ الدولة، وليس للمَلِكِ الناصِرِ مِن السلطنة إلا اسمُ المَلِك من غيرِ زيادةٍ على ذلك، وسكن كتبغا بدارِ النيابة من القلعةِ، وجعل الخوانَ يُمَدُّ بين يديه.
وفاة الملك الحافظ غياث الدين محمد بن الملك السعيد الأيوبي .
العام الهجري : 693 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:
هو المَلِكُ الحافِظُ غِياثُ الدين محمَّد بن الملك السعيد معين الدين بن الملك الأمجد بهرام شاه بن المعز عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب، وُلِدَ بدمشق أو ببعلبك سنة 616 وقد سَمِعَ الحديثَ وسَمِعَ البخاريَّ من الزبيدي وحدَّث به وأجاز مروياته للشيخِ شمس الدين، وكان أميرًا جليلًا متميزًا، نسَخَ الكثيرَ بخطه المنسوب وخَلَّف عدة أولاد، وكان يحبُّ العُلَماء والفقراء. وتوفِّيَ يوم الجمعة سادس شعبان‏, ودفن عند جدِّه لأمه ابن المقدم، ظاهر باب الفراديس.
وباء عام ومجاعة هائلة في مصر .
العام الهجري : 694 العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:
وقع بديار مصرَ كُلِّها وباءٌ عظيم في القاهرة ومصر، وتزايد حتى كان يموتُ فيهما كل يومٍ ألوف، ويبقي الميِّتُ مطروحًا في الأزقة والشوارع ملقًى في الممرات والقوارع اليوم واليومينِ لا يوجد من يدفِنُه، لاشتغال الأصحَّاء بأمواتِهم، والسُّقَماء بأمراضهم، وقصُرَ مَدُّ النيل فتزايد الغلاءُ واشتَدَّ البلاء، وأجدَبَت بلاد بُرقة أيضًا، وعمَّ الغلاء والقحط ممالِكَ المشرق والمغرب والحجاز، وتزايد موتُ النَّاسِ حتى بلغت عدة من أطلق من الديوان في شهرِ ذي الحجة سبعة عشر ألفًا وخمسمائة، سوى الغُرَباء والفُقَراء وهم أضعاف ذلك، وأكلَ النَّاسُ مِن شدة الجوع جثَثَ الموتى والكلاب والقطاط والحمير، وأكل بعضُهم لحم بعضٍ! وأناف عدَدُ مَن عُرِفَ بموته في كلِّ يوم ألف نفس، سوى من لم يثبُت اسمُه في الديوان، فلما اشتَدَّ الأمرُ فَرَّق السلطانُ الفقراءَ على أربابِ الأموالِ بحَسَبِ حالِهم.
وفاة ملك اليمن المنصور وما جرى بعده من قتال .
العام الهجري : 694 العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:
هو المَلِكُ المظَفَّر شمس الدين أبي المظفَّر يوسف بن الملك المنصور نور الدين عمر بن علي بن رسول التركماني صاحِبُ اليمن المظفَّر صاحب اليمن. قُتِلَ أبوه وعمره ستٌّ وأربعون سنة، فقام هو بالأمر من بعده. توفِّيَ المظفَّر في شهر رمضان وكانت مُدَّةُ حُكمِه نحوَ خمسٍ وأربعين سنةً، وكانت سيرتُه جيدة، وملك بعده ابنُه الملك الأشرف ممهد الدين عمر، فنازعه أخوه المَلِك المؤيد هزبر الدين داود وجمع لقتاله، وحاصر عدن ثلاثةَ عشَرَ يومًا وملَكَها وأخذ الأموالَ بغير حق، وسار يريد تعز، فبعث إليه الأشرف جيشًا قاتله وأسَرَه وحمله إليه، فاعتَقَله.
دخول أكثر التتار الإسلام بسبب إسلام ملكهم قازان بن أرغون .
العام الهجري : 694 العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:
ورد الخبَرُ بأن كيختو بن أبغا بن هولاكو، الذي تسلطنَ بعد أخيه أرغون في سنة تسعين، قُتِل في سنة ثلاث وتسعين، وملَك بعده ابنُ عمه بيدو، وهو ابن طرغاي بن هولاكو، فخرج عليه قازان بن أرغون بن أبغا نائبُ خراسان، وكسَرَه وأخذ المُلكَ منه، ويقال: إن قازان أسلم على يدِ الشيخ صدر الدين بن حمُّويه الجويني، وقيل: على يد نائبه الأمير توزون، ودخلَت التتار أو أكثرُهم في الإسلام، ونثر قازان الذهبَ والفضَّةَ واللؤلؤ على رؤوس النَّاسِ يوم إسلامه، وتسَمَّى بمحمود، وشهِدَ الجمعةَ والخُطبة، وخَرَّب كنائسَ كثيرةً، وضرب على النصارى الجزيةَ ورَدَّ مظالمَ كثيرةً ببغداد وغَيرِها من البلادِ.
فتنة المماليك الأشرفية بمصر .
العام الهجري : 694 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:
في ليلةِ الأربعاءِ حادي عشر المحرم اجتمع المماليكُ الأشرفيَّة وخرجوا إلى الاسطبلات التي تحت القلعةِ، وركبوا الخيولَ ونَهَبوا ما قَدَروا عليه، وداروا على خوشداشيتهم- زملاء المهنة- فأركبوهم ومَضَوا إلى باب سعادة من أبوابِ القاهرة فأحرَقوه، ودخلوا إلى دارِ الوزارة ليُخرِجوا مَن فيها من المماليك، فلم يوافِقوهم على ذلك فتَرَكوهم، وقَصَدوا سوق السلاح بالقاهرة، وفتَحوا الحوانيتَ وأخذوا السِّلاحَ، ومضوا إلى خزانةِ البنود وأخرَجوا من فيها من المماليك، وساروا إلى إسطبل السُّلطانِ ووقَفوا تحت القلعة، فركِبَ الأمراءُ الذين بالقلعةِ وقاتَلوهم، فلم يثبُتِ المماليكُ الأشرفيَّةُ وانهزموا وتفَرَّقوا، فقُبِضَ عليهم في القاهرة وضواحيها ولم يُفلِتْ منهم أحدٌ، فضُربت رقابُ بَعضِهم بباب القلعة، وقُطِعَت أيدي وأرجُلِ جماعةٍ منهم، وغُرِّقَ بَعضُهم، وفيهم من أُكحِلَ، وفيهم من قُطِعَت ألسِنَتُهم، ومنهم من صُلِبَ على باب زويلة، ومنهم من بَقِيَ، وفُرِّقَ بعضُهم على الأمراءِ وكانوا زيادةً على ثلاثِمائة مملوكٍ.
خلع الملك الناصر محمد بن المنصور وسلطنة الملك العادل زين الدين كتبغا .
العام الهجري : 694 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1294
تفاصيل الحدث:
في يومِ الأربعاءِ حادي عشر المحرم خُلِعَ المَلِكُ النَّاصِرُ بن قلاوون، وكانت أيَّامُه سَنةً واحدةً تَنقُصُ ثلاثةَ أيام، لم يكن له فيها أمرٌ ولا نهيٌ، بل كل ذلك بيَدِ السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوري الذي كان في مُدَّة سلطنة الملك الناصِرِ هو القائِمَ بجميع أمور الدولة، وليس للناصرِ معه تصرفٌ البتة، ثمَّ إنه أخذ في أسباب السُّلطةِ بعد قتل الشجاعيِّ المنافِسِ الأوَّل لكتبغا، ولَمَّا دخل المحرم انقطع في دارِ النيابة وأظهَرَ أنَّه ضعيفُ البَدَنِ، وباطِنُ أمْرِه أنه يريد أن يقَرِّرَ أمورَه في السَّلطنةِ، فخرج إليه الناصِرُ وعاده، فلما كانت فتنةُ المماليك، جلس في صباحِ تلك الليلة بدارِ النيابة وجمَعَ الأمراء وقال لهم: قد انخرق ناموسُ المملكة، والحُرمةُ لا تتِمُّ بسَلطنةِ الناصِرِ لِصِغَرِ سِنِّه، فاتَّفَقوا على خَلعِه وإقامة كتبغا مكانه، وحلفُوا له على ذلك، وقَدِمَ إليه فرس النوبة بالرَّقَبة الملوكية، ورَكِبَ من دار النيابة قبل أذان العصرِ من يوم الأربعاء حادي عشر المحرم، ودخل من باب القلعةِ إلى دار السلطانيَّة، والأمراء مشاةٌ بين يديه حتى جلس على التخت بأبَّهة الملك، وتلقَّب بالملك العادل، ويُذكَرُ أن أصله من التتار من سَبْيِ وَقعةِ حمص الأولى التي كانت في سنة 659 أيَّام الملك الظاهرِ بيبرس بعد وقعة عين جالوت، وكان من الغويرانية، وهم طائفةٌ من التَّتر, فأخذه الملكُ المنصورُ قلاوون وأدَّبَه ثم أعتَقَه، وجعَلَه من جملة مماليكِه، ورقَّاه حتى صار من أكابِرِ أمرائه. وهو من خيارِ الأمراء وأجوَدِهم سيرةً ومَعدلةً، وقصدًا في نصرةِ الإسلامِ.
وفاة السلطان جلال الدين سلطان الدولة الخلجية بالهند .
العام الهجري : 694 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1295
تفاصيل الحدث:
هو السُّلطانُ جلالُ الدينِ فيروز شاه، مؤسِّسُ الدولة الخلجية بالهند, وكان نائبًا للمماليك, وقد وسَّعت هذه الدولةُ حُكمَ المسلمين في الهند فشَمِلت الدكنَ والبنغال وجيتور والكجرات، وقد تولى حكم الدولة علاء الدين الخلجي بعد وفاة جلال الدين. وقد زحف علاء الدين بجيشه إلى دلهي، حين جمعت زوجة جلال الدين أنصارَ زوجها، ونادت بابنِها ركن الدين إبراهيم سلطانًا خلفًا لأبيه، لكنَّ علاء الدين هاجمَ دلهي، وأجبر ركن الدين على الفرارِ إلى الملتان، ونصَّب نفسَه على عرش الهند في دلهي سنة 695 هـ (1295م).
توسع حكم المسلمين في الدولة الخلجية الهند .
العام الهجري : 694 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1295
تفاصيل الحدث:
لما استقرَّت الأمور لعلاء الدين في الدولة الخلجية بالهند بدأ يتَّجِهُ لشؤون الدولة الحربيَّة، ويعنى بالنواحي الاجتماعيَّة، وكان سلطانًا قويًّا طموحًا، نجح في دفع الخطر المغوليِّ عن بلاده، وقاد جنده في فتوحات متَّصلة، حتى أظلَّت راية الإسلام شبهَ القارة الهندية كلَّها لأول مرة في التاريخ. ولكي يدفَعَ هجمات المغول أقام سلسلةً من الحصون على حدوده الغربية، وزوَّدها بالجند والسلاح، ولكنَّ ذلك لم يحُلْ دون هجمات المغول على الهند، فتوالت حملاتُهم على الرغم مما كان يتكبَّدونه من خسائر على أيدي علاء الدين وقادته، مثلما حدث في سنة 698هـ ( 1298م) حين سار سلطانُ المغول قتلق خواجه على رأس قوات كثيفة، فتصَدَّى لها علاءُ الدين وقائداه ظفرخان وألج خان، وأنزلوا بالمغول هزيمةً قاصمة، لكنَّها لم تمنَعْهم من موالاةِ الهجوم مراتٍ أخرى حتى تمكَّن القائدُ غازي ملك تغلق من القضاء على خطر المغول تمامًا. وفي الوقت الذي كان فيه علاء الدين مشغولًا بالقضاء على هجمات المغول كان يعِدُّ الجيوشَ لاستكمال فتح الهند، فأرسل في سنة 699هـ (1299م) قائديه ألنخان ونصرت خان لفتح حصن رنتنبهور أعظَمِ حصونِ إقليم الراجبوتانا، فنجحا في مهمتهما بعد حروب دامية، ودخل الإقليمُ في طاعة علاء الدين الخلجي، ثم فتح إمارة موار، وكانت أمنَعَ إمارات الراجبوتانا بقلعتها الحصينة القائمةِ على قِمَّةِ جَبَلٍ منحوتةٍ في الصخر، ثم استولى على ملوة وأوجين ودهري نجري، ولم يكد يأتي عام 706 هـ (1306م) حتى كان علاء الدين الخلجي قد فتح الهنستان كلَّها من البنغال إلى البنجاب. وواصل علاء الدين فتوحاتِه، فأرسل قائدَه الحبشيَّ كافور، فاخترق أقاليمَ ملوة والكجرات، ثم أردف ذلك بجيش آخر يقوده أدلوغ خان، واستولى الجيشان على ديوكر، وتوالت انتصارات علاء الدين حتى تمكن من فتح الجنوب الهندي كلِّه.
وفاة الأمير عمر الحفصي صاحب تونس وتولي أبي عصيدة بعده .
العام الهجري : 695 العام الميلادي : 1295
تفاصيل الحدث:
هو الأميرُ أبو حفص عمر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص ملك تونس. لمَّا استقر لأبي حفص المُلك بتونس بعد قتله أحمد بن مرزوق بن أبي عمار الذي ادَّعى أنه الفضل بن أمير المؤمنين الواثقِ بالله يحي بن محمد بن أبي زكريا. تلقَّب أبو حفص بالمستنصِر بالله أمير المؤمنين، وهو المستنصِرُ الثاني، ولما استقَرَّ في المملكة سار ابنُ أخيه يحيى بن إبراهيم بن أبي زكريا الذي سَلِمَ من المعركة إلى بجاية، وملَكَها وتلقَّب بالمنتخب لإحياءِ دين الله، أمير المؤمنين، واستمَرَّ المستنصر الثاني أبو حَفص عمرُ بن أبي زكريا في مملكتِه حتى توفي، وفي أوائِلِ المحرم سنة 695، ولما اشتَدَّ مَرَضُه بايع لابنٍ له صغيرٍ، فاجتمَعَت الفُقَهاءُ، وقالوا له: أنت صائرٌ إلى الله، وتوليةُ مثل هذا لا يحِلُّ، فأبطل بيعَتَه، وأخرج ولَدَ الواثِقِ المخلوعَ، الذي كان صغيرًا وسَلِمَ من الذبح، الملَقَّب بأبي عصيدة، وهو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الواحد، وبويع صبيحةَ مَوتِ أبي حفص عمر الملقَّب بالمستنصر, وكانت وفاة أبي حفص ليلة الجمعة رابع عِشْري ذي الحجة، وكانت مدَّةُ حُكمِه إحدى عشرة سنة وثمانية أشهر.
المجاعة والقحط ينتشران في مصر والشام والحجاز .
العام الهجري : 695 العام الميلادي : 1295
تفاصيل الحدث:
استمَرَّ الحالُ على الغلاء في الأسعار بشكلٍ فاحشٍ جِدًّا وهلك معظَمُ الدوابِّ لعَدَمِ العَلَفِ، حتى لم توجَدْ دابة للكِراءِ، وهلكت الكلاب والقِطَطُ من الجوع، وانكشف حالُ كثيرٍ مِن الناس، وشَحَّت الأنفسُ حتى صار أكابِرُ الأمراء يمنعونَ مَن يدخُلُ عليهم من الأعيانِ عند مَدِّ أسمِطَتِهم، وكثُرَ تعزير محتَسِب القاهرة ومِصر لبيَّاعي لحوم الكلاب والمَيتات، ثمَّ تفاقم الأمر فأكل الناسُ الميتةَ مِن الكلابِ والمواشي وبني آدم، وأكل النِّساءُ أولادَهنَّ الموتى، ثم إن الأسعارَ انحَلَّت في شهرِ رَجَب ثم في شوال تزايد السِّعرُ وساءت ظنونُ الناس، وكثُرَ الشحُّ وضاقت الأرزاق ووَقَفَت الأحوال، واشتَدَّ البكاء وعَظُمَ ضجيجُ النَّاسِ في الأسواق من شِدَّةِ الغلاء، وتزايد الوباءُ بحيث كان يخرجُ مِن كل باب من أبواب القاهرةِ في كل يوم ما يزيدُ على سبعمائة ميت، ويُغَسَّل في الميضأة من الغرباءِ الطُّرَحاء في كلِّ يَومٍ نحوُ المائة والخمسين ميتًا، ولا يكاد يوجد باب أحدٍ من المستورين بالقاهرة ومصر إلَّا ويصبِحُ على بابه عِدَّةُ أمواتٍ قد طُرِحوا حتى يكَفِّنَهم، فيَشتَغِلَ نهارَه، ثم تزايد الأمر فصارت الأمواتُ تُدفَنُ بغير غسل ولا كفَنٍ، فإنه يدفَنُ الواحد في ثوبٍ ثم ساعة ما يوضع في حُفرتِه يؤخَذُ ثَوبُه حتى يُلبَسَ لميت آخرَ، فيكَفَّنُ في الثوب الواحد عدةُ أمواتٍ!! وعجز الناس عن مواراة الأموات في القبور لكثرتِهم وقِلَّة من يحفرُ لهم، فعملت حفائِرُ كِبارٌ ألقِيَت فيها الأمواتُ من الرجال والنساء والصبيان حتى تمتلئ الحفرةُ، ثم تطَمُّ بالترابِ، وانتُدِبَ أناسٌ لحَملِ الأموات ورَمْيهم في الحفر، فكانوا يأخذونَ عن كلِّ مَيتٍ نِصفَ درهم، فيحمِلُه الواحد منهم ويلقيه إمَّا في حفرة أو في النيلِ إن كان قريبًا منه، وصارت الولاةُ بالقاهرة ومصر تحمل الأموات في شباك على الجمال، ويعلِّقونَ الميِّتَ بيديه ورجليه من الجانبين، ويُرمى في الحفر بالكيمانِ مِن غير غُسلٍ ولا كفنٍ! ورُمِيَ كثيرٌ من الأموات في الآبار حتى تُملأَ ثمَّ تُردَم، ومات كثير من الناس بأطرافِ البلاد فبَقِيَ على الطرقات حتى أكلَته الكلابُ، وأكل كثيرًا منها بنو آدم أيضًا، وحُصِرَ في شَهرٍ واحد من هذه السنة عِدَّةُ مَن مات ممَّن قُدِرَ على معرفته، فبَلَغَت العدَّةُ مائة ألفٍ وسبعةً وعشرين ألف إنسان، وعَظُم الموتانُ في أعمال مصر كلِّها حتى خلت القرى، وتأخَّر المطرُ ببلاد الشام حتى دخل فصلُ الشتاء ليلة الخميسِ سادس صفر وهو سادس عشر ديسمبر ولم يقَعِ المطر، فتزايدت الأسعارُ في سائر بلاد الشام، وجَفَّت المياه، فكانت الدابةُ تُسقى بدرهمٍ شَربةً واحدةً، ويشرَبُ الرجُلُ برُبعِ دِرهمٍ شَربةً واحدة، ولم يبق عُشبٌ ولا مرعى، واشتد الغلاءُ بالحِجازِ!!
وفاة الملك السعيد صاحب ماردين وتولي أخيه بعده .
العام الهجري : 695 العام الميلادي : 1295
تفاصيل الحدث:
هو المَلِكُ السعيدُ شمس الدين إيلغازي بن الملك المظفر فخر الدين قرا أرسلان بن الملك السعيد صاحِبُ ماردين الأرتقي، ودُفِنَ بتربة جده أرتق، وتولى بعده سلطنةَ ماردين أخوه الملك المنصور نجم الدين غازي، وكانت مُدَّةُ مَملكةِ الملك السعيد هذا على ماردين دونَ الثلاث سنين.
قدوم كثير من أسر المغول إلى مصر والشام .
العام الهجري : 695 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1296
تفاصيل الحدث:
قدم البريدُ بوصول طائفةِ الأويراتية من التتار ومُقَدَّمُهم طرغاي زوجُ بنت هولاكو، وإنَّهم نحو الثمانية عشر ألف بيت، وقد فَرُّوا من غازان ملك التتار وعبَروا الفراتَ يريدون الشام، فكتب إلى نائب الشام أن يبعَثَ إليهم الأمير علم الدين سنجر الدواداري إلى الرَّحبةِ لِيلقاهم، فخرجَ من دمشق، ثم توجَّه بعده الأميرُ سنقر الأعسر شاد الدواوين بدمشق، ووصلت أعيانُ الأويراتيَّة صُحبة سنقر الأعسر في الثالث عشر من صفر، وكانت عِدَّتُهم مائة وثلاثة عشَرَ رجُلًا، ومقَدَّمُهم طرغاي، ومن أكابِرِهم الوص وككباي، فتلقاهم النائبُ والأمراء واحتفل لقدومِهم احتفالًا زائدًا، ثم سار بهم الأميرُ قراسنقر إلى القاهرةِ يوم الاثنين سابعَ ربيع الآخر، فلما وصلوا بالغَ السلطان في إكرامِهم والإحسانِ إليهم، وأمر عدَّةً منهم، وبقُوا على كفرهم، ودخل شهرُ رمضان فلم يَصُمْ منهم أحد، وصاروا يأكلونَ الخيلَ مِن غيرِ ذَبحِها، بل يربط الفَرَسُ ويُضرَبُ على وجهِه حتى يموتَ فيُؤكَلَ، فأنِفَ الأمراء من جلوسِهم معهم بباب القلَّة في الخدمة، وعَظُم على الناس إكرامُهم، وتزايد بعضُهم في السلطان، وانطلقت الألسنةُ بذَمِّه حتى أوجب ذلك خلعَ السلطان العادل كتبغا فيما بعدُ، وأما بقيَّةُ الأويراتية فإنه كتب إلى سنجر الدواداري أن ينزِلَهم ببلاد الساحل، فمَرَّ بهم على مرج دمشق، وأخرجت الأسواقُ إليهم فنُصِبَت بالمرج وبمنزلة الصنمين وفي الكسوة، ولم يمكِنْ أحدًا من الأويرايتة أن يدخُلَ مدينة دمشق، وأُنزلوا من أراضي عثليث ممتَدِّين في بلاد الساحل، وأقام الأميرُ سنجر عندهم إلى أن حضر السلطانُ كتبغا إلى الشام، وقد هلك منهم عالم كبير، وأخذ الأمراء أولادهم الشباب للخدمة، وكثرت الرغبةُ فيهم لجمالِهم، وتزوَّج الناسُ ببناتهم، وتنافسَ الأمراءُ والأجناد وغيرهم في صبيانِهم وبناتهم، ثم انغمس من بَقِيَ منهم في العساكِرِ، فتفَرَّقوا في الممالك، ودخلوا في الإسلامِ واختلطوا بأهل البلاد، ويُذكَرُ أن أصل السلطان كتبغا هو من التتار كان مملوكًا مغوليًّا ثم علا شأنُه حتى تمَلَّك مِصرَ؛ فلذلك قَدِمَت الأسَرُ المغوليَّةُ إليه.
وفاة زين الدين أبي البركات بن المنجى شيخ الحنابلة .
العام الهجري : 695 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1296
تفاصيل الحدث:
هو الإمامُ العلَّامة، مفتي المسلمين، أبو البركات زين الدين المنجي بن عثمان بن أسعد بن المنجي بن بركات بن المؤمل، التنوخي، المعرِّي الأصل، الدمشقي، شيخُ الحنابلة. ولد سنة 631. سمع الحديث وتفقَّهَ فبرع في فنون من العلمِ كثيرةٍ مِن الأصول والفروع والعربيَّة والتفسير وغير ذلك، وانتهت إليه رياسة المذهب، وصنَّف في الأصول وشرَحَ المُقنِعَ، وله تعاليقُ في التفسير, فدرَّس وأفتى وصنَّف, وتفقَّه عليه: ابن الفخر، وابن أبي الفتح، وابن تيمية، وجماعة من الأئمة. وكان قد جمع له بين حُسنِ السَّمت والديانة والعِلمِ والوجاهة وصِحَّة الذهن والمناظرة, وطولِ النفس في البحث، وله مُلكٌ وثَروةٌ وحُرمةٌ وافرةٌ, وكان له في الجامِعِ حلقة للإشغالِ والفتوى نحو ثلاثين سنة متبَرِّعًا لا يتناوَلُ على ذلك أجرًا. وكانت له أوراد، منها صومُ الاثنين والخميس، والذِّكرُ من حين يصلِّي الصبحَ إلى أن يصلي الضُّحى. وله مع الصلوات تطوع كثير. ويصلي الضحى ويطيلُها جِدًّا. وكان له في آخِرِ الليل تهجدٌ كثيرٌ وتيقُّظٌ وذِكرٌ. وكان له إيثارٌ كبير؛ يفطِّرُ الفقراء عنده في بعضِ الليالي، وفي شهر رمضانَ كُلِّه. وكان مع ذلك حسَنَ الأخلاقِ، لطيفًا مع المشتغلين، مليحَ المجالسة. قال الذهبي: " أجاز لي مرويَّاتِه سنة سبع وسبعين، وقصدته لأسمعَ منه فقال لي: تعالَ وقتًا آخر. فاشتغلت ولم يقَدَّر لي السماعُ منه. وكان مليحَ الشكل، حسَنَ البِزَّة، كثيرَ التطهُّر والنظافة. وكان غالِبَ أوقاته في الجامع وفي بيت المأذنةِ". توفي يوم الخميس رابع شعبان، وتوفيت معه زوجتُه أم محمد ست أبيها بنت صدر الدين الخجندي، وصُلِّيَ عليهما بعد الجمعة بجامع دمشقَ وحُمِلا جميعًا إلى سفح قاسيون شمال الجامع المظفري تحت الروضة، فدفنا في تربةٍ واحدة رحمهما الله تعالى، وهو والد رئيسِ القضاة علاء الدين، وكان شيخ المسماريَّة ثم وليها بعده ولداه شرف الدين وعلاء الدين، وكان شيخَ الحنبليَّة فدَرَّس بها بعده الشيخ تقي الدين ابنُ تيمية.
خلع الملك كتبغا وتولي حسام لاجين ملك مصر .
العام الهجري : 696 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1296
تفاصيل الحدث:
رحل السلطانُ كتبغا من دمشقَ بعساكِرِه يريدُ القاهرةَ، وقد توغَّرَت صدور الأمراء وتواعَدوا على الفتك به، فسار إلى أن نزل بالعوجاء قريبًا من الرملة، وحضر الأمراءُ عنده بالدهليز، فأمر بإحضارِ الأمير بيسري فطلب طلبًا حثيثًا، فلما حضَرَ لم يقُم له السلطانُ على عادته، وأغلظَ له في الكلام ونسَبَه إلى أنه كاتب التتار، فكانت بينهما مفاوضة، ثم نهض السلطانُ، وانفضَّ الأمراء وقد حَرَّك منهم ما كان عندهم كامنًا، فاجتمعوا عند الأمير حسام لاجين النائبِ وفيهم بيسري، وسألوه عما كان من السلطانِ في حقٍّ، فقال: إنَّ مماليك السلطان كتبوا عنك كتبًا إلى التتار، وأحضروها إليه وقالوا إنَّك كتبتَها، ونيَّتُه القبضُ عليك إذا وصل إلى مصرَ، وأن يقبِضَ عليَّ أيضًا وعلى أكابر الأمراء، ويقَدِّمَ مماليكه، فأجمعوا عند ذلك على مبادرةِ السلطان، فركبوا يوم الثلاثاء سابع عشري المحرَّم وقت الظهر, وهم لاجين بيسري وقرا سنقر وقبجاق والحاج بهادر الحاجب في آخرين، واستصحبوا معهم حملَ نقارات وساقوا ملبسين إلى باب الدهليز، وحركت النقَّارات حربيًّا، فركب عدَّةٌ من العادلية واقتتلوا، فتقَدَّم تكلان العادلي فضربه الأميرُ لاجين في وجهه ضربةً أخذت منه جانبًا كبيرًا، وجرح تكلان فرسَ لاجين وقُتِلَ الأمير بدر الدين بكتوت الأزرق العادلي في خيمتِه، وقتل الأمير سيف الدين بتخاص العادلي، وقد فَرَّ إلى الدهليز فأدركوه بباب الدهليز فقتلوه، وجرحوا عدّةً من المماليك العادلية، فلم يثبت السلطانُ العادل كتبغا، وخرج من ظهر الدهليز، وركب فرسَ النوبة ببغلطاق صدر، وعبر على قنطرة العوجاء يريد دمشقَ مِن غير أن يفطِنَ به أحد، ولم يدركه سوى خمسةٍ من مماليكه، وهجم لاجينُ على الدهليز فلم يجِدِ العادل وبلغه أنَّه فَرَّ، فساق خلفه فلم يدرِكْه ورجعَ إلى الدهليز، فلما عاينَه الأمراء ترجَّلوا له ومَشَوا في ركابه حتى نزل، فكانت مدة كتبغا منذ جلس على التخت بقلعة الجبل في يوم الأربعاء حادي عشر محرم سنة 694، وإلى أن فارق الدهليز بمنزلة العوجاء في يوم الثلاثاء السابع عشر محرم من هذه السنة، سنتين وسبعة عشر يومًا، ثم أصبح السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصوري المعروفُ بالصغيرُ هو سلطانَ مِصرَ، وملَكَها، وكان أولًا من جملة مماليك الملك المنصور علي بن الملك المعز أيبك، فلما خُلِعَ اشتراه الأمير سيف الدين قلاوون وهو أميرٌ بسبعمائة وخمسين درهمًا، من غير مالكٍ شَرعيٍّ، فلما تبيَّنَ له أنه من مماليك المنصور اشتراه مرةً ثانية وحضروا بأجمَعِهم بين يدي لاجين واتَّفَقوا على سلطنته، وشرطوا عليه أن يكون معهم كأحَدِهم، ولا ينفَرِدَ برأيٍ دونهم، ولا يبسُطَ أيدي مماليكه ولا يقَدِمَهم، وحلَّفوه على ذلك، فلما حلف قال له الأمير قبجاق المنصوري: نخشى أنَّك إذا جلستَ في منصب السلطنة تنسى هذا الذي تقَرَّرَ بيننا وبينك، وتقَدِّمُ مماليكك وتخَوِّلُ مملوكَك منكوتمر علينا، فيُصيبنا منه ما أصابنا من مماليك كتبغا، وكان منكوتمر مملوك لاجين، وكان يودُّه ويؤثِرُه، وله عنده مكانةٌ متمَكِّنةٌ من قَلبِه، فحلف لاجين مرةً ثانيةً أنه لا يفعَلُ ذلك، ولا يخرجُ عما التَزَمه وشرطوه عليه، فحَلَف له الأمراءُ وأرباب الدولة، وتلَقَّبَ بالملك المنصور، وركِبَ بشعار السلطنة في يوم الثلاثاء السابع عشر محرم.
=============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...