حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الأربعاء، 2 نوفمبر 2022

ج20.وج21.من وَفاةُ أَنَس بن مالِك رَضِيَ الله عنه . العام الهجري : 93 العام الميلادي : 711 .

ج20.
وَفاةُ أَنَس بن مالِك رَضِيَ الله عنه .
العام الهجري : 93 العام الميلادي : 711
تفاصيل الحدث:
هو أَحَدُ المُكْثِرين مِن الرِّواية عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وليس بِغَريبٍ فهو خادِمُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، دَعَا له النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِطُولِ العُمُر والبَرَكَة في المالِ والوَلَدِ، فكان له الكَثيرُ مِن الأوَّلادِ زادوا على المائة، وقِيلَ: كان له بُستانٌ يُثْمِرُ مَرَّتَيْنِ في السَّنَة. وكان سَكَنَ البَصْرَةَ وبَقِيَ فيها إلى أن تُوفِّي فيها، وهو آخِرُ الصَّحابَة مَوْتًا فيها، وكان قد آذاهُ الحَجَّاجُ فكَتَبَ إلى عبدِ الملك يَشْتَكِيه فكَتَبَ عبدُ الملك إلى الحَجَّاجِ فاعْتَذَر له وأَحسَن إليه، فرَضِيَ اللهُ عن أَنَسٍ خادِم النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَرْضاهُ.
الوَليد بن عبد الملك يعزل عُمَر بن عبدِ العزيز عن وِلايَة المَدينَة .
العام الهجري : 93 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 712
تفاصيل الحدث:
كان سَبَب ذلك أنَّ عُمَر بن عبدِ العزيز كَتَبَ إلى الوَليد يُخْبِرُه عن أَهلِ العِراق أنَّهم في ضَيْمِ وضِيقٍ مع الحَجَّاجِ مِن ظُلْمِه وغَشْمِه، فسَمِع بذلك الحَجَّاجُ فكَتَبَ إلى الوَليد: إنَّ عُمَر ضَعيف عن إِمْرَةِ المَدينَة، وإنَّ جماعَة مِن أَهلِ الشِّقاق مِن أهلِ العِراق قد لَجَأوا إلى المَدينَة ومَكَّة، وهذا وَهْنٌ وضَعْفٌ في الوِلايَة، فاجْعَل على الحَرَمَيْنِ مَن يَضْبُط أَمْرَهُما. فكَتَبَ الوَليدُ إلى الحَجَّاج: أن أَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلينِ. فكَتَب إليه يُشِيرُ عليه بعُثمان بن حَيَّان، وخالِد بن عبدِ الله، فوَلَّى خالِدًا مَكَّة، وعُثمانَ المَدينَة، وعَزَل عُمَر بن عبدِ العزيز، فخَرَج عُمَرُ بن عبدِ العزيز مِن المَدينَة في شَوَّال فنَزَلَ السُّويْداء، وقَدِمَ عُثمانُ بن حَيَّان المَدينَة لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتا مِن شَوَّال مِن هذه السَّنَة.
وَفاةُ أبي بَكْرِ بن عبدِ الرَّحمن أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .
العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712
تفاصيل الحدث:
هو أبو بَكْرِ بن عبدِ الرَّحمن بن الحارِث بن هِشام أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، كان ثِقَةً، فَقِيهًا، عالِمًا سَخِيًّا، كَثيرَ الحَديثِ، حَدَّث عن عَدَدٍ مِن الصَّحابَة كأَبيهِ، وعائِشَةَ، وأبي هُريرَةَ، وعَمَّارِ بن ياسِر، وغَيرِهم، جَمَعَ العِلْمَ والعَمَل والشَّرَف، وكان ممَّن خَلَفَ أَباهُ في الجَلالَة، كان يُقالُ له: رَاهِب قُريشٍ. لِكَثْرَةِ صَلاتِه، وكان مَكْفوفًا كَثيرَ الصَّوْم، تُوفِّي في المَدينَة.
فَتْحُ قُتيبةَ بن مُسلِم كابُل .
العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712
تفاصيل الحدث:
بعدَ أن غَزَا قُتيبةُ بن مُسلِم الشَّاش وفَرْغانَة، وفَرَغَ مِن الصُّغْد، وفَتَحَ سَمَرْقَنْد، خاض بِلادَ التُّرْك يَفتَح فيها حتَّى وَصَل إلى كابُل فحاصَرَها وافْتَتَحَها، وقد لَقِيَه المُشرِكون في جُموعٍ هائِلَة مِن التُّرْك فقاتَلَهم قُتيبةُ عندِ خُجَنْدَة فكَسَرَهم مِرارًا وظَفَر بهم، وأَخَذ البِلادَ منهم، وقَتَل منهم خَلْقًا وأَسَر آخَرِين وغَنِمَ أَموالًا كَثيرةً جِدًّا.
وَفاةُ زَيْنِ العابِدِين عَلِيِّ بن الحُسين .
العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712
تفاصيل الحدث:
هو عَلِيّ زَيْنُ العابِدِين بن الحُسين بن عَلِيِّ بن أبي طالِب، أُمُّهُ بِنتُ يَزْدَجِرْد آخِر مُلوك فارِس، مِن الفُقَهاء الحُفَّاظ كان مَضْرَب المَثَلِ في الحِلْمِ والوَرَعِ والجُودِ والتَّواضُع، مَدَحَهُ الفَرزدَقُ بالقَصيدَة المَشهورَة التي مَطلعُها: هذا الذي تَعرِف البَطحاءُ وَطأتَهُ والبَيتُ يَعرِفُه والحِلُّ والحَرَمُ، تُوفِّي في أوَّلِ هذه السَّنَة يعني سَنَة 94هـ، وصُلِّيَ عليه بالبَقيعِ ودُفِنَ فيه، فرَحِمَه اللهُ رَحمةً واسِعَة، وجَزاهُ الله عن المسلمين خيرًا.
وَفاةُ عُرْوَة بن الزُّبير أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .
العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712
تفاصيل الحدث:
هو عُروَة بن الزُّبير بن العَوَّام، أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة، كان عالِمًا كَريمًا، رَوَى الحَديثَ عن كَثيرٍ مِن الصَّحابَة، تَفَقَّه على خالَتِه عائِشَة رَضِيَ الله عنها، انْتَقَل إلى البَصْرَة ثمَّ إلى مِصْرَ ثمَّ عاد إلى المَدينَة وتُوفِّي فيها، وهو الذي أُصِيبَت رِجْلُهُ بِمَرَضِ الآكال (الغرغرينا) فنُشِرَت وقُطِعَت وهو يَقرأُ القُرآن، وتُوفِّي له بِنَفْسِ اليَومِ أَحَبُ أوَّلادِه، فما تَسَخَّطَ ولا تَضَجَّرَ رَحِمَه الله تعالى.
وَفاةُ سَعيد بن المُسَيِّب أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .
العام الهجري : 94 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 713
تفاصيل الحدث:
هو أَحَدُ الفُقَهاء السَّبْعة في المَدينَة (ومنهم مَن يَعُدُّ بَدَلَهُ سالِمَ بن عبدِ الله بن عُمَرَ)، سَيِّد التَّابِعين، جَمَع بين الحَديثِ والفِقْهِ والوَرَعِ والزُّهْدِ، رَوَى مَراسِيل عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَثيرةً، كان الحَسَنُ البَصريُّ إذا أُشْكِلَ عليه شَيءٌ كَتَبَ إليه يَسألُه، كان يَحفَظ أَحكامَ عُمَرَ بن الخَطَّاب وأَقْضِيَتَهُ، كان مَهِيبًا عند الخُلَفاء، تَعَرَّض للأَذَى بسَببِ البَيْعَة بِوِلايَة العَهْد للوَليد بن عبدِ الملك، وضُرِبَ بِسَببِ ذلك بالسِّياطِ، وتُوفِّي في المَدينَة رَحِمَه الله تعالى وجَزاهُ عن المسلمين خيرًا.
مَقْتَل سَعيد بن جُبَير .
العام الهجري : 94 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 713
تفاصيل الحدث:
هو سَعيدُ بن جُبَير بن هِشام الأَسَدِيُّ الوالِبِيُّ مَوْلاهُم الكوفيُّ، أبو محمَّد، كان وِعاءًا مِن أَوْعِيَة العِلْم, قال خُصَيف: كان أَعْلَمَهم بالقُرآن مُجاهِد، وأَعْلَمَهم بالحَجِّ عَطاء، وأَعْلَمَهم بالحَلال والحَرام طاووس، وأَعْلَمَهم بالطَّلاق سَعيد بن المُسَيِّب، وأَجْمَعَهم لِهذه العُلوم سَعيد بن جُبير. لقد مات سَعيد بن جُبَير وما على ظَهْر الأرضِ رَجُل إلَّا يَحتاجُ إلى عِلْمِ سَعيد, وكان ابنُ جُبَير يقول بعدَ أن تَخَفَّى عن الحَجَّاج: (وَدِدْتُ لو أنَّ النَّاس أَخَذوا ما عِندي مِن العِلْم فإنَّه ممَّا يُهِمُّني). كان سَبَبَ قَتْلِ الحَجَّاج لابنِ جُبَير خُروجُه مع عبدِ الرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث، وكان الحَجَّاج قد جَعَله على عَطاء الجُنْد حين وَجَّه ابنَ الأشعث إلى مَلِك التُّرْك رتبيل لِقِتالِه، فلمَّا خَلَعَ ابنُ الأَشعث الحَجَّاجَ كان سَعيدُ بن جُبَير فيمَن خَلَعَ، فلمَّا هُزِمَ ابنُ الأشعث ودَخَل بِلادَ رتبيل هَرَب سَعيد بن جُبَير إلى أَصْبَهان، فكَتَب الحَجَّاجُ إلى عامِلِهِ بِأَخْذِ سَعيد بن جُبَير، فخَرَج العامِل مِن ذلك بأن أَرسَل إلى سَعيد يُعَرِّفُه ذلك ويَأمُره بمُفارَقَتِه، فسارَ عنه فأَتَى أَذْرَبِيجان فطالَ عليه القِيامُ فاغْتَمَّ بها، وقد تَخَفَّى ابنُ جُبَير عن الحَجَّاج اثنا عَشَر سَنَةً، كان يَحُجُّ ويَعْتَمِر في كُلِّ سَنَةٍ فَتْرَةَ تَخفِّيه إلى أن خرج في مكَّة, فكان بها إلى أن وَلِيَها خالدُ بن عبد الله القَسري، فأشار مَن أشار على سَعيد بالهَرَب منها، فقال سَعيدٌ: والله لقد اسْتَحْيَيْتُ مِن الله، مم أَفِرُّ، ولا مَفَرَّ مِن قَدَرِهِ. فأَرسلَه خالدٌ القَسري إلى الحَجَّاج، ثمَّ إنَّ الحَجَّاج قَتَلَه، وقِصَّتُه مَشهورَة، ولم يَبْقَ الحَجَّاج بعدَ قَتلِه كَثيرًا، وكان يقول بعدَ ذلك: مالي ولابنِ جُبَير. فرَحِمَ الله سَعيدَ بن جُبَير.
المسلمون يَفْتَحون بِلادَ السِّنْد .
العام الهجري : 95 العام الميلادي : 713
تفاصيل الحدث:
لمَّا مات الحَجَّاجُ بن يُوسُف كان محمَّد بن القاسِم بالمُلْتان، فأتاهُ خَبَرُ وَفاتِه، فرَجَع إلى الرُّور والبَغْرور، وكان قد فَتَحَهُما، فأَعْطَى النَّاسَ، ووَجَّهَ إلى البَيْلَمان جَيْشًا فلم يُقاتِلوا وأَعطوا الطَّاعَةَ، وسَألَه أَهلُ سُرَشْت، وهي مَغْزَى أَهلِ البَصْرَة، وأَهلُها يَقطَعون في البَحرِ، ثمَّ أَتَى محمَّدٌ الكَيْرَجَ فخَرَج إليه دَوْهَر فقاتَلَه فانْهَزَم دَوْهَر وهَرَب، وقِيلَ: بل قُتِلَ. ونَزَل أَهلُ المَدينَة على حُكْم محمَّدٍ فقَتَل وسَبَى.
وَفاةُ الحَجَّاجِ بن يُوسُف الثَّقَفي .
العام الهجري : 95 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:
هو أبو محمَّد الحَجَّاجُ بن يُوسُف الثَّقَفي، قائِدٌ أُمَوِيٌّ، داهِيَة، سَفَّاك، خَطِيب، وُلِدَ وَنَشأَ في الطَّائِف، وانْتَقَل إلى الشَّام فلَحِقَ بِرَوْحِ بن زِنْباع نائِب عبدِ الملك بن مَرْوان فكان في عِدادِ شُرْطَتِه، ثمَّ ما زال يَظهَر حتَّى قَلَّدَهُ عبدُ الملك أَمْرَ عَسْكَرِهِ, ثمَّ أَصبَح والِيًا على العِراق مِن قِبَل عبدِ الملك بن مَرْوان، أَصلَح البِلادَ في العِراق واعْتَنَى بها، وازْدَهَرَت في عَصرِه التِّجارَة والصِّناعَة، وكان مَعروفًا بالظُّلْمِ، وسَفْكِ الدِّماء، وانْتِقاص السَّلَف، وتَعَدِّي حُرُماتِ الله بأَدْنَى شُبْهَة، وقد أَطْبَقَ أَهلُ العِلْم بالتَّارِيخ والسِّيَر على أَنَّه كان مِن أَشَدِّ النَّاس ظُلْمًا، وأَسْرَعِهم للدَّمِ الحَرامِ سَفْكًا، ولم يَحفَظ حُرْمَةَ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أَصحابِه، ولا وَصِيَّتَه في أَهلِ العِلْم والفَضْل والصَّلاح مِن أَتْباعِ أَصحابِه. وكان جَبَّارًا عَنيدًا. قالت أَسماءُ بِنتُ أبي بَكْرٍ رضي الله عنها للحَجَّاجِ: إنَّ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حَدَّثَنا «أنَّ في ثَقِيفٍ كَذَّابًا ومُبِيرًا». فأمَّا الكَذَّابُ فقد رَأَيْناهُ -تَعْنِي المُخْتار- وأمَّا المُبِيرُ فأَنت هو. والمُبِيرُ: المُهْلِك، الذي يُسْرِف في إِهْلاكِ النَّاس. نَشأَ الحَجَّاجُ شابًّا لَبِيبًا فَصيحًا بَليغًا حافِظًا للقُرآن، وكان يُكْثِر تِلاوَةَ القُرآن، ويَتَجَنَّب المَحارِم، ولم يَشْتَهِر عنه شَيءٌ مِن التَّلَطُّخ بالفُروج، وإن كان مُتَسَرِّعًا في سَفْكِ الدِّماءِ، كان فيه سَماحَةً بإعطاءِ المالِ لِأَهلِ القُرآن، فكان يُعطي على القُرآن كَثيرًا، ولمَّا مات لم يَتْرُك فيما قِيلَ إلَّا ثلاثمائة دِرْهَم. بَلَغَ ما قَتَل الحَجَّاجُ صَبْرًا مائة ألف وعشرين ألف، قال عنه الذهبي: "نَسُبُّهُ ولا نُحِبُّه؛ بل نُبْغِضُه في الله؛ فإنَّ ذلك مِن أَوْثَقِ عُرَى الإيمان, وله حَسَنات مَغْمورة في بَحْرِ ذُنوبِه، وأَمْرُهُ إلى الله. وله تَوْحِيد في الجُمْلَة، ونُظَراء مِن ظَلَمَةِ الجَبابِرَة والأُمَراء" لمَّا حَضَرتُه الوَفاةُ اسْتَخْلَف على الصَّلاةِ ابنَه عبدَ الله، واسْتَخْلَف على حَربِ الكوفَة والبَصْرَة يَزيدَ بن أبي كَبْشَة، وعلى خَراجِهِما يَزيدَ بن أبي مُسلِم، فأَقَرَّهُما الوَليدُ بعدَ مَوتِه، ولم يُغَيِّر أَحَدًا مِن عُمَّالِ الحَجَّاج.
غَزْوُ قُتيبةَ بن مُسلِم بِلاد الصِّين وفرض الجِزْيَة على مَلِكِها .
العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:
غَزَا قُتيبةُ بن مُسلِم كاشْغَر, وهي أَدْنَى مَدائِن الصِّين، وحَمَل مع النَّاسِ عِيالَهُم لِيَضَعَهُم في سَمَرْقَنْد فلمَّا بَلَغ النَّهْرَ اسْتَعمَل رَجُلًا مِن مَوالِيه يُقالُ له الخَوارِزْمي على مَقْطَع النَّهْر، وقال: لا يَجُوزَنَّ أَحَدٌ إلَّا بِجَوازٍ منه، ومَضَى إلى فَرْغانَة، وأَرسَل مَن يُسَهِّل له الطَّريقَ إلى كاشْغَر، وبَعَث جَيْشًا مع كَبيرِ بن فُلان إلى كاشْغَر، فغَنِمَ وسَبَى سَبْيًا، فخَتَمَ أَعْناقَهُم، وأَوْغَل حتَّى بَلَغ قَرِيبَ الصِّين، ثمَّ بَعَث قُتيبةُ إلى مَلِك الصِّين رُسُلًا يَتَهَدَّدُه ويَتَوَعَّدُه ويُقْسِم بالله لا يَرجِع حَتَّى يَطَأَ بِلادَه ويَخْتِم مُلوكَهُم وأَشْرافَهُم، ويَأخُذ الجِزْيَةَ منهم أو يَدخُلوا في الإسلام. فكَتَب إليه مَلِكُ الصِّين: أن ابْعَث إِلَيَّ رَجُلًا شَريفًا يُخْبِرُني عنكم وعن دِينِكُم. فانْتَخَب قُتيبةُ عَشرةً لهم جَمالٌ وأَلْسُن وبَأْسٌ وعَقْلٌ وصَلاحٌ، فأَمَر لهم بِعُدَّةٍ حَسَنَة، ومَتاعٍ حَسَن مِن الخَزِّ والوَشْي وغَيرِ ذلك، وخُيولٍ حَسَنَة، وكان منهم هُبيرَةُ بن مُشَمْرِج الكِلابي، فقال لهم: إذا دَخَلْتُم عليه فأَعْلِموه أَنِّي قد حَلَفْتُ أَنِّي لا أَنْصَرِف حَتَّى أَطَأَ بِلادَهم، وأَخْتِم مُلوكَهُم وأَجْبِي خَراجَهُم. سار الوَفْدُ وعليهم هُبيرَة، فلمَّا دَخَلوا على المَلِك وَجَدوا مَمْلَكَة عَظِيمَة حَصِينَة ذاتَ أَنهارٍ وأَسواقٍ وحُسْنٍ وبَهاءٍ، فدَخَلوا عليه في قَلْعَة عَظِيمَة حَصِينَة، بِقَدْرِ مَدينَةٍ كَبيرَة، فقال المَلِكُ لِتُرْجُمانِه: قُل لهم: ما أنتم؟ وما تُريدون؟ فقالوا: نحن رُسُل قُتيبةَ بن مُسلِم، وهو يَدعوك إلى الإسلامِ، فإن لم تَفعَل فالجِزْيَة، فإن لم تَفعَل فالحَرْب, فأَعطَى الجِزْيَة فقَبِلَها منه قُتيبةُ.
وَفاةُ إِبراهيمَ النَّخَعِيِّ .
العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:
هو إِبراهيمُ بن يَزيدَ بن قَيسٍ النَّخَعِيُّ، فَقِيهُ العِراق وأَحَدُ الأئِمَّة المَشهورين، تابِعِيٌّ أَدرَك عَددًا مِن الصَّحابَة لكن لا يُعرَف له سَماعٌ عنهم، وأَخَذ عن كِبارِ التَّابِعين، تَزَعَّمَ مَدرَسةَ ابنِ مَسعودٍ في الكوفَة، حيث أَخَذ عن خالِه الأَسوَدِ بن يَزيدَ تِلميذ ابنِ مَسعود، وعن عَلْقَمَة، ومَسروق، وعبدِ الرَّحمن بن عبدِ الله بن مَسعود، وعليه تَتَلْمَذ حَمَّادُ بن سُليمان شَيخُ أبي حَنيفَة، وتَأَثَّر به وبِفِقْهِهِ أبو حَنيفَة، كان مُفْتِي أَهلِ الكوفَة هو والشَّعْبِيّ في زَمانِهِما، وكان رَجُلًا صالِحًا، فَقِيهًا، مُتَوَقِّيًا، قَليلَ التَّكَلُّف، كان سعيدُ بن جُبَير يقول: أَتَسْتَفْتُوني وفِيكُم إِبراهيمُ. وكان الشَّعْبِيُّ يقول: والله ما تَرَكَ بَعدَه مِثلَه، تُوفِّي وهو ابنُ تِسْعٍ وأَربعين سَنَة. وقِيلَ: ابنُ نَيْفٍ وخَمسين سَنَة.
وفاةُ الوليد بن عبد الملك وتولِّي أخيه سليمان الخِلافَة .
العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:
توفي الوليد بن عبدالملك في هذا العام وتولَّى أخوه سليمان من بعده الخلافة وبُويع له في اليوم الذي توفِّي فيه الوليد، وكان قويًا كريمًا محبوبًا.
تَمَرُّد قُتيبةَ بن مُسلِم الباهِلِي .
العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:
لمَّا أَرادَ الوَليدُ بن عبدِ المَلِك أن يَنْزِع أَخاهُ سُليمان مِن وِلايَة العَهْد ويَجعَل بَدَلَه ابنَه عبدَ العَزيز، أَجابَه إلى ذلك الحَجَّاجُ وقُتيبةُ على ما تَقَدَّم، فلمَّا مات الوَليدُ ووَلِيَ سُليمانُ خافَهُ قُتيبةُ، وخاف أن يُوَلِّي سُليمانُ يَزيدَ بن المُهَلَّب خُراسان، فكَتَب قُتيبةُ إلى سُليمانَ كِتابًا يُهَنِّئُه بالخِلافَة، ويَذكُر بَلاءَهُ وطاعَتَه لِعبدِ الملك والوَليدِ، وأنَّه له على مِثلِ ذلك إن لم يَعْزِله عن خُراسان، وكَتَب إليه كِتابًا آخَر يُعلِمه فيه فُتوحَه ونِكايَتَه، وعِظَمَ قَدْرِهِ عند مُلوكِ العَجَم وهَيْبَتَه في صُدورِهِم، وعِظَمَ صَوْلَتِه فيهم، ويَذُمُّ أَهلَ المُهَلَّب ويَحلِف بالله لَئِن اسْتَعمَل يَزيدَ على خُراسان لَيَخْلَعَنَّه. وكَتَب كِتابًا ثالِثًا فيه خَلْعُه، ثمَّ أَعلَن قُتيبةُ خَلْعَ سُليمان، ثمَّ صار بينه وبين قُوَّادِ جُيوشِه خِلافٌ، فقام وَكيعُ بن حَسَّان التَّميمي بِقَتْلِه وقَتَلَ معه أَحَدَ عشر مِن أَهلِ بَيتِه.
تَكامُل بِناء الجامِع الأُمَوِيِّ .
العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:
كان الوَليدُ بن عبدِ الملك قد بَدَأَ بِتَأْسِيس البِناء للمَسجِد الأُمَوي في 87هـ إلى أن اكْتَمَل بِناؤُه في هذه السَّنَة, وكان أَصْلُ مَوضِع هذا الجامِع قَديمًا مَعْبَدًا بَنَتْهُ اليُونان الكُلْدَانِيُّون الذين كانوا يُعَمِّرون دِمَشْق، وهُم الذين وَضَعوها وعَمَّروها أوَّلًا، فَهُم أوَّلُ مَن بَناها، وقد كانوا يَعبدون الكَواكِب السَّبعَة المُتَمَيِّزَة، ثمَّ إنَّ النَّصارَى حَوَّلوا بِناءَ هذا المَعْبَد الذي هو بِدِمَشق مُعَظَّمًا عند اليُونان فجَعَلوه كَنيسَةَ يُوحَنَّا، وكان المسلمون والنَّصارَى يَدخُلون هذا المَعْبَد مِن بابٍ واحِد، وهو باب المَعْبَد الأَعلى مِن جِهَة القِبْلَة، مَكانَ المِحْراب الكَبير الذي في المَقْصورَة اليومَ، فيَنْصَرِف النَّصارَى إلى جِهَة الغَربِ إلى كَنيسَتِهم، ويَأخُذ المسلمون يَمْنَةً إلى مَسجِدِهم، ولا يَستَطيع النَّصارَى أن يَجْهَروا بِقِراءَة كِتابِهِم، ولا يَضْرِبوا بِناقُوسِهِم، إِجلالًا للصَّحابَة ومَهابَةً وخَوْفًا، ثمَّ قام الوَليدُ بِتَوسيعِها آخِذًا القِسْمَ النَّصراني وحَوَّلَه إلى مَسجِد كما هو معروف اليوم، وأَنْفَق في ذلك الأَموالَ الكَثيرَة جِدًّا، واسْتَعمَل العُمَّال والبَنَّائِين المَهَرَة, والمَقصود أنَّ الجامِع الأُمَوي لمَّا كَمُلَ بِناؤُه لم يكُن على وَجْهِ الأَرضِ بِناءٌ أَحْسَن منه، ولا أَبْهَى ولا أَجْمَل منه، بحيث إنَّه إذا نَظَر النَّاظِرُ إليه أو إلى جِهَةٍ منه أو إلى بُقْعَةٍ أو مَكانٍ منه تَحَيَّر فيها نَظَرُهُ لِحُسْنِه وجَمالِه، ولا يَمَلُّ نَاظِرُهُ؛ بل كُلمَّا أَدْمَنَ النَّظَرَ بانَت له أُعْجوبَة ليست كالأُخرَى.
وَفاةُ قُتيبةَ بن مُسلِم الباهِلِي .
العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714
تفاصيل الحدث:
هو الأَميرُ أبو حَفْص قُتيبةُ بن مُسلِم بن عَمرِو بن حُصَين بن رَبيعَة الباهلي، أَحَدُ الأَبطال والشُّجْعان، ومِن ذَوِي الحَزْمِ والدَّهاءِ والرَّأْيِ والغَنَاءِ، كان مِن سادات الأُمَراء وخِيارِهم، وكان مِن القادَة النُّجَباء الكُبَراء، والشُّجْعان وذَوِي الحُروبِ والفُتوحات السَّعيدَة والآراء الحَميدَة، وهو الذي فَتَح خَوارِزْمَ وبُخارَى، وسَمَرْقَنْد، وكانوا قد نَقَضوا وارْتَدُّوا، ثمَّ إنَّه افْتَتَح فَرْغانَة، وبِلادَ التُّرْك، وقد هَدَى الله على يَديهِ خَلْقًا لا يُحصِيهم إلَّا الله، فأَسلَموا ودانوا لله عَزَّ وجَلَّ، وفَتَح مِن البِلادِ والأقاليم الكِبار والمُدُن العِظام شَيْئًا كَثيرًا، والله سُبحانَه لا يُضَيِّع سَعْيَهُ ولا يُخَيِّب تَعَبَه وجِهادَه, وكانت وَفاتُه بِفَرْغانَه مِن أَقصى بِلادِ خُراسان، كان قُتيبَة يَفتَح في بِلادِ المَشرِق, وموسى بن نُصيَر يَفتَح في بِلادِ المَغرِب، فجَزاهُما الله خيرًا، فكِلاهُما فَتَح مِن الأقاليم والبُلْدان شَيْئًا كَثيرًا، كان فيمَن قُتِلَ أَبوهُ مع مُصعَب بن الزُّبير، وكانت وِلايتُه على خُراسان عَشر سِنين، وله رِوايَة عن عِمْران بن حُصَين، وأبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ. لمَّا بَلَغَه مَوتُ الوَليد نَزَعَ الطَّاعَة، فاخْتَلَفَ عليه جَيْشُه، وقام عليه وَكيعُ بن حَسَّان التَّميمي وأَلَّبَ عليه، ثمَّ شَدَّ عليه في عَشرة مِن فُرْسان تَميم فقَتَلوه, وكان عُمُرُهُ ثَمانِيًا وأربعين سَنَة، وقد سَبَق له مِن الأعمال الصَّالِحَة ما قد يُكَفِّر الله به سَيِّئاته، ويُضاعِف به حَسَناته، والله يُسامِحه ويَعفُو عنه، ويَتَقَبَّل منه ما كان يُكابِده مِن مُناجَزة الأعداء.
الأمويون يبدأون بتَجْهيز الجُيوش لِغَزْو القُسطنطينيَّة .
العام الهجري : 97 العام الميلادي : 715
تفاصيل الحدث:
جَهَّزَ سُليمانُ بن عبدِ الملك أَميرُ المؤمنين أَخاهُ مَسلمَة بن عبدِ الملك لِغَزْوِ القُسطنطينيَّة وَراء الجَيْش الذين هُم بها، فسار إليها ومعه جَيْشٌ عَظيمٌ.
وَفاةُ موسى بن نُصَير .
العام الهجري : 97 العام الميلادي : 715
تفاصيل الحدث:
هو أبو عبدِ الرَّحمن موسى بن عبدِ الرَّحمن بن زَيْدٍ اللَّخْمِيُّ، صاحِبُ فُتوحات الغَربِ، يُقالُ: إنَّه كان أَعْرَجًا. قِيلَ: أَصلُه مِن عَيْنِ التَّمْرِ، وقِيلَ: هو مَوْلًى لِبَنِي أُمَيَّة، وقِيلَ: لامْرَأَةٍ مِن لَخْمٍ وُلِدَ بِقَريَةِ كفرتُوثا مِن قُرَى الجَزيرَة, كان شُجاعًا مِقْدامًا جَوادًا، أَحَد قادَة الدَّولَة الأُمَويَّة، وَلَّاهُ مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان غَزْوَ البَحرِ، فغَزَا قُبْرُص وبَنَى بها حُصونًا ثمَّ غَزَا غَيرَها؛ وطالَت أيَّامُه وفَتَح الفُتوحات العَظيمَة بِبِلادِ المَغرِب، وغَنِمَ منها أَموالًا لا تُعَدُّ ولا تُوصَف، وله بها مَقامات مَشهورَة هائِلَة، واسْتَطاع أن يُنْهِي نَزَعات البَرْبَر المُتَوالِيَة للخُروج على حُكْم الأُمَويِّين. أَرسَلَ مَوْلاهُ طارِقَ بن زِياد لِفَتْحِ الأندَلُس،ثمَّ شارَكَهُ في إتمام فَتحِها, وهي بِلاد ذات مُدُن وقُرَى ورِيف، فسَبَى منها ومِن غَيرِها خَلْقًا كَثيرًا، وغَنِمَ أَموالًا جَزيلةً، مِن الذَّهَب والجَواهِر النَّفِيسَة والدَّوابِّ والغِلْمان والنِّساء الحِسان شَيْئًا لا يُحْصَى ولا يُعَدُّ، حتَّى قِيلَ: إنَّه لم يُسْبِ أَحَدٌ مِثلَه مِن الأعداء، وأَسلَم أَهلُ المَغرِب على يَديهِ، وبَثَّ فيهم الدِّينَ والقُرآنَ، وكان إذا سار إلى مَكانٍ تُحْمَل الأَموالُ معه على العَجَلِ لِكَثْرَتِها وعَجْزِ الدَّوابِّ عنها. كان موسى بن نُصَير هذا يَفتَح في بِلادِ المَغرِب، وقُتيبَة يَفتَح في بِلادِ المَشرِق، فجَزاهُما الله خيرًا، فكِلاهُما فَتَح مِن الأقاليم والبُلْدان شَيْئًا كَثيرًا.
حِصارُ مَسلمَة بن عبدِ الملك للقُسطنطينيَّة .
العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:
أَمَرَ سُليمانُ بن عبدِ الملك أَخاهُ مَسلمَة بالسَّيْرِ إلى القُسطنطينيَّة وألَّا يَعود حتَّى يَفتَحها، فَجَهَّزَهُ بمائةٍ وعشرين ألفًا في البَرِّ، ومائةٍ وعشرين ألفًا مِن المُقاتِلَة في البَحْرِ، وأَخرَج لهم الأُعْطِيات، وأَنفَق فيهم الأَموالَ الكَثيرَة، وأَعلَمَهم بِغَزْوِ القُسطنطينيَّة والإقامَة عليها إلى أن يَفتَحوها، ولمَّا اجْتَمَع العَساكِر عند سُليمان أَمَّرَ عليهم أَخاه مَسلمَة، وكان معه داودُ بن سُليمان بن عبدِ الملك, فسار الجَيْش إلى أن نَزلُوا على القُسطنطينيَّة فحاصَرَها عامًا كامِلًا فشَتَوْا وصافُوا بها، حتَّى عَرَضَ أَهلُها الجِزْيَةَ على مَسلمَة، فأَبَى إلَّا أن يَفتَحها عَنْوَةً, وبَقوا مُحاصِرين القُسطنطينيَّة دون جَدْوَى إلى أن تُوفِّيَ سُليمان بن عبدِ الملك في العاشِر مِن صَفَر سَنَة 99هـ، وتَوَلَّى عُمَرُ بن عبدِ العزيز الخِلافَةَ، فعادوا إلى الشَّامِ دون أن يَفتَحوا القُسطنطينيَّة.
فَتْحُ يَزيدَ بن المُهَلَّب طَبَرِسْتان .
العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:
لمَّا فَتَح يَزيدُ بن المُهَلَّب قُهِسْتان وجُرْجان طَمِعَ في طَبَرِسْتان أن يَفْتَحها، فَعَزَم على أن يَسيرَ إليها، فاسْتَعمَل عبدَ الله بن المُعَمَّر اليَشْكُرِيَّ على السَّاسان وقُهِسْتان، وخَلَّفَ معه أَربعةَ آلاف، ثمَّ أَقبَل إلى أَدانِي جُرجان مما يَلِي طَبَرِسْتان، فاسْتَعمَل على أَيْذُوسا راشِدَ بن عَمرٍو، وجَعَلَه في أَربعةِ آلاف، ودَخَل بِلادَ طَبَرِسْتان، فأَرسَل إليه الإِصْبَهْبَذ صاحِبُها يَسألُه الصُّلْحَ وأن يَخرُج مِن طَبَرِسْتان، فأَبَى يَزيدُ، ورَجَا أن يَفْتَتِحَها، ووَجَّه أَخاهُ أبا عُيَينَة مِن وَجْهٍ، وابنَه خالدَ بن يَزيدَ مِن وَجْهٍ، وأبا الجَهْم الكَلْبِيَّ مِن وَجْهٍ، وقال: إذا اجْتَمعتُم فأَبُو عُيينَة على النَّاس. فسار أبو عُيينَة وأقام يَزيدُ مُعَسْكِرًا, واسْتَجاش الإصْبَهْبَذ أَهلَ جِيلان والدَّيْلَم، فأَتوه فالْتَقوا في سَفْحِ جَبلٍ، فانْهَزَم المشركون في الجَبلِ، فاتَّبَعهُم المسلمون حتَّى انْتَهوا إلى فَمِ الشِّعْبِ، فدَخلَه المسلمون وصَعَد المشركون في الجَبلِ واتَّبَعَهم المسلمون يَرومُون الصُّعود، فرَماهُم العَدُوُّ بالنِّشابِ والحِجارَةِ، فانْهَزَم أبو عُيينَة والمسلمون يَركَب بَعضُهم بَعضًا، يَتَساقَطون في الجَبلِ حتَّى انْتَهوا إلى عَسْكَرِ يَزيدَ، وكَفَّ عَدُوُّهم عن اتِّباعِهم، وخافَهُم الإصْبَهْبَذ، فكان أَهلُ جُرجان ومُقَدِّمُهم المَرْزبان يَسأَلُهم أن يُبَيِّتُوا مَن عندهم مِن المسلمين، وأن يَقطَعوا عن يَزيدَ المادَّةَ والطَّريقَ فيما بينه وبين بِلادِ الإسلام، ويَعِدُهم أن يُكافِئَهم على ذلك، فثاروا بالمسلمين، فقَتَلوهُم أَجمعين وهُم غارُون في لَيلةٍ، وقُتِلَ عبدُ الله بن المُعَمَّر وجَميعُ مَن معه فلم يَنْجُ منهم أَحَدٌ، وكَتَبوا إلى الإصْبَهْبَذ بِأَخْذِ المَضايِق والطُّرُق. وبَلَغ ذلك يَزيدَ وأَصحابَه فعَظُمَ عليهم وهالَهُم، وفَزِعَ يَزيدُ إلى حَيَّان النَّبَطِي وقال له: لا يَمنَعك ما كان مِنِّي إليك مِن نَصيحَة المسلمين، وقد جاءَنا عن جُرجان ما جاءَنا، فاعْمَل في الصُّلْح. فقال: نعم. فأَتَى حَيَّانُ الإصْبَهْبَذ فقال: أنا رَجُلٌ منكم، وإن كان الدِّينُ فَرَّقَ بيني وبينكم، فأنا لكم ناصِح، فأنت أَحَبُّ إِلَيَّ مِن يَزيدَ، وقد بَعَث يَسْتَمِدُّ وأَمْدادُه منه قَريبَة، وإنَّما أصابوا منه طَرَفًا، ولست آمَن أن يأتيك مَن لا تقوم له، فأَرِحْ نَفسَك وصالِحْه، فإن صالَحتَه صَيَّرَ حَدَّهُ على أَهلِ جُرجان بِغَدْرِهِم وقَتْلِهم أَصحابَه. فصالَحَهُ على سَبعمائة ألف، وقِيلَ: خَمسمائة ألف، وأربعمائة وَقْرِ زَعْفَران، أو قِيمتِه مِن العَيْنِ، وأَربعمائة رَجُلٍ، على كُلِّ رَجُلٍ منهم تُرْسٌ وطَيْلَسان، ومع كُلِّ رَجُل جامٌ مِن فِضَّة وخِرْقَة حَرير وكُسْوَة. ثمَّ رَجَع حَيَّانُ إلى يَزيدَ، فقال: ابْعَث مَن يَحْمِل صُلْحَهُم. فقال: مِن عندهم أو مِن عندنا؟ قال: مِن عندهم. وكان يَزيد قد طابت نَفسُه أن يُعطِيَهم ما سَأَلوا ويَرجِع إلى جُرجان، فأَرسَل إلى يَزيد مَن يَقبِض ما صالَحَهم عليه حَيَّان.
========ج21.========
ج21. فَتْحُ يَزيد بن المُهَلَّب جُرجان الفَتْح الأوَّل .
العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:
كان سُليمان بن عبدِ الملك كُلَّما فَتَح قُتيبةُ بن مُسلِم فَتْحًا في عَهدِ الوَليد يقول لِيَزيد بن المُهَلَّب: ألا تَرَى إلى ما يَفتَح الله على قُتيبَة؟ فيقول يَزيدُ: ما فَعَلَت جُرجان التي قَطَعَت الطَّريقَ، وأَفْسَدت قُومِس ونَيْسابور. ويقول أَيضًا: هذه الفُتوح لَيسَت بِشَيءٍ، الشَّأنُ هي جُرجان. فلمَّا وَلَّاهُ سُليمانُ خُراسانَ لم يكن لِيَزيد هِمَّة غَير جُرجان، فسار إليها في مائةِ ألف مِن أَهلِ الشَّام والعِراق وخُراسان سِوَى المَوالِي والمُتَطَوِّعَة، ولم تكُن جُرجان يَومئذٍ مَدينَة إنَّما هي جِبالُ ومَخارِم وأَبواب يقوم الرَّجُلُ على بابٍ منها فلا يُقْدِم عليه أَحَدٌ. فابْتَدَأَ بقُهِسْتان فحاصَرَها، وكان ذلك، فإذا هُزِمُوا دَخَلوا الحِصْنَ. فخَرَجوا ذات يَومٍ وخَرَج إليهم النَّاسُ فاقْتَتَلوا قِتالًا شديدًا، فحَمَل محمَّدُ بن سَبْرَة على تُرْكِيٍّ قد صَدَّ النَّاسَ عنه فاخْتَلَفا ضَرْبَتينِ، فثَبُتَ سَيفُ الترُّكي في بَيْضَة ابنِ أبي سَبْرَة، وضَرَبَه ابنُ أبي سَبْرَة فقَتَلَه، ورَجَع وسَيفُه يَقطُر دَمًا وسَيفُ الترُّكي في بَيْضَتِه، فنَظَر النَّاسُ إلى أَحسَن مَنظَرٍ رَأَوْهُ. وخَرَج يَزيدُ بعدَ ذلك يَومًا يَنظُر مَكانًا يَدخُل منه عليهم، وكان في أربعمائة مِن وُجوهِ النَّاسِ وفُرسانِهم، فلم يَشعروا حتَّى هَجَم عليهم التُّركُ في نحو أربعةِ آلاف فقاتَلوهُم ساعَة، وقاتَلَ يَزيدُ قِتالًا شديدًا، فسَلِمُوا وانْصَرَفوا، وكانوا قد عَطِشُوا، فانْتَهوا إلى الماءِ فشَرِبوا، ورَجَع عنهم العَدُوُّ. ثمَّ إنَّ يَزيدَ أَلَحَّ عليهم في القِتال وقَطَع عنهم المَوادَّ حتَّى ضَعُفوا وعَجَزوا. فأَرسَل صُول دِهْقان قُهِسْتان إلى يَزيدَ يَطلُب منه أن يُصالِحَه ويُؤَمِّنَه على نَفسِه وأَهلِه ومالِه لِيَدفَع إليه المَدينَة بما فيها، فصالَحَه ووَفَّى له، ودَخَل المَدينَة فأَخَذ ما كان فيها مِن الأَموالِ والكُنوزِ والسَّبْيِ ما لا يُحصَى، وقَتَل أَربعةَ عَشر ألف تُرْكِي صَبْرًا، وكَتَب إلى سُليمان بن عبدِ الملك بذلك، ثمَّ خَرَج حتَّى أَتَى جُرجان، وكان أَهلُ جُرجان قد صالَحَهم سَعيدُ بن العاص، وكانوا يَجْبُون أَحيانًا مائة ألف، وأَحيانًا مائتي ألف، وأَحيانًا ثلاثمائة ألف، ورُبَّما أَعطوا ذلك ورُبَّما مَنَعوه، ثمَّ امْتَنَعوا وكَفَروا فلم يُعْطوا خَراجًا، ولم يَأْتِ جُرجانَ بعدَ سَعيدٍ أَحَدٌ ومَنَعوا ذلك الطَّريق، فلم يكُن يَسلُك طَريقَ خُراسان أَحَدٌ إلَّا على فارِس وكَرْمان. وبَقِيَ أَمرُ جُرجان كذلك حتَّى وَلِيَ يَزيدُ خُراسان وأَتاهُم فاسْتَقبَلوه بالصُّلْح وزادوه وهابوه، فأَجابَهم إلى ذلك وصالَحَهم. وقد أَصابَ يَزيدُ بجُرجان تاجًا فيه جَوْهَر، فقال: أَتَرَوْنَ أَحدًا يَزهَد في هذا؟ قالوا: لا. فدَعا محمَّد بن واسِع الأزدي فقال: خُذْ هذا التَّاجَ. قال: لا حاجَة لي فيه. قال: عَزَمْتُ عليك. فأَخَذه، فأَمَر يَزيدُ رَجُلًا يَنظُر ما يَصنَع به، فلَقِيَ سائِلًا فدَفَعَه إليه، فأَخَذ الرَّجُلَ السَّائِلَ وأَتَى به يَزيدَ وأَخبَره، فأَخَذ يَزيدُ التَّاجَ وعَوَّضَ السَّائِلَ مالًا كَثيرًا.
فَتْحُ يَزيد بن المُهَلَّب جُرجان الفَتْح الثَّاني .
العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:
كان يَزيدُ فَتَح جُرجان وقُهِسْتان ثمَّ غَدَر أَهلُ جُرجان، فلمَّا صالَح يَزيدُ إصْبَهْبَذ صاحِبَ طَبَرِسْتان سار إلى جُرجان، وعاهَد الله تعالى لَئِن ظَفَر بهم لا يَرفَع السَّيفَ حتَّى يَطحَن بِدِمائِهم، ويَأكُل مِن ذلك الطَّحِين. فأَتاها فحَصَرهم يَزيدُ فيها سَبعةَ أَشهُر، وهُم يَخرُجون إليه في الأيَّام فيُقاتِلونَه ويَرجِعون, فبَيْنَا هُم على ذلك إذ خَرَج رَجَلٌ مِن عَجَم خُراسان يَتَصَيَّد، وقِيلَ: رَجُل مِن طَيِّء، فأَبْصَر وَعْلًا في الجَبلِ، ولم يَشعُر حتَّى هَجَم على عَسكَرِهم، فرَجَع كأنَّه يُريدُ أَصحابَه، وجَعَل يَخْرِق قَباءَه ويَعقِد على الشَّجَرِ عَلامات، فأَتَى يَزيدُ فأَخبرَه، فضَمَنَ له يَزيدُ دِيَةً إن دَلَّهُم على الحِصْن، فانْتَخَب معه ثلاثمائة رَجُل، واسْتَعمَل عليهم ابنَه خالدَ بن يَزيدَ، وقال له: إن غُلِبْتَ على الحَياةِ فلا تُغْلَبَنَّ على المَوتِ، وإيَّاك أن أراك عندي مَهْزومًا. وضَمَّ إليه جَهْمَ بن زَحْر، وقال للرَّجُل: مَتَى تَصِلون؟ قال: غَدًا العَصرَ. قال يَزيدُ: سأَجْهَدُ على مُناهَضَتِهم عند الظُّهْر. فساروا فلمَّا كان الغَدُ وَقْتَ الظُّهْر أَحْرَق يَزيدُ كُلَّ حَطَب كان عندهم، فصار مِثل الجِبال مِن النِّيران، فنَظَر العَدُوُّ إلى النِّيران فهالَهُم ذلك فخَرجوا إليهم، وتَقدَّم يَزيدُ إليهم فاقْتَتلوا، وهَجَم أَصحابُ يَزيدَ الذين ساروا على عَسْكَرِ التُّرك قبلَ العَصرِ وهُم آمِنون مِن ذلك الوَجْهِ، ويَزيدُ يُقاتِلُهم مِن هذا الوَجْهِ، فما شَعَروا إلَّا بالتَّكْبيرِ مِن وَرائِهم، فانْقَطَعوا جَميعًا إلى حِصْنِهم، ورَكِبَهم المسلمون فأَعْطوا بِأَيدِيهم، ونَزَلوا على حُكْم يَزيد، وسَبَى أَهلَها وغَنِمَ ما فيها، وقَتَل مُقاتِلَتَهم، وصَلَبَهم فَرْسَخَيْنِ إلى يَمينِ الطَّريقِ ويَسارِه، وقاد منهم اثني عَشر ألفًا إلى وادي جُرجان وقال: مَن طَلَبَهم بِثَأْرٍ فلْيُقْتَل. فكان الرَّجُل مِن المسلمين يَقتُل الأَربعَة والخَمسَة، وأَجرَى الماءَ على الدَّمِ وعليه أَرْحاء لِيَطْحَنَ بِدِمائِهم لِيُبِرَّ يَمينَه، فطَحَنَ وخَبَزَ وأَكَل، وقِيلَ: قَتَل منهم أَربعينَ ألفًا, وبَنَى مَدينَة جُرجان، ولم تكُن بُنِيت قبلَ ذلك مَدينةً، ورَجَع إلى خُراسان، واسْتَعمَل على جُرجان جَهْم بن زَحْر الجُعفي، وكَتَب إلى سُليمان بالفَتْح يُعَظِّمُه ويُخبِره أنَّه قد حَصَل عنده مِن الخُمُس ستُّمائة ألف ألف، فقال له كاتِبُه المُغيرَة بن أبي قُرَّة مَوْلَى بَنِي سَدوس لا تَكتُب تَسمِيَةَ المالِ، فإنَّك مِن ذلك بين أَمرَيْنِ، إمَّا اسْتَكْثَرَهُ فأَمَرَك بِحَمْلِه، وإمَّا سَمَحَت نَفْسُه لك به فأَعطاكَه، فتَكَلَّف الهَدِيَّة، فلا يَأتِيه مِن قِبَلِك شَيءٌ إلَّا اسْتَقَلَّهُ، فكأَنِّي بك قد اسْتَغْرَقْتَ ما سَمَّيْتَ ولم يَقَع منه مَوْقِعًا، ويَبْقَى المالُ الذي سَمَّيْتَ مُخَلَّدًا في دَواوينِهم، فإن وَلِيَ والٍ بعدَه أَخَذَك به، وإن وَلِيَ مَن يَتَحامَل عليك لم يَرْضَ بأَضعافِه، ولكن اكتُب فَسَلْهُ القُدومَ، وشافِهْهُ بما أَحبَبتَ فهو أَسْلَم. فلم يقبل منه وأَمضَى الكِتابَ، وقِيلَ: كان المَبلَغ أربعة آلاف ألف.
وَفاةُ عُبيدِ الله بن عبدِ الله بن مَسعودٍ أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .
العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:
هو عُبيدُ الله بن عبدِ الله بن عُتْبَة بن مَسعودٍ أَحَدُ الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، مُفْتِي المَدينَة وعالِمُها، حَدَّثَ عن ابنِ عَبَّاس ولازَمَهُ طَويلًا، وعن عائِشَةَ، وأبي هُريرةَ، وغَيرِهم، وهو مُعَلِّم عُمَر بن عبدِ العزيز، كان يُطيلُ الصَّلاةَ ولا يُعَجِّلُها لِأَحَدٍ.
وَفاةُ خارِجَة بن زَيدٍ أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .
العام الهجري : 99 العام الميلادي : 717
تفاصيل الحدث:
هو خارِجَة بن زَيدِ بن ثابِت، أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، رَوَى عن أَبيهِ وعن غيره مِن الصَّحابَة، قال مُصعَبُ بن الزُّبير: كان خارِجَة بن زَيدٍ، وطَلحَة بن عبدِ الله بن عَوْف في زَمانِهِما يُسْتَفْتَيان، ويَنتَهِي النَّاسُ إلى قَولِهِما، ويَقْسِمان المَواريثَ بين أَهلِها مِن الدُّورِ والنَّخيل والأَموال، ويَكْتُبان الوَثائِقَ للنَّاسِ.
وَفاةُ الخَليفَة سُليمان بن عبدِ الملك .
العام الهجري : 99 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 717
تفاصيل الحدث:
هو سُليمان بن عبدِ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أُمَيَّة بن عبدِ شَمس القُرشيُّ الأُمَويُّ، أبو أَيُّوب. كان مَولِده بالمدينة في بني جَذيلَة، وهو الخَليفَة الأُمَوي السَّابِع، ويُعَدُّ مِن خُلفاء بني أُمَيَّة الأقوِياء, وُلِدَ بدِمشق عام 54هـ ووَلِيَ الخِلافَة بعدَ أَخيه الوَليد عام 96هـ. ومُدَّة خِلافَتِه لا تَتَجاوز السَّنَتيْنِ وسَبعَة شُهور. كان النَّاس في دِمشق يُسَمُّونه مُفتاحَ الخَير، ذَهَبَ عنهم الحَجَّاجُ، فوَلِيَ سُليمان، أَحَبَّهُ النَّاسُ وتباركوا به، أَشاعَ العَدلَ، وأَنصفَ كُلَّ مَن وَقَف بِبابِه، كان فَصيحًا, ويَتَّصِفُ بالجَمالِ والوَقارِ، عَظيم الخِلْقَة، طَويل القامَة، أَبيض الوَجْه، مَقْرون الحاجِبَيْنِ، فصيحًا بليغًا، عَمِلَ في فَترةِ تَوْلِيَةِ الخِلافَة كُلَّ ما فيه مَصلحَة النَّاس، وحافَظَ على اتِّساع وقُوَّة الدَّولة الأُمويَّة، واهْتَمَّ بِكُلِّ ما يَعْنِي النَّاس، أَطلَق الأَسْرَى، وأَخلَى السُّجونَ، وأَحسَن مُعاملَة الجَميعَ، فكَسَب مَحَبَّتَهم، وكان مِن أَعدَل خُلفاء بني أُمَيَّة والمسلمين، واسْتَخْلَف عُمَرَ بن عبدِ العزيز مِن بَعدِه. مُحِبًّا للغَزْوِ، فَتَحَ في عَهدِه جُرجان وطَبَرِسْتان، وجَهَّزَ جَيشًا كَبيرًا مِن سَواحِل الشَّامِ بقِيادَة أَخيهِ مَسلمَة ومعه ابنُه داود، وسَيَّرَهُ في السُّفُن لِحِصارِ القُسطنطينيَّة، وسار سُليمان بن عبدِ الملك مع الحَمْلَة حتَّى بَلَغ دابِق، وعَزَم أن لا يَعود منها حتَّى تُفتَح القُسطنطينيَّة أو يموت، فمات مُرابِطًا في دابِق شَمالَ مَدينَة حَلَب.
عُمَر بن عبدِ العزيز يَتَوَلَّى الخِلافَة الأُمَويَّة .
العام الهجري : 99 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 717
تفاصيل الحدث:
لمَّا قَرُبَت وَفاةُ سُليمان كان يُريد أن يَعْهَد لِوَلَدِهِ داود؛ لكنَّ رَجاء بن حَيْوَة صَرَفَهُ عن ذلك، فسَأَلَهُ عن عُمَر بن عبدِ العزيز فأَثْنَى رَجاءُ عليه، فجَعَل سُليمانُ الأَمْرَ لِعُمَر بن عبدِ العزيز، ثمَّ لِيَزيد بن عبدِ الملك بَعدَهُ، فكان لِرَجاء الفَضْل في إحْكام ذلك بعدَ مَوتِ سُليمان، فقرأ عليهم كِتابَ سُليمان بعدَ أن أَخَذَ البَيْعَةَ على الكِتابِ منهم، ثمَّ أَجْلَس عُمَرَ بن عبدِ العزيز على المِنْبَر بعدَ أن صَلَّى عُمَرُ على سُليمان، ثمَّ انْتَقل إلى دارِ الخِلافَة بعدَ أن فَرَغَت مِن أَهلِ سُليمان وبايَعَه كذلك عبدُ العزيز بن الوَليد، وبذلك تَمَّت له الخِلافَةُ.
بداية نشأة الدَّعْوَة العَبَّاسِيَّة .
العام الهجري : 100 العام الميلادي : 718
تفاصيل الحدث:
وَجَّهَ محمَّدُ بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس الدُّعاة في الآفاق، وكان سَبَب ذلك أنَّ أبا هاشِم عبدَ الله بن محمَّد بن الحَنَفِيَّة سار للشَّام إلى سُليمان بن عبدِ الملك، فلمَّا أَكرَمَه وقَضَى حَوائِجَه، ورَأَى مِن عِلْمِه وفَصاحَتِه ما حَسَدهُ عليه وخافه، فلمَّا أَحَسَّ أبو هاشِم بالشَّرِّ قَصَدَ الحُمَيْمَة مِن أَرضِ الشَّراةِ بالأردن، وبها محمَّدُ بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس، فنَزَل عليه وأَعْلَمَه أنَّ هذا الأَمْرَ صائِرٌ إلى وَلَدِه، وعَرَّفَه ما يَعمَل، وكان محمَّدُ بن عَلِيٍّ رَجُلًا طَموحًا، فحَمَل فِكْرَةَ إِزالَة مُلْكِ بني أُمَيَّة، وبَدَأ يَعمَل على تَنفيذِها. كان أبو هاشِم عبدُ الله بن محمَّد بن الحَنَفِيَّة قد أَعلَم شِيعَتَه مِن أَهلِ خُراسان والعِراق عند تَرَدُّدِهِم إليه أنَّ الأمرَ صائِرٌ إلى وَلَدِ محمَّد بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس، وأَمَرَهم بِقَصْدِه بَعدَهُ. فلمَّا مات أبو هاشِم قَصَدوا محمَّدًا وبايَعوهُ، وعادوا فدَعوا النَّاسَ إليه، فأَجابوهُم, وكان الذين سَيَّرَهُم إلى الآفاق جَماعةً، وأَمَرَهُم بالدُّعاء إليه وإلى أَهلِ بَيتِه، فلَقوا مَن لَقوا، ثمَّ انْصَرفوا بكُتُبِ مَن اسْتَجاب لهم إلى محمَّد بن عَلِيٍّ، فدَفَعوها إلى مَيْسَرة، فبَعَثَ بها مَيسَرةُ إلى محمَّدِ بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس، فاخْتار أبو محمَّد الصَّادِق لِمحمَّدِ بن عَلِيٍّ اثْنَي عَشَر رَجُلًا نُقَباء، واخْتَار سَبعين رَجُلًا، وكَتَب إليهم محمَّدُ بن عَلِيٍّ كِتابًا ليكون لهم مِثالًا وسِيرَةً يَسِيرون بها.
خُروجُ بِسْطام اليَشْكُرِيِّ على عُمَر بن عبدِ العزيز .
العام الهجري : 100 العام الميلادي : 718
تفاصيل الحدث:
خَرجَت خارِجَة مِن الحَرورِيَّة بالعِراق، يَتَزَعَّمُهم شَوْذَب واسْمُه بِسْطام مِن بَنِي يَشْكُر في ثمانين فارِسًا أَكثرُهم مِن رَبيعَة، فبَعَث أَميرُ المؤمنين عُمَرُ بن عبدِ العزيز إلى عبدِ الحَميدِ نائِب الكوفَة يَأمُرهُ بأن يَدعوهم إلى الحَقِّ، ويَتَلَطَّف بِهم، ولا يُقاتِلهم حتَّى يُفسِدوا في الأَرضِ، فلمَّا فَعَلوا ذلك بَعَث إليهم جَيْشًا فكَسَرهُم الحَرورِيَّةُ، فبَعَث عُمَرُ إليه يَلومُه على جَيْشِه، وقد أَرسَل عُمَرُ إلى بِسْطام يَقولُ له: ما أَخْرَجَك عَلَيَّ؟ فإن كُنتَ خَرجتَ غَضَبًا لله فأنا أَحَقُّ بذلك مِنك، ولستَ أَوْلى بذلك مِنِّي، وهَلُمَّ أُناظِرُك; فإن رَأيتَ حَقًّا اتَّبَعْتَه، وإن أَبْدَيْتَ حَقًّا نَظَرْنا فيه. فبَعَث طائِفَةً مِن أَصحابِه إليه، فاخْتارَ منهم عُمَرُ رَجُلين فسَأَلهُما: ماذا تَنْقِمون؟ فقالا: جَعْلَكَ يَزيد بن عبدِ الملك مِن بَعدِك. فقال: إنِّي لم أَجْعَله أَبَدًا، وإنَّما جَعلَه غَيْري. قالا: فكيف تَرْضَى به أَمينًا للأُمَّةِ مِن بَعدِك؟ فقال: أَنْظِرْني ثَلاثَة. فيُقال: إنَّ بَنِي أُمَيَّة دَسَّتْ إليه سُمًّا فقَتَلوه; خَشْيَةَ أن يَخرُج الأَمرُ مِن أَيديهِم. فلمَّا مات عُمَرُ أراد عَبدُ الحَميد بن عبدِ الرحمن أن يَحْظَى عند يَزيد بن عبدِ الملك، فكَتَب إلى محمَّدِ بن جَريرٍ يَأمُرُه بمُحارَبَة شَوْذَب وأَصحابِه، فبَرَزَ له شَوْذَب فاقْتَتَلوا، وأُصِيبَ مِن الخَوارِج نَفَرٌ، وأَكثَروا في أَهلِ الكوفَة القَتْل، فوَلُّوا مُنْهَزِمين والخَوارِجُ في أَكتافِهم حتَّى بَلَغوا أَخْصاص الكوفَة، فأَقَرَّ يَزيدُ عبدَ الحَميد على الكوفَة، ووَجَّهَ مِن قِبَلِهِ تَميمَ بن الحُباب في أَلْفَيْنِ فقَتَلوه وهَزَموا أَصحابَه، فوَجَّهَ إليهم نَجْدَةَ بن الحَكَم الأَزْدِي في جَمْعٍ، فقَتَلوه وهَزَموا أَصحابَه، فبَعَث آخَر في أَلْفَيْنِ فقَتَلوه، فأَنْفَذَ يَزيدُ أَخاهُ مَسلمةَ بن عبدِ الملك، فنَزَل الكوفَة، ودَعا سَعيدَ بن عَمرٍو الحَرَشِي، فعَقَدَ له على عَشرَة آلافٍ ووَجَّهَهُ، فقال لأَصحابِه: مَن كان يُريدُ الله عَزَّ وجَلَّ فقد جاءَتْهُ الشَّهادَة، ومَن كان إنَّما خَرَج للدُّنيا فقد ذَهبَت الدُّنيا منه. فكَسَروا أَغْمادَ سُيوفِهِم وحَمَلوا على الخَوارِج حتَّى طَحَنوهُم وقَتَلوا شَوْذَبًا.
تَوَلِّي السَّمْح بن مالِك الخَوْلاني الأَنْدَلُس .
العام الهجري : 100 العام الميلادي : 718
تفاصيل الحدث:
لمَّا وَلِيَ عُمَرُ بن عبدِ العزيز الخِلافَةَ اسْتَعمَل على الأَندَلُس السَّمْحَ بن مالِك الخَوْلاني خَلَفًا للحُرِّ بن عبدِ الرَّحمن الثَّقَفي لِمَا رَأَى مِن أَمانَتِه ودِيانَتِه, وأَمَره أن يُمَيِّز أَرضَها، ويُخرِج منها ما كان عَنْوَةً ويَأخُذ منها الخُمُسَ، ويَكتُب إليه بِصِفَة الأَندَلُس. فقَدِمَها السَّمْحُ، وفَعَل ما أَمَره عُمَرُ، وعَهِدَ إليه بإجْلاءِ المسلمين مِن الأَندَلُس خَشيَةً مِنه على أَرواحِهم، إلَّا أنَّ السَّمْح حين نَزَل الأَندَلُس واطَّلَع على أَحوالِها، طَمْأَنَ الخَليفةَ إلى قُوَّةِ حالِ المسلمين في الأَندَلُس. أَصلَح السَّمْحُ قَنْطَرَةَ قُرْطُبة على نَهرِ الوادي الكَبير, ونَظَّمَ البِلادَ ثمَّ تَوَجَّه لِفَتْحِ ما وَراءَ جِبالِ البرانس، ودَخَل فَرنسا واسْتُشْهِدَ فيها بعدَ مَعركَة تولوز عام 102هـ.
ثَوْرَة يَزيد بن المُهَلَّب في العِراق ومَقْتَلُه .
العام الهجري : 101 العام الميلادي : 719
تفاصيل الحدث:
كان يَزيدُ بن المُهَلَّب قد سُجِنَ أيَّام عُمَر بن عبدِ العزيز لِتَأْدِيَة المَظالِم التي عليه، فلمَّا عَلِمَ بِمَرَضِ عُمَر بن عبدِ العزيز هَرَب مِن السِّجْن خَوفًا مِن يَزيد بن عبدِ الملك، فلمَّا تَوَلَّى يَزيدُ بن عبدِ الملك سَجَنَ آلَ المُهَلَّب؛ لكنَّ يَزيد بن المُهَلَّب اسْتَطاع أن يَفُكَّهم وتَغَلَّبَ على البَصْرَة ثمَّ سَجَنَ أَميرَها وبَعَث عُمَّالَه إلى الأَهوازِ وفارِس، وأَرسَل أخاه إلى خُراسان، ونَزَل هو واسِط، ثمَّ أَرسَل يَزيدُ بن عبدِ الملك أخاه مَسلمَة لِقِتال ابنِ المُهَلَّب، ثمَّ دارت مَعركَة كان مِن نَتائِجِها قَتْلُ يَزيد بن المُهَلَّب وإخْوَتِه: حَبيب ومحمَّد. وكان اجْتِماع يَزيد بن المُهَلَّب ومَسلمَة بن عبدِ الملك بن مَرْوان ثَمانِيَة أيَّام مِن شَهرِ صَفَر سَنَة 102هـ.
وَفاةُ الخَليفَة الصَّالِح عُمَر بن عبدِ العزيز .
العام الهجري : 101 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 720
تفاصيل الحدث:
هو عُمَر بن عبدِ العزيز بن مَرْوان بن الحَكَم بن العاص بن أُمَيَّة بن عبدِ شَمس القُرشِي الأُمَوي، أَميرُ المؤمنين، أُمُّهُ أُمُّ عاصِم لَيْلَى بِنتُ عاصِم بن عُمَر بن الخَطَّاب، ويُقال له: أَشَجُّ بَنِي مَرْوان. وكان يُقال: الأَشَجُّ والنَّاقِصُ أَعْدَلا بَنِي مَرْوان. فهذا هو الأَشَجُّ، بُويِعَ له بالخِلافَة بعدَ ابنِ عَمِّه سُليمان بن عبدِ الملك عن عَهْدٍ منه له بذلك. ويُقال: كان مَولِدُه في سَنَة إحدى وسِتِّين. دَخَل عُمَرُ بن عبدِ العزيز إلى إصْطَبْل أَبيهِ وهو غُلامٌ، فضَرَبَهُ فَرَسٌ فشَجَّهُ، فجَعَل أَبوهُ يَمسَح عنه الدَّمَ، ويقول: إن كُنْتَ أَشَجَّ بَنِي أُمَيَّة إنَّك إذًا لَسَعيد. أوَّل ما اسْتُبِينَ مِن عُمَر بن عبدِ العَزيز حِرْصُه على العِلْمِ ورَغْبَتُه في الأَدَبِ -أنَّ أباه وَلِيَ مِصرَ وهو حَديثُ السِّنِّ، يُشَكُّ في بُلوغِه، فأَرادَ إخْراجَه معه، فقال: يا أَبَه، أَوَ غَيْر ذلك لَعلَّه يكون أَنفَع لي ولك؟ تُرَحِّلُنِي إلى المَدينَة فأَقْعُد إلى فُقَهاء أَهلِها وأَتَأَدَّب بآدابِهم. فوَجَّهَه إلى المَدينَة، فقَعَد مع مَشايِخ قُريش، وتَجَنَّبَ شَبابَهم، وما زال ذلك دَأْبُه حتَّى اشْتَهَر ذِكْرُه، فلمَّا مات أَبوهُ أَخَذه عَمُّهُ أَميرُ المؤمنين عبدُ الملك بن مَرْوان فخَلطَه بِوَلدِه، وقَدَّمَه على كَثيرٍ منهم، وزَوَّجَه بابْنَتِه فاطِمَة. وَلَّاه الوَليدُ وِلايةَ المَدينَة، ثمَّ جَعلَه على الحِجاز مِن 86 – 93هـ، ثمَّ بُويِعَ بالخِلافَة بعدَ سُليمان بِوَصِيَّةٍ منه له, انْتَشَر في عَهدِه العَدلُ والمُساواةُ، ورَدُّ المَظالِم التي كان أَسلافُه مِن بَنِي أُمَيَّة قد ارْتَكَبوها، وعَزْلُ جَميعِ الوُلاة الظَّالِمين ومُعاقَبتُهم، كما أعاد العَمَل بالشُّورَى، كما اهْتَمَّ بالعُلومِ الشَّرعِيَّة، وأَمَر بِتَدوين الحَديثِ النَّبَوِيِّ. اسْتَمَرَّت خِلافَتُه سَنتينِ وخَمسة أَشهُر وأربعة أَيَّام سار فيها بسيرة الخلفاء الراشدين, تُوفِّي عُمَرُ عن تِسعٍ وثَلاثين، وقِيلَ أَربعين سَنَة، وكان سَبَبُ وَفاتِه أنَّه سُقِيَ السُّمَّ، وذلك أنَّ بَنِي أُمَيَّة قد تَبَرَّموا وضاقوا ذَرْعًا مِن سِياسَة عُمَر التي قامَت على العَدْل، وحَرَمَتْهُم مِن مَلَذَّاتِهم وتَمَتُّعِهم بِمِيزات لا يَنالها غَيرُهم، ورَدّ المَظالِم التي كانت في أَيديهِم، وحالَ بينهم وبين ما يَشتَهون، فكاد له بَعضُ بَنِي أُمَيَّة بِوَضْعِ السُّمِّ في شَرابِه، فوَضَع مَوْلًى له سُمًّا في شَرابِه، وأُعْطِيَ على ذلك أَلفَ دِينارٍ، فأُخْبِرَ أنَّه مَسموم، فقال: لقد عَلِمتُ يومَ سُقِيتُ السُّمَّ. ثمَّ اسْتَدعَى مَولاهُ الذي سَقاهُ، فقال له وَيْحَك، ما حَمَلَك على ما صَنعتَ؟ فقال: ألفُ دِينارٍ أُعْطِيتُها. فقال: هاتِها. فأَحْضَرها فوَضَعها في بَيتِ المالِ، ثمَّ قال له: اذْهَب حيث لا يَراك أَحَدٌ فَتَهْلَك.
يَزيدُ بن عبدِ الملك يَتَوَلَّى الخِلافَة بعدَ وَفاةِ عُمَر بن عبدِ العزيز .
العام الهجري : 101 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 720
تفاصيل الحدث:
دامَت خِلافَةُ عُمَر بن عبدِ العزيز سَنَتينِ وخَمسة أَشهُر، فلمَّا تُوفِّي صارت الخِلافَةُ إلى يَزيد بن عبدِ الملك بِناءً على الكِتاب الذي كَتبَه سُليمانُ أن يَلِيَ الأمْرَ بعدَ عُمَر يَزيدُ فصار بذلك الخَليفَة.
غَزْوُ السَّمْح بن مالِك الخَوْلاني فَرنسا واسْتِشهادُه في مَعركَة طولوز .
العام الهجري : 102 العام الميلادي : 720
تفاصيل الحدث:
غَزا السَّمْحُ بن مالِك الخَوْلاني فَرنسا فاخْتَرق جِبالَ البرانس وزَحَف على مُقاطَعَتي سبتمانيا وبروفانس، ثمَّ أَغارَ على اكيتانيا، وحاصَر طلوشة (طولوز) فخَرَج له دُوق اكيتانيا بجَيشٍ كَبيرٍ ونَشبَت مَعركَة عَظيمَة بين الطَّرَفين، اسْتُشْهِدَ فيها السَّمْح، وتَوَلَّى إمْرَةَ الجُنْدِ عبدُ الرَّحمن الغافِقي فانْسَحَب بِفُلول الجَيْشِ إلى أربونه.
غَزْوُ بِلادِ الصُّغْدِ .
العام الهجري : 104 العام الميلادي : 722
تفاصيل الحدث:
عَبَر سَعيدُ خُذَيْنَة والي خُراسان النَّهْرَ وغَزا الصُّغْدَ، وكانوا قد نَقَضوا العَهْدَ وأعانوا التُّرْكَ على المسلمين، فقال النَّاسُ لسَعيدٍ: إنَّك قد ترَكتَ الغَزْوَ، وقد أغار التُّرْكُ، وكَفَرَ أَهلُ الصُّغْد. فقَطَع النَّهْرَ وقَصَد الصُّغْدَ، فلَقِيَه التُّرْكُ وطائِفَة مِن الصُّغْدِ فهَزَمهم المسلمون، فقال سَعيدٌ: لا تَتَّبِعوهم فإنَّ الصُّغْدَ بُستان أَميرِ المؤمنين وقد هَزَمتُموهم، أَفَتُريدون بَوارَهُم؟ وقد قاتَلْتُم يا أَهلَ العِراق الخُلَفاء غَيرَ مَرَّةٍ، فهل أَبادوكُم؟ وسار المسلمون فانْتَهوا إلى وادٍ بينهم وبين المَرَج، فقَطَعَه بَعضُهم وقد أَكْمَن لهم التُّرْكُ، فلمَّا جاءَهم المسلمون خَرجوا عليهم، فانْهزَم المسلمون حتَّى انْتَهوا إلى الوادي، فصَبَروا حتَّى انْكَشفوا لهم. وقيل: بل كان المُنْهَزِمون مَسْلَحَة المسلمين، فما شَعَروا إلَّا والتُّرْك قد خَرَجوا عليهم مِن غَيْضَةٍ وعلى الخَيْلِ شُعْبَة بن ظَهير، فأَعجَلَهم التُّرْك عن الرُّكوبِ، فقاتَلَهم شُعبةُ فقُتِلَ وقُتِلَ نَحو مِن خمسين رَجُلًا وانْهَزَم أَهلُ المَسْلَحَة، وأَتى المسلمين الخَبَرُ، فَرَكِبَ الخَليلُ بن أَوْس العَبْشَمِي -أَحَدُ بَنِي ظالِم- ونادَى: يا بَنِي تَميمٍ إِلَيَّ أنا الخَليلُ! فاجْتَمَع معه جَماعَةٌ، فحَمَل بهم على العَدُوِّ فكَفُّوهم حتَّى جاء الأَميرُ والنَّاسُ فانْهَزَم العَدُوُّ، فصار الخَليلُ على خَيْلِ بَنِي تَميمٍ حتَّى وَلِيَ نَصْرُ بن سِيار، ثمَّ صارت رِياسَتُهم لأَخيهِ الحَكَم بن أَوْسٍ، فلمَّا كان العام المُقبِل بَعَث رِجالًا مِن تَميمٍ إلى وَرَغْسَر فقالوا: لَيْتَنا نَلقَى العَدُوَّ فنُطارِدُهم. وكان سَعيد إذا بَعَث سَرِيَّةً فأصابوا أو غَنِموا وسَبَوْا رَدَّ السَّبْيَ وعاقَبَ السَّرِيَّة.
عَزْلُ عبدِ الرَّحمن بن الضَّحَّاك عن المَدينَة ومَكَّة .
العام الهجري : 104 العام الميلادي : 722
تفاصيل الحدث:
عَزَل يَزيدُ بن عبدِ الملك عبدَ الرَّحمن بن الضَّحَّاك عن المَدينَة ومَكَّة، وكان عامِلَهُ عليهما ثلاثَ سِنين، ووَلَّى عبدَ الواحِد النَّضْري، وكان السَّبَب في عَزْلِه أنَّه خَطَب فاطِمَة بِنتَ الحُسين بن عَلِيٍّ فقالت: ما أُريدُ النِّكاحَ، ولقد قَعَدتُ على بَنِيِّ هؤلاء. فأَلَحَّ عليها وقال: لئن لم تَفعَلي لأَجْلِدَنَّ أَكبرَ بَنِيك في الخَمْرِ. فبَعَثَتْ كِتابًا إلى الخَليفَة تُخبِرُه بِخَبرِه. فأَخَذ الكِتابَ فَقَرأهُ وجَعَل يَضرِب بِخَيْزران في يَدهِ ويَقولُ: لقد اجْتَرأ ابنُ الضَّحَّاك، هل مِن رَجُلٍ يُسْمعني صَوتَه في العَذابِ؟ قِيلَ له: عبدُ الواحِد بن عبدِ الله النَّضْرِي. فكَتَب بِيَدِه إلى عبدِ الواحد: قد وَلَّيْتُكَ المَدينَة فاهْبِط إليها واعْزِل عنها ابنَ الضَّحَّاك، وأَغْرِمْهُ أَربعين ألفَ دِينارٍ، وعَذِّبْهُ حتَّى أَسمعَ صَوتَه وأنا على فِراشي. وكان ابنُ الضَّحَّاك قد آذَى الأَنْصارَ طُرًّا، فهَجاهُ الشُّعَراءُ وذَمَّهُ الصَّالِحون، ولمَّا وَلِيَهم النَّضْرِيُّ أَحسَن السِّيرةَ فأَحَبُّوه، وكان خَيِّرًا يَسْتَشيرُ فيما يُريدُ فِعلَه القاسِمَ بن محمَّد وسالِمَ بن عبدِ الله بن عُمَر.
غَزْوُ مُسلِم بن سَعيد بِلادَ التُّرْك .
العام الهجري : 105 العام الميلادي : 723
تفاصيل الحدث:
غَزَا مُسلِمُ بن سَعيد التُّرْكَ فعَبَر النَّهرَ وعاثَ في بِلادِهم ولم يَفتَح شَيئًا وقَفَلَ، فأَتْبَعَه التُّرْكُ ولَحِقُوهُ على النَّهرِ فعَبَر بالنَّاسِ ولم يَنالوا منه، ثمَّ غَزا بَقِيَّةَ السَّنَة وحاصَر افشين حتَّى صالَحُوه على سِتَّة آلافِ رَأسٍ، ثمَّ دَفَعوا إليه القَلعَة، ثمَّ غَزَا سَنَة سِتٍّ ومائة وتَباطَأ عنه النَّاسُ, ولمَّا قَطَع مُسلمٌ النَّهرَ وصار ببُخارَى أَتاهُ كِتابٌ مِن خالدِ بن عبدِ الله القَسْرِي بِوِلايَتِه على العِراق، ويَأمُره بإتمام غَزاتِه, فسارَ إلى فَرْغانَة، فلمَّا وَصلَها بَلغَه أن خاقان قد أَقبَل إليه وأنَّه في مَوضِعٍ ذَكَروه، فارْتَحَل، فسار ثلاث مَراحِل في يَومٍ، وأَقبَل إليهم خاقان فلَقِيَ طائِفَة مِن المسلمين وأَصابَ دَوابَّ لِمُسلمِ بن سَعيد، وقُتِلَ أخو غَوْزَك وثار النَّاسُ في وُجوهِهِم فأخرجوهم مِن العَسْكَر، ورَحَل مُسلمٌ بالنَّاس فسار ثمانِيةَ أيَّام وَهُم مُطيفون بهم، فلمَّا كانت التَّاسِعَة أَرادوا النُّزولَ فشاوَرَ النَّاسَ، فأَشاروا عليه بالنُّزولِ وقالوا: إذا أَصبَحنا وَرَدْنا الماءَ، والماءُ مِنَّا غَيرَ بَعيدٍ. فنَزلوا ولم يَرفَعوا بِناء في العَسكَر، وأَحرقَ النَّاسُ ما ثَقُلَ مِن الآنِيَة والأَمْتِعَة، فحَرَقوا ما قِيمتُه ألف ألف، وأَصبَح النَّاسُ فساروا فوَرَدُوا النَّهْرَ وأَهلُ فَرْغانَة والشَّاش دُونَه، فقال مُسلِم بن سَعيد: أَعْزِمُ على كُلِّ رَجُلٍ إلَّا اخْتَرَطَ سَيفَه، ففَعَلوا وصارت الدُّنيا كُلُّها سُيوفًا، فتَرَكوا الماءَ وعَبَروا. فأَقام يَومًا ثمَّ قَطَع مِن غَدٍ واتَّبَعَهم ابنٌ لِخَاقان، فأَرسَل إليه حميد بن عبدِ الله، وهو على السَّاقَة: فقال له: قِفْ لي فإنَّ خَلفِي مائتي رَجُل مِن التُّرْك حتَّى أُقاتِلَهم. وهو مُثْقَلٌ جِراحَةً، فوَقَف النَّاسُ وعَطَف على التُّرْكِ فقاتَلَهم، وأَسَر أَهلَ الصُّغْدِ وقائِدَهم وقائِدَ التُّرْك في سَبعَة ومَضَى البَقِيَّةُ، ورَجَع حُميد فرُمِيَ بنُشَّابَة في رُكْبَتِه فمات. وعَطِشَ النَّاسُ، وكان عبدُ الرَّحمن العامِري حَمَل عشرين قِرْبَة على إبِلِه فسَقاها النَّاسَ جُرَعًا جُرَعًا، اسْتَسْقَى مُسلمُ بن سَعيدٍ، فأَتوه بإناءٍ، فأَخَذه جابِرٌ أو حارِثَة بن كَثير أخو سُليمان بن كَثير مِن فِيهِ، فقال مُسلمٌ: دَعوه فما نازَعَنِي شَرْبَتِي إلَّا مِن حَرٍّ دَخَلَهُ. وأتوا خُجَنْدَة، وقد أَصابَهم مَجاعةٌ وجَهْدٌ، فانْتَشَر النَّاسُ.
غَزْوُ عَنْبَسَة بن سُحَيْم الكَلْبِي فَرنسا (بِلادَ غالَة) .
العام الهجري : 105 العام الميلادي : 723
تفاصيل الحدث:
غَزَا عَنْبَسَةُ بن سُحَيْمٍ الكَلْبِي أَميرُ الأَندَلُس بَلدَ الفِرِنْج في جَمعٍ كَثيرٍ، ونازَل مَدينَة قَرْقَسُونة وحَصَر أَهلَها، فصالَحوه على نِصْف أَعمالِها، وعلى جَميعِ ما في المَدينَة من أَسرَى المسلمين وأَسلابِهم، وأن يُعطوا الجِزْيَة، ويَلتَزِموا بأَحكام الذِّمَّة مِن مُحارَبة مَن حارَبَه المسلمون، ومَسالَمة مَن سالَموه، فعاد عنهم عَنْبَسَة، ثمَّ تَوَغَّلَ داخِلَ فَرنسا وغَزَا إقليمَ الرون وبرفانس وليون وبورغونيا حتَّى وَصَل أَعالِي الرون. وتُوفِّي في شَعبان سَنة سَبعٍ ومائة عندَ انْصِرافه مِن غَزوِ الإفْرِنْج.
وَفاةُ يَزيدَ بن عبدِ الملك .
العام الهجري : 105 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 723
تفاصيل الحدث:
هو يَزيدُ بن عبدِ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أُمَيَّة بن عبدِ شَمسِ بن عبدِ مَناف أبو خالدٍ القُرَشِي الأُمَوي، أَميرُ المؤمنين، وأُمُّهُ عاتِكَة بِنتُ يَزيدَ بن مُعاوِيَة. بُويِعَ له بالخِلافَة بعدَ عُمَر بن عبدِ العزيز في رَجب مِن سَنة إحدى ومائة، بِعَهْدٍ مِن أَخيهِ سُليمان أن يكون الخَليفَة بعدَ عُمَر بن عبدِ العَزيز رَحِمَه الله، تُوفِّي يومَ الجُمُعَة لِخَمسٍ بَقِينِ من رَجب.
تَوَلِّي هِشامِ بن عبدِ الملك الخِلافَة .
العام الهجري : 105 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 723
تفاصيل الحدث:
تَوَلَّى هِشامٌ الخِلافَةَ بعدَ وَفاةِ أَخيهِ يَزيد بن عبدِ الملك وبِعَهْدٍ منه إليه بذلك.
ظُهورُ فِئَةٍ مِن الخَوارِج باليَمَن .
العام الهجري : 107 العام الميلادي : 725
تفاصيل الحدث:
خَرَج باليَمَنِ رَجُلٌ يُقالُ له: عَبَّاد الرُّعَيْنِي، فدَعا إلى مَذهَب الخَوارِج، واتَّبَعَه فِرْقَةٌ مِن النَّاس وحَكَموا، فقاتَلَهم يُوسُف بن عُمَر الثَّقَفِي فقَتَلَه وقَتَل أَصحابَه، وكانوا ثلاثمائة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...