حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

السبت، 5 نوفمبر 2022

من مصرع ملك إمارة أنطاكيا الصليبي في معركة عين زربة . العام الهجري : 524 العام الميلادي : 1129..{ج96و97و98و99و100.}

الاجزاء {ج96و97و98و99و100.} من  مصرع ملك إمارة أنطاكيا الصليبي في معركة عين زربة . العام الهجري : 524 العام الميلادي : 1129..

 اولا:

96. مصرع ملك إمارة أنطاكيا الصليبي في معركة عين زربة .
العام الهجري : 524 العام الميلادي : 1129

تفاصيل الحدث:
طمع كل من بوهمند الثاني أمير أنطاكية وإيلغازي بن دانشمند في الاستيلاء على الإمارة الأرمنية في كليكيا بعد وفاة الأمير الأرمني طوروس الأول، ثم وفاة ابنه قسطنطين مسمومًا بعده، فنشب القتال بينهما في سهل عين زربة، وقُتِل فيه بوهمند الثاني، فورثت ابنته كونستانس وكانت قاصرة، فقام جدُّها بودوان الثاني بالوصاية عليها حتى تكبر، ولم يكن له هو ولد، فبعث إلى لويس السادس ملك فرنسا وطلب منه اختيار أمير معروف بالشجاعة يكون خلَفًا له، فرشَّح له الأمير فولك الخامس أمير أنجو الذي تزوج ابنة بودوان الثاني، فأصبح بذلك الوريث الشرعي لمملكة بيت المقدس، وتملك كذلك مدينتي صور وعكا.
حدوث زلزلة عظيمة بالعراق والجزيرة .
العام الهجري : 524 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1130
تفاصيل الحدث:
وقعت زلزلة عظيمة في ربيع الأول بالعراق، وبلد الجبل، والموصل، والجزيرة؛ فخرَّبت كثيرًا.
انتصار المرابطين على الموحدين أتباع ابن تومرت في موقعة البحيرة .
العام الهجري : 524 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1130
تفاصيل الحدث:
في هذه السنة جهَّز ابن تومرت جيشًا عليهم الونشريسي وعبد المؤمن إلى مراكش، فحصروا أمير المسلمين بمراكش عشرين يومًا، ثم سار متولي سجلماسة بالعساكر للكشف عن مراكش، وطلع أهل مراكش وأمير المسلمين واقتتلوا، فقُتِل الونشريبسي، وصار عبد المؤمن مقدَّم العسكر، واشتدَّ بينهم القتال إلى الليل، واستحَرَّ القتل بالموحِّدين, فانهزم عبد المؤمن بالعسكر إلى الجبل، ولما بلغ المهدي بن تومرت خبر هزيمة عسكره، وكان مريضًا، فاشتدَّ مرضه، وسأل عن عبد المؤمن فقالوا: سالم، فقال المهدي: لم يمت أحد، وأوصى أصحابَه باتباع عبد المؤمن وقال: هو الذي يفتح البلاد، فاعضُدوه بأنفسكم وأموالكم، وسمَّاه أمير المؤمنين، ثم مات المهدي في مرضه هذا، وعاد عبد المؤمن إلى تينمليل وأقام بها يؤلِّف قلوب الناس.
اغتيال الحاكم العبيدي الفاطمي الآمر بأحكام الله .
العام الهجري : 524 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1130
تفاصيل الحدث:
هو حاكم مصر الفاطمي: أبو علي منصور بن المستعلي أحمد بن المستنصر معد بن الظاهر بن الحاكم، العُبيدي المصري الرافضي الظلوم. كان متظاهرًا بالمكر واللهو والجبروت. وَلِيَ وهو صغير له خمسة أعوام, فلما كبر قتَلَ الأفضل أمير الجيوش، واصطفى أموالَه وكانت تفوت الإحصاءَ، ويُضرَب بها المثل، فاستوزر بعده المأمون محمد بن مختار البطائحي، فعسف الرعية وتمرد، فاستأصله الآمر بعد أربع سنين، ثم صلبه، وقتل معه خمسة من إخوته. وفي دولة الآمر أخذت الفرنج طرابلس الشام، وصيدا، والقدس، وعكا، والحصون. ثم قصد الملك بردويل الفرنجي ديار مصر، وأخذ الفرما وهي قريبة من العريش، فأحرق جامِعَها ومساجِدَها. وفي أيامه ظهر ابن تومرت بالمغرب، خرج الآمر إلى متنزَّه له، فلما عاد وثب عليه الباطنية -النزارية وهم من الإسماعيلية الذين يعتقدون أن الإمامة كانت يجب أن تكون لنزار بن الحاكم الفاطمي- فقتلوه؛ لأنه كان سيئ السيرة في رعيته، وكانت ولايته تسعًا وعشرين سنة وخمسة أشهر. عاش خمسًا وثلاثين سنة, وكان العاشر من الحكام الفاطميين العبيديين الباطنية، هلك من غير عقب، فبايعوا ابن عم له، وهو الحافظ لدين الله.
تنصيب الحافظ لدين الله حاكمًا للعبيديين الفاطميين بمصر .
العام الهجري : 524 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1130
تفاصيل الحدث:
لَمَّا قُتِل الآمر بحكم الله الفاطمي ولم يكن له ولد ذكَرٌ بعده، وقد كان عَهِد بالولاية لحملٍ كان ما يزال في بطنِ أمِّه منه، فوَلِيَ بعده ابن عمه الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم بن المستنصر بالله، ولم يبايَع بالحكم، وإنما بُويعَ له لينظُرَ في أمر الحمل أيكون ذكرًا أم أنثى، ويكون هو نائبًا عنه، ولما وليَ استوزر أبا علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي، واستبدَّ الوزير بالأمر، وتغلَّب على الحافظ وحجر عليه، وأودعه في خزانة، ولا يدخل إليه إلا من يريده أبو علي، وبقي الحافِظُ له اسم لا معنى تحته، ونقل أبو علي كلَّ ما في القصر إلى داره من الأموال وغيرها، ولم يزَل الأمر كذلك إلى أن قُتِل أبو علي سنة ست وعشرين وخمسمائة، فاستقامت أمور الحافظ، وحكم في دولته، وتمكَّن من ولايته وبلاده.
محاولة الباطنية لاغتيال أمير تاج الملوك بوري بن طغتكين .
العام الهجري : 525 العام الميلادي : 1130
تفاصيل الحدث:
لما علم ابن صباح صاحب قلعة ألموت بما جرى على أشياعه الإسماعيلية بدمشق، تنمَّر وندب طائفة لقتل تاج الملوك بوري بن طغتكين، صاحب دمشق، فعيَّن اثنين في زي الجند، ثم قدما فاجتمعا بناس منهم أجناد، وتحيلا على أن صارا من السلحدانة وضمنوهما، ثم وثبا عليه في خامس جمادى الآخرة، فضربه أحدهما بالسيف قَصَد رأسه، فجرحه في رقبته جرحًا سليمًا، وضربه الآخر بسكين في خاصرته، فمرت بين الجلد واللحم, فتعلَّل من ذلك بجرحين، برأ من أحدهما، ولم يبرأ من الآخر، وبقي فيه ألمه، إلا أنه يجلس للناس، ويركب معهم على ضعف فيه، ثم اشتد عليه جرحه وأضعفه، وأسقط قوته إلى أن توفي في رجب سنة 526.
تولية القضاة من عدة مذاهب في مصر .
العام الهجري : 525 العام الميلادي : 1130
تفاصيل الحدث:
رتَّب الوزير أبو علي بن الأفضل وزير الحاكم الفاطمي الحافظ لدين الله، في الحُكم أربعة قضاة، فصار كل قاض يحكم بمذهبِه ويُوَرِّث بمذهبه، "فكان قاضي الشافعية سلطان بن إبراهيم بن المسلم بن رشا، وقاضي المالكية أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد المولى بن أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللبني المغربي، وقاضي الإسماعيلية أبو الفضائل هبة الله بن عبد الله بن حسن بن محمد القاضي فخر الأمناء الأنصاري المعروف بابن الأزرق، وقاضي الإمامية القاضي المفضل أبو القاسم ابن هبة الله بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن أبي كامل. ولم يُسمَع بمثل هذا في الملة الإسلامية قبل ذلك"، ولم يكن بمصر منتشرًا مذهب أبي حنيفة ولا مذهب أحمد بن حنبل؛ لذا لم يكن لهما قضاة.
أسر دبيس بن صدقة وتسليمه إلى عماد الدين زنكي .
العام الهجري : 525 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1131
تفاصيل الحدث:
أَسَر تاج الملوك بوري بن طغتكين، صاحب دمشق، الأميرَ دبيس بن صدقة، صاحب الحلة، وسلَّمه إلى أتابك زنكي بن آقسنقر، وسببُ ذلك أن دبيس لما فارق البصرة جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها؛ لأن صاحبها كان خصيًّا، فتوفي هذه السنة، وخَلَّف جارية سُرِّية له، فاستولت على القلعة وما فيها، وعَلِمَت أنَّها لا يتم لها ذلك إلا بأن تتصل برجل له قوة ونجدة، فوُصِف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته، وذُكِرَ لها حاله، وما هو عليه بالعراق، فأرسلت تدعوه إلى صرخد لتتزوج به، وتُسلِّمَ القلعة وما فيها من مال وغيره إليه. فأخذ الأدلَّاءَ معه، وسار من أرض العراق إلى الشام، فضَلَّ به الأدلاء بنواحي دمشق، فنزل بناسٍ من كلب كانوا شرقي الغوطة، فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك، صاحب دمشق، فحبسه عنده، وسمع أتابك عماد الدين زنكي الخبر، وكان دبيس يقع فيه وينال منه، فأرسل إلى تاج الملوك يطلب منه دبيسًا ليسلِّمَه إليه، ويُطلِقَ وَلَده، ومن معه من الأمراء المأسورين، وإن امتنع من تسليمه سار إلى دمشق وحصرها وخرَّبها ونهب بلدها، فأجاب تاج الملوك إلى ذلك، وأرسل عماد الدين زنكي سونجَ بن تاج الملوك، والأمراء الذين معه، وأرسل تاج الملوك دبيسًا، فأيقن دبيس بالهلاك، ففعل زنكي معه خلافَ ما ظن، وأحسن إليه، وحمل له الأقواتَ والسلاح والدواب وسائر أمتعة الخزائن، وقدَّمه حتى على نفسه، وفعل معه ما يفعل أكابر الملوك، ولما سمع المسترشد بالله بقبضه بدمشق أرسل سديد الدولة بن الأنباري، وأبا بكر بن بشر الجزري، من جزيرة ابن عمر، إلى تاج الملوك يطلب منه أن يسلم دبيسًا إليه؛ لِما كان متحققًا به من عداوة الخليفة، فسمع سديد الدولة ابن الأنباري بتسليمه إلى عماد الدين، وهو في الطريق، فسار إلى دمشق ولم يرجِع، وذم أتابك زنكي بدمشق، واستخَفَّ به، وبلغ الخبر عماد الدين، فأرسل إلى طريقه من يأخذه إذا عاد، فلما رجع من دمشق قبضوا عليه، وعلى ابن بشر، وحملوهما إليه، فأما ابن بشر فأهانه وجرى في حقه مكروه، وأما ابن الأنباري فسجنه، ثم إن المسترشد بالله شفع فيه فأُطلق، ولم يزل دبيس مع زنكي حتى انحدر معه إلى العراق.
وفاة السلطان محمود السلجوقي وملك ابنه داود .
العام الهجري : 525 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1131
تفاصيل الحدث:
هو صاحب العراق، مغيث الدين أبو القاسم السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي. تملَّك بعد أبيه وهو حَدَثٌ أمردُ، في أول سنة 512، وخُطِب له على منابر بغداد، وكان ذكيًّا فَطِنًا له معرفة بالنحو، ومَيلٌ إلى العلم، ونظرٌ في التاريخ، وضَعُفَت دولة بني سلجوق في أواخر أيامه، وكان عمه السلطان سنجر أعلى رتبة منه. توفي السلطان محمود بهمذان، وكان قبل مرضه قد خاف وزيره أبو القاسم الأنساباذي من جماعة من الأمراء وأعيان الدولة، منهم: عزيز الدين أبو نصر أحمد بن حامد المستوفي، والأمير أنوشتكين المعروف بشيركير، وولده عمر، وهو أمير حاجب السلطان، وغيرهم؛ فأما عزيز الدين فأرسله مقبوضًا عليه إلى مجاهد الدين بهروز بتكريت، ثم قُتِل بها، وأما شيركير وولده فقُتلا في جمادى الآخرة، ثم إن السلطان مرض وتوفي، وأُقعِد ولده الملك داود في السلطنة باتفاق من الوزير أبي القاسم وأتابكه آقسنقر الأحمديلي، وخُطب له في جميع بلاد الجبل وأذربيجان، ووقعت الفتنة بهمذان وسائر بلاد الجبل، ثم سكنت، فلما اطمأن الناس وسكنوا سار الوزير بأمواله إلى الري، فأمن فيها حيث هي للسلطان سنجر، وكان عمر السلطان محمود لما توفي نحو سبع وعشرين سنة، وكانت ولايته للسلطنة اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرين يومًا، وكان حليمًا كريمًا عاقلًا، يسمع ما يكره ولا يعاقِب عليه مع القدرة، قليل الطمع في أموال الرعايا، عفيفًا عنها، كافًّا لأصحابه عن التطرق إلى شيء منها. تولى بعده أخوه طغرل، فمات بعد عامين، ثم تولى أخوهما مسعود.
مقتل أبي علي بن الأفضل وزير الحافظ لدين الله الفاطمي .
العام الهجري : 526 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1131
تفاصيل الحدث:
هو الأفضل أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي، صاحب مصر. ولد بعسقلان. كان داهيةً، تغلَّب على المُلك وحَجَر على الحافظ وردَّ على المصادِرين أموالهم، فحَمِد له المصريون ذلك. وكتَبَ اسمه على السكة، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان، واستمر إلى أن قتله أحد مماليك الحافظ، بظاهر القاهرة. وسبب قتله: أنه كان قد حجر على الحافظ، ومنعه أن يحكُمَ في شيء من الأمور؛ قليل أو جليل، وأخذ ما في قصر الحافظ إلى داره، وأسقط من الدعاء ذكر إسماعيل الذي هو جدهم، وإليه تُنسَب الإسماعيلية، وأسقط من الأذان حي على خير العمل، ولم يخطب للحافظ، وأمر الخطباء أن يخطبوا له بألقاب كتبها لهم، وهي: "السيد الأفضل الأجَلُّ، سيد مماليك أرباب الدول، والمُحامي عن حوزة الدين، وناشر جناح العدل على المسلمين الأقربين والأبعدين، ناصر إمام الحق في حالتي غيبته وحضوره، والقائم بنصرته بماضي سيفه وصائب رأيه وتدبيره، أمين الله على عباده، وهادي القضاة إلى اتباع شرع الحق واعتماده، ومرشد دعاة المؤمنين بواضح بيانه وإرشاده، مولي النعم، ورافع الجور عن الأمم، ومالك فضيلتي السيف والقلم، أبو علي أحمد بن السيد الأجل الأفضل، شاهنشاه أمير الجيوش"، وكان إماميَّ المذهب، يُكثِرُ ذم الآمر والتناقص به، فنفرت منه شيعة العلويين ومماليكهم، وكرهوه، وعزموا على قتله، فخرج في العشرين من المحرم إلى الميدان يلعب بالكرة مع أصحابه، فكمن له جماعة منهم مملوك فرنجي كان للحافظ، فخرجوا عليه، فحمل الفرنجي عليه فطعنه فقتله، وحزُّوا رأسه، وخرج الحافظ من الخزانة التي كان فيها، ونهب الناس دارَ أبي علي، وأخذوا منها ما لا يُحصى، وركب الناس والحافظ إلى داره، فأخذ ما بقي فيها وحمله إلى القصر وجُدِّدت يومئذ البيعة للحافظ بالحكم، فلما بويع استوزر أبا الفتح يانس الحافظي في ذلك اليوم بعينه، ولقب أمير الجيوش، وكانت مدة حكم أبي علي بن الأفضل سنة وشهرًا وعشرة أيام؛ ثم حُمِل بعد قتله ودُفن بتربة أمير الجيوش، ظاهر باب النصر.
وفاة تاج الملوك صاحب دمشق بوري بن طغتكين .
العام الهجري : 526 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1132
تفاصيل الحدث:
هو صاحب دمشق، تاج الملوك، بوري بن صاحب دمشق الأتابك طغتكين، مولى السلطان تتش السلجوقي. وُلِد سنة 478, ثم تملَّك بعد أبيه في صفر سنة 522. كان ذا حلم وكرم، وكثير الجهاد، شجاعًا، مِقدامًا، سدَّ مسد أبيه، وفاق عليه، وكان ممدَّحًا، أكثر الشعراء من مدحه، لا سيما ابن الخياط. قال الذهبي: "قيل: كان عجبًا في الجهاد، لا يفتُرُ من غزو الفرنج، ولو كان له عسكر كثير لاستأصل الفرنج" له أثر كبير في قتل وزيره المزدقاني والإسماعيلية. سبب موته أنه كان قد أصيب بجرح في محاولة اغتيال الباطنية له السنة الماضية، فاشتد عليه، وأضعفه، وأسقَطَ قوته، فتوفِّيَ في الحادي والعشرين من رجب، ووصى بالملك بعده لولده شمس الملوك إسماعيل، ووصى بمدينة بعلبك وأعمالها لولده شمس الدولة محمد, فملك بعده شمس الملوك, وقام بتدبير الأمر بين يديه الحاجب يوسف بن فيروز، شحنة دمشق، وهو حاجب أبيه، واعتمد عليه، وابتدأ أمره بالرفق بالرعية، والإحسان إليهم، فكثر الدعاء له.
الحرب بين السلطان مسعود وعمه السلطان سنجر .
العام الهجري : 526 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1132
تفاصيل الحدث:
لما توفي السلطان محمود سار السلطان سنجر إلى بلاد الجبال، ومعه الملك طغرل بن السلطان محمد، وكان عنده قد لازمه، فوصل إلى الريِّ، ثم سار منها إلى همذان، فوصل الخبر إلى الخليفة المسترشد بالله والسلطان مسعود بوصوله إلى همذان، فاستقرَّت القاعدة بينهما على قتال سنجر، وأن يكون الخليفةُ معهم، وتجهَّز الخليفة، وقُطِعت خطبة سنجر من العراق جميعِه، ووصلت الأخبار بوصول عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة إلى قريب بغداد، فأما دبيس فإنه ذكر أن السلطان سنجر أقطعه الحلة، وأرسل إلى المسترشد بالله يضرع ويسأل الرضا عنه، فامتنع من إجابته إلى ذلك، وأما عماد الدين زنكي فإنه ذكر أن السلطان سنجر قد أعطاه شحنكية بغداد، فعاد المسترشد بالله إلى بغداد، وأمر أهلها بالاستعداد للمدافعة عنها، وجنَّد أجنادًا جعلهم معهم، ثم إنَّ السلطان مسعودًا وصل إلى دادمرج، فلَقِيهم طلائع السلطان سنجر في خلق كثير، وأما سنجر ومسعود فالتقى عسكراهما بعولان، عند الدينور، وكان مسعود يدافع الحرب انتظارًا لقدوم المسترشد، ووقعت الحرب، وقامت على ساق، وكان يومًا مشهودًا؛ فانهزم السلطان مسعود وسَلِمَ من المعركة، وكانت الوقعة ثامن رجب.
محاولة عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة الاستيلاء على بغداد .
العام الهجري : 526 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1132
تفاصيل الحدث:
كان المسترشد بالله خرج من بغداد لنصرة السلطان مسعود في قتاله مع عمه سنجر, فلما بلغه أن عماد الدين ودبيس بن صدقة يسيران إلى بغداد، وبلغه انهزام السلطان مسعود، عزم على العود إلى بغداد، فأتاه الخبر بوصول عماد الدين زنكي إلى بغداد، ومعه دبيس بن صدقة، وكان السلطان سنجر قد كاتبهما وأمرهما بقصد العراق، والاستيلاء عليه، فلما علم الخليفة بذلك أسرع العود إليها، وعبر إلى الجانب الغربي، وسار فنزل بالعباسية، ونزل عماد الدين بالمنارية من دجيل، والتقيا بحصن البرامكة في السابع والعشرين من رجب، فابتدأ زنكي فحمل على ميمنة الخليفة، وبها جمال الدولة إقبال، فانهزموا منه، وحمل نصر الخادم من ميسرة الخليفة على ميمنة عماد الدين ودبيس، وحمل الخليفة بنفسه واشتد القتال، فانهزم دبيس، وأراد عماد الدين الصبر، فرأى الناس قد تفرقوا عنه، فانهزم أيضًا، وقُتِل من العسكر جماعة، وأسر جماعة، وبات الخليفة هناك ليلته، وعاد من الغد إلى بغداد.
الحرب بين الملك طغرل وبين أخيه الملك داود بن محمود .
العام الهجري : 526 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1132
تفاصيل الحدث:
كانت الحرب بين الملك طغرل وبين أخيه الملك داود بن محمود، وكان سببُها أن السلطان سنجر أجلس الملك طغرل في السلطنة، وعاد إلى خراسان لأنه بلغه أن صاحب ما وراء النهر أحمد خان قد عصى عليه، فبادر إلى العود لتلافي ذلك الخرق، فلما عاد إلى خراسان عصى الملك داود على عمِّه طغرل وخالفه، وجمع العساكر بأذربيجان وبلاد كنجة، وسار إلى همذان، فنزل مستهل رمضان عند قرية يقال لها وهان بقرب همذان، وخرج إليه طغرل، وانهزم داود وبقي متحيزًا إلى أوائل ذي القعدة، فقدم بغداد ومعه أتابكه آقسنقر الأحمديلي، فأكرمه الخليفة وأنزله بدار السلطان، وكان الملك مسعود بكنجة، فلما سمع بانهزام الملك داود توجه نحو بغداد.
هزيمة صاحب طرابلس الفرنجي .
العام الهجري : 527 العام الميلادي : 1132
تفاصيل الحدث:
عبر إلى الشام جمع كثير من التركمان من بلاد الجزيرة، وأغاروا على بلاد طرابلس وغنموا وقتلوا كثيرًا، فخرج القمص -كبير القساوسة- صاحب طرابلس في جموعه فانزاح التركمان من بين يديه، فتبعهم فعادوا إليه وقاتلوه فهزموه وأكثروا القتل في عسكره، ومضى هو ومن سلم معه إلى قلعة بعرين، فتحصنوا فيها وامتنعوا على التركمان، فحصرهم التركمان فيها. فلما طال الحصار عليهم نزل صاحب طرابلس ومعه عشرون فارسًا من أعيان أصحابه سرًّا، فنَجَوا وساروا إلى طرابلس وترك الباقين في بعرين يحفظونها، فلما وصل إلى طرابلس كاتب جميع الفرنج فاجتمع عنده منهم خلقٌ كثير، وتوجه بهم نحو التركمان؛ لِيُرحِلهم عن بعرين، فلما سمع التركمان بذلك قصدوهم والتقوهم وقُتِل بينهم خلق كثير، وأشرف الفرنج على الهزيمة، فحملوا نفوسهم ورجعوا على حامية إلى رفنية، فتعذر على التركمان اللَّحاقُ بهم إلى وسط بلادهم، فعادوا عنهم.
وفاة الإمام ابن الزاغوني شيخ الحنابلة ببغداد .
العام الهجري : 527 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1132
تفاصيل الحدث:
هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة ذو الفنون، أبو الحسن علي بن عبد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل، ابن الزاغوني، شيخ الحنابلة ببغداد، صاحب التصانيف. وُلِد سنة 455، كان من بحور العلم، كثير التصانيف، يرجع إلى دين وتقوى، وزهد وعبادة، فقيهًا متبحرًا في الأصول والفروع، واعظًا وشاعرًا، وله المصنفات الكثيرة، وله يد في الوعظ؛ قال ابن الجوزي: "صحبتُه زمانًا، وسمعت منه، وعلَّقت عنه الفقه والوعظ". ومات في سابع عشر المحرم، واجتمع الناس في جنازته، وكان الجمعُ يفوت الإحصاءَ.
استعادة شمس الملوك صاحب دمشق بانياس من الفرنج .
العام الهجري : 527 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:
استعاد شمس الملوك، صاحب دمشق، حصن بانياس من الفرنج؛ وذلك أن الفرنج استضعفوه وطمعوا فيه، وعزموا على نقض الهدنة التي بينهم؛ فتعرضوا إلى أموال جماعة من تجار دمشق بمدينة بيروت وأخذوها، فشكا التجار إلى شمس الملوك، فراسل في إعادة ما أخذوه، وكرَّر القول فيه، فلم يردوا شيئًا، فحملته الأنفة من هذه الحالة والغيظ على أن جمع عسكره وتأهب، ولا يعلم أحد أين يريد، ثم سار وسبق خبره أواخر المحرم، ونزل على بانياس أول صفر وقاتلها لساعته، وزحف إليها زحفًا متتابعًا، وكانوا غير متأهبين، وليس فيها من المقاتلة من يقوم بها، وقرب من سور المدينة وترجل بنفسه، وتبعه الناس من الفارس والراجل، ووصلوا إلى السور فنقبوه ودخلوا البلد عنوة، والتجأ من كان من جند الفرنج إلى الحصن وتحصنوا به، فقُتل من البلد كثير من الفرنج، وأُسر كثير، ونُهبت الأموال، وقاتل القلعةَ قتالًا شديدًا ليلًا ونهارًا، فملكها رابع صفر بالأمان، وعاد إلى دمشق فوصلها سادسه، وأما الفرنج فإنهم لما سمعوا نزوله على بانياس شرعوا يجمعون عسكرًا يسيرون به إليه، فأتاهم خبر فتحها، فبطل ما كانوا فيه.
انتصار المسلمين بقيادة أسوار نائب حلب على الفرنج .
العام الهجري : 527 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:
سار ملك الفرنج، صاحب البيت المقدس، في خيَّالته ورجَّالته إلى أطراف أعمال حلب، فتوجه إليه الأمير أسوار، النائب بحلب، فيمن عنده من العسكر، وانضاف إليه كثير من التركمان، فاقتتلوا عند قنسرين، فقُتل من الطائفتين جماعة كثيرة، وانهزم المسلمون إلى حلب، وتردَّد ملك الفرنج في أعمال حلب، فعاد أسوار وخرج إليه فيمن معه من العسكر، فوقع على طائفة منهم، فأوقع بهم، وأكثر القتل فيهم والأسر، فعاد من سلم منهزمًا إلى بلادهم، وانجبر ذلك المصاب بهذا الظفر، ودخل أسوار حلب ومعه الأسرى ورؤوس القتلى، وكان يومًا مشهودًا، ثم إن طائفة من الفرنج من الرها قصدوا أعمال حلب للغارة عليها، فسمع بهم أسوار، فخرج إليهم هو والأمير حسان البعلبكي، فأوقعوا بهم وقتلوهم عن آخرهم في بلد الشمال، وأسروا من لم يقتل، ورجعوا إلى حلب سالمين.
الخليفة العباسي المسترشد بالله يحاصر مدينة الموصل .
العام الهجري : 527 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:
حصر المسترشد بالله مدينة الموصل في العشرين من شهر رمضان، وسبب ذلك ما تقدم من قصد الشهيد زنكي بغداد، ثم قصد جماعة من الأمراء السلجوقية باب المسترشد بالله، وصاروا معه فقَوِي بهم، واشتغل السلاطين السلجوقية بالخُلف الواقع بينهم، فأرسل الخليفة الشيخ بهاء الدين أبا الفتوح الأسفراييني الواعظ إلى عماد الدين زنكي برسالة فيها خشونة، فقبض عليه عماد الدين زنكي وأهانه ولقيه بما يكره، فأرسل المسترشد بالله إلى السلطان مسعود يعرِّفه الحال الذي جرى من زنكي ويُعلِمه أنه على قصد الموصل وحَصْرها، وتمادت الأيام إلى شعبان، فسار عن بغداد في النصف منه في ثلاثين ألف مقاتل، فلما قارب الموصل فارقها أتابك زنكي في بعض عسكره وترك الباقي بها مع نائبه نصير الدين جقر دزدارها والحاكم في دولته، وأمرهم بحفظها، ونازلها الخليفة وقاتلها وضَيَّق على من بها، وأما عماد الدين فإنه سار إلى سنجار، وكان يركب كل ليلة ويقطع الميرة عن العسكر ومتى ظفر بأحد من العسكر أخذه ونكل به، وضاقت الأمور بالعسكر أيضًا وتواطأ جماعة من الجصاصين بالموصل على تسليم البلد، فسُعي بهم فأُخذوا وصُلبوا، وبقي الحصار على الموصل نحو ثلاثة أشهر ولم يظفر منها بشيء ولا بلغه عمن بها وهن ولا قلة ميرة وقوت، فرحل عنها عائدًا إلى بغداد، فقيل: إن نصرًا الخادم وصل إليه من عسكر السلطان وأبلغه عن السلطان مسعود ما أوجب مسيره وعوده إلى بغداد، وقيل: بل بلغه أن السلطان مسعودًا عزم على قصد العراق، فعاد بالجملة، وأنه رحل عنها منحدرًا في شبارة في دجلة فوصل إلى بغداد يوم عرفة.
عماد الدين زنكي يضم قلاع الأكراد الحميدية إلى حكمه .
العام الهجري : 528 العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:
استولى عماد الدين زنكي على جميع قلاع الأكراد الحميدية، منها قلاع العقر، وقلعة شوش، وغيرهما، وكان لما ملك الموصل أقرَّ صاحبها الأمير عيسى الحميدي على ولايتها وأعمالها، ولم يعترِضْه على شيء مما هو بيده، فلما حصر المسترشد بالله الموصل حضر عيسى هذا عنده، وجمع الأكراد عنده فأكثر، فلما رحل المسترشد بالله عن الموصل أمر زنكي أن تُحصَر قلاعهم، فحُصرت مدة طويلة وقُوتلت قتالًا شديدًا إلى أن مُلِكت هذه السنة، فاطمأنَّ إذًا أهل سواد الموصل المجاورون لهؤلاء القوم؛ فإنهم كانوا معهم في ضائقة كبيرة من نهب أموالهم وخراب البلاد، كما ملك قلاع الهكارية وكواشي، وحُكِي عن بعض العلماء من الأكراد ممن له معرفة بأحوالهم أن أتابك زنكي لما ملك قلاع الحميدية وأجلاهم عنها خاف أبو الهيجاء بن عبد الله صاحب قلعة أشب والجزيرة ونوشي، فأرسل إلى أتابك زنكي من استحلفه له، وحمل إليه مالًا، وحضر عند زنكي بالموصل فبقي مدة ثم مات، فدُفِن بتل توبة. ولَمَّا سار عن أشب إلى الموصل أخرج ولده أحمد بن أبي الهيجاء منها؛ خوفًا أن يتغلب عليها، وأعطاه قلعةَ نوشى، وأحمد هذا هو والد علي ابن أحمد المعروف بالمشطوب، من أكابر أمراء صلاح الدين بن أيوب بالشام، ولما أخرجه أبوه من أشب استناب بها كرديًّا يقال له باو الأرجي، فلما مات أبو الهيجاء سار ولده أحمد من نوشى إلى أشب ليملِكَها، فمنعه باو وأراد حفظها لولد صغير لأبي الهيجاء اسمه علي، فسار زنكي بعسكره فنزل على أشب وملكها.
=====
97. قتال الدانشمند صاحب ملطية للفرنج .
العام الهجري : 528 العام الميلادي : 1133

تفاصيل الحدث:
أوقع الدانشمند صاحب ملطية بالفرنج الذين بالشام، فقتل كثيرًا منهم وأسرَ كثيرًا.
حصار الإسماعلية بقلعة كردكوه بخراسان .
العام الهجري : 528 العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:
اجتمع جمع من العساكر السنجرية مع الأمير أرغش، وحصروا قلعة كردكوه بخراسان، وهي للإسماعيلية، وضيَّقوا على أهلها وطال حصرها، وعدمت عندهم الأقوات؛ فأصاب أهلها تشنج وكزاز، وعجز كثير منهم عن القيام فضلًا عن القتال، فلما ظهرت أمارات الفتح رحل الأمير أرغش، فقيل: إنهم حملوا إليه مالًا كثيرًا وأعلاقًا نفيسة، فرحل عنهم.
الاقتتال بين ولدي حاكم مصر وبداية تدهور الدولة الفاطمية .
العام الهجري : 528 العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:
عَهِدَ الحافظ إلى ولده سليمان، وكان أسَنَّ أولاده وأحبَّهم إليه، وأقامه ليسُدَّ مكان الوزير، فمات بعد ولاية العهد بشهرين، ثم جعل ابنه حيدرة أبا تراب وليَّ عهده ونصبه للنظر في المظالم، فشَقَّ ذلك على أخيه أبي علي حسن؛ لأنه كان يروم ذلك؛ لكثرة أمواله وأولاده وحواشيه وموكبه، بحيث كان له ديوان مفرد. وما زالت عقارب العداوة تدب بينهما حتى وقعت الفتنة بين الطائفية الجيوشية أصحاب حسن، وكان مائلًا لنصرة أهل السنة، والطائفة الريحانية أصحاب حيدرة يميل لنصرة الإسماعيلية، وكانت شوكة الريحانية قوية والجند يشنؤونهم خوفًا منهم، فاشتعلت نيران الحرب بين الفريقين، والتقى العسكران؛ فقتل بينهم ما يزيد على خمسة آلاف رجل. فكانت أول مصيبة نزلت بالدولة العبيدية بمصر من فَقْدِ رجالها ونقص عدد عساكرها، ولم يسلم من الريحانية إلا من ألقى نفسه في بحر النيل من ناحية المقس. واستظهر حسن وصار الأمر إليه، فانضم له أوباش العسكر وزعَّارهم، وفرَّق فيهم الزرد وسماهم صبيان الزرد، وصاروا لا يفارقونه ويحفون به إذا ركب، ويلازمون داره إذا نزل، فقامت قيامةُ الناس، وقبَضَ على ابن العساف وقَتَله واختفى منه الحافظ وحيدرة، وجَدَّ في طلب حيدرة. وهتك بالأوباش الذين اختارهم حرمة القصر وخرق ناموسه من كونه نغَّص على أبيه وأخيه، وصاروا يحسِّنون له كل رذيلة، ويحرِّضونه على أذى الناس، فأخذ الحافظ في تلافي الأمر مع حسن لينصلح؛ وعهد إليه بولاية العهد في يوم الخميس لأربع بقين من شهر رمضان، وأركبه بالشعار، ونُعِت بولي عهد المؤمنين. وكتب له بذلك سجلًّا قرئ على المنابر، فلم يزده ذلك إلا شرًّا وتعدِّيًا، فضيق على أبيه وبالغ في مضرته. فسير الحافظ وفيَّ الدولة إسحاق، أحد الأستاذين المحنكين، إلى الصعيد ليجمع ما قدر عليه من الريحانية، فمضى واستصرخ على حسن، وجمع من الأمم ما لا يعلمه إلا الله، وسار بهم، فبلغ ذلك حسنًا فجهز إليه عسكرًا عرمرمًا وخرج؛ فالتقى الجمعان، وهبت ريح سوداء في وجوه الواصلين، وركبهم عسكر حسن، فلم يفلت منهم إلا القليل، وغرق أكثرهم في البحر وقُتلوا، وأُخذ الأستاذ إسحاق وأُدخل إلى القاهرة على جمل برأسه طرطور لبد أحمر. فلما وصل بين القصرين رُمي بالنشاب حتى مات، ورُمي إليهم من القصر الغربي أستاذ آخر فقتلوه، وقُتِل الأمير شرف الأمراء، فاشتدت مصيبة الدولة بفقد من قُتل من الأمراء الذين كانوا أركان الدولة، وهم أصحاب الرأي والمعرفة، فوهت واختلت لقلة الرجال وعدم الكفاءة، ومن حينِ قَتلَ حسن الأمراءَ تخوَّفه باقي الجند ونفرت نفوسُهم منه؛ فإنه كان جريئًا عنيفًا بحاثًا عن الناس، يريد إقلاب الدولة وتغييرها لتقدُّم أصحابه، فأكثر من مصادرة الناس. أورد الذهبي في تاريخه خبر الخلاف بين الأخوين بقوله: "جاءت الأخبار من مصر بخلف ولدَيِ الحافظ لدين الله عبد المجيد، وهما: حيدرة، والحسن. وافترق الجند فرقتين؛ إحداهما مائلة إلى الإسماعيلية، والأخرى إلى مذهب السنة. فاستظهرت السنة، وقتلوا خلقًا من أولئك، واستحرَّ القتل بالسودان، واستقام أمر ولي العهد حسن، وتتبَّع من كان ينصر الإسماعيلية من المقدَّمين والدعاة، فأبادهم قتلًا وتشريدًا".
شمس الملوك ينتزع شقيف تيرون من ابن جندل وينهب بلد الفرنج .
العام الهجري : 528 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1134
تفاصيل الحدث:
سار شمس الملوك إسماعيل من دمشق إلى شقيف تيرون، وهو في الجبل المطلِّ على بيروت وصيدا، وكان بيد الضحاك بن جندل رئيس وادي التيم، قد تغلَّب عليه وامتنع به، فتحاماه المسلمون والفرنج، يحتمي على كل طائفة بالأخرى، فسار شمس الملوك إليه وأخذه منه في المحرم، وعَظُم أخذُه على الفرنج؛ لأن الضحاك كان لا يتعرض لشيء من بلادهم المجاورة له، فخافوا شمس الملوك، فشرعوا في جمع عساكرهم، فلما اجتمعت ساروا إلى بلد حوران، فخربوا أمهات البلد، ونهبوا ما أمكنهم نهبُه نهبةً عظيمة، وكان شمس الملوك لما رآهم يجمعون، جمع هو أيضًا وحشد وحضر عنده جمع كثير من التركمان وغيرهم، فنزل بإزاء الفرنج وجرت بينهم مناوشة عدة أيام، ثم إن شمس الملوك نهض ببعض عسكره، وجعل الباقيَ قبالة الفرنج، وهم لا يشعرون، وقصَدَ بلادهم طبرية والناصرة وعكا وما يجاورها من البلاد، فنهب وخرب وأحرق وأهلك أكثر البلاد، وسبى النساء والذرية، وامتلأت أيدي من معه من الغنائم، واتصل الخبر بالفرنج، فانزعجوا ورحلوا في الحال لا يلوي أخ على أخيه، وطلبوا بلادهم، وأما شمس الملوك فإنه عاد إلى عسكره على غير الطريق الذي سلكه الفرنج، فوصل سالِمًا ووصل الفرنج إلى بلادهم ورأوها خرابًا؛ ففَتَّ في أعضادهم وتفرَّقوا، وراسلوا في تجديد الهدنة فتم ذلك في ذي القعدة.
استيلاء الفرنج على جزيرة جربة .
العام الهجري : 529 العام الميلادي : 1134
تفاصيل الحدث:
كانت جزيرة جربة مقابل تونس من بلاد إفريقية قد استولت في كثرة عمارتها وخيراتها، غيرَ أن أهلَها طغَوا فلا يدخُلون تحت طاعة السلطان، ويُعرَفون بالفساد وقَطْع الطريق، فخرج إليها جمعٌ من الفرنج، من أهل صقلية، في أسطولٍ كثير وجَمٍّ غفير، فيه من مشهوري فرسان الفرنج جماعة، فنزلوا بساحتها وأداروا المراكب بجهاتها، واجتمع أهلها وقاتلوا قتالًا شديدًا، فوقع بين الفريقين حرب شديدة، فثبت أهل جربة، فقُتِل منهم بشر كثير، فانهزموا ومَلَك الفرنج الجزيرة، وغَنِموا أموالها وسَبَوا نساءَها وأطفالها، وهلك أكثَرُ رجالها، ومن بقي منهم أخذوا لأنفُسِهم أمانًا من رجار ملك صقلية، وافتكُّوا أَسراهم وسَبْيَهم وحريمَهم.
ملك الفرنج حصن روطة من بلاد الأندلس .
العام الهجري : 529 العام الميلادي : 1134
تفاصيل الحدث:
اصطلح المستنصر بالله بن هود والسليطين الفرنجي صاحب طليطلة من بلاد الأندلس مدة عشر سنين. وكان السليطين قد أدمن غزو بلاد المستنصر وقتاله، حتى ضَعُف المستنصر عن مقاومته؛ لقلة جنوده، وكثرة الفرنج، فرأى أن يصالحَه مدة يستريح فيها هو وجنوده، ويعتدُّون للمعاودة، فترددت الرسلُ بينهم، فاستقَرَّ الصلح على أن يسلِّمَ المستنصر إلى السليطين حصنَ روطة من الأندلس، وهو من أمنع الحصون وأعظمها، فاستقرت القاعدة واصطلحوا، وتسلَّم منه الفرنج الحصن، وفعل المستنصر فعلةً لم يفعلها قبله أحدٌ!!
حصر ابن ردمير الفرنجي مدينة أفراغة بالأندلس وهزيمته ثم موته .
العام الهجري : 529 العام الميلادي : 1134
تفاصيل الحدث:
حصر ابن ردمير الفرنجي مدينةَ أفراغة من شرق الأندلس، وكان الأمير يوسف بن تاشفين بن علي بن يوسف بمدينة قرطبة، فجهَّز الزبير بن عمرو اللمتوني والي قرطبة ومعه ألفا فارس، وسير معه ميرة كثيرة إلى أفراغة، وكان يحيى بن غانية، الأمير المشهور، أمير مرسية وبلنسية من شرق الأندلس، ووالي أمرها لأمير المسلمين علي بن يوسف، فتجهَّز في خمسمائة فارس، وكان عبد الله بن عياض صاحب مدينة لاردة، فتجهز في مائتي فارس، فاجتمعوا وحملوا الميرة وساروا حتى أشرفوا على مدينة أفراغة، وكان ابن ردمير في اثني عشر ألف فارس، وأدركه العجب، ونفذ قطعة كبيرة من جيشه. فلما قربوا من المسلمين حمل عليهم بعضُهم وكسَرَهم، وردَّ بعضَهم على بعض، وقتل فيهم، والتحم القتال، وجاء ابن ردمير بنفسه وعساكره جميعها مدلين بكثرتهم وشجاعتهم، وعظم القتال، فكثُرَ القتل في الفرنج، فانهزم ابن ردمير وولى هاربًا، واستولى القتل على جميع عسكرِه، فلم يسلم منهم إلا القليل، ولحق ابن ردمير بمدينة سرقسطة، فلما رأى ما قُتِل من أصحابه مات مفجوعًا بعد عشرين يومًا من الهزيمة، وكان أشدَّ ملوك الفرنج بأسًا، وأكثرهم تجردًا لحرب المسلمين، وأعظمهم صبرًا، كان ينام على طارقته بغير وطاءٍ، وقيل له: هلا تسرَّيت من بنات أكابر المسلمين اللاتي سَبَيتَ؟ فقال: الرجلُ المحارب ينبغي أن يعاشِرَ الرجال لا النساء، وأراح اللهُ منه وكفى المسلمين شَرَّه.
قتل شمس الملوك إسماعيل بن بوري وملك أخيه شهاب الدين محمود .
العام الهجري : 529 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
هو صاحب دمشق شمس الملوك إسماعيل بن تاج الملوك بوري بن طغتكين التركي. تملَّك بعد أبيه في رجب سنة 526، وكان بطلًا شجاعًا شهمًا مِقدامًا كآبائه، فخافته الفرنج واستنقذ بانياس منهم في يومين، وكانت الإسماعيلية باعوها لهم من سبع سنين، وسعر بلادهم وأوطأهم ذلًّا، ففرح الناس بشهامته وفَرْط شجاعته، واحتملوا ظلمه. قُتِل في ربيع الآخر، وكان سبب قتله أنه ركب طريقًا شنيعًا من الظلم ومصادرات العمال وغيرهم من أعمال البلد، وبالغ في العقوبات لاستخراج الأموال، ثم ظهر عنه أنه كاتَبَ عماد الدين زنكي يسلِّمُ إليه دمشق ويحثُّه على سرعة الوصول، ويقول له: إن أهملتَ المجيء سلَّمتُها إلى الفرنج، وظهر الخبر بذلك في دمشق فامتعض أصحاب أبيه وجده لذلك وأقلقهم، ثم إن أمه ارتقبت الفرصة في الخلوة من غلمانه، فلما رأته على ذلك أمرت غلمانَها بقتله فقُتِل، وأمرت بإلقائه في موضع من الدار ليشاهِدَه غلمانه وأصحابه، فلما رأوه قتيلًا سُروا لمصرعه وبالراحة من شَرِّه، وقيل: كان سبب قتله أن والده كان له حاجب اسمه يوسف بن فيروز وكان متمكِّنًا منه حاكمًا في دولته، ثم في دولة شمس الملوك، فاتُّهِم بأم شمس الملوك، ووصل الخبر إليه بذلك، فهَمَّ بقتل يوسف فهرب منه إلى تدمر، وتحصَّن بها، وأظهر الطاعة لشمس الملوك، فأراد قَتلَ أمه، فبلغها الخبر فقتلته خوفًا منه، ولما قُتِل ملك بعده أخوه شهاب الدين محمود بن تاج الملوك بوري، وجلس في منصبه وحلف له الناسُ كُلُّهم واستقَرَّ في الملك.
حصر أتابك عماد الدين زنكي دمشق .
العام الهجري : 529 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
حصر أتابك عماد الدين زنكي دمشقَ، وكان نزوله عليها أول جمادى الأولى، وسببُه إرسال شمس الملوك صاحبها إليه واستدعاؤه ليسلمها إليه، فقُتل شمس الملوك قبل وصول زنكي، وسار إلى دمشق فنازلها، وأجفل أهلُ السواد إلى دمشق، واجتمعوا فيها على محاربته ونزل أولًا شماليَّها، ثم انتقل إلى ميدان الحصار، وزحف وقاتل، فرأى قوةً ظاهرة وشجاعة عظيمة واتفاقًا تامًّا على محاربته، فبينما هو يحاصِرُها وصل رسول الخليفة المسترشد بالله، وهو أبو بكر بن بشر الجزري من جزيرة ابن عمر، بخِلَع لأتابك زنكي، ويأمرُه بمصالحة صاحب دمشق، فرحل عنها لليلتين بقيتا من جمادى الأولى.
مقتل الوزير حسن بن الحافظ العبيدي الفاطمي .
العام الهجري : 529 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
هو الحسنُ بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العبيدي المصري, استوزره أبوه وجعله وليَّ عهده سنة 526، فظلم وعسف وسفك الدماء، وقَتَل أعوان أبي علي الوزير الذي قبله، حتى قيل إنَّه قتل في ليلة أربعين أميرًا، فخافه أبوه، وجهَّز لحربه جماعة، فحاربهم واختلطت الأمور، ثم دس أبوه من سقاه السمَّ، فهلك هذه السنة, وكان الحسن يميل إلى أهل السُّنة, وقيل في سبب قتله: إنه لما حصل اقتتال بين ابني الحاكم، وغلب الحسن وتولى الوزارة وولاية العهد، مع سوء السيرة وسفكه للدماء ونهبه للأموال وكثرة الاقتتال بين العسكر والعبيد؛ أدى ذلك كله إلى ضجر الناس كلهم منه؛ كبيرِهم وصغيرهم، ورفَعوا شكواهم مرارًا إلى الحاكم والده، فلما رأى والدُه أنه لا ينفكُّ من هذه النازلة العظيمة إلا بقتلِ ابنه لتنحَسِمَ المباينة بينه وبين العسكر، فاستدعى طبيبه ابن قرقة، وفاوضه في عمل سمٍّ لقتل ولده، فقال: الساعة، ولا يتقطَّعُ منها الجسد بل تفيض النفسُ لا غير. فأحضرها من يومه، وألزم الحافِظُ ابنه حسنًا بمن ندبه من الصقالبة، فأكرهوه على شربها، فمات في يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة، ثم ولَّى الحافظ بعده الوزارة لبهرام الأرمني النصراني الملقَّب تاج الدولة، فشق على الناس وزارته، وتطاول النصارى في أيامه على المسلمين، وأقبل الأرمن يَرِدون إلى القاهرة ومصر من كل جهة، حتى صار بها منهم عالمٌ عظيم، ووصل إليه ابن أخيه فكثر القيل والقال، وأطلق أسيرًا من الفرنج كان من أكابِرِهم، فأنكر الناس ذلك ورفعوا فيه النصائح للحافظ، وأكثروا من الإنكار.
السلطان مسعود السلجوقي يعتقل الخليفة العباسي المسترشد بالله .
العام الهجري : 529 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
كان السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه وصل إلى بغداد هاربًا من أخيه طغرل فأكرمه الخليفة وخلع عليه وطوَّقه وسوَّره ونفذ معه جماعة من عسكره لدفع أخيه. فحين وصلوا إلى النهروان جاء الخبرُ من همذان بموت الملك طغرل، فجدَّ مسعود في السير إلى همذان ودخلها واستولى على المُلك، واستوزر شرف الدين نوشروان بن خالد، وخاف المسترشد أن يتمكَّن مسعود في المملكة فيقصد الحضرة ويستولي عليها,كان بعض الأمراء قد عزموا على قبض دبيس بن صدقة صاحب الحلة والتقرب إلى الخليفة بحمله إليه، فبلغه ذلك فهرب إلى السلطان مسعود، فقُطِعت خطب السلطان مسعود من بغداد، وبرز الخليفة في العشرين من رجب على عزم المسير إلى قتال مسعود، ثم سار الخليفة ثامن شعبان، وأرسل الملك داود ابن السلطان محمود، وهو بأذربيجان إلى الخليفة يشير بالميل إلى الدينور ليحضُرَ بنفسه وعسكره، فلم يفعل المسترشد ذلك، وسار حتى بلغ دايمرج، وعبَّأ أصحابه، ولما بلغ السلطان مسعودًا خبرهم سار إليه مجدًّا، فواقعهم بدايمرج عاشر رمضان، فانهزم عسكر الخليفة، وهو ثابت لم يتحرك من مكانه، وأُخِذ هو أسيرًا ومعه جمع كثير من أصحابه، وأُنزل الخليفة في خيمة وغَنِموا ما في معسكره وكان كثيرًا، وسير السلطان الأمير بك أبه المحمودي إلى بغداد شحنة، فوصلها آخر رمضان ومعه عبيد، فقبضوا جميع أملاك الخليفة وأخذوا غلَّاتها، وثار جماعة من عامة بغداد، فكسروا المنبر والشباك، ومنعوا من الخطبة، وخرجوا إلى الأسواق يحثون الترابَ على رؤوسهم ويبكون ويصيحون، وخرج النساء حاسرات في الأسواق يلطمن، واقتتل أصحاب الشحنة وعامة بغداد، فقُتِل من العامة ما يزيد على مائة وخمسين قتيلًا، وهرب الوالي وحاجب الباب.
الباطنية يغتالون الخليفة العباسي المسترشد بالله وتولي ابنه الراشد .
العام الهجري : 529 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
هو أمير المؤمنين أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد ابن المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي الهاشمي العباسي البغدادي. مولده في شعبان سنة 486 في أيام جده المقتدي، وخُطب له بولاية العهد وهو يرضع، وضُرِبت السكة باسمه, وكان له خطٌّ بديع، ونثر صنيع، ونظم جيد، مع دين ورأي، وشهامة وشجاعة، وكان خليقًا للخلافة، قليل النظير. قال ابن النجار: إن المسترشد كان يتنسك في أول زمنه، ويلبس الصوف ويتعبد، وختم القرآن وتفقَّه، لم يكن في الخلفاء من كَتَبَ أحسن منه، وكان يستدرك على كتَّابه، ويُصلح أغاليطَ في كتبهم، وكان ابن الأنباري يقول: "أنا ورَّاق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسِه الشريفة, وهو ذو شهامة وهيبة، وشجاعة وإقدام، ولم تزل أيامه مكدرة بتشويش المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج فكُسِر وأُسِر، ثم استُشهِد على يد الملاحدة، وكان قد سمع الحديثَ". وكان سبب قتله لما أَسر السلطان مسعود المسترشد بالله وأنزله في خيمة، ووكل به من يحفظه، وقام بما يجِبُ من الخدمة، وترددت الرسل بينهما في الصلح وتقرير القواعد على مالٍ يؤديه الخليفة، وألَّا يعود يجمع العساكر، وألَّا يخرجَ من داره. فأجاب السلطان إلى ذلك، وأركب الخليفة وحمل الغاشية بين يديه ولم يبقَ إلا أن يعود إلى بغداد. فوصل الخبر أن الأمير قران خوان قد قَدِمَ رسولًا من السلطان سنجر، فتأخَّر مسير المسترشد لذلك، وخرج الناس والسلطان مسعود إلى لقائه، وفارق الخليفة بعض من كان موكلًا به، وكانت خيمته منفردة عن العسكر، فقصده أربعة وعشرون رجلًا من الباطنية ودخلوا عليه فقتلوه، وجرحوه ما يزيد على عشرين جراحة، ومثَّلوا به فجدعوا أنفه وأُذنيه وتركوه عريانًا، فقُتِل معه نفر من أصحابه، منهم أبو عبد الله بن سكينة، وكان قتلُه يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة، وبقي حتى دَفَنه أهل مراغة. وأما الباطنية فقُتِل منهم عشرة، وقيل: بل قُتِلوا جميعهم، فكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يومًا، ولما قتل المسترشد بالله بويع ولده أبو جعفر المنصور، ولُقِّب الراشد بالله، وكان المسترشد قد بايع له بولاية العهد في حياته، وجُدِّدت له البيعة بعد قتله يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي القعدة، وكتب السلطان مسعود إلى بك أبه الشحنة ببغداد فبايع له، وحضر الناس البيعة، وحضر بيعته أحد وعشرون رجلًا من أولاد الخلفاء.
قتل دبيس بن صدقة صاحب الحلة .
العام الهجري : 529 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
هو أبو الأغر -وقيل: الأعز- دبيس بن سيف الدولة أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي الناشري الشيعي، الملقب نور الدولة ملك العرب صاحب الحلة المزيدية -حلة بني مزيد، وهي مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمى الجامعين- كان دبيس جوادًا كريمًا عنده معرفة بالأدب والشعر، وتمكَّن في خلافة الإمام المسترشد، واستولى على كثير من بلاد العراق، وهو من بيت كبير. كان دبيس في خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي، وهم نازلون على باب المراغة من بلاد أذربيجان ومعهم الإمام المسترشد بالله, وقيل: "إن السلطان مسعودًا دس على الخليفة المسترشد بالله جماعة من الباطنية فهجموا عليه في خيمته فقتلوه, وخاف أن يُنسَب القتل إليه، وأراد أن تُنسَب إلى دبيس، فتركه إلى أن جاء إلى الخدمة وجلس على باب خيمته، فسير بعض مماليكه، فجاءه من ورائه وضرب رأسه بالسيف فأبانه، وأظهر السلطان بعد ذلك أنه إنما فعل هذا انتقامًا منه بما فعل في حق الخليفة، وكان ذلك بعد قتل الخليفة بشهر". وكان دبيس قد عزم على الهرب مرارًا، وكانت المنية تثبِّطه. ولما قُتِل دبيس حُمِل إلى ماردين إلى زوجته كهارخاتون، فدُفِن بالمشهد عند نجم الدين إيلغازي. ذكره الذهبي فقال: "كان أديبًا جوادًا ممدَّحًا من نجباء العرب، ترامت به الأسفار إلى الأطراف، وجال في خراسان، واستولى على كثير من بلاد العراق، وخيف من سطوته، وحارب المسترشد بالله، ثم فر من الحلة إلى صاحب ماردين نجم الدين، وصاهره، وصار إلى الشام، وأمرُها في شدة من الفرنج، ثم ردَّ إلى العراق، وجرت له هناة، ففر إلى سنجر صاحب خراسان، فأقبل عليه، ثم أمسكه من أجل الخليفة مدة، ثم أطلقه، فلحق بالسلطان مسعود، فقتله غدرًا بمراغة في ذي الحجة سنة تسع وعشرين، وأراح الله الأمة منه؛ فقد نهب وأرجف وفعل العظائم، ولما هرب في خواصه قصد مري بن ربيعة أمير عرب الشام، فهلكوا في البرية من العطش، ومات عدة من مماليكه، فحصل في حلة مكتوم بن حسان، فبادر إلى متولي دمشق تاج الملوك فأخبره به، فبعث خليلا فأحضروه إلى دمشق، فاعتقله مكرمًا، ثم أطلقه للأتابك زنكي ليُطلِقَ مِن أسْرِه ولَدَه سونج بن تاج الملوك، وكان دبيس شيعيًّا كآبائه" قَتَل السلطانُ مسعود دبيسَ بن صدقة على باب سرادقه بظاهر خونج، أمر غلامًا أرمنيًّا بقتله، وأمر السلطان مسعود بك أبه أن يأخذ الحلة، فسار بعض عسكره إلى المدائن، وأقاموا مدة ينتظرون لحاق بك أبه بهم، فلم يسِرْ إليهم جبنًا وعجزًا عن قصد الحلة؛ لكثرة العسكر بها مع صدقة. وبقي صدقة بالحلة إلى أن قدم السلطان مسعود إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، فقصده وأصلح حالَه معه ولزم خدمتَه.
الحرب بين الخليفة الراشد وبين السلطان مسعود .
العام الهجري : 530 العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
وصل يرنقش الزكوي من عند السلطان مسعود يطالب الخليفة بما كان قد استقَرَّ على المسترشد من المال، وهو أربعمائة ألف دينار، فذكر أنه لا شيءَ عنده، وأنَّ المال جميعَه كان مع المسترشد بالله، فنُهب في الهزيمة المذكورة. ثم بلغ الراشد بالله أن يرنقش يريد الهجومَ على دار الخلافة وتفتيشها لأخذ المال، فجمع العساكِرَ لمنع داره، وأمَّر عليهم كج أبه، وأعاد عمارة السور. فلما علم يرنقش بذلك اتفق هو وبك أبه شحنة بغداد، وهو من أمراء السلطان، على أن يهجموا على دار الخليفة يوم الجمعة، فبلغ ذلك الراشد بالله فاستعَدَّ لمنعهم، وركب يرنقش ومعه العسكر السلطاني والأمراء البكجية، ومحمد بن عكر، في نحو خمسة آلاف فارس، ولقيهم عسكر الخليفة ومتقدَّمُهم كج أبه واقتتلوا قتالًا شديدًا، وساعد العامَّةُ عسكر الخليفة على قتال العسكر السلطاني، حتى أخرجهم إلى دار السلطان، فلما جنَّهم الليل ساروا إلى طريق خراسان، ثم انحدر بك أبه إلى واسط، وسار يرنقش إلى البندنيجين، ونهب أهلُ بغداد دارَ السلطان
الفتنة بدمشق بين صاحبها شهاب الدين محمود والجند .
العام الهجري : 530 العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
وقَعَت الفِتنةُ بدمشقَ بين صاحِبِها شِهابِ الدِّينِ محمود بن تاج الملوك بوري والجند. وسبَبُ ذلك أنَّ الحاجِبَ يوسف بن فيروز كان أكبَرَ حاجِبٍ عند أبي شِهابِ الدين وجَدِّه، ثمَّ إنَّه خاف أخاه شمسَ الملوك، وهرب ابنُ فيروز منه إلى تدمُر، فلمَّا كانت هذه السَّنةُ سأل أن يَحضُرَ إلى دمشق، وكان يخاف جماعةَ المماليك؛ لأنَّه كان أساء إليهم وعامَلَهم أقبَحَ مُعاملةٍ، فلما طلبَ الآن الحضورَ إلى دمشق أُجيبَ إلى ذلك، فأنكر جماعةُ الأمراء والمماليكِ قُربَه وخافوه أن يفعَلَ بهم مثلَ فِعلِه الأوَّلِ، فلم يزَل ابنُ فيروز يتوصَّلُ معهم حتى حلَف لهم واستحلَفَهم وشَرَط على نفسِه أنَّه لا يتولى من الأمورِ شَيئًا، ثمَّ إنَّه جعل يُدخِلُ نَفسَه في كثيرٍ مِن الأمور، فاتَّفَق أعداؤه على قَتلِه، فبينما هو يسيرُ مع شمس الملوك في الميدانِ وإلى جانِبِه أميرٌ اسمه بزاوش يحادِثُه، إذ ضرَبَه بزاوش بالسَّيفِ فقَتَله، فحُمِلَ ودُفِنَ عند تربة والده بالعقيبة، ثمَّ إنَّ بزاوش والمماليك خافوا شمسَ الملوك، فلم يدخُلوا البلد، ونزلوا بظاهِرِه، وأرسلوا يَطلُبونَ قواعِدَ استطالوا فيها، فأجابهم إلى البَعضِ، فلم يَقبَلوا منه، ثمَّ ساروا إلى بعلبك، وبها شمسُ الدولة محمد بن تاج الملوك صاحِبُها، فصاروا معه، فالتحق بهم كثيرٌ مِن التُّركمان وغيرِهم، وشَرَعوا في العَبَث والفَسادِ، واقتَضَت الحالُ مُراسَلتَهم وملاطَفتَهم وإجابتَهم إلى ما طلبوا، واستقَرَّت الحالُ على ذلك، وحَلَف كُلٌّ منهم لصاحبه. فعادوا إلى ظاهِرِ دمشق ليدخُلوا البلد، وخرج شهابُ الدين صاحِبُ دمشق إليهم، واجتمَعَ بهم وتجَدَّدَت الأيمانُ، وصار بزاوش مُقَدَّم العسكَرِ وإليه الحَلُّ والعَقدُ، وذلك في شعبان، وزال الخُلفُ، ودخلوا البلدَ.
الحرب بين عسكر الخليفة الراشد وعسكر السُّلطان مسعود .
العام الهجري : 530 العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
اجتمَعَ كثيرٌ مِن الأُمَراءِ وأصحابِ الأطرافِ على الخُروجِ عن طاعةِ السُّلطانِ مَسعود، فسار المَلِكُ داود بن السُّلطان محمود في عسكَرِ أذربيجان إلى بغداد، فوصَلَها رابِعَ صَفَر، ونزل بدارِ السُّلطان، ووصل أتابك عماد الدين زنكي بَعدَه مِن المَوصِل، ووصل يرنقش بازدار صاحِبُ قزوين وغيرها، والبقش الكبيرُ صاحب أصفهان، وصَدقةُ بنُ دبيس صاحِبُ الحلة، ومعه عنترُ بنُ أبي العسكر الجاواني يدَبِّرُه، ويُتَمِّمُ نَقصَ صِباه، وابنُ برسق، وابن الأحمديلي، وخرج إليهم مِن عَسكَرِ بغدادَ كج أبه والطرنطاوي وغيرهما، وجعل المَلِكُ داود في شحنكية بغداد يرنقش بازدار، وقبض الخليفةُ الراشِدُ بالله على ناصحِ الدَّولة أبي عبد الله الحَسَن بن جهير أستاذ الدار، وهو كان السَّبَبَ في ولايتِه، وعلى جَمالِ الدولةِ إقبالِ المسترشدي، وكان قد قَدِمَ إليه من تكريت، وعلى غيرِهما من أعيانِ دَولتِه، فتغَيَّرَت نِيَّاتُ أصحابِه عليه وخافوه. فأمَّا جَمالُ الدَّولةِ؛ فإنَّ أتابك زنكي شَفَعَ فيه شفاعةً تحتها إلزامٌ، فأُطلِقَ وصار إليه ونزل عنده، وخرج موكِبُ الخليفةِ مع وزيرِه جلالِ الدينِ أبي الرضا بن صدقة إلى عمادِ الدِّينِ زنكي لتَهنئتِه بالقدوم، فأقام الوزيرُ عنده، وسأله أن يمنَعَه من الخليفةِ فأجابه إلى ذلك، وعاد الموكِبُ بغير وزير، وأرسل زنكي مَن حَرَسَ دارَ الوزيرِ مِن النَّهبِ، ثم أصلحَ حالَه مع الخليفة، وأعاده إلى وزارتِه. وكذلك أيضًا عبَرَ عليه قاضي القضاة الزينبي، وسار معه إلى الموصِل، ثمَّ إنَّ الخليفةَ جَدَّ في عمارةِ السُّورِ، فأرسل المَلِكُ داود مَن قَلَع أبوابَه، وأخرب قطعةً منه، فانزعج الناسُ ببغداد، ونقلوا أموالَهم إلى دارِ الخلافة، وقُطِعَت خُطبةُ السُّلطان مسعود، وخُطِبَ للملك داود وجَرَت الأيمانُ بين الخليفة والملك داود وعمادِ الدينِ زنكي، وأرسل الخليفةُ إلى زنكي ثلاثين ألفَ دينار ليُنفِقَها، ووصل الملِكُ سلجوق شاه إلى واسط فدخَلَها وقَبَض على الأميرِ بك أبه ونهَبَ مالَه وانحدَرَ زنكي إليه لدَفْعِه عنها واصطلحا وعاد زنكي إلى بغداد وعبَرَ إلى طريق خراسان، وحثَّ على جمعِ العساكِرِ للِقاءِ السُّلطانِ مَسعود، وسار المَلِكُ داود نحو خراسانَ أيضًا، فنَهَب العسكَرُ البلادَ وأفسدوا، ووصلت الأخبارُ بمَسيرِ السُّلطان إلى بغداد لقِتالِ الملك، وفارق الملِكُ داود وزنكي، فعاد زنكي إلى بغداد، وفارق المَلِكُ داود، وأظهر له أن يمضيَ إلى مراغة إذ فارقَ السُّلطان مسعود إلى همذان، فبرز الراشِدُ بالله إلى ظاهِرِ بغدادَ أوَّلَ رمَضان، وسار إلى طريقِ خُراسان، ثم عاد بعد ثلاثةِ أيَّامٍ ونزل عند جامِعِ السُّلطانِ، ثمَّ دخل إلى بغداد خامِسَ رَمَضان، وأرسَلَ إلى داود وسائرِ الأُمَراء يأمُرُهم بالعَودِ إلى بغداد، فعادوا، ونزلوا في الخيامِ، وعَزَموا على قِتالِ السُّلطان مسعودٍ مِن داخِلِ سورِ بغداد، ووصَلَت رسُلُ السُّلطان مسعود يبذُلُ مِن نفسِه الطاعةَ والمُوافَقةَ للخليفة والتهديدَ لِمَن اجتمع عنده، فعرض الخليفةُ الرِّسالةَ عليهم، فكُلُّهم رأى قتاله، فقال الخليفة: وأنا معكم على ذلك.
موافقة عجيبة في خلع سادس خليفة .
العام الهجري : 530 العام الميلادي : 1135
تفاصيل الحدث:
حكى ابنُ الجَوزيِّ عن أبي بكرٍ الصوليِّ أنَّه قال: "النَّاسُ يقولونَ: كُلُّ سادسٍ يقومُ بأمرِ النَّاسِ مِن أوَّلِ الإسلامِ لا بُدَّ أن يُخلَعَ، قال ابنُ الجوزيِّ: فتأمَّلتُ ذلك فرأيتُه عَجَبًا: قيامُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ أبِي بكر ثمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثمانَ ثمَّ عليٍّ ثمَّ الحَسَن فتنازلَ بالخلافةِ لِمُعاوية! ثمَّ يزيدُ ومُعاويةُ بنُ يزيد ومروانُ وعبدُ المَلِك ثمَّ عبدُ الله بنُ الزُّبيرِ، فخُلِعَ وقُتِلَ! ثمَّ الوليدُ ثمَّ سُليمانُ ثمَّ عُمَرُ بنُ عبد العزيز ثمَّ يزيدُ ثُمَّ هِشامٌ ثُمَّ الوليدُ بنُ يزيد، فخُلِعَ وقُتِلَ! ولم يَنتَظِمْ لبني أميَّةَ بَعدَه أمرٌ حتى قام السَّفَّاحُ العباسيُّ ثمَّ أخوه المنصورُ ثُمَّ المهديُّ ثُمَّ الهادي ثمَّ الرَّشيدُ ثُمَّ الأمين، فخُلِعَ وقُتِلَ! ثُمَّ المأمونُ والمُعتَصِم والواثِقُ والمتوكِّلُ والمُنتَصِرُ ثمَّ المُستعينُ، فخُلِعَ ثمَّ قُتِلَ، ثمَّ المُعتَزُّ والمهتدي والمُعتَمِد والمُعتَضِد والمُكتفي ثمَّ المُقتَدِر، فخُلِعَ ثمَّ أعيدَ فقُتِلَ! ثمَّ القاهِرُ والراضي والمتَّقي والمُكتفي والمُطيع ثمَّ الطائِعُ فخُلِعَ، ثمَّ القادِرُ والقائِمُ والمُقتدي والمُستَظهِر والمُستَرشِد ثُمَّ الرَّاشِدُ، فخُلِعَ وقُتِلَ!.
ملك شهاب الدين محمود صاحب دمشق مدينة حمص وقلعتها .
العام الهجري : 530 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1136
تفاصيل الحدث:
كان أصحابُ حمص أولادُ الأمير خيرخان بن قراجا، والوالي بها مِن قبلِهم، قد ضَجِروا من كثرةِ تعَرُّضِ عَسكَرِ عماد الدين زنكي إليها وإلى أعمالِها، وتَضييقِهم على مَن بها مِن جُنديٍّ وعامِّيٍّ، فراسلوا شهابَ الدين محمود بن تاج الملوك بوري صاحب دمشقَ في أن يُسَلِّموها إليه، ويُعطيهم عِوضًا عنها تَدمُر، فأجابهم إلى ذلك، وسار إليها وتسَلَّمَها منهم، وسَلَّمَ إليهم تَدمُر، وأقطع حِمصَ مَملوكَ جَدِّه معين الدين أنر، وجعل فيها نائبًا عنه ممَّن يثق به من أعيانِ أصحابِه، وعاد عنها إلى دِمشقَ. فلمَّا رأى عسكرَ زنكي الذين بحَلَب وحماة خروجَ حِمص عن أيديهم تابَعوا الغاراتِ إلى بلَدِها والنَّهبَ له، والاستيلاءَ على كثيرٍ منه، فجرى بينهم عِدَّةُ وقائع، وأرسل شهابُ الدين إلى زنكي في المعنى واستقرَّ الصُّلح بينهم، وكفَّ كُلٌّ منهم عن صاحِبِه.
غزاة العسكر الأتابكي لبلاد الفرنج .
العام الهجري : 530 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1136
تفاصيل الحدث:
اجتَمَعت عَسكَرُ أتابك زنكي، صاحِبِ حَلَب وحَماة، مع الأميرِ أسوار نائِبِه بحَلَب، وقَصَدوا بلدَ الفِرنجِ على حين غفلةٍ منهم، وقَصَدوا أعمالَ اللاذقيَّة بَغتةً، ولم يتمَكَّنْ أهلُها مِن الانتقالِ عنها والاحترازِ، فنَهَبوا منها ما يزيدُ عن الوَصفِ، وقتلوا وأسَروا وفعلوا في بلدِ الفِرنجِ ما لم يَفعَلْه غَيرُهم، وكان الأسرى سبعةَ آلافِ أسيرٍ ما بين رجُلٍ وامرأةٍ وصَبيٍّ، ومِئة ألفِ رأسٍ مِن الدوابِّ ما بينَ فَرَسٍ وبَغلٍ وحِمارٍ وبَقَرٍ وغَنَم، وأما ما سوى ذلك مِن الأقمِشةِ والعَينِ والحُلِيِّ فيَخرُجُ عن الحَدِّ، وخَرَّبوا بلدَ اللاذقيَّة وما جاورها ولم يَسلَمْ منها إلَّا القليلُ، وخرجوا إلى شيزر بما معهم من الغنائِمِ سالِمينَ، مُنتصَفَ رَجَب، فامتلأ الشامُ مِن الأُسارى والدوابِّ، وفرح المُسلِمونَ فَرَحًا عظيمًا، ولم يَقدِرْ الفِرنجُ على فِعلِ شَيءٍ مُقابِلَ هذه الحادثة؛ عَجْزًا ووَهْنًا.
وصول السُّلطان مسعود إلى العراق وخلع الخليفة الراشد .
العام الهجري : 530 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1136
تفاصيل الحدث:
حَصَل اجتماعُ الأمراءِ والملوكِ، ببغداد، على خلافِ السُّلطانِ مسعود، والخُطبةِ للمَلِك داود بن أخيه السُّلطان محمود، فجمع السُّلطانُ مسعود العساكِرَ وسار إلى بغداد، ولَمَّا وصل السُّلطانُ نزل على بغداد وحَصَرها وجميعَ العساكِرِ فيها، وثار العيَّارون ببغداد وسائِرِ محالِّها، وأفسدوا ونَهَبوا، وقَتَلوا، وحصرهم السُّلطانُ نَيِّفًا وخمسين يومًا فلم يَظفَرْ بهم، فعاد إلى النهروان عازمًا على العَودِ إلى همذان، فوصله طرنطاي صاحِبُ واسط ومعه سفن كثيرة، فعاد إليها وعبَرَ فيها إلى غربيَّ دجلةَ، وأراد العَسكَرُ البغدادي مَنْعَه، فسبقهم إلى العبور، واختلفت كَلِمتُهم، فعاد الملك داودُ إلى بلاده وتفَرَّق الأمراء، وكان عماد الدين زنكي بالجانبِ الغربيِّ فعبَرَ إليه الخليفة الراشد بالله وسار معه إلى الموصِل في نفَرٍ يَسيرٍ مِن أصحابه، فلمَّا سَمِعَ السُّلطانُ مسعود بمفارقة الخليفة وزنكي بغداد سار إليها واستقَرَّ بها، ومنع أصحابَه من الأذى والنَّهبِ، وكان وصولُه مُنتصَفَ ذي القعدة، فسكنَ النَّاسُ واطمأنُّوا بعد الخوفِ الشَّديدِ، وأمَرَ فجُمِعَ القضاةُ والشُّهود والفُقَهاء وعَرَض عليهم اليمينَ التي حلف بها الراشِدُ بالله لمسعود، فأفتَوا بخروجه من الخلافةِ، فتقَدَّمَ السُّلطانُ بخَلعِه وإقامةِ مَن يَصلُحُ للخلافة، فخُلِعَ وقُطِعَت خُطبتُه في بغداد وسائِرِ البلاد، وكانت خلافتُه أحد عشر شهرًا وأحدَ عشر يومًا.
=====
98.  تولي المقتفي لأمر الله الخلافة بدل ابن أخيه الراشد .
العام الهجري : 530 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1136

تفاصيل الحدث:
لَمَّا قُطِعَت خُطبةُ الراشِدِ بالله وخُلِعَ، استشار السُّلطانُ جَماعةً مِن أعيان بغدادَ، منهم الوزيرُ علي بن طراد، وصاحِبُ المخزن، وغيرهما، فيمن يَصلُحُ أن يليَ الخلافة. فقال الوزير: أحدُ عُمومةِ الراشِدِ، وهو رجلٌ صالحٌ. قال: من هو؟ قال: لا أقدِرُ أن أُفصِحَ باسمِه لِئَلَّا يُقتَلَ، فتقَدَّم إليهم بعَمَلِ مَحضَرٍ في خَلعِ الرَّاشِدِ، فعَمِلوا محضرًا ذَكَروا فيه ما ارتكَبَه من أخذِ الأموالِ وأشياءَ تَقدَحُ في الإمامةِ، ثمَّ كَتَبوا فتوى: ما يقولُ العُلَماءُ فيمن هذه صِفَتُه، هل يَصلُحُ للإمامةِ أم لا؟ فأفتَوا أنَّ مَن هذه صِفَتُه لا يصلُحُ أن يكون إمامًا، فلمَّا فرغوا من ذلك أحضروا القاضيَ أبا طاهر بن الكرخي، فشَهِدوا عنده بذلك، فحَكَم بفِسقِه وخَلْعِه، وحَكمَ بعدَه غَيره، ولم يكن قاضي القضاة حاضِرًا ليَحكُمَ؛ فإنَّه كان عند عماد الدين زنكي بالمَوصِل، ثمَّ إنَّ شَرَفَ الدين الوزير ذكَرَ للسُّلطانِ أبا عبدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ المُستظهِر بالله، ودِينَه، وعَقْلَه، وعِفَّتَه، ولِينَ جانِبِه، فحضر السُّلطانُ دارَ الخلافة ومعه الوزيرُ شرف الدين الزينبي، وصاحبُ المخزن ابن البقشلاني وغيرهما، وأمر بإحضارِ الأميرِ أبي عبد الله محمد بن المستظهر مِنَ المكان الذي يَسكُنُ فيه، فأُحضِرَ وأُجلِسَ في المثمنة، ودخل السُّلطانُ إليه والوزيرُ شَرَف الدين وتحالفا، وقرَّرَ الوزيرُ القواعِدَ بينهما، وخرج السُّلطانُ مِن عنده وحضر الأمراءُ وأربابُ المناصِبِ والقُضاةُ والفُقَهاءُ وبايعوا ثامِنَ عَشَرَ ذي الحجة ولُقِّبَ المقتفيَ لأمر الله، ولَمَّا استُخلِفَ سُيِّرَت الكُتُب الحَكيمةُ بخِلافتِه إلى سائِرِ الأمصار، ثمَّ تتَبَّعَ المقتفي القَومَ الذين أفتَوا بفِسقِ الرَّاشِدِ وكَتَبوا المحضر، وعاقَب مَن استحَقَّ العقوبةَ، وعَزَل من يستحِقُّ العَزْلَ، ونكب الوزيرُ شرف الدين علي بن طراد. وقال المقتفي: إذا فعلوا هذا مع غيري فهم يفعلونَه معي، واستصفى أموالَ الزينبي، واستوزر عِوَضَه سديدَ الدَّولةِ بنَ الأنباري.
عزل الوزير بهرام الأرمني وزير حاكم مصر الفاطمي .
العام الهجري : 531 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
هرب تاجُ الدَّولةِ بهرام وزيرُ الحافظ لدينِ الله الفاطمي صاحِبِ مِصرَ، وكان قد استوزَرَه بعد قَتلِ ابنِه حَسَن، وكان نصرانيًّا أرمنيًّا، فتمَكَّنَ في البلاد واستعمَلَ الأرمن وعزل المُسلِمين، وأساء السيرةَ فيهم وأهانَهم هو والأرمنُ الذين ولَّاهم وطَمِعوا فيهم، فلم يكُنْ في أهلِ مِصرَ مَن أنِفَ ذلك إلَّا رضوان بنُ الريحيني؛ فإنَّه لَمَّا ساءه ذلك وأقلَقَه جَمَعَ جَمعًا كثيرًا وقَصَد القاهرة، فسمِعَ به بهرام، فهَرَب إلى الصعيد مِن غيرِ حَربٍ ولا قتال، وقصَدَ مدينةَ أُسوانَ فمَنَعَه واليها من الدُّخولِ إليها وقاتَلَه، فقَتَل السودانُ مِن الأرمنِ كثيرًا، فلمَّا لم يَقدِرْ على الدخولِ إلى أسوان أرسل إلى الحافِظِ يَطلُبُ الأمانَ فأمَّنَه، فعاد إلى القاهرةِ، فسُجِنَ بالقَصرِ، فبَقِيَ مُدَّةً، ثمَّ ترَهَّبَ وخرج من الحَبسِ. وأمَّا رضوانُ فإنَّه وزر للحافِظِ ولُقِّبَ بالمَلِك الأفضَلِ، وهو أوَّلُ وزيرٍ للمِصريِّينَ لُقِّبَ بالمَلِك.
فتح المسلمين حصن وادي ابن الأحمر من الفرنج .
العام الهجري : 531 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
سار عسكَرُ دِمشقَ مع مُقَدَّمِهم الأميرِ بزاوش إلى طرابلس الشَّام، فاجتمع معه من الغُزاةِ المُتطَوِّعة والتركمان أيضًا خَلقٌ كثير، فلَمَّا سَمِعَ القُمص- كبيرُ القَساوِسة- صاحِبُها بقُربِهم مِن ولايتِه، سار إليهم في جُموعِه وحُشودِه، فقاتَلَهم وانهزم الفرنجُ وعادوا إلى طرابلسَ على صورةٍ سَيِّئةٍ، وقد قُتِلَ كثيرٌ مِن فُرسانِهم وشُجَعانِهم، فنهب المسلمونَ مِن أعمالهم الكثيرَ، وحَصَروا حِصنَ وادي ابنِ الأحمر فمَلَكوه عَنوةً ونَهَبوا ما فيه، وقَتَلوا المُقاتِلةَ، وسَبَوا الحريمَ والذُّريَّة، وأسَروا الرِّجالَ فاشتَرَوا أنفُسَهم بمالٍ جَليلٍ، وعادوا إلى دِمشق سالِمينَ.
ملك أتابك زنكي قلعة بعرين وهزيمة الفرنج .
العام الهجري : 531 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
سار أتابك عمادُ الدين زِنكي من المَوصِلِ إلى الشَّامِ وحصَرَ قلعةَ بعرين، وهي تُقارِبُ مدينةَ حَماةٍ، وهي مِن أمنَعِ معاقِلِ الفِرنجِ وأحصَنِها، فلمَّا نزل عليها قاتَلَها، وزحف إليها، فجمَعَ الفِرنجُ فارِسَهم وراجِلَهم، وساروا في قَضِّهم وقَضيضِهم، ومُلوكِهم وقَمامِصتِهم- كبارِ القَساوسة – وأمرائهم إلى أتابك زنكي؛ لِيُرحِّلوه عن بعرين، فلم يَرحَلْ وصبَرَ لهم إلى أن وصَلوا إليه، فلَقِيَهم وقاتَلَهم أشَدَّ قِتالٍ رآه الناسُ، وصبَرَ الفريقان ثمَّ أجلَت الوقعةُ عن هزيمة الفرنج، وأخذَتْهم سيوفُ المُسلِمينَ مِن كُلِّ جانبٍ، واحتمى ملوكُهم وفُرسانُهم بحِصن بعرين لقُربِه منهم، فحصَرَهم زنكي فيه، ومنع عنهم كُلَّ شَيءٍ حتى الأخبار، فكان مَن به منهم لا يَعلَمُ شيئًا مِن أخبارِ بلادِهم لشِدَّةِ ضَبطِ الطُّرُقِ وهَيبتِه على جُندِه، ثمَّ إنَّ القسوس والرُّهبانَ دَخَلوا بلادَ الرُّومِ وبلادَ الفِرنجِ وما والاها مُستَنفِرينَ على المُسلِمينَ، وأعلموهم أنَّ زنكي أخذ قلعةَ بعرين ومَن فيها من الفرنجِ، ومَلَك جميعَ بلادِهم بأسرَعِ وَقتٍ، وأنَّ المُسلِمينَ ليس لهم هِمَّةٌ إلَّا قَصدُ البيت المُقَدَّس، فحينئذٍ اجتَمَعت النصرانيَّة وساروا على الصَّعبِ والذَّلول، وقَصَدوا الشام، وأمَّا زنكي فإنَّه جَدَّ في قتال الفرنج، فصبَروا وقَلَّت عليهم الذَّخيرةُ، فإنهم كانوا غيرَ مُستعدِّينَ، ولم يكونوا يعتَقِدونَ أنَّ أحدًا يَقدَمُ عليهم، بل كانوا يتوقَّعونَ أنَّه مَلَك باقيَ الشَّامِ، فلمَّا قَلَّت الذخيرةُ أكلوا دوابَّهم، وأذعنوا بالتَّسليمِ لِيُؤَمِّنَهم، ويَترُكَهم يعودونَ إلى بلادِهم، فلم يُجِبْهم إلى ذلك، فلمَّا سَمِعَ باجتِماعِ مَن بَقِيَ مِن الفرنجِ ووصولِ مَن قَرُب إليهم أعطى لِمَن في الحِصنِ الأمانَ، وقَرَّر عليهم خمسينَ ألف دينارٍ يحمِلونَها إليه، فأجابوه إلى ذلك فأطلَقَهم، فخرجوا وسَلَّموا إليه، وكان زنكي في مُدَّةِ مُقامِه عليهم قد فتح المَعَرَّة وكفْر طاب مِنَ الفِرنجِ، فكان أهلُها وأهلُ سائِرِ الوِلاياتِ التي بين حَلَب وحَماة مع أهلِ بعرين في الخِزيِ؛ لأنَّ الحَربَ بينهم قائِمةٌ على ساقٍ، والنَّهب والقَتل لا يزال بينهم، فلمَّا مَلَكَها أمِنَ النَّاسُ، وعَمَرت البلادُ وعَظُم دَخلُها، وكان فتحًا مُبينًا. قال ابنُ الأثير: "ومِن أحسَنِ الأعمالِ وأعدَلِها ما عَمِلَه زِنكي مع أهل المعرَّة؛ فإنَّ الفرنجَ لَمَّا مَلَكوا المعَرَّة كانوا قد أخذوا أموالَهم وأملاكَهم، فلمَّا فتَحَها زنكي الآن حضَرَ مَن بَقِيَ مِن أهلِها ومعهم أعقابُ مَن هَلَك، وطلبوا أملاكَهم، فطلب منهم كَتْبَها، فقالوا: إنَّ الفِرنجَ أخذوا كلَّ ما لنا، والكُتُب التي للأملاكِ فيها. فقال: اطلبوا دفاتِرَ حَلَب، وكُلُّ مَن عليه خراجٌ على مُلكٍ يُسَلَّم إليه، ففعلوا ذاك، وأعاد على النَّاسِ أملاكَهم، وهذا من أحسَنِ الأفعالِ وأعدَلِها".
قصد ملك الروم الشام وأخذه بلادًا كثيرة من الفرنج .
العام الهجري : 531 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
أرسل الفِرنجُ إلى مَلِك القُسطنطينيَّة يَستَصرِخونَ به ويَعرِفونَه ما فعَلَه زنكي فيهم، ويَحثُّونَه على لحاقِ البِلادِ قبل أن تُملَك، ولا يَنفَعُه حينئذٍ المجيءُ، فتجَهَّزَ وسار مُجِدًّا فابتدأ ورَكِبَ البَحرَ وسار إلى مدينةِ أنطاكيا، وهي له على ساحِلِ البحر، فأرسى فيها، وأقام ينتَظِرُ وُصولَ المراكِبِ التي فيها أثقالُه وسِلاحُه، فلمَّا وَصَلت سار عنها إلى مدينةِ نيقية وحصَرَها، فصالحه أهلُها على مالٍ يُؤدُّونَه إليه، وقيل: بل ملَكَها وسار عنها إلى مدينةِ أدنة ومدينة المصيصة، وهما بيدِ ابنِ ليون الأرمني، صاحِبِ قلاع ِالدُّروبِ، فحَصَرهما ومَلَكَهما، ورحلَ إلى عين زربة فمَلَكها عَنوةً، ومَلَك تل حمدون، وحمَلَ أهلَه إلى جزيرةِ قبرص، وعبَرَ ميناء الإسكندرونة ثمَّ خرج إلى الشامِ فحصَرَ مدينة أنطاكية، وضَيَّقَ على أهلها، وبها صاحِبُها الفرنجيُّ ريمند، فتردَّدَت الرسُلُ بينهما، فتصالحَا ورحَلَ عنها إلى بغراص، ودخل منها بلدَ ابن ليون الأرمني، فبذل له ابنُ ليون أموالًا كثيرةً ودخل في طاعتِه.
عماد الدين زنكي ينجد أهل حلب من عدوان ملك الروم .
العام الهجري : 532 العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
لَمَّا استنجَدَ أهلُ حَلَب بعماد الدين زنكي فارق حمصَ وسار إلى سِلميَّة فنازلها، وعبَرَ الفُراتَ إلى الرقَّة، وأقام جريدة- الجريدة خَيْلٌ لا رَجَّالةَ فيها- لَيتبَعَ الرُّومَ ويَقطَعَ عنهم الميرةَ، وأمَّا الرومُ فإنَّهم قَصَدوا قلعةَ شيزر؛ فإنَّها من أمنَعِ الحُصونِ، وإنَّما قَصَدوها لأنَّها لم تكُنْ لزنكي، فلا يكونُ له في حِفظِها الاهتمامُ العظيمُ، وإنَّما كانت للأميرِ أبي العساكِرِ سُلطانِ بنِ عليِّ بنِ مقلد بن نصر بن منقذ الكناني، فنازلوها وحَصَروها، ونَصَبوا عليها ثمانيةَ عشَرَ مَنجنيقًا، فأرسل صاحِبُها إلى زنكي يستنجِدُه، فسار إليه فنزل على نَهرِ العاصي بالقُربِ منها، بينها وبين حَماة، ثمَّ إنَّه أرسل إلى مَلِك الرُّومِ يقولُ له: إنَّكم قد تحصَّنتُم مني بهذه الجِبالِ، فانزِلوا منها إلى الصَّحراءِ حتى نلتقيَ، فإنْ ظَفِرْتُ بكم أرحَتُ المُسلمينَ منكم، وإن ظَفِرتُم استرحتُم وأخذتُم شيزر وغيرها. ولم يكُنْ له بهم قُوَّةٌ وإنَّما كان يُرهِبُهم بهذا القَولِ وأشباهِه، فأشار فرنجُ الشَّامِ على مَلِكِ الرُّومِ بمُصافَّتِه، وهَوَّنوا أمْرَه عليه، فلم يفعَلْ، وكان زنكي يُرسِلُ أيضًا إلى مَلِكِ الرُّومِ يُوهِمُه بأنَّ فِرنجَ الشَّامِ خائِفونَ منه، فلو فارق مكانَه لتخَلَّوا عنه، ويُرسِلُ إلى فِرنجِ الشَّامِ يُخَوِّفُهم مِن مَلِك الرُّومِ ويَقولُ لهم: إنْ مَلَكَ بالشَّامِ حِصنًا واحِدًا مَلَك بلادَكم جميعًا؛ فاستشعر كُلٌّ مِن صاحِبِه، فرحل مَلِكُ الروم عنها في رمضانَ، وكان مُقامُه عليها أربعةً وعِشرينَ يومًا، وتَرَك المجانيقَ وآلاتِ الحِصارِ بحالِها، فسار أتابك زنكي يَتبَعُ ساقةَ العسكَرِ، فظَفِرَ بكَثيرٍ ممَّن تخَلَّف منهم، وأخذ جميعَ ما تَرَكوه.
انهيار دولة السلاجقة على أيدي الأتابك .
العام الهجري : 532 العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
الأتابِكةُ جَمعُ أتابك، وهي كَلِمةٌ مُرَكَّبةٌ مِن لفظينِ تُركيِّينِ «أتا» أي: الأبُ، أو المُرَبِّي، و«بِك» أي: الأمير، فيكون معنى الكلمة «مربي الأمير» ثم صارت مع الأيام تُستعمَلُ لدَلالاتٍ أخرى، بينها: المَلِك، والوزير الكبير، والأُمَراء البارزون الذين يَمُتُّون بصلةِ القَرابةِ إلى السلاجقةِ والأُمراء الأقوياء. كذلك أُطلِقَت في عهد المماليك على من تُعهَدُ إليه إمارةُ العَسكَرِ، ومنه شاع لَقَبُ «أتابِك العسكر». وأوَّلُ مَن لُقِّبَ بهذا اللَّقَبِ نِظامُ الملك وزيرُ السُّلطان ملك شاه السلجوقي، حين فُوِّضَ إليه تدبيرُ المملكةِ سنة 465 فإذا ولَّى السُّلطانُ أحدَ أبنائه حُكْمَ مدينةٍ أو ولاية، أرسَلَ معه أتابِكَه ليكونَ عَونًا له في الحُكمِ. وكثيرًا ما كان الأتابكُ ينزِعُ إلى استِغلالِ نُفوذِه والتسَلُّط على الأمير، وقد استفاد هؤلاء الأتابكةُ مِن ضَعفِ الدَّولةِ وتنازُعِ أبناءِ الأُسرة السلجوقيَّة؛ للاستِئثارِ بالسَّلطَنةِ فعَمِلوا من أجلِ الانفِرادِ بالمناطِقِ التي تحت حُكمِهم، والتوسُّع والسَّيطرة على الأراضي المُجاورة، كما أنَّهم عَمِلوا على توريثِ هذه المناطِقِ لأبنائِهم، فنَشَأت ضِمنَ السَّلطنةِ السلجوقيَّة دُوَيلاتٌ كثيرةٌ مُتَناثِرةٌ عُرِفَت باسمِ دُوَل الأَتابكةِ، وأخذَ نُفوذُها بالازديادِ. وكان الأتابِكةُ يَستَغِلُّونَ نُفوذَهم بين الحينِ والآخَرِ في تحريضِ أفراد البيتِ السُّلجوقي، وإِطماعِهم بالسُّلطةِ. كان الأتابكةُ حتى عَهدِ السُّلطانِ مسعود بنِ مُحمَّد 527-547 يستَتِرونَ وراء السَّلاطين، وبعد وفاتِه أخَذَ نَجمُ هؤلاء الأتابِكةِ بالصُّعودِ، وسَيطَروا على مقاليدِ الأمورِ، وصار سلاطينُ السَّلاجقة أدواتٍ في أيديهم يأتَمِرونَ بأوامِرِهم ويُنَفِّذونَ رَغَباتِهم. وفي الوَقتِ ذاتِه كانت الأتابكيَّات تتنافَسُ فيما بينها وتتصارَعُ؛ مِمَّا مَهَّد السَّبيلَ للمَغولِ لاجتياحِ أقاليمِ بلادِ ما وراءَ النَّهرِ وفارس والعراق وأذربيجان وغيرِها.
عماد الدين زنكي يضم حمص وغيرها لحكمه .
العام الهجري : 532 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
وصل زنكي حَماة وسار منها إلى بقاعِ بعلبك، فمَلَك حِصنَ المجدل، وكان لصاحِبِ دمشق، وراسله مُستحفِظُ بانياس وأطاعه، وسارَ إلى حمص وحصَرَها. ثمَّ رحَلَ عنها إلى سلميَّة؛ بسبَبِ نُزولِ الرومِ على حلَب، ثمَّ عاد إلى مُنازلةِ حمص فسُلِّمَت إليه المدينةُ والقَلعةُ.
حدوث زلزلة عظيمة بالشام والجزيرة وديار بكر وغيرها .
العام الهجري : 532 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
وقَعَت زلزلةٌ عَظيمةٌ بالشَّامِ والجزيرةِ وديارِ بَكرٍ والمَوصِل والعراقِ وغيرها مِن البلادِ، فخَرَّبَت كثيرًا منها، وهَلَك تحت الهَدمِ عالمٌ كثيرٌ.
الحرب بين السُّلطان مسعود والملك داود ومن معه من الأمراء .
العام الهجري : 532 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:
فارق الرَّاشِدُ باللهِ الخليفةَ المخلوعَ أتابك زنكي من الموصِل وسارَ نحو أذربيجان، فوصَلَ مراغةَ، وكان الأميرُ منكبرس صاحِبُ فارس، ونائبُه بخوزستان الأميرُ بوزابة، والأميرُ عبدُ الرَّحمنِ طغايرك صاحِبُ خلخال، والمَلِكُ داود بن السُّلطان محمود؛ مُستشعرينَ مِن السُّلطانِ مَسعود، خائفينَ منه، فتجَمَّعوا ووافَقوا الرَّاشِدَ على الاجتِماعِ معهم؛ لتَكونَ أيديهم واحدةً، ويَرُدُّوه إلى الخِلافةِ، فأجابهم إلى ذلك إلَّا أنَّه لم يجتَمِعْ معهم، ووصل الخبَرُ إلى السُّلطانِ مَسعود وهو ببغدادَ باجتماعِهم، فسار عنها في شعبانَ نَحوَهم، فالتَقَوا ببنجن كشت، فاقتتلوا، فهزمهم السُّلطانُ مسعود، وأخذ الأميرَ منكبرس أسيرًا فقُتِلَ بين يديه صَبرًا، وتفَرَّقَ عَسكَرُ مسعود في النَّهبِ واتِّباع المنهزمين، وكان بوزابة وعبدُ الرحمن طغايرك على أرضٍ مُرتفعةٍ فرأيا السُّلطانَ مسعودًا وقد تفَرَّقَ عَسكَرُه عنه، فحَمَلا عليه وهو في قِلَّةٍ فلم يَثبُت لهما وانهزَم، وقَبَض بوزابة على جماعةٍ مِن الأمراء: منهم صَدَقةُ بنُ دبيس صاحِبُ الحلة، ومنهم ولد أتابك قراسنقر صاحِبُ أذربيجان، وعنتر بن أبي العَسكَر وغيرُهم، وتَرَكَهم عنده. فلما بلغه قتلُ صاحبه منكبرس قتلهم جميعًا وصار العَسكران مهزومَينِ، وقصد السُّلطانُ مسعود أذربيجان، وقصد المَلِكُ داود همذان، ووصل إليها الرَّاشِدُ بعد الوقعةِ، فاختَلَفت آراءُ الجماعة، فبَعضُهم أشار بقَصدِ العِراقِ والتغَلُّب عليه، وبعضُهم أشار باتِّباعِ السُّلطانِ مَسعود للفراغِ منه؛ فإنَّ ما بعده يَهونُ عليهم. وكان بوزابة أكبَرَ الجماعةِ فلم يَرَ ذلك، وكان غرَضُه المسيرَ إلى بلادِ فارِسَ وأخْذِها بعد قَتلِ صاحِبِها منكبرس قبل أن يمَتِنَع مَن بها عليه، وسار بوزابة إليها فمَلَكها، وصارت له مع خوزستان، وسار سلجوق شاه بن السُّلطانِ محمَّد إلى بغداد ليملِكَها، فخرج إليه البقش الشحنة بها: ونظر الخادم أمير الحاجِّ وقاتلوه ومَنَعوه، وكان عاجزًا مُستضعَفًا، ولَمَّا قُتِلَ صَدَقة بن دبيس أقَرَّ السُّلطان مسعود الحلةَ على أخيه محمَّد بن دبيس وجعَلَ معه مهلهل بن أبي العسكر أخا عنتر المقتول يدَبِّرُ أمرَه.
تصدي أهل حلب لعدوان ملك الروم على حلب وهزيمته .
العام الهجري : 532 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:
لَمَّا انتهى مَلِكُ الرُّومِ مِن احتِلالِ بزاعةَ وغَدْره بأهلِها، ارتحل إلى حلَب ونَزَل على قويق (نهر بحلب) فزحف المَلِكُ بجَيشِه ومعه الفرنجُ الذين بساحل الشام، على حَلَب من الغد في خَيلِهم ورَجِلِهم، فخرج إليهم أحداثُ حَلَب، فقاتلوهم قتالًا شَديدًا، فقُتِلَ مِن الرُّومِ وجُرِحَ خَلقٌ كَثيرٌ، وقُتِلَ بِطْريقٌ جَليلُ القَدرِ عندهم، وعادوا خاسرينَ، وأقاموا ثلاثةَ أيَّامٍ فلم يَرَوا فيها طَمَعًا، فرحلوا إلى قلعةِ الأثارب، فخاف مَن فيها من المُسلِمينَ، فهربوا عنها تاسِعَ شَعبانَ فمَلَكَها الرومُ وتَرَكوا فيها سبايا بزاعة والأسرى ومعهم جمعٌ مِن الروم يَحفَظونَهم ويَحمُونَ القلعةَ وساروا، فلمَّا سَمِعَ الأميرُ أسوار بحَلَب ذلك رحل فيمن عنده من العسكَرِ إلى الأثارب، فأوقع بمَن فيها من الروم، فقتَلَهم، وخَلَّص السَّبيَ والأسرى وعاد إلى حَلَب.
وصول ملك الروم إلى الشام .
العام الهجري : 532 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:
وصل مَلِكُ الرُّومِ إلى الشَّامِ وخافه النَّاسُ خَوفًا عظيمًا، وقصَدَ بزاعةَ فحَصَرها، وهي مدينةٌ قَريبةٌ مِن حَلَب، فمضى جماعةٌ مِن أعيانِ حَلَب إلى أتابك زنكي وهو يحاصِرُ حمص، فاستغاثوا به واستنصَروه، فسَيَّرَ معهم كثيرًا من العساكِرِ، فدخلوا إلى حَلَب ليَمنَعوها من الرُّومِ إن حَصَروها، ثمَّ إنَّ مَلِكَ الرومِ قاتل بزاعة، ونَصَب عليها منجنيقاتٍ، وضَيَّق على مَن بها فمَلَكَها بالأمانِ في الخامسِ والعشرينَ مِن رَجَب، ثم غدَرَ بأهلِها فقَتَل منهم وأسَرَ وسَبى، وكان عِدَّةُ مَن جُرِحَ فيها مِن أهلِها خَمسةُ آلافٍ وثمانمئة نفسٍ، وتنصَّرَ قاضيها وجماعةٌ مِن أعيانها نحو أربعمئة نفس؛ خوفًا مِن القَتلِ, فلِلَّهِ الأمرُ، وأقام الرومُ بعد مُلكِها عشرةَ أيَّامٍ يتطَلَّبونَ مَن اختَفى، فقيل لهم: إنَّ جَمعًا كثيرًا مِن أهلِ هذه الناحيةِ قد نزلوا إلى المغاراتِ، فدخنوا عليهم، وهَلَكوا في المغاوِرِ، "وبلغ خبَرُ احتلالِ الرومِ بزاعةَ، وقتْلِهم الذكورَ وسبْيِ النِّساءِ والصِّبيان، فاستنفر النَّاسُ السُّلطانَ للدِّفاعِ عن المُسلِمينَ في الشام، ومنعوا الخُطبةَ والخُطَباء ببغداد وقَلَعوا طوابيقَ الجوامِعِ
مقتل الخليفة العباسي الراشد بالله .
العام الهجري : 532 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:
هو أميرُ المُؤمِنينَ: أبو جعفر الرَّاشِدُ باللهِ مَنصورُ بنُ المسترشدِ باللهِ الفَضلِ بنِ أحمدَ العباسي، وُلِدَ سنة 502 في رمضان. وقيل: وُلِدَ بلا مَخرجٍ، ففُتِقَ له مخرجٌ بآلةٍ مِن ذهَبٍ، وأمُّه أم ولد. خُطِبَ له بولايةِ العَهدِ سنة 513، واستخلف في ذي القعدة، سنة 529, وكان أبيضَ مليحًا، تامَّ الشَّكلِ، شديدَ الأيدِ. وكان حَسَنَ السِّيرةِ، مُؤثِرًا للعَدلِ، فصيحًا، عَذْبَ العبارةِ، أديبًا شاعرًا جَوادًا، قال أبو طالبٍ بنُ عبد السميع: "مِن كلامِ الرَّاشِدِ: إنَّا نَكرَهُ الفِتَنَ؛ إشفاقًا على الرعيَّة، ونُؤثِرُ العَدلَ والأمْنَ في البَريَّة، ويأبى المَقدور إلَّا تَصَعُّبَ الأمور، واختلاطَ الجمهور، فنسألُ اللهَ العَونَ على لمِّ شَعثِ النَّاس بإطفاءِ ثائرةِ البَاس". وقال أبو الحسن البيهقي: "الراشِدُ باللهِ أعطاه اللهُ مع الخِلافةِ صُورةً يُوسُفيَّة، وسِيرةً عُمَريَّة". خرج الرَّاشِدُ باللهِ إلى همذان، وبها المَلِكُ داود وبوزابة ومَن معهما من الأُمَراءِ والعساكِرِ بعد انهزامِ السُّلطانِ مَسعود وتفَرُّقِ العساكر، وكان بعد خروجِ الرَّاشِدِ مِن بغدادِ مجيءُ السُّلطانِ مَسعود بنِ مُحمَّد بن ملكشاه، فاجتمع بالأعيانِ، وخَلَعوا الرَّاشِدَ، وبايعوا عَمَّه المُقتفيَ. وقيل: "إنَّ السُّلطانَ مَسعودًا أخرج خَطَّ الرَّاشِدِ يقولُ فيه: إنِّي متى عَسكَرْتُ أو خرَجْتُ، انعَزَلتُ" لم تَطُلْ أيَّامُه حتى خرج إلى المَوصِل، ثمَّ إلى أذربيجان، وعاد إلى أصبهان، فأقام على بابِها مع السُّلطان داود، محاصِرًا لها، فقَتَلَتْه الملاحِدةُ هناك، ففي الخامِسِ والعشرون من رمضان وثب عليه نفَرٌ مِن الخراسانيَّة الذين كانوا في خِدمتِه، فقَتَلوه وهو يريدُ القَيلولةَ، وكان في أعقابِ مَرَضٍ قد بَرِئَ منه. ودُفِنَ بظاهرِ أصفهان بشهرستان، فرَكِبَ مَن معه فقَتَلوا الباطنيَّةَ.
حال ابن بكران العيار بالعراق .
العام الهجري : 532 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:
عَظُمَ أمرُ ابنِ بَكرانَ العَيَّار بالعراقِ، وكَثُرَ أتباعُه، وصار يَركَبُ ظاهِرًا في جمعٍ من المُفسِدينَ، وخافه الشَّريفُ أبو الكرم الوالي ببغدادَ، فأمر أبا القاسِمِ ابنَ أخيه حاميَ بابِ الأزجِ أن يشتَدَّ عليه ليأمَنَ شَرَّه، وكان ابنُ بكران يُكثِرُ المُقامَ بالسَّوادِ، ومعه رفيقٌ له يُعرَفُ بابن البزاز، فانتهى أمرُهما إلى أنَّهما أرادا أن يضرِبَا باسمِهما سكَّةً في الأنبارِ، فأرسل الشحنةُ والوزيرُ شَرَفُ الدين الزينبي إلى الوالي أبي الكرَمِ وقالا: إمَّا أن تَقتُلَ ابنَ بَكرانَ، وإمَّا أن نَقتُلَك، فأحضَرَ ابن أخيه وعَرَّفَه ما جرى، وقال له: إمَّا أن تختارَني ونَفسَك، وإمَّا أن تختارَ ابنَ بَكرانَ، فقال أنا أقتُلُه، وكان لابنِ بكران عادةٌ يجيءُ في بعضِ اللَّيالي إلى ابنِ أخي أبي الكرمِ، فيُقيمُ في دارِه ويَشرَبُ عنده، فلمَّا جاء على عادَتِه وشَرِبَ، أخذ أبو القاسِمِ سلاحَه ووثَبَ به فقتَلَه وأراح النَّاسَ مِن شَرِّه، ثمَّ أُخِذَ بَعدَه بيَسيرٍ رَفيقَه ابنَ البزازِ وصُلِبَ، وقُتِلَ معه جماعةٌ مِن الحراميَّة، فسَكَن النَّاسُ واطمأنُّوا وهدأت الفِتنةُ.
انتصار الموحدين على المرابطين في المغرب .
العام الهجري : 533 العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:
توجَّه عبدُ المؤمن لِمُلاقاةِ المرابطين، إلى جَبَل كرناطة، فنَزَل في أرضٍ صُلبة، بين شَجَر، ونزل تاشفين بنُ علي قُبالتَه، في الوطأةِ في أرضٍ لا نباتَ فيها، وكان الفَصلُ شاتيًا، فتوالت الأمطارُ أيامًا كثيرةً لا تُقلِعُ، فصارت الأرضُ التي فيها تاشفين وأصحابُه كثيرةَ الوحل، تسوخُ فيها قوائمُ الخيلِ إلى صُدورِها، ويَعجِزُ الرَّجُلُ عن المشيِ فيها، وتقَطَّعَت الطرقُ عنهم، فأوقدوا رماحَهم، وقرابيسَ سُروجِهم، وهلكوا جوعًا وبردًا وسوءَ حالٍ, وكان عبدُ المؤمن وأصحابُه في أرضٍ خَشنةٍ صُلبةٍ في الجَبَل، لا يبالونَ بشَيءٍ، والميرةُ مُتَّصِلةٌ إليهم، وفي ذلك الوقتِ سَيَّرَ عبدُ المؤمن جيشًا إلى وجرةَ مِن أعمالِ تلمسان، ومُقَدَّمُهم أبو عبد الله محمد بن رقو، فبلغ خبَرُهم إلى محمد بن يحيى بن فانوا، متولِّي تلمسان، فخرج في جيشٍ مِن الملثمين، فالتَقَوا بموضعٍ يُعرَفُ بخندق الخمر، فهَزَمَهم جيشُ عبد المؤمن، وقُتِلَ مُحمَّدُ بنُ يحيى وكثيرٌ من أصحابه، وغَنِموا ما معهم ورَجَعوا، فتوجَّهَ عبدُ المؤمن بجَميعِ جَيشِه إلى غمارة، فأطاعوه قبيلةً بعد قبيلةٍ، وأقام عندهم مُدَّةً. وما بَرِحَ يمشي في الجِبالِ، وتاشفين يُحاذيه في الصَّحاري، فلم يَزَل عبدُ المؤمن كذلك إلى سنةِ خَمس وثلاثين، فتوفِّيَ أميرُ المُسلِمينَ عليُّ بنُ يوسُفَ بمراكش ومَلَك بعدَه ابنُه تاشفين، فقَوِيَ طَمَعُ عبد المؤمن في البلاد، إلَّا أنَّه لم يَنزِل الصَّحراءَ.
استيلاء قراسنقر صاحِبُ أذربيجان على بلاد فارس .
العام الهجري : 533 العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:
جمَعَ أتابك قراسنقر صاحِبُ أذربيجان عساكِرَ كثيرةً وحَشَد، وسار طالبًا بثأرِ أبيه الذي قتَلَه بوزابة, فلمَّا قارب السُّلطانَ مَسعودًا أرسل إليه يطلُبُ منه قَتْلَ وزيرِه الكمال، فقَتَله، فلمَّا قُتِلَ سار قراسنقر إلى بلاد فارس، فلما قارَبَها تحصَّنَ بوزابة منه في القلعةِ البيضاء، ووطئ قراسنقر البلادَ، وتصَرَّفَ فيها، وليس له فيها دافِعٌ ولا مانِعٌ إلَّا أنَّه لم يُمكِنْه المُقامُ، ومَلَك المُدنَ التي في فارس، فسَلَّم البلادَ إلى سلجوق شاه بن السُّلطانِ محمود، وقال له: هذه البلادُ لك فاملك الباقي؛ وعاد إلى أذربيجان فنزل حينئذٍ بوزابة من القلعةِ سنةَ أربع وثلاثين، وهزم سلجوق شاه ومَلَك البلادَ، وأسَرَ سلجوق شاه وسجَنَه في قلعةٍ بفارس.
وقعة عظيمة بين السُّلطان سنجر وخوارزم شاه وانتصار سنجر عليه .
العام الهجري : 533 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:
سار السُّلطانُ سنجرُ بنُ ملكشاه إلى خوارِزمَ مُحاربًا لخوارزم شاه أتسز بن محمد. وسبَبُ ذلك أنَّ سنجر بلَغَه أنَّ أتسز يحَدِّثُ نَفسَه بالامتِناعِ عليه وتَرْكِ الخِدمةِ له، وأنَّ هذا الأمر قد ظهرَ على كثيرٍ مِن أصحابِه وأُمَرائِه، فأوجَبَ ذلك قَصْدَه وأخْذَ خوارزمَ منه، فجمَعَ سنجر عساكرَه وتوجَّه نَحوَه، فلمَّا قَرُبَ مِن خوارزم خرج خوارِزم شاه إليه في عساكِرِه، فلقيه مُقابِلًا وعَبَّأَ كلُّ واحدٍ منهما عساكِرَه وأصحابَه، فاقتَتَلوا، فلم يكُنْ للخوارزميَّةِ قُوَّةٌ بالسُّلطانِ، فلم يَثبُتوا، ووَلَّوا مُنهزمينَ، وقُتِلَ منهم خلقٌ كثيرٌ، ومَلَكَ سنجرُ خوارزمَ وأقطَعَها غياثَ الدين سليمان شاه ولدَ أخيه محمَّد، ورتَّبَ له وزيرًا وأتابكًا وحاجِبًا، وقرَّرَ قواعِدَه، وعادَ إلى مَرْوٍ في جمادى الآخرة مِن هذه السنة، فلمَّا فارق سنجر خوارزمَ عائدًا انتهَزَ خوارزم شاه الفُرصةَ فرجَعَ إليها، وكان أهلُها يَكرَهونَ العَسكَرَ السنجريَّ ويُؤثِرونَ عودةَ خوارزم شاه، فلمَّا عاد أعانوه على مِلْكِ البلدِ، ففارقهم سليمان شاه ومَن معه ورجَعَ إلى عَمِّه السُّلطانِ سنجر.
مقتل شهاب الدين محمود بن تاج الملوك صاحب دمشق .
العام الهجري : 533 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1139
تفاصيل الحدث:
هو المَلِكُ شِهابُ الدِّينِ، أبو القاسِمِ محمودُ بنُ تاج الملوك بوري بن الأتابك طغتكين صاحِب دمشقَ. تمَلَّك بعد مَقتَلِ أخيه شمسِ الملوك، بإعانةِ أمِّه زمرد، وكان مُقَدَّمَ عَسكَرِه مُعينُ الدين أنر. قال ابنُ عساكر: "كانت الأمورُ تجري في أيَّامه على استقامةٍ، إلى أن وثَبَ عليه جماعةٌ مِن خَدَمِه، فقتلوه في شوَّال، هذه السنة"، قُتِلَ على فِراشِه غِيلةً، قتله ثلاثةٌ مِن غِلمانِه هم خواصُّه وأقربُ النَّاسِ منه في خَلوتِه، وكانوا ينامونَ عنده ليلًا، فقَتَلوه وخرجوا من القلعة وهربوا، فنجا أحدُهم، وأُخِذَ الآخَرانِ فصُلِبا، وكَتَب مَن بدمشقَ إلى أخيه جمالِ الدينِ مُحمَّدِ بنِ بوري صاحب بعلبك، بصورة الحالِ واستدعَوه ليملِكَ بدَلَ أخيه، فحضر في أسرَعِ وَقتٍ، فلمَّا دخل البلد جلسَ للعزاء بأخيه، وحلَفَ له الجندُ وأعيانُ الرعيَّة، وسكن النَّاسُ، وفَوَّضَ أمرَ دَولتِه إلى مُعين الدين أنر، مملوكِ جَدِّه، وزاد في علوِّ مَرتبةِ مُعين الدين، وصار الجُملة والتفصيل، وقد كان خَيِّرًا عاقِلًا حَسَن السِّيرةِ، فجَرَت الأمورُ عنده على أحسَنِ نِظامٍ.
أتابك زنكي يضم بعلبك لحكمه .
العام الهجري : 533 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1139
تفاصيل الحدث:
سار عمادُ الدين أتابك زنكي بن آقسنقر إلى بعلبك، فحَصَرَها ثمَّ مَلَكَها؛ وسبَبُ ذلك أنَّ مَحمودًا صاحِبَ دِمشقَ لَمَّا قُتِلَ كانت والدتُه زمرد خاتون عند أتابك زنكي بحَلَب، قد تزوَّجَها، فوَجَدت لقَتلِ وَلَدِها وَجْدًا شديدًا، وحَزِنَت عليه، وأرسلت إلى زنكي وهو بديارِ الجزيرة تُعَرِّفُه الحادثةَ، وتَطلُبُ منه أن يَقصِدَ دمشقَ ويطلُبَ بثأر ولدها. فلمَّا وقف على هذه الرِّسالةِ بادر في الحالِ مِن غيرِ توقُّفٍ ولا تَرَيُّث، وسار مُجِدًّا ليجعلَ ذلك طريقًا إلى مِلْكِ البلد، وعبَرَ الفرات عازمًا على قَصدِ دِمشقَ، فاحتاط مَن بها، واستعدُّوا، واستكثروا مِن الذخائرِ، ولم يتركوا شيئًا مِمَّا يحتاجون إليه إلَّا وبذلوا الجُهدَ في تحصيلِه، وأقاموا ينتَظِرونَ وصولَه إليهم، فتَرَكهم وسار إلى بعلبك، فوصلَ إليها في العشرين من ذي الحِجَّة من السَّنة فنازلها في عساكِرِه، وضَيَّقَ عليها، وجَدَّ في محاربتِها، ونَصَب عليها من المنجنيقاتِ أربعة عشر عددًا ترمي ليلًا ونهارًا، فأشرف مَن بها على الهلاك، وطلبوا الأمانَ، وسَلَّموا إليه المدينة، وبَقِيَت القلعةُ وبها جماعةٌ مِن شُجعانِ الأتراك، فقاتلهم، فلما أَيِسوا مِن مُعينٍ ونَصيرٍ طلبوا الأمانَ فأمَّنَهم، فسَلَّموا القلعة إليه، فلما نزلوا منها ومَلَكَها غَدَرَ بهم وأمَرَ بصَلبِهم فصُلِبوا ولم ينجُ منهم إلَّا القليلُ، فاستقبَحَ النَّاسُ ذلك مِن فِعْلِه واستعظَموه وخافه غيرُهم وحَذِروه، ولا سيَّما أهلُ دمشق؛ فإنَّهم قالوا: لو مَلَكَنا لفَعَل بنا مِثلَ فِعْلِه بهؤلاء؛ فازدادوا نفورًا وجِدًّا في محاربتِه، ولَمَّا ملك زنكي بعلبك أخذَ الجاريةَ التي كانت لمُعين الدين أنر، فتزوَّجَها بحَلَب.
فتنة رضوان وزير الحافظ العبيدي الفاطمي صاحب مصر .
العام الهجري : 534 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1139
تفاصيل الحدث:
وزَرَ رضوانُ بنُ ولخشي مكانَ بهرام النصراني، وتلقَّبَ بالأفضلِ، ولكِنَّه أساء السيرةَ، وصار بينه وبين الحافِظِ حاكِمِ مِصرَ العُبَيديِّ مُشاحناتٌ حتى حاول الوزيرُ خَلْعَه، فقام الحافِظُ بتدبير الأمرِ والعَمَلِ على إخراجِ الوزيرِ مِن مِصرَ بإثارةِ النَّاسِ عليه، فطلب رضوانُ الشَّامَ، فدخل عسقلانَ ومَلَكَها وجعلَها مَعقِلَه، ثم خرج رضوانُ مِن عسقلان ولحِقَ بصلخد، فنزل على أمينِ الدولة كمشتكين صاحِبِها فأكرَمَه وأبَرَّه، وأقام عنده ثلاثة أشهر. ثم أنفَذَ إلى دمشق، واستفسَدَ مِن الأتراك بها مَن قَدَرَ عليه, ثمَّ عاد الأفضَلُ رضوان مِن صلخد في جمعٍ فيه نحوُ الألف فارس، وكان النَّاسُ في مدة غيبته يَهتُفونَ بعَودِه، فبَرَزَت له العساكِرُ ودافعوه عند بابِ الفتوح، فلم يُطِقْ مُقابلَتَهم؛ فمضى إلى مصرَ، ونزل على سَطحِ الجُرف المعروف بالرصد، وذلك يومَ الثلاثاء مُستهَلَّ صَفَر. فاهتَمَّ الحافِظُ بأمرِه، وبعث إليه بعسكَرٍ مِن الحافظيَّة والآمريَّة وصبيان الخاص، عِدَّتُهم خَمسةَ عَشَرَ ألف فارس، مُقَدَّمُ القَلبِ تاجُ الملوك قايماز، ومُقَدَّمُ الآمرية فرَجٌ غلامُ الحافِظِ، فلَقِيَهم رضوان في قريبٍ من ثلثمئة فارس، فانكسروا، وقُتِلَ كثيرٌ منهم، وغُنِمَ مُعظَمُهم؛ ورَكِبَ أقفِيَتهم إلى قريبِ القاهرة. وعاد شاور إلى موضِعِه فلم يثبت، وأراد العودَ إلى صلخد فلم يَقدِرْ؛ لقلَّةِ الزاد وتَعَذُّرِ الطريق، فتوَجَّهَ بمَن معه من العُربانِ إلى الصعيد. فأنفذ إليه الحافِظُ الأميرَ المفَضَّل أبا الفَتحِ نَجمَ الدين سليم بن مصال في عسكرٍ ومعه أمانٌ، فسار خَلْفَه، وما زال به حتى أخَذَه وأحضَرَه إلى القَصرِ آخِرَ نهار الاثنين رابع ربيع الآخر، فعفا عنه الحافِظُ، ولم يؤاخِذْ أحدًا من الأتراكِ الذين حضَروا معه من الشام. واعتَقَلَه عنده بالقَصرِ قريبًا من الدار التي فيها بهرام.
=======
99. حصار أتابك زنكي دمشق .
العام الهجري : 534 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1139
تفاصيل الحدث:
حصَرَ أتابك زنكي دمشقَ مَرَّتين؛ فأمَّا المرَّة الأولى فإنَّه سار إليها في ربيعٍ الأوَّل مِن بعلبَكَّ بعد الفراغِ مِن أمرِها، وتقريرِ قواعِدِها وإصلاحِ ما تَشَعَّثَ منها، ليَحصُرَها، فنزل في البقاعِ، وأرسل إلى جمالِ الدِّينِ صاحِبِها يبذُلُ له بلدًا يقتَرِحُه ليُسَلِّمَ إليه دمشق، فلم يجِبْه إلى ذلك، فرحل وقصَدَ دمشق، فنزل على داريا ثالثَ عَشَرَ ربيع الأول فالتفَّت الطلائِعُ واقتَتَلوا، وكان الظَّفَرُ لعَسكرِ زنكي، وعاد الدِّمشقيُّونَ مُنهَزمِينَ، فقُتِلَ كثيرٌ منهم، ثم تقَدَّمَ زنكي إلى دمشق، فنزل هناك، ولَقِيَه جمعٌ كثيرٌ مِن جُندِ دِمشقَ وأحداثِها ورجَّالةِ الغوطة، فقاتلوه، فانهزم الدمشقيُّونَ، وأخَذَهم السَّيفُ، فقَتَلَ فيهم وأكثَرَ، وأسَرَ كذلك، ومن سَلِمَ عاد جريحًا. وأشرف البلدُ ذلك اليومَ على أن يُملَكَ، لكِنْ عاد زنكي عن القِتالِ وأمسك عنه عِدَّةَ أيام، وتابع الرُّسُلَ إلى صاحب دمشق، وبذل له بعلبَكَّ وحمص وغيرهما ممَّا يختاره من البلاد، فمال إلى التَّسليم، وامتنع غيرُه من أصحابِه مِن ذلك، وخَوَّفوه عاقِبةَ فِعلِه، وأن يَغدِرَ به كما غدَرَ بأهلِ بعلبك، فلمَّا لم يُسَلِّموا إليه عاود القتالَ والزَّحفَ، ثم إنَّ جمالَ الدين صاحب دمشق مَرِضَ ومات ثامِنَ شعبان، وطَمِعَ زنكي حينئذ في البلدِ، وزحف إليه زحفًا شديدًا؛ ظنًّا منه أنَّه ربَّما يقَعُ بين المُقَدَّمينَ والأمراء خلافٌ فيَبلُغُ غَرَضَه، وكان ما أمَّلَه بعيدًا، فلما مات جمالُ الدين ولي بعده مجيرُ الدين أبق وَلَدُه، وتولى تدبيرَ دَولَتِه مُعينُ الدين أنر فلم يَظهَرْ لِمَوتِ أبيه أثرٌ مع أنَّ عَدُوَّهم على باب المدينة، فلما رأى معين الدين أنَّ زنكي لا يفارِقُهم، ولا يزول عن حَصرِهم، راسَلَ الفِرنجَ، واستدعاهم إلى نُصرتِه، وأنْ يتَّفِقوا على مَنعِ زنكي عن دِمشقَ، وبذل لهم بُذولًا من جُملَتِها أن يَحصُرَ بانياس ويأخُذَها ويُسَلِّمَها إليهم، وخوَّفَهم مِن زنكي إنْ مَلَك دمشق، فعَلِموا صِحَّةَ قَولِه إنَّه إن مَلَكَها لم يَبقَ لهم معه بالشَّامِ مَقامٌ، فاجتَمَعَت الفِرنجُ وعَزَموا على السَّيرِ إلى دمشق ليَجتَمِعوا مع صاحِبِها وعَسكَرِها على قتالِ زنكي، فحين عَلِمَ زنكي بذلك سار إلى حوران خامِسَ رمضان، عازمًا على قتالِ الفِرنجِ قبل أن يجتَمِعوا بالدِّمشقيِّينَ، فلمَّا سَمِعَ الفرنجُ خَبَرَه لم يفارقوا بلادَهم، فلما رآهم كذلك عاد إلى حَصرِ دمشقَ ونزل بعذرا شماليَّها سادس شوال، فأحرَقَ عِدَّةَ قُرًى من المرج والغوطة، ورحل عائدًا إلى بلادِه، ووصل الفِرنجُ إلى دِمشقَ واجتمعوا بصاحِبِها وقد رحل زنكي، فعادوا، فسار مُعين الدين أنر إلى بانياس في عَسكرِ دِمشقَ، وهي في طاعةِ زنكي، لِيَحصُرَها ويُسَلِّمَها إلى الفرنج؛ وكان واليها قد سار قبل ذلك منها في جَمعٍ مِن جَمْعِه إلى مدينة صور للإغارةِ على بلادها، فصادفه صاحِبُ أنطاكيةَ وهو قاصِدٌ إلى دمشق نجدةً لصاحِبِها على زنكي، فاقتتلا، فانهزم المُسلِمونَ وأخَذوا واليَ بانياس فقُتِلَ، ونجا مَن سَلِمَ منهم إلى بانياس، وجمعوا معهم كثيرًا من البِقاعِ وغيرِها، وحَفِظوا القلعة، فنازلها مُعين الدين، فقاتلهم، وضَيَّقَ عليهم، ومعه طائفةٌ مِن الفِرنجِ، فأخذها وسَلَّمَها إلى الفرنج، وأمَّا الحَصرُ الثاني لدمشق، فإنَّ زنكي لَمَّا سَمِعَ الخبَرَ بحِصارِ بانياس عاد إلى بعلبك ليدفَعَ عنها مَن يحصُرُها، فأقام هناك، فلمَّا عاد عسكر دمشق، بعد أن مَلَكوها وسَلَّموها إلى الفرنج، فَرَّق أتابك زنكي عَسكَرَه على الإغارة على حوران وأعمالِ دمشق، وسار هو جريدة مع خواصِّه، فنازل دمشقَ سَحَرًا ولم يعلَمْ به أحَدٌ مِن أهلِها، فلمَّا أصبح النَّاسُ ورأوا عَسكَرَه خافوا، وارتَجَّ البَلَدُ، واجتمع العسكَرُ والعامَّةُ على السورِ وفُتِحَت الأبوابُ وخَرَج الجندُ، والرجَّالة فقاتلوه، فلم يتمَكَّن عسكرُ زنكي من الإقدامِ في القِتالِ؛ لأنَّ عامَّةَ عَسكَرِه تفَرَّقوا في البلاد للنَّهِب والتَّخريب، وإنَّما قصد دمشقَ لِئلَّا يَخرُجَ منها عَسكَرُه إلى عَسكَرِهم وهم متفَرِّقون، فلما اقتتلوا ذلك اليومَ قُتِلَ بينهم جماعةٌ ثم أحجم زنكي عنهم وعاد إلى خيامِه، ورحل إلى مرج راهط، وأقام ينتَظِرُ عودةَ عَسكَرِه، فعادوا إليه وقد ملؤوا أيديَهم من الغنائِم؛ لأنَّهم طرقوا البلادَ وأهلُها غافلونَ، فلَمَّا اجتمعوا عنده رحَلَ بهم عائدًا إلى بلادِهم.
إعادة بردة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الخليفة المقتفي .
العام الهجري : 535 العام الميلادي : 1140
تفاصيل الحدث:
وصولُ رَسولٍ مِن السُّلطانِ سنجر ومعه بُردةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والقضيبُ، وكانا قد أُخِذَا مِن المُستَرشِد، فأعادهما إلى الخليفةِ المقتفي لأمرِ اللهِ
وفاة أتابك قراسنقر صاحب أذربيجان .
العام الهجري : 535 العام الميلادي : 1140
تفاصيل الحدث:
هو الأتابك قراسنقر صاحِبُ أذربيجان وأرانية بمدينةِ أردبيل، مِن مماليكِ المَلِك طغرل بن السُّلطان مُحمَّد بن ملكشاه. كان شُجاعًا مَهيبًا، ظَلُومًا غَشومًا، عظيمَ المَحْلِ. وقد علا شأنُه على سُلطانِه السُّلطانِ مَسعود، فكان يخافُه ويداريه، وقتَلَ الوزيرَ كَمالَ الدين الرازي مِن أجلِه، وقد مات له ابنانِ تحت الزلزلة بجنزة، ومَرِضَ بالسُّلِّ، وطال به وماتَ بأردبيل.
ابن الدانشمند صاحِبُ مَلطيَّةَ يقتل جمعًا من الروم في الشام .
العام الهجري : 535 العام الميلادي : 1140
تفاصيل الحدث:
ظَفِرَ كمشتكين بن الدانشمند- صاحِبُ مَلطيَّةَ وغَيرِها من تلك النواحي- بجَمعٍ مِن الرُّومِ فقَتَلَهم وغَنِمَ ما معهم.
بناء المدرسة الكمالية ببغداد .
العام الهجري : 535 العام الميلادي : 1140
تفاصيل الحدث:
بنى كَمالُ الدين أبو الفُتوحِ بنُ طلحة- صاحِبُ المخزن- المدرسةَ الكماليَّةَ ببغداد، ولَمَّا فُرِغَت درس فيها الشَّيخُ أبو الحسن بن الخل، وحَضَره أربابُ المناصِبِ وسائِرُ الفُقَهاءِ.
استيلاء الإسماعيلية على حصن مصياف بالشام .
العام الهجري : 535 العام الميلادي : 1140
تفاصيل الحدث:
مَلَك الإسماعيليَّةُ حِصنَ مِصياف بالشَّامِ، وكان واليه مملوكًا لبني منقذ أصحاب شيزر، فاحتال عليه الإسماعيليَّةُ، ومكروا به حتى صَعِدوا إليه وقتَلَوه، ومَلَكوا الحِصنَ.
نشوب حرب بين أتابك زنكي وبين داود سقمان بن أرتق .
العام الهجري : 535 العام الميلادي : 1140
تفاصيل الحدث:
نَشَبت حَربٌ شَديدةٌ بين أتابك زنكي صاحِبِ المَوصِل, وبين داودَ سقمان بن أرتق، صاحِبِ حِصنِ كيفا (على الفرات)، وانهزم داود بن سقمان، ومَلَك زنكي من بلادِه قلعةَ بهمرد، وأدركه الشِّتاءُ فعاد إلى المَوصِل.
هزيمة الفرنج على يد عسكر عسقلان .
العام الهجري : 535 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
سارت طائفةٌ مِن الفِرنجِ بالشَّامِ إلى عسقلان لِيُغيروا على أعمالِها، وهي لصاحِبِ مِصرَ العُبَيديِّ، فخرج إليهم العَسكَرُ الذي بعَسقلانَ فقاتَلَهم، فظَفِرَ المُسلِمونَ وقتلوا من الفرنجِ كثيرًا، فعادوا مُنهَزِمينَ.
وفاة أبي القاسم إسماعيل التيمي قوام السنة .
العام الهجري : 535 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
هو الإمامُ العلَّامةُ الحافِظُ شَيخُ الإسلامِ: أبو القاسِمِ إسماعيلُ بنُ مُحمَّدِ بنِ الفَضلِ بنِ عليِّ بنِ أحمد بن طاهر القرشي، التيمي، ثم الطلحي، الأصبهاني، المُلَقَّب: بقَوَّام السنة، وُلِدَ سنة 457 ووالدته كانت من ذريَّةِ طَلحةَ بنِ عُبَيد الله التيمي- رضي الله عنه- أحَدِ العَشرةِ المُبشَّرينَ بالجنَّةِ. طَلَب العِلمَ وهو حدَثٌ. قال إسماعيل: "سَمِعتُ مِن عائشةَ- بنتِ الحَسَن الوركانيَّة- وأنا ابنُ أربع سنين"، وقال أبو موسى: "وقد سَمِعَ من أبي القاسِمِ بنِ عليك في سنة إحدى وستين، ولا أعلم أحدًا عاب عليه قولًا ولا فِعلًا، ولا عاندَه أحَدٌ إلَّا ونصَرَه الله، وكان نَزِهَ النَّفسِ عن المطامع، لا يدخُلُ على السَّلاطينِ، ولا على من اتَّصَل بهم، قد أخلى دارًا مِن مِلْكِه لأهلِ العلمِ مع خِفَّةِ ذات يَدِه، ولو أعطاه الرجُلُ الدُّنيا بأسْرِها لم يرتَفِعْ عنده، أملى ثلاثةَ آلاف وخمسمئة مجلس، وكان يُملي على البديهة". وقال الحافِظُ يحيى بن مَندة: "كان أبو القاسم حسَنَ الاعتقادِ، جميلَ الطريقةِ، قليلَ الكلامِ، ليس في وَقتِه مِثلُه". سافر أبو القاسمِ البلادَ وسَمِعَ الكثيرَ وبَرَع في فنون. سَمِعَ بمكة، وجاور سَنَةً، وأملى وصَنَّف، وجَرَّح وعَدَّل، وكان من أئمَّةِ العَربيَّة، وإمامًا في التفسيرِ والحديثِ والفِقهِ، وهو أحَدُ الحُفَّاظ المُتقِنينَ، له تصانيفُ، منها الإيضاحُ في التَّفسيرِ، وله تفسيرٌ بالفارسيَّة، وله دلائِلُ النبُوَّة، وسِيَرُ السَّلَف، والترغيبُ والترهيبُ، وشَرحُ الصَّحيحَينِ، ومات بأصبهان في يومِ عيدِ النَّحرِ.
قتال سنجر للأتراك المجوس وهزيمته في موقعة قطوان .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
سار سِنجر إلى لقاء التُّرك، فعبَرَ إلى ما وراء النَّهرِ، فشكا إليه محمودُ بنُ محمد خان من الأتراك القارغلية، فقَصَدهم سنجر، فالتجؤوا إلى كوخان الصيني ومَن معه من الكُفَّار، وأقام سنجر بسمرقند، فكتب إليه كوخان كتابًا يتضَمَّنُ الشَّفاعةَ في الأتراكِ القارغلية، ويَطلُبُ منه أن يعفوَ عنهم، فلم يُشَفِّعْه فيهم، وكتَبَ إليه يدعوه إلى الإسلامِ ويتهَدَّدُه إن لم يُجِبْ عليه، ويتوعَّدُه بكَثرةِ عساكرِه، ووَصْفِهم، وبالَغَ في قتالِهم بأنواعِ السِّلاحِ، حتى قال: وإنَّهم يَشُقُّونَ الشَّعرَ بسِهامهم، فلم يرْضَ هذا الكتابَ وزيرُه طاهر بن فخر الملك بن نظام الملك، فلم يُصغِ إليه، وسَيَّرَ الكِتابَ، فلمَّا قُرئَ الكِتابُ على كوخان أمَرَ بنَتفِ لحيةِ الرَّسولِ، وأعطاه إبرةً، وكَلَّفَه شَقَّ شَعرةٍ مِن لحيَتِه فلم يَقدِرْ أن يفعَلَ ذلك، فقال: كيف يَشُقُّ غَيرُك شَعرةً بسَهمٍ وأنت عاجِزٌ عن شَقِّها بإبرةٍ؟ وقيل: سَبَبُ المعركة أنَّ سنجرَ كان قَتَلَ ابنًا لخوارزم شاه أتسز بن محمد، فبعث خوارزم شاه إلى الخطا، وهم مِن الأتراك المجوس بما وراءَ النهر، وحَثَّهم على قَصدِ مملكةِ السُّلطان سنجر، فساروا في ثلاثمئة ألف فارسٍ بقيادة مَلِكِهم كوخان، وسار إليهم سنجر في عساكِرِه، واستعَدَّ كوخان للحَربِ، وعنده جنودُ الترك والصين والخطا وغيرهم، وقصد السُّلطانُ سنجر، فالتقى العسكرانِ بما وراءَ النَّهرِ بمَوضعٍ يقال له قطوان، وكانا كالبَحرينِ العَظيميَنِ، وطاف بهم كوخان حتى ألجأهم إلى وادٍ يقالُ له درغم، وكان على ميمنةِ سِنجر الأميرُ قماج، وعلى مَيسَرتِه ملك سجستان، والأثقالُ وراءهم، فاقتتلوا خامِسَ صَفَر, وكانت الأتراكُ القارغليَّة الذين هربوا من سنجر مِن أشَدِّ النَّاسِ قِتالًا، ولم يكُنْ ذلك اليومَ مِن عَسكَرِ السُّلطان سنجر أحسَنُ قتالًا من صاحِبِ سجستان، فانجَلَت الحربُ عن هزيمة المسلمين، فقُتِلَ منهم ما لا يُحصى مِن كَثرتِهم، واشتمل وادي درغم على عشرةِ آلاف من القتلى والجرحى، ومضى السُّلطانُ سنجر مُنهَزِمًا، وأُسِرَ صاحب سجستان والأميرُ قماج وزوجةُ السُّلطان سنجر، وهي ابنةُ أرسلان خان، فأطلَقَهم الكُفَّارُ، ولَمَّا انهزم سنجر قَصَد خوارزم شاه مدينةَ مَروٍ، فدخلها مُراغمةً للسُّلطانِ سنجر، وقَتَل جمعًا مِن أهلها، وقَبَضَ على أبي الفضل الكرماني الفقيهِ الحنفي وعلى جماعةٍ مِن الفقهاء وغيرِهم من أعيانِ البَلَدِ، وممَّن قُتِلَ الحسامُ عُمَرُ بن عبد العزيز بن مازة البُخاري الفقيهُ الحنفي المشهور. ولم يكُنْ في الإسلامِ وَقعةٌ أعظَمُ من هذه ولا أكثَرُ مِمَّن قُتِلَ فيها بخراسان، واستقَرَّت دولة الخطا والترك الكُفَّار بما وراء النهر، وبَقِيَ كوخان إلى رَجَب من سنة 537 فمات فيه.
هلاك إبراهيم البهلوي مقدم الباطنية وحرق تابوته .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
هلاكُ إبراهيمَ البهلويِّ (وقيل: السهاوي) مُقَدَّمُ ورَئيسُ الباطنيَّةِ الإسماعيليَّةِ، فأحرق شحنة الري البهلوي في تابوتِه.
أتابك زنكي بن آقسنقر يضم مدينة الحديثة لحكمه .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
مَلَك أتابك زنكي بن آقسنقر مدينةَ الحديثة من مدن الأنبار غرب العراق، ونَقَل مَن كان بها مِن آل مهراش إلى المَوصِل، ورتَّبَ أصحابَه فيها.
جعلت الخطبة لزنكي بمدينة آمد .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
خُطِبَ لزنكي بمدينةِ آمد الواقعة جنوب شرق الأناضول بتركيا، وصار صاحِبُها في طاعتِه، وكان قبل ذلك مُوافِقًا للمَلِك داود على قِتالِ زنكي، فلمَّا رأى قوةَ زنكي صار معه.
عزل بهروز عن شحنكية بغداد وإعادته إليها .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
عُزِلَ مجاهِدُ الدينِ بهروز عن شحنكية بغداد– شحنكية: أي: ضابطُ أمن البلَدِ-، ووَلِيَها قزل وهو مِن مماليك السُّلطان محمود، كانت له شحنكية برجرد والبصرة، فأضيف إليه شحنكية بغدادَ، ثمَّ وصَلَ السُّلطان مسعودٌ إلى بغداد، فرأى مِن تبَسُّطِ العيَّارينَ وفسادِهم ما ساءه، فأعاد بهروز إلى الشحنكية ببغداد, فتاب كثيرٌ منهم، ولم ينتَفِعِ النَّاسُ بذلك؛ لأنَّ وَلَدَ الوَزيرِ وأخا امرأةِ السُّلطان كانا يقاسِمانِ العيَّارينَ، فلم يَقدِرْ بهروز على مَنْعِهم.
تولي عبدالرحمن طغايرك حجبة السُّلطان .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
تولَّى عبدُ الرحمن طغايرك حَجَبةَ السُّلطان، واستولى على المملكةِ وعَزَلَ الأميرَ تتر الطغرلي عنها، وآلَ أمرُه إلى أن يمشي في ركابِ عبدِ الرَّحمنِ.
فساد بنو خفاجة في العراق .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
وأفسدَ بنو خفاجةَ بالعراقِ، فسَيَّرَ السُّلطانُ مَسعودٌ سَرِيَّةً إليهم مِنَ العَسكَرِ، فنَهَبوا حلتهم، وقتلوا مَن ظَفِروا به منهم وعادوا سالِمينَ.
غارة عسكر أتابك زنكي على بلاد الفرنج .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
أغار عسكَرُ أتابك زنكي مِن حَلَب على بلادِ الفِرنجِ في الشَّامِ، فنَهَبوا وأحرَقوا وظَفِروا بسَرِيَّةٍ من الفرنج، فقَتَلوا فيهم وأكثَروا، فكان عِدَّةُ القتلى سبعَمئة رجلٍ.
توجه صاحب صقلية إلى إفريقيَّة .
العام الهجري : 536 العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
سَيَّرَ رِجالُ الفرنجي صاحِبِ صَقليَّةَ أُسطولًا إلى أطرافِ إفريقيَّةَ، فأخذوا مراكِبَ سُيِّرَت من مصر إلى الحَسَن صاحِبِ إفريقيَّة، وغُدِرَ بالحَسَن، ثُمَّ راسله الحسن، وجَدَّد الهُدنةَ لأجلِ حَملِ الغَلَّاتِ مِن صقليَّةَ إلى إفريقيَّة؛ لأنَّ الغلاء كان فيها شديدًا والموتُ كثيرًا
قيام الدولة الخوارزمية المستقلة .
العام الهجري : 536 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
سار خوارزم شاه إلى خراسانَ بعد أن هزم سنجر، فقصد سرخس، فلمَّا وصَلَ إليها لَقِيَه الإمامُ أبو محمد الزيادي، وكان قد جمَعَ بين الزُّهدِ والعلم، فأكرَمَه خوارزم شاه إكرامًا عظيمًا، ورحل مِن هناك إلى مَرْو الشاهجان، فقصده الإمامُ أحمد الباخرزي، وشَفِعَ في أهلِ مَروٍ، وسأل ألَّا يتعَرَّضَ لهم أحَدٌ من العسكَرِ، فأجابه إلى ذلك، ونزل بظاهرِ البلد، واستدعى أبا الفَضلِ الكرمانيَّ الفقيهَ وأعيان أهلَها، فثار عامَّةُ مرو وقتلوا بعضَ أهل خوارزم شاه، وأخرجوا أصحابَه من البلد، وأغلقُوا أبوابه، واستعَدُّوا للامتناع، فقاتَلَهم خوارزم شاه، ودخل مدينةَ مَرْوٍ سابِعَ عَشرَ ربيع الأول، وقتل كثيرًا من أهلِها، ثم سارَ في شوال إلى نيسابور، فخرج إليه جماعةٌ مِن فُقَهائِها وعلمائها وزهَّادها، وسألوه ألَّا يفعلَ بأهلِ نيسابور ما فعل بأهلِ مَرو، فأجابهم إلى ذلك لكِنَّه استقصى في البَحثِ عن أموالِ أصحاب السُّلطان فأخذها، وقطع خُطبةَ السُّلطان سنجر، أوَّلَ ذي القعدة، وخطبوا له؛ فلمَّا تَرَك الخطيبُ ذِكْرَ السُّلطانِ سنجر وذَكَرَ خوارزم شاه، صاح النَّاسُ وثاروا، وكادت الفِتنةُ تثور والشَّرُّ يعود جديدًا، وإنما منع النَّاسَ مِن ذلك ذوو الرأي والعَقلِ؛ نظرًا في العاقبةِ، فقُطِعَت إلى أوَّلِ المحرم سنةَ سَبعٍ وثلاثين ثم أعيدَت خطبة السُّلطانِ سنجر، ثمَّ سَيَّرَ خوارزم شاه جيشًا إلى أعمالِ بيهق، فأقاموا بها يُقاتِلونَ أهلَها خمسةَ أيام، ثمَّ سار عنها ذلك الجيشُ يَنهبونَ البلاد، وعَمِلوا بخراسان أعمالًا عظيمةً، ومنع السُّلطانُ سنجر من مقاتلة أتسز خوارزم شاه خوفًا من قوةِ الخطا بما وراءَ النَّهرِ، ومجاورتهم خوارزمَ وغيَرها من بلادِ خُراسان.
احتراق منارة الجامع العتيق بمصر .
العام الهجري : 536 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
في ليلةِ الثُّلاثاءِ الثانيَ عَشَرَ مِن ربيعٍ الأول سَقَطَت صاعقةٌ أحرَقَت رُكنَ مَنارةِ الجامِعِ العتيقِ بمِصرَ القاهرةِ
=====
100.  وفاة الحافظ المازري المالكي .
العام الهجري : 536 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1141
تفاصيل الحدث:
هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامةُ، البَحرُ المتفنِّنُ: أبو عبد الله محمَّدُ بنُ عليِّ بنِ عُمَرَ بن محمد التميمي المازري (نسبةً إلى مازرة بصقليَّةَ) المالكي، الحافِظُ المحَدِّث المشهور. وُلِدَ بالمهدية بإفريقيَّة. كان إمامًا حافِظًا مُتقِنًا أحدَ الأذكياءِ الموصوفين، والأئمَّة المتبحِّرينَ، عارفًا بعلوم الحديثِ، سَمِعَ وسافَرَ كثيرًا وكتب الكثير. قيل: "إنَّه مَرِضَ مَرضةً، فلم يجِدْ مَن يعالجُه إلَّا يهوديٌّ، فلمَّا عُوفِيَ على يَدِه، قال اليهودي: لولا التزامي بحِفظِ صِناعتي، لأعدَمتُك، فأثَّرَ هذا عند المازري، فأقبَلَ على تعَلُّمِ الطبِّ، حتى فاق فيه، وكان ممَّن يُفتي فيه، كما يُفتي في الفِقهِ". قال القاضي عياض: "هو آخِرُ المتكَلِّمينَ مِن شُيوخِ إفريقيَّة بتحقيقِ الفِقهِ، ورتبةِ الاجتهادِ، ودِقَّةِ النظر. درَسَ أصولَ الفِقهِ والدِّينَ، وتقَدَّمَ في ذلك، فجاء سابقًا، لم يكُنْ في عصره للمالكيَّةِ في أقطارِ الأرضِ أفقَهُ منه، ولا أقوَمُ بمَذهَبِهم، سَمِعَ الحديث، وطالَعَ معانيَه، واطَّلَعَ على علومٍ كثيرة من الطِّبِّ والحسابِ والآداب، وغير ذلك، فكان أحدَ رجالِ الكمال، وإليه كان يُفزَعُ في الفُتيا في الفِقه، وكان حسَنَ الخُلُقِ، مليحَ المُجالَسةِ، كثيرَ الحكايةِ والإنشاد، وكان قَلَمُه أبلَغَ مِن لسانه" من أشهَرِ تصانيفِه: شرحُ صحيح مسلم، سَمَّاه " كتاب المُعْلِم بفوائد كتابِ مُسلِم" وعليه بنى القاضي عِياضٌ كِتابَ الإكمالَ، وهو تَكمِلةٌ لهذا الكتاب، وله إيضاحُ المحصولِ في برهانِ الأصول, والكَشفُ والإنباءُ في الرَّدِّ على الإحياءِ، كتاب الغزالي، وله شَرحُ كتاب (التلقين) لعبد الوهاب المالكي في عشرةِ أسفار، وهو مِن أنفَسِ الكُتُب. وله كتُبٌ أخرى في الأدب. حَدَّثَ عنه القاضي عِياضٌ، وأبو جعفر بن يحيى القُرطبي الوزغي. مات وله ثلاث وثمانون سنة, ودفن بالمنستير.
عماد الدين زنكي يمتلك عددا من قلاع الأكراد الهكارية .
العام الهجري : 537 العام الميلادي : 1142
تفاصيل الحدث:
لَمَّا ضَمَّ الأتابك زنكي قلعةَ الحديثةِ التي على الفُراتِ، ونَقَل مَن كان بها مِن آل مهارِشَ إلى الموصِلِ، رتَّبَ فيها نوَّابَه، وأرسل زنكي جيشًا إلى قلعة أشب، وكانت أعظَمَ حُصونِ الأكرادِ الهكارية وأمنَعَها، وبها أموالُهم وأهلُهم، فحَصَروها وضَيَّقوا على مَن بها فمَلَكوها، فأمَرَ بإخرابِها وبناءِ القَلعةِ المعروفةِ بالعماديَّة عِوَضًا عنها، وكانت قلعةَ أشب حصنًا عظيمًا من حُصونِ الأكرادِ، فخَرَّبوه لكِبَرِه؛ لأنَّه كبيرٌ جِدًّا، وكانوا يَعجِزونَ عن حِفظِه، فخَرِبَت الآن أشب وعَمَرت العماديَّة، وإنَّما سُمِّيَت العماديَّة نِسبةً إلى لَقَبِ زنكي؛ وكان نصيرُ الدين جقر نائِبُه بالموصِلِ قد فتح أكثَرَ القلاعِ الجبليَّة.
اغتيال السُّلطان داود بن محمود السلجوقي .
العام الهجري : 537 العام الميلادي : 1142
تفاصيل الحدث:
هو السُّلطانُ داودُ بنُ محمود بن محمَّدِ بنِ ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقي، صاحِبُ أذربيجان وغيرِها، وهو الذي اختَلَفَ مع السُّلطان مسعود وجَرَت بينهما وقائِعُ وحُروبٌ حتى استولى داودُ على أذربيجان وما حولَها، وكان سبَبُ مَوتِه أنَّه رَكِبَ يومًا في سوقِ تبريز، فوَثَبَ عليه قومٌ مِن الباطنيَّةِ فقَتَلوه غِيلةً، وقتلوا معه جماعةً مِن خواصِّه، ودُفِنَ بتبريز، وكان مَلِكًا شُجاعًا جَوادًا عادِلًا في الرعيَّةِ يُباشِرُ الحروبَ بنَفسِه.
حصار الروم للفرنج بأنطاكية .
العام الهجري : 537 العام الميلادي : 1142
تفاصيل الحدث:
خرجَ مِن الرومِ عَسكَرٌ كثير إلى الشَّامِ، فحصروا الفرنجَ بأنطاكيةَ، فخرج صاحِبُها واجتمع بمَلِك الرومِ وأصلَحَ حالَه معه، وعاد إلى مدينةِ أنطاكيةَ ومات في رمضانَ، ثمَّ إنَّ مَلِكَ الرُّومِ بعد أن صالحَ صاحِبَ أنطاكيةَ سار إلى طرابلس فحَصَرَها ثمَّ سار عنها.
هلاك ملك الخطا كوخان طاغية الترك .
العام الهجري : 537 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1143
تفاصيل الحدث:
هو طاغيةُ التُّركِ والخطا، كوخان من أبطالِ مُلوك الترك المجوسِ، و"كو"، بلسان الصين: لقَبٌ لأعظَمِ ملوكهم. أقبل كوخان في ثلاثمئة ألف فارس وكسر السُّلطانَ سنجر السلجوقي في موقعة قطوان، واستولى كوخان على بخارى وسمرقند سنة 536، فما أمهله الله، فهلك في رجَبٍ مِن هذه السَّنَةِ. كان كوخان جميلًا، حسَنَ الصورةِ، لا يلبَسُ إلَّا الحريرَ الصيني، له هَيبةٌ عظيمةٌ على أصحابِه، وكان سائِسًا، محِبًّا للعدلِ، داهيةً, ولم يُمَلِّكْ أميرًا على أقطاعٍ بل كان يعطيهم مِن عنده، ويقول: متى أخذوا الأقطاعَ ظَلَموا، وكان لا يُقَدِّمُ أميرًا على أكثَرَ مِن مئة فارس حتى لا يَقدِرَ على العِصيانِ عليه، وكان ينهى أصحابَه عن الظُّلمِ، وينهى عن السُّكرِ ويُعاقِبُ عليه، ولا ينهى عن الزِّنا ولا يُقَبِّحُه، ومَلَك له بعدَه ابنةٌ له فلم تطُلْ مُدَّتُها حتى ماتت، فمَلَك بعدها أمُّها زوجة كوخان وابنةُ عَمِّه، وبَقِيَ ما وراء النهر بيَدِ الخطا إلى أنْ أخَذَه منهم علاء الدين محمد خوارزم شاه سنة 612.
حصر الفرنج طرابلس الغرب .
العام الهجري : 537 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1143
تفاصيل الحدث:
سارت مراكِبُ الفِرنجِ مِن صقليَّةَ إلى طرابلس الغَربِ فحَصَروها، وسبَبُ ذلك أنَّ أهلَها في أيَّامِ الأمير الحَسَن صاحِبِ إفريقيَّة، لم يَدخُلوا في طاعته، ولم يَزالُوا مخالِفينَ مُشاقِّينَ له، فقَدَّموا عليهم من بني مطروح مشايخَ يُدَبِّرونَ أمْرَهم، فلمَّا رآهم مَلِكُ صَقليَّةَ كذلك جهَّزَ إليهم جيشًا في البحر، فوصلوا إليهم تاسِعَ ذي الحجة، فنازلوا البلدَ وقاتلوه، وعَلَّقوا الكلاليبَ في سُورِه ونَقَبوه، فلمَّا كان الغدُ وصل جماعةٌ مِن العَرَبِ نجدةً لأهلِ البلد، فقَوِيَ أهلُ طرابلس فيهم، فخرجوا إلى الأسطوليَّة، فحَمَلوا على الإفرنجِ حَملةً مُنكَرةً، فانهزم الإفرنجُ هزيمةً فاحِشةً، وقُتِلَ منهم خلقٌ كَثيرٌ، ولحِقَ الباقون بالأسطولِ، وتَرَكوا الأسلحةَ والأثقالَ والدوابَّ، فنَهَبَها العَرَبُ وأهل البلد. ورجَعَ الفرنجُ إلى صَقليَّةَ، فجَدَّدوا أسلحَتَهم وعادوا إلى المَغربِ، فوصلوا إلى جيجل، فلمَّا رآهم أهلُ البلد هَرَبوا إلى البراري والجبال، فدخلها الفرنجُ وسَبَوا مَن أدركوا فيها وهَدَموها، وأحرَقوا القَصرَ الذي بناه يحيى بنُ عبد العزيز بن حماد للنُّزهة ثمَّ عادوا.
تجهيز السُّلطان مسعود ليأخذ الشام والمَوصِل من زنكي ثم اصطلحا .
العام الهجري : 538 العام الميلادي : 1143
تفاصيل الحدث:
وصَلَ السُّلطانُ مسعودٌ إلى بغداد على عادتِه في كلِّ سَنَةٍ، وجمَعَ العساكِرَ، وتجهَّزَ لِقَصدِ أتابك زنكي، وكان حَقَد عليه حِقدًا شديدًا؛ بسبَبِ أنَّ أصحابَ الأطراف الخارجينَ على السُّلطانِ مَسعودٍ، كانوا يَخرُجونَ عليه بتَحريضٍ من أتابك زنكي، ويقولُ إنَّه هو الذي سعى فيه وأشار به لعِلْمِه أنَّهم كُلَّهم كانوا يَصدُرونَ عن رأيِه، فلمَّا تفَرَّغَ السُّلطانُ هذه السَّنَةَ، جَمَعَ العساكِرَ لِيَسيرَ إلى بلادِه، فسَيَّرَ أتابك يستعطِفُه ويستميلُه، فأرسل إليه السُّلطانُ أبا عبد الله بنَ الأنباري في تقريرِ القواعد، فاستقرَّت القاعِدةُ على مئةِ ألفِ دينارٍ يَحمِلُها إلى السُّلطان ليعودَ عنه، فحَمَل عشرينَ ألف دينار أكثَرُها عروض، ثمَّ تنَقَّلَت الأحوالُ بالسُّلطان إلى أن احتاجَ إلى مداراةِ أتابك وأطلَقَ له الباقيَ استمالةً له وحِفظًا لقَلْبِه، وكان أعظَمُ الأسبابِ في قعودِ السُّلطانِ عنه ما يَعلَمُه مِن حَصانةِ بِلادِه وكثرةِ عَساكِرِه وكثرةِ أموالِه.
ملك أتابك زنكي بعض ديار بكر .
العام الهجري : 538 العام الميلادي : 1143
تفاصيل الحدث:
سار أتابك زنكي إلى ديارِ بَكرٍ ففَتَحَ منها عِدَّةَ حُصونٍ، فمِن ذلك: مدينةُ طنزة، ومدينةُ أسعرد، ومدينةُ حيزان، وحِصْنُ الروق، وحِصْنُ قطليس، وحِصنُ ناتاسا، وحِصنُ ذي القرنين، وغيرُ ذلك مِمَّا لم يبلُغْ شُهرةَ هذه الأماكِنِ، وأخَذَ أيضًا مِن بلَدِ ماردين ممَّا هو بِيَدِ الفِرنجِ حملين، والموزر، وتل موزن وغيرَها مِن حُصونِ جوسلين، ورتَّبَ أمورَ الجميعِ وجَعَلَ فيها مِن الأجنادِ مَن يَحفَظُها، وقَصَدَ مدينةَ آمدٍ وحاني فحَصَرهما، وأقام بتلك الناحيةِ مُصلِحًا لِما فتَحَه، ومُحاصِرًا لِما لم يَفتَحْه.
القضاء على العيارين ببغداد .
العام الهجري : 538 العام الميلادي : 1143
تفاصيل الحدث:
زاد أمرُ العيَّارينَ (وهم طائفة من أهل الدعارة والنهب واللصوصية) وكَثُروا لأمْنِهم مِنَ الطَّلَبِ بسَبَبِ ابنِ الوزيرِ وابنِ قاروت أخي زوجةِ السُّلطان؛ لأنَّهما كان لهما نَصيبٌ في الذي يأخذُه العيَّارون، وكان النَّائِبُ في شحنكية بغدادَ يومَئذٍ مَملوكًا اسمُه إيلدكز، وكان صارِمًا مِقدامًا، ظالِمًا، فحَمَلَه الإقدامُ إلى أن حضَرَ عند السُّلطانِ، فقال له السُّلطانُ: إنَّ السِّياسةَ قاصِرةٌ، والنَّاسَ قد هَلَكوا، فقال: يا سُلطانَ العالَمِ، إذا كان عقيدُ العيَّارينَ وَلَدَ وَزيرِك وأخا امرأتِك، فأيُّ قُدرةٍ لي على المُفسِدينَ؟! وشَرَح له الحالَ، فقال له: الساعةَ تخرُجُ وتكبِسُ عليهما أين كانا، وتصلُبُهما، فإنْ فعَلْتَ وإلَّا صَلَبْتُك، فأخَذَ خاتَمَه وخرج فكَبَس على ابنِ الوزيرِ فلم يَجِدْه، فأخَذَ مَن كان عنده، وكبَسَ على ابنِ قاروت فأخَذَه وصَلَبَه، فأصبَحَ النَّاسُ وهرَبَ ابنُ الوزيرِ وشاع في النَّاسِ الأمرُ ورُئِيَ ابنُ قاروت مصلوبًا، فهَرَبَ أكثَرُ العيَّارينَ، وقَبَضَ على من أقام وكفى النَّاسَ شَرَّهم.
وفاة الزمخشري صاحب تفسير الكشاف .
العام الهجري : 538 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:
هو العلَّامةُ كَبيرُ المُعتَزِلةِ: أبو القاسِمِ محمودُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحمَّدِ بنِ عُمَرَ الزَّمخشريُّ الخوارزميُّ النَّحويُّ اللُّغَويُّ الحَنَفيُّ المتكَلِّمُ المُفَسِّر, وزمخشَرُ: قَريةٌ مِن قُرى خوارِزمَ، ومَولِدُه بها في رجَبٍ سنة 457، صاحِبُ الكَشَّاف في التفسير، والمُفصَّل في النَّحوِ، وله الفائِقُ في غريبِ الحديثِ، وأساسُ البلاغةِ في اللُّغةِ، وشَرحُ لاميَّةِ العَرَب للشَّنفَرَى، وشَرحُ أبياتِ كتابِ سِيبويهِ، ومناقِبُ أبي حنيفةَ النُّعمانِ، وغيرُها، وكان يُقالُ له: جارُ اللهِ؛ لأنَّه جاوَرَ بمكَّةَ المُشَرَّفةِ زمانًا، قال ابنُ خَلِّكان: "سَمِعتُ مِن بَعضِ المشايخِ أنَّ إحدى رِجلَيه كانت ساقِطةً، وأنَّه كان يمشي في جاون خَشَبٍ، وكان سَبَبُ سُقوطِها أنَّه كان في بعضِ أسفارِه ببلاد خوارزمَ أصابَه ثلجٌ كثيرٌ وبَردٌ شَديدٌ في الطريقِ فسَقَطَت منه رِجلُه، وأنَّه كان بِيَدِه مَحضَرٌ فيه شهادةُ خَلقٍ كثيرٍ مِمَّن اطَّلَعوا على حقيقةِ ذلك؛ خوفًا من أن يَظُنَّ مَن لم يعلَمْ صُورةَ الحالِ أنَّها قُطِعَت لرِيبةٍ". قَدِمَ الزمخشريُّ بغداد وسَمِعَ الحديثَ وتفَقَّهَ وبرَعَ في فنونٍ، وصار إمامَ عَصرِه في عِدَّةِ عُلومٍ، وكان رأسًا في البلاغةِ والعربيَّةِ والمعاني والبَيانِ، وله نَظمٌ جَيِّدٌ, وكان يُظهِرُ مَذهَبَ الاعتزالِ ويُصَرِّحُ بذلك في تفسيرِه، ويناظِرُ عليه. قال ابنُ خَلِّكان: "كان الزمخشريُّ مُعتزليَّ الاعتقادِ مُتظاهِرًا به، حتى نُقِلَ عنه أنَّه كان إذا قصَدَ صاحبًا له واستأذنَ عليه في الدُّخولِ يقولُ لِمَن يأخُذُ له الإذنَ: قُل له: أبو القاسِمِ المُعتَزليُّ بالبابِ، وأوَّلَ ما صَنَّفَ كِتابَ "الكَشَّاف" كتب استفتاحَ الخُطبةِ "الحمدُ لله الذي خلق القُرآنَ " فيقالُ: إنه قيل له: متى تركْتَه على هذه الهيئةِ هَجَره الناسُ ولا يرغَبُ أحَدٌ فيه، فغَيَّرَه بقولِه: "الحمدُ لله الذي جعل القُرآنَ" وجعَلَ عندهم بمعنى خَلَق، ورأيتُ في كثيرٍ مِن النُّسَخِ" الحمدُ لله الذي أنزلَ القُرآنَ" وهذا إصلاحُ النَّاسِ لا إصلاحُ المُصَنِّفِ". قال الذهبي: "كان داعيةً إلى الاعتزالِ، اللهُ يُسامِحُه" روى عنه بالإجازة: أبو طاهرٍ السلفيُّ، وزينب بنت الشعري. كانت وفاته بخوارزم ليلةَ عرفةَ منها، عن سِتٍّ وسبعينَ سنة.
خروج أبي الحسين بن المستنصر .
العام الهجري : 539 العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:
خرج أبو الحُسَينِ ابنُ المستنصر إلى الأميرِ خمارتاش الحافظي، صاحِبِ البابِ بمصرَ على الحافِظِ صاحبِ مِصرَ الفاطميِّ العُبَيديِّ، وقال له: اجعلني خليفةً وأنا أولِّيك الوَزارةَ، فطالع الأميرُ خمارتاش الحافِظَ صاحِبَ مِصرَ بذلك، فأمَرَ بالقَبضِ عليه، فقُبِضَ عليه واعتُقِلَ.
مقتل نصير الدين جقر نائب المَوصِل .
العام الهجري : 539 العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:
هو أبو سَعيدٍ جقر بنُ يعقوبَ الهَمَذانيُّ الملَقَّبُ نصير الدين، كان نائِبَ عمادِ الدين زنكي صاحِبِ الجزيرةِ الفُراتيَّة والمَوصِل والشَّام، استنابه عنه بالمَوصِل، وكان جَبَّارًا عَسُوفًا سَفَّاكًا للدَّماءِ مُستَحِلًّا للأموالِ، كان المَلِكُ فروخشاه بن السُّلطانِ مَحمود السلجوقي المعروف بالخفاجي يطمَعُ في السَّلطَنةِ بعد السُّلطانِ مَسعود, وكان فروخشاه بالموصِل هذه السَّنةَ ونَصيرُ الدين جقر يَنزِلُ إليه كُلَّ يَومٍ يَخدمُه ويَقِفُ عنده ساعةً ثمَّ يعودُ, وكان جقر يعارِضُه ويُعانِدُه في مقاصِدِه، فحَسَّنَ المُفسِدونَ للمَلِك فروخشاه قَتْلَه وقالوا له إنَّك إنْ قَتَلْتَه مَلَكْتَ المَوصِلَ وغَيرَها ويَعجِزُ أتابك أن يقيمَ بين يديك ولا يَجتَمِع معه فارسانِ عليك، فوقع هذا في نفسِه وظَنَّه صَحيحًا، فلمَّا دخل نصير الدين إليه على عادَتِه وثَبَ عليه جماعةٌ مِن غِلمانِه فقَتَلوه وألقَوا رأسَه إلى أصحابِه؛ ظَنًّا منهم أنَّ أصحابَه إذا رأَوْا رأسَه تفَرَّقوا ويَملِكُ الملك فروخشاه البلادَ, وكان الأمرُ بخِلافِ ما ظَنُّوا؛ فإنَّ أصحابَه وأصحابَ أتابك زنكي الذين معه لَمَّا رأوا رأسَه قاتَلُوا مَن بالدَّارِ مع المَلِك، واجتمَعَ معهم الخَلقُ الكثيرُ، وكانت دولةُ أتابك مملوءةً بالرِّجالِ الأجلادِ ذَوي الرَّأي والتَّجربةِ، فلم يتغيَّرْ عليه بهذا الفَتقِ شَيءٌ, وكان في جُملةِ مَن حضر القاضي تاج الدين يحيى بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري أخو كمالِ الدِّين، فدخَلَ إلى المَلِك فروخشاه وخَدَعَه حتى أصعَدَه إلى القَلعةِ وهو يُحسِّنُ له الصُّعودَ إليها وحينئذٍ يستَقِرُّ له مِلكُ البَلدِ، فلمَّا صَعِدَ القلعةَ سَجَنوه بها وقُتِلَ الغِلمانُ الذين قَتَلوا النصير وأرسَلوا إلى أتابك يُعَرِّفونَه الحالَ، فسَكَنَ جأشُه واطمأنَّ قَلْبَه وأرسل زينُ الدين على بن بكتكين واليًا على قلعةِ المَوصِل، وكان كثيرَ الثقةِ به والاعتمادِ عليه، فسَلَكَ بالنَّاسِ غَيرَ الطَّريقِ التي سلَكَها النصير، وسَهَّلَ الأمرَ، فاطمأنَّ النَّاسَ وأَمِنوا وازدادت البلادُ معه عمارةً.
تحرير قلعة البيرة من الفرنج .
العام الهجري : 539 العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:
لَمَّا فَرَغ أتابك زنكي مِن أخْذِ الرَّهَا وإصلاحِ حالِها والاستيلاءِ على ما وراءَها مِن البِلادِ والوِلاياتِ، سار إلى قلعةِ البيرة وهي حِصنٌ حَصينٌ مُطِلٌّ على الفُرات وهو لجوسلين الثاني أيضًا، فحَصَرَه وضايقَه، فأتاه الخبَرُ بقَتلِ نائِبِه بالمَوصِلِ والبلادِ الشَّرقيَّة نصيِر الدِّينِ جقر بن يعقوب، فرحَلَ عنها خوفًا مِن أن يَحدُثَ بعده في البلادِ فَتقٌ يَحتاجُ إلى المَسيرِ إليها, فلمَّا رحَلَ عنها، وأرسل نائبًا له إلى المَوصِل، وأقام ينتَظِرُ الخبَرَ، فخاف مَن بالبيرةِ مِن الفِرنجِ أن يعودَ إليهم زنكي، وكانوا يخافونَه خَوفًا شديدًا، فأرسلوا إلى نجمِ الدين صاحِبِ ماردين وسَلَّموها له، فمَلَكَها المُسلِمونَ.
عماد الدين زنكي يحرر إمارة الرها من الصليبيين .
العام الهجري : 539 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:
في سادس جمادى الآخرة، فتح أتابك عمادُ الدين زنكي بن آقسنقر مدينةَ الرَّها من الفرنج، وفتَحَ غَيرَها مِن حُصونِهم بالجزيرةِ أيضًا، وكان ضَرَرُهم قد عَمَّ بلادَ الجزيرة وشَرَّهم قد استطار فيها، ووصَلَت غاراتُهم إلى أدانيها وأقاصيها، وبلَغَت آمِدَ ونصيبين ورأسَ عَين والرقَّة، وكانت مملكَتُهم بهذه الديارِ مِن قَريبِ ماردين إلى الفُرات مثل الرَّها، وسروج، والبيرة، وسن ابن عطير، وحملين، والموزر، والقرادي، وغير ذلك. وكانت هذه الأعمالُ مع غيرِها ممَّا هو غَرْبَ الفرات لجوسلين، وكان صاحِبَ رأي الفرنجِ والمُقَدَّم على عساكِرِهم؛ لِما هو عليه من الشَّجاعةِ والمكرِ، وكان زنكي يَعلَمُ أنَّه متى قَصَد حَصْرَ الرَّها، اجتمع فيها مِن الفرنجِ مَن يَمنَعُها، فيتعَذَّر عليه مِلكُها لِما هي عليه من الحَصانةِ، فاشتغل بقِتالِ الملوك الأرتقيَّة بديارِ بَكرٍ ليُوهِمَ الفرنجَ أنَّه غيرُ مُتفَرِّغٍ لقَصدِ بلادِهم، فلمَّا رأَوْا أنَّه غيرُ قادر على تَرْكِ الملوك الأرتقيَّة وغيرِهم من ملوكِ ديارِ بَكرٍ، حيث إنَّه محارب لهم، اطمأنُّوا، وفارق جوسلين الرَّها وعبَرَ الفراتَ إلى بلاد الغربية، فجاءت عيونُ أتابك إليه فأخبَرَته فنادى العسكَرَ بالرحيلِ وألَّا يتخَلَّفَ عن الرَّها أحَدٌ مِن غَدِ يَومِه، وجمَعَ الأمراءَ عنده، وقال: قَدِّموا الطعامَ، وقال: لا يأكُلْ معي على مائدتي هذه إلَّا مَن يَطعنُ غدًا معي على بابِ الرَّها، فلم يتقَدَّمْ إليه غيرُ أميرٍ واحدٍ وصَبيٍّ لا يُعرَف؛ لِما يَعلَمونَ مِن إقدامِه وشجاعته، وأنَّ أحدًا لا يَقدِرُعلى مُجاراتِه في الحَربِ، فقال الأميرُ لذلك الصبي: ما أنت في هذا المقامِ؟ فقال أتابك: دَعْه فواللهِ إنِّي أرى وجهًا لا يتخَلَّفُ عني، وسار والعساكِرُ معه، ووصل إلى الرَّها، وكان هو أوَّلَ مَن حمل على الفرنجِ ومعه ذلك الصبيُّ، وحمَلَ فارِسٌ مِن خَيَّالة الفرنج على أتابك عرضًا، فاعتَرَضه ذلك الأميرُ فطَعَنَه فقَتَلَه، وسَلِمَ الشهيدُ، ونازل البَلَدَ، وقاتله ثمانيةً وعشرين يومًا، فزحَفَ إليه عِدَّةَ دَفعاتٍ، وقَدَّم النقَّابينَ فنَقَبوا سورَ البَلَدِ، وطَرَحوا فيه الحَطَب والنَّارَ فتهَدَّمَ، ودخلها فحاربهم، ولجَّ في قتالِه خَوفًا من اجتماعِ الفرنج والمسيرِ إليه واستنقاذِ البلد منه، فأخذ البَلَدَ عَنوةً وقهرًا، وحَصَرَ قلعةَ الرَّها فمَلَكها أيضًا, فنصَرَ اللهُ المُسلمينَ وغَنِموا غنائِمَ عَظيمةً، وخَلَّصوا أُسارى مُسلِمينَ يَزيدونَ على خمسِمئة. ونهب النَّاسُ الأموالَ وسَبَوا الذُّريَّةَ وقَتَلوا الرجالَ، فلمَّا رأى أتابك زنكي البلدَ أعجَبَه، ورأى أنَّ تَخريبَ مِثلِه لا يجوزُ في السِّياسة، فأمَرَ فنُودِيَ في العساكِرِ برَدِّ مَن أخذوه من الرِّجالِ والنِّساءِ والأطفالِ إلى بُيوتِهم، وإعادةِ ما غَنِموه من أثاثِهم وأمتِعَتِهم، فرَدُّوا الجميعَ عن آخِرِهم لم يُفقَدْ منهم أحَدٌ إلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ الذي أُخِذَ وفارَقَ مَن أخَذَه العَسكَرُ، فعاد البلدُ إلى حالِه الأوَّلِ، وجعَلَ فيه عسكرًا يَحفَظُه، وكان جمالُ الدين أبو المعالي فضلُ الله بن ماهان رئيسُ حرَّان هو الذي يحُثُّ أتابك في جميعِ الأوقاتِ على أخْذِ الرَّها، ويُسَهِّلُ عليه أمْرَها, ثمَّ رَحَل إلى سروجٍ ففَتَحَها، وهَرَب الفرنجُ منها، وتسَلَّمَ سائِرَ الأماكِنِ التي كانت بيَدِ الفِرنجِ شَرقيَّ الفُراتِ ما عدا البيرةَ؛ فإنَّها حصينةٌ مَنيعةٌ، وعلى شاطئِ الفُراتِ، فسار إليها وحاصَرَها، وكانوا قد أكثَروا مِيرتَها ورِجالَها، فبَقِيَ على حِصارِها إلى أن رحَلَ عنها عندما جاءَه الخبَرُ مِن المَوصِل أنَّ نَصيرَ الدِّينِ جقر نائبه بالموصِلِ قُتِلَ، فخاف عليها، وتَرَك البيرةَ بعد أن قارَبَ أخْذَها, وسار جِهةَ المَوصِلِ، ولَمَّا بلَغَ زنكي خبَرُ قَتْلِ مَن قَتَلَ جقر، سكَنَ جأشُه واطمأنَّ قَلبُه.
وفاة تاشفين بن علي آخر ملوك المرابطين بالمغرب الأقصى .
العام الهجري : 539 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1145
تفاصيل الحدث:
هو أميرُ المُسلِمينَ تاشفينُ بنُ علي بن يوسف بن تاشفين صاحِبُ المَغرِب، وكانت وِلايتُه تزيد على أربعِ سِنينَ، تولَّى تاشفين غَزْوَ الأسبان أيامَ أبيه فافتتَحَ عِدَّةَ حُصونٍ، ولَمَّا توفِّيَ أبوه بويعَ له بالعَهدِ، وكان عبدُ المؤمن أميرُ الموحِّدينَ قد توغَّلَ بالمغرب فقاتَلَه تاشفين فكانت أيَّامُه حروبًا كُلُّها هزائِمُ وكان مَوتُه في إحدى المعارك، حيث كان فارًّا بفَرَسِه الذي كبا به فخَرَّ على وَجْهِه مَيتًا، وقيلَ إنَّ تاشفين قَصَدَ حِصنًا هناك على رابيةٍ، وله فيه بُستانٌ كبيرٌ فيه مِن كُلِّ الثِّمارِ، فاتَّفَق أنَّ عُمَرَ الهنتاتي، مُقَدَّم عَسكَرِ عبدِ المؤمن، سَيَّرَ سَريَّةً إلى الحِصنِ، يُعلِمُهم بضَعفِ مَن فيه، ولم يَعلَموا أنَّ تاشفين فيه، فألقَوا النَّارَ في بابه فاحتَرَق، فأراد تاشفين الهَرَب، فرَكِبَ فَرَسَه، فوَثَب الفَرَسُ من داخِلِ الحِصنِ إلى خارِجِ السور، فسَقَطَ في النار، فأُخِذَ تاشفين، وأرادوا حمَلْهَ إلى عبدِ المؤمن، فمات في الحالِ لأنَّ رَقَبَتَه كانت قد اندَقَّت، فصُلِبَ، وقُتِلَ كُلُّ مَن مَعه، وتفَرَّقَ عَسكَرُه ولم يَعُدْ لهم جماعةٌ، وكانت مُدَّةُ ولايتِه سنتين وشهرين وخَلَفه أخوه إسحاقُ بنُ عليٍّ، وكان صَبِيًّا, فضَعُفَ أمرُ المُلَثَّمينَ، وقَوِيَ عبدُ المؤمن.
عبد المؤمن قائد الموحدين يستولي على بلدان المرابطين في المغرب .
العام الهجري : 539 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1145
تفاصيل الحدث:
لَمَّا قُتِلَ تاشفين أرسَلَ عُمَرُ الهنتاتي- مُقَدَّمُ عَسكَرِ عبدِ المؤمِنِ- إليه بالخبَرِ، فجاء عبدُ المؤمِنِ مِن تاجِرة في يومِه بجميعِ عَسكَرِه، وتفَرَّقَ عَسكَرُ تاشفين، واحتمى بعضُهم بمدينةِ وهران، فلمَّا وصَلَ عبدُ المؤمِنِ دخَلَها بالسَّيفِ، وقَتَل فيها ما لا يُحصى، ثمَّ سار إلى تِلمِسان، وهما مدينَتانِ بينهما شَوطُ فَرَس، إحداهما تاهرت، وبها عسكَرُ المُسلِمينَ، والأخرى أقادير، وهي بناءٌ قديمٌ، فامتَنَعَت أقادير، وغَلَّقَت أبوابَها، وتأهَّبَ أهلُها للقِتالِ. وأمَّا تاهرت، فكان فيها يحيى بنُ الصَّحراويَّة، فهرَبَ منها بعَسكَرِه إلى مدينةِ فاس، وجاء عبدُ المؤمِنِ إليها، فدخَلَها لَمَّا فَرَّ منها العَسكَرُ، ولَقِيَه أهلُها بالخُضوعِ والاستِكانةِ، فلم يَقبَلْ منهم ذلك وقتَلَ أكثَرَهم، ودخَلَها عَسكَرُه، ورَتَّبَ أمْرَها، ورَحَل عنها، وجعَلَ على أقاديرَ جَيشًا يَحصُرُه.
وقوع فتنة بين أمير مكة هاشم العلوي الحسيني والأمير قطز .
العام الهجري : 539 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1145
تفاصيل الحدث:
وقوعُ فِتنةٍ عَظيمةٍ بينَ الأميرِ هاشمِ بنِ فليتة بن القاسِمِ العَلويِّ الحُسَيني، أميرِ مكَّةَ، والأميرِ قُطُز الخادم أميرِ الحاجِّ، فنهَبَ أصحابُ هاشِمٍ الحُجَّاجَ وهم في المَسجِدِ يَطوفونَ ويُصَلُّونَ، ولم يَرقُبوا فيهم إلًّا ولا ذِمَّةً.
اتفاق بوزابة وعباس على منازعة السُّلطان مسعود .
العام الهجري : 540 العام الميلادي : 1145
تفاصيل الحدث:
سار بوزابة، صاحِبُ فارِسَ وخوزستان، وعساكِرُه إلى قاشان، ومعه المَلِكُ محمد بن السُّلطان محمود، ووصل إليهما المَلِكُ سُليمان بن السُّلطان محمَّد، واجتمع بوزابة والأميرُ عَبَّاس صاحِبُ الري، واتَّفَقا على الخروجِ عن طاعة السُّلطان مسعودٍ ومَلَكا كثيرًا مِن بلادِه، ووصل الخبَرُ إليه وهو ببغداد ومعه الأميرُ عبد الرحمن طغايرك، وهو أميرٌ حاجِبٌ، حاكِمٌ في الدولة، وكان ميلُه إليهما، فسار السُّلطانُ في رمضانَ عن بغداد، ونزل بها الأميرُ مُهلهل، ونظر وجماعةً من غلمان بهروز؛ وسار السُّلطانُ وعبد الرحمن معه، فتقارب العَسكَران، ولم يبقَ إلَّا المصافُّ، فلَحِقَ سُلَيمانُ بأخيه مسعود، وشرع عبدُ الرحمن في تقريرِ الصُّلحِ على القاعدةِ التي أرادوها، وأُضيفَ إلى عبدِ الرَّحمنِ ولايةُ أذربيجان وأرانية إلى ما بيده، وصار أبو الفتح ِبنُ دارست وزيرَ السُّلطان مسعود، وهو وزيرَ بوزابة، فصار السُّلطانُ معهم تحت الحجر، وأبعدوا بك أرسلان بن بلنكري المعروف بخاص بك، وهو ملازِمُ السُّلطان وتربيته، وصار في خدمةِ عبد الرحمن لِيَحقِنَ دَمَه، وصار الجماعةُ في خدمة السُّلطان صورةً لا معنى تحتَها.
استيلاء علي بن دبيس على الحلة .
العام الهجري : 540 العام الميلادي : 1145
تفاصيل الحدث:
لَمَّا أراد السُّلطانُ مسعود الرَّحيلَ مِن بغداد، أشار عليه الأميرُ المهلهل أن يَحبِسَ عليَّ بن دبيس بقلعةِ تكريت، فعَلِمَ ذلك، فهَرَب في جماعةٍ يَسيرةٍ نحو خمسة عشر، فمضى إلى الأزيز، وجمَعَ بني أسدٍ وغَيرَهم، وسار إلى الحلَّةِ وبها أخوه مُحمَّد بن دبيس، فقاتَلَه، فانهزَمَ مُحمَّد، ومَلَك عليٌّ الحلَّةَ، واستهان السُّلطانُ أمْرَه أوَّلًا، فاستفحل وضَمَّ إليه جَمعًا مِن غِلمانِه وغِلمانِ أبيه وأهلِ بيتِه وعساكِرِهم، وكَثُرَ جَمعُهم، فسار إليه مهلهل فيمن معه في بغداد من العسكَرِ، وضَرَبوا معه مصافًا، فكسَرَهم وعادوا مُنهَزِمينَ إلى بغداد وكان أهلُ الحلَّةِ يتعَصَّبونَ لعليِّ بنِ دبيس، وكانوا يَصيحون إذا رَكِبَ مُهلهَل وبعضُ أصحابه: يا عليُّ، كله. وكثر ذلك منهم بحيث امتنع مهلهل مِنَ الرُّكوبِ، ومَدَّ عليٌّ يَدَه في أقطاعِ الأُمَراءِ بالحلة، وتصَرَّف فيها، وصار شحنة بغداد ومَن فيها على وجَلٍ منه، وجمَعَ الخليفةُ جَماعةً وجَعَلَهم على السُّورِ لحِفظِه، وراسَل عليًّا، فأعاد الجوابَ بأنَّني العبدُ المطيعُ مهما رُسِمَ لي فعَلْتُ؛ فسكن النَّاسُ، ووصَلَت الأخبارُ بعد ذلك أنَّ السُّلطانَ مَسعودًا تفَرَّقَ خُصومُه عنه، فازداد سُكونُ النَّاسِ.
وقوع عدد من مدن الأندلس بأيدي الفرنج .
العام الهجري : 540 العام الميلادي : 1145
تفاصيل الحدث:
مَلَكَ الفِرنجُ مدينة شنترين، وباجة، وماردة، وأشبونة، وسائِرَ المعاقِلِ المجاوِرةِ لها من بلادِ الأندلُسِ، وكانت للمُسلِمينَ، فاختلفوا، فطَمِعَ العَدُوُّ فيهم، وأخَذَ هذه المُدُنَ وقَوِيَ بها قُوَّةً تمكَّنَ معها وتيَقَّنَ مِلْكَ سائِرِ البلادِ الإسلاميَّةِ بالأندلُس، فخَيَّبَ اللهُ ظَنَّه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...