حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

السبت، 5 نوفمبر 2022

ج80.و81.من القَضاءِ على فِتنةِ البساسيري والخَليفةِ القائمِ بأَمرِ الله يدخل بغداد.العام الهجري : 452 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1060.

ج80. القَضاءِ على فِتنةِ البساسيري والخَليفةِ القائمِ بأَمرِ الله يدخل بغداد. العام الهجري : 452 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1060 .
تفاصيل الحدث:

بعدَ أن فَرغَ طُغرلبك من أَخيهِ إبراهيمَ وغيرِ ذلك من المَشاغلِ أَسرعَ بالعَوْدِ إلى بغداد وليس له هم إلَّا إِعادةُ الخَليفةِ لدارهِ، وكان قد راسلَ البساسيري على أن يُعيدوا الخَليفةَ ويَقنَع هو بعَدمِ العَودةِ إلى بغداد فلم يَرضَ البساسيري، فتَمكَّنَت عَساكرُ طُغرلبك مِن قَتلِه في ذي الحجَّةِ سَنةَ451هـ. أَرسلَ طُغرلبك مِن الطَّريقِ الإمامَ أبا بكرٍ أحمدَ بن محمدِ بن أيوبَ المعروف بابنِ فورك، إلى قُريشِ بن بَدران يَشكُرهُ على فِعلِه بالخَليفةِ، وحِفظِه على صِيانَتِه ابنةِ أَخيهِ امرأةِ الخليفةِ، ويُعرِّفهُ أنَّه قد أَرسلَ أبا بكرِ بن فورك للقيامِ بخِدمةِ الخليفةِ، وإحضارِهِ، وإحضارِ أرسلان خاتون ابنةِ أَخيهِ امرأةِ الخليفةِ، ولمَّا سَمِعَ قُريشٌ بِقَصدِ طُغرلبك العِراقَ أَرسلَ إلى مهارش بن مجلي الندوي يُحَرِّضُهُ على عَدمِ تَسليمِ الخَليفةِ حتى يَستَطيعوا أن يَشرُطوا ما يريدون؛ لكنَّهُ أَبَى عليهم ذلك، وسار مهارش ومعه الخليفةُ حادي عشر ذي القعدةِ سَنةَ إحدى وخمسين وأربعمائة إلى العِراقِ، وجَعَلا طَريقَهما على بَلدِ بَدرِ بن مهلهل لِيَأمَنَا مَن يَقصِدهُما، ووَصلَ ابنُ فورك إلى حلَّةِ بدرِ بن مهلهل، وطلبَ منه أن يُوصِلَهُ إلى مهارش، فجاء إنسانٌ سوادي إلى بدرٍ وأَخبرهُ أنَّه رأى الخليفةَ ومهارشًا بتل عكبرا، فسُرَّ بذلك بَدرٌ ورَحلَ ومعه ابنُ فورك، وخَدَماهُ، وحَملَ له بَدرٌ شَيئًا كَثيرًا، وأَوصلَ إليه ابنُ فورك رِسالةَ طُغرلبك وهَدايا كَثيرةً أَرسلَها معه، ولمَّا سَمِعَ طُغرلبك بوُصولِ الخليفةِ إلى بَلدِ بَدرٍ أَرسلَ وَزيرَه الكندريَّ، والأُمراءَ، والحُجَّابَ، وأَصحبَهم الخِيامَ العَظيمةَ، والسُّرادِقات، والتُّحَف مِن الخَيلِ بالمَراكِب الذَّهبِ وغيرِ ذلك، فوَصَلوا إلى الخليفةِ وخَدموهُ ورَحَلوا، ووَصلَ الخليفةُ إلى النَّهروان في الرابعِ والعشرين من ذي القعدةِ، وخَرجَ السُّلطانُ إلى خِدمتِه، واعتَذرَ مِن تَأَخُّرِه بعِصيانِ إبراهيمَ، وأنه قَتَلَهُ عُقوبةً لِمَا جَرى منه من الوَهَنِ على الدَّولةِ العبَّاسيَّة، وبِوَفاةِ أَخيهِ داودَ بخُراسان، وأنه اضطرَّ إلى التَّرَيُّثِ حتى يُرَتِّبَ أَولادَهُ بعدَه في المملكةِ، ثم إنَّ الخليفةَ لم يَدخُل بغدادَ إلَّا في هذه السَّنَةِ في صفر في السابع عشر منها.
استيلاءُ المِرداسِيِّين على حَلَبَ ومَوقعةُ الفُنَيْدِق .
العام الهجري : 452 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1060
تفاصيل الحدث:

حَصَرَ عِزُّ الدَّولةِ محمودُ بن شِبْلِ الدَّولةِ نَصرِ بن صالحِ بن مِرداس الكِلابي مدينةَ حَلَب، وضَيَّقَ عليها، واجتَمعَ مع جَمعٍ كَثيرٍ من العَربِ، فأَقامَ عليها، فلم يَتمكَّن مِن فَتحِها، فرَحلَ عنها، ثم عاوَدَها فحَصرَها، فمَلَكَ المدينةَ عَنوةً، بعدَ أن حَصرَها، وامتَنعَت القَلعةُ عليه. -كانت حَلبُ أوَّلًا بِيَدِ ثمالِ بن صالحِ بن مِرداس؛ لكنَّ أَهلَ حَلبَ لمَّا خَرجَ ثمالٌ إلى مِصرَ سَلَّموها إلى مَكينِ الدَّولةِ الحَسنِ بن عَليِّ بن ملهمٍ والي المُستَنصِر الفاطمي-. أَرسلَ مَن بِحَلبَ إلى المُستَنصِر، صاحبِ مِصر ودِمشق، يَستَنجِدونَه، فأَمرَ ناصرُ الدولةِ أبا محمد الحسينَ بنَ الحسنِ بن حمدان، الأميرَ بِدِمشق، أن يَسيرَ بمَن عندَه مِن العَساكرِ إلى حَلبَ يَستَردَّها من محمود، فسار إلى حَلبَ، فلمَّا سَمِعَ محمودٌ بِقُربِه منه خَرجَ مِن حَلبَ، ودَخلَها عَسكرُ ناصرِ الدولةِ فنَهَبوها، ثم إنَّ الحربَ وقعت بين محمود وناصرِ الدولةِ بظاهرِ حَلبَ، واشتَدَّ القِتالُ بينهم، فانهَزمَ ناصرُ الدولةِ وعاد مَقهورًا إلى مِصر، ومَلَكَ محمود حَلبَ، واستقام أَمرُه بها، وهذه الوقعة تُعرَف بوقعة الفُنَيْدِق، وهي مشهورة، وكان ذلك في شعبان.
يُوسفُ بن تاشفين يَتولَّى شُؤونَ دَولةِ المُرابطين .
العام الهجري : 453 العام الميلادي : 1061
تفاصيل الحدث:

قام أبو بكرِ بن عُمرَ اللَّمتُوني زَعيمُ المُرابطين بالمَغرِب بِتَولِيَةِ ابنِ عَمِّهِ يُوسفَ بن تاشفين شُؤونَ المُرابطين، وتَوجَّه أبو بكرٍ إلى الجنوبِ على رَأسِ جَيشٍ مُختَرِقًا بِلادَ سجلماسة، ثم قَصدَ بِلادَ السُّودانَ السِّنغالَ مُتوغِّلًا فيها ناشِرًا للإسلام.
وَفاةُ نَصرِ الدَّولةِ الكُردي صاحبِ دِيارِ بَكرٍ .
العام الهجري : 453 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1061
تفاصيل الحدث:

هو نَصرُ الدَّولةِ أحمدُ بن مَروان الكُردي، صاحبُ دِيارِ بِكرٍ، ولَقَبُه القادرُ بالله نَصرُ الدولةِ، واستَولى على الأُمورِ ببِلادهِ استِيلاءً تامًّا، وعَمَّرَ الثُّغورَ وضَبطَها، وتَنَعَّم تَنَعُّمًا لم يُسمَع بمِثلِه عن أَحدٍ مِن أَهلِ زَمانِه، ومَلَكَ خمسمائة سُرِّيَّةٍ سوى تَوابعهنَّ، وخمسمائة خادم، وكان في مَجلسِه من الآلاتِ ما تَزيدُ قَيمتُه على مائتي ألف دينارٍ، وتَزوَّج من بناتِ المُلوكِ جُملةً، وأَرسلَ طبَّاخين إلى الدِّيارِ المِصريَّة، وغَرِمَ على إرسالِهم جُملةً وافرةً حتى تَعلَّموا الطَّبْخَ من هناك، وأَرسلَ إلى السُّلطانِ طُغرلبك هَدايا عظيمةً، مِن جُملتِها الجَبلُ الياقوتُ الذي كان لِبَنِي بُويه، اشتَراهُ مِن المَلِكِ العزيزِ أبي منصورِ بن جَلالِ الدَّولةِ، وأَرسلَ معه مائةَ ألف دينارٍ سوى ذلك، ووَزَرَ له أبو القاسمِ بن المغربي، وفَخرُ الدَّولةِ بن جَهيرٍ، ورَخُصَت الأَسعارُ في أَيَّامِه، وتَظاهَر النَّاسُ بالأموالِ، ووَفدَ إليه الشُّعراءُ، وأَقامَ عندَه العُلماءُ والزُّهَّادُ. قال ابنُ خلكان: "قال ابنُ الأزرقِ في تاريخِه: إنَّه لم يُصادِر أحدًا مِن رَعِيَّتِه سوى رَجُلٍ واحدٍ، ولم تَفُتْهُ صلاةُ الفَجرِ مع كَثرةِ مُباشرَتِه للَّذاتِ، وكان له ثلاثمائة وسِتُّون حَظِيَّةً، يَبيتُ عند كُلِّ واحدةٍ لَيلةً في السَّنَةِ، وخَلَّفَ أَولادًا كَثيرةً"، ولم يَزل على ذلك إلى أن تُوفِّي في التاسع والعشرين من شَوَّال من هذه السَّنةِ. تُوفِّي نَصرُ الدَّولةِ عن عُمُرِ نَيِّفٍ وثمانين سَنةٍ، وإمارتُه اثنتين وخمسين سَنةً. ولمَّا مات اتَّفقَ وَزيرُه فَخرُ الدولةِ بن جَهيرٍ وابنُه نَصرُ، فرَتَّبَ نَصرًا في المُلْكِ بعدَ أَبيهِ، وجَرى بينه وبين أَخيهِ سَعيدٍ حُروبٌ شَديدةٌ كان الظَّفَرُ في آخرِها لنَصرٍ، فاستَقرَّ في الإمارةِ بميافارقين وغيرِها، ومَلَكَ أَخوهُ سَعيدٌ آمد.
دخول قبائل المَغربِ الأقصى في طاعة يُوسف بن تاشفين .
العام الهجري : 454 العام الميلادي : 1062
تفاصيل الحدث:

بعد أن قامَ يُوسفُ بن تاشفين بِفَتحِ مدينةِ فاس، أَخضعَ مُعظمَ نواحي المَغربِ الجَنوبيَّة والوُسطى، ودَخلَ في طاعتِه قبائلُ مغراتة وزناتة وبني يفرن.
بِدايةُ الخِلافِ بين العَسكرِ الأَتراكِ والعُبيديين (الفاطميين) .
العام الهجري : 454 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1062
تفاصيل الحدث:

خَرجَ المُستَنصِرُ الفاطمي على عادَتهِ في كلِّ سَنَةٍ يَركبُ على النُّجُبِ ومعه النِّساءُ والحَشَمُ إلى جب عميرة، وهو موضع نُزهَةٍ، ويُغيِّر هَيئتَه، كأنَّه خارجٌ يُريدُ الحَجَّ على سَبيلِ الهَزْرِ والمَجانَةِ، ومعه الخَمْرُ مَحمولٌ في الرَّوايا عِوَضًا عن الماءِ، ويَدورُ به سُقاتِه عليه وعلى مَن معه كأنَّه بِطريقِ الحِجاز أو كأنه ماءُ زمزم؛ واتَّفقَ أن بعضَ الأَتراكِ جَرَّدَ سَيْفًا في سَكْرَةٍ منه على بَعضِ عَبيدِ الشِّراءِ، فاجتَمعَ عليه عِدَّةٌ من العَبيدِ وقَتلوهُ. فغَضِبَ لذلك جَماعةُ الأَتراكِ واجتَمَعوا بأَسرِهم ودَخَلوا على المُستَنصِر، وقالوا: إن كان هذا الذي قُتِلَ مِنَّا على رِضاكَ فالسَّمعُ والطَّاعة، وإن كان قَتْلُه عن غيرِ رِضا أَميرِ المؤمنين فلا صَبرَ لنا على ذلك. وأَنكرَ المُستَنصِر أن قَتْلَه بِرضاهُ أو أَمرِه؛ فخَرجَ الأتراكُ واشتَدُّوا على العَبيدِ يُريدون مُحاربَتَهم، فبَرَزَت العَبيدُ إليهم؛ وكانت بين الفَريقينِ حُروبٌ بِناحِيَةِ كَومِ شَريكٍ قُتِلَ فيها عِدَّةٌ، وانهَزمَ العَبيدُ وقَوِيَت الأتراكُ؛ هذا وأُمُّ المُستَنصِر تَمُدُّ العَبيدَ بالأَموالِ والسِّلاحِ، فاتَّفقَ في بعضِ الأيامِ أن بعضَ الأَتراكِ وقفَ على شيءٍ ممَّا تَبْعَثُ به أُمُّ المُستَنصِر إلى العَبيدِ لِتُعينَهم به على مُحاربةِ الأَتراكِ، فاجتَمَعوا وصاروا إلى المُستَنصِر وتَجَرَّءُوا عليه بالقَولِ وأَغلَظوا في المُخاطبةِ؛ فأَنكرَ أن يكون عندَه مِن ذلك خَبَرٌ، وصار السَّيفُ قائمًا. فدَخلَ على أُمِّه وأَنكرَ عليها ما تَعتمِدهُ مِن تَقويَةِ العَبيدِ وإعانتِهم على مُحاربةِ الأَتراكِ، ثم انتَدبَ وَزيرَهُ أبا الفَرجِ ابن المغربي، فخَرجَ ولم يَزل يَسعى بين الأتراكِ والعَبيدِ حتى أَوقعَ الصُّلحَ بين الفَريقين. فاجتَمعَ العَبيدُ وساروا إلى ناحيةِ شبرا دمنهور. فكانت هذه الكائنةُ أوَّلَ الاختلافِ بين طَوائفِ العَسكر.
وَفاةُ المُعِزِّ بن باديس ووِلايةُ ابنهِ تَميم .
العام الهجري : 454 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1062
تفاصيل الحدث:

هو المُعِزُّ بن باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد الحِميريُّ الصَّنهاجيُّ، صاحبُ إفريقية وما والاها مِن بلادِ المَغرب، وكانت وِلادتُه بالمَنصوريَّة، ويُقال لها صبرة، من أَعمالِ إفريقية، يومَ الخميسِ لِخَمسٍ مَضَيْنَ من جمادى الأُولى سنةَ 398هـ، ومَلَكَ بعدَ أَبيهِ باديس سنةَ 406هـ, وكان الحاكمُ العُبيدي صاحبُ مصر قد لَقَّبَهُ شَرَفَ الدَّولةِ، وسَيَّرَ له تَشريفًا وسِجِلًّا يَتضمَّن اللَّقب سنةَ 447هـ, وكان مَلِكًا جَليلًا عالي الهِمَّة، مُحِبًّا لأهلِ العِلمِ كَثيرَ العَطاءِ، وكان واسطة عقد بيته, ومَدحَه الشُّعراءُ وانتَجعَه الأُدباءُ، وكانت حَضرتُه مَحَطَّ الآمالِ. وكان مَذهبُ أبي حنيفة بإفريقية أَظهرَ المذاهِب، فحَمَلَ المُعِزُّ جميعَ أَهلِ المَغربِ على التَّمَسُّكِ بمَذهبِ الإمامِ مالك، وحَسَمَ مادةَ الخِلافِ في المَذاهبِ, خَلَعَ طاعةَ العُبيديِّين الإسماعيلية، وخَطَبَ للقائمِ بأَمرِ الله العبَّاسي، فبَعَثَ إليه المُستَنصِر يَتهدَّدهُ، فلم يَخَفْهُ، فجَهَّزَ لمُحارَبتِه من مصر العَربَ، فخَرَّبوا حُصونَ برقة وإفريقية، وأَخذوا أماكنَ، واستَوطَنوا تلك الدِّيارَ, من هذا الزمانِ لم يُخطَب لِبَني عُبيدٍ بعدَها. تُوفِّي من مَرضٍ أَصابهُ، وهو ضَعْفُ الكَبِدِ، وكانت مُدَّةُ مُلكِه سبعًا وأربعين سنةً، ولمَّا تُوفِّي مَلَكَ بعدَه ابنُه تُميمٌ، ولمَّا استَبَدَّ بالمُلْكِ بعدَ أَبيهِ سَلَكَ طَريقَه في حُسْنِ السِّيرةِ، ومُحَبَّةِ أَهلِ العِلمِ، إلَّا أنه كان أصحاب البلاد إلَّا أنَّ أصحابَ البِلادِ قد طَمِعوا بَسببِ العَربِ، وزالت الهَيبةُ والطَّاعةُ عنهم في أَيامِ المُعِزِّ، فلمَّا مات ازدادَ طَمعُهم، وأَظهرَ كَثيرٌ منهم الخِلافَ.
زَواجُ السُّلطانِ طُغرلبك من ابنةِ الخليفةِ العبَّاسي .
العام الهجري : 454 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1062
تفاصيل الحدث:

خَطَبَ السُّلطانُ طُغرلبك ابنةَ الخليفةِ، فانزَعجَ الخليفةُ من ذلك، وقال: هذا شيءٌ لم تَجْرِ العادةُ بمِثلهِ، ثم طَلَبَ شيئًا كَثيرًا كهَيئةِ الفِرارِ، من ذلك أنه طَلبَ ما كان لِزَوجتِه التي تُوفِّيت من الإقطاعات بأرضِ واسط، و300 ألف دينارٍ، وأن يُقيمَ السُّلطانُ طُغرلبك ببغداد لا يَرحل عنها ولا يومًا واحدًا، فوقعَ الاتِّفاقُ على بعضِ ذلك، وأَرسلَ إليها بمائةِ ألف دينارٍ مع أرسلان خاتون ابنةِ أَخيهِ داودَ وزَوجةِ الخليفةِ، وأشياءَ كثيرةٍ من آنيةِ الذَّهَبِ والفِضَّة، والنِّثارِ والجَواري، ومِن الجواهرِ ألفانِ ومائتي قِطعةٍ، من ذلك سبعمائة قِطعةٍ من جَوهرٍ، وزنُ القِطعةِ ما بين الثلاثِ مَثاقيل إلى المِثقالِ، وأشياءَ أُخرى، فتَمَنَّع الخليفةُ لِفَواتِ بَعضِ الشُّروطِ، فغَضِبَ عَميدُ المُلْكِ الوزيرُ لِمَخدُومهِ السُّلطان، وجَرَت شُرورٌ طويلةٌ اقتَضَت أن أَرسلَ السُّلطانُ كِتابًا يَأمرُ الخليفةَ بانتِزاعِ ابنةِ أَخيهِ السيدة أرسلان خاتون، ونَقلِها من دارِ الخِلافةِ إلى دار المَملكةِ، حتى تَنفصِل هذه القَضيَّة، فعَزَم الخَليفةُ على الرَّحيلِ من بغداد، فانزَعجَ النَّاسُ لذلك، وجاء كِتابُ السُّلطانِ إلى رئيسِ شِحْنَةِ – القَيِّم لِضَبطِ البَلدِ- بغداد برشتق يَأمُره بعدمِ المُراقبةِ وكَثرةِ العَسْفِ في مُقابلةِ رَدِّ أصحابِه بالحِرمانِ، ويَعزِم على نَقلِ الخاتون إلى دارِ المُلْكِ، وأَرسلَ مَن يَحمِلها إلى البلدِ التي هو فيها، كل ذلك غَضَبًا على الخَليفةِ، ووَرَدَت الكُتبُ الكثيرةُ من السُّلطانِ طُغرلبك يشكو من قِلَّةِ إنصافِ الخليفةِ، وعَدمِ مُوافقَتِه له، ويَذكُر ما أَسداهُ إليه من الخيرِ والنِّعَمِ إلى مُلوكِ الأَطرافِ، وقاضي القُضاة الدَّامغاني، فلمَّا رأى الخليفةُ ذلك، وأنَّ السُّلطان أَرسلَ إلى نُوَّابِه بالاحتياطِ على أَموالِ الخليفةِ، كَتبَ إلى السُّلطانِ يُجيبُه إلى ما سألَ، فلمَّا وَصلَ ذلك إلى طُغرلبك فَرِحَ فَرحًا شَديدًا، وأَرسلَ إلى نُوَّابِه أن يُطلِقوا أَملاكَ الخَليفةِ، واتَّفقَت الكَلِمةُ بعدَ أن كادت تَتَفرَّق، فوَكَلَ الخَليفةُ في العَقْدِ، فوَقعَ العَقْدُ بمدينةِ تبريز بحَضرةِ السُّلطانِ طُغرلبك، وعَمِلَ سِماطًا عظيمًا، فلمَّا جيءَ بالمُوكِلة قام لها السُّلطانُ وقَبَّلَ الأرضَ عند رُؤيتِها، ودعا للخَليفةِ دُعاءً كثيرًا، ثم أَوجبَ العَقْدَ على صَداقِ أربعمائة ألف دينارٍ، وذلك في يوم الخميس الثالث عشر من شعبان، ثم بَعثَ ابنةَ أَخيهِ الخاتون زوجةَ الخليفةِ في شوال بتُحَفٍ كثيرةٍ، وجَوهرٍ وذَهَبٍ كَثيرٍ، وجَواهرَ عديدةٍ ثَمينةٍ، وهدايا عَظيمةٍ لأُمِّ العَروسِ وأَهلِها، ولمَّا استَقرَّ السُّلطانُ ببغداد أَرسلَ وَزيرَه عَميدَ المُلْكِ إلى الخليفةِ يُطالِبه بِنَقْلِ ابنتِه إلى دارِ المملكةِ فتَمنَّع الخليفةُ من ذلك وقال: إنَّكم إنَّما سألتُم أن يُعقَد العَقْدُ فقط بحُصولِ التَّشريفِ، والتَزمتُم لها بِعَوْدِ المُطالبةِ، فتَردَّد النَّاسُ في ذلك بين الخليفةِ والسُّلطانِ، وأَرسلَ السُّلطانُ زيادةً على النَّقْدِ مائةَ ألف دينارٍ ومائة وخمسين ألف درهمٍ، وتُحَفًا أُخَرَ، وأشياءَ لطيفةً، فلمَّا كان ليلة الاثنين الخامس عشر من صفر سنة455هـ زُفَّت السيدةُ ابنةُ الخليفةِ إلى دارِ المملكةِ، فضُرِبَت لها السُّرادِق من دِجلة إلى دارِ المملكةِ، وضُرِبت الدَّبادِبُ والبُوقاتُ عند دُخولِها إلى الدارِ.
وَفاةُ القاضي المُؤَرِّخ أبي عبدِالله محمدِ بن سَلامةَ المعروف بالقَضاعي .
العام الهجري : 454 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1062
تفاصيل الحدث:

هو الفَقيهُ، العلَّامةُ، القاضي المُؤرِّخ أبو عبدِالله محمدُ بن سَلامةَ بن جَعفرٍ المعروفُ بالقَضاعي، المِصري، الشافعي، كان من الثِّقاتِ الأثباتِ, إمامًا في الفِقهِ والحديثِ، وكان يَنوبُ في القَضاءِ بمصر أيامَ المُستَنصِر الفاطمي, وكان المُستَنصِر قد أَرسلَهُ في سِفارةٍ للتَّفاوُضِ مع إمبراطورِ الرُّومِ في القسطنطينية بشأنِ العِلاقة بين الدَّولتينِ. وهو صاحبُ كتابِ (الشِّهاب) مُجرَّدًا ومُسنَدًا، وتَولَّى القَضاءَ بمصر, واشتَغلَ بالتَّاريخِ وله عِدَّةُ تَصانيف: منها كتاب (أخبار الشافعي) وكتاب (الإنباء عن الأنبياء) و(تَواريخ الخُلفاء) وله كتاب (خطط مصر) اعتَمدَ عليه المَقريزي في خططه, وكان مُفَنَّنًا في عِدَّةِ عُلومٍ. تُوفِّي بمصر، وصُلِّيَ عليه يومَ الجُمعةِ بعدَ العَصرِ في مُصَلَّى النَّجَّارِ.
العُبيدِيُّون (الفاطِميُّون) يُعاوِدونَ بَسْطَ نُفوذِهم على الحِجازِ .
العام الهجري : 455 العام الميلادي : 1063
تفاصيل الحدث:

قَدِمَ الصليحي اليمني مكَّةَ بعدَ ما مَلَكَ اليمنَ كُلَّهُ سَهْلَهُ وجَبَلَهُ، وبَرَّهُ وبَحْرَهُ، وأقامَ بها وبمَكَّةَ دَعوةً المُستَنصِر، وكَسَا الكعبةَ حَريرًا أبيضَ، ورَدَّ حِليةَ البَيتِ إليه؛ وكان بنو حسنٍ قد أَخذوها ومَضوا بها إلى اليمنِ، فاشتَراها منهم، وأَعادَها في هذه السَّنةِ. واستَخلفَ على مكَّةَ محمدَ بن أبي هاشم، وعاد إلى اليمنِ.
وُقوعُ زَلزلةٍ عَظيمةٍ بالشَّامِ .
العام الهجري : 455 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1063
تفاصيل الحدث:

وَقعَت بالشَّامِ زَلزلةٌ عَظيمةٌ خَرِبَ منها كَثيرٌ من البلادِ، وانهَدمَ سُورُ طرابلس.
وَفاةُ السُّلطانِ طُغرلبك وتَوَلِّي ابنِ أَخيهِ ليمان بن داودَ بعدَه .
العام الهجري : 455 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1063
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الكبيرُ، رُكْنُ الدِّين، أبو طالبٍ، طُغرلبك محمدُ بن ميكائيل بن سَلجوق بن دقاق أوَّلُ مُلوكِ السَّلاجِقة, وأَصلُ السَّلاجِقة مِن بَرِّ بُخارى؛ لهم عددٌ وقُوَّةٌ وإِقدامٌ، وشَجاعةٌ وشَهامةٌ وزَعارةٌ، فلا يَدخُلون تحتَ طاعةٍ، وإذا قَصدَهُم مَلِكٌ دَخَلوا البَرِّيَّة, ثم إن طُغرلبك عَظُمَ سُلطانُه، وطَوَى المَمالِكَ، واستولى على العِراقِ في سنة 447هـ، وتَحبَّبَ إلى الرَّعيَّةِ بِعَدْلٍ مَشُوبٍ بِجَوْرٍ، وكان حَليمًا كَثيرَ الاحتمالِ، شَديدَ الكِتمانِ للسِّرِّ، مُحافِظًا على الصَّلواتِ، وعلى صَومِ الاثنينِ والخَميسِ، مُواظِبًا على لُبْسِ البَياضِ، ويبني المَساجِد، ويَتصدَّق، سار السُّلطانُ طُغرلبك من بغداد، في رَبيعٍ الأوَّل، إلى بلدِ الجَبَلِ، فوَصلَ إلى الرَّيِّ واستَصحَب معه أرسلان خاتون ابنةَ أَخيهِ، زَوجةَ الخليفةِ، لأنَّها شَكَت إطراحَ الخليفةِ لها، فأَخذَها معه، فمرضَ، فلمَّا كانت ليلةُ الأحدِ الرابع والعشرين من رمضان جاء الخبرُ بأنَّه تُوفِّي في ثامنِ الشهرِ، فثار العَيَّارُون فقَتَلوا وَزيرَ السُّلطانِ عَميدَ المُلْكِ الكندريَّ وسبعمائة من أصحابِه، ونَهَبوا الأموالَ، وجَعَلوا يأكلون ويشربون على القَتْلَى نهارًا، حتى انسلخَ الشهرُ وأُخِذَت البَيْعَةُ بعدَه لِوَلَدِ أخيهِ سُليمان بن داودَ، وكان طُغرلبك قد نَصَّ عليه وأَوصَى إليه، لأنَّه كان قد تَزَوَّج بأُمِّهِ، واتَّفَقَت الكَلمةُ عليه، ولم يبق عليه خَوْفٌ إلَّا مِن جِهَةِ أَخيهِ المَلِكِ عَضُدِ الدَّولةِ ألب أرسلان محمد بن داود، وكان مُدَّةُ مُلْكِ طُغرلبك بحَضرةِ القائمِ بأمرِ الله سبعَ سنين وإحدى عشر شهرًا، واثني عشر يومًا وكان عُمُرُهُ يومَ مات سبعين سنة.
ألب أرسلان يَخْلُف عَمَّهُ طُغرلبك السلجوقي .
العام الهجري : 455 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1063
تفاصيل الحدث:

لمَّا خُطِبَ لسُليمانَ بن داودَ بالسَّلْطَنَةِ اختَلفَ الأُمراءُ، فمَضَى باغي سيان وأردم إلى قَزوين، وخَطَبا لأَخيهِ عَضُدِ الدَّولةِ ألب أرسلان محمدِ بن داودَ جغري بك بن ميكائيل بن سلجوق، ابن أخي طُغرلبك وهو حينئذٍ صاحبُ خُراسان، ومعه نِظامُ المُلْكِ وَزيرُه، والناسُ مائِلونَ إليهِ، وكذلك الجَيشُ كانوا يَميلونَ إليهِ، وقد خَطَبَ له أَهلُ الجَبَلِ ومعه نِظامُ المُلْكِ أبو عليٍّ الحَسنُ بن عَلِيِّ بن إسحاقَ وَزيرُه، ولمَّا رأى الكندريُّ قُوَّةَ أَمرِه خَطَبَ له بالرَّيِّ، ثم مِن بَعدِه لأَخيهِ سُليمانَ بنِ داودَ.
ألب أرسلان يسيطر على مدينة ختلان وهراة وصغانيان .
العام الهجري : 456 العام الميلادي : 1063
تفاصيل الحدث:

لمَّا مَلَكَ ألب أرسلان عَصَى عليه أَميرُ ختلان بِقَلعَتِه، ومَنعَ الخَراجَ، فقَصدَهُ السُّلطانُ، فرأى الحِصْنَ مَنيعًا على شاهقٍ، فأَقامَ عليه وقاتَلَهُ، فلم يَصِل منه إلى مُرادِه، ففي بَعضِ الأيَّامِ باشَرَ ألب أرسلان القِتالَ بِنَفسِه، وتَرَجَّلَ، وصَعَدَ في الجَبلِ، فتَبِعَهُ الخَلْقُ، وتَقدَّموا عليه في المَوقِف، وأَلَحُّوا في الزَّحْفِ والقِتالِ، وكان صاحبُ القَلعَةِ على شُرْفَةٍ من سُورِها يُحَرِّضُ الناسَ على القِتالِ، فأَتتهُ نُشَّابَةٌ من العَسكرِ فقَتَلَتْهُ، وتَسلَّم ألب أرسلان القَلعةَ وصارت في جُملةِ مَمالِكِه، وكان عَمُّهُ فَخْرُ المُلْكِ بيغو بن ميكائيل في هراة، فعَصَى أيضًا عليه، وطَمِعَ في المُلْكِ لِنَفسِه، فسار إليه ألب أرسلان في العَساكِرِ العَظيمةِ، فحَصَرَهُ وضَيَّقَ عليه، وأَدامَ القِتالَ لَيلًا ونَهارًا، فتَسَلَّمَ المَدينةَ، وخَرجَ عَمُّهُ إليه، فأَبقى عليه وأَكرَمَهُ وأَحسَنَ صُحبَتَهُ، وسار من هناك إلى صغانيان، وأَميرُها اسمُه موسى، وكان قد عَصَى عليه، فلمَّا قارَبَهُ ألب أرسلان صَعَدَ موسى إلى قَلعةٍ على رَأسِ جَبلٍ شاهِقٍ، ومعه مِن الرِّجالِ الكُماةِ جَماعةٌ كَثيرةٌ، فوَصَل السُّلطانُ إليه، وباشَر الحَربَ لِوَقتِه، فلم يَنتَصِف النَّهارُ حتى صَعدَ العَسكرُ الجَبلَ، ومَلَكوا القَلعةَ قَهْرًا، وأُخِذَ موسى أَسِيرًا، فأَمَر بِقَتلِه، فبَذَلَ في نَفسِه أَموالًا كَثيرةً، فقال السُّلطانُ: ليس هذا أوانَ تِجارَةٍ. واستَولَى على تلك الوِلايةِ بأَسْرِها، وعاد إلى مرو، ثم منها إلى نيسابور.
فَتْحُ ألب أرسلان مدينةَ آني وغَيرَها مِن بِلادِ النَّصرانِيَّة .
العام الهجري : 456 العام الميلادي : 1063
تفاصيل الحدث:

سار السُّلطانُ ألب أرسلان من الرَّيِّ إلى أذربيجان، فوَصلَ إلى مرند عازِمًا على قِتالِ الرُّومِ وغَزْوِهِم، فلمَّا فَرَغَ مِن جَمعِ العساكرِ والسُّفُنِ سار إلى بلادِ الكرج، وجَعلَ مَكانَه في عَسكرِه وَلَدَهُ ملكشاه، ونِظامَ المُلْكِ وَزيرَه، فسار ملكشاه ونِظامُ المُلْكِ إلى قَلعةٍ فيها جَمعٌ كَثيرٌ مِن الرُّومِ، فنَزلَ أَهلُها منها، وتَخَطَّفُوا من العَسكرِ، وقَتَلوا منهم فِئَةً كَثيرةً، فنَزلَ نِظامُ المُلْكِ وملكشاه، وقاتَلوا مَن بالقَلعةِ، وزَحَفوا إليهم، فقُتِلَ أَميرُ القَلعةِ ومَلَكَها المُسلِمون، وساروا منها إلى قَلعةِ سرماري، وهي قَلعةٌ فيها من المِياهِ الجاريةِ والبَساتين، فَقاتَلوها ومَلَكوها، وأَنزَلوا منها أَهلَها، وكان بالقُربِ منها قَلعةٌ أُخرى، ففَتَحَها ملكشاه، وأَرادَ تَخريبَها، فنَهاهُ نِظامُ المُلْكِ عن ذلك، وقال: هي ثَغْرٌ للمُسلِمين، وشَحَنَها بالرِّجالِ والذَّخائِر والأَموالِ والسِّلاحِ، وسَلَّمَ هذه القِلاعَ إلى أَميرِ نقجوان، وسار ملكشاه ونِظامُ المُلْكِ إلى مَدينةِ مريم نشين، وهي مَدينةٌ حَصينَةٌ، سُورُها مِن الأَحجارِ الكِبارِ الصَّلْبَةِ، المَشدُودةِ بالرَّصاصِ والحَديدِ، وعندَها نَهْرٌ كَبيرٌ، فأَعَدَّ نِظامُ المُلْكِ لِقِتالِها ما يَحتاجُ إليه من السُّفُنِ وغَيرِها، وقاتَلَها، فضَجِرَ الكُفَّارُ، وأَخذَهم الإعياءُ والكَلالُ، فوَصلَ المسلمون إلى سُورِها، ونَصَبوا عليه السَّلاليمَ، وصَعَدوا إلى أَعلاهُ، فلمَّا رأى أَهلُها المسلمين على السُّورِ فَتَّ ذلك في أَعضادِهِم، وسُقِطَ في أيديهِم، ودَخلَ ملكشاه البلدَ، ونِظامُ المُلْكِ، وأَحرَقوا البِيَعَ، وخَرَّبوها، وقَتَلوا كَثيرًا من أَهلِها، وأَسلمَ كَثيرٌ فنَجَوْا من القَتلِ، واستَدعَى ألب أرسلان إليه ابنَه، ونِظامَ المُلْكِ، وفَرِحَ بما يَسَّرَهُ الله من الفَتحِ على يَدِ وَلَدِه. وفَتَحَ ملكشاه في طَريقِه عِدَّةً من القِلاعِ والحُصونِ، وأَسَرَ من النَّصارَى ما لا يُحصَونَ كَثْرَةً. وساروا إلى سبيذ شهر، فجَرَى بين أَهلِها وبين المسلمين حُروبٌ شَديدةٌ استُشهِدَ فيها كَثيرٌ من المسلمين، ثم إنَّ الله تعالى يَسَّرَ فَتْحَها فمَلَكَها ألب أرسلان، وسار منها إلى مَدينةِ أعآل لآل، وهي حَصينةٌ، عاليةُ الأَسوارِ، شاهِقةُ البُنيانِ، وهي من جِهَةِ الشَّرقِ والغَربِ على جَبلٍ عالٍ، وعلى الجَبلِ عِدَّةٌ من الحُصونِ، ومن الجانِبينِ الآخرينِ نَهْرٌ كَبيرٌ لا يُخاض، فلمَّا رآها المسلمون عَلِموا عَجزَهم عن فَتْحِها والاستيلاءِ عليها، وكان مَلِكُها من الكرج، وعَقَدَ السُّلطانُ جِسْرًا على النَّهْرِ عَريضًا، واشتَدَّ القِتالُ، وعَظُمَ الخَطْبُ، فخَرَجَ من المدينةِ رَجُلانِ يَستَغيثانِ، ويَطلُبانِ الأَمانَ، والتَمَسا من السُّلطانِ أن يُرسِلَ معهما طائفةٌ من العَسكرِ، فسَيَّرَ جَمْعًا صالحًا، فلمَّا جاوَزُوا الفَصِيلَ أَحاطَ بهم الكرجُ من أَهلِ المدينةِ وقاتَلوهُم فأَكثَروا القَتْلَ فيهم، ولم يَتمَكَّن المسلمون من الهَزيمَةِ لِضِيقِ المَسْلَكِ، وخَرجَ الكَرجُ من البَلدِ وقَصَدوا العَسكرَ، واشتَدَّ القِتالُ، وكَبَّرَ المسلمون عليهم، فوَلَّوْا مُنهَزِمينَ، فدخلوا البلدَ والمسلمون معهم، ودَخلَها السُّلطانُ ومَلَكَها، واعتَصمَ جَماعةٌ من أَهلِها في بُرْجٍ من أَبراجِ المدينةِ، فقاتَلهُم المسلمون، فأَمَرَ السُّلطانُ بإلقاءِ الحَطَبِ حَولَ البُرجِ وإحراقِه، ففعل ذلك، وأَحرَق البُرجَ ومَن فيه، وعاد السُّلطانُ إلى خِيامِه، وغَنِمَ المسلمون من المدينةِ ما لا يُحَدُّ ولا يُحصَى، ولمَّا جَنَّ اللَّيلُ عَصَفَت رِيحٌ شَديدةٌ، وكان قد بَقِيَ من تلك النَّارِ التي أَحرَق بها البُرجَ بَقِيَّةٌ كَثيرةٌ، فأَطارَتها الرِّيحُ، فاحتَرقَت المَدينةُ بأَسْرِها، وذلك في رجب، ومَلَكَ السُّلطانُ قَلعةً حَصينةً كانت إلى جانبِ تلك المدينةِ، وأَخذَها، وسار منها إلى ناحيةِ قرس، ومدينة آني وبالقُربِ منها ناحيتان يُقال لهما: سيل ورده، ونورة، فخَرجَ أَهلُهما مُذعِنينَ بالإسلامِ، وخَرَّبوا البِيَعَ، وبَنوا المساجِدَ، وسار منها إلى مَدينةِ آني فوَصلَ إليها فرآها مَدينةً حَصينةً، شَديدةَ الامتِناعِ، لا تُرام، ثلاثةُ أَرباعِها على نَهرِ أرس، والرُّبعُ الآخرُ نَهْرٌ عَميقٌ شَديدُ الجَرْيَةِ، لو طُرِحَت فيه الحِجارةُ الكِبارُ لدَحاها وحَملَها، والطَّريقُ إليها على خَندقٍ عليه سُورٌ من الحِجارةِ الصُّمِّ، فحَصَرَها وضَيَّقَ عليها، إلا أنَّ المسلمين قد أَيِسُوا من فَتْحِها لِمَا رَأَوا من حَصانَتِها، فعَمِلَ السُّلطانُ بُرْجًا من خَشَبٍ، وشَحَنَهُ بالمُقاتِلَةِ، ورَماهُ بالنُّشَّابِ، ونَصَبَ عليه المِنْجَنيقَ، فكَشَفوا الرُّومَ عن السُّورِ، وتَقدَّم المسلمون إليه لِيَنقُبوهُ، فأَتاهُم مِن لُطْفِ الله ما لم يكُن في حِسابِهم، فانهَدَمت قِطعةٌ كَبيرةٌ من السُّورِ بغيرِ سَبَبٍ، فدَخَلوا المدينةَ وقَتَلوا من أَهلِها ما لا يُحصَى بحيث إنَّ كَثيرًا من المسلمين عَجَزوا عن دُخولِ البلدِ من كَثرةِ القَتلى، وأَسَروا نَحوًا مما قَتَلوا، وسارت البُشرَى بهذه الفُتوحِ في البلادِ، فسُرَّ المسلمون، وقُرِئ كِتابُ الفَتْحِ ببغداد في دارِ الخِلافةِ، ورَتَّبَ فيها السُّلطانُ أَميرًا في عَسكرٍ جَرَّارٍ، وعاد عنها، وقد راسَلهُ مَلِكُ الكرجِ في الهُدْنَةِ، فصالَحَهُ على أَداءِ الجِزْيَةِ كلَّ سَنَةٍ، فقَبِلَ ذلك.
النورمانديون يَذبَحون المسلمينَ في مَدينةِ ببشتر الأَندلُسِيَّة .
العام الهجري : 456 العام الميلادي : 1063
تفاصيل الحدث:

قام جيوم دي مونري النورماندي بقِيادَةِ حَملَةٍ بَحرِيَّةٍ نَزلَت بِساحلِ قطلونية ثم سارت إلى الشَّرْقِ حتى وَصلَت إلى مَدينةِ ببشتر جنوب إسبانيا وكانت من أَعمالِ يُوسفَ بن سُليمانَ بن هود فحاصَروها حتى استَسلَمت فدَخَلها وأَمْعَنَ جُنْدُهُ في أَهلِها قَتْلًا ونَهْبًا وسَبْيًا، ولم يُبادِر أَحدٌ من أُمراءِ الطَّوائفِ بِنَجْدَتِه، ثم غادَرَ النورمانديون المدينةَ بعدَ أن تَركوا فيها حامِيةً من خَمسةِ آلافِ رَجُلٍ، حتى قام في السَّنَةِ التاليةِ أحمدُ بن سُليمانَ بن هود باستِنهاضِ هِمَمِ المسلمين وخَلَّصَ المدينةَ من الحامِيَةِ وتَلَقَّبَ بعدَها بالمُقتَدِر بالله.
الحربُ بين ألب أرسلان وقُتلمش .
العام الهجري : 456 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1064
تفاصيل الحدث:

سَمِعَ ألب أرسلان أن شهابَ الدَّولةِ قُتلمش السلجوقي، قد عَصَى عليه، وجَمعَ جُموعًا كَثيرةً، وقَصدَ الرَّيَّ ليَستَولي عليها، فجَهَّزَ ألب أرسلان جَيشًا عَظيمًا وسَيَّرَهُم على المَفازَةِ إلى الرَّيِّ، فسَبَقوا قُتلمش إليها، وسار ألب أرسلان من نيسابور أَوَّلَ المُحرَّم من هذه السَّنَةِ، فلمَّا وَصلَ إلى دامغان أَرسَل إلى قُتلمش يُنكِر عليه فِعلَه، ويَنهاهُ عن ارتكابِ هذا الحالِ، ويَأمرُه بِتَركِها، فإنَّه يَرعَى له القَرابةَ والرَّحِمَ، فأجابَ قُتلمش جوابَ مُغْتَرٍّ بمَن معه مِن الجُموعِ، ونَهَبَ قُرَى الرَّيِّ، وأَجرَى الماءَ على وادي المِلْحِ، وهي سَبِخَةٌ، فتَعَذَّرَ سُلوكُها، وقَرُبَ السُّلطانُ من قُتلمش، فلَبِسَ المَلِكُ السِّلاحَ، وعَبَّأَ الكتائِبَ، واصطَفَّ العَسكرانِ فقَصدَ قُتلمش المحاجزة، وجَعلَ السَّبِخَة بينه وبين ألب أرسلان لِيَمتَنِعَ من اللِّقاءِ, فسَلكَ ألب أرسلان طَريقًا في الماءِ، وخاضَ غَمْرَتَهُ، وتَبِعَهُ العَسكرُ، فطَلَعَ منه سالِمًا هو وعَسكرُه، فصاروا مع قُتلمش واقتَتَلوا، فلم يَثبُت عَسكرُ قُتلمش لِعَسكرِ السُّلطانِ، وانهَزَموا لِساعَتِهم، ومَضَى مُنهَزِمًا إلى قَلعةِ كردكوه، وهي مِن جُملةِ حُصونِه ومَعاقِلِه، وكَثُرَ القَتلُ والأَسْرُ في عَسكرِه، وأراد السُّلطانُ قَتلَ الأَسْرَى، فشَفَعَ فيهم نِظامُ المُلْكِ فعَفَا عنهم وأَطلقَهم، ولمَّا سَكَنَ الغُبارُ، ونَزلَ العَسكرُ، وُجِدَ قُتلمش مَيِّتًا مُلقًى على الأرضِ لا يُدرَى كيف كان مَوتُه، قيلَ: إنَّه مات من الخَوفِ، والله أَعلمُ، فبَكَى السُّلطانُ لِمَوتِه، وقَعَدَ لِعَزائِه، وعَظُمَ عليه فَقْدُهُ، فسَلَّاهُ نِظامُ المُلْكِ، ودَخلَ ألب أرسلان إلى مدينة الرَّيِّ آخرَ المُحرَّم من السَّنَةِ.
وَفاةُ الإمامِ ابنِ حَزْمٍ الظاهري الأَندلُسي القُرطُبي .
العام الهجري : 456 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1064
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الأَوحدُ، البَحرُ، ذو الفُنونِ والمَعارِف، العَلَّامَةُ أبو مُحمدٍ عليُّ بن أحمدَ بن سَعيدِ بن حَزْمِ بن غالبِ بن صالحِ بن خَلَفِ بن معد بن سُفيانَ بن يَزيدَ (مَولى يَزيدَ بن أبي سُفيانَ) الأُمَويُّ الفَقيهُ الحافظُ، المُتَكَلِّمُ، الأَديبُ، الوَزيرُ، الظَّاهريُّ، صاحبُ التَّصانيفِ. أَصلُ جَدِّهِ يَزيدَ من فارس، وهو أَوَّلُ مَن أَسلَم من أَجدادِه، وجَدُّهُ خَلَفٌ أَوَّلُ مَن دَخَلَ بِلادَ المَغرِب من آبائهِ زَمنَ عبدِالرحمن الدَّاخِل، وكانت بَلدُهم قُرطبةَ، ووُلِدَ ابنُ حَزمٍ بها في رمضان، سنة 384هـ، وكان والِدُه من كُبَراءِ أَهلِ قُرطُبة؛ عَمِلَ في الوِزارةِ للدَّولةِ العامِريَّة، فنَشأَ ابنُ حَزمٍ في تَنَعُّمٍ ورَفاهِيَةٍ، ورُزِقَ ذَكاءً مُفرِطًا، وذِهْنًا سَيَّالًا. فقَرأَ القُرآنَ واشتَغَلَ بالعُلومِ النَّافِعَةِ الشَّرعيَّةِ، وبَرَزَ فيها وَفاقَ أَهلَ زَمانِه. كان حافِظًا عالِمًا بعُلومِ الحَديثِ وفِقْهِهِ، مُستَنبِطًا للأَحكامِ من الكِتابِ والسُّنَّةِ بعدَ أن كان شافِعيَّ المَذهبِ، انتَقلَ إلى مَذهبِ أَهلِ الظَّاهرِ، وكان مُتَفَنِّنًا في عُلومٍ جَمَّةٍ، عامِلًا بِعِلمِه، زاهِدًا في الدُّنيا بعدَ الرِّياسَةِ التي كانت له ولأَبيهِ مِن قَبلِه في الوزارةِ وتَدبيرِ المَمالِكِ، مُتواضِعًا ذا فَضائلَ جَمَّةٍ. قال الذَّهبيُّ: "كان قد مَهَرَ أوَّلًا في الأَدبِ والأَخبارِ والشِّعْرِ، وفي المَنطِقِ وأَجزاءِ الفَلسفَةِ، فأَثَّرَت فيه تَأثيرًا لَيْتَهُ سَلِمَ من ذلك، ولقد وَقفتُ له على تَأليفٍ يَحُضُّ فيه على الاعتِناءِ بالمَنطِقِ، ويُقَدِّمُه على العُلومِ، فتَألَّمتُ له، فإنَّه رَأسٌ في عُلومِ الإسلامِ، مُتَبَحِّرٌ في النَّقْلِ، عَديمُ النَّظيرِ على يُبْسٍ فيه، وفَرْطِ ظاهِريَّةٍ في الفُروعِ لا الأُصولِ". وله تَصانيفُ وكُتُبٌ مَشهورةٌ كَثيرةٌ أَهَمُّها ((المُحَلَّى))، و((الفَصلُ في المِلَل والنِّحَل)). ويُقال: إنَّه صَنَّفَ أربعمائةَ مُجَلَّدٍ في قَريبٍ من ثمانين ألف وَرَقَةٍ. وكان أَديبًا طَبيبًا شاعِرًا فَصيحًا، له في الطِبِّ والمَنطِقِ كُتُبٌ، كان مُصاحِبًا للشَيخِ أبي عُمرَ بن عبدِ البَرِّ النمري، ومُناوِئًا للشيخِ أبي الوليدِ سُليمانَ بن خَلفٍ الباجيِّ، وقد جَرَت بينهما مُناظراتٌ كَثيرةٌ، وكان ابنُ حَزمٍ كَثيرَ الوَقيعةِ في العُلماءِ بِلِسانِه وقَلَمِه لا يَكادُ يَسلَمُ أَحَدٌ من لِسانِه من العُلماءِ المُتقَدِّمين والمُتأخِّرين، حتى قيلَ: "كان لِسانُ ابنِ حَزمٍ وسَيفُ الحَجَّاجِ بن يوسفَ شَقِيقَينِ, لكَثرةِ وُقوعِه في الأئمةِ" فنَفَرَت عنه القُلوبُ،، فتَمالَأَ العُلماءُ على بُغضِه ورَدُّوا قَولَه واجمَعوا على تَضليلِه وشَنَّعُوا عليه, وحَذَّروا السَّلاطِينَ من فِتنَتهِ, ونَهوا عَوامَّهُم عن الدُّنُوِّ إليه والأَخذِ منه, فأَورَثَهُ ذلك حِقدًا في قُلوبِ أَهلِ زَمانِه، وما زالوا به حتى بَغَّضوهُ إلى مُلوكِهم، فطَردوهُ عن بلادِه حتى تَشَرَّدَ في الباديةِ ومع ذلك لم يرجِع عن أَقوالِه وأَفعالِه. كان ظاهِريًّا لا يقولُ بشيءٍ من القِياسِ لا الجَلِيِّ ولا غَيرِه، وهذا الذي وَضَعهُ عند العُلماءِ، وأَدخَلَ عليه خَطأً كَبيرًا في نَظَرِه وتَصرُّفِه وكان مع هذا مِن أَشَدِّ الناسِ تَأويلًا في باب الأُصولِ، وآياتِ الصِّفاتِ وأحاديثِ الصِّفاتِ، لأنَّه كان أَوَّلًا قد تَضَلَّع من عِلْمِ المَنطِق، أَخذَهُ عن محمدِ بن الحسنِ المُذحجيِّ الكِناني القُرطُبي، ففَسَدَ بذلك حالُه في بابِ الصِّفاتِ، قال الذَّهبيُّ: "قيلَ: إنَّه تَفَقَّهَ أوَّلًا للشافعيِّ، ثم أَدَّاهُ اجتِهادُه إلى القَوْلِ بنَفْيِ القِياسِ كُلِّهِ جَلِيِّهِ وخَفِيِّهِ، والأَخْذِ بظاهرِ النَّصِّ وعُمومِ الكتابِ والحديثِ، والقَولِ بالبَراءةِ الأصليَّة، واستِصحابِ الحالِ، وصَنَّفَ في ذلك كُتُبًا كَثيرةً، وناظَرَ عليه، وبَسَطَ لِسانَه وقَلَمَه، ولم يَتأَدَّب مع الأئمةِ في الخِطابِ، بل فَجَّجَ العِبارةَ، وسَبَّ وجَدَّعَ، فكان جَزاؤُه من جِنْسِ فِعْلِه، بحيث إنَّه أَعرَض عن تَصانيفِه جَماعةٌ من الأئمةِ، وهَجرُوها، ونَفَروا منها، وأُحرِقَت في وَقتٍ، واعتَنَى بها آخرون من العُلماءِ، وفَتَّشُوها انتِقادًا واستِفادةً، وأَخْذًا ومُؤاخَذةً، ورَأوا فيها الدُّرَّ الثَّمينَ مَمْزوجًا في الرَّصْفِ بالخَرزِ المهينِ، فتارةً يطربون، ومَرَّةً يعجبون، ومِن تَفَرُّدِه يَهزَؤون. وفي الجُملةِ فالكمالُ عَزيزٌ، وكلُّ أَحَدٍ يُؤخذُ من قَولِه ويُتركُ، إلَّا رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم, وكان يَنهضُ بِعُلومٍ جَمَّةٍ، ويُجيدُ النَّقْلِ، ويُحسِن النَّظْمَ والنَثْرَ. وفيه دِينٌ وخَيْرٌ، ومَقاصِدُه جَميلةٌ، ومُصنَّفاتُه مُفيدةٌ، وقد زَهِدَ في الرِّئاسَةِ، ولَزِمَ مَنزِلَه مُكِبًّا على العِلْمِ، فلا نَغلُو فيه، ولا نَجفُو عنه، وقد أَثنَى عليه قَبلَنا الكِبارُ. قال أبو حامد الغزالي: "وجدتُ في أَسماءِ الله تعالى كِتابًا أَلَّفَهُ ابنُ حَزمٍ يَدُلُّ على عِظَمِ حِفظِه وسَيَلانِ ذِهْنِهِ". وقال الإمامُ أبو القاسمِ صاعدُ بن أحمدَ: "كان ابنُ حَزمٍ أَجْمَعَ أَهلِ الأندَلُسِ قاطِبةً لِعُلومِ الإسلامِ، وأَوْسَعَهُم مَعرِفَةً مع تَوَسُّعِهِ في عِلْمِ اللِّسانِ، ووُفورِ حَظِّهِ من البَلاغةِ والشِّعْرِ، والمَعرِفَةِ بالسِّيَرِ والأَخبارِ". قال الحافظُ أبو عبدِ الله محمدُ بن فتوح الحُميدي: "ما رأينا مِثلَه فيما اجتَمَع له من الذَّكاءِ وسُرعَةِ الحِفظِ وكَرَمِ النَّفْسِ والتَّدَيُّنِ، وما رأيتُ مَن يقولُ الشِّعْرَ على البَديهةِ أَسرعَ منه". قال أبو القاسمِ صاعدٌ: "كان أَبوهُ مِن وُزَراءِ المَنصورِ محمدِ بن أبي عامرٍ، ثم وَزَرَ للمُظَفَّرِ، ووَزَرَ أبو محمدٍ للمُسْتَظْهِر عبدِ الرحمن بن هشامٍ، ثم نَبَذَ هذه الطَّريقَة، وأَقبلَ على العُلومِ الشَّرعيَّة، وعَنِيَ بِعِلْمِ المَنطِقِ وبَرَعَ فيه، ثم أَعرَض عنه". قُلتُ (الذهبي): "ما أَعرَض عنه حتى زَرَعَ في باطِنِه أُمورًا وانحِرافًا عن السُّنَّةِ". وقد حَطَّ أبو بكر بن العربي على أبي محمدٍ وعلى الظاهريَّةِ في كِتابِ القَواصِم والعَواصِم، فقال: "هي أُمَّةٌ سَخِيفةٌ، تَسَوَّرَت على مَرتَبةٍ ليست لها، وتَكلَّمَت بكَلامٍ لم نَفهَمهُ". قلتُ (الذهبي): "لم يُنصِف القاضي أبو بكرٍ شَيْخَ أَبيهِ في العِلْمِ، ولا تَكلَّم فيه بالقِسْطِ، وبالَغَ في الاستِخفافِ به، وأبو بكرٍ فعَلَى عَظَمَتِه في العِلْمِ لا يَبلُغ رُتْبَةَ أبي محمدٍ، ولا يَكادُ، فرَحِمَهُما الله وغَفَرَ لهُما". ثم قال (الذهبي): "وَلِي أنا مَيْلٌ إلى أبي محمدٍ لِمَحَبَّتِهِ في الحَديثِ الصَّحيحِ، ومَعرِفَتِه به، وإن كنتُ لا أُوافِقُه في كَثيرٍ مما يَقولُه في الرِّجالِ والعِلَلِ، والمَسائِلِ البَشِعَةِ في الأُصولِ والفُروعِ، وأَقطعُ بخَطَئِه في غيرِ ما مَسألةٍ، ولكن لا أُكَفِّرُه، ولا أُضَلِّلُه، وأرجو له العَفْوَ والمُسامَحةَ وللمسلمين. وأَخضَعُ لِفَرْطِ ذَكائِه وسِعَةِ عُلومِه، ورَأيتُه قد ذَكَرَ – أي ابن حزم- قولَ مَن يقول: أَجَلُّ المُصنَّفاتِ (المُوطَّأ). فقال: بل أولى الكُتُبِ بالتَّعظيمِ (صَحيحا) البُخاريِّ ومُسلمٍ" وكانت وَفاتُه شَريدًا في البادِيَةِ بعدَ أن أَقْصَتْهُ المُلوكُ وشَرَّدَتْهُ عن بِلادِه حتى انتهى إلى بادِيَةِ لبلة فتُوفِّي بها آخرَ نهارِ الأحدِ للَيلتينِ بَقِيَتا من شعبان، وقيلَ: إنَّه تُوفِّي في منت ليشم، وهي قَريةٌ له، وقد جاوَزَ التِّسعين.
وَفاةُ الوَزيرِ عَميدِ المُلْكِ الكندريِّ .
العام الهجري : 456 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1064
تفاصيل الحدث:

الوَزيرُ عَميدُ المُلْكِ، أبو نَصرٍ محمدُ بن منصورِ بن محمدٍ الكندريُّ، وَزيرُ السُّلطانِ طُغرلبك. كان أَحَدَ رِجالِ الدَّهرِ شَهامةً وكتابةً وكَرَمًا. وُلِدَ سنة 415هـ بقَريةِ كندر في نيسابور. تَفَقَّهَ لأبي حنيفةَ، وتَأَدَّبَ، ثم صَحِبَ رَئيسًا بنيسابور، فاستَخدَمهُ في ضِياعِه، ثم استَنابَهُ عنه في خِدمَةِ السُّلطانِ طُغرلبك، فطَلَبَه منه، فوَصَل في خِدمَتِه، وصار صاحِبَ خِبْرَةٍ. ثم وَلَّاهُ خوارزم، وعَظُمَ جاهُهُ. وعَصَى بخوارزم، ثم ظَفَرَ به السُّلطانُ، ونَقَمَ عليه أنَّه تَزَوَّج امرأةَ مَلِكِ خوارزم فخَصاهُ, ثم رَقَّ له فدَاوَاهُ وعُوفِيَ, واستَوْزَرهُ وله إحدى وثلاثون سنةً, فقَدِمَ بغداد، وأقامَ بها مُدَّةً، ولَقَّبَهُ الخليفةُ بسَيِّدِ الوُزراءِ, ونالَ من الجاهِ والحُرْمَةِ ما لم يَنَلْهُ أَحَدٌ. قال الذهبيُّ: "كان كَريمًا جَوادًا، مُتَعَصِّبًا لِمَذهَبِه، مُعتَزِليًّا، مُتكَلِّمًا له النَّظْمُ والنَّثْرُ". قال ابنُ الأثيرِ: "كان شديدَ التَّعَصُّبِ على الشافعيَّةِ، كَثيرَ الوَقيعَةِ في الشافعيِّ رضي الله عنه، بَلَغَ مِن تَعَصُّبِه أنه خاطَبَ السُّلطانِ في لَعْنِ الرَّافِضَةِ على مَنابر خُراسان، فأَذِنَ في ذلك، فأَمَرَ بِلَعْنِهِم، وأَضافَ إليهم الأَشعريَّة، فأَنِفَ من ذلك أَئمَّةُ خُراسان، منهم الإمام أبو القاسم القشيري، والإمام أبو المعالي الجويني، وغيرُهما، ففارقوا خُراسان، وأقامَ إمامُ الحَرمينِ بمَكَّةَ أربعَ سنين إلى أن انقَضَت دَولتُه، فلما جاء الوزيرُ نِظامُ المُلكِ، أَحضرَ مَن انتَزحَ منهم وأَكرَمَهم، وأَحسنَ إليهم, وقيلَ: إن الكندريَّ تابَ مِن الوَقيعةِ في الشافعيِّ، فإن صَحَّ فقد أَفلحَ، وإلَّا فَعَلَى نَفسِها براقش تَجنِي" في هذه السَّنَةِ قَبَضَ عليه ألب أرسلان، وسَجنَهُ ببَيتِه ثم أرسل إليه مَن قَتَلهُ. قُتِلَ بمروالروذ في ذي الحجَّةِ. وكان قد قُطِعَت مَذاكِرُه ودُفِنَت بخوارزم، فلمَّا قُتِلَ حُمِلَ رَأسُه إلى نيسابور. ولهذا قال ابنُ الأثير: "ومِن العَجَبِ أن ذَكَرَهُ دُفِنَ بخوارزم لمَّا خُصِيَ، ودَمُهُ مَسفوحٌ بمرو، وجَسَدُه مَدفونٌ بكندر، ورَأسُه مَدفونٌ بنيسابور، فاعتَبِروا يا أولي الأبصار".
الحَربُ بين بني حَمَّادٍ والعَربِ في أفريقية .
العام الهجري : 457 العام الميلادي : 1064
تفاصيل الحدث:

كانت حَرْبٌ بين الناصرِ بن علناس بن حمَّادٍ ومَن معه مِن رِجالِ المَغارِبَةِ مِن صنهاجة ومِن زناتة ومِن العَربِ: عَدِيّ والأَثبَج، وبين رِياحٍ، وزُغْبَة، وسُلَيم، ومع هؤلاء المُعِزُّ بن زيري الزناتي، على مَدينةِ سَبتَة، ولمَّا رَحلَ المُعِزُّ من القيروان وصبرة إلى المَهدِيَّة تَمكَّنَت العَربُ، ونَهبَت النَّاسَ، وخَرَّبَت البِلادَ، فانتَقلَ كَثيرٌ مِن أَهلِها إلى بِلادِ بني حمَّاد لِكَونِها جِبالًا وَعْرَةً يُمكِن الامتِناعُ بها من العَربِ، فعُمِّرَت بِلادُهم، وكَثُرَت أَموالُهم، وفي نُفوسِهم الضَّغائِنُ والحُقودُ مِن باديس، ومَن بَعدَه مِن أَولادِهم، يَرِثُه صَغيرٌ عن كَبيرٍ، ووَلِيَ تَميمُ بنُ المُعِزِّ بعدَ أَبيهِ، فاستَبدَّ كلُّ مَن هو ببَلدٍ وقَلعةٍ بمَكانِه، وتَميمٌ صابرٌ يُدارِي ويَتَجَلَّد، واتَّصلَ بتَميمٍ أن الناصرَ بنَ علناس يَقَعُ فيه في مَجلسِه ويَذُمُّهُ، وأنَّه عَزَمَ على المَسيرِ إليه لِيُحاصِرَهُ بالمَهديَّة. وأنَّه قد حالَفَ بعضَ صنهاجة، وزناتة، وبني هلال؛ لِيُعينُوهُ على حِصارِ المَهديَّة. فلمَّا صَحَّ ذلك عنده أَرسلَ إلى أُمراءِ بني رِياحٍ، فحينئذٍ رَحلَت رِياحٌ وزناتة جَميعُها، وسار إليهم الناصرُ بصنهاجة، وزناتة، وبني هلال، فالتَقَت العَساكرُ بمَدينةِ سَبْتَة، فحَمَلَت رِياحٌ على بني هِلالٍ، وحَمَلَ ابنُ المُعِزِّ على زناتة، فانهَزَمت الطائفتانِ، وتَبِعَهُم عَساكرُ الناصرِ مُنهزِمينَ، ووَقعَ فيهم القَتْلُ، فقُتِلَ فيمَن قُتِلَ القاسمُ بن علناس، أخو الناصرِ في نَفَرٍ يَسيرٍ، وغَنِمَت العَرَبُ جَميعَ ما كان في العَسكرِ مِن مالٍ وسِلاحٍ ودَوابٍّ وغيرِ ذلك، فاقتَسموها على ما استَقرَّ بينهم، وبهذهِ الوَقعَةِ تَمَّ للعَربِ مُلْكُ البِلادِ، وأَرسَلوا الأَلوِيَةَ والطُّبولَ وخِيَمَ النَّاصرِ بِدَوابِّها إلى تَميمٍ، فرَدَّها وقال: يَقْبُحُ بي أن آخُذَ سَلَبَ ابنِ عَمِّي! فأَرْضَى العَربَ بذلك.



==========

ج81.
الإعلانُ عن سَبِّ الصَّحابَةِ وإظهارُ البِدَعِ في الكرخِ .
العام الهجري : 458 العام الميلادي : 1065
تفاصيل الحدث:

في يومِ عاشُوراءَ أَغلَقَ الشِّيعةُ مِن أَهلِ الكَرخِ دَكاكِينَهم، وأَحضَرُوا نِساءً يَنُحْنَ على الحُسينِ، كما جَرَت به بِدعَتُهم، فحين وَقعَ ذلك أَنكرَتهُ العامَّةُ، وطَلبَ الخَليفةُ أبا الغَنائمِ ابن المحلبان وأَنكرَ عليه ذلك، فاعتَذرَ إليه بأنَّه لم يَعلَم به، وأنَّه حين عَلِمَ أَزالَهُ، وتَردَّدَ أَهلُ الكرخِ إلى الديوانِ يَعتَذِرون من ذلك، وخَرجَ التَّوقيعُ بِكُفْرِ مَن سَبَّ الصَّحابةَ وأَظهرَ البِدَعَ.
حُدوثُ زِلزالٍ عَظيمٍ بخُراسان .
العام الهجري : 458 العام الميلادي : 1065
تفاصيل الحدث:

حَدثَ بخُراسان زَلزلةٌ مَكثَت أيَّامًا، تَصدَّعَت منها الجِبالُ، وهَلكَ جَماعةٌ، وخُسِفَ بعِدَّةِ قُرى، وخَرجَ الناسُ إلى الصحراءِ وأقاموا هنالك، ووَقعَ حَريقٌ بنهر معلى فاحتَرقَ مائةُ دُكَّانٍ وثلاثةُ دُورٍ، وذهبَ للناس شيءٌ كَثيرٌ، ونَهبَ بَعضُهم بَعضًا.
ألب أرسلان يأخذ ولاية العَهْدَ لابنِه ملكشاه من بعده .
العام الهجري : 458 العام الميلادي : 1065
تفاصيل الحدث:

سار ألب أرسلان من مرو إلى رايكان، فنَزلَ بظاهِرِها، ومعهُ جَماعةُ أُمراءِ دَولتِه، فأَخَذَ عليهم العُهودَ والمَواثِيقَ لِوَلَدِهِ ملكشاه بأنَّه السُّلطانُ بعدَه، وأَركبَه، ومشى بين يَديهِ يَحمِلُ الغاشيةَ، وخَلعَ السُّلطانُ على جَميعِ الأُمراءِ، وأَمرَهُم بالخُطبةِ له في جميعِ البلادِ التي يَحكُم عليها، ففعل ذلك، وأَقطَع البِلادَ، فأَقطَع مازندران للأَميرِ إينانج بيغو، وبلخ لأخيه سُليمان بن داود جغري بك، وخوارزم لأخيه أرسلان أرغو، ومرو لابنِه الآخر أرسلان شاه، وصغانيان وطخارستان لأخيه إلياس، ووِلايةَ بغشور ونواحيها لِمَسعودِ بن أرتاش، وهو من أَقاربِ السُّلطانِ، ووِلايةَ أسفرار لِمَوْدُودِ بن أرتاش.
استِيلاءُ تَميمٍ صاحبِ إفريقية على القَيروان وقابس .
العام الهجري : 458 العام الميلادي : 1065
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ تَميمٌ، صاحبُ إفريقية، عَسكرًا كَثيفًا إلى مَدينةِ قابس، وبها أحمدُ بن خُراسان قد أَظهرَ عليه الخِلافُ، وسَببُ ذلك أنَّ المُعِزَّ بن باديس، أبا تَميمٍ، لمَّا فارَقَ القَيروانَ والمَنصوريَّةَ ورَحلَ إلى المَهديَّة، استَخلفَ على القَيروان وعلى قابس قائدَ بنَ مَيمونٍ الصنهاجيَّ، وأَقامَ بها ثلاثَ سنين، ثم غَلبَتهُ هوارةُ عليها، فسَلَّمَها إليهم وخَرجَ إلى المَهدِيَّة، فلمَّا وَلِيَ المُلْكَ تَميمُ بن المُعِزِّ بعدَ أَبيهِ رَدَّهُ إلى قائدِ بنِ ميمونٍ، وأَقامَ عليها، ثم أَظهرَ الخِلافُ على تَميمٍ والْتَجأَ إلى طَاعةِ الناصرِ بن علناس بن حمَّادٍ، فسَيَّرَ إليه تَميمٌ عَسكرًا كَثيرًا، فلمَّا سَمِعَ بهم قائدُ بن مَيمونٍ عَلِمَ أنَّه لا طَاقةَ له بهم، فتَركَ القَيروانَ وسار إلى الناصرِ، فدَخلَ عَسكرُ تَميمٍ القَيروانَ، وخَرَّبوا دُورَ قائدٍ، وسار العَسكرُ إلى قابس، وبها ابنُ خُراسان، فحَصَروهُ بها سَنةً وشَهرينِ، ثم أَطاعَ ابنُ خُراسان تَميمًا وصالَحهُ.
وَفاةُ العالم اللُّغوِيِّ ابنِ سِيدَه .
العام الهجري : 458 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

هو إمامُ اللُّغةِ، أبو الحُسينِ عَلِيُّ بن إسماعيلَ المرسي نِسبةً إلى مَدينةِ مرسية في شَرقِ الأَندَلُس المُعروفُ بابنِ سِيدَه، وأَحَدُ مَن يُضرَب بِذَكائِه المَثَلُ. كان إمامًا حافِظًا في اللُّغةِ، وكان ضَريرَ البَصَرِ، أَخذَ عِلمَ العَربيَّةِ واللُّغةِ عن أَبيهِ، وكان أَبوهُ ضَريرًا أَيضًا، واشتَغلَ على أبي العَلاءِ صاعدٍ البغداديِّ، وله ((المُحكَم في لِسانِ العَربِ)) في مُجلَّداتٍ عَديدةٍ، وله ((شَرحُ الحَماسَةِ)) في سِتِّ مُجلَّداتٍ، وغيرُ ذلك، وقَرأَ على الشيخِ أبي عُمَرَ الطلمنكي كِتابَ ((الغريب)) لأبي عُبيدٍ سَرَدَها مِن حِفظِه، قال الطلمنكي: "دَخلتُ مرسية فتَشَبَّثَ بي أَهلُها يَسمَعون عَلَيَّ "غَريب المُصَنَّف" فقلتُ لهم: انظُروا لي مَن يَقرأُ لكم وأُمسِكُ أنا كِتابي، فأَتوني برَجُلٍ أَعمَى يُعرَف بابنِ سِيدَه، فقَرأهُ عَليَّ مِن أَوَّلِه إلى آخرِهِ، فتَعجَّبتُ مِن حِفظِه". وكان الشيخُ يُقابِل بما يَقرأُ في الكِتابِ، فسَمِعَ الناسُ بقِراءتِه مِن حِفظِه، فتَعجَّب الناسُ لذلك، وكان له في الشِّعْرِ حَظٌّ وتَصَرُّفٌ. قال اليسعُ بنُ حزمٍ: "كان ابنُ سِيدَه شُعوبِيًّا يُفضِّل العَجَمَ على العَربِ". قال الذهبيُّ: "وحَطَّ عليه السّهيليُّ في ((الرَّوْض الأَنِف)) فقال: "تَعَثَّر في ((المُحكَم)) وغَيرِه عَثراتٍ يَدْمَى منها الأَظَلّ، ويَدْحَضُ دَحَضاتٍ تُخرِجُه إلى سَبيلِ مَن ضَلّ، حتى إنَّه قال في الجِمارِ: هي التي تُرمَى بِعَرفَة. قلتُ (الذَّهبيُّ): هو حُجَّةٌ في نَقلِ اللُّغةِ، وله كِتابُ ((العالم في اللُّغةِ)) نحو مائة سِفْرٍ، بَدأَ بالفَلَكِ، وخَتَمَ بالذَّرَّةِ" تُوفِّي وله سِتُّونَ سَنَةً ولم يَتَيَسَّر له الحَجُّ.
وَفاةُ البَيهقيِّ صاحبِ السُّنَنِ .
العام الهجري : 458 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

هو العَلَّامةُ، الثَّبْتُ، الفَقيهُ، شَيخُ الإسلامِ، أبو بكرٍ أَحمدُ بنُ الحُسينِ بن عَلِيِّ بن عبدِ اللهِ بن موسى البَيهقيُّ، الخسرو جردي الشافعيُّ الخُرسانيُّ الحافظُ الكَبيرُ المَشهورُ، المُحَدِّثُ الأُصوليُّ. وُلِدَ سَنةَ 384هـ. أَخَذَ الفِقهَ عن أبي الفَتحِ المروزيِّ، ثم غَلَبَ عليه الحَديثُ، واشتَهرَ به، وهو أوَّلُ مَن جَمعَ نُصوصَ الإمامِ الشافعيِّ في عَشرِ مُجلَّداتٍ. قال إمامُ الحَرمينِ في حَقِّهِ: "ما من شافعيِّ المَذهبِ إلَّا وللشافعيُّ عليه مِنَّةٌ، إلَّا أحمدَ البيهقيَّ فإنَّ له على الشافعيِّ مِنَّةً، وكان مِن أَكثرِ الناسِ نَصرًا لِمَذهبِ الشافعيِّ". كان له التَّصانيفُ التي سارَت بها الرُّكبانُ إلى سائرِ الأمصارِ، أَخذَ العِلمَ عن الحاكمِ أبي عبدِ الله النيسابوري، وسَمِعَ على غَيرِه شيئًا كَثيرًا، وجَمعَ أَشياء كَثيرةً نافعةً، لم يُسبَق إلى مِثلِها، ولا يُدرَك فيها، منها كتاب: ((السُّنَن الكبير))، و((السُّنَن الصغير))، و((مَعرِفَة السُّنَن والآثار))، و((المَدْخَل))، و((الآداب)) و((شُعَب الإيمان))، و((الخِلافِيَّات))، و((دَلائِل النُّبُوَّة))، و((البَعْث والنُّشُور))، وغيرُ ذلك من المُصَنَّفاتِ الكِبارِ والصِّغارِ المُفيدَةِ، وكان زاهدًا مُتقَلِّلًا من الدُّنيا، كَثيرَ العِبادَةِ والوَرَعِ. قال الحافظُ عبدُ الغافِر بن إسماعيل: "كان البيهقيُّ على سِيرَةِ العُلماءِ، قانِعًا باليَسيرِ، مُتجَمِّلًا في زُهدِهِ ووَرَعِه, الفَقيهَ، الحافظَ الأُصوليَّ، الدَّيِّنَ الوَرِعَ، واحدَ زَمانِه في الحِفْظِ، وفَرْدَ أَقرانِه في الإتقانِ والضَّبْطِ، مِن كِبارِ أَصحابِ الحاكمِ، ويَزيدُ على الحاكمِ بأَنواعٍ مِن العُلومِ، كَتَبَ الحَديثَ، وحَفِظَهُ مِن صِباهُ، وتَفَقَّه وبَرَعَ، وأَخَذَ فَنَّ الأُصُولِ، وارتَحَلَ إلى العراقِ والجبالِ والحِجازِ، ثم صَنَّفَ، وتَواليفُه تُقارب ألفَ جُزءٍ مما لم يَسبِقهُ إليه أَحدٌ، جَمَعَ بين عَلْمِ الحديثِ والفِقْهِ، وبَيانِ عِلَلِ الحَديثِ، ووَجْهِ الجَمْعِ بين الأحاديثِ، طَلبَ منه الأئمَّةُ الانتقالِ من بَيهَق إلى نيسابور، لِسَماعِ الكُتُبِ، فأتى في سَنةِ 441هـ، وعَقَدوا له المَجلِسَ لِسَماعِ كِتابِ ((المعرفة)) وحَضَرهُ الأئمَّة" تُوفِّي بنيسابور، ونُقِلَ تابوتُه إلى بَيهَق.
وَفاةُ القاضي أبي يَعلى الفَرَّاء شَيخِ الحَنابِلَة .
العام الهجري : 458 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ، العلامةُ، شَيخُ الحنابلةِ، القاضي، أبو يَعلى محمدُ بن الحُسينِ بن محمدِ بن خَلَفِ بن أحمدَ البغداديُّ، الحَنبليُّ، ابنُ الفَرَّاءِ، وُلِدَ في مُحرَّم سنةَ 380هـ، صاحبُ التَّعليقَةِ الكُبرى، والتَّصانيفِ المُفيدةِ في المَذهَبِ, ومُمَهِّدُ مَذْهَبِهم في الفُروعِ، أَفْتَى ودَرسَ، وتَخَرَّجَ به الأصحابُ، وانتهت إليه الإمامةُ في الفِقْهِ، وكان عالِمَ العراقِ في زَمانهِ، مع مَعرفةٍ بعُلومِ القُرآنِ وتَفسيرِه، والنَّظَرِ والأُصولِ، وكان أبوه مِن أَعيانِ الحَنفيَّة، مات ولأبي يَعلَى عَشرةُ أَعوامٍ، فلَقَّنَهُ مُقرِئُه العِباداتِ مِن (مُختَصَر) الخِرَقِي، فلَذَّ له الفِقْهُ، وتَحوَّل إلى حَلَقَةِ أبي عبدِالله بن حامدٍ البغداديِّ الوَرَّاق، شَيخِ الحنابلةِ، فصَحِبَهُ أَعوامًا، وبَرعَ في الفِقهِ عنده، وتَصدَّر بأَمرِه للإفادةِ سنةَ 402هـ، قال ابنُ الجوزي: "كان مِن ساداتِ العُلماءِ الثِّقاتِ، وشَهِدَ عند ابنِ ماكولا وابنِ الدَّامغاني فقَبِلَاهُ، وتَوَلَّى النَّظَرَ في الحُكمِ بِحَريمِ الخِلافةِ، وكان إمامًا في الفِقْهِ، له التَّصانيفُ الحِسانُ الكَثيرةُ في مَذهَبِ أحمد، ودَرَّسَ وأَفتَى سِنينَ، وانتهت إليه رِياسةُ المَذهبِ، وانتشرت تَصانيفُه وأَصحابُه، وجَمعَ الإمامةَ والفِقهَ والصِّدقَ، وحُسْنَ الخُلُقِ، والتَّعَبُّدَ والتَّقَشُّفَ والخُشوعَ، وحُسْنَ السَّمْتِ، والصَّمْتَ عمَّا لا يَعْنِي. اتَّهَمَهُ بعضُهم بالتَّجسيمِ بسَببِ كِتابهِ ((الصِّفات))، وله مِن المُصنَّفاتِ: ((الأحكام السُّلطانِيَّة)) و((الكِفاية في أُصولِ الفِقهِ)). قال الذهبيُّ: "وَلِيَ أبو يَعلَى القَضاءَ بدارِ الخِلافةِ والحَريمِ، مع قَضاءِ حران وحلوان، وقد تَلَا بالقِراءاتِ العَشْرِ، وكان ذا عِبادةٍ وتَهَجُّدٍ، ومُلازَمَةٍ للتَّصنيفِ، مع الجَلالَةِ والمَهابَةِ، ولم تكن له يَدٌ طُولَى في مَعرفةِ الحَديثِ، فرُبَّما احتَجَّ بالواهي". تُوفِّي في العشرين من رمضان عن ثَمانٍ وسبعين سَنةً، "واجتَمَع في جَنازَتهِ القُضاةُ والأَعيانُ، وكان يومًا حارًّا، فأَفطَرَ بعضُ مَن اتَّبَعَ جَنازَتَه"
استِعادةُ ألب أرسلان سُلطَتِهِ على كرمان واصطخر .
العام الهجري : 459 العام الميلادي : 1066
تفاصيل الحدث:

عَصَى مَلِكُ كرمان، وهو "قرا أرسلان"، على السُّلطانِ ألب أرسلان، وسببُ ذلك أنَّه كان له وَزيرٌ جاهلٌ سَوَّلَت له نَفسُه الاستِبدادَ بالبِلادِ عن السُّلطانِ، وأن صاحِبَه إذا عَصَى احتاجَ إلى التَّمَسُّكِ به، فحَسُنَ لصاحِبِه الخِلافُ على السُّلطانِ، فأجابَ إلى ذلك، وخَلعَ الطَّاعةَ، وقَطعَ الخُطبةَ، فسَمِعَ ألبُ أرسلان، فسارَ إلى كرمان، فلمَّا قارَبَها وَقعَت طَليعَتُه على طَليعَةِ قرا أرسلان، فانهزمت طَليعَةُ قرا أرسلان بعدَ قِتالٍ، فلمَّا سَمِعَ قرا أرسلان وعَسكرُه بانهِزامِ طَليعَتِهم، خافوا وتَحَيَّرُوا، فانهَزَموا لا يَلوِي أَحدٌ على آخر، فدَخلَ قرا أرسلان إلى جيرفت وامتَنعَ بها، وأَرسلَ إلى السُّلطانِ ألب أرسلان يُظهِر الطَّاعةَ ويَسألُ العَفْوَ عن زَلَّتِه، فعَفَا عنه، وأَعادهُ إلى مَملَكتِه، ولم يُغَيِّر عليه شيئًا مِن حالِه، ثم سار منها إلى فارس فوَصلَ إلى إصطخر، وفَتحَ قَلعتَها، واستَنزلَ وَالِيَهَا، فحَملَ إليه الوالي هَدايا عَظيمةً جَليلةَ المِقدارِ، وأَطاعهُ جَميعُ حُصونِ فارس، وبَقِيَت قَلعةٌ يُقالُ لها: بهنزاد، فسار نِظامُ المُلْكِ إليها، وحَصرَها تحتَ جَبلِها، وأعطى كُلَّ مَن رَمَى بسَهمٍ وأصابَ قَبضةً مِن الدَّنانيرِ، ومَن رَمَى حَجرًا ثَوْبًا نَفيسًا، ففَتحَ القَلعةَ في اليومِ السادس عشر مِن نُزولِه، ووَصلَ السُّلطانُ إليه بعدَ الفَتحِ، فعَظُمَ مَحَلُّ نِظامِ المُلْكِ عِندَه، فأَعلَى مَنزِلَتَهُ، وزادَ في تَحكِيمِه.
الانتهاءُ من بِناءِ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة ببغداد وبَدءُ التَّدريسِ فيها .
العام الهجري : 459 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1067
تفاصيل الحدث:

كان الشُّروعُ ببِناءِ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة نِسبةً إلى الوَزيرِ نِظامِ المُلْكِ، وَزيرِ ملكشاه في مَدينةِ بغداد، في ذي الحجَّةِ من عام 457هـ ونُقِضَ لأَجلِها دُورٌ كَثيرةٌ مِن مَشرعَةِ الزَّوايا وبابِ البَصرةِ، ثم في ذي القَعدةِ من سَنةِ 459هـ، فَرغَت عِمارةُ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة، وتَقرَّر التَّدريسُ بها للشيخِ أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ الشافعيِّ، فجَمعَ العَميدُ أبو سعدٍ القاضي الناسَ على طَبقاتِهم إلى المَدرسةِ، وجَعَلَها بِرَسْمِ أبي إسحاقَ الشيرازيِّ الفيروزآبادي، صاحبِ كِتابِ ((التَّنْبيهُ)) في الفِقهِ على مَذهبِ الإمامِ الشافعيِّ بعدَ أن وَافَقَهُ على ذلك، فلمَّا كان يومُ اجتِماعِ الناسِ فيها وتَوقَّعوا مَجيءَ أبي إسحاقَ فلم يَحضُر، فطُلِبَ فلم يَظهَر، وكان السببُ أن شابًّا لَقِيَه فقال: يا سيدنا، تُريدُ تُدَرِّسُ في المدرسةِ؟ فقال: نعم. فقال: وكيف تُدَرِّسُ في مَكانٍ مَغصُوبٍ؟ فغَيَّرَ نِيَّتَه فلم يَحضُر، فلمَّا ارتَفعَ النَّهارُ، وأَيِسَ الناسُ مِن حُضورِه، أشارَ الشيخُ أبو منصورِ بن يُوسُف بأبي نَصرِ بن الصَّبَّاغِ، صاحبِ كتابِ ((الشامل))، وقال: لا يجوزُ أن يَنفَصِلَ هذا الجَمْعُ إلَّا عن مُدَرِّسٍ، ولم يَبقَ ببغداد مَن لم يَحضُر غيرَ الوَزيرِ، فجلسَ أبو نَصرٍ للدَّرْسِ، ثم ظَهرَ الشيخُ أبو إسحاقَ بعدَ ذلك، ولمَّا بَلغَ نِظامَ المُلْكِ الخَبَرُ أَقامَ القِيامةَ على العَميدِ أبي سعدٍ، ولم يَزَل يُرفِق بالشيخِ أبي إسحاقَ حتى دَرَّسَ بالمدرسةِ، وكانت مُدَّةُ تَدريسِ ابنِ الصَّبَّاغِ عشرين يومًا فقط. أَجرَى نِظامُ المُلْكِ للمُتَفَقِّهَةِ لِكلِّ واحدٍ أَربعةَ أَرطالِ خُبزٍ كلَّ يَومٍ, وقد أَشارَ ابنُ الجوزيِّ الى وَقْفِ هذه المدرسة ومُسْتَحِقِّيهِ بقَولِه: "هذه المَدرسةُ وسُقوفُها المَوقُوفُ عليها، وفي كِتابِ شَرْطِها أنَّها وُقِفَت على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك الأَملاكُ المَوقوفةُ عليها شَرطٌ فيها أن تكونَ على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك شَرْطٌ في المُدَرِّسِ الذي يكون فيها، والواعِظِ الذي يَعِظُ فيها ومُتَوَلِّي الكُتُبِ, وشَرْطٌ أن يكونَ فيها مُقرئٌ يَقرأُ القُرآنَ، ونَحْوِيٌّ يُدَرِّس العَربيَّةَ، وفُرِضَ لِكلٍّ قِسْطٌ مِن الوَقْفِ" ووَصفَها المَقرِيزيُّ بقَولِه: "أَشهَرُ ما بُنِيَ في القَديمِ المَدرسةُ النِّظامِيَّة ببغداد، لأنَّها أوَّلُ مَدرسةٍ قُرِّرَ بها للفُقهاءِ مَعاليمُ – أي مِقدار مِن المالِ-"
وَفاةُ أبي جَعفرٍ الطُّوسيِّ فَقِيهِ الشِّيعَةِ .
العام الهجري : 460 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1067
تفاصيل الحدث:

هو شَيخُ الشِّيعةِ، وصاحِبُ التَّصانيفِ، أبو جَعفرٍ محمدُ بن الحسنِ بن عليٍّ الطُّوسيُّ، فَقيهُ الإِمامِيَّة وعالِمُهُم، انتَقلَ مِن خُراسان إلى بغداد وأقامَ فيها أربعين سَنةً، تَفَقَّهَ فيها أوَّلًا للشافعيِّ, ثم أَخذَ الكلامَ وأُصولَ الشِّيعةِ عن الشيخِ المُفيدِ رَأسِ الإماميَّةِ ولَزِمَهُ حتى تَحوَّل رافِضِيًّا، وعَمِلَ التَّفسيرَ، وأَملَى أحاديثَ ونَوادِرَ في مُجلَّدينِ، عامَّتُها عن شَيخِه المُفيدِ، ثم رَحلَ إلى النَّجفِ واستَقرَّ بها حتى تُوفِّي فيها، أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ مَرَّاتٍ، له مِن التَّصانيفِ ((البيان الجامع لعلوم القرآن))، و((الاستبصار فيما اختُلِفَ فيه من الأخبار))، و((الاقتصاد في الاعتقاد))، وله أمالي وغيرُ ذلك، قال الذهبيُّ: "أَعرضَ عنه الحُفَّاظُ لِبِدعَتِه، وقد أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ نُوَبٍ في رَحْبَةِ جامعِ القَصْرِ، واستَتَر لمَّا ظَهَرَ عنه مِن التَّنَقُّصِ بالسَّلَفِ، وكان يَسكُن بالكرخِ، مَحَلَّةِ الرَّافِضَةِ، ثم تَحوَّل إلى الكوفةِ، وأقامَ بالمَشهَدِ يُفَقِّهُهم, وكان يُعَدُّ مِن الأذكياءِ لا الأزكياءِ" تُوفِّي بمَشهدِ عليِّ بن أبي طالبٍ ودُفِنَ فيهِ، عن 75 عامًا.
حُدوثُ زِلازلٍ بالمَدينةِ والرَّملةِ .
العام الهجري : 460 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

كانت زَلزلةٌ بأَرضِ فِلسطينَ، أَهلكَت بَلدَ الرَّملةِ، ورَمَت شَراريفَ -الشراريف ما يُوضَع في أَعلى البناء يحلَّى به- من مَسجدِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولَحِقَت وادي الصَّفْرَ وخَيبرَ، وانشَقَّت الأرضُ عن كُنوزٍ كَثيرةٍ مِن المالِ، وبَلغَ حِسُّها إلى الرَّحبةِ والكوفةِ، وجاء كِتابُ بَعضِ التُّجَّارِ فيه ذِكْرُ هذه الزَّلزلةِ، وذَكرَ فيه أنَّها خَسفَت الرَّملةَ جَميعًا حتى لم يَسلَم منها إلا داران فقط، وهَلكَ منها خمس عشرة ألف نَسَمةٍ، وغارَ البحرُ مَسيرةَ يَومٍ، وساخَ في الأرضِ وظَهرَ في مَكانِ الماءِ أشياءُ مِن جواهرَ وغَيرِها، ودَخلَ الناسُ في أَرضهِ يَلتَقِطُونَه، فرَجعَ عليهم فأَهلكَ كَثيرًا منهم.
قِراءةُ الاعتِقادِ القادريِّ الذي فيه إِظهارُ السُّنَّةِ وإِنكار على أَهلِ البِدَعِ .
العام الهجري : 460 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

يومَ النِّصفِ من جُمادى الآخرة قُرِئَ الاعتقادُ القادريُّ الذي فيه مَذهبُ أَهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، والإنكارُ على أَهلِ البِدَعِ، وقَرأَ أبو مُسلمٍ الكجيُّ البخاريُّ المُحَدِّثُ كِتابَ ((التَّوحيدِ)) لابنِ خُزيمةَ على الجَماعةِ الحاضرين، وذُكِرَ بمَحضرٍ مِن الوَزيرِ ابنِ جَهيرٍ وجَماعةِ الفُقهاءِ وأَهلِ الكَلامِ، واعتَرَفوا بالمُوافَقةِ، ثم قُرِئَ الاعتِقادُ القادريُّ على الشَّريفِ أبي جَعفرِ بن المُقتدِي بالله ببابِ البَصرةِ، وذلك لِسَماعِه له مِن مُصَنِّفِه الخَليفَةِ القادرِ بالله.
وَفاةُ عبدِ المَلِكِ بن محمدٍ المُلَقَّبِ بالشَّيخِ الأَجَلِّ .
العام الهجري : 461 العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

هو الصَّدرُ الأَنبلُ الرَّئيسُ القُدوةُ أبو منصورٍ عبدُ المَلِكِ بن محمدِ بن يُوسُفَ البغداديُّ، سِبْطُ الإمامِ أبي الحسينِ أحمدَ بن عبدِ الله السوسنجردي, وُلِدَ سنةَ 395هـ وكان يُلقَّب بالشَّيخِ الأَجَلِّ، كان أَوْحَدَ زَمانِه في الأمرِ بالمَعروفِ والنهيِ عن المُنكرِ، والمُبادَرةِ إلى فِعلِ الخَيراتِ، واصطِناعِ الأَيادي عند أَهلِها، مِن أَهلِ السُّنَّةِ، مع شِدَّةِ القِيامِ على أَهلِ البِدَعِ ولَعْنِهِم، قال الخَطيبُ البغداديُّ: كان أَوْحَدَ وَقتِه في فِعلِ الخَيرِ، وافتِقادِ المَستُورِينَ بالبِرِّ، ودَوامِ الصَّدقَةِ، والإفضالِ على أَهلِ العِلمِ، والقِيامِ بأُمورِهم والتَّحَمُّلِ لِمُؤَنِهِم، والاهتمامِ بما عادَ مِن مَصالِحِهم، والنُّصرَةِ لأَهلِ السُّنَّةِ، والقَمعِ لأَهلِ البِدَعِ" تُوفِّي عن خمسٍ وسِتِّين سنةً، وكان يومُ مَوتِه يومًا مَشهودًا، حَضرَهُ خَلْقٌ لا يَعلمُ عَددَهم إلَّا الله عز وجل. قال أبي النرسي: "لم أرَ خَلْقًا قَطُّ مِثلَ مَن حَضرَ جَنازَتَه" دُفِنَ بمَقبَرَةِ بابِ حَربٍ إلى جَنْبِ جَدِّهِ لأُمِّهِ أبي الحُسينِ ابن السوسنجردي. قال الذهبيُّ: "كان ذا جاهٍ عَريضٍ واتِّصالٍ بالخَليفَةِ, وأَرَّخَ له ابنُ خيرون، وقال: دُفِنَ عند جَدِّهِ لأُمِّهِ، وحَضرَهُ جَميعُ الأَعيانِ، وكان صالحًا، عَظيمَ الصَّدقَةِ، مُتعصِّبًا للسُّنَّةِ، قد كَفَى عامَّةَ العُلماءِ والصُّلَحاءِ".
بَدْءُ ضَعفِ الحُكمِ العُبيديِّ الفاطِميِّ بمِصرَ .
العام الهجري : 461 العام الميلادي : 1068
تفاصيل الحدث:

بَدأَت الدَّولةُ الفاطِمِيَّةُ بمصر يُصيبُها الضَّعفُ بسَببِ عِدَّةِ أُمورٍ كان مِن أَهمِّها حُصولُ الشِّقاقِ بين التُّركِ والعَبيدِ، وحُصولُ الاقتِتالِ بينهم، وفي هذه السَّنَةِ خَرجَ ناصرُ الدولةِ بن حمدان من عند الوزيرِ أبي عبدِ الله الماشلي وَزيرِ المُستَنصِر بمصر فوَثبَ عليه رَجلٌ صَيْرَفِيٌّ وضَربَه بسِكِّينٍ؛ فأُمسِكَ الصَّيرفيُّ وشُنِقَ في الحالِ، وحُمِلَ ناصرُ الدولةِ بن حمدان إلى دارِه جَريحًا، فعُولِجَ فبَرِئَ بعدَ مُدَّةٍ. فقِيلَ: إن المُستَنصِر ووالدَتَهُ كانا دَسَّا الصَّيرفِيَّ عليه، وفي هذه الأيامِ اضمَحلَّ أَمرُ المُستَنصِر بالدِّيارِ المِصريَّة لِتَشاغُلِه باللَّهوِ والشُّربِ والطَّرَبِ. فلمَّا عُوفِيَ ابنُ حمدان اتَّفقَ مع مُقدَّمِي المَشارِقَة، مثل سنان الدولةِ وسُلطانِ الجُيوشِ وغَيرِهما، فرَكِبوا وحَصَروا القاهرةَ، فاستَنجدَ المُستَنصِر وأُمُّهُ بأَهلِ مصر، وذَكَّرَهم بحُقوقِه عليهم، ووَعدَهم بالإحسانِ؛ فقاموا معه ونَهَبوا دُورَ أَصحابِ ابن حمدان وقاتَلوهُم. فخاف ابنُ حمدان وأَصحابُه، ودَخَلوا تحتَ طاعةِ المُستَنصِر، بعدَ أُمورٍ كَثيرةٍ صَدرَت بين الفَريقَينِ.
وَفاةُ المُعتَضِد بالله عَبَّادِ بن القاضي محمد مَلِكِ إشبيلية .
العام الهجري : 461 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

هو المُعتَضِدُ بالله أبو عَمرٍو عَبَّادُ بن الظَّافرِ المُؤَيَّدِ بالله أبي القاسمِ محمد قاضي إشبيلية بن أبي الوَليدِ إسماعيلَ بن قُريشِ بن عَبَّادِ بن عَمرِو بن أَسلمَ بن عَمرِو بن عَطَّافِ بن نُعيمٍ، اللخميُّ، مِن وَلَدِ النُّعمانِ بن المُنذِر اللخميِّ، آخر مُلوكِ الحِيرَةِ, لمَّا تُوفِّي محمدٌ القاضي سَنةَ 433هـ قامَ مَقامَه وَلَدُه عَبَّادٌ، قال أبو الحسنِ عليُّ بن بَسَّامٍ في حَقِّهِ: " ثم أَفضَى الأَمرُ إلى عَبَّادٍ ابنِه سَنةَ ثلاثٍ وثلاثين, وتَسمَّى أَوَّلًا بِفَخرِ الدولةِ ثم المُعتَضِد، قُطْبُ رَحَى الفِتنَةِ، ومُنتَهى غايةِ المِحْنَةِ، مِن رَجُلٍ لم يَثبُت له قائمٌ ولا حَصيدٌ، ولا سَلَّمَ عليه قَريبٌ ولا بَعيدٌ، جَبَّارٌ، أَبرمَ الأُمورَ وهو مُتناقِض، وأسد فرس الطلى وهو رابض، مُتهَوِّرٌ تَتحاماهُ الدُّهاةُ، وجَبَّارٌ لا تَأمَنُه الكماو، مُتَعَسِّفٌ اهتدى، ومنبت قطع فما أَبقَى، ثارَ والناسُ حَرْبٌ، وكل شيءٍ عليه إلب، فكَفَى أَقرانَه وهُم غيرُ واحدٍ، وضبط شانه بين قائمٍ وقاعد، حتى طالت يَدُه، واتَّسعَ بَلدُه، وكَثُرَ عَديدُه وعَدَدُه؛ افتَتحَ أَمرَهُ بِقَتلِ وَزيرِ أَبيهِ حبيب المذكور، طَعنةً في ثَغرِ الأيامِ، مَلَكَ بها كَفَّهُ، وجَبَّارًا مِن جَبابِرَةِ الأنامِ، شُرِّدَ به مَن خَلْفَه، فاستمر يَفرِي ويُخلِق، وأَخَذَ يَجمَعُ ويُفَرِّق، له في كل ناحيةٍ مَيدان، وعلى كل رابِيَةٍ خُوان، حَرْبُه سُمٌّ لا يُبطِئ، وسَهْمٌ لا يُخطِئ، وسِلْمُه شَرٌّ غيرُ مَأمون، ومَتاعٌ إلى أدنى حين". ولم يَزل المُعتَضِدُ في عِزِّ سُلطانِه واغتِنامِ مَسارِّهِ، حتى أَصابَتهُ عِلَّةُ الذَّبْحَة، فلم تَطُل مُدَّتُها، وتُوفِّي يومَ الاثنينِ غُرَّةَ جُمادى الآخرة، ودُفِنَ ثاني يوم بمَدينةِ إشبيلية، وقام بالمَملَكةِ بَعدَه وَلَدُه المُعتَمِدُ على الله أبو القاسمِ محمدٌ.
احتِراقُ الجامعِ الأُمَويِّ بدِمَشق .
العام الهجري : 461 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

في لَيلةِ النِّصفِ من شعبان كان حَريقُ جامعِ دِمشق، وكان سَببُه أنَّ غِلمانَ الفاطِميِّين والعَبَّاسِيِّين اختَصَموا فأُلقِيَت نارٌ بِدارِ المُلْكِ، وهي الخَضراءُ المُتاخِمَةِ للجامعِ مِن جِهَةِ القِبلَةِ، فاحتَرقَت، وسَرَى الحَريقُ إلى الجامعِ فسَقطَت سُقُوفُه وتَناثَرت فُصوصُه المُذَهَّبَةُ، وتَغيَّرَت مَعالِمُه، وتَقَلَّعَت الفُسَيْفِساءُ التي كانت في أَرضِه، وعلى جُدرانِه، وتَبدَّلَت بِضِدِّها، وقد كانت سُقوفُه مُذهَّبَةً كُلَّها، والجَمَلُونات مِن فَوقِها، وجُدرانُه مُذَهَّبَة مُلَوَّنَة مُصَوَّرٌ فيها جَميعُ بلادِ الدنيا، بحيث إنَّ الإنسانَ إذا أراد أن يَتَفرَّج في إقليمٍ أو بَلدٍ وَجدَه في الجامعِ مُصَوَّرًا كهَيئَتِه، فلا يُسافِر إليه ولا يُعنَى في طَلَبِه، فقد وَجدَهُ من قرب الكعبة ومكة فوق المحراب والبلاد كلها شَرقًا وغَربًا، كلُّ إقليمٍ في مكانٍ لائقٍ به، ومُصَوَّر فيه كل شَجرةٍ مُثمِرةٍ وغيرِ مُثمِرة، مصور مشكل في بُلدانِه وأَوطانِه، والسُّتورُ مُرخاةٌ على أَبوابِه النافذةِ إلى الصَّحْنِ، وعلى أُصولِ الحِيطانِ إلى مِقدارِ الثُّلُثِ منها سُتورٌ، وباقي الجُدرانِ بالفُصوصِ المُلوَّنَة، وأَرضُه كُلُّها بالفُصوصِ، ليس فيها بَلاطٌ، بحيث إنَّه لم يكن في الدنيا بِناءٌ أَحسنَ منه، لا قُصورَ المُلوكِ ولا غَيرَها، ثم لمَّا وَقعَ هذا الحَريقُ فيه تَبدَّلَ الحالُ الكاملُ بِضِدِّهِ، وصارت أَرضُه طِينًا في زَمنِ الشِّتاءِ، وغُبارًا في زَمنِ الصَّيفِ، مَحفورةً مَهجورةً، ولم يَزَل كذلك حتى بُلِّطَ في زَمنِ المَلِكِ العادلِ بن أيوبَ، أخي صَلاحِ الدين الأيوبي.
تَوَجُّهُ مَلِكِ الرُّومِ مِن القُسطنطينيَّة إلى الشام ونُزولُه مدينة منبج .
العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

أَقبلَ مَلِكُ الرُّومِ مِن القُسطنطينِيَّة في عَسكرٍ كَثيفٍ إلى الشامِ، ونَزلَ على مَدينةِ منبج بسوريا ونَهبَها وقَتلَ أَهلَها، وهَزمَ محمودَ بن صالحِ بن مرداس، وبني كِلابٍ، وابنَ حسَّان الطائيَّ، ومَن معهما مِن جُموعِ العَربِ، ثم إنَّ مَلِكَ الرُّومِ ارتَحلَ وعادَ إلى بِلادِه، ولم يُمكِنهُ المَقامُ لِشِدَّةِ الجُوعِ.
وَفاةُ أبي بكرٍ اللَّمْتوني مُؤَسِّس دَولةِ المُرابطين .
العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

أبو بكرِ بن عُمرَ بن تكلاكين اللَّمتوني، أَميرُ المُلَثَّمِين، وهو ابنُ عَمِّ يُوسفَ بنِ تاشفين أَميرِ المُرابطين، كان في أَرضِ فرغانة، خَلَفَ أَخاهُ يحيى بن عُمرَ في زَعامةِ صنهاجة وتَقَلَّدَ أُمورَ الحَربِ، اتَّفقَ له مِن النَّاموسِ ما لم يَتَّفِق لِغيرهِ مِن المُلوكِ، كان يَركَبُ معه إذا سار لِقِتالِ عَدُوٍّ خمسُمائةِ ألفِ مُقاتلٍ، كان يعتقد طاعته، لمَّا قَدِمَ عبدُالله بن ياسين للصحراء لصحراء أفريقية لِدَعوةِ قَبائلِها وتَعليمِهم أُمورَ دِينِهم وإقامةِ شَرعِ الله فيهم؛ فلمَّا قَدِمَ على لتمونة لمتونة قَبيلةِ يُوسفَ بنِ تاشفين, فأَكرَموه، وفيهم أبو بكرِ بن عُمرَ، فذَكَر لهم قواعدَ الإسلامِ، وفَهَّمَهُم، فقالوا: أمَّا الصلاةُ والزَّكاةُ فقَريبٌ، وأمَّا مَن قَتَلَ يُقتَل، ومَن سَرقَ يُقطَع، ومَن زَنَى يُجلَد، فلا نَلتَزِمُه، فذَهَبَا في تلك الصحارى المُتَّصِلَةِ بإقليمِ السُّودانِ حتى انتَهَيَا إلى جدالة، قَبيلةِ جوهر، فاستجابَ بَعضُهم، فقال ابنُ ياسين للذين أَطاعُوه: قد وَجَبَ عليكم أن تُقاتِلوا هؤلاء الجاحِدين، وقد تَحَزَّبُوا لكم، فانْصُبوا رايةً وأَميرًا. قال جوهر: فأنت أَميرُنا. قال: لا، أنا حامِلُ أَمانةِ الشَّرعِ؛ بل أنت الأميرُ. قال: لو فعلتُ لَتَسَلَّطَت قَبيلَتِي، وعاثُوا. قال: فهذا أبو بكر بن عُمرَ رَأسُ لَمتونَة، فسِرْ إليهِ وعرض واعرض عليه الأَمرَ، فبايَعُوا أبا بكرٍ، ولَقَّبُوه أَميرَ المُسلمين، وقام معه طائفةٌ مِن قَومهِ وطائفةٌ مِن جدالة، وحَرَّضَهم ابنُ ياسين على الجِهادِ، وسَمَّاهُم المُرابِطين، فثارت عليهم القَبائلُ، فاستَمالَهم أبو بكرٍ، وكَثُرَ جَمعُه، وبَقِيَ أَشرارٌ، فتَحَيَّلُوا عليهم حتى زَرَبوهُم في مكانٍ، وحَصَرُوهُم، فهَلَكوا جُوعًا، وضَعُفُوا، فقَتَلوهُم، وقَوِيَ أَمرُ أبي بكر بن عُمرَ وظَهرَ، ودانت له الصحراءُ، ونَشأَ حول ابنِ ياسين جَماعةٌ فُقهاءُ وصُلَحاءُ، وظَهرَ الإسلامُ هناك، وكان مع هذا يُقيمُ الحُدودَ ويَحفظُ مَحارِمَ الإسلامِ، ويَحوطُ الدِّينَ ويَسيرُ في الناسِ سِيرَةً شَرعِيَّةً، مع صِحَّةِ اعتِقادِه ودِينِه، ومُوالاةِ الدولةِ العبَّاسِيَّةِ، في سَنةِ 453هـ قام أبو بكر بن عُمرَ بِتَوْلِيَةِ ابنِ عَمِّهِ يُوسف بن تاشفين شُؤونَ المُرابِطين، وتَوَجَّهَ هو إلى الجنوبِ على رَأسِ جَيشٍ مُختَرِقًا بِلادَ سجلماسة ثم قَصدَ بِلادَ السُّودانِ السِّنغالَ مُتَوَغِّلًا فيها ناشِرًا للإسلامِ إلى أن أَصابَتهُ نُشَّابَةٌ في بَعضِ غَزَواتِه في حَلْقِه فقَتَلَتْهُ وهُم في قِتالٍ مع السُّودانِ السِّنغالِ.
غَلاءٌ شَديدٌ، ومَجاعةٌ عَظيمةٌ في مصر .
العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

كان بمصر غَلاءٌ شَديدٌ، ومَجاعةٌ عَظيمةٌ حتى أَكلَ الناسُ بَعضُهم بَعضًا، وفارَقوا الدِّيارَ المِصريَّة، فوَرَدَ بغدادَ منهم خَلْقٌ كَثيرٌ هَرَبًا مِن الجوعِ، ووَرَدَ التُّجَّارُ، ومعهم ثِيابُ صاحبِ مصر وآلاتُه، نُهِبَت مِن الجوعِ، وكان فيها أشياءُ كَثيرةٌ كانت قد نُهِبَت من دارِ الخِلافةِ وقتَ القَبضِ على الطائعِ لله سنة 381هـ، وممَّا نُهِبَ أيضًا في فِتنةِ البساسيري وخَرَجَ من خَزائنِهم ثمانون ألف قِطعةِ بِلَّوْر كِبار، وخمسة وسبعون ألف قِطعةٍ من الدِّيباج، وعشرون ألف سَيفٍ مُحَلًّى، وغيرُ ذلك كثيرٌ ممَّا يَتَعَجَّبُ المرءُ مِن سَماعِه لِكَثرَتِه وعِظَمِه، وكُلُّه كان في قُصورِ المُستَنصِر، وأَكلَ أهلُ مصر الجِيَفَ والمَيْتَةَ والكِلابَ، فكان يُباع الكَلبُ بخَمسةِ دنانير، وماتت الفِيَلَةُ فأُكِلَت مَيتَتُه، وأُفْنِيَت الدَّوابُّ فلم يَبقَ لصاحبِ مصر سوى ثلاثةُ أَفراس، بعدَ أن كان له العددُ الكثيرُ من الخَيْلِ والدَّوابِّ، ونَزلَ الوزيرُ يومًا عن بَغلتِه فغَفَلَ الغُلامُ عنها لِضَعْفِه من الجوعِ فأَخذَها ثلاثةُ نَفَرٍ فذَبَحوها وأَكلوها فأُخِذُوا فصُلِبُوا فما أَصبَحوا إلَّا وعِظامُهم بادِيَةٌ، قد أَخذَ الناسُ لُحومَهم فأَكَلوها، وظُهِرَ على رَجُلٍ يَقتُل الصِّبيانَ والنِّساءَ ويَدفِن رُؤوسَهم وأَطرافَهم، ويَبيع لُحومَهم، فقُتِلَ وأُكِلَ لَحمُه، وكانت الأعرابُ يَقدَمون بالطعامِ يَبيعونَه في ظاهرِ البلدِ، لا يَتجاسرون يَدخلون لِئلَّا يُخطَف ويُنهَب منهم، وكان لا يَجسُر أَحدٌ أن يَدفِن مَيِّتَهُ نهارًا، وإنَّما يَدفِنه ليلًا خُفيةً، لِئلَّا يُنبَش فيُؤكَل، وبِيعَت ثِيابُ النِّساءِ والرِّجالِ وغيرُ ذلك بأَرخصِ ثَمَنٍ، وكذلك الأملاكُ وغيرُها.
قَطْعُ الخُطبةِ للعبيديين في مكة والمدينة وإِقامةُ الخُطبةِ للعبَّاسيِّين .
العام الهجري : 462 العام الميلادي : 1069
تفاصيل الحدث:

وَرَدَ رسولُ صاحبِ مكَّةَ محمدِ بن أبي هاشمٍ، ومعه وَلَدُه، إلى السُّلطانِ ألب أرسلان، يُخبِرُه بإقامةِ الخُطبةِ للخَليفةِ القائمِ بأَمرِ الله وللسُّلطانِ بمكَّةَ، وإِسقاطِ خُطبَةِ الفاطميِّ صاحبِ مصر، وتَرْكِ الأَذانِ بِحَيَّ على خَيرِ العَملِ، فأَعطاهُ السُّلطانُ ثلاثينَ ألف دِينارٍ، وخِلَعًا نَفيسَةً، وأَجرَى له كلَّ سَنَةٍ عَشرةَ آلاف دِينارٍ، وقال: إذا فَعلَ أَميرُ المَدينَةِ مهنأ كذلك، أَعطَيناهُ عشرينَ ألف دِينارٍ، وكلَّ سَنةٍ خَمسةَ آلاف دِينارٍ. فلم يَلتَفِت المُستَنصِر لذلك لِشُغلِه بِنَفسِه ورَعِيَّتِه مِن عِظَمِ الغَلاءِ والجوعِ، عِلمًا بأنه في هذه السَّنَةِ ضاقت النَّفَقَةُ على أَميرِ مكَّةَ فأَخذَ الذَّهَبَ من أَستارِ الكَعبةِ والمِيزابِ وبابِ الكَعبةِ، فضَرَبَ ذلك دَراهِمَ ودَنانيرَ، وكذا فَعلَ صاحبُ المَدينةِ بالقَناديلِ التي في المَسجدِ النَّبَوِيِّ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...