حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الخميس، 3 نوفمبر 2022

ج42.و43. فتنة بين الأتراك والمغاربة . العام الهجري : 252 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 866.

ج42. فتنة بين الأتراك والمغاربة .
العام الهجري : 252 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 866

تفاصيل الحدث:
كان سببُها أنَّ الأتراكَ وثَبوا بالوزيرِ عيسى بن فرخان شاه، فضربوه، وأخذوا دابَّته، واجتمَعَت المغاربةُ مع محمد بن راشد، ونصر بن سعد، وغلبوا الأتراكَ على الجوسق، وأخرجوهم منه، وقالوا لهم: كلَّ يومٍ تقتلونَ خليفةً، وتخلعونَ آخر, وتقتلونَ وزيرًا وتُثبِتونَ آخرَ، وصار الجوسق وبيتُ المال في أيدي المغاربة، وأخذوا الدوابَّ التي كان تَرَكها الأتراكُ، فاجتمع الأتراكُ وأرسلوا إلى من بالكرخ والدُّور منهم، فاجتمعوا وتلاقَوا هم والمغاربة، وأعان الغوغاءُ والشاكريَّة المغاربةَ، فضَعُف الأتراكُ وانقادوا، فأصلحَ جعفرُ بن عبد الواحد بينهم، على ألَّا يُحدِثوا شيئًا، ويكون في كلِّ موضعٍ يكونُ فيه رجلٌ من الفريقين يكونُ فيه رجلٌ من الفريقِ الآخر، فمكثوا مدةً مديدةً، ثم اجتمَعَ الأتراك وقالوا: نطلبُ هذين الرأسينِ- يعنون محمد بن راشد ونصر بن سعيد- فإن ظَفِرنا بهما فلا يَنطِق أحدٌ. فبلغَهما خبرُ اجتماع الأتراك عليهما، فخرجا إلى منزل محمد بن عزون؛ ليكونا عنده حتى يسكُنَ الأتراكُ، ثم يرجعا إلى جمعِهما، فغمز ابن عزون بهما إلى الأتراك، فأخذوهما فقَتلوهما فبلغ ذلك المعتَزَّ، فأراد قتل ابن عزون، فكُلِّمَ فيه فنفاه إلى بغداد.
خلعُ المعتز أخاه المؤيد عن ولاية العهد .
العام الهجري : 252 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 866
تفاصيل الحدث:
أرسل العلاءُ بن أحمد- عاملُ أرمينية- إلى المؤيَّد بخمسة آلاف دينار ليُصلِحَ بها أمرَه، فبعث عيسى بن فرخانشاه إليها فأخذها, فأغرى المؤيَّد الأتراك بعيسى وخالَفَهم المغاربة، فبعث المعتزُّ إلى المؤيَّد وأبي أحمد، فأخذَهما وحبَسَهما وقيَّدَ المؤيَّد، وأدرَّ العطاء للأتراك والمغاربة. وقيل: إنَّه ضرَبَه أربعينَ مقرعةً، وخلعه بسامرَّاءَ وأخذ خَطَّه بخلعِ نَفسِه.
وفاة إبراهيم بن المتوكل المعروف بالمؤيد .
العام الهجري : 252 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 866
تفاصيل الحدث:
هو المؤيَّدُ إبراهيمُ بن جعفر المتوكِّل على الله، أحدُ وُلاةِ العهد الثلاثة بعد الخليفةِ المتوكِّل: وهم المنتصر بالله، والمعتَزُّ بالله، والمؤيَّد، تمَّ خَلْعُه من ولاية العهد مرتين؛ الأولى: في عهد أخيه المنتصِر؛ حيث قام بخلعِه مع المعتز بضَغطٍ من قادة الأتراك, والثانية: على يد أخيه المعتزِّ بالله؛ حيث تمَّ إجبارُه على خَلعِ نَفسِه من ولاية العهدِ، ومن ثمَّ تمَّ قتلُه في ظروف غامضة, وكانت امرأةٌ من نساء الأتراك قد جاءت إلى محمَّد بن راشد المغربي فأخبَرَته أنَّ الأتراك يريدون إخراج إبراهيمَ المؤيَّد من الحبس، وركب محمد بن راشد إلى المعتز فأعلَمَه ذلك، فدعا بموسى بن بغا فسأله فأنكر، وقال: يا أمير المؤمنين إنما أرادوا أن يُخرِجوا أبا أحمد بن المتوكِّل لأُنسِهم به، وأما المؤيَّد فلا، فلما كان يومُ الخميس لثمانٍ بَقِين من رجبٍ دعا المعتزُّ القضاةَ والفقهاء والشهودَ والوجوه، فأُخرِجَ إليهم إبراهيمُ المؤيَّد ميتًا لا أثر به ولا جُرحَ، وحُمِلَ إلى أمه على حمارٍ، وحُمِلَ معه كفَنٌ وحَنوطٌ، وأُمِرَ بدَفنِه، وحول أبو أحمد إلى الحجرة التي كان فيها المؤيَّد، فيقال غُطِّي على أنفِه فمات، وقيل: أُقعِدَ في الثلج ووُضِعَ على رأسه، وقيل في سبب موتِه أشياء أخرى.
وفاة الخليفة المستعين بالله .
العام الهجري : 252 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 866
تفاصيل الحدث:
هو المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد العباسي، ولد سنةَ إحدى وعشرين ومئتين, وأمُّه أمُّ ولد، اسمها مخارق, وكان رَبعةً، خفيف العارضينِ، وكان مليحًا أبيض، بوجهِه أثَرُ جُدريٍّ، وكان يلثغُ في السين نحو الثاء، بايعَ له الأتراكُ بالخلافة بعد المنتصر، فتسلَّطوا عليه وقهروه، فلم يكن له من الأمرِ شَيءٌ، فانتقل من سامرَّا إلى بغداد مُغضَبًا, جرت عدَّةُ وقائع بينه وبين أخيه المعتز، فلمَّا اشتد البلاءُ على الناس في بغداد تخلَّى ابن طاهر عن المستعينِ، وكاتب المعتزَّ، ثم سعى في الصلح على خلعِ المستعين، فخلع نفسَه على شروطٍ مؤكَّدة في أول سنة 252ه، ثم أنفذوه إلى واسط، فاعتُقِلَ تسعةَ أشهر، ثمَّ أُحضِرَ إلى سامرَّا، فقتلوه بقادسيَّة سامرا, وكان مُسرِفًا في تبذير الخزائنِ والذَّخائر.
الفتنة بين جند بغداد ومحمد بن عبدالله بن طاهر .
العام الهجري : 252 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 866
تفاصيل الحدث:
اجتمع الشَّاكرية وأصحابُ الفروض إلى دار محمَّد بن عبدالله بن طاهر أميرِ العراق يطلبونَ أرزاقَهم، فكتب إلى أمير المؤمنين بذلك، فكتب الخليفة في الجواب: إن كنتَ تريد الجندَ لنفسِك فأعطِهم أرزاقَهم، وإن كنتَ تريدُهم لنا فلا حاجة لنا فيهم؛ فشَغَّبوا عليه، وأخرجَ لهم ألفي دينارٍ، ففُرِّقَت فيهم فسكتوا، ثم اجتمعوا مرَّةً أخرى بالسِّلاح والأعلام والطبول، وجمع محمَّد أصحابَه في داره, واجتمع إلى أولئك (المشغِّبين) خلقٌ كثير، وكان رئيسَهم أبو القاسم عبدون بن الموفَّق، وكان من نوَّاب عبيدالله بن يحيى بن خاقان، فحثَّهم على طلب أرزاقِهم، فحصل بينهم وبين أصحابِ محمدٍ قتالٌ، وظهروا على أصحابِه، ولَمَّا رأى ابن طاهر أنَّ الجندَ قد ظهروا على أصحابِه أمرَ بالحوانيت التي على باب الجِسرِ أن تُحرَق، فاحترق للتجَّار متاعٌ كثير، فحالت النارُ بين الفريقين، ورجع الجندُ إلى مُعسكرهم, ثم إنَّ ابنَ طاهر أتاه في بعض الأيامِ رجُلان من الجند، فدلَّاه على عورةِ القومِ، فأمر لهما بمئتي دينارٍ، وأمر الشاه بن ميكال وغيرَه من القواد في جماعةٍ بالمسيرِ إليهم، فسار إلى تلك الناحية، وكان أبو القاسم، وابن الخليل- وهما المقَدَّمان على الجند- قد خافا مُضِيَّ ذَينك الرجُلين، وقد تفرق الناسُ عنهما، فسار كلُّ واحد منهما إلى ناحية، وأما ابن الخليل فإنَّه لقي الشاه بن ميكال ومن معه، فصاح بهم، وصاح أصحابُ محمد، وصار في وسَطِهم، فقُتِل، وأما أبو القاسم فإنَّه اختفى فدُلَّ عليه، فأُخذ وحُمل إلى ابن طاهر، وتفَرَّق الجند من باب حرب، ورجَعوا منازِلَهم، وقُيِّدَ أبو القاسِم وضُرِبَ ضربًا مبرِّحًا فمات منه.
مقتل الخليفة المخلوع المستعين بالله .
العام الهجري : 252 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 866
تفاصيل الحدث:
قرر المعتزُّ قتلَ المستعين، فكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر أن يسلِّمَه إلى سيما الخادمِ، وكتب محمَّد في ذلك إلى الموكَّلين به بواسط فقَتلوه، ثم جاؤوا برأسه والمعتَزُّ يلعب الشطرنجَ، فقيل: هذا رأسُ المخلوعِ، فقال: ضعوه هنالك، ثم فَرَغ من لَعِبِه ودعا به فنظر إليه، ثم أمر بدَفنِه.
ابتداء دولة يعقوب الصفار وملكه هراة وبوشنج .
العام الهجري : 253 العام الميلادي : 867
تفاصيل الحدث:
كان يعقوبُ بن الليث وأخوه عمرو يعملانِ الصُّفر بسجستان، ويُظهِران الزهد والتقشُّف، وكان في أيامهما رجلٌ من أهل سجستان يُظهِرُ التطوُّع بقتال الخوارج، يقال له صالح المطوعي، فصَحِبه يعقوب، وقاتلَ معه، فحَظِيَ عنده، فجعله صالحٌ مقامَ الخليفة عنه، ثم هلك صالحٌ، وقام مقامَه إنسانٌ آخر اسمه درهم، فصار يعقوبُ مع درهم كما كان مع صالحٍ قبله. ثم إنَّ صاحبَ خُراسان احتال لدرهم لَمَّا عَظُم شأنُه وكثُر أتباعُه، حتى ظَفِر به وحمَله إلى بغداد، فحبسه بها ثم أطلَقَه، وخدَم الخليفةَ ببغداد. عظُمَ أمرُ يعقوب بعد أخذِ درهم، وصار متولِّيَ أمر المتطوِّعة مكان درهم، وقام بمحاربة الشراة، فظفِرَ بهم، وأكثَرَ القتلَ فيهم، حتى كاد يُفنيهم، وخرَّب قراهم، وأطاعه أصحابُه بمَكرِه، وحُسْنِ حالِه ورأيِه، طاعةً لم يطيعوها أحدًا كان قبله، واشتَدَّت شوكتُه، فغَلَب على سجستان، وأظهر التمسُّكَ بطاعة الخليفة وكاتبه، وصدرَ عن أمره، وأظهَرَ أنَّه هو أمَرَه بقتال أتباعِه، فخرج عن حدِّ طلب الشراة، وصار يتناولُ أصحاب أمير خراسان، ثم سار مِن سجستان إلى هراة من أعمال خُراسان ليملِكَها، وكان أمير خراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين، وعاملُه على هراة محمد بن أوس الأنباري، فخرج منها لمحاربةِ يعقوب في تعبئة حَسَنة، وبأس شديدٍ، وزيٍّ جميل، فتحاربا واقتتَلا قتالًا شديدًا فانهزم ابن أوس، ومَلَك يعقوبُ هراة وبوشنج، وصارت المدينتانِ في يده، فعَظُم أمره حينئذ، وهابه أميرُ خراسان وغيرُه من أصحاب الأطراف.
قتال عبدالعزيز بن أبي دلف في همذان .
العام الهجري : 253 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 867
تفاصيل الحدث:
عقد المعتزُّ لموسى بن بغا الكبير على جيشٍ قريب من أربعةِ آلاف ليذهَبوا إلى قتال عبد العزيز بن أبي دلف بناحيةِ همذان؛ لأنَّه خرج عن الطاعة، وهو في نحوٍ من عشرين ألفًا بناحية همذان، فهَزَموا عبد العزيز في أواخر هذه السَّنة هزيمةً عظيمةً، ثمَّ كانت بينهما وقعةٌ أخرى في رمضانَ عند الكرج، فهُزِم عبد العزيز أيضًا وقُتِلَ من أصحابه بشرٌ كثير، وأَسَروا ذراريَّ كثيرةً حتى أسروا أمَّ عبد العزيز، وبَعَثوا إلى المعتز سبعين حِملًا من الرؤوس، وأعلامًا كثيرة، وأُخِذَ من عبد العزيز ما كان استحوذَ عليه من البلادِ.
خروج أهل ماردة في الأندلس وقمعهم .
العام الهجري : 254 العام الميلادي : 867
تفاصيل الحدث:
خرج الأميرُ محمد بن عبدالرحمن بن الحكم إلى ماردة بعد أن أظهَروا التمرُّد, وكانوا قد اجتمع أمرُهم في الخروج على أبيه من قبلُ، فأظهرَ أنَّ استعدادَه لطُلَيطِلة، فلما فصَلَ من قرطبةَ، وتقدَّمَ بالمحلاتِ إلى طريق طُليطِلة، نكبَ إلى ماردة، وهم في أمنٍ وغفلة، فتحَصَّنوا في المدينة أيامًا. ثم ناهض القنطرةَ، فوقع القتال، واشتدَّت الحرب حتى غُلِبوا عليها، فأمر الأميرُ بتخريب رِجلٍ من القنطرة، فكان ذلك سببًا في إذعان أهل ماردة، فطاعوا على أن يخرجَ فُرسانُهم، وهم يومئذ عبد الرحمن بن مروان، وابن شاكر، ومكحول، وغير هؤلاء، وكانوا أهلَ بأس ونجدة وبسالةٍ مشهورة. فخرج المذكورونَ ومن هو مثلهم إلى قرطبةَ بعيالهم وذراريِّهم. وولَّى عليها سعيدَ بن عباس القُرَشي، وأمرَ بهدم سورها؛ ولم تبقَ إلَّا قَصَبتُها لِمَن يَرِدُ من العُمَّال.
قيام الدولة الطولونية بمصر .
العام الهجري : 254 العام الميلادي : 867
تفاصيل الحدث:
كانت ديارُ مصر قد أُقطِعَت لبابكيال، وهو مِن أكابر قوَّاد الأتراك، وكان مُقيمًا بالحَضرة، والتمسَ بابكيال من يستخلِفُه بمصر، فأشيرَ عليه بأحمد بن طولون؛ لِمَا ظهَرَ عنه من حُسنِ السيرة، وكان طولون والدُ أحمد بن طولون أيضًا من الأتراك، وقد نشأ هو بعد والدِه على طريقةٍ مُستقيمة، وسيرةٍ حَسنةٍ، فولَّاه بابكيال وسيَّرَه إليها، وكان بها ابنُ المدبر على الخَراج، وقد تحكَّمَ في البلد، فلمَّا قَدِمَها أحمد كفَّ يد ابن المدبر، واستولى على البلدِ، وكان بابكيال قد استعمَلَ أحمد بن طولون على مصرَ وَحدَها سوى باقي الأعمالِ كالإسكندرية وغيرها، فلما قتَلَ المهتدي بابكيال وصارت مصر لياركوج التركي، وكان بينه وبين أحمد بن طولون مودَّة متأكِّدة، استعمله على ديارِ مِصرَ جَميعِها، فقَوِيَ أمرُه، وعلا شأنُه ودامت أيامه.
أمير صقلية خفاجة بن سفيان يرسل سراياه إلى سرقوسة ومدينة غيطة .
العام الهجري : 254 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 868
تفاصيل الحدث:
سيَّرَ خفاجة ابنَه محمدًا على الحراقات، وسيَّرَ سريَّةً إلى سرقوسة، فغَنِموا وأتاهم الخبَرُ أنَّ بِطريقًا قد سار من القسطنطينية في جمعٍ كثيرٍ، وغَنِم المسلمونَ منهم غنائمَ كثيرة، فرحل خفاجة إلى سرقوسة فأفسَدَ زَرعَها وغَنِم منها وعاد إلى بلرم، وسيَّرَ ابنه محمدًا في البحر، مُستهَلَّ رجَب، إلى مدينة غيطة، فحَصَرها وبثَّ العساكِرَ في نواحيها، فغَنِم وشحَن مراكِبَه بالغنائم، وانصرف إلى بلرم في شوَّال.
وفاة الجاحظ المتكلم المعتزلي .
العام الهجري : 255 العام الميلادي : 868
تفاصيل الحدث:
هو أبو عثمان عمرُو بنُ بحر بن محبوب الكناني الليثي البصري المتكلِّم المعتزلي، اشتهرَ بالجاحِظِ لجُحوظٍ كان في عينيه، أديبٌ كبيرٌ وُلِدَ في البصرة ونشأ وتعلَّم فيها. قال عنه الذهبي: "كان واسِعَ النقلِ كثيرَ الاطِّلاع، مِن أذكياءِ بني آدم وأفرادِهم وشياطينِهم", ليس بثقةٍ ولا مأمونٍ، أخذَ عن الأصمعي وغيرِه, وأخذ عِلمَ الكلام عن أبي إسحاق إبراهيمَ بن سيَّار البلخي المعروف بالنَّظَّام المعتزلي المتكَلِّم المشهور، وقد تتلمذَ على يديه, فتأثر بفِكرِه الاعتزالي فأصبح من رؤسائِهم، بل ظهرت فرقةٌ باسم الجاحظيَّة تُنسَب إليه، وله كتبٌ كثيرة مثل: الحيوان، والبيان والتبيين، والبُخلاء، وله رسائِلُ في الفلسفة والاعتزال، ومن جملةِ أخباره أنَّه قال: ذُكرتُ للمتوكِّل لتأديبِ بعضِ ولده، فلما رآني استبشَعَ منظري فأمَرَ لي بعشرةِ آلاف درهمٍ وصرفني، أصيبَ بالفالجِ في آخِرِ عُمُره، فكان يَطلي نصفَه الأيمن بالصندل والكافور لشِدَّة حرارته، والنِّصفَ الأيسر لو قُرِّض بالمقاريض لما أحسَّ به؛ مِن خَدَره وشِدَّة بَردِه، ومات في البصرة, وقد تجاوز التسعين.
ظهور ثورة الزنج في البصرة .
العام الهجري : 255 العام الميلادي : 868
تفاصيل الحدث:
ظهر رجلٌ بظاهر البصرة زعمَ أنَّه عليُّ بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولم يكنْ صادِقًا، وإنما كان أجيرًا من عبد القيس، واسمُه علي بن محمد بن عبد الرحيم، وأمُّه قرَّة بنت علي بن رحيب بن محمد بن حكيم من بني أسد بن خزيمة، وأصلُه من قرية من قرى الريِّ، والتَفَّ عليه خلقٌ من الزنج الذين يكسحونَ السِّباخ، فعبَرَ بهم دجلةَ فنزل الديناري، وكان يزعُمُ لبعضِ من معه أنَّه يحيى بن عمر أبو الحسين المقتولُ بناحية الكوفة، وكان يدَّعي أنه يحفظُ سورًا من القرآن في ساعةٍ واحدة جرى بها لسانُه لا يحفَظُها غيره في مدَّة دهرٍ طويل، وهنَّ سبحان والكهف وص وعمَّ، وزعم أنَّه فكَّر يومًا وهو في البادية إلى أيِّ بلدٍ يسير فخوطِبَ من سحابة أن يقصِدَ البصرة فقصَدَها، فلمَّا اقترب منها وجد أهلَها متفرِّقينَ على شُعبَتين، سعدية وبلالية، فطَمِعَ أن ينضَمَّ إلى إحداهما فيستعينَ بها على الأخرى فلم يقدِرْ على ذلك، فارتحل إلى بغداد فأقام بها سنةً، وانتسب بها إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد، وكان يزعُمُ بها أنَّه يعلم ما في ضمائِرِ أصحابه، وأنَّ الله يُعلِمُه بذلك، فتَبِعَه على ذلك جهلةٌ من الطَّغامِ، وطائفةٌ من الرَّعاعِ العوامِّ, ثم عاد إلى أرض البصرة في رمضان فاجتمع معه بشَرٌ كثيرٌ، ولكِنْ لم يكُنْ معهم عُدَدٌ يُقاتِلونَ بها فأتاهم جيشٌ من ناحية البصرة فاقتَتلوا جميعًا، ولم يكنْ في جيشه هذا الخارجي سوى ثلاثة أسياف، وأولئك الجيشُ معهم عَددٌ وعُدَدٌ ولَبُوسٌ، ومع هذا هزمَ أصحابُ الزنجي ذلك الجيشَ، وكانوا أربعةَ آلاف مقاتل، ثم مضى نحو البصرةِ بمن معه فأهدى له رجلٌ من أهل جبى فرسًا فلم يجِدْ لها سرجًا ولا لجامًا، وإنما ألقى عليها حبلًا وركِبَها، ثم صادرَ رجلًا وتهدَّده بالقتل فأخذ منه مئةً وخمسين دينارا وألف درهم، وكان هذا أوَّلَ مال نهبه من هذه البلاد، وأخَذَ من آخر ثلاثةَ براذين، ومِن موضعٍ آخرَ شيئًا من الأسلحة والأمتعة، ثم سار في جيشٍ قليل السلاح والخيول، ثم جرت بينه وبين نائبِ البصرة وقعاتٍ مُتعددةً يَهزِمُهم فيها، وفي كل مرة يقوى ويعظُم أمرُه ويزداد أصحابُه ويكثُر جيشُه، وهو مع ذلك لا يتعَرَّض لأموال الناس ولا يؤذي أحدًا، وإنما يُريدُ أخْذَ أموال السلطان. وقد انهزم أصحابُه في بعض حروبه هزيمةً عظيمة ثم تراجعوا إليه واجتَمعوا حولَه، ثمَّ كَرُّوا على أهل البصرة فهزموهم وقَتلوا منهم خلقًا وأسَروا آخرين، وكان لا يؤتى بأسيرٍ إلَّا قتله ثم قوِيَ أمرُه وخافه أهلُ البصرة، وبعث الخليفةُ إليها مددًا ليقاتلوا صاحِبَ الزنج قبَّحَه الله، ثم أشار عليه بعضُ أصحابه أن يهجُم بمن معه على البصرةِ فيَدخُلوها عَنوةً فهَجَّن آراءهم وقال: بل نكونُ منها قريبًا حتى يكونوا هم الذين يطلبونَنا إليها ويخطبونَنا عليها.
فتح جزيرة مالطة .
العام الهجري : 255 العام الميلادي : 868
تفاصيل الحدث:
فتَحَها المسلمونَ في ولاية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب أبو الغرانيق، غزاها خَلفٌ الخادم مولى زيادة الله بن إبراهيم، وخَلفٌ هو المعروفُ ببناء المساجدِ والقناطر، فحاصرها ومات وهو محاصِرٌ لها، فكَتَبوا إلى أبي عبد الله بوفاته، فكتب أبو عبد الله إلى عامِلِه بجزيرة صقليَّة، وهو محمَّد بن خفاجة، أن يبعَثَ إليهم واليًا، فبعث إليهم سوادةَ بن محمد، ففتحوا حصنَ مالطة، وظَفِروا بمَلِكها عمروس أسيرًا، فهَدَّموا حِصنَها وغَنِموا وسَبَوا ما عَجَزوا عن حَملِه، وحُملَ لأحمد بن عمر بن عبد الله بن الأغلب - الذي عَمِلَ من أجل فتح مالطة- من كنائِسِ مالطة ما بنى به قصرَه الذي بسوسةَ داخلًا في البحر، والمَسلَك إليه على قنطرة. وبقيت بعد ذلك جزيرةُ مالطة خَرِبةً غيرَ آهِلةٍ، وإنما كان يدخلُها النشَّاؤون للسُّفُن؛ فإنَّ العودَ فيها أمكَنُ ما يكونُ، والصيادونَ للحوتِ لكَثرتِه في سواحِلِها وطِيبه، والشائرونَ للعَسَلِ؛ فإنه أكثَرُ شَيءٍ هناك.
استيلاء يعقوب بن الليث الصفار على بلاد فارس .
العام الهجري : 255 العام الميلادي : 868
تفاصيل الحدث:
لَمَّا بلغ عليُّ بن الحسين بن شبل بفارس ما فعَلَه يعقوب بطوقٍ في كرمان أيقَنَ بمجيئِه إليه، وكان عليٌّ بشيراز، فجمع جيشَه وسار إلى مضيقٍ خارج شيراز، من أحدِ جانبيه جبَلٌ لا يُسلَك، ومن الجانب الآخر نهرٌ لا يُخاضُ، فأقام على رأسِ المضيق، وهو ضَيِّقٌ، ممَرُّه لا يسلُكُه إلا واحِدٌ بعد واحد، وهو على طرفِ البَرِّ، وقال: إنَّ يعقوبَ لا يقدِرُ على الجوازِ إلينا، فخاض يعقوبُ وأصحابه النهر وخرجوا من وراء أصحابِ عليٍّ، فلما خرج أوائِلُهم هرب أصحابُ عليٍّ إلى مدينة شيراز وانهزَموا فسقط عليُّ بن الحسين عن دابته، كبا به الفَرَسُ، فأُخِذ أسيرًا وأُتي به إلى يعقوب، فقَيَّده، فلما أصبح نهب أصحابُه دارَ عليٍّ ودُورَ أصحابِه، وأخذ ما في بيوتِ الأموالِ وبيت الخراج ورجَع إلى سجستان.
استيلاء يعقوب بن الليث الصفار على ولاية كرمان .
العام الهجري : 255 العام الميلادي : 868
تفاصيل الحدث:
كتب المعتزُّ لعلي بن الحسين بن شبل بولاية كرمان، وكتبَ إلى يعقوبَ بن الليث بولايتها أيضًا يلتمِسُ إغراءَ كُلِّ واحدٍ منهما بصاحبه؛ ليُسقِطَ مؤونةَ الهالكِ عنه، وينفرِدَ بالآخر، وكان كلُّ واحد منهما يُظهِرُ طاعةً لا حقيقةَ لها، والمعتز يعلم ذلك منهما. أرسل عليُّ بن الحسين طوقَ بن المغلس إلى كرمان، وسار يعقوبُ إليها فسَبَقه طوقٌ واستولى عليها وأقبل يعقوبُ حتى بقيَ بينه وبين كرمان مرحلةٌ، فأقام بها شهرينِ لا يتقَدَّمُ إلى طوق، ولا طوقٌ يخرج إليه، فلما طال ذلك عليه أظهَرَ الارتحال إلى سجستان، فارتحل مرحلتينِ، وبلغ طوقًا ارتحالُه فظَنَّ أنَّه قد بدا له في حربه، وترك كرمان، فوضع آلةَ الحربِ، وقعد للأكلِ والشُّرب والملاهي، وبلغ يعقوبُ إقبالَ طوقٍ على الشرب، فكرَّ راجعًا فطوى المرحلتينِ في يومٍ واحد، فلم يشعُرْ طوقٌ إلا بغبرةِ عَسكرِ يعقوب، فأحاط به وبأصحابه، فذهب أصحابُه يريدون المناهضةَ والدفعَ عن أنفُسِهم، فقال يعقوبُ لأصحابه: أفرِجوا للقَومِ، فمرُّوا هاربينَ، وخَلَّوا كلَّ ما لهم، وأسَر يعقوبُ طَوقًا، وكان علي بن الحسين قد سَيَّرَ مع طوقٍ في صناديقَ قيودًا ليقَيد بها من يأخُذُه من أصحابِ يعقوب، وفي صناديقَ أطوِقةٌ وأسورة ليعطيَها أهلَ البلاء من أصحابِ نفسِه، فلما غنِمَ يعقوب عسكَرَهم رأى ذلك، فقال: ما هذا يا طوقُ؟ فأخبره، فأخذ الأطوِقةَ والأسورة فأعطاها أصحابَه، وأخذ القيودَ والأغلال فقيَّدَ بها أصحابَ عليٍّ، ثم دخل كرمان وملكَها مع سجستان.
وفاة محمد بن كرام السجستاني شَيخُ الطائفة الكَرَّاميَّة .
العام الهجري : 255 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
هو المُبتدِع الضّالُّ شَيخُ الكَرَّاميَّة: محمد بن كرَّام بن عراف النيسابوري، الذي إليه تُنسَب الفِرقةُ الكرَّامية, وُلِدَ بقرية من قرى زرنج بسجستان، ثمَّ دخل خراسان, وأكثَرَ الاختلاف إلى أحمد بن حرب الزاهد، كان زاهدًا عابدًا بعيدَ الصِّيتِ, كثيرَ الأصحابِ، ولكِنَّه يروي الواهياتِ, خُذِلَ حتى التقَطَ من المذاهِبِ أرداها، ومن الأحاديثِ أوهاها, ثم جالسَ الجويباري، وابن تميم, ولعلهما قد وضعا مائة ألف حديث، وأخذ التقشُّفَ عن أحمد بن حرب، كان يقولُ بالتجسيمِ والتَّشبيه وأنَّ الله محَلٌّ للحوادثِ، وأنَّ صفاتِه هي عوارِضُ حادثةٌ- تعالى الله عن ذلك- والإيمانُ عنده مجرَّدُ قَولٍ، وكان يجلِسُ للوعظ في بيت المقدِس عند العمود الذي عند مشهَدِ عيسى عليه السلام، واجتمع عليه خلقٌ كثيرٌ، ثمَّ تبين لهم أنه يقولُ: إنَّ الإيمان قولٌ بلا عملٍ، فتركه أهلُها ونفاه متولِّيها إلى غورزغر فمات بها، ونُقِل إلى بيت المقدس. قال فيه الذهبي: "ونظيرُه في زهده وضلالِه عمرُو بن عُبيد- نسأل اللهَ السلامةَ- وأخبَثُ مقالاتِه أنَّ الإيمانَ قَولٌ بلا معرفةِ قَلبٍ"
خلع الأتراك للخليفة العباسي المعتز ثم قتله .
العام الهجري : 255 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
كان سببَ ذلك أنَّ الأتراك ساروا إلى المعتزِّ يطلبون أرزاقهم، وقالوا: أعطِنا أرزاقَنا حتى نقبَلَ صالح بن وصيف، فلم يكُن عنده ما يعطيهم، فنزلوا معه إلى خمسين ألفَ دينار، فأرسلَ المعتَزُّ إلى أمِّه يسألُها أن تعطيَه مالًا ليعطيَهم، فأرسلت إليه: ما عندي شيءٌ, فلما رأى الأتراكُ أنَّهم لا يحصل لهم من المعتزِّ شَيءٌ، ولا مِن أمِّه، وليس في بيتِ المال شيء، اتَّفَقَت كلمتهم وكلمةُ المغاربة والفراغنة، على خلعِ المعتزِّ، فساروا إليه وصاحوا به فدخل إليه صالح بن وصيف، ومحمَّد بن بغا المعروف بأبي نصر، وبابكيال في السلاح، فجلسوا على بابِه، فدخل إليه جماعةٌ منهم، فجَرُّوه برِجلِه إلى بابِ الحجرة، وضربوه بالدبابيس، وخرَّقوا قميصَه، وكان بعضُهم يلطِمُه وهو يتَّقي بيده، وأدخلوه حُجرةً، وأحضروا ابنَ أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم على خَلعِه، ثمَّ سلَّموه إلى من يسومه سوءَ العذاب بأنواعِ المَثُلات، إلى أن مات.
المهتدي بالله يتولى الخلافة العباسية .
العام الهجري : 255 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
هو أبو محمد عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون، كانت بيعتُه بعد خلع المعتزِّ نفسَه بين يديه وإشهادِه عليه، فأوَّلُ من بايعه المعتَزُّ ثمَّ بايعه الخاصَّةُ، ثم كانت بيعةُ العامَّة على المنبر.
مقتل خفاجة بن سفيان أمير صقلية وتولي ابنه من بعده .
العام الهجري : 255 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
هو خفاجة بن سفيان أمير صقلية، وكان من الشُّجَعان الغُزاة المدَبِّرين، تولَّى إمرة صقلية عام 248هـ وكانت عاصمته بلرم، اغتاله رجلٌ من عَسكَرِه وهو عائِدٌ مِن غَزوِ سرقوسه قاصدًا بلرم، فطعنه طعنةً فقتله، ثم هرب القاتِلُ إلى سرقوسة، وحُمِل خفاجة إلى بلرم، فدُفِنَ بها وولَّى الناسُ عليهم بعدَه ابنه محمدًا، وكتبوا بذلك إلى الأميرِ محمد بن أحمد، أمير إفريقية، فأقَرَّه على الولاية، وسيَّرَ له العهدَ والخلع.
===========
ج43. شغب العامة ببغداد على ولاية المهتدي .
العام الهجري : 255 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
بعث المهتدي بكتابٍ إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر نائبِ الخليفة في بغداد يأمُرُه بأخذ البيعة له، وكان أبو أحمد بن المتوكل ببغداد، وكان المعتزُّ قد سَيَّرَه إليها، فأرسل سليمانَ إليه، فأخذه إلى داره، فاجتمع العامَّةُ إلى باب دار سليمان، فقاتَلَهم أصحابه، وقيل لهم: ما يَرِدُ علينا من سامرَّاء خبر، فانصَرَفوا ورَجَعوا الغدَ، وهو يوم الجمعة على ذلك، وخطب للمعتز ببغداد، فانصرفوا وبكَّروا يوم السبت، فهجموا على دار سليمان، ونادَوا باسم أبي أحمد، ودَعَوا إلى بيعته، وسألوا سليمانَ أن يُريَهم أبا أحمد، فأظهَرَه لهم، ووعَدَهم أن يصيرَ إلى محبَّتِهم إن تأخَّرَ عنهم ما يحبُّون، فانصرفوا بعد أن أكَّدوا عليه في حفظ أبي أحمد، وذلك قبل أن يعلم أهلُ بغداد بما وقع بسامرَّا من بيعة المهتدي، فقُتِلَ من أهل بغداد وغَرِق منهم خلق كثيرٌ، ثمَّ لَمَّا بلغهم بيعةُ المهتدي سكَنوا, ثم أُرسِل إليهم من سامراء مالٌ ففُرِّق فيهم، فَرَضُوا وبايعوا للمهتدي لسبعٍ خَلَونَ من شعبان، وسكنت الفتنة، فاستقرت الأمور واستقر المهتدي في الخلافةِ.
وفاة الخليفة العباسي المعتز .
العام الهجري : 255 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
هو أبو عبد الله، الزبيرُ بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي العباسي. ولد سنة 233ه, وأمُّه أم ولد روميَّة تسمَّى قبيحة, وما رُئِيَ في زمانِه أصبحَ وجهًا منه ولا من أمِّه قبيحة، تولَّى الخلافة بعد أن عزَلَ الأتراكُ المستعين بالله وأخذوا البيعة له، ثمَّ دبَّرَ من يقتل المستعينَ بعد عزله من الخلافة، وكان المعتزُ أمرَدَ حين ولِيَ الخلافة, وهو ابنُ عشرين سنة أو دونَها, وجلس جلوسًا عامًّا للناس, فلما كان بعد أشهُرٍ من ولايته، خلعَ أخاه المؤيَّد بالله إبراهيم من العهد، فما بقيَ إبراهيم حتى مات، وخاف المعتَزُّ من أن يتحَدَّثَ الناس أنَّه سَمَّه، فأحضر القضاةَ حتى شاهدوه، وما به أثَرٌ، كانت دولةُ المعتز مُستضعفةً مع الأتراك، اتَّفَق القواد منهم، وقالوا له: أعطِنا أرزاقنا, فطلَبَ مِن أمِّه مالًا ليُنفِقَه فيهم، فشَحَّتْ عليه، فتجَمَّع الأتراك لخلعه، وأتوا الدار, وبعثوا إلى المعتَزِّ ليخرُجَ إليهم, فقال: قد شَرِبتُ دواءً، وأنا ضعيفٌ، فهجم جماعةٌ منهم عليه، فجَرُّوه وضَرَبوه، وأقاموه في الحَرِّ، فبقي يتضوَّرُ وهم يلطِمونَه، ويقولون: اخلَعْ نفسَك, ثم أحضروا القاضيَ والعدول، وخلعوه، وأقدَموا من بغداد إلى سامرَّا محمد بن الواثق، وكان المعتَزُّ قد أبعده، فسَلَّمَ المعتزُّ إليه الخلافة، وبايعوه، ولقِّب بالمهتدي بالله. ثمَّ أخذ الأتراكُ المعتَزَّ بعد خمسة أيام فعذَّبوه ومُنِعَ من الطعام والشراب ثلاثةَ أيامٍ حتى جعل يطلُبَ شَربةً مِن ماء البئر فلم يُسقَ، ثم أدخلوه سردابًا فيه جصُّ جيرٍ فدسوه فيه فأصبح ميتًا، فاستلُّوه من الجصِّ سليمَ الجسَدِ وأشهدوا عليه جماعةً من الأعيان أنَّه مات وليس به أثَرٌ. مات عن عمرِ ثلاث وعشرين سنة, وصلَّى عليه المهتدي بالله، ودُفن مع أخيه المنتصر، فكانت مدَّةُ خلافته أربعَ سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، ولَمَّا قُتِلَ المعتزُّ وجدوا عند أمِّه قبيحةَ أموالًا عظيمة، وجواهِرَ نفيسة، كان من جملةِ ذلك ما يقارب ألفي ألف دينار، ومن الزمُرُّد والياقوت الأحمر الذي لم يُرَ مثلُه.
ثورة الشاكرية والعامة في بغداد على محمد بن أوس .
العام الهجري : 255 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
وقعت فتنةٌ ببغداد بين محمَّد بن أوس البلخي ومن تَبِعَه وبين الشاكريَّة والجند وغيرهم من العامَّة والرَّعاع، فوثبت الشاكريَّة ببغداد بمحمد بن أوس، والسببُ في ذلك أنَّ محمَّد بن أوس قَدِمَ بغداد مع سليمانَ بنِ عبد الله بن طاهر، وهو على الجيش القادم من خراسان، ومع سليمان الصعاليكُ الذين تألَّفَهم سليمانُ بالرَّيِّ، ولم تكن أسماؤهم في ديوانِ السُّلطان بالعراق، والجُند والشَّاكرية يصيحون في طلبِ مال البيعة, وكان الحسينُ بن إسماعيل يحرِّضُ العامَّة على محمد بن أوس ومن قدم مع سليمان أنهم يقصِدون أخذَ أموالِهم والفوزَ بها دونهم، حتى امتلأت قلوبُهم غيظًا, فاجتمع من العامَّةِ نحوُ مائة ألف، وكان بين الناس قتالٌ بالنِّبال والرماح والسَّوط، فقُتِلَ خَلقٌ كثير، ثم انهزم محمد بن أوس وأصحابُه، فنَهَبت العامَّةُ ما وجدوا من أموالِه، وهو ما يعادل ألفَي ألف أو نحو ذلك، ثم اتَّفقَ الحالُ على إخراج محمد بن أوس من بغداد إلى أين أراد، فخرجَ منها خائفًا طريدًا؛ وذلك لأنَّه لم يكن عند الناسِ مرضِيَّ السِّيرة.
استفحال أمر صاحب الزنج في مدن العراق .
العام الهجري : 256 العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
كان أول ظهورٍ لثورة صاحب الزنج الدعيِّ علي بن محمد عام 255هـ وبدأ يستفحل أمرُه وتوالت الحروب بينه وبين جيوش الخلافة مرَّةً تلو الأخرى، وكل ذلك لم يظفروا به، فدخل البصرةَ والسبخة والأبلة وعبادان والأهواز، حتى خافه كثيرٌ من أهل البصرة وفرُّوا خارج البصرة، فكان هذا بدايةً لدولتهم الجديدة المؤسَّسة أصلًا على الزنج من العبيد الفارِّين والمتمرِّدين على أسيادهم، ومَن أُسِرَ من العبيد في حروبِه.
ظهور أحمد بن إبراهيم بن طباطبا العلوي في مصر .
العام الهجري : 256 العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
ظهر بمصرَ إنسانٌ عَلويٌّ ذُكِرَ أنَّه أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن طباطبا، وكان ظهورُه بين الرقة والإسكندرية، وسار إلى الصعيد، وكثُر أتباعه، وادَّعى الخلافة، فسَيَّرَ إليه أحمد بن طولون جيشًا فقاتلوه، وانهزم أصحابُه عنه، وثبت هو فقُتِل، وحُمِلَ رأسُه إلى مصر.
بناء أحمد بن طولون مدينة القطائع عاصمة الدولة الطولونية .
العام الهجري : 256 العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
لَمَّا وليَ أحمد بن طولون مصرَ سكن مدينةَ العسكرِ على عادة أمراء مصرَ من قَبلِه، ثم أحَبَّ أن يبني له قصرًا، فبنى القطائع. والقطائِعُ قد زالت آثارها الآن مِن مصر، ولم يبق لها رَسمٌ يُعرف، وكان موضِعها من قبَّة الهواء، التي صار مكانها الآن قلعةُ الجبل، إلى جامع ابن طولون، وهو طول القطائع، وأمَّا عرضها فإنه كان من أول الرميلة من تحت القلعة إلى الموضع الذي يعرف الآن بالأرضِ الصفراء, وكانت مساحةُ القطائع ميلًا في ميل, وقبة الهواء كانت في السَّطحِ الذي عليه قلعةُ الجبل. وتحت قبة الهواء كان قصرُ ابن طولون. وموضع هذا القصر الميدانُ السلطاني الآن الذي تحت قلعة الجبل بالرميلة, وكان موضع سُوق الخيل والحمير والبغال والجمال بستانًا. يجاورها الميدانُ الذي يُعرَف اليوم بالقبيبات؟ فيصير الميدانُ فيما بين القصر والجامع الذي أنشأه أحمد بن طولون المعروف به. وبجوار الجامع دارُ الإمارة في جهته القبلية، ولها بابٌ من جدار الجامع يخرجُ منه إلى المقصورة المحيطة بمصلَّى الأمير إلى جوار المحراب، وهناك دار الحرم. والقطائع عدَّةُ قِطَع يسكنُ فيها عبيدُ الأمير أحمد بن طولون وعساكِرُه وغِلمانُه. وسبب بناء ابن طولون القصرَ والقطائع كثرةُ مماليكه وعبيدِه، فضاقت دارُ الإمارة عليهم، فركِبَ إلى سفح الجبل وأمرَ بحرث قبور اليهود والنصارى، واختطَّ موضعهما وبنى القصرَ والميدان، ثمَّ أمر أصحابَه وغلمانه أن يختطُّوا لأنفُسِهم حول قصره وميدانِه بيوتًا فاختطوا وبنوا حتى اتَّصل البناءُ بعمارة الفسطاط- مصر القديمة- ثم بُنِيَت القطائع، وسُميت كلُّ قطيعةٍ باسم من سكنها. فكان للنُّوبة قطيعة مفردة تُعرَف بهم، وللرُّوم قطيعة مُفردة تُعرف بهم، وللفرَّاشين قطيعة مفردة تُعرَف بهم، ولكلِّ صِنفٍ من الغِلمانِ قطيعةٌ مفردة تُعرفُ بهم، وبنى القُوَّادُ مَواضِعَ متفَرِّقة، وعُمِرَت القطائعُ عِمارةً حسنةً وتفَرَّقت فيها السِّكَكُ والأزِقَّة، وعُمِرَت فيها المساجد الحِسان والطواحين والحمَّامات، والأفران والحوانيت والشوارع, ولَمَّا بنى ابن طولون القصرَ والميدان، وعَظُمَ أمرُه زادت صدقاتُه ورواتبُه حتى بلغت صدقاتُه المرتَّبة في الشهر ألفي دينار، سوى ما كان يطرأ عليه من مصاريفَ أخرى، وكان يقول: هذه صدقات الشكر على تجديدِ النِّعَم، ثم جعل مطابخَ للفقراء والمساكين في كلِّ يوم، فكان يذبَحُ فيها البقر والغنم ويفرِّقُ للنَّاسِ في القدور الفخَّار والقصع، ولكل قصعةٍ أو قدر أربعةُ أرغفة: في اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القِدْر أو القصعة، وكان في الغالب يُعمَلُ سماطٌ عظيم وينادى في مصر: من أحبَّ أن يحضر سماطَ الأميرِ فلْيحضر، ويجلس هو بأعلى القصرِ ينظر ذلك ويأمرُ بفتح جميع أبواب الميدان ينظُرُهم وهم يأكلونَ ويَحمِلون فيسُّرُه ذلك، ويحمد اللهَ على نعمته. وجعل بالقُربِ مِن قَصرِه حُجرةً فيها رجالٌ سمَّاهم بالمكَبِّرين عِدَّتُهم اثنا عشر رجلًا، يبيت في كلِّ ليلةٍ منهم أربعة يتعاقبون بالليلِ نُوبًا، يكَبِّرون ويهَلِّلون ويسبِّحون ويقرؤونَ القرآنَ بطيبِ الألحان ويترسَّلون بقصائدَ زُهديَّة ويؤذنونَ أوقاتَ الأذانِ.
ظهور ابن الصوفي العلوي بمصر .
العام الهجري : 256 العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:
ظهر بصعيد مصر إنسانٌ ذكَرَ أنه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أبي طالب العَلَوي، ويُعرَف بابن الصوفي، وملك مدينة أسنا ونهبها وعَمَّ شَرُّه البلاد. فسير إليه أحمد بن طولون جيشًا فهزَمه العَلويُّ، وأسرَ المقَدَّم على الجيش، فقطع يديه ورجليه وصَلَبه؛ فسيَّرَ إليه ابنُ طولون جيشًا آخر فالتقوا بنواحي إخميم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا فانهزم العَلَوي، وقُتِل كثيرٌ من رجاله، وسار هو حتى دخل الواحات.
شغب الترك على المهتدي بسبب صالح بن وصيف .
العام الهجري : 256 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:
كان صالح بن وصيف قائدًا من الأتراك صاحِبَ تسلُّطٍ شديد, وهو أحدُ المتآمرين على قتل المتوكِّل، ثم اختفى فطلَبه الأتراك بسببِ أموالٍ بينهم فأتوا المهتدي ليكشِفَ لهم أمرَ صالح. فقدم موسى بن بغا الكبير إلى سامرَّا بطلبٍ من الخليفة, فدخلها في جيشٍ هائل، فأتوا دار الخلافةِ التي فيها المهتدي جالسًا لكشف المظالم فاستأذنوا عليه فأبطأ الإذنَ ساعةً، وتأخَّرَ عنهم فظنُّوا في أنفسهم أنَّ الخليفةَ إنما طلبهم خديعةً منه ليسَلِّطَ عليهم صالحَ بن وصيف، فدخلوا عليه بالقوَّةِ, فأقاموه من مجلسِه وانتهبوا ما كان فيه، ثم أخذوه مهانًا إلى دار أخرى، فجعل يقول لموسى بن بغا: ما لك ويحَك؟ إنِّي إنما أرسلتُ إليك لأتقوَّى بك علي صالح بن وصيف. فقال له موسى: لا بأسَ عليك، احلِفْ لي أنَّك لا تريدُ بي خلاف ما أظهرتَ. فحلف له المهتدي، فطابت الأنفُسُ وبايعوه بيعةً ثانيةً مُشافَهةً، وأخذوا عليه العهود والمواثيق ألَّا يمالئ صالحًا عليهم، واصطلحوا على ذلك. ثم بعثوا إلى صالحِ بن وصيف ليحضُرَ لهم للمناظرة في أمر المعتزِّ، فوعدهم أن يأتيَهم، ثم اجتمع بجماعةٍ من الأمراء من أصحابِه وأخذ يتأهَّبُ لجمعِ الجيوش عليهم، ثم اختفى من ليلتِه لا يَدري أحدٌ أين ذهب في تلك الساعة، فبعثوا المناديةَ تنادي عليه في أرجاء البلد وتهدَّدوا من أخفاه، فلم يزل مختفيًا إلى آخر صفر, ولَمَّا أبطأ خبرُ صالح بن وصيف على موسى بن بغا وأصحابِه، قال بعضهم لبعض: اخلعوا هذا الرجُلَ- يعني الخليفة- فقال بعضهم: أتقتلون رجلًا صوَّامًا قوَّامًا لا يشربُ الخمر ولا يأتي الفواحش؟ واللهِ، إن هذا ليس كغيرِه من الخلفاء، ولا تُطاوِعُكم الناس عليه، وبلغ ذلك الخليفة فخرج إلى الناس وهو متقلِّدٌ سَيفًا، فجلس على السرير واستدعى بموسى بن بغا وأصحابِه، فقال: قد بلغني ما تمالأتُم عليه من أمري، وإني- والله- ما خرجتُ إليكم إلا وأنا متحنِّطٌ وقد أوصيت أخي بولدي، وهذا سيفي، والله لأضربَنَّ به ما استمسكَ قائِمُه بيدي، أمَا تستحيون؟ كم يكون هذا الإقدامُ على الخلفاءِ والجرأةُ على الله عزَّ وجلَّ، وأنتم لا تبصرون؟ سواءٌ عليكم من قصد الإبقاءَ عليكم والسيرةَ الصالحةَ فيكم، ومن كان يدعو بأرطالِ الشَّرابِ المُسكِر فيَشربُها بين أظهُرِكم وأنتم لا تُنكِرونَ ذلك، ثم يستأثِرُ بالأموال عنكم وعن الضُّعفاء! هذا منزلي فاذهبوا فانظروا فيه وفي منازلِ إخوتي ومن يتَّصِلُ بي، هل ترون فيها من آلاتِ الخلافة شيئًا، أو من فُرُشِها أو غير ذلك؟ وإنما في بيوتِنا ما في بيوت آحادِ النَّاسِ، وتقولون إني أعلمُ خبَرَ صالح بن وصيف، وهل هو إلَّا واحد منكم؟ فاذهبوا فاعلموا عِلمَه وأمَّا أنا فلستُ أعلمُ عِلمَه. قالوا: فاحلفْ لنا على ذلك، قال أمَّا اليمين فإنِّي أبذلها لكم، قال: فكأنَّهم لانوا لذلك قليلًا. ثم ظفروا بصالح بن وصيف فقُتِلَ وجيء برأسه إلى المهتدي باللهِ، وقد انفتل من صلاة المغربِ، فلم يزد على أن قال: وارُوه. ثم أخذَ في تسبيحه وذِكرِه. ولَمَّا أصبح الصباح رُفِعَ رأس صالح بن وصيف على رُمحٍ ونودي عليه في أرجاء البلد. هذا جزاء من قتل مولاه. وما زال الأمرُ مضطربًا متفاقمًا، وعظم الخطب حتى أفضى إلى خلعِ الخليفة المهتدي وقتلِه رحمه الله.
تولي المعتمد على الله الخلافة العباسية .
العام الهجري : 256 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:
بويع المعتمِدُ على الله- وهو أحمد بن المتوكِّل على الله- بالخلافةِ في دار الأمير يارجوخ، وذلك قبل خلعِ المهتدي بأيامٍ، ثم كانت بيعةُ العامَّة. وفي صفر من السنة التالية عَقدَ المعتمِدُ لأخيه أبي أحمد على الكوفةِ وطريق مكة والحرمين واليمن، وأضاف إليه في رمضان نيابةَ بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس، وأذِنَ له أن يتصَرَّف في ذلك كلِّه.
وفاة الخليفة العباسي المهتدي بالله .
العام الهجري : 256 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:
هو الخليفة الصالحُ أميرُ المؤمنين أبو إسحاق، وقيل أبو عبدالله محمَّد بن هارون الثاني الواثق بالله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد, وأمُّه أم ولدٍ اسمُها قرب, ولدَ في خلافة جدِّه الواثق سنة 219ه, وبويع بالخلافةِ في رجب سنة 255ه، وما قَبِلَ بيعةَ أحد حتى بايعه المعتز بالله، بعد أن أقرَّ بتنازله عن الخلافة له، وأشهَدَ على نفسِه بعجزه عن تولِّي مهامِّها. كان المهتدي أسمرَ رقيقًا، مليح الوجه، حسَنَ اللِّحية, مِن أحسنِ الخُلَفاء مذهبًا وأجودِهم طريقةً وأكثَرِهم ورَعًا وعبادةً وزَهادةً, وكان عادلًا، قويًّا في أمر الله، شُجاعًا، صوَّامًا قوَّامًا، لم تُعرَف له زلَّةٌ, وكان سهلَ الحِجاب كريمَ الطَّبع يخاطِبُ أصحابَ الحوائجِ بنفسِه ويجلِسُ للمظالم بنفسه, وكان يلبَسُ القميصَ الصُّوفَ الخَشِن تحت ثيابِه على جلدِه, وكان يقول: لو لم يكُن الزهد في الدنيا والإيثارُ لِما عند الله مِن طبعي لتكلَّفتُه وتصنَّعتُه؛ فإنَّ منصبي يقتضيه، فإنِّي خليفةُ الله في أرضِه والقائِمُ مقامَ رَسولِه، النائِبُ عنه في أمته، وكان له سفطٌ فيه جبَّة صوف وكساء كان يلبَسُه بالليل ويصلِّي فيه, وكان قد اطَّرَح الملاهيَ، واعتزل الغِناءَ، ومنع أصحابَ السلطان عن الظُّلم، وكان شديدَ الإشرافِ على أمر الدواوين ومحاسبةِ عُمَّاله. كان يحبُّ الاقتداءَ بما سلكه عمرُ بن عبد العزيز في خلافتِه من الورع والتقشُّف وكثرة العبادة وشدَّة الاحتياط، ولو عاش ووجَد ناصرًا لسار سِيرَتَه ما أمكَنَه، لَمَّا ذُكِّرَ بما حدث للإمامِ أحمد بن حنبل على يدِ أسلافه، قال: رحِمَ الله أحمدَ بن حنبل، واللهِ لو جاز لي أن أتبَرَّأ من أبي لتبَرَّأت منه. كان سفيان الثوريُّ يقول: "الخلفاء الراشدون خمسةٌ، ويعدُّ فيهم عمر بن عبد العزيز, ثمَّ أجمع الناسُ في أيام المهتدي مِن فَقيهٍ ومُقرئ وزاهد وصاحِبِ حديثٍ أن السادِسَ هو المهتدي باللَّه". وكان من عَزْمِه أن يُبيد الأتراك الذين أهانوا الخلفاءَ وأذلوهم، وانتهكوا منصِبَ الخلافة. فلما أراد أن يخالِفَ بين كلمة الأتراك ليُضعِفَ تسلُّطَهم على الخلافة، كتب إلى بايكباك أن يتسَلَّم الجيشَ من موسى بن بغا ويكون هو الأميرَ على الناس وأن يُقبِلَ بهم إلى سامرَّا، فلما وصل الكتاب بايكباك أقرأه موسى بن بغا فاشتَدَّ غَضَبُه على المهتدي واتَّفقا عليه وقصدا إليه إلى سامرَّا، وتركا ما كانا فيه، فلمَّا بلغ المهتدي ذلك ركب في جيش ٍكثيفٍ واتَّجه لملاقاتِهما, فلما سمعوا به رجع موسى بن بغا إلى طريقِ خُراسان وأظهر بايكباك السمعَ والطاعة, فأمر المهتدي عند ذلك بضَربِ عُنُق بايكباك، ثم ألقى رأسَه إلى الأتراك، فلما رأوا ذلك أعظَموه وأصبحوا من الغدِ مجتمعين على أخي بايكباك ظغوتيا فخرج إليهم الخليفةُ فيمن معه، فلما التقوا تمالأ الأتراكُ الذين مع الخليفة إلى أصحابِهم وصاروا إلبًا واحدًا على الخليفة، فحمل الخليفةُ عليهم فقتل منهم نحوًا من أربعة آلاف، ثم حملوا عليه فهزموه ومن معه فانهزم الخليفة فعاجله أحمد بن خاقان فرماه بسهمٍ في خاصرتِه، ثم حُمل على دابةٍ وخَلْفَه سائسٌ وعليه قميصٌ وسراويل حتى أدخلوه دار أحمد بن خاقان، فجعل من هناك يصفعونَه ويبزقون في وجهِه، وسلَّموه إلى رجلٍ، فلم يزل يجأُ خصيتيه ويطأُهما حتى مات- رحمه الله- وكانت خلافتُه أقلَّ مِن سنة بخمسة أيام، وصلَّى عليه جعفر بن عبد الواحد، ودُفن بمقبرة المنتصر بن المتوكل رحِمَه الله.
وفاة الإمام البخاري صاحب الجامع الصحيح .
العام الهجري : 256 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:
هو محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، إمامُ أهلِ الحديثِ بلا مُنازِعٍ، صاحِبُ الصَّحيحِ، الذي أجمعت الأمَّةُ على تلِّقيه بالقَبول، وُلِدَ في بخارى، رحل إلى مكَّةَ وبقي فيها فترةً يتلقى العلمَ، طاف البلادَ للحديث يجمَعُ ويحفَظُ، حتى صار إمامَ الحديث وحافِظَه في عصرِه، إمامًا في الجرحِ والتعديلِ، إمامًا في العِلَل. قال ابنُ خُزيمة: "ما رأيتُ تحت أديمِ السَّماءِ أعلمَ بحديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أحفَظَ له مِن محمد بن إسماعيل البخاري"، وكان فقيهًا. بل منهم من فضَّلَه بالفقهِ على الإمام أحمدَ، وعلى ابنِ راهَوَيه، قال الدارمي: "محمَّدُ بن إسماعيل البخاري أفقَهُنا وأعلَمُنا وأغوَصُنا، وأكثَرُنا طلَبًا"، كان البخاريُّ رحمه الله في غايةِ الحياء والشَّجاعة والسَّخاء والورع والزُّهد في الدنيا دارِ الفناء، والرغبةِ في الآخرة دارِ البقاء، رجع إلى بُخارى فطلبه أميرُها أن يوافيَه ليَسمَعَ أولادَه منه فلم يرضَ، فحقَد عليه ونفاه من بُخارى، فخرج إلى خرتنك قريبة من سمرقند، وفيها توفِّيَ عن عمر 62 سنة، توفِّي ليلة الفطر- رحمه الله تعالى، وجزاه عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرًا.
تغلبُ الحسن بن زيد الطالبي على بلاد الري .
العام الهجري : 256 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:
تغلبَ الحسَنُ بن زيد الطالبيِّ على بلاد الريِّ، فتوجه إليه موسى بن بغا في شوال، وخرج الخليفة لتوديعه, فكانت وقعة بين موسى بن بغا وأصحاب الحسن بن زيد، فهزَمَ موسى أصحابَ الحسَنِ وتغَلَّب عليهم.
خوارج الزنج يحرقون جامع البصرة وقتل الكثير من أهلها .
العام الهجري : 257 العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:
دخل جيش الخبيثِ الزنجيِّ إلى البصرة قهرًا، فقتل من أهلِها خَلقًا، وهرب نائبُها بغراج ومن معه، وأحرَقَت الزنج جامعَ البصرة ودورًا كثيرة، وانتهبوها، ثم نادى فيهم إبراهيم بن المهلبي أحدُ أصحاب الزنجي الخارجي: من أراد الأمانَ فلْيَحضُر، فاجتمع عنده خلقٌ كثير من أهل البصرة، فرأى أنه قد أصاب فرصةً، فغدر بهم وأمَرَ بقَتلِهم، فلم يُفلِتْ منهم إلَّا الشاذ، كانت الزنجُ تحيط بجماعةٍ من أهل البصرة، ثم يقول بعضهم لبعض: كيلوا- وهي الإشارة بينهم إلى القتل- فيَحمِلون عليهم بالسيوفِ، فلا يُسمَعُ إلَّا قَولُ أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، من أولئك المقتولين, وضجيجُهم عند القتل- أي صراخ الزِّنج وضَحِكهم - وهكذا كانوا يفعلونَ في كل محالِّ البصرة في عِدَّة أيام، وهرب الناسُ منهم كلَّ مَهرَبٍ، وحرَقوا الكلأ من الجبَل إلى الجبل، فكانت النارُ تحرِقُ ما وجدت من شيءٍ؛ من إنسانٍ أو بهيمة أو غير ذلك، وأحرقوا المسجِدَ الجامع، وقد قتَل هؤلاء جماعةً كثيرةً من الأعيان والأُدَباء والفُضَلاء والمحَدِّثين والعلماء.
الاقتتال بين الخوارج بسبب مسألة قبول توبةِ العصاة .
العام الهجري : 257 العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:
اختلف مساور الخارجي مع رجلٍ من الخوارج- يقال له عُبيدة، من بني زهير العمروي- على توبةِ المخطئ، فقال مساور: نقبلُ توبته؛ وقال عبيدة: لا نقبل، فجمع عبيدةُ جمعًا كثيرًا وسار إلى مساور، وتقدَّمَ إليه مساور من الحديثة، فالتَقَوا بنواحي جهينة، بالقرب من المَوصِل، واقتتلوا أشدَّ قتال، فترجَّل مساور ومن عنده، ومعه جماعةٌ من أصحابه، وعرقبوا دوابَّهم، فقُتِل عبيدة وانهزم جمعه، فقُتِل أكثَرُهم، واستولى مساور على كثير من العراق، ومنع الأموالَ عن الخليفة، فضاقت على الجندِ أرزاقُهم، فاضطَرَّهم ذلك إلى أن سار إليه موسى بن بغا وبابكيال وغيرهما في عسكرٍ عظيم.
مقتل أمير صقلية محمد بن خفاجة .
العام الهجري : 257 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 871
تفاصيل الحدث:
لَمَّا قُتِلَ خفاجة بن سفيان استعمل الناسُ ابنه محمدًا، وأقره محمد بن أحمد بن الأغلب أبو الغرانيق- صاحِبُ القيروان- على ولايته, كان ذلك في عام خمس وخمسين ومائتين، وفي رجب من عام سبع وخمسين ومائتين قُتِلَ الأميرُ محمد، قتله خَدَمُه الخصيان نهارًا وكتموا قَتْلَه، فلم يعرَفْ إلَّا مِن الغد، وكان الخدَمُ الذين قتلوه قد هربوا فطُلِبوا فأُخِذوا وقُتِلَ بعضُهم، ولَمَّا قُتِلَ استعمل محمَّدُ بن أحمد بن الأغلب على صقلية أحمدَ بن يعقوب بن المضاء بن سلمة، فلم تطُلْ أيَّامُه.
معارك سعيد الحاجب مع خوارج الزنج في البصرة .
العام الهجري : 257 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 871
تفاصيل الحدث:
أوقع سعيد الحاجب أمير البصرة بجماعةٍ مِن الزنج، فهزمهم واستنقذَ مَن معهم من النساء والذريَّة، واسترجع منهم أموالًا جزيلةً، وأهان الزنجَ غايةَ الإهانة، فكانت المرأةُ من نساء تلك الناحية تأخذ الزنجيَّ فتأتي به عسكرَ سعيدٍ فلا يمتنِعُ عليها، ثم عبَرَ سعيد إلى غرب دجلة فأوقع بصاحِبِ الزنج عدةَ وَقعاتٍ، ثم عاد إلى معسكرِه بهطمة فأقام من ثاني رجب إلى آخر شعبان. ثم أوقع صاحِبُ الزنج بسعيد، وذلك أنَّه سيَّرَ إلى سعيد جيشًا، فأوقعوا به ليلًا وأصابوا مقتلةً من أصحاب سعيد، فقَتلوا خلقًا كثيرًا وأحرقوا عسكرَه، فأمر بالمسير إلى باب الخليفة، وترك بغراج بالبصرة، فسار سعيد من البصرة وأقام بها بغراج يحمي أهلها، فردَّ السلطان أمرَها إلى منصور بن جعفر الخياط بعد سعيد، فجمع منصور الشذا وسار نحو صاحبِ الزنج، فكَمَن له صاحِبُ الزنج كمينًا، فلما أقبل منصورٌ خرج عليه الزنج فقتَلوا في أصحابِه مقتلةً عظيمة، وغرق منهم خلقٌ كثير، فلم يقابِلْهم منصور بعد ذلك.
الخليفة المعتمد يأمر بحربِ خوارج الزنج في البصرة .
العام الهجري : 257 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 871
تفاصيل الحدث:
أمر المعتمد أحمد المولد بالمسير إلى البصرة لحربِ الزنج، فسار حتى نزل الأبلة، ثم نزل البصرة، واجتمع إليه من أهلِها خلقٌ كثير، فسيَّرَ علي بن أبان المهلبي إلى حرب المولد يحيى بن محمد البحراني، فسار إليه فقاتله عشرةَ أيام، ثم وطَّن المولدُ نفسَه على المقام، فكتب العلَويُّ إلى يحيى يأمره بتبييتِ المولد، ووجه إليه الشذا مع أبي الليث الأصفهاني، فبَيَّته، ونهض المولد فقاتلَه تلك الليلة، ومن الغدِ إلى العصر، ثم انهزم عنه، ودخل الزنج عسكَرَه فغَنِموا ما فيه.
الخليفة المعتمد يأمر أخيه الموفَّق بقتال خوارج الزنج .
العام الهجري : 258 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 872
تفاصيل الحدث:
عقد الخليفةُ المعتمِدُ لأخيه الموفَّق أبي أحمد ومفلح لقتال الزنج، فلما سارا إلى البصرة واجههم علي بن أبان المهلبي فجرى القتالُ بينهما، وكان نتيجته مقتل مفلح وكثيرٍ من أصحابه، ثمَّ إنَّ يحيى بن محمد البحراني- وهو من طرف الزنج- سار نحو نهر العباس فلَقِيَه عسكرُ أصعجور، عامل الأهواز بعد منصور، وقاتلهم، وكان أكثَرَ منهم عددًا، فنال ذلك العسكر من الزنج بالنشاب، وجرحوهم، فعبَرَ يحيى النهرَ إليهم، فانحازوا عنه، وغَنِم سفنًا كانت مع العسكر، فيها الميرةُ، وساروا بها إلى عسكر صاحب الزِّنج على غير الوجه الذي فيه علي بن أبان، لتحاسُدٍ كان بينه وبين يحيى، فلقيهم جيش الموفَّق ورشقوهم بالنشاب، فأصابوا يحيى الذي حاول الهرب، ولكنه قُبِضَ عليه وسُيِّرَ إلى سامرَّا فقُطِعَت يده ورِجلُه من خِلافٍ ثمَّ ذُبِح، ورجع جيشُ الموفَّق لوباءٍ حلَّ بالجند بالإضافة لحريقٍ حصل للجيش.
غزو الأمير محمد بن عبدالرحمن ثغور الأندلس .
العام الهجري : 259 العام الميلادي : 872
تفاصيل الحدث:
خرج الأمير محمد بن عبدالرحمن بنفسه إلى الثغر، وحلَّ في وجهته بطليطِلة، وأخذ رهائِنَهم، وعقدَ أمانَهم، وقاطَعَهم على قطيعٍ من العُشور يؤدُّونه في كل عام، وهو الأمانُ الثاني. واختلفت أهواؤهم في عُمَّالهم، فطلب قوم منهم توليةَ مطَرِّف بن عبد الرحمن، وطلب آخرونَ تولية طربيشة بن ماسوية، فولَّى كلَّ واحد منهما جانبًا، واقتسما المدينةَ وأقاليمها على حدود مفهومة معلومة؛ ثم تنازعا، وأراد كلُّ واحد منهما الانفرادَ بمُلك طليطلة، ثم غلب الداعون إلى تقديمِ طربيشة، وتأخير مُطَرِّف. وكان الأمير محمد تتلقاه في وجهتِه هذه- في الارتحال والاحتلال- طلائِعُ الظَّفَر، وبوادر النَّجاح والنصر. وتجوَّل في الثغر محاصرًا لبني موسى، ومضيِّقًا عليهم. ثم تقدَّم إلى بنبلونة؛ فوطئ أرضَها، وأذلَّ أهلَها وخَرَّبها ثم قفَل، فحَلَّ بقُرطبة، ومعه جماعةٌ من الثوَّار الناكثين المُفسِدين، فلما أخذ راحتَه أمر بقتل مطرف بن موسى وبنيه.
عودة ظهور ابن الصوفي العلوي بمصر .
العام الهجري : 259 العام الميلادي : 872
تفاصيل الحدث:
كان إبراهيم بن محمَّد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أبي طالب المعروف "بابن الصوفي العَلَوي" قد ظهر بمصر سنة ست وخمسين، فدعا لنفسه ثم هرب إلى الواحات، ثم عاد هذا العام، فدعا الناسَ إلى نفسه، فتَبِعَه خلق كثير، وسار بهم إلى الأشمونين، فوُجِّه إليه جيش عليهم قائد يعرف بابن أبي الغيث، فوجده قد أصعد إلى لقاء أبي عبد الرحمن العمري، فلما وصل العَلَوي إلى العُمري التقيا، فكان بينهما قتالٌ شديد، أجْلَت الوقعةُ عن انهزام العلوي، فولى منهزمًا إلى أسوان، فعاث فيها وقطع كثيرًا من نَخلِها. فسيَّرَ إليه ابن طولون جيشًا، وأمرهم بطلبه أين كان، فسار الجيش في طلبه، فولى هاربًا إلى عيذاب، وعبَرَ البحر إلى مكَّة، وتفَرَّق أصحابه، فلما وصل إلى مكة بلغ خبَرُه إلى واليها فقبض عليه وحبَسَه، ثم سيَّرَه إلى ابن طولون، فلما وصلَ إلى مصر أمر به فطِيفَ به في البلد، ثم سجَنَه مُدَّة وأطلقه، ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى أن مات.
================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...