حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الجمعة، 4 نوفمبر 2022

ج54.وج55.من وفاة المحدث أبي بشر الدولابي . العام الهجري : 310 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 923.

أولا: ج54. وفاة المحدث أبي بشر الدولابي .
العام الهجري : 310 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 923
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الحافِظُ البارِعُ أبو بشر محمَّد بن أحمد بن حمَّاد بن سعيد بن مسلمٍ الأنصاريُّ الدولابي الرازي، مولى الأنصارِ، ويعرف بالورَّاق، ولد سنة 224 من قرى الرَّيِّ. أحد الأئمَّة، ومن حُفَّاظ الحديثِ، وله تصانيفُ حَسَنةٌ في التاريخِ وغيرِ ذلك، وروى عن جماعةٍ كثيرة، وتوفِّيَ وهو قاصِدٌ الحَجَّ بين مكَّة والمدينة بالعرج.
دخول أمير القرامطة سليمان الجَنابي إلى البصرة .
العام الهجري : 311 العام الميلادي : 923
تفاصيل الحدث:
دخل أبو طاهرٍ سُلَيمانُ بنُ أبي سعيد الجَنابي أميرُ القرامطة في ألفٍ وسبعمائة فارسٍ إلى البصرةِ ليلًا، فنصب السَّلالمَ الشَّعرَ في سورها فدخَلَها قهرًا، وفتحوا أبوابَها وقتلوا مَن لَقُوه من أهلِها، وهرب أكثَرُ النَّاسِ فألقَوا أنفُسَهم في الماء فغَرِقَ كثيرٌ منهم، ومكَثَ بها سبعةَ عشَرَ يومًا يَقتُل ويأسِرُ مِن نسائها وذراريِّها، ويأخذ ما يختارُ مِن أموالها، ثم عاد إلى بلَدِه هجَرَ، وكلَّما بعث إليه الخليفةُ جندًا من قِبَلِه فرَّ هاربًا وترك البلدَ خاويًا.
وفاة أبي بكر الرازي الطبيب .
العام الهجري : 311 العام الميلادي : 923
تفاصيل الحدث:

هو الأستاذُ الفيلسوف محمد بن زكريا الرازي، من أهلِ الرَّيِّ، فيها تعلَّمَ ونشأ، ثم سافر إلى بغداد, أشهرُ أطبَّاءِ الإسلامِ وأكثَرُهم ابتكارًا، صاحب التصانيف، من أذكياءِ أهلِ زمانِه، كان كثيرَ الأسفارِ، واسِعَ المعرفةِ، مليحَ التأليف، وكان في بصَرِه رطوبةٌ؛ لكثرةِ أكلِه الباقلَّى، عمِيَ آخِرَ عُمُره. قال عنه الذهبي: "أخذَ عن البلخي الفيلسوفِ، فبلغ الغايةَ في علوم الأوائل. نسأل اللهَ العافية". كان في شبيبته يضرِبُ بالعودِ، فلما التحى قال: "كلُّ غناءٍ يخرجُ مِن بين شاربٍ ولحيةٍ لا يُستحسَنُ، فتركه وأقبل على دراسةِ الطِّبِّ والفلسفة بعد الأربعينَ، وعُمِّرَ وبلغ في علومه الغايةَ حتى أشيرَ إليه في الطبِّ"، اشتغل على الطبيبِ أبي الحسن علي بن ربن الطبري الذي كان مسيحيًّا، فأسلم، تولى تدبيرَ مارستان الريِّ ثم رئاسة الأطباءِ في بيمارستان بغداد زمنَ المكتفي، كان واسِعَ الاطِّلاعِ وله مشاركاتٌ في الحساب والكيمياء والفلسفة والفَلَك، وله تصانيفُ كثيرةٌ أكثَرُها في الطبِّ، تُرجِمَ أكثَرُها إلى اللاتينية، منها كتاب الأسرار في الكيمياء، والطب المنصوري، والفصول في الطب، ومقالة في الحصى والكلى والمثانة، وتقسيم العلل، والمدخل إلى الطب، وأشهرها الحاوي في الطب، وكتاب الجدري والحصبة، وغيرها كثير. كان يجلِسُ في مجلسِه للتعليم ودونَه التلاميذُ ودونَهم تلاميذُهم ودونهم تلاميذُ أُخَرُ, فكان يجيءُ الرجُلُ فيَصِفُ ما يجِدُ مِن المرض لأوَّلِ مَن يلقاه من تلاميذِه، فإن كان عندهم علمٌ وإلَّا تعدَّاهم إلى غيرهم، فإن أصابوا وإلَّا تكلَّم الرازي في ذلك. كان وافِرَ الحُرمة، صاحِبَ مروءة وإيثار، كريمًا متفضِّلًا بارًّا بالناس، حسن الرأفة بالفقراءِ والأعِلَّاء، حتى كان يُجري عليهم الجِرايات الواسعة ويُمَرِّضُهم. وللرازي أخبارٌ كثيرة وفوائِدُ متفرقة فيما حصل له من التمَهُّر في صناعة الطب وفيما تفرَّدَ به في مداواة المرضى، وفي الاستدلال على أحوالهم، وفيما خَبَرَه من الصفات والأدوية التي لم يصِلْ إلى عملها كثيرٌ من الأطباء. فكان إمامَ وَقتِه في علم الطبِّ، متقِنًا لهذه الصناعةِ حاذقًا فيها عارفًا بأوضاعِها وقوانينها، والمشارَ إليه في ذلك العصرِ، فتُشَدُّ إليه الرحالُ في أخذها عنه، ومن كلامِه في الطبِّ: "مهما قدرتَ أن تعالجَ بالأغذيةِ، فلا تعالجْ بالأدوية"، "مهما قدرتَ أن تعالجَ بدواءٍ مُفرَد فلا تعالجْ بدواءٍ مركَّب"؛ "إذا كان الطبيبُ عالِمًا والمريضُ مُطيعًا، فما أقلَّ لُبثَ العِلَّة"؛ "عالجْ في أوَّلِ العلَّة بما لا تَسقُط به القُوَّة". توفِّي في بغداد، وقد اختلف كثيرًا في سَنة وفاتِه مع شهرتِه، فقيل: توفِّي سنة 313، وقيل 317، وقيل 320، وقيل 360.
وفاة أبي بكر الخلال، صاحب الكتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد .
العام الهجري : 311 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 923
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الحافِظُ الفقيهُ، شيخ الحنابلةِ وعالِمُهم، أبو بكر أحمدُ بنُ محمَّد بن هارون بن يزيد البغدادي المعروفُ بالخَلَّال. ولِدَ سنة 234، أو في التي تليها، ويجوز أن يكون رأى الإمامَ أحمد، ولكنَّه أخذ الفقهَ عن خلقٍ كثيرٍ مِن أصحابه، رحل إلى فارس وإلى الشَّام والجزيرةِ يتطلَّبُ فِقهَ الإمامِ أحمدَ وفتاويَه وأجوبتَه، وكتب عن الكِبارِ والصِّغارِ، حتى كتب عن تلامذتِه، ثمَّ إنَّه صَنَّف كتابَ "الجامِع في الفقه" من كلام الإمام. قال الخطيب: "جمعَ الخَلَّالُ علومَ أحمدَ وتطَلَّبَها، وسافر لأجلِها، وكَتَبَها، وصنَّفَها كُتبًا، لم يكن فيمن ينتحِلُ مذهب أحمد أحدٌ أجمَعُ لذلك منه". له التصانيفُ الدائرة والكتُب السائرة، من ذلك الجامِعُ، والعِلَل، والسُّنَّة، والعِلم، والطبقات، وتفسير الغريب، والأدب، وأخلاق أحمد، وغير ذلك. سمع مِن الحسَنِ بنِ عَرَفةَ، وسعدانَ بنِ نصر، ومحمد بن عوف الحمصي وطبقته، وصحِبَ أبا بكر المروذي إلى أن مات، وسمع جماعةً من أصحاب الإمام أحمد، منهم صالح وعبدالله ابناه، وإبراهيم الحربي، والميموني، وبدر المغازلي، وأبو يحيى الناقد، وحنبل، والقاضي البرني، وحرب الكرماني، وأبو زرعة، وخَلقٌ سواهم سمع منهم مسائِلَ أحمدَ، ورحل إلى أقاصي البلاد في جَمعِها وسماعِها ممَّن سَمِعَها من الإمامِ أحمد وممن سَمِعَها ممَّن سَمِعَها منه، وشَهِدَ له شيوخُ المذهبِ بالفَضلِ والتقَدُّم، حدَّث عنه جماعةٌ منهم أبو بكر عبدالعزيز، ومحمد بن المظفر، ومحمد بن يوسف الصيرفي، وكانت له حلقة بجامع المهدي، ومات يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيعٍ الآخر.
وفاة الزجاج صاحب معاني القرآن .
العام الهجري : 311 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 923
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الفاضل، نحويُّ زمانِه، أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ مُحمَّد بنُ السري بن سهل الزَّجَّاج، مصنِّفُ كتاب "معاني القرآن" و"الاشتقاق" و"القوافي" و"العَروض" و"فعلتُ وأفعلتُ" ومختصرًا في النحو وغير ذلك، وقد كان أوَّل أمرِه يَخرِطُ الزُّجَاج فأحَبَّ عِلمَ النَّحوِ، فذهب إلى المبَرِّد، وكان يعطي المُبَرِّدَ كلَّ يومٍ دِرهمًا، ثم استغنى الزَّجَّاجُ وكثُرَ مالُه ولم يقطَعْ عن المبَرِّدْ ذلك الدِّرهَم حتى مات، وقد كان الزجَّاجُ مُؤدِّبًا للقاسم بن عُبيد الله الوزير، توفِّيَ عن 75 عامًا.
وفاة ابن خزيمة صاحب الصحيح .
العام الهجري : 311 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 924
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الحافظُ الحُجَّة الفقيهُ، شيخُ الإسلام، محمدُ بنُ إسحاقَ بنِ خُزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النَّيسابوري، الشافعي، الملقَّب بإمامِ الأئمَّة أبو بكر بنُ خُزيمة، صاحِبُ التصانيفِ. ولد: سنة 223. مولى مُحسِن بن مزاحم، عُنِيَ في حداثته بالحديثِ والفِقهِ، حتى صار يُضرَبُ به المثَلُ في سعة العلم والإتقان. كان بحرًا من بحور العِلمِ، طاف البلادَ ورحل إلى الآفاقِ في الحديثِ وطلب العلم، فكتب الكثيرَ وصَنَّف وجمع، وكتابُه الصحيحُ من أنفعِ الكُتُب وأجَلِّها، وهو من المجتهدينَ في دينِ الإسلام، حكى الشيخ أبو إسحاقَ الشيرازي في طبقاتِ الشافعية عنه أنه قال: "ما قلدتُ أحدًا منذ بلغت ستَّ عشرة سنةً".
استيلاء ابن أبي الساج على مدينة الري .
العام الهجري : 311 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 924
تفاصيل الحدث:

سار يوسُفُ بنُ أبي الساج من أذربيجان إلى الرَّيِّ، فحاربه أحمدُ بن عليٍّ أخو صعلوك، فانهزم أصحابُ أحمد وقُتِلَ هو في المعركة، وأنفذ رأسَه إلى بغداد؛ وكان أحمدُ بن عليّ قد فارق أخاه صعلوكًا، وسار إلى المقتَدِر فأُقطِعَ الريِّ، ثمّ عصى، وهادن ماكان بنَ كالي وأولاد الحسن بن علي الأطروش، وهم بطبرستان، وجُرجان، وفارق طاعةَ المقتَدِر وعصى عليه، ووصل رأسُه إلى بغداد، وكان ابنُ الفرات يقعُ في نصر الحاجب، ويقول للمقتَدِر إنَّه هو الذي أمر أحمدَ بنَ عليٍّ بالعصيان لمودَّةٍ بينهما، وكان قتلُ أحمدَ بنِ عليٍّ آخر ذي القعدة، واستولى ابنُ أبي الساج على الرَّيِّ، ودخلها في ذي الحجَّة، ثمَّ سار عنها في أوَّل سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان، واستخلف بالريِّ غُلامَه مُفلحًا، فأخرجه أهل الريِّ عنهم، فلَحِقَ بيوسُف، وعاد يوسفُ إلى الريِّ في جُمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها.
القرامطة يقطعون طريق العائدين من الحج .
العام الهجري : 312 العام الميلادي : 924
تفاصيل الحدث:

سار أبو طاهر سليمان القرمطيُّ إلى الهَبِير في عسكرٍ عظيم ليلقى الحاجَّ في رجوعِهم من مكَّة، فأوقع بقافلةٍ تقدَّمت معظمَ الحاجِّ، وكان فيها خلقٌ كثيرٌ مِن أهل بغدادَ وغيرهم، فنهَبَهم، واتَّصل الخبر بباقي الحاجِّ وهم بفَيد، فأقاموا بها حتَّى فني زادُهم، فارتحلوا مسرعينَ، وكان أبو الهيجاء بن حَمدان قد أشار عليهم بالعَودِ إلى وادي القُرى، وأنَّهم لا يقيمون بفَيد، فاستطالوا الطريقَ، ولم يَقبَلوا منه، فلمَّا فني زادُهم ساروا على طريقِ الكوفة، فأوقع بهم القرامِطة، وأخذوهم، وأسروا أبا الهيجاءِ، وأخذ أبو طاهر جِمال الحُجَّاج جميعها، وما أراد من الأمتعةِ والأموالِ والنِّساء والصِّبيان، وعاد إلى هَجَر، وترك الحاجَّ في مواضعهم، فمات أكثَرُهم جوعًا وعطشًا، ومن حرِّ الشمس، وكان عُمْرُ أبي طاهرٍ حينئذ سبعَ عشرة سنة، وانقلبت بغداد، واجتمع حُرَم المأخوذين إلى حُرَم المنكوبينَ الذين نكبهم ابن الفرات، وجعلن ينادين: القرمطيُّ الصغيرُ أبو طاهر قتل المسلمينَ في طريق مكَّة، والقرمطيُّ الكبير ابن الفرات قد قتل المسلمين ببغداد، وكانت صورة فظيعةً شنيعة، وكسر العامَّةُ منابِرَ الجوامع، وسوَّدوا المحاريبَ يوم الجمعة لستٍّ خلون من صفر، وتقدَّم المقتَدِر إلى ياقوت بالمسيرِ إلى الكوفة ليمنَعَها من القرامطة، فخرج في جمعٍ كثير، ومعه ولداه المظفَّر ومحمَّد، فأنفق على ذلك العسكرِ مالٌ عظيم، وورد الخبرُ بعود القرامطة، فعطل مسير ياقوت، ووصل مؤنسٌ المظفَّر إلى بغداد.
دخول القرامطة الكوفة .
العام الهجري : 312 العام الميلادي : 924
تفاصيل الحدث:

دخل أبو طاهر القرمطيُّ الكوفةَ، وكان سببُ ذلك أنَّ أبا طاهر أطلقَ مَن كان عنده من الأسرى الذين كان أسَرَهم من الحُجَّاج، وفيهم ابنُ حمدان وغيره، وأرسل إلى المقتَدِر يطلُبُ البصرة والأهواز، فلم يجِبْه إلى ذلك، فسار من هَجَر يريد الحاجَّ، وكان جعفرُ بن ورقاء الشيبانيُّ متقلِّدًا أعمالَ الكوفة وطريق مكَّة، فلمَّا سار الحُجَّاج من بغداد سار جعفر بين أيديهم خوفًا من أبي طاهر، ومعه ألف رجلٍ من بني شيبان، وسار مع الحُجَّاج من أصحاب السلطانِ القائِدُ ثَمل الخادِمُ صاحب البحر، وجنِّي الصفوانيُّ، وطريف السبكريُّ وغيرهم، في ستَّة آلاف رجل، فلقيَ أبو طاهر القرمطيُّ جعفرًا الشيبانيَّ، فقاتله جعفر، فبينما هو يقاتلُه إذ طلع جمعٌ من القرامطة عن يمينه، فانهزم من بين أيديهم، فلقِيَ القافلةَ الأولى وقد انحدرت من العَقَبة، فردَّهم إلى الكوفة ومعهم عسكرُ الخليفة، وتبعهم أبو طاهرٍ إلى باب الكوفة، فقاتلهم فانهزم عسكرُ الخليفة، وقَتَلَ منهم، وأسَرَ جنِّيًّا الصفوانيَّ، وهرب الباقون والحُجَّاج من الكوفة، ودخلها أبو طاهر، وأقام ستَّة أيَّام بظاهر الكوفة يدخُلُ البلد نهارًا فيقيمُ في الجامع إلى الليل، ثمَّ يخرج يبيتُ في عسكره، وحمل منها ما قدَرَ على حَملِه من الأموال والثِّياب وغير ذلك، وعاد إلى هَجَر، ودخل المنهزمون بغداد، فتقدَّم المقتَدِر إلى مؤنسٍ المظفَّر بالخروج إلى الكوفة، فسار إليها، فبلغها وقد عاد القرامطةُ عنها، فاستخلف عليها ياقوتًا، وسار مؤنِسٌ إلى واسط خوفًا عليها من أبي طاهرٍ، وخاف أهلُ بغداد، وانتقل الناسُ إلى الجانب الشرقيِّ، ولم يحجَّ في هذه السنة من الناسِ أحدٌ.
القبض على الوزير ابن الفرات وأهله ومصادرة أموالهم .
العام الهجري : 312 العام الميلادي : 924
تفاصيل الحدث:

لَمَّا رأى المحسِنُ ابن الوزير ابن الفرات انحلالَ أمورهم، أخذَ كلَّ مَن كان محبوسًا عنده من المصادَرينَ، فقتَلَهم؛ لأنَّه كان قد أخذ منهم أموالًا جليلةً، ولم يوصِلْها إلى المقتَدِر، فخاف أن يقرُّوا عليه. فكَثُر الإرجافُ على ابن الفرات، فكتب ابنُ الفراتِ إلى المقتَدِر يُعَرِّفُه ذلك، وأنَّ النَّاسَ إنَّما عادَوه لنُصحِه وشفَقتِه، وأخذ حقوقه منهم، فأنفذ المقتَدِرُ إليه يُسَكِّنُه ويطَيِّبُ قَلبَه, ثم ركبَ هو وولدُه إلى المقتدر، فأدخلَهما إليه فطيَّبَ قلوبَهما فخرجا من عنده هو وابنُه المحسن، فأمَّا المحسن فإنه اختفى، وأما الوزير فإنه جلس عامَّةَ نهاره يمضي الأشغالَ إلى الليل، ثم بات مفكِّرًا، فلما أصبح سَمِعَه بعضُ خَدَمِه ينشد: وأصبَحَ لا يدري وإن كان حازمًا... أقُدَّامُه خيرٌ له أم وراءَه. فلما أصبح الغدُ، وهو الثامن من ربيع الأول، وارتفع النهار أتاه نازوك وبليق في عِدَّة من الجند، فدخلوا إلى الوزيرِ، وهو عند الحرم، فأخرجوه حافيًا مكشوفَ الرأس، وأُخِذَ إلى دجلة، ثم حُمِلَ إلى مؤنسٍ المظَفَّر، ومعه هلال بن بدر، فاعتذر إليه ابنُ الفرات، وألان كلامه، فقال له: أنا الآن الأستاذُ، وكنتُ بالأمس الخائنَ الساعيَ في فساد الدولة، وأخرجتَني والمطرُ على رأسي ورؤوسِ أصحابي، (ولم تمهِلْني) ثمَّ سُلِّمَ إلى شفيع اللؤلؤي، فحُبِسَ عنده، وكانت مدَّة وَزارته عشرةَ أشهر وثمانية عشر يومًا، وأُخِذَ أصحابُه وأولاده ولم ينجُ منهم إلَّا المحسن، فإنه اختفى، وصودِرَ ابنُ الفرات على جملةٍ مِن المال مبلغها ألف ألف دينار.
بعض غزوات الناصر بالأندلس .
العام الهجري : 312 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 924
تفاصيل الحدث:

غزاةُ أمير الأندلس الناصر إلى دار الحرب، وهي الغزوةُ المعروفة ببنبلونة، حيثُ بلغ مدينة بنبلونة، فوجدها خاليةً مُقفِرةً، فدخلها وجال بنَفسِه عليها، وأمَرَ بهدمِ جميعِ بنيانها، وتخريبِ كنيسة الكفَرة بها، التي كانت بيعتُهم موضِعَ نُسُكِهم، حتى لقد جُعِلَت قاعًا صفصفًا، ثم ارتحل منها إلى محلَّةٍ بقرية منيير؛ ثم تنقَّل إلى محلَّة بدى شره المجاورة لشنت اشتبين؛ وكان موضع "استراح" العِلْج شانجة، ثم تنقَّل إلى حصن قلهرة، فألقاه خاليًا، وأمر بهَدمِه ثم تنقَّل إلى حصن بلتميرة، وهو من حصونِ المُسلمين المجاورة للمشركين، ثم رجع إلى قرطبةَ يوم الخميس لثمانٍ بقين من جمادى الأولى، وقد استتَمَّ في غزاته هذه أربعةَ أشهر.
ظهور زعيم الإسماعيلية في الكوفة .
العام الهجري : 312 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 925
تفاصيل الحدث:

ظهر في الكوفةِ رجلٌ ادَّعى أنه محمَّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، وهو رئيسُ الإسماعيليَّة، وجمع جمعًا عظيمًا من الأعرابِ وأهل السواد، واستفحل أمرُه، فسُيِّرَ إليه جيشٌ من بغداد، فقاتلوه، فظَفِروا به وانهزم، وقُتِلَ كثيرٌ مِن أصحابِه.
فتوحات جيوش المسلمين في صقلية .
العام الهجري : 313 العام الميلادي : 925
تفاصيل الحدث:

سار جيشُ صقلَّيةَ مع أميرهم سالمِ بنِ راشد وأرسل إليهم المهديُّ جيشًا من إفريقيَّة، فسار إلى أرضِ انكبردة، ففتحوا غيرانَ وأبرجة، وغَنِموا غنائِمَ كثيرةً، وعاد جيشُ صقلِّية، وساروا إلى أرض قلوريةَ، وقصدوا مدينةَ طارنت، فحصروها وفتحوها بالسَّيفِ في شهر رمضان ووصَلوا إلى مدينة أدرنت، فحصروها، وخرَّبوا منازِلَها، فأصاب المسلمينَ مرَضٌ شديدٌ كبيرٌ، فعادُوا ولم يزَلْ أهل صقلِّية يُغيرونَ على ما بأيدي الرومِ مِن جزيرة صقلِّية، وقلورية، ويَنهَبونَ ويُخَرِّبون.
غزو المسلمين مدينة إلبيرة في الأندلس .
العام الهجري : 313 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 925
تفاصيل الحدث:

كانت غزاةُ أمير الأندلسِ النَّاصِرِ إلى كورة إلبيرة، ومنازلتُه حصنَ اشتين، واستصلاحُه الأحوالَ بكورة جيان وما والاها؛ فبرزَ لهذه الغزاة يومَ الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرَّم، وبقي في هذه الغزاة خمسينَ يومًا.
اجتماع الرافضة في مسجد براثي للنَّيْلِ من الصحابة .
العام الهجري : 313 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 925
تفاصيل الحدث:

بلغ الخليفةُ المُقتَدِر أنَّ جماعةً مِن الرَّافضة يجتَمِعونَ في مسجدِ براثي فينالونَ مِن الصحابةِ ولا يُصَلُّونَ الجمُعةَ، ويكاتبونَ القرامِطةَ ويَدْعونَ إلى محمد بن إسماعيل الذي ظهرَ بين الكوفة وبغداد، ويدَّعونَ أنَّه المهدي، ويتبَرَّؤون من المقتَدِر وممَّن تَبِعَه، فأمر بالاحتياطِ عليهم واستفتى العلماءَ بالمسجد فأفتَوا بأنَّه مَسجِدُ ضِرارٍ، فضُرِبَ مَن قُدِرَ عليه منهم الضَّربَ المُبَرِّحَ، ونودي عليهم، وأُمِرَ بهدم ذلك المسجدِ المذكور فهُدِمَ، وأمر الوزيرُ الخاقاني فجعل مكانَه مقبرةً، فدُفِنَ فيها جماعةٌ من الموالي.
دخول الروم ثغور المسلمين .
العام الهجري : 314 العام الميلادي : 926
تفاصيل الحدث:

كتب مَلِكُ الروم الدُّمُستق إلى أهلِ الثُّغورِ يأمُرُهم بحَملِ الخَراجِ إليه، فإن فعلوا، وإلَّا قصَدَهم فقتل الرِّجالَ، وسبى الذريَّة، وقال: إنَّني صحَّ عندي ضَعفُ وُلاتِكم، فلم يفعلوا ذلك، ثمَّ في ربيع الآخر، خرجت الرومُ إلى ملطيَّة وما يليها مع الدُّمُستُق، ومعه مليح الأرمنيُّ صاحِبُ الدُّروب، فنزلوا على ملطيَّة، وحصروها، فصبر أهلُها، ففتح الروم أبوابًا من الربضِ، فدخلوا، فقاتَلَهم أهلُه، وأخرجوهم منه، ولم يظفَروا من المدينةِ بشَيءٍ، وخرَّبوا قُرًى كثيرةً مِن قراها، ونبَشُوا الموتى، ومَثَّلوا بهم، ثمَّ رحل بعد أن أقام فيها ستةَ عشرَ يومًا، وقصَدَ أهلُ ملطيَّة بغداد مستغيثينَ، في جُمادى الأولى، فلم يُعانُوا، فعادُوا بغيرِ فائدةٍ.
امتناع الكثير من أداء الحج خوفاً من القرامطة .
العام الهجري : 314 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 926
تفاصيل الحدث:

اقتربت القرامطةُ من مكَّةَ المُكَرَّمة، فهرب كثيرٌ من أهلِها إلى الطائف، وامتنع في هذا العامِ مِن الحَجِّ أهلُ بغداد والموصِل، ورجع حُجَّاج خراسان خوفًا من القرامطة، حيث وصلهم نبأُ اقترابهم من مكة.
استيلاء السامانيّة على بلاد الرَّيّ .
العام الهجري : 314 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 926
تفاصيل الحدث:

لَمَّا استدعى المقتَدِرُ يوسفَ بنَ أبي الساج إلى واسط كتبَ إلى السعيدِ نصرِ بنِ أحمد السامانيِّ بولاية الرَّيِّ، وأمَرَه بقَصدِها، وأخذها من فاتك، غلامِ يوسُف، فسار نصر بن أحمد إليها، أوائِلَ هذا العام، فوصل إلى جبلِ قارن، فمنعه أبو نصرٍ الطبريُّ من العبورِ، فأقام هناك، فراسله وبذل له ثلاثين ألف دينارٍ حتَّى مكَّنَه من العبور، فسار حتَّى قارب الرَّيَّ، فخرج فاتك عنها، واستولى نصر بن أحمد عليها في جمادى الآخرة، وأقام بها شهرَينِ، وولَّى عليها سيمجور الدواتيَّ وعاد عنها. ثمَّ استعمل عليها محمَّد بن عليٍّ صعلوك، وسار نصر إلى بُخارى، ودخل صعلوك الرَّيَّ، فأقام بها إلى أوائِلِ شعبان سنة ست عشرة وثلاثمائة فمَرِضَ، فكاتب الحسنَ الدَّاعي، وماكان بن كالي في القدومِ عليه ليسلِّمَ الريَّ إليهما، فقَدِما عليه، فسلَّم َالريَّ إليهما وسار عنها، فلمَّا بلغ الدامغان مات.
الحرب بين ابن حمدان أمير الموصل والأكراد والعرب .
العام الهجري : 314 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 926
تفاصيل الحدث:

أفسد الأكرادُ والعرَبُ بأرض المَوصِل وطريقِ خُراسان، وكان عبدُ الله بن حَمدان يتولَّى الجميعَ وهو ببغداد، وابنُه ناصر الدولة بالموصِل، فكتب إليه أبوه يأمُرُه بجمع الرجال، والانحدارِ إلى تكريت، ففعل وسارَ إليها، فوصل إليها في رمضانَ، واجتمعَ بأبيه، وأحضر العَرَب، وطالبهم بما أحدثوا في عمَلِه بعد أن قتَلَ منهم، ونكَّلَ ببعضهم، فردُّوا على الناس شيئًا كثيرًا، ورحل بهم إلى شَهرزور، فوطئَ الأكراد الجلالية فقاتلهم، وانضاف إليهم غيرُهم، فاشتدَّت شَوكتُهم، ثمَّ إنَّهم انقادوا إليه لَمَّا رأوا قوَّته، وكفُّوا عن الفساد والشرِّ.
قتل سليمان بن عمر بن حفصون بالأندلس .
العام الهجري : 314 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 927
تفاصيل الحدث:

بعد مَقتَل عُمَرَ بنِ حَفصون استلم ابنُه سليمان قيادةَ الثَّورةِ، وبقي على سيرةِ أبيه، ثم قُتِلَ في هذه السنة, كان سليمانُ قد ركب وخرج عن مدينة ببشتر مركزِ الثَّورةِ ومَقَرِّها. معارِضًا لبعض الحشَمِ المجاورينَ له من العسكر، فتبادرت إليه الخيلُ مِن الجهة التي كان فيها عبدُ الحميد الوزير، فصُرِعَ سليمانُ عن فرسِه، فاحتزَّ رأسَه سعيدُ بن بعلي العريف المعروف بالشفة، وقطعت يداه ورجلاه، وبعث الوزيرُ عبد الحميد برأسِه وجُثَّتِه ويديه مُبَعَّضةً مفترقةً، فرُفِعَت على باب السدَّة بقرطبةَ في خشبة عاليةٍ، وكان الفتحُ فيه عظيمًا سارًّا لجميع المُسلمين.

=======

 ج55. دخول الروم سيمساط ثغور المسلمين بالشام .
العام الهجري : 315 العام الميلادي : 927
تفاصيل الحدث:

هاجمت الرومُ المسلمينَ، فقصدوا الثُّغورَ، ودخلوا سُمَيساط- وهي مِن ثغور الجزيرةِ بالشام- وغَنِموا جميعَ ما فيها من مالٍ وسلاحٍ وغيرِ ذلك، وضربوا في الجامِعِ بالناقوسِ أوقاتَ الصَّلواتِ، ثمَّ إنَّ المسلمينَ خرجوا في أثَرِ الرُّوم وقاتلوهم وغَنِموا منهم غنيمةً عظيمةً، فأمر المقتَدِرُ بالله بتجهيزِ العساكِرِ مع مؤنسٍ المظفَّر، وخلع المقتَدِر عليه في ربيع الآخر؛ ليسيرَ إليهم.
القتال بين أهل طرسوس والروم .
العام الهجري : 315 العام الميلادي : 927
تفاصيل الحدث:

خرجت سَريَّةٌ من طرسوسَ إلى بلادِ الرومِ، فوقع عليها العدوُّ، فاقتتلوا فاستظهَرَ الرُّومُ وأسَروا من المُسلمين أربعمائة رجل، فقُتِلوا صبرًا، وفيها سار الدُّمُسْتُق في جيشٍ عظيمٍ من الروم إلى مدينة دَبيل، وفيها نصر السُّبكيُّ في عسكرٍ يحميها، وكان مع الدُّمُستُق دَبَّابات ومجانيقُ معه مِزراقٌ يزرقُ بالنَّارِ عدَّةَ اثنى عشر رجلًا، فلا يَقِرُّ بين يديه أحدٌ من شدَّةِ نارِه واتِّصاله، فكان من أشدِّ شيءٍ على المسلمين، وكان الرامي به مباشِرُ القتالِ مِن أشجَعِهم، فرماه رجلٌ من المسلمين بسَهمٍ فقَتَله، وأراح اللهُ المسلمين من شرِّه، وكان الدُّمُسْتُق يجلِسُ على كرسي عالٍ يُشرِفُ على البلد وعلى عسكَرِه، فأمَرَهم بالقتالِ على ما يراه، فصبَرَ له أهل البلد، وهو ملازِمٌ القتال، حتى وصلوا إلى سور المدينة، فنَقَبوا فيه نقوبًا كثيرةً، ودخلوا المدينة، فقاتلهم أهلُها ومَن فيها من العسكرِ قتالًا شديدًا، فانتصر المسلمونَ، وأخرجوا الرومَ منها، وقتلوا منهم نحوَ عشرة آلاف رجلٍ.
ظهور الديلم في الري والجبل .
العام الهجري : 315 العام الميلادي : 927
تفاصيل الحدث:

ظهر الديلمُ على الريِّ والجبالِ، وأوَّلُ من غلب منهم لنكى بن النعمان، فقَتَل من أهلِ الجبال مقتلةً عظيمةً وذبح الأطفالَ في المهدِ، ثم غلب على قزوين أسفار بن شيرويه وألزم أهلَها مالًا، وكان له قائدٌ يُسمَّى مرداويج بن زيار، فوثب على أسفار المذكور وقتَلَه وملك البلاد مكانَه، وأساء السيرةَ بأصبهان، وجلس على سريرٍ مِن ذهَبٍ، وقال: أنا سليمانُ بن داودَ، وهؤلاء الشياطينُ أعواني، وكان مع هذا سيئَ السيرةِ في أصحابِه.
مسير جيش المهدي إلى المغرب .
العام الهجري : 315 العام الميلادي : 927
تفاصيل الحدث:

سيَّرَ المهديُّ العُبَيديُّ- صاحب إفريقيَّة- ابنَه أبا القاسم من المهديَّة إلى المغرب في جيشٍ كثير، في صفر؛ لسبب محمَّد بن خرز الزناتيِّ، وذلك أنَّه ظفِرَ بعسكر من كتامة، فقتل منهم خلقًا كثيرًا، فعَظُم ذلك على المهديِّ، فسيَّرَ ولده، فلمَّا خرج تفرَّقَ الأعداءُ، وسار حتَّى وصل إلى ما وراء تاهَرت، فلمَّا عاد من سفرتِه هذه خطَّ برُمحِه في الأرض صفةَ مدينةٍ، وسمَّاها المحمَّدية، وهي المسيلة، وكانت خطَّته لبني كملان، فأخرجهم منها، ونقَلَهم إلى فَحص القَيروان، كالمتوقِّع منهم أمرًا؛ فلذلك أحب أن يكونوا قريبًا منه، وهم كانوا أصحابَ أبي يزيد الخارجيِّ، وانتقل خلقٌ كثير إلى المحمَّديَّة، وأمر عامِلَها أن يُكثِرَ من الطَّعامِ ويَخزِنَه ويحتفِظَ به ففعل ذلك، فلم يزَلْ مُخَزَّنًا إلى أن خرج أبو يزيدَ ولقيه المنصور، ومن المحمَّديَّة كان يمتارُ ما يريد؛ إذ ليس بالموضِعِ مدينةٌ سواها.
موقعة بين أبي الساج وأبي طاهر القرمطي بالكوفة .
العام الهجري : 315 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 927
تفاصيل الحدث:

كانت بين يوسُفَ بنِ أبي الساج وبين أبي طاهرٍ القرمطيِّ عند الكوفة موقعةٌ، فسبقه إليها أبو طاهر فحال بينه وبينها، فكتب إليه يوسُفُ بنُ أبي الساج: اسمَعْ وأطِعْ، وإلا فاستعِدَّ للقتالِ يوم السبت تاسِعَ شوال منها، فكتب: هلُمَّ، فسار إليه، فلما تراءى الجمعانِ استقَلَّ يوسف جيشَ القرمطي، وكان مع يوسُفَ بن أبي الساج عشرونَ ألفًا، ومع القرمطي ألفُ فارس وخمسمائة رجل. فقال يوسف: وما قيمةُ هؤلاء الكلابِ؟ وأمر الكاتِبَ أن يكتب بالفتحِ إلى الخليفة قبل اللِّقاء، فلما اقتتلوا ثبت القرامطة ثباتًا عظيمًا، ونزل القرمطي فحَرَّض أصحابَه وحمل بهم حملةً صادقة، فهزموا جندَ الخليفة، وأسروا يوسُفَ بن أبي الساج أميرَ الجيش، وقتلوا خلقًا كثيرًا من جند الخليفة، واستحوذوا على الكوفةِ، وجاءت الأخبار بذلك إلى بغداد، وشاع بين الناسِ أنَّ القرامطة يريدون أخذَ بغداد، فانزعج النَّاسُ لذلك وظَنُّوا صِدقَه، فاجتمع الوزيرُ بالخليفة فجهَّزَ جيشًا أربعين ألف مقاتِلٍ مع أمير يقال له بليق، فسار نحوهم، فلما سَمِعوا به أخذوا عليه الطُّرُقات، فأراد دخول بغداد فلم يُمكِنْه، ثم التقَوا معه فلم يلبَثْ بليق وجيشه أن انهزم، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون. وكان يوسُفُ بنُ أبي الساج معهم مقيَّدًا في خيمةٍ، فجعل ينظر إلى محلِّ الوقعة، فلما رجع القرمطي قال: أردتَ أن تهربَ؟ فأمر به فضُرِبَت عنقه. ورجع القرمطي من ناحيةِ بغداد إلى الأنبار، ثم انصرف إلى هيتَ.
محاصرة حفص بن عمر بن حفصون وفتح مدينة ببشتر .
العام الهجري : 315 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 928
تفاصيل الحدث:

كان حفصٌ قد استلم مكانَ أخيه سليمان بعد أن قُتِلَ، فقام في هذه السنةِ النَّاصِرُ أميرُ الأندلس بغزوِه في ببشتر جنوب إسبانيا، وهو متحصِّنٌ فيها، ولَمَّا اشتدت المحاصَرةُ على حفص بن عمر بن حفصون بمدينةِ ببشتر، وأحيطَ به بالبنيانِ عليه مِن كُلِّ جانبٍ، ورأى من الجِدِّ والعَزمِ في أمرِه ما عَلِمَ أنْ لَا بقاءَ له معه في الجبل الذي تعلَّقَ فيه، كتب إلى أمير المؤمنين الناصرِ، يسأله تأمينَه والصفحَ عنه، على أن يخرُجَ عن الجبل مستسلِمًا لأمره، راضيًا بحكمه. فأخرج إليه الناصرُ الوزيرَ أحمد بن محمد بن حدير، وتولَّى هو وسعيد بن المنذر إنزالَه من مدينة ببشتر. ودخلها رجالُ أمير المؤمنين الناصر وحَشَمُه يوم الخميس لسبعٍ بَقِينَ من ذي القَعدة من السنة. واستنزل حفص وجميع النصارى الذين كانوا معه، وقدم بهم أحمد بن محمد الوزير إلى قرطبةَ مع أهلهم وولدهم. ودخلها حفصٌ في مُستهَلِّ ذي الحجة، وأوسَعَه أميرُ المؤمنينَ صَفْحَه وعَفْوَه، وصار في جملةِ حشَمِه وجنده. وبقي الوزيرُ سعيد بن المنذر بمدينة ببشتر ضابطًا لها، وبانيًا لِمَا عهد إليه من بنيانِه وإحكامِه منها.
غزو الروم .
العام الهجري : 315 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 928
تفاصيل الحدث:

عاد ثمل الخادِمُ إلى طرسوس من الغَزاةِ الصائفةِ سالِمًا هو ومَن معه فلَقُوا جمعًا كثيرًا من الرومِ، فاقتتلوا فانتصر المُسلِمونَ عليهم وقتَلوا من الرومِ كثيرًا، وغَنِموا ما لا يُحصى، وكان من جملةِ ما غَنِموا أنَّهم ذبحوا من الغَنَمِ في بلاد الروم ثلاثمائة ألف رأس، سوى ما سلِمَ معهم، ولقيهم رجلٌ يُعرَفُ بابن الضحَّاك، وهو من رؤساءِ الأكراد، وكان له حصنٌ يُعرَفُ بالجعفري، فارتدَّ عن الإسلام وصار إلى ملك الروم فأجزل له العَطيَّة، وأمَرَه بالعودِ إلى حِصنِه، فلقيه المسلمونَ، فقاتلوه وأسَروه، وقتلوا كلَّ مَن معه.
القرامطة يدعون للفاطميين ويعيثون الفساد في الأرض .
العام الهجري : 316 العام الميلادي : 928
تفاصيل الحدث:

عاث أبو طاهرٍ سُلَيمانُ بنُ أبي سعيد الجَنابي القرمطي في الأرضِ فسادًا، وحاصَرَ الرحبةَ فدخلها قهرًا وقتل مِن أهلِها خَلقًا، وطلب منه أهلُ قرقيسيا الأمانَ فأمَّنَهم، وبعث سراياه إلى ما حولَها من الأعرابِ، فقتل منهم خلقًا، حتى صار الناسُ إذا سمعوا بذِكرِه يَهربونَ مِن سماع اسمه، وقدَّرَ على الأعرابِ إمارة يحملونَها إلى هجَرَ في كل سنة، عن كل رأسٍ ديناران، وعاث في نواحي الموصِل فسادًا، وفي سنجار ونواحيها، وخَرَّب تلك الديار وقتَلَ وسَلَب ونهب، فقصَدَه مؤنِسٌ الخادم فلم يتواجَها بل رجع إلى بلده هجَرَ فابتنى بها دارًا سَمَّاها دار الهجرة، ودعا إلى المهدي الذي ببلاد المغرب بمدينة المهدية، وتفاقم أمرُه وكثُرَ أتباعُه، فصاروا يكبِسونَ القرية من أرضِ السوادِ فيقتلون أهلَها وينهَبونَ أموالَها، ورام في نفسِه دخولَ الكوفة وأخْذَها فلم يُطِقْ ذلك، ولَمَّا رأى الوزيرُ عليُّ بن عيسى ما يفعَلُه هذا القرمطي في بلادِ الإسلام وليس له دافِعٌ، استعفى من الوزارةِ؛ لضَعفِ الخليفةِ وجَيشِه عنه، وعزل نفسَه منها، فسعى فيها عليُّ بن مقلة الكاتب المشهور، فوَلِيَها بسفارة نصر الحاجب، ثم جهَّزَ الخليفة جيشًا كثيفًا مع مؤنِسٍ الخادم فاقتتلوا مع القرامطةِ، فقتلوا من القرامطة خلقًا كثيرًا، وأسروا منهم طائفةً كثيرة من أشرافِهم، ودخل بهم مؤنِسٌ الخادم بغدادَ، ومعه أعلامٌ مِن أعلامهم مُنكَّسةٌ مكتوبٌ عليها (ونريدُ أن نمُنَّ على الذين استُضعِفوا في الأرض)، ففرح الناسُ بذلك فرحًا شديدًا، وطابت أنفُسُ البغداديَّة، وانكسر القرامطةُ الذين كانوا قد نشؤوا وفَشَوا بأرض العراق، وفوَّضَ القرامِطةُ أمرَهم إلى رجلٍ يقال له حريث بن مسعود، ودَعَوا إلى المهديِّ الذي ظهر ببلاد المغرب جَدِّ الفاطميين، وهم أدعياءُ كَذَبةٌ، كما قد ذكر ذلك غيرُ واحد من العُلَماء.
ابتداء حال بني البريدي في الأهواز .
العام الهجري : 316 العام الميلادي : 928
تفاصيل الحدث:

لَمَّا وزَر أبو عليِّ بنُ مقلة بسعايةِ نصر الحاجب أبي عبدالله بن البريدي وبذل له عشرينَ ألف دينار على ذلك، فقلَّدَ أبا عبد اللهِ بنَ البريديِّ الأهوازَ جميعَها، سوى السُّوسِ وجُنْدَيسابور، وقلَّدَ أخاه أبا الحُسَين الفراتيَّة، وقلَّدَ أخاهما أبا يوسف الخاصَّةَ والأسافل، على أن يكون المالُ في ذمَّةِ أبي أيُّوب السمسار إلى أن يتصرَّفوا في الأعمال، وكتب أبو عليِّ بنُ مقلة إلى أبي عبد الله في القبضِ على ابن أبي السلاسل، فسار بنَفسِه فقَبَضَ عليه بتُستَر، وأخذ منه عشرةَ آلاف دينار ولم يوصِلْها، وكان أبو عبد الله متهوِّرًا لا يفكِّرُ في عاقبةِ أمْرِه؛ لِما يتَّصِفُ به من المَكرِ والدَّهاءِ وقِلَّة الدين، ثمَّ إنَّ أبا عليِّ بن مقلة جعل أبا محمَّد الحسين بن أحمد الماذرائي مُشرفًا على أبي عبدالله بن البريدي، فلم يلتفِتْ إليه.
عبدالرحمن الناصر يلقب نفسه (أمير المؤمنين) بالأندلس .
العام الهجري : 316 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 929
تفاصيل الحدث:

رأى النَّاصِرُ أميرُ الأندلس أن تكونَ الدَّعوةُ له في مخاطباته والمُخاطَباتِ له في جميعِ ما يَجري ذِكرُه فيه، بأميرِ المؤمنين، فعَهِدَ إلى أحمد بن بقيٍّ القاضي صاحِبِ الصلاة بقُرطبةَ بأن تكون الخُطبةُ يوم الجمعة مُستهَلَّ ذي الحجة بذلك. ونَفَذت الكتبُ إلى العمَّال فيه، ونُسخة الرسالة النافذة في ذلك: بسم اللهِ الرَّحمنِ الرحيم. أمَّا بعدُ؛ فإنَّا أحقُّ من استوفى حَقَّه، وأجدرُ من استكمَلَ حَظَّه، ولَبِسَ من كرامة الله ما ألبَسَه؛ لِلَّذي فضَّلَنا اللهُ به، وأظهَرَ أثرَتَنا فيه، ورفع سلطانَنا إليه، ويَسَّرَ على أيدينا إدراكَه، وسهَّلَ بدَولتنِا مَرامَه، ولِلَّذي أشاد في الآفاقِ مِن ذِكْرِنا، وعُلُوِّ أمرِنا، وأعلن مِن رجاء العالَمينَ بنا، وأعاد مِن انحرافِهم إلينا، واستبشارهم بدولتنا. والحمدُ لله وليُّ النِّعمةِ والإنعامِ بما أنعَمَ به، وأهلُ الفَضلِ بما تفضَّلَ علينا فيه, وقد رأينا أن تكونَ الدَّعوةُ لنا بأميرِ المؤمنين، وخروجَ الكتب عنا وورودَها علينا بذلك؛ إذ كُلُّ مدعُوٍّ بهذا الاسم غيرِنا مُنتَحِلٌ له، ودخيلٌ فيه، ومتَّسِمٌ بما لا يستحِقُّه. وعَلِمْنا أنَّ التماديَ على تركِ الواجِبِ لنا من ذلك حَقٌّ أضعناه، واسمٌ ثابتٌ أسقطناه. فأْمُرِ الخطيبَ بموضِعِك أن يقولَ به، وأَجْرِ مُخاطباتِك لنا عليه، إن شاء الله. والله المستعان, كُتِبَ يوم الخميس لليلتينِ خلتا من ذي الحجة سنة 316.
عودة المقتدر بالله إلى الخلافة بعد أن تنازل لأخيه محمد القاهر .
العام الهجري : 317 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 929
تفاصيل الحدث:

اشتَدَّت الوحشةُ بين مُؤنِسٍ الخادمِ والمُقتَدِر بالله، وتفاقَمَ الحالُ وآل إلى أن اجتَمَعوا على خَلعِ المُقتَدِر وتولية القاهِرِ محمَّد بن المعتضد، فبايعوه بالخلافةِ وسَلَّموا عليه بها، ولقَّبوه القاهر بالله، وذلك ليلة السبت النصف من المحرم، وقَلَّدَ عليَّ بنَ مقلة وزارته، وولى نازوك الحُجُوبة مضافًا إلى ما بيده من الشُّرطة، وألزم المقتَدِر بأن كتب على نفسِه كتابًا بالخَلعِ مِن الخلافة، وأشهد على نفسِه بذلك جماعةً من الأمراء والأعيان، وسلَّم الكتاب إلى القاضي أبي عمر محمد بن يوسُف، فقال لولده الحُسَين احتفظ بهذا الكتابِ، فلا يريَنَّه أحَدٌ مِن خَلقِ الله، ولَمَّا أعيدَ المقتَدِرُ إلى الخلافة بعد يومينِ رَدَّه إليه، فشَكَره على ذلك جدًّا وولَّاه قضاءَ القُضاةِ، فلمَّا كان يوم الأحد السادس عشر من المحرم جلس القاهِرُ بالله في منصب الخلافة، وجلس بين يديه الوزيرُ أبو علي بن مقلة، وكتب إلى العُمَّال بالآفاق يُخبِرُهم بولاية القاهِرِ بالخلافة عِوضًا عن المقتدر، فلما كان يوم الاثنين جاء الجندُ وطلبوا أرزاقَهم وشَغَّبوا، وبادروا إلى نازوك فقَتَلوه، وكان مخمورًا، ثمَّ صلبوه، وهرب الوزيرُ ابنُ مقلة، وهرب الحُجَّاب ونادوا يا مُقتَدِرْ يا منصور، ولم يكن مؤنسٌ يومئذٍ حاضِرًا، وجاء الجندُ إلى باب مؤنسٍ يُطالِبونَه بالمُقتَدِر، فأغلق بابَه دونهم، فلما رأى مؤنِسٌ أنَّه لا بُدَّ مِن تسليم المقتَدِر إليهم أمَرَه بالخروج، فخاف المقتَدِرُ أن يكون حيلةً عليه، ثم تجاسَرَ فخرج فحَمَلَه الرجالُ على أعناقهم حتى أدخلوه دارَ الخلافة، فسأل عن أخيه القاهرِ وأبي الهيجاء بن حمدان ليكتُبَ لهما أمانًا، فما كان عن قريبٍ حتى جاءه خادِمٌ ومعه رأسُ أبي الهيجاء قد احتَزَّ رأسَه وأخرجه من بين كتفيه، ثم استدعى بأخيه القاهر فأجلَسَه بين يديه واستدعاه إليه، وقبَّلَ بين عينيه، وقال: يا أخي أنت لا ذنبَ لك، وقد علمتُ أنَّك مُكرَهٌ مقهورٌ، والقاهرُ يقول: اللهَ اللهَ، نفسي يا أمير المؤمنين، فقال: لا جرى عليك مني سوءٌ أبدًا، وعاد ابنُ مقلة فكتب إلى الآفاقِ يُعلِمُهم بعَودِ المقتدر إلى الخلافة، ورجَعَت الأمورُ إلى حالها الأوَّل، وكان ابنُ نفيس من أشَدِّ الناس على المقتدر، فلما عاد إلى الخلافةِ خرج من بغداد متنكِّرًا فدخل الموصل، ثم صار إلى إرمينية، ثم لحِقَ بالقسطنطينيَّة، فتنصر بها مع أهلِها، وقرَّرَ أبا علي بن مقلة على الوزارةِ، وولَّى محمد بن يوسف قضاءَ القضاة، وجعل محمَّدًا أخاه - وهو القاهِرُ - عند والدته بصفةِ محبوسٍ عندها، فكانت تحسِنُ إليه غايةَ الإحسان، وتشتري له السراريَّ وتُكرِمُه غايةَ الإكرامِ.
الناصر أمير الأندلس يغزو مدينة بطليوس .
العام الهجري : 317 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 929
تفاصيل الحدث:

غزا الناصِرُ أميرُ الأندلس مدينةَ بَطليوس؛ لمحاربة أهلِها وأميرِهم ابن مروان الجليقي؛ فلمَّا أخَذَهم الحِصارُ، وطاوَلَتهم الحربُ، وفَنِيَ رجالُهم، واستُبيحَت نَعَمُهم، وقُطِعَت ثَمراتُهم، ورأوا عزمًا لا فترةَ فيه، وجِدًّا لا بقاءَ لهم عليه- استأمنوا الناصِرَ، وعاذُوا بصَفحِه، فأوسعهم ما أوسَعَ أمثالَهم قبلهم. واستنزل ابنَ مروان الجليقي وأهلَه، وذوي الشوكة مِن صَحْبِه، وأسكَنَهم قرطبة، وألحقهم في الملاحِقِ السَّنِيَّة، وملك المدينة وولَّاها عُمَّاله، وصارت بسيلِ كوره. ثم انتقل الناصِرُ منها قاصدًا إلى مدينة أكشونبة بقرب الساحلِ الغربي من البحرِ المحيط، فاحتل بها يوم الاثنين لسبعٍ بقين من جمادى الآخرة، وكان قد افتتَحَ في طريقه حصنَ الوقاع وتردَّدَت الفتوحاتُ في هذا العامِ بوقائِعَ كانت على أهلِ بطليوس، وافتُتِحَت فيه مدينة شاطبة من بلنسيَّة، ثم افتُتِحَت بطليوس في العامِ التالي.
القرامطة يسرقون الحجر الأسود ويعيثون الفساد في مكة .
العام الهجري : 317 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 930
تفاصيل الحدث:

لم يَشعُر الحُجَّاجُ في هذا العامِ إلَّا وأبو طاهرٍ سُلَيمانُ الجنابي القرمطي- لعنه الله-  قد خرج عليهم في جماعتِه يومَ الترويةِ، فانتهب أموالَهم واستباح قتالَهم، فقتَلَ في رحابِ مَكَّة وشعابِها وفي المسجِدِ الحرامِ وفي جوفِ الكعبةِ مِن الحُجَّاجِ خَلقًا كثيرًا، وجلس أميرُهم أبو طاهرٍ- لعنه الله- على باب الكعبة، والرجالُ تُصرَعُ حوله، والسيوفُ تَعمَلُ في الناس في المسجدِ الحرام في الشَّهرِ الحرام في يومِ التَّروية، فكان الناسُ يَفِرُّون منهم فيتعَلَّقونَ بأستار الكعبة فلا يُجدي ذلك عنهم شيئًا، بل يُقتَلون وهم كذلك، فلما قضى القرمطي- لعنه الله- أمْرَه، وفعل ما فعل بالحَجيجِ مِن الأفاعيلِ القبيحة، أمَرَ أن تدفن القتلى في بئرِ زمزم، ودفَنَ كثيرًا منهم في أماكِنِهم من الحرم، وفي المسجِدِ الحرام، وهدم قُبَّة زمزم وأمر بقلعِ باب الكعبةِ، ونزع كِسوتَها عنها، وشَقَّقَها بين أصحابه، وأمر رجلًا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتَلِعَه، فسقط على أمِّ رأسِه فمات إلى النَّار، فعند ذلك انكَفَّ الخبيث عن الميزاب، ثم أمر بأن يُقلَعَ الحجَرُ الأسود، فجاءه رجل فضربه بمِثقلٍ في يده، وقال: أين الطيرُ الأبابيلُ، أين الحجارةُ من سِجِّيل؟ ثم قلع الحجَرَ الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادِهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردُّوه، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجِعونَ، ولَمَّا رجع القرمطي إلى بلادِه ومعه الحجر الأسود وتبعه أميرُ مَكَّة هو وأهل بيتِه وجُنده، وسأله وتشفَّعَ إليه أن يرُدَّ الحجَرَ الأسود ليُوضَعَ في مكانه، وبذَلَ له جميعَ ما عنده من الأموالِ، فلم يلتَفِتْ إليه، فقاتله أميرُ مكَّةَ فقَتَله القرمطي، وقتَلَ أكثَرَ أهلِ بيته، وأهل مكة وجنده، واستمَرَّ ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجَرُ الأسود وأموالُ الحجيج، وذكر ابن الأثير أنَّ عُبيدَ الله المهدي بإفريقيةَ كتب إلى أبي طاهرٍ يُنكِرُ عليه ذلك ويلومُه ويلعَنُه، ويقيم عليه القيامة، ويقول: "قد حَققتَ على شيعتِنا ودُعاةِ دَولتِنا اسمَ الكُفرِ والإلحادِ بما فعلْتَ، وإن لم تَرُدَّ على أهلِ مَكَّةَ وعلى الحُجَّاجِ وغَيرِهم ما أخذتَ منهم، وتَرُدَّ الحَجَرَ الأسودَ إلى مكانه، وتَرُدَّ كِسوةَ الكعبةِ، فأنا بريءٌ منك في الدُّنيا والآخرة". فلمَّا وصَلَه هذا الكتابُ أعاد الحجرَ الأسودَ على ما نذكُرُه، واستعاد ما أمكَنَه من الأموالِ مِن أهل مكة، فرَدَّه، وقال: إنَّ النَّاسَ اقتَسَموا كِسوةَ الكَعبةِ وأموالَ الحُجَّاج، ولا أقدِرُ على مَنعِهم.
نفي الرجالة من بغداد .
العام الهجري : 318 العام الميلادي : 930
تفاصيل الحدث:

طرد الخليفةُ الرَّجَّالةَ وهم المُشاة من الجيش الذين كانوا بدارِ الخلافةِ عن بغداد، وذلك أنَّه لَمَّا رَدَّ المُقتَدِر إلى الخلافة شَرَعوا ينفسونَ بكلامٍ كثيرٍ عليه، ويقولون: من أعان ظالِمًا سَلَّطَه اللهُ عليه، ومن أصعد الحِمارَ على السَّطحِ يقدِرُ أن يُطيحَه، فأمر بإخراجِهم ونفيِهم عن بغداد، ومن أقام منهم عُوقِبَ، فأُحرِقَت دورٌ كثيرةٌ مِن قراباتِهم، واحتَرَق بعضُ نسائهم وأولادهم، فخرجوا منها في غايةِ الإهانةِ، فنزلوا واسِطَ وتغَلَّبوا عليها وأخرجوا عامِلَها منها، فرَكِبَ إليهم مؤنِسٌ الخادِمُ فأوقع بهم بأسًا شديدًا، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فلم يَقُم لهم بعد ذلك قائمةٌ.
بداية قيام دولة بني حمدان بالموصل .
العام الهجري : 318 العام الميلادي : 930
تفاصيل الحدث:

يعودُ أصلُ الحمدانيِّينَ على بني تغلبَ، وكان من القادة البارزينَ منهم الحُسَينُ بنُ حمدان الذي قاد حروبًا ضِدَّ القرامطة، وكان المقتَدِرُ ولَّاه قمَّ وقاشان، وأما أبو الهيجاءِ عبدالله بن حمدان فكان مع المقتَدِر إلى أن قُتِلَ يوم أن عُزِلَ المقتدر من الخلافة، وكان الحسَنُ بن عبدالله بن حمدان على الموصِل، ثم عُزِلَ ووليها عمَّاه سعيد ونصر ابنا حمدان، ووليَ ناصِرُ الدولة ديارَ ربيعة، ونَصِيبين، وسِنجار، والخابور، ورأس عين، ومعها، من ديار بكر، ميافارقين وأرزن، وقام نصرُ بن حمدان بتولي أمرِ الموصل بعد أن هربَ إليها من المقتَدِر، وكانت هذه الحوادِثُ وما يليها بدايةً لقيام هذه الدولة التي بقيت إلى عام 358.
الناصر أمير الأندلس يغزو مدينة طُلَيطلة .
العام الهجري : 318 العام الميلادي : 930
تفاصيل الحدث:

بعد أن افتتَحَ أميرُ المُؤمِنينَ النَّاصِرُ بطليوس في هذا العامِ عزَمَ على غزو طُلَيطلة في جيشٍ كثيرٍ وعَدَدٍ جمٍّ، فأخرج معهم أهلَ الثِّقةِ مِن خِدمتِه والأمانةِ مِن فُقَهاءِ مِصْرِه إلى أهل طُلَيطلة، مُعذِرًا إليهم، داعيًا لهم إلى الطاعة والدخولِ فيما صارت إليه الجماعةُ، إذ كانوا لا يؤدُّون جبايةً، ولا يلتَزِمون طاعةً، ولا يتناهون عن مُنكَرٍ ولا معصيةٍ، وأمَرَهم بمحاصرتها واحتلالِها، حتى يلحَقَ بهم بجيوشِه وصنوفِ حَشَمِه، فلما احتَلَّ النَّاصِرُ في طريقِه مَحلَّة الغدر، وقَرُب من حصن مورة الذي كان اتَّخذه أهلُ طُلَيطِلة شَجًا على المسلمين ومُستراحًا للمُفسدين؛ قَدِمَ إليه من أنذر صاحِبَ الحِصنِ وخَوَّفَه، وأمره بالخروجِ عن الحِصنِ وإسلامِه. فبدر إلى ذلك بدرًا لِما لم يَجِدْ منه بُدًّا، ولا في الامتناعِ طَمعًا، ونزل عن الِحصنِ، وأمر الناصِرَ بضَبطِه، ثم نهض بجيوشِه المؤيِّدة، وعزيمتِه الماضية، حتى احتَلَّ مَحلَّةَ جرنكش بقرب طليطلة، فأشرف مِن مَحلَّتِه هذه على سَهلةِ طُلَيطِلة ونَهرِها، وأجنَّتها وكُرومِها، ودَبَّرَ رأيَه في أمكَنِ المواضِعِ مِن مُحاصَرتِها، وأقرَب الجهاتِ الآخذة بمَخنق أهلِها، وأخذ في نِكايةِ العُصاةِ، بما لم يَجرِ لهم على ظَنٍّ, وأقام بهذه المَحلَّةِ سَبعةً وثلاثين يومًا، يوالي فيها بنِكايتِهم، وقَطْعِ ثَمراتِهم، وتخريبِ قُراهم، وانتسافِ نَعَمِهم، وتحطيِم زُروعِهم. ثمَّ أمر بالبُنيانِ في جبل جرنكش لمدينةٍ سَمَّاها بالفتح، وقَدِمَ على الناصرِ بمَحلَّتِه على طُلَيطِلة صاحِبُ حصن قنيلش وصاحِبُ حِصنِ الفهمين، معتصِمَينِ بطاعته، فأمر بنَقلِهما إلى قرطبة، والتوسُّع عليهما ومكافأة نُزوعِهما وقَصدِهما. ثم قفل الناصِرُ عن مدينة طُلَيطِلة يومَ الخميس لسِتٍّ بَقِينَ مِن جمادى الآخرة، ودخل القَصرَ بقُرطبةَ يومَ الاثنين لأربعٍ خَلَونَ مِن رَجبٍ، وبَقِيَ في غزاتِه هذه ستينَ يومًا.
جيش العباسيين يصحب الحجيج إلى مكة خوفًا من القرامطة .
العام الهجري : 319 العام الميلادي : 931
تفاصيل الحدث:

في المحرم دخل الحَجيجُ بغداد، وقد خرج مؤنِسٌ الخادِمُ إلى الحجِّ فيها في جيشٍ كثيفٍ؛ خوفًا من القرامِطةِ، ففرح المسلمون بذلك وزُيِّنَت بغداد يومئذٍ وضُرِبَت الخيام والقِباب لمؤنسٍ الخادم، وقد بلغ مؤنسًا في أثناء الطريق أنَّ القرامطةَ أمامه، فعدل بالنَّاسِ عن الجادة، وأخذ بهم في شعابٍ وأوديةٍ أيَّامًا.
احتلال ملك الديلم مرداويج أصبهان وغيرها .
العام الهجري : 319 العام الميلادي : 931
تفاصيل الحدث:

استولى مرداويج مَلِكُ الدَّيلم على بلدِ الجبَلِ والرَّيِّ وغيرِهما، وأقبلت الدَّيلمُ إليه من كلِّ ناحية لبَذلِه وإحسانِه إلى جُندِه، فعَظُمَت جيوشُه، وكَثُرَت عساكِرُه، وكثُرَ الخراجُ عليه، فلم يَكفِه ما في يده، ففرَّق نوَّابَه في النواحي المجاورةِ له، فكان ممَّن سيَّرَه إلى همَذان ابنُ أختٍ له في جيشٍ كثير، وكان بها أبو عبدِ الله محمَّدُ بن خلف في عسكرِ الخليفة، فتحاربوا حروبًا كثيرة، وأعان أهلُ همذان عسكرَ الخليفة، فظَفِروا بالدَّيلم، وقُتل ابنُ أخت مرداويج، فسار مرداويج من الرَّيِّ إلى همذان، فلمَّا سمع أصحاب الخليفة بمسيره انهزموا من همذانَ، فجاء إلى همذان، ونزل على باب الأسدِ، فتحصَّنَ منه أهلُها، فقاتلهم، فظَفِرَ بهم وقتل منهم خلقًا كثيرًا، وأحرقَ وسبى، ثم رفعَ السيف عنهم وأمَّن بقيَّتَهم، فأنفذ المقتَدِر هارونَ بن غريب في عساكرَ كثيرةٍ إلى محاربته، فالتَقَوا بنواحي همذان، فاقتَتَلوا قتالًا شديدًا، فانهزم هارونُ وعسكَرُ الخليفة، واستولى مرداويج على بلاد الجبلِ جميعِها، وما وراء همذان، وسيَّرَ قائدًا كبيرًا من أصحابه يُعرَف بابن علَّان القزوينيِّ إلى الدينَوَر، ففتَحَها بالسيف، وقتل كثيرًا من أهلِها، وبلغت عساكرُه إلى نواحي حُلوان، فغَنِمَت ونهبت، وقتلت وسبت الأولادَ والنساء، وعادوا إليه، ثمَّ أنفذ مرداويج طائفةً أخرى إلى أصبهان، فملكوها واستولَوا عليها، وبنَوا له فيها مساكِنَ وبساتين، فسار مرداويج إليها فنزلها وهو في أربعينَ ألفًا، وقيل خمسينَ ألفًا، وأرسل جمعًا آخرَ إلى الأهواز، فاستولوا عليها وعلى خوزستان، وجَبَوا أموالَ هذه البلاد والنواحي، وقَسَّمَها في أصحابه، وجمعَ منها الكثيرَ فادَّخَره، ثمَّ إنَّه أرسل إلى المقتَدِر رسولًا يقرِّرُ على نفسِه مالًا على هذه البلاد كلِّها، ونزل للمُقتَدِر عن هَمذان وماه الكوفة، فأجابه المقتَدِر إلى ذلك، وقوطِعَ على مائتي ألف دينار كلَّ سنة.
عبدالرحمن الناصر يهدد الدولة العبيدية (الفاطمية) بأفريقيا .
العام الهجري : 319 العام الميلادي : 931
تفاصيل الحدث:

كاتَبَ موسى بن أبي العافية- صاحبُ المغرب- الأميرَ الناصر، ورَغِبَ في موالاته، والدخولِ في طاعته، وأن يستميلَ له أهواءَ أهل المغرب المجاورينَ له، فتقبله أحسَنَ قَبولٍ، وأمَدَّه بالخِلَعِ والأموال، وقوَّى يده على ما كان يحاوِلُه من حربِ ابنِ أبي العيش وغيره. فظهر أمرُ موسى من ذلك الوقت في المغرب، وتجمَّعَ له كثيرٌ من قبائل البربر، وتغلَّب على مدينة جراوة، وأخرج عنها الحسَنَ بنَ أبي العيش بن إدريس العلوي؛ وجَرَت بينهما حروبٌ عظيمة، وافتتح الناصِرُ مدينة سبتة، فملأها بالرِّجال، وأتقَنَها بالبُنيان. وبنى سورها بالكذان، وألزم فيها من رَضِيَه من قوَّادِه وأجناده، وصارت مِفتاحًا للغَربِ والعدوة من الأندلس، وباب إليها كما هي الجزيرة وطريف مفتاح الأندلس من العدوة، وقامت الخطبةُ في سبتة باسم أميرِ المؤمنين الناصر، فكان هذا سيطرةً على مضيقِ جبل طارق، وشَكَّل بذلك نوعَ تهديدٍ على الدَّولةِ الفاطميَّة.
القتال مع الروم .
العام الهجري : 319 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 931
تفاصيل الحدث:

أوقع ثمل متولي طرسوس بالرُّومِ وَقعةً عظيمةً، قتل منهم خلقًا كثيرًا وأسرَ نحوًا مِن ثلاثةِ آلاف، وغَنِمَ من الذهَبِ والفِضَّة والديباج شيئًا كثيرًا جِدًّا، ثم أوقع بهم مَرَّةً ثانيةً كذلك، وكتب ابنُ الديراني الأرمني إلى الرومِ يحُثُّهم على الدُّخولِ إلى بلادِ الإسلامِ ووعَدَهم النَّصرَ منه والإعانةَ، فدخلوا في جحافِلَ عظيمةٍ كثيرةٍ جِدًّا، وانضاف إليهم الأرمنيُّ فركب إليهم مُفلِحٌ غلامُ يوسُفَ بنِ أبي الساج وهو يومئذٍ نائبُ أذربيجان واتَّبَعه خلقٌ كثيرٌ مِن المتطوِّعة، فقصد أوَّلًا بلادَ ابنِ الديراني، فقتل من الأرمن نحوًا من مائةِ ألفٍ، وأسر خلقًا كثيرًا، وغنِمَ أموالًا جزيلةً، وتحصَّنَ ابنُ الديراني في قلعةٍ له هناك، وكاتَبَ الرومَ، فوصلوا إلى شميشاط، فحاصروها، فبعث أهلُها يستصرِخونَ سعيدَ بنَ حمدان نائبَ المَوصِل، فسار إليهم مُسرِعًا، فوجد الرومَ قد كادوا يفتَحونَها، فلمَّا عَلِموا بقدومه رحلوا عنها واجتازوا بمَلطية فنهبوها، ورجعوا خاسئينَ إلى بلادهم، ومعهم ابنُ نفيس المتنَصِّر، وقد كان من أهل بغداد ثمَّ تنصَّرَ بعد فشَلِ عَزلِ المُقتَدِر، وركب ابنُ حمدان في آثار القومِ، فدخل بلادَهم فقتل خلقًا كثيرًا منهم وأسر وغَنِمَ أشياءَ كثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...