حمل المصحف بكل صيغه

حمل المصحف

Translate

الجمعة، 4 نوفمبر 2022

ج72.وج73.أهل العراق يعودون للحج بعد أن توقف سنوات خوفاً من الأعراب العام الهجري : 413 العام الميلادي : 1022.

 ج72.وج73.أهل العراق يعودون للحج بعد أن توقف سنوات خوفاً من الأعراب العام الهجري : 413 العام الميلادي : 1022.
ج72. 
تفاصيل الحدث:

حجَّ النَّاسُ مِن العراقِ بعد أن توقَّفَ الحَجُّ مِن جِهةِ العِراقِ والشَّامِ وما وراءَ النَّهرِ؛ خوفًا من الأعرابِ الذين كانوا يَقطَعونَ الحَجَّ ويَنهَبونَ ويَقتُلونَ الحُجَّاجَ؛ حيث بقِيَ الأمرُ على ذلك عِدَّةَ سَنَواتٍ تُقارِبُ العَشرَ، لا يخرُجُ وَفدُ حَجٍّ مِن هذه المناطِقِ إلَّا من مصرَ والمغربِ واليمَنِ أحيانًا.
رجل من أتباع الباطنية يطعن الحجر الأسود ثلاث ضربات .
العام الهجري : 413 العام الميلادي : 1022
تفاصيل الحدث:

اتَّفَق أحَدُ المِصريِّينَ مِن أصحابِ الحاكِمِ مع جماعةٍ مِن الحُجَّاجِ المصريِّينَ على أمرٍ سُوءٍ، وذلك أنَّه لَمَّا كان يومُ النَّفرِ الأوَّلِ، طاف هذا الرجُلُ بالبَيتِ، فلما انتهى إلى الحَجَرِ الأسودِ جاء ليُقَبِّلَه فضَرَبه بدبوسٍ كان معه ثلاثَ ضَرَباتٍ مُتَوالياتٍ، وقال: إلى متى نعبُدُ هذا الحجَرَ؟ ولا مُحمَّدٌ ولا عليٌّ يَمنَعُني ممَّا أفعله، فإنِّي أهدم اليومَ هذا البيتَ، وجعل يرتَعِدُ، فاتَّقاه أكثَرُ الحاضرينَ وتأخَّروا عنه؛ وذلك لأنَّه كان رجُلًا طُوالًا جَسيمًا، وعلى باب المسجِدِ الحَرامِ جَماعةٌ مِن الفُرسان وُقوفٌ لِيَمنعوه ممَّن يريدُ مَنْعَه من هذا الفِعلِ وأراده بسُوءٍ، فتقَدَّمَ إليه رجلٌ مِن أهلِ اليَمَنِ معه خِنجَرٌ فوَجَأَه به، وتكاثَرَ النَّاسُ عليه فقَتَلوه وقَطَّعوه قِطَعًا، وحَرَّقوه بالنَّارِ، وتَتَّبَعوا أصحابَه فقتلوا منهم جماعةً، ونَهَبَت أهلُ مَكَّةَ الرَّكبَ المصريَّ، وتعدَّى النَّهبُ إلى غيرهم، وجَرَت خبطةٌ عَظيمةٌ، وفِتنةٌ كبيرةٌ جِدًّا، ثم سكَنَ الحالُ بعد أن تُتُّبِعَ أولئك النَّفَرُ الذين تمالَؤوا على الإلحادِ في أشرَفِ البلادِ، غيرَ أنَّه قد سقط من الحَجَرِ ثلاثُ فِلَقٍ مِثل الأظفارِ، وبدا ما تحتَها أسمَرَ يَضرِبُ إلى صُفرةٍ، مُحَبَّبًا مثل الخَشخاشِ، فأخذ بنو شيبةَ تلك الفِلَقَ فعَجَنوها بالمِسْكِ وحَشَوا بها تلك الشُّقوقَ التي بَدَت، فاستمسَكَ الحَجَرُ.
وفاة الشيخ المفيد ابن المعلم شيخ الإمامية الرافضة .
العام الهجري : 413 العام الميلادي : 1022
تفاصيل الحدث:

عالمُ الرَّافِضةِ، صاحِبُ التَّصانيفِ: أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ محمد بن القاضي النعمان البغدادي الكَرْخي بن محمد المغربي، المعروفُ بابنِ المعَلِّم أو الشَّيخ المُفيد شيخ الإماميَّة الرَّوافض، والمُصَنِّف لهم، والمُحامي عن حوزتِهم، صاحِب فُنونٍ وبحوثٍ وكلام، واعتزالٍ وأدبٍ. قال الذهبي: "ذكَرَه ابن أبي طي في "تاريخ الإماميَّة"، فأطنب وأسهب، وقال: كان أوحَدَ في جميعِ فُنونِ العلم: الأصلينِ، والفِقه، والأخبار، ومعرفة الرِّجال، والتفسير، والنحو، والشعر". كانت له وَجاهةٌ عند ملوك الأطرافِ، وكان مَجلِسُه يَحضُرُه خَلقٌ كَثيرٌ مِن العُلَماءِ مِن سائر الطوائِفِ، وكان من جُملةِ تلاميذِه الشَّريفُ الرَّضِيُّ، والمرتضى، له تصانيفُ؛ منها: الإرشادُ، والرسالة المُقنِعة، والإعلام فيما اتَّفَقَت عليه الإماميَّة من الأحكامِ وغيرها. كان يُناظِرُ أهلَ كُلِّ عقيدةٍ مع ما له من العَظَمةِ في الدَّولة البُويهيَّة، والرُّتبة الجَسيمة عند الخُلَفاء، وكان قويَّ النَّفسِ، كثيرَ البِرِّ، عظيمَ الخُشوعِ، كثيرَ الصَّلاة والصَّوم، يَلبَسُ الخَشِنَ من الثياب، وكان مُديًما للمطالعةِ والتَّعليمِ، ومن أحفَظِ الناس. قيل: "إنَّه ما ترك للمُخالفينَ كِتابًا إلَّا وحَفِظَه، وبهذا قَدَرَ على حَلِّ شُبَهِ القَومِ، وكان مِن أحرَصِ النَّاسِ على التَّعليم؛ يدورُ على المَكاتبِ وحوانيتِ الحاكَةِ، فيتلَمَّحُ الصبيَّ الفَطِنَ، فيستأجرُه من أبويه- يعني فيُضِلُّه- وبذلك كَثُر تلامِذتُه". ربما زاره عَضُدُ الدَّولة، وكان يقضي حوائجَه ويقول له: اشفَعْ تُشَفَّع، وكان يقومُ لتلامذتِه بكُلِّ ما يحتاجونَ إليه. وكان الشَّيخُ المفيد ربعةً نحيفًا، أسمرَ، وما استغلَقَ عليه جوابٌ إلَّا فَزِعَ إلى الصلاة، ثم يسألُ اللهَ فيُيَسِّرُ له الجواب. عاش ستًّا وسبعين سنة، وصَنَّف أكثَرَ من مِئَتي مُصَنَّف، وشَيَّعَه ثمانون ألفًا، وكانت جنازتُه مشهودة. قال الذهبي: "بلَغَت تواليفُه مِئَتين، لم أقِفْ على شيءٍ منها، ولله الحَمدُ"
وفاة ابن البواب الكاتب المشهور .
العام الهجري : 413 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1022
تفاصيل الحدث:

الكاتِبُ المَشهورُ صاحِبُ الخَطِّ المنسوبِ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ هلالٍ البَغداديُّ، المعروف بابنِ البَوَّاب؛ ويقال له "ابن الستري" أيضًا؛ لأنَّ أباه كان بوَّابًا، والبَوَّاب ملازِمٌ سِترَ البابِ، فلهذا نُسِبَ إليهما. كان شَيخُه في الكتابةِ ابنَ أسَدٍ الكاتِبَ المَشهورَ، وهو أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ أسدِ بنِ عليِّ بنِ سَعيدٍ القارئ الكاتب البزَّاز البغدادي. قال ابن كثيرٍ: "وقد أثنى على ابنِ البوَّابِ غَيرُ واحد في دينِه وأمانته، وأمَّا خَطُّه وطريقتُه، فهي أشهرُ مِن أن نُنَبِّهَ عليها، وخَطُّه أوضَحُ تعريبًا من خط الوزيرِ أبي عليِّ بنِ مُقلةَ الكاتبِ المَشهورِ، ولم يكُنْ بعدَ ابنِ مُقلةَ أكتَبُ منه، وعلى طريقتِه النَّاسُ اليومَ في سائِرِ الأقاليمِ إلَّا القَليلَ". قال ابنُ خَلِّكانَ: "لم يوجَدْ في المتقَدِّمينَ ولا المتأخِّرينَ مَن كَتَبَ مِثلَه ولا قارَبَه، وإن كان أبو عليٍّ ابنُ مُقلةَ الوزيرُ أوَّلَ مَن نَقَل هذه الطريقةَ مِن خَطِّ الكوفيِّينَ، وأبرَزَها في هذه الصُّورةِ، وله بذلك فضيلةُ السَّبقِ، وخَطُّه أيضًا في نهايةِ الحُسنِ، لكِنَّ ابنَ البوَّابِ هَذَّبَ طريقةَ ابنِ مُقلةَ ونَقَّحَها وكَساها طلاوةً وبَهجةً. والكُلُّ مُعتَرِفٌ لابنِ البوَّابِ بالتفَرُّد، وعلى منوالِه يَنسجونَ، وليس فيهم من يَلحَقُ شَأوَه ولا يَدَّعي ذلك، مع أنَّ في الخَلقِ مَن يدَّعي ما ليس فيه، ومع هذا فما رأَينا ولا سَمِعْنا أنَّ أحدًا ادَّعى ذلك، بل الجميعُ أقَرُّوا له بالسَّابقةِ وعَدَمِ المشاركة". توفِّي ابنُ البوَّاب ببغداد، ودُفِنَ جوارَ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ.
نهاية حكم بني حمود الطالبيين في الأندلس .
العام الهجري : 414 العام الميلادي : 1023
تفاصيل الحدث:

كان القاسِمُ بنُ حَمُّود بقُرطبةَ تَولَّى الحُكمَ بعد أخيه عليِّ بنِ حَمُّود, ثمَّ قام عليه ابنُ أخيه يحيى بنُ علي بن حمود بمالقةَ، فهرب القاسِمُ مِن قُرطبةَ بلا قتالٍ، وصار بأشبيليَّةَ، ثم عاد إليها مرَّةً أخرى، فبقي القاسِمُ بقُرطبةَ شُهورًا واضطَرَب أمرُه، وغَلَب ابنُ أخيه يحيى على المدينةِ المعروفةِ بالجزيرةِ الخضراءِ، وهي كانت مَعقِلَ القاسِمِ، وبها كانت امرأتُه وذخائِرُه، وغلب ابنُ أخيه الثاني إدريسُ بنُ علي صاحِبُ سبتةَ على طنجةَ، وهي كانت عُدَّةُ القاسِمِ يلجأُ إليها إن رأى ما يخافُه بالأندلس، ثمَّ إنَّ أهلَ قُرطبةَ زَحَفوا إلى البربرِ، فانهزم البربرُ عن القاسمِ وخَرَجوا من الأرباضِ كُلِّها في شعبان سنة 414، ولَحِقَت كلُّ طائفةٍ مِن البربرِ ببلَدٍ غَلَبَت عليه، وقصَدَ القاسِمُ أشبيليَّةَ وبها كان ابناه محمَّدٌ والحسن, فلمَّا عَرَفَ أهلُ أشبيليَّةَ خُروجَه عن قُرطُبة ومَجيئَه إليهم، طردوا ابنَيه ومن كان معهما مِن البربرِ وضَبَطوا البلَدَ وقَدَّموا على أنفُسِهم ثلاثةً مِن أكابِرِ البَلَدِ. لَحِقَ القاسِمُ بشَرِيش، واجتَمَعَ البَربرُ على تقديمِ ابنِ أخيه يحيى، فزَحَفوا إلى القاسِمِ فحاصروه حتى صار في قبضةِ ابنِ أخيه، وانفرَدَ ابنُ أخيه يحيى بولايةِ البربر. وبَقِيَ القاسِمُ أسيرًا عنده وعند أخيه إدريسَ بعده إلى أن مات إدريسُ، فقُتِلَ القاسمُ خَنقًا سنة 431، وحُمِلَ إلى ابنه محمَّدِ بنِ القاسم بالجزيرة، فدَفَنَه هناك. فكانت ولايةُ القاسِمِ منذ تسمَّى بالخلافةِ بقُرطبةَ إلى أن أسَرَه ابنُ أخيه سِتَّةَ أعوامٍ، ثم كان مقبوضًا عليه ستَّ عشرةَ سَنةً عند ابني أخيه يحيى وإدريس، إلى أن قُتِلَ. مات القاسِمُ وله ثمانون سنة، وله مِن الولد محمد والحسن، أمُّهما أميرةُ بنتُ الحَسَنِ بن قَنُّون بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وفاة الفيلسوف الصوفي أبو حيان التوحيدي .
العام الهجري : 414 العام الميلادي : 1023
تفاصيل الحدث:

هو أبو حيَّانَ عليُّ بن محمَّد بن العبَّاس البغدادي، الصوفي، صاحِبُ التَّصانيفِ، له مصنَّفاتٌ عديدةٌ في الأدبِ والفصاحةِ والفلسفةِ، له مصنَّفٌ كبيرٌ في تصوُّفِ الحكماءِ، وزهَّاد الفلاسفة، وكتابٌ سمَّاه البصائرَ والذخائرَ, وكان سيئَ الاعتقادِ، نفاه الوزيرُ أبو محمد المهلبي. ذكر ابن بابي في كتاب الخريدة والفريدة: "كان أبو حيان كذَّابًا، قليلَ الدين والوَرَع عن القَذفِ والمجاهَرة بالبُهتان، تعرَّضَ لأمور جِسامٍ من القَدحِ في الشريعة والقَولِ بالتعطيل، ولقد وقف سيدُنا الصاحِبُ كافي الكُفاة على بعضِ ما كان يدغلُه ويُخفيه من سوء الاعتقادِ، فطلبه ليقتُلَه، فهرب والتجأ إلى أعدائه، ونفَق عليهم بزُخرفه وإفكِه، ثم عثَروا منه على قبيحِ دخلته وسوء عقيدته وما يُبطِنُه من الإلحاد ويرومُه في الإسلام من الفساد، وما يُلصِقُه بأعلام الصَّحابة من القبائِحِ، ويضيفُه إلى السلف الصالح من الفضائح، فطلبه الوزيرُ المهلبي فاستتر منه، ومات في الاستتار، وأراح الله منه، ولم تؤثَرْ عنه إلا مَثلبةٌ أو مخزيةٌ. "
مسير السلطان مشرّف الدَّولة إلى بغداد .
العام الهجري : 414 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1023
تفاصيل الحدث:

سار السُّلطانُ مُشرفُ الدَّولة مُصعِدًا إلى بغداد من ناحيِة واسط، ورُوسِلَ القادِرُ باللهِ في البروزِ لتَلَقِّيه، فتلقَّاه من الزلاقة، ولم يكن تلقَّى أحدًا من الملوكِ قَبلَه. فرَكِبَ في الطيار، وعن جانبه الأيمَنِ الأميرُ أبو جعفر، وعن يسارِه الأميرُ أبو القاسمِ، وبين يديه أبو الحسَنِ عليُّ بنُ عبد العزيز، وحوالي القُبَّة الشريف أبو القاسم المرتضي، وأبو الحَسَن الزينبي، وقاضي القُضاة ابنُ أبي الشوارب، وفي الزبازب المسَوِّدة من العباسيِّين، والقضاة، والقُرَّاء، والعلماء، ونزل مُشرفُ الدَّولة في زبزبه بخواصِّه، وصعد إلى الطيار، فقَبَّلَ الأرض، وأُجلِسَ على كرسيٍّ، وسأله الخليفةُ عن خبره وكيف حالُه، والعسكَرُ واقِفٌ بأسره على شاطئِ دِجلةَ، والعامَّةُ في الجانبين. ثم قام مشرف الدَّولة فنزل إلى زبزبه، وأصعد الطيار.
محمود بن سبكتكين يفتح قلعة بالهند .
العام الهجري : 414 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1023
تفاصيل الحدث:

أوغلَ يَمينُ الدَّولة محمودُ بنُ سبكتكين في بلاد الهندِ، فغَنِمَ وقَتَل، حتى وصل إلى قلعةٍ على رأس جبَلٍ منيعٍ، ليس له مَصعدٌ إلَّا من موضعٍ واحدٍ، وهي كبيرةٌ تَسَعُ خلقًا، وبها خمسُمِئَة فيل، وفي رأسِ الجَبَلِ من الغَلَّات والمياه، وجميعِ ما يحتاجُ الناسُ إليه، فحصرهم يمينُ الدَّولة، وأدام الحِصارَ، وضَيَّق عليهم، واستمَرَّ القتال، فقُتِل منهم كثيرٌ، فلما رأَوا ما حلَّ بهم أذعنوا له، وطلبوا الأمان، فأمَّنَهم وأقَرَّ مَلِكَهم فيها على خراجٍ يأخُذُه منه، وأُهديَ له هدايا كثيرةٌ، منها طائِرٌ على هيئة القمريِّ مِن خاصيَّتِه إذا أُحضِرَ الطَّعامُ وفيه سُمٌّ دَمِعَت عينا هذا الطائِرِ وجرى منهما ماءٌ، ثم يتحَجَّرُ، فإذا حُكَّ وجُعِلَ على الجِراحاتِ الواسعةِ ألحَمَها.
عودة الحكم إلى بني أمية في الأندلس ثم صراعهم عليه .
العام الهجري : 414 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1023
تفاصيل الحدث:

لَمَّا انهَزَم البربر عن قُرطُبةَ مع أبي القاسِمِ، اتَّفَق رأيُ أهل قُرطُبة على رَدِّ الأمرِ إلى بني أميَّة، فاختاروا منهم ثلاثةً، وهم: عبدُ الرَّحمنِ بنُ هِشامِ بنِ عبد الجبَّار بن عبد الرَّحمن الناصر أخو المهديِّ، وسُليمانُ بنُ المرتضى، ومحمَّدُ بنُ عبد الرحمن بن هشام بن سليمان القائمُ على المهدي بن الناصر، ثم استقَرَّ الأمر لعبدِ الرَّحمنِ بن هشامِ بنِ عبد الجبَّار، فبويع بالخلافةِ لثلاثَ عَشرةَ ليلةً خلت لرمضان سنة 414هـ، وله اثنتان وعشرون سنةً، وتلَقَّبَ بالمُستَظهر، ثم قام عليه أبو عبدِ الرَّحمنِ مُحمَّدُ بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر مع طائفةٍ مِن أراذِلِ العَوامِّ فقُتِلَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ هشام، وذلك لثلاثٍ بَقِينَ مِن ذي القَعدةِ سَنةَ 414هـ، وتلَقَّب محمَّدُ بنُ عبد الرحمن هذا بالمُستكفي، وبويعَ له بالخِلافةِ.
تجديد البيعة لمشرف الدَّولة البويهي .
العام الهجري : 415 العام الميلادي : 1024
تفاصيل الحدث:

ألزم الوزيرُ أبو القاسِمِ المَغربيُّ الأتراكَ والمولَّدينَ لِيَحلِفوا لمُشَرف الدَّولةِ البويهي، وكَلَّف مُشرف الدَّولة المُرتضى ونِظام الحضرتَينِ أبا الحَسَن الزينبي، وقاضي القضاة، وأبا الحَسَن بن أبي الشوارب، وجماعةً مِن الشهود بالحضور، فظَنَّ الخليفةُ القادِرُ بالله أنَّ التحالُفَ لِنيَّةٍ مَدخولةٍ في حَقِّه، فبعث من دارِ الخليفةِ مَن منع الباقينَ بأن يحلِفوا، وأنكر على المُرتَضى والزينبي وقاضي القُضاة حُضورَهم بلا إذنٍ، واستُدْعُوا إلى دارِ الخلافة، وأُظهِرَ عَزمُ الخليفة على الرُّكوبِ, وبلغ ذلك إلى مُشرف الدَّولة، وانزعج منه، فتردَّدَت الرسائلُ بين الخليفةِ ومُشرف الدَّولة باستحالةِ أن يكون هذا الحَلِفُ ضِدَّه، وانتهى الأمرُ إلى أن حلَفَ مُشرف الدَّولة على الطَّاعةِ والمُخالَصة للخَليفةِ، وكان وقوعُ اليَمينِ في يومِ الخميسِ الحاديَ عَشَر من صفَر، وتولى أخْذَها واستيفاءَها القاضي أبو جعفرٍ السمناني، ثم حلَفَ الخليفةُ لِمُشرف الدَّولة.
فتنة بالكوفة بين العلويين والعباسيين .
العام الهجري : 415 العام الميلادي : 1024
تفاصيل الحدث:

وقَعَت بين المُختارِ أبي عليِّ بنِ عبيد الله العَلَويِّ وبين الزكيِّ أبي علي النهرسابسي، وأبي الحَسَن عليِّ بنِ أبي طالب بن عمر مُباينةٌ، فاعتضَدَ المُختارُ بالعباسيِّينَ، فساروا إلى بغدادَ، وشَكَوا ما يَفعَلُ بهم النهرسابسي، فتقَدَّمَ الخليفةُ القادِرُ باللهِ بالإصلاح بينهم مراعاةً لأبي القاسمِ الوَزيرِ المغربيِّ؛ لأنَّ النهرسابسي كان صديقَه، وابنُ أبي طالبٍ كان صِهرَه، فعادوا، واستعان كلُّ فريق ببني خفاجةَ، فأعان كلُّ فَريقٍ مِن الكوفيِّينَ طائفةً مِن خفاجة، فجرى بينهم قتالٌ، فظهر العَلويُّونَ، وقُتِلَ مِن العباسيِّينَ سِتَّةُ نَفَر، وأُحرِقَت دُورُهم ونُهِبَت، فعادوا إلى بغداد، ومَنَعوا من الخُطبةِ يومَ الجمعة، وثاروا، وقَتَلوا ابنَ أبي العبَّاس العلَويِّ وقالوا: إنَّ أخاه كان في جُملةِ الفَتَكة بالكوفة، فبرَز أمرُ الخليفةِ إلى المرتضى يأمُرُه بصرفِ ابنِ أبي طالب عن نقابةِ الكُوفةِ، ورَدِّها إلى المختارِ، فأنكر الوزيرُ المغربيُّ ما يجري على صِهرِه ابنِ أبي طالبٍ مِن العزل، وكان عند قرواش صاحبِ المَوصِل, فأرسلَ الخليفةُ القاضيَ أبا جعفرٍ السمناني في رسالةٍ إلى قرواش يأمُرُه بإبعادِ المغربيِّ عنه، ففعل، فسار المغربيُّ إلى ابنِ مَروانَ بديارِ بكرٍ، وغَضِبَ الخليفةُ على النهرسابسي، وبَقِيَ تحت السَّخَط إلى سنة ثماني عشرة وأربعمِئَة، فشَفِعَ فيه الأتراكُ وغَيرُهم، فرَضِيَ عنه، وحَلَّفَه على الطاعةِ فحَلَف.
المُعِزُّ بنُ باديس الصنهاجيُّ يقضي على فتنة زناتة بإفريقيَّةَ .
العام الهجري : 415 العام الميلادي : 1024
تفاصيل الحدث:

خرجَ بإفريقيَّةَ جَمعٌ كثيرٌ مِن زناتة -قبيلة أمازيغية-، فقَطَعوا الطَّريقَ، وأفسَدوا بقسطيلية ونفزاوة، وأغاروا وغَنِموا، واشتَدَّت شَوكتُهم، وكَثُرَ جَمعُهم، فسَيَّرَ إليهم المُعِزُّ بنُ باديس الصنهاجيُّ- صاحِبُ إفريقيَّة- جيشًا، وأمَرَهم أن يَجِدُّوا السَّيرَ ويَسبِقوا أخبارَهم، ففَعَلوا ذلك، وكَتَموا خبرهم، وطَوَوا المراحِلَ حتى أدرَكوهم وهم آمِنونَ مِن الطَّلَبِ، فوضعوا فيهم السَّيفَ، فقُتِلَ منهم خلقٌ كثيرٌ، وعُلِّقَ خَمسُمئة رأسٍ في أعناقِ الخُيولِ وسُيِّرَت إلى المعز، وكان يومُ دخولِها يومًا مَشهودًا.
قيام الدَّولة المرداسية في حلب .
العام الهجري : 415 العام الميلادي : 1024
تفاصيل الحدث:

مؤسِّسُ الدَّولةِ المرداسيَّة في حلَبٍ هو صالِحُ بنُ مرداس الذي لُقِّبَ أسدَ الدَّولة. وهو من بني كلابٍ، القبيلةِ العربيَّةِ التي كانت تَنزِلُ ضِفافَ الفُراتِ والجزيرة, وكان بالرَّحبةِ رَجلٌ مِن أهلها يُعرَفُ بابنِ محكان، فمَلَك البلدَ، واحتاجَ إلى من يجعَلُه ظَهرَه، ويستعينُ به على مَن يَطمَعُ فيه، فكاتَبَ صالِحَ بنَ مِرداس الكلابيَّ، فقَدِمَ عليه وأقام عنده مُدَّةً، ثمَّ إنَّ صالحًا عدا على ابنِ محكان فقتَلَه ومَلَك الرَّحبة, وفي سنة 399 كانت وقعةٌ بين أبي نصرِ بنِ لؤلؤٍ صاحِبِ حَلَب، وصالحِ بنِ مرِداس، وكان ابنُ لؤلؤ من موالي بنِي حمدان، فقَوِيَ على ولَدِ سَعدِ الدَّولة يخطُبُ للحاكِمِ صاحِبِ مِصرَ، ثمَّ فسد ما بينه وبين الحاكِمِ، فطَمِعَ فيه ابنُ مرداس، وبنو كلاب، وكانوا يطالِبونَه بالصِّلاتِ والخِلَع، ثمَّ إنهم اجتَمَعوا في خمسمِئَة فارس، ودخلوا مدينةَ حَلَب، فأمر ابنُ لؤلؤ بإغلاقِ الأبوابِ والقَبضِ عليهم، فقُبِضَ على مِئَة وعشرينَ رَجُلًا، منهم صالحُ بنُ مرداس، وحَبَسهم، وقتَلَ مِئَتين, وبَقِيَ صالِحُ بنُ مِرداسَ في الحَبسِ، حتى صَعِدَ مِن السور وألقى نفسَه مِن أعلى القلعةِ إلى تَلِّها, وسار بقَيدِه ولبنةِ حديدٍ في رِجلَيه، حتى وصل قريةً تُعرَفُ بالياسريَّة، فرأى ناسًا من العربِ فعَرَفوه وحَمَلوه إلى أهلِه بمرج دابق، فجمَعَ ألفَي فارسٍ وقصَدَ حَلَب وحاصَرَها اثنين وثلاثين يومًا، فخرجَ إليه ابنُ لؤلؤ، فقاتَلَه، فهَزَمَهم صالحٌ وأسَرَ ابنَ لؤلؤ، وقيَّدَه بقَيدِه الذي كان في رِجلِه ولَبِنَتِه. ثمَّ إنَّ ابنَ لؤلؤٍ بذَلَ لابنِ مرداسٍ مالًا على أن يُطلِقَه، فلمَّا استقَرَّ الحالُ بينهما أخذ رهائِنَه وأطلقَه، فلمَّا قُتِلَ الحاكِمُ العُبَيديُّ صاحِبُ مِصرَ، اجتمع حَسَّان أميرُ بني طي، وصالحُ بنُ مرداس أميرُ بني كلاب، وسِنانُ بنُ عليان، وتحالفوا، واتَّفَقوا على أن يكونَ مِن حَلَب إلى عانة لصالحٍ، ومِنَ الرَّملةِ إلى مصرَ لحَسَّان، ودمشقُ لسنان، فسار حسَّان إلى الرملةِ وأخَذَها من أنوشتكين نائِبِ الحاكِمِ، وقصَدَ صالِحٌ حَلَب، وبها إنسانٌ يُعرَفُ بابن ثعبان يتولَّى أمْرَها للمِصريِّينَ، وبالقلعةِ خادِمٌ يُعرَفُ بمَوصوفٍ، فأمَّا أهلُ البلدِ فسَلَّموه إلى صالحٍ؛ لإحسانِه إليهم، ولِسُوءِ سِيرةِ المِصريِّينَ معهم، وصَعِدَ ابنُ ثعبان إلى القلعةِ، فحَصَره صالحٌ بالقلعةِ، فغار الماءُ الذي بها، فلم يبقَ لهم ما يَشرَبونَ، فسَلَّمَ الجُندُ القلعةَ إليه، وذلك سنة 414، ومَلَك مِن بَعْلَبَكَّ إلى عانة، وأقام بحَلَب سِتَّ سنين إلى أن قُتِلَ على يدِ المِصريِّينَ سنة 420.
وفاة ابن النقيب مِن أئمَّةِ أهل السُّنَّة .
العام الهجري : 415 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1024
تفاصيل الحدث:

هو عُبَيدُ اللهِ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ الحُسَين أبو القاسِمِ الخَفَّاف، المعروف بابنِ النَّقيبِ. كان مِن أئمَّةِ السُّنَّة، قال الخطيبُ: "سألتُه عن مولِدِه فقال في سنة 305، وأذكُرُ مِن الخُلَفاءِ: المُقتَدِر، والقاهِرَ، والرضيَّ، والمُتَّقيَ لله، والمُستكفيَ، والمُطيع، والطَّائِعَ، والقادِرَ، والغالِبَ بالله، الذي خطَبَ له بولايةِ العَهدِ". وقيل إنَّه مَكَث دَهرًا طَويلًا يُصَلِّي الفجرَ بوُضوءِ العِشاءِ. كان شديدًا في السُّنَّةِ، حين بلَغَه مَوتُ ابنِ المُعَلِّم فَقيهِ الشِّيعةِ، سجَدَ لله شُكرًا وجلَسَ للتَّهنئةِ، وقال: "ما أبالي أيَّ وقتٍ مِتُّ بعد أن شاهَدْتُ مَوتَ ابنِ المُعَلِّم". توفِّيَ عن مِئَة وعشر سنينَ.
وفاة سلطان الدَّولة أبي شجاع بن بهاء الدَّولة البويهي .
العام الهجري : 415 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

هو مَلِكُ العِراقِ وفارس، سُلطانُ الدَّولة، أبو شُجاع، فناخِسرو بنُ بهاءِ الدَّولةِ خُرَّة فيروز بن عَضُد الدَّولة أبي شُجاع بن رُكنِ الدَّولة حسن بن بُوَيه الديلميُّ الشِّيعيُّ. وَلِيَ إمرةَ واسط لأبيه وبرَعَ في الأدبِ والأخبار والعربيَّة، وأكَبَّ على اللَّهوِ والخَلاعةِ. تملَّك بعد أبيه سنة 403، وهو صبيٌّ، فقُرئَ عَهدُ أبي شجاع من القادِرِ بالله، ولَقَّبه سُلطانَ الدَّولة, ثم أُحضِرَت الخِلَعُ وهي سبعٌ على العادة: عِمامةٌ سَوداءُ، وتاجٌ مُرصَّعٌ، وسَيفٌ، وسِواران، وطَوْق، وفَرَسان، ولِواءان عَقَدَهما القادِرُ بِيَدِه، وتلَفَّظَ بالحَلِفِ له بمَسمعٍ مِن الوزير أبي غالبٍ، وكبار الدَّولة, ووزَرَ لسُلطانِ الدَّولة فَخرُ الملك أبو غالب، واستخلَفَ ببغداد أخاه مُشرف الدَّولة أبا علي، وجعَلَ إليه إمارةَ الأتراك خاصَّةً، فحَسَّنوا له العِصيانَ، فاستولى مُشَرف الدَّولة على بغداد وواسط، وترَدَّد الأتراكُ إلى الديوان، فأمَرَ بقَطعِ الخُطبة لأخيه سُلطان الدَّولة، وأن يُخطَبَ له. ثمَّ تناقَضَت أمورٌ على سلطان الدَّولة، فكان يواصِلُ الشُّربَ حتى فسَدَ خُلُقُه، وطلب طبيبًا لفَصدِه، ففَصَده، ونَفذ قَضاءُ الله فيه، فمات بشيراز في شوال سنة 415 وله ثلاث وعشرون سنة، وكانت مُدَّة ملكه اثنتي عشرةَ سنة وأشهرًا, ولَمَّا مات، نَهَبَت الديلمُ ما قَدَروا عليه، وأشار عليهم الأوحَدُ بابنِه أبي كاليجار، فخُطِبَ له بخوزستان.
وفاة القاضي المعتزلي عبد الجبار .
العام الهجري : 415 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

القاضي أبو الحَسَنِ عبدُ الجَبَّار بنُ أحمدَ بنِ عبدِ الجَبَّار الهمذانيُّ شَيخُ المُعتَزِلة في عَصرِه، وَلِيَ القَضاءَ في الريِّ، وعُرِفَ بقاضي القُضاة، صاحِبُ التصانيفِ، مِن كبارِ فُقَهاءِ الشَّافعيَّة. كان مُنافِحًا عن المُعتَزِلة، وألَّفَ الكثيرَ في نُصرةِ مَذهَبِهم، مثل: كتاب التوحيد، والعدل، وله دلائلُ النبوة، والأمالي، وتنزيه القرآن، توفِّيَ في الرَّيِّ وقد ناهز التسعينَ عامًا.
الظاهر الفاطمي ينفي علماء المالكية وينشر مذهب الرافضة .
العام الهجري : 416 العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

أمَرَ الظَّاهِرُ بنُ الحاكِمِ العُبَيديُّ حاكِمُ مِصرَ بنَفيِ مَن وُجِدَ مِن الفُقَهاءِ المالكيَّة وغيرِهم. وأمَرَ الدُّعاةَ أن يُحفِّظوا النَّاسَ كِتابَ دعائِمِ الإسلامِ لابنِ بابويهِ القُمِّي الرَّافضي، وكتاب الوزير يعقوبَ بنِ كلس في الفقهِ على مذهَبِ آلِ البَيتِ، وفرَضَ الظَّاهِرُ لِمَن يحفَظُ ذلك مالًا، وجلسَ الدُّعاةُ بالجامِعِ للمُناظرة.
بداية هجوم الروم على جزيرة صقلية لأخذها من المسلمين .
العام الهجري : 416 العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

خرج الرُّومُ إلى جَزيرةِ صقليَّةَ في جمعٍ كثير، ومَلَكوا ما كان للمُسلمين في جزيرة قلورية، وهي مجاوِرةٌ لجزيرةِ صقليَّة، وشرعوا في بناءِ المساكِنِ يَنتَظِرونَ وُصولَ مراكِبِهم وجُموعِهم مع ابنِ أخت الملك، فبلغ ذلك المُعِزَّ بنَ باديس، فجهَّزَ أسطولًا كبيرًا أربعمِئَة قطعةٍ، وحَشَد فيها، وجمع خلقًا كثيرًا، وتطَوَّعَ جَمعٌ كثير بالجهاد؛ رغبةً في الأجرِ، فسار الأسطولُ حتى قَرُبَ مِن جزيرة قوصرة، وهي قَريبةٌ مِن بَرِّ إفْريقيَّة، فخَرَجَت عليهم ريحٌ شديدة، ونَوءٌ عظيمٌ، فغَرِقَ أكثَرُهم، ولم ينجُ إلا اليَسيرُ.
وفاة مشرف الدَّولة بن بويه ونهب بغداد .
العام الهجري : 416 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

هو المَلِك مُشرف الدَّولة أبو عليٍّ بنُ بهاءِ الدَّولة بنِ عَضُدِ الدَّولةِ بنِ بُوَيهِ الديلميُّ الشِّيعيُّ. كان فيه عَدلٌ في الجُملةِ. وكان له العِراقُ في وقتٍ وشيراز وكرمان، ولأخيه سُلطانِ الدَّولةِ صاحِبِ فارِسَ بُخارى ثمَّ اصطلحا. وتمَلَّكَ بعد مُشرف الدَّولة أخوه جلالُ الدَّولة ببغداد. توفِّيَ مُشرف الدَّولة بمرضٍ حادٍّ، وله أربعٌ وعشرون سنة، وكان مُلكُه خَمسَ سِنينَ وخمسة وعشرين يومًا، واستقَرَّ الأمرُ على توليةِ أخيه جلالِ الدَّولة أبي طاهرٍ، فخُطِبَ له على المنابِرِ، وهو بالبصرة. فخُلِعَ على شَرفِ الملك أبي سعدِ بنِ ماكولا وزيره، ولَقَّبَه علم الدين سعد الدَّولة، أمين الملة، شرف الملك، ثمَّ إنَّ الجُندَ عَدَلوا إلى الملك أبي كاليجار بن سلطان الدَّولةِ بنِ بهاء الدَّولة ونوَّهوا باسمه، وكان وليَّ عهدِ أبيه سلطانِ الدَّولة الذي استخلَفَه بهاءُ الدَّولة عليهم، فخُطِبَ لهذا ببغداد، وكوتِبَ جَلالُ الدَّولة بذلك، فأُصعِدَ مِن واسط.
كسر صنم الهنود الأعظم سومنات في الهند .
العام الهجري : 416 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

كان لأهلِ الهندِ صَنمٌ مَعروفٌ بسومنات يُعَظِّمونَه أشَدَّ التَّعظيمِ، ويقَدِّمونَ له مِن القَرابينِ ما لا يُقَدَّمُ لصَنَمٍ غَيرِه، وكان يمينُ الدَّولة كلَّما فتَحَ مِن الهندِ فتحًا، وكسَرَ صنمًا يقولُ الهنود: إنَّ هذه الأصنامَ قد سَخِطَ عليها سومنات، ولو أنَّه راضٍ عنها لأهلَكَ مَن تقَصَّدَها بسُوءٍ، وقد كانوا يَفِدونَ إليه مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، كما يفِدُ النَّاسُ إلى الكعبةِ بالبيتِ الحَرامِ، ويُنفِقونَ عنده النَّفَقاتِ والأموالَ الكثيرةَ التي لا تُوصَفُ ولا تُعَدُّ، وكان عليه من الأوقافِ عَشرةُ آلافِ قَريةٍ ومدينةٍ مشهورةٍ، وقد امتلأت خزائِنُه أموالًا، وعنده ألفُ رجُلٍ يَخدُمونَه، ومئاتُ الرِّجالِ يَحلِقونَ رُؤوسَ حَجيجِه، وكان عنده من المجاورينَ ألوفٌ يأكُلونَ مِن أوقافِه، فلَمَّا بلغ خبَرُ هذا الصَّنمِ وعُبَّادِه السُّلطانَ يَمينَ الدَّولةِ محمودَ الغَزنويَّ، عَزَمَ على غَزوِه وإهلاكِه, فاستخار اللهَ لِما بلَغَه مِن كَثرةِ الهُنودِ في طريقِه، والمفاوِز المُهلِكة، والأرض الخَطِرة، في تجَشُّم ذلك في جَيشِه، وعليه أن يقطَعَ تلك الأهوالَ، فانتَدَب معه ثلاثون ألفًا مِن المُقاتِلة مِمَّن اختارهم لذلك سِوى المتطَوِّعةِ، فسَلَّمَهم اللهُ حتى انتَهَوا إلى بلدِ هذا الوَثَن، ونزلوا بساحةِ عُبَّادِه، فإذا هو بمكانٍ بقَدرِ المدينةِ العظيمة، فما أسرَعَ أن مَلَكَه، وقتَلَ مِن أهله خمسينَ ألفًا وقلَعَ الوَثَن وأوقد تحته النَّارَ. قال ابنُ كثير: "ذكر غيرُ واحدٍ أنَّ الهنودَ بَذَلوا للسُّلطانِ مَحمود أموالًا جزيلةً لِيَترُكَ لهم هذا الصَّنمَ الأعظَمَ، فأشار من أشار مِن الأمراءِ على السلطان محمود بأخذِ الأموالِ وإبقاءِ هذا الصَّنَم لهم، فقال: حتى أستخيرَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، فلمَّا أصبَحَ قال: إنِّي فكَّرتُ في الأمرِ الذي ذُكِرَ، فرأيتُ أنَّه إذا نودِيتُ يومَ القيامةِ أين محمود الذي كسَرَ الصَّنَم، أحَبُّ إليَّ مَن أن يقالَ: الذي ترَكَ الصَّنَمَ لأجْلِ ما ينالُه من الدُّنيا! ثمَّ عَزَم رَحِمَه اللهُ فكَسَرَه، فوجد عليه وفيه مِن الجواهِرِ واللآلئِ والذَّهَبِ والجواهِرِ النَّفيسة ما يُنَيِّفُ على ما بَذَلوه له بأضعافٍ مُضاعَفةٍ، ونرجو مِن اللهِ له في الآخرةِ الثَّوابَ الجَزيلَ الذي مِثقالُ دانقٍ منه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها، مع ما حصَلَ له من الثَّناءِ الجَميلِ الدُّنيوي، فرَحِمَه اللهُ وأكرَمَ مَثواه", ثمَّ رحَلَ يَمينُ الدَّولة عائدًا إلى غزنة، فوصَلَها عاشِرَ صَفَر سنة 417.

============

ج . 73.
تسلط الأتراك والعيارين ببغداد .
العام الهجري : 417 العام الميلادي : 1026
تفاصيل الحدث:

كَثُرَ تسَلُّطُ الأتراك الجُندِ ببغداد، فأكثَروا مُصادراتِ النَّاسِ، وأخذوا الأموالَ، حتى إنَّهم فَرَضوا على الكَرخِ خاصَّةً مِئَة ألف دينار، وعَظُم الخَطبُ، وزاد الشَّرُّ، وأُحرِقَت المنازِلُ والدُّروبُ والأسواقُ، ودخل في الطَّمَعِ العامَّةُ والعيَّارون- والعَيَّارون: لصوصٌ يَمتَهِنونَ النَّهبَ والدعارةَ -، فكانوا يدخُلونَ على الرَّجُلِ فيُطالِبونَه بذخائِرِه، كما يفعَلُ السُّلطانُ بمن يُصادِرُه، فعَمِلَ النَّاسُ الأبوابَ على الدروب، فلم تغْنِ شيئًا، ووقَعَت الحربُ بين الجُندِ والعامَّةِ، فظَفِرَ الجُندُ التُّركُ، ونَهَبوا الكرخَ وغَيرَه، فأُخِذَ منه مالٌ جليلٌ، وهلك أهلُ السِّترِ والخَيرِ، فلمَّا رأى القُوَّادُ وعُقَلاءُ الجُندِ أنَّ المَلِكَ أبا كاليجار لا يَصِلُ إليهم، وأنَّ البلادَ قد خَرِبَت، وطَمِعَ فيهم المُجاوِرونَ مِن العَرَب والأكراد، راسَلوا جلالَ الدَّولة في الحضورِ إلى بغداد، فحَضَر في السَّنةِ التالية.
الصلح بإفريقية بين كتامة وزناتة وبين المعز بن باديس الصنهاجي .
العام الهجري : 417 العام الميلادي : 1026
تفاصيل الحدث:

ورَدَت رُسُلُ زناتة وكتامة إلى المعِزِّ بنِ باديس الصِّنهاجيِّ، صاحِبِ إفريقيَّةَ، يَطلُبونَ منه الصُّلحَ، وأن يَقبَلَ منهم الطَّاعةَ والدُّخولَ تحت حُكمِه، وشَرَطوا أنَّهم يَحفَظونَ الطَّريقَ، وأعطَوا على ذلك عُهودَهم ومواثيقَهم، فأجابهم إلى ما سألوا، وجاءت مَشيخةُ زناتة وكتامة إليه، فقَبِلَهم وأنزلهم ووصَلَهم، وبذَلَ لهم أموالًا جليلةً.
الهدنة بين الظاهر العبيدي الفاطمي حاكم مصر والروم .
العام الهجري : 418 العام الميلادي : 1027
تفاصيل الحدث:

وقَعَت الهُدنةُ بينَ مَلِك الروم قسطنطين الثَّامِن، والظَّاهِرِ العُبَيديِّ الفاطميِّ حاكِمِ مصرَ عن ديارِ مِصرَ والشام، وكُتِبَ بينهما كِتابٌ، وتفَرَّدَت الخُطبةُ للظاهِرِ ببلاد الرومِ، وفُتِحَ الجامِعُ الذي بقُسطنطينيَّة، وعُمِلَ له الحُصُر والقناديلُ، وأقيم به مؤذِّنٌ، وعند ذلك أذِنَ الظَّاهِرُ في فتحِ كَنيسةِ القمامة التي بالقُدسِ، وسَمَحَ لهم بإعادةِ بنائها، فحَمَلَ إليها ملوكُ النصارى الأموالَ والآلاتِ، وأعادوها، وارتَدَّ إلى دينِ النَّصرانيَّةِ كثيرٌ ممَّن أسلَمَ كَرْهًا في أيَّامٍ الحاكمِ العُبَيديِّ، كما سَمِحَ لهم بإعادةِ بناءِ الكنائِسِ التي هُدِّمَت في أيَّامِ الحاكِمِ، إلَّا التي تحوَّلَت إلى مساجِدَ، كما تضَمَّنَت المُعاهَدةُ إطلاقَ أسرى والمَنْع من إعانةِ حَسَّان بن مفرج الجَرَّاح صاحِبِ الرَّملة الذي خرج على الظَّاهِرِ الفاطميِّ.
وفاة أبي إسحاق الإسفراييني .
العام الهجري : 418 العام الميلادي : 1027
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العَلَّامةُ الأستاذُ، رُكنُ الدِّينِ، الفَقيهُ الشافعيُّ، الشيخُ أبو إسحاقَ، إبراهيمُ بنُ مُحَمَّد بنِ إبراهيم بنِ مَهران الإسفرايينيِّ, مِن أئمَّةِ الشَّافعيَّة, متكَلِّمٌ أصوليٌّ بارِعٌ، وأحَدُ الأئمَّةِ المُجتَهِدينَ في عَصرِه. صاحِبُ التَّصانيفِ الباهرةِ، والتَّعليقاتِ النَّافِعةِ في أصولِ الفِقهِ، لُقِّبَ برُكنِ الدِّينِ، وهو أوَّلُ مَن تلَقَّبَ مِن الفُقَهاءِ على طريقةِ ألقابِ الحُكَّام، درَّسَ في نَيسابورَ واشتهَرَ فيها, وبُنِيَت له فيها مدرسةٌ مَشهورةٌ، حيث درَسَ عليه عامَّةُ شُيوخِها، له مُصَنَّفاتٌ عَديدةٌ، منها: الجامِعُ في أصولِ الدِّينِ، والرَّدُّ على المُلحِدينَ، ورسالةٌ في أصولِ الفِقهِ، له مناظَراتٌ معروفةٌ مع المعتزلةِ، توفِّيَ يومَ عاشوراءَ بنَيسابورَ، ونُقِلَ إلى إسْفرايين ودُفِنَ بها.
تنصيب هشام الثالث آخر الأمراء الأمويين في الأندلس .
العام الهجري : 418 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1027
تفاصيل الحدث:

لَمَّا انقَطَعَت دعوةُ يحيى بنِ عليٍّ الفاطميِّ عن قُرطُبةَ، أجمَعَ رأيُ أهلِ قُرطبةَ على ردِّ الأمرِ إلى بني أمَيَّة، وكان عَميدُهم في ذلك والذي تولَّى مُعظَمَه وسعى في تمامِه الوَزير أبا الحَزمِ جهور بنَ مُحمَّد بن جهور بن عبيد الله بن محمَّد بن الغمر بن يحيى بن عبد الغافر بن أبي عبدة، وقد كان ذهَبَ كُلُّ مَن يُنافِسُ في الرِّياسةِ في الفِتنةِ بقُرطُبةَ، فراسَلَ جهور من كان معه على رأيِه مِن أهلِ الثُّغورِ والمتَغَلِّبينَ هنالك على الأمورِ وداخلهم في هذا الأمرِ، فاتَّفَقوا بعد مُدَّةٍ طويلةٍ على تقديمِ أبي بكر هِشامِ بنِ مُحَمَّد بنِ عبد الملك بنِ عبدِ الرَّحمنِ الناصر، وهو أخو المرتضى، وكان هِشامٌ هذا مقيمًا بحِصنٍ في الثُّغورِ يُدعى ألبنت تحتَ إمرةِ أبي عبدِ اللهِ مُحَمَّد بن عبد الله بن قاسم القائِد المتغَلِّب بها، فبايعوه وتلَقَّبَ بالمعتَدِّ بالله.
وفاة الإمام اللالكائي .
العام الهجري : 418 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1027
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الحافِظُ المُجَوِّد، المُفتي: أبو القاسِمِ هِبةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ مَنصورٍ، الطَّبريُّ الرازيُّ، الشَّافعيُّ اللَّالَكائي، مفيدُ بغدادَ في وقته. وهو طبَريُّ الأصل، أحدُ تلامذةِ الشيخِ أبي حامدٍ الإسْفِرايينيِّ، كان يَفهَمُ ويَحفَظُ، وعُنِيَ بالحديثِ فصَنَّفَ فيه أشياءَ كثيرةً، ولكِنْ عاجَلَتْه المنيَّةُ قبل أن تشتَهِرَ كُتُبُه، وله كتابٌ في العقيدةِ على مَنهَجِ السَّلَفِ، وهو كتابُ: شَرح أصولِ اعتقادِ أهلِ السُّنَّة والجماعة، توفِّي بالدِّينَوَر.
شغب الجند الأتراك ببغداد على جلال الدَّولة .
العام الهجري : 419 العام الميلادي : 1028
تفاصيل الحدث:

ثار الجُندُ الأتراكُ ببغداد على جَلالِ الدَّولة البُويهيِّ الشِّيعيِّ، وشَغَّبوا، وطالبوا الوزيرَ أبا علي بنَ ماكولا بما لهم من العلوفةِ والأدرار، ونَهَبوا دارَه ودُورَ كُتَّاب المَلِك وحواشيه، حتى المُغَنِّينَ والمُخَنَّثين، ونَهَبوا صياغاتٍ أخرَجَها جلالُ الدَّولة لتُضرَبَ دنانيرَ ودراهِمَ، وتُفَرَّق فيهم، وحَصَروا جلالَ الدَّولة في داره، ومَنَعوه الطَّعامَ والماءَ، حتى شَرِبَ أهلُه ماءَ البئر، وأكَلوا ثمرةَ البُستانِ، فسألهم أن يُمَكِّنوه من الانحدارِ، فاستأجروا له ولأهلِه وأثقالِه سُفُنًا، فجَعَل بين الدارِ والسُّفُن سُرادقًا لتجتازَ حَرَمُه فيه، لئلَّا يراهم العامَّةُ والأجنادُ، فقصَدَ بعضُ الأتراكِ السُّرادِقَ، فظَنَّ جلالُ الدَّولة أنَّهم يريدونَ الحَرَم، فصاح بهم يقولُ لهم: بلَغَ أمرُكم إلى الحَرَمِ! وتقَدَّم إليهم فصاح صِغارُ الغِلمانِ والعامَّة: جلالُ الدَّولة يا منصورُ، ونزل أحدُهم عن فَرَسِه وأركَبَه إيَّاه، وقَبَّلوا الأرضَ بين يَدَيه، فلمَّا رأى قُوَّادُ الأتراك ذلك هربوا إلى خيامِهم بالرَّملة، وخافوا على نُفوسِهم، وكان في الخِزانةِ سِلاحٌ كثيرٌ، فأعطاه جلالُ الدَّولة أصاغِرَ الغِلمانِ وجعَلَهم عنده، ثمَّ أرسل إلى الخليفةِ ليُصلِحَ الأمرَ مع أولئك القُوَّاد، فأرسَلَ إليهم الخليفةُ القادِرُ بالله، فأصلح بينهم وبين جلالِ الدَّولة، وحَلَفوا، فقَبَّلوا الأرضَ بينَ يَدَيه، ورَجَعوا إلى منازِلِهم، فلم يمضِ غيرُ أيَّامٍ حتى عادوا إلى الشَّغبِ، فباع جلالُ الدَّولةِ فُرُشَه وثيابَه وخِيَمَه وفَرَّقَ ثَمَنَه فيهم حتى سَكَنوا.
الاختلاف بين الديلم والأتراك بالبصرة .
العام الهجري : 419 العام الميلادي : 1028
تفاصيل الحدث:

وَلِيَ النَّفيسُ أبو الفتحِ مُحمَّدُ بنُ أردشير البَصرةَ، استعمَلَه عليها جلالُ الدَّولة البُويهيُّ، فلمَّا وَصَل إلى المشان مُنحَدِرًا إليها، وقع بينه وبين الديلمِ الذين بالمشان وقعةٌ، فاستظهر عليهم وقَتَل منهم، وكانت الفِتَنُ بالبصرةِ بين الأتراك والديلم، وبها المَلِكُ العزيزُ أبو منصور بن جلال الدَّولة، فقَوِيَ الأتراكُ بها، فأخرجوا الدَّيلمَ، فمَضَوا إلى الأبلَّة، وصاروا مع بختيار بنِ عليٍّ، فسار إليهم المَلِكُ العَزيزُ بالأبلَّة ليُعيدَهم ويُصلِحَ بينهم وبين الأتراكِ، فكاشَفوه وحَمَلوا عليه، ونادَوا بشِعارِ أبي كاليجار، فعاد مُنهَزِمًا في الماءِ إلى البَصرةِ، ونَهَب بختيار نَهرَ الديرِ والأبلَّة وغيرهما من السَّوادِ، وأعانه الدَّيلمُ، ونَهَب الأتراك أيضًا، وارتكبوا المحظورَ، ونَهَبوا دارَ بنتِ الأوحَدِ بنِ مُكرم زوجةِ جلالِ الدَّولة.
وفاة قوام الدَّولة أبو الفوارس البويهي الشيعي صاحب كرمان .
العام الهجري : 419 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1028
تفاصيل الحدث:

هو قوام الدَّولة أبو الفوارِسِ بنُ بَهاءِ الدَّولة البُويهيُّ الدَّيلميُّ الشِّيعيُّ، صاحِبُ كرمان. في سنة410 قُرِئَ عَهدُ أبي الفوارس ولُقِّبَ قوام الدَّولة، وخُلِعَ عليه خِلَعًا حُمِلَت إليه بوِلايةِ كرمان. كان أبو الفوارِسِ قد تجَهَّزَ لِقَصدِ بلاد فارس، وجَمَع عسكرًا كثيرًا، فأدرَكَه أجَلُه، فلمَّا توفِّيَ نادى أصحابُه بشعارِ ابنِ أخيه المَلِك أبي كاليجار، وأرسلوا إليه يَطلُبونَه إليهم، فسار مُجِدًّا، ومَلَك البلادَ بغَيرِ حَربٍ ولا قتالٍ، وأمِنَ النَّاسُ معه، وكانوا يكرهونَ عمَّه أبا الفوارِسِ لظُلمِه وسُوءِ سِيرتِه، وكان إذا شَرِبَ ضَرَبَ أصحابَه، وضَرَب وزيرَه يومًا مِئَتي مقرعةٍ، وحَلَّفَه بالطَّلاقِ أنَّه لا يتأوَّهُ، ولا يخبِرُ بذلك أحدًا، فقيلَ إنَّهم سَمُّوه فمات.
كتاب محمود بن سبكتكين بما فعله بالباطنية وغلاة الرافضة .
العام الهجري : 420 العام الميلادي : 1029
تفاصيل الحدث:

وردَ إلى الخليفةِ القادِرِ بالله كِتابٌ مِن الأميرِ يَمينِ الدَّولة محمود بنِ سبكتكين الغزنوي أنَّه أحَلَّ بطائفةٍ مِن أهلِ الرَّيِّ مِن الباطنيَّة وغُلاة الرَّوافِضِ قَتلًا ذريعًا، وصَلبًا شَنيعًا، وأنَّه انتَهَب أموالَ رَئيسِهم رستُم بن علي الديلمي، فحصَلَ منها ما يُقارِبُ ألف ألف دينار، وقد كان في حيازتِه نحوٌ مِن خمسين امرأةً حُرَّة، وقد وَلَدْنَ له ثلاثًا وثلاثين ولدًا بين ذكَرٍ وأنثى، وكانوا يَرَونَ إباحةَ ذلك. وقد جاء في الكِتابِ: "إنَّ كِتابَ العَبدِ صَدَر مِن مُعسكَرِه بظاهِرِ الرَّيِّ غُرَّةَ جُمادى الآخرة سنة 420، وقد أزال اللهُ عن هذه البُقعةِ أيديَ الظَّلَمةِ وطَهَّرَها من دعوةِ الباطنيَّةِ الكَفَرة والمُبتَدِعة الفَجَرة، وقد كانت مدينةُ الرَّيِّ مَخصوصةً بالْتِجائِهم إليها وإعلانِهم بالدُّعاءِ إلى كُفرِهم، فيها يَختَلِطونَ بالمُعتَزِلة المُبتَدِعة، والغاليةِ مِن الرَّوافِضِ المُخالفةِ لِكِتابِ اللهِ والسُّنَّة، يتجاهرون بشَتمِ الصَّحابةِ ويُسِرُّونَ اعتقادَ الكُفرِ ومَذهَب الإباحة، وكان زعيمُهم رُستُم بنُ عليٍّ الدَّيلميُّ، فعطَفَ العَبدُ عِنانَه بالعساكرِ فطَلَع بجُرجان وتوقَّفَ بها إلى انصرافِ الشِّتاءِ، ثمَّ دَلَف منها إلى دامغان، ووجَّه عَلِيًّا الحاجب في مقَدِّمة العسكَرِ إلى الري، فبرز رُستُم بن علي على حُكمِ الاستسلامِ والاضطرارِ، فقُبِضَ عليه وعلى أعيانِ الباطنيَّةِ مِن قُوَّادِه, ثمَّ خرج الدَّيالِمة مُعتَرِفينَ بذُنوبِهم شاهِدينَ بالكُفرِ والرَّفضِ على نُفوسِهم، فرُجِعَ إلى الفُقَهاءِ في تعَرُّفِ أحوالهم، فاتَّفَقوا على أنَّهم خارِجونَ عن الطَّاعةِ وداخِلونَ في أهل الفَسادِ، مُستَمِرُّونَ على العنادِ، فيَجِبُ عليهم القَتلُ والقَطعُ والنَّفيُ على مراتِبِ جِناياتِهم، وذَكَر هؤلاء الفُقَهاءُ أنَّ أكثَرَ القَومِ لا يُقيمونَ الصَّلاةَ، ولا يُؤتُونَ الزَّكاةَ، ولا يَعرِفونَ شَرائِطَ الإسلامِ، ولا يُمَيِّزونَ بين الحلالِ والحرامِ، بل يجاهِرونَ بالقَذفِ وشَتمِ الصَّحابةِ، ويعتَقِدونَ ذلك ديانةً، والأمثَلُ منهم يتقَلَّدُ مذهَبَ الاعتزالِ، والباطِنيَّةُ منهم لا يُؤمِنونَ باللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخر، وأنَّهم يَعُدُّونَ جَميعَ المِلَلِ مَخاريقَ الحُكَماءِ، ويَعتَقِدونَ مَذهَبَ المَزدكيَّةِ: الإباحةَ في الأموالِ والفُروجِ والدِّماءِ، يَدَّعونَ الإسلامَ بإعلانِ الشَّهادةِ، ثمَّ يُجاهِرونَ بتَركِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، والصَّومِ والغُسلِ، وأكْلِ المَيتةِ، فقضى الانتصارُ لدينِ اللهِ تعالى بتَميُّزِ هؤلاء الباطنيَّةِ عنهم، فصُلِبوا على شارِعِ مدينةٍ طالَما تمَلَّكوها غَصبًا، واقتسموا أموالها نهبًا، وقد كانوا بذلوا أموالًا جَمَّةً يَفتَدونَ بها نُفوسَهم، وضَمَّ إليهم أعيانَ المُعتَزِلة والغُلاة مِن الرَّوافِضِ؛ ليتخَلَّصَ النَّاسُ من فِتنَتِهم، ثمَّ نَظَرَ فيما اختَزَنَه رُستم بن علي فعَثَر على أموالٍ طائلةٍ وأثاثٍ عظيمٍ. ومن الكُتُب خمسون حِملًا ما خلا كتُبَ المُعتَزِلة والفَلاسِفة والرَّوافِض، فأُحرِقَت تحت جُذوعِ المَصلوبين؛ إذ كانت أصولَ البِدَع، فخَلَت هذه البُقعةُ مِن دُعاةِ الباطنيَّةِ وأعيانِ المُعتَزِلة وغُلاةِ الرَّوافِضِ، وانتَصَرت السُّنَّة، فطالَعَ العبدُ بحقيقةِ ما يَسَّرَه اللهُ تعالى لأنصارِ الدَّولةِ القاهرةِ".
وقعة الأقحوانة بين الظاهر (الفاطمي) وبين حسان بن الجراح .
العام الهجري : 420 العام الميلادي : 1029
تفاصيل الحدث:

كان حَسَّانُ بنُ الجَرَّاح قد خرج على الحاكِمِ، وأمَدَّه الرُّومُ، ثمَّ إنَّ الظاهِرَ لَمَّا عقَدَ المُعاهَدةَ مع الرُّومِ كان منها عدَمُ إمدادِ حَسَّان، فلمَّا كانت هذه السَّنَةُ أرسل الظَّاهِرُ الفاطميُّ جَيشًا بقيادةِ أنوشتكين التركي لَمَّا بلَغَه أنَّ حَسَّان وسِنان بن عليان أميرَ بني كلابٍ وصالِحَ بنَ مرداس أميرَ حَلَب اتَّفَقوا على إخراجِ الفاطميِّينَ مِن الشَّامِ واقتسامِها بينهم، فكانت الحَربُ بين جيشِ الفاطميِّينَ وبينهم في موقِعٍ يُدعى الأُقحُوانة عند طبَريَّة، وكان من نتائِجِ الحَربِ مَقتَلُ صالحِ بنِ مِرداس وهُروب حسَّان ولجوئِه إلى الرُّوم.
الخليفة العباسي القادر يقرر مذهب اعتقاد أهل السنة والجماعة .
العام الهجري : 420 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1029
تفاصيل الحدث:

في الثَّامِنَ عَشَر مِن رَجَب جُمِعَ القُضاةُ والعُلَماءُ في دارِ الخلافة، وقُرِئَ عليهم كتابٌ كان القادِرُ بالله قد جمع فيه مواعِظَ وتفاصيلَ مذاهِبِ أهلِ البَصرةِ، وفيه الرَّدُّ على أهلِ البِدَع، وتَفسيقُ مَن قال بخَلقِ القُرآنِ، وصِفةُ ما وقع بين بِشرٍ المِريسيِّ وعبد العزيز بن يحيى الكِناني من المناظرة، ثمَّ خُتِمَ القَولُ بالمواعِظِ والقَولِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المُنكَرِ، وأخَذَ خُطوطَ الحاضرينَ بالمُوافقةِ على ما سَمِعوه، وفي يومِ الاثنينِ غُرَّةَ ذي القَعدةِ جُمِعوا أيضًا كُلُّهم، وقُرِئَ عليهم كتابٌ آخَرُ طويلٌ يتضَمَّنُ بيانَ السُّنَّة، والرَّدَّ على أهلِ البِدَعِ، ومُناظرةَ بِشرٍ المِريسي والكناني أيضًا، والأمر بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر، وفَضْل الصحابة، وذِكْر فضائلِ أبي بكرٍ الصِّديقِ وعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنهما، ولم يَفرُغوا منه إلَّا بعد العَتَمةِ، وأُخِذَت خُطوطُهم بموافقةِ ما سَمِعوه، وعَزَلَ خُطَباءَ الشِّيعةِ، وولَّى خُطَباءَ السُّنَّة، وجَرَت فِتنةٌ بمَسجدِ براثا، وضَرَبَ الشِّيعةُ الخطيبَ السُّنِّيَّ بالآجُرِّ، حتى كَسَروا أنفَه وخَلَعوا كَتِفَه، فانتصر له الخليفةُ، وأهانَ الشِّيعةَ وأذَلَّهم، حتى جاؤُوا يَعتَذِرونَ ممَّا صنعوا، وأنَّ ذلك إنَّما تعاطاه السُّفَهاءُ منهم.
سير قسطنطين ملك الروم إلى الشام وهلاك معظم جيشه بالعطش .
العام الهجري : 421 العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

خرج مَلِكُ الرُّومِ مِن القُسطنطينيَّةِ في ثلاثمِئَة ألفِ مقاتلٍ إلى الشام، فلم يَزَلْ بعساكِرِه حتى بلغوا قريبَ حَلَب، وصاحِبُها شبل الدَّولةِ نَصرُ بنُ صالحِ بنِ مرداس، فنزلوا على يومٍ منها، فلَحِقَهم عطَشٌ شَديدٌ، وكان الزَّمانُ صَيفًا، وكان أصحابُه مختَلِفينَ عليه، فمِنهم من يحسُدُه، ومنهم من يَكرَهُه، وممَّن كان معه ابنُ الدوقس، ومِن أكابِرِهم، وكان يريدُ هلاكَ المَلِك لِيَملِكَ بعده، فقال المَلِكُ: الرأيُ أن نقيمَ حتى تجيءَ الأمطارُ وتَكثُرَ المياه. فقَبَّحَ ابنُ الدوقس هذا الرأيَ، وأشار بالإسراعِ قَصدًا لشَرٍّ يتطَرَّقُ إليه، ولتدبيرٍ كان قد دبَّرَه عليه. فسار، ففارَقَه ابنُ الدوقس وابنُ لؤلؤٍ في عشرة آلافِ فارسٍ، وسلكوا طريقًا آخَرَ، فخَلا بالمَلِك بعضُ أصحابِه وأعلَمَه أنَّ ابنَ الدَّوقس وابنَ لؤلؤ قد حالفا أربعينَ رَجُلًا، هو أحدُهم، على الفَتكِ به، واستشعَرَ مِن ذلك وخاف، ورحَلَ مِن يومِه راجعًا، ولَحِقَه ابنُ الدوقس، وسأله عن السَّبَبِ الذي أوجَبَ عَودَه، فقال له: قد اجتمَعَت علينا العَرَبُ وقَرُبوا منا، وقَبَضَ في الحالِ على ابنِ الدَّوقسِ وابنِ لؤلؤ وجماعةٍ معهما، فاضطرب النَّاسُ واختلفوا، ورحَلَ المَلِكُ، وتَبِعَهم العَرَبُ وأهلُ السوادِ حتى الأرمن يقتُلونَ ويَنهَبونَ، وأخذوا من المَلِكِ أربعَمِئَة بغلٍ مُحَمَّلة مالًا وثيابًا، وهَلَك كثيرٌ مِن الرومِ عَطَشًا، ونجا المَلِكُ وحده، ولم يَسلَمْ معه من أموالِه وخزائِنِه شيءٌ البتَّةَ، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}، وقيلَ في عودِه غيرُ ذلك، وهو أنَّ جَمعًا من العَرَبِ ليس بالكثيرِ عَبَرَ على عَسكَرِه، وظَنَّ الرُّومُ أنَّها كبسةٌ، فلم يَدرُوا ما يفعلونَ، حتى إنَّ مَلِكَهم لَبِسَ خُفًّا أسودَ، وعادةُ مُلوكِهم لُبسُ الخُفِّ الأحمَرِ، فتَرَكه ولَبِسَ الأسودَ لِيُعَمِّيَ خَبَرَه على مَن يريدُه، وانهزموا، وغَنِمَ المسلمونَ جميعَ ما كان معهم.
وفاة يمين الدَّولة محمود بن سبكتكين الغزنوي وعهده إلى ابنه محمد .
العام الهجري : 421 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

هو يَمينُ الدَّولةِ، فاتِحُ الهِندِ: أبو القاسِمِ، المَلِكُ السُّلطانُ مَحمودُ بنُ سَيِّد الأمراءِ ناصِر الدَّولةِ سبكتكين، التُّركيُّ، صاحِبُ خُراسان والهِند. وُلِدَ في غزنة سنةَ 361. كان- رحمه الله- صادِقَ النِّيَّة في إعلاءِ الدِّينِ، مُظَفَّرًا كثيرَ الغَزوِ، وكان ذكيًّا بعيدَ الغَورِ، صائِبَ الرَّأيِ، وكان مَجلِسُه مَورِدَ العُلَماءِ. كان والِدُه أبو منصورٍ سبكتكين قد تولَّى إمرةَ غزنة بعد وفاةِ واليها ابنِ السكين, فتمكَّنَ فيها وعَظُمَ أمْرُه، ثمَّ أخَذَ يُغيرُ على أطرافِ الهِندِ، وافتتح قِلاعًا، وتَمَّت له ملاحِمُ مع الهنودِ، وافتَتَح ناحيةَ بُست، وكان سبكتكين ناصِرًا للسُّنَّة وقامِعًا للبِدعةِ, ولَمَّا مات سنة 387، تولَّى حُكم غزنةَ ابنُه محمود بعد نزاعٍ مع أخيه إسماعيلَ الذي كان والدُهما عَهِدَ له مِن بعده. حارب محمودٌ النوَّابَ السامانيِّينَ، وخافَتْه الملوكُ. وضَمَّ إقليمَ خُراسان، ونفَّذ إليه الخَليفةُ العباسيُّ القادِرُ بالله خِلَعَ السَّلْطنةِ، ولَقَّبَه يمينَ الدَّولة، وفَرَضَ على نفسِه كُلَّ سَنةٍ غَزوَ الهندِ، فافتتح بلادًا شاسعةً منها، وكسَّرَ أصنامَ الهندِ، وأعظَمُها عند الهُنودِ سومنات. كان السُّلطانُ محمود رَبعةً، فيه سِمَنٌ وشُقرةٌ، ولحيتُه مُستديرةٌ، غَليظَ الصَّوتِ، وفي عارِضَيه شَيبٌ, وكان مُكْرِمًا لأمرائِه وأصحابِه، وإذا نَقِمَ عاجَلَ، وكان لا يَفتُرُ ولا يكادُ يَقِرُّ. كان يعتَقِدُ في الخليفة العباسيِّ القادِرِ بالله، ويخضَعُ لجَلالِه، ويحمِلُ إليه قناطيرَ مِن الذَّهَب، وكان إلبًا على القرامِطةِ والإسماعيليَّةِ، والفلاسِفةِ المتكَلِّمةِ، وكان فيه شِدَّةُ وطأةٍ على الرعيَّة؛ لكِنْ كانوا في أمنٍ وإقامةِ سياسةٍ. من سلاطينِ ومُلوك الإسلامِ الذين كان لهم دَورٌ عَظيمٌ في نَشرِ السُّنَّةِ وقَمعِ البِدعةِ, قال ابنُ كثير: "في سنة 408 استتاب القادِرُ باللهِ الخَليفةُ فُقَهاءَ المُعتَزِلة، فأظهروا الرُّجوعَ وتبَرَّؤوا من الاعتزالِ والرَّفضِ والمقالاتِ المُخالِفةِ للإسلامِ، وأمَرَ عُمَّالَه بالمِثلِ, فامتَثَلَ محمودُ بنُ سبكتكين أمْرَ أميرِ المؤمنين في ذلك, واستَنَّ بسُنَّتِه في أعمالِه التي استخلَفَه عليها من بلادِ خُراسانَ وغَيرِها في قَتلِ المُعتَزِلة والرَّافِضةِ والإسماعيليَّةِ والقَرامطة، والجَهميَّة والمُشَبِّهة، وصَلَبَهم وحَبَسَهم, ونفاهم وأمَرَ بلَعنِهم على المنابِرِ, وأبعَدَ جَميعَ طوائفِ أهلِ البِدَعِ، ونفاهم عن ديارِهم، وصار ذلك سُنَّةً في الإسلامِ" قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّة: "لَمَّا كانت مملكةُ مَحمودِ بنِ سبكتكين من أحسَنِ ممالِكِ بني جِنسِه، كان الإسلامُ والسُّنَّة في مملكَتِه أعَزَّ؛ فإنَّه غزا المُشرِكينَ مِن أهلِ الِهندِ، ونشَرَ مِن العدلِ ما لم ينشُرْه مِثلُه، فكانت السُّنَّةُ في أيامِه ظاهِرةً، والبِدَعُ في أيَّامِه مَقموعةً". قال ابنُ كثير: "كان يمينُ الدَّولة يخطُبُ في سائِرِ ممالِكِه للخليفةِ القادر بالله، وكانت رسُلُ الفاطميِّينَ مِن مصر تَفِدُ إليه بالكُتُبِ والهدايا لأجلِ أن يكونَ مِن جِهَتِهم، فيحرِقُ بهم ويحرِقُ كتُبَهم وهداياهم، وفتَحَ في بلاد الكُفَّارِ مِن الهند فتوحاتٍ هائلةً، لم يتَّفِقْ لغَيرِه من الملوكِ، لا قَبلَه ولا بعده، وغَنِمَ منهم مغانمَ كثيرةً لا تَنحَصِرُ ولا تنضَبِطُ، مِن الذَّهَب والمجوهرات، والسَّبْي، وكسَرَ مِن أصنامِهم شيئًا كثيرًا، وأخذ مِن حِليَتِها, ومِن جملةِ ما بلغ تَحصيلُه مِن سومنات أعظَمِ أصنامِهم مِن حُلِيِّ الذَّهَبِ عشرون ألف ألف دينار، وكَسَرَ مَلِكَ الهِندِ الأكبَر الذي يُقالُ له صينال، وقهَرَ مَلِكَ التُّركِ الأعظَم الذي يقال له إيلك الخان، وأباد مُلْكَ السَّامانيَّة، الذين ملكوا العالَمَ في بلاد سمرقند وما حولها، وبنى على جيحون جسرًا عظيمًا أنفَقَ عليه ألفي ألف دينار، وهذا شيءٌ لم يتَّفِقْ لغيره، وكان في جيشِه أربعُمِئَة فيلٍ تُقاتِلُ معه، وهذا شيءٌ عظيمٌ وهائِلٌ، وكان مع هذا في غايةِ الدِّيانةِ والصِّيانةِ وكراهةِ المعاصي وأهلِها، لا يحِبُّ منها شيئًا، ولا يألَفُه، ولا أن يَسمَعَ بها، ولا يَجسرُ أحَدٌ أن يُظهِرَ مَعصيةً ولا خَمرًا في مملَكتِه، ولا غير ذلك، ولا يُحِبُّ الملاهيَ ولا أهلَها، وكان يحِبُّ العُلَماءَ والمُحَدِّثين ويُكرِمُهم ويُجالِسُهم، ويحِبُّ أهلَ الخيرِ والدِّينِ والصَّلاح، ويُحسِنُ إليهم، وكان حنفيًّا ثمَّ صار شافعيًّا على يدي أبي بكرٍ القَفَّال الصغيرِ على ما ذكره إمامُ الحَرَمينِ وغَيرُه". ثمَّ إنَّه مَلَك سجستان سنة 393، بدخُولِ قُوَّادها وولاةِ أمورِها في طاعتِه مِن غَيرِ قِتالٍ, ولم يَزَلْ يفتَحُ بلادَ الهِندِ إلى أن انتهى إلى حيثُ لم تَبلُغْه في الإسلامِ رايةٌ، ولم تُتْلَ به سورةٌ قَطُّ ولا آية، فدحَضَ عنها أدناسَ الشِّركِ، وبنى بها مساجِدَ وجوامِعَ. توفِّيَ يمينُ الدَّولةِ أبو القاسِمِ محمودُ بنُ سبكتكين في ربيعٍ الآخِرِ، وقيل: في أحدَ عَشَر صَفَر، وكان مرضُه سوءَ مزاجٍ وإسهالًا، وبقي كذلك نحو سنتينِ، فلم يزَلْ كذلك حتى توفِّيَ قاعِدًا، فلمَّا حَضَره الموتُ أوصى بالمُلْك لابنِه مُحمَّد، وهو ببَلْخ، وكان أصغَرَ مِن مَسعود، إلَّا أنَّه كان مُعرِضًا عن مسعود؛ لأنَّ أمْرَه لم يكن عنده نافِذًا، وسعى بينهما أصحابُ الأغراضِ، فزادوا أباه نُفورًا عنه، فلَمَّا وصَّى بالمُلْكِ لولَدِه مُحَمَّد توفِّيَ، خُطِبَ لمحَمَّد من أقاصي الهندِ إلى نَيسابور، وكان لَقَبُه جلالَ الدَّولةِ، وأرسَلَ إليه أعيانُ دَولةِ أبيه يُخبِرونَه بموت أبيه ووصِيَّتِه له بالمُلك، ويَستَدعونَه، ويَحُثُّونَه على السُّرعةِ، ويُخَوِّفونَه مِن أخيه مسعود، فحين بلَغَه الخبَرُ سار إلى غزنة، فوصلها بعد موتِ أبيه بأربعينَ يومًا، فاجتَمَعَت العساكِرُ على طاعتِه، وفَرَّقَ فيهم الأموالَ والخِلَعَ النَّفيسةَ، فأسرف في ذلك. لكِنَّ أخاه مسعودًا نازَعَه الحُكمَ فانتزَعَه منه.
البيعة لأبي جعفر عبد الله بن القادر بالله بولاية العهد .
العام الهجري : 421 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

مَرِضَ الخليفةُ القادِرُ باللهِ، وأُرجِفَ بمَوتِه، فجلَسَ جُلوسًا عامًّا وأذِنَ للخاصَّةِ والعامَّةِ فوَصَلوا إليه، فلما اجتَمَعوا قام الصاحِبُ أبو الغنائِمِ مُحَمَّدُ بنُ أحمد فقال: خَدَمُ مولانا أميرِ المؤمنينَ داعُونَ له بإطالةِ البَقاءِ، وشاكِرونَ لِما بلَغَهم مِن نَظَرِه لهم وللمُسلِمينَ، باختيارِ الأميرِ أبي جَعفرٍ عَبدِ اللهِ بنِ القادِرِ لولايةِ العَهدِ، فقال الخليفةُ للنَّاسِ: قد أذِنَّا في العَهدِ له، وكان أراد أن يُبايِعَ له قبل ذلك، فثَناه عنه أبو الحسَنِ بنُ حاجِبِ النعمان، فلمَّا عَهِدَ إليه أُلقِيَت السِّتارةُ، وقعَدَ أبو جعفرٍ على السَّريرِ الذي كان قائمًا عليه، وخَدَمُه الحاضِرونَ وهنَّؤوه، وتقَدَّم أبو الحَسَن بنُ حاجِبِ النعمان فقَبَّل يَدَه وهَنَّأه، ودُعِيَ له على المنابِرِ يومَ الجمعة لتسعٍ بَقِينَ من جُمادى الأولى.
تغلب مسعود بن محمود بن سبكتكين على أخيه محمد .
العام الهجري : 421 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

لَمَّا توفِّيَ يَمينُ الدَّولة وكان قد عَهِدَ لابنه محمَّدٍ دون مسعودٍ، وكان ابنُه مَسعودٌ بأصبهان، فلمَّا بلَغَه الخبَرُ سار إلى خراسان، واستخلف بأصبهانَ بَعضَ أصحابِه في طائفةٍ مِن العسكر، فحين فارَقَها ثار أهلُها بالوالي عليهم فقَتَلوه، وقَتَلوا مَن معه من الجُندِ، وأتى مسعودًا الخبَرُ، فعاد إليها وحَصَرها، وفتَحَها عَنوةً، وقَتَل فيها فأكثَرَ، ونهبَ الأموالَ، واستخلف فيها رجُلًا كافيًا، وكَتَب إلى أخيه محمَّدٍ يُعلِمُه بذلك، وأنَّه لا يريدُ مِن البلادِ التي وصَّى له أبوه بها شيئًا، وأنَّه يكتفي بما فتَحَه من بلاد طبرستان، وبلَد الجبل، وأصبهان، وغيرها، ويطلُبُ منه المُوافَقةَ، وأن يُقَدِّمَه في الخُطبةِ على نَفسِه، فأجابه محمَّدٌ جَوابَ مُغالِطٍ، وكان مسعودٌ قد وصلَ إلى الريِّ، فأحسَنَ إلى أهلِها، وسار منها إلى نَيسابور، ففعل مثل ذلك، وأمَّا مُحمَّدُ فإنه أخذَ على عَسكَرِه العهودَ والمواثيقَ على المُناصَحةِ له، والشَّدِّ منه، وسار في عساكِرِه إلى أخيه مسعودٍ مُحاربًا له، وكان بعضُ عساكِرِه يَميلُ إلى أخيه مسعودٍ لِكِبَرِه وشجاعتِه، ولأنَّه قد اعتاد التقَدُّمَ على الجيوشِ، وفَتْح البلاد، وبعضُهم يخافُه لقُوَّةِ نَفسِه، وكان محمَّدٌ قد جعَلَ مُقَدَّمَ جَيشِه عَمَّه يوسُفَ بن سبكتكين، وكان من أعيانِ أصحابِ أبيه محمودٍ مِمَّن أشار عليه بموافقةِ أخيه وترْكِ مخالفته، فلم يُصْغِ إلى قوله، وسار فوصَلَ إلى تكناباذ أوَّلَ يوم من رمضان، وأقام إلى العيدِ، فعَيَّدَ هناك، فلمَّا كان ليلةُ الثلاثاء ثالثَ شَوَّال ثار به جُندُه، فأخذوه وقَيَّدوه وحَبَسوه، وكان مشغولًا بالشَّرابِ واللَّعِبِ عن تدبيرِ المَملكةِ، والنَّظَر في أحوال الجُندِ والرعايا، فلمَّا قَبَضوا عليه نادوا بشِعارِ أخيه مسعود، ورفعوا محمدًا إلى قلعةِ تكناباذ، وكتبوا إلى مسعودٍ بالحال. فكان اجتماعُ المُلْكِ له واتِّفاقُ الكَلِمةِ عليه في ذي القَعدةِ، وكان وصولُ مسعودٍ إلى غزنةَ ثامنَ جُمادى الآخرة من سنة 422، فلما وصلَ إليها وثَبَّتَ مُلكَه بها أتَتْه رُسُلُ الملوكِ مِن سائِرِ الأقطار إلى بابه، واجتمَعَ له مُلْكُ خُراسانَ، وغزنة، وبلاد الهند والسند، وسجستان، وكرمان، ومكران، والري، وأصبهان، وبلد الجبل، وغير ذلك، وعَظُم سلطانُه وخِيفُ جانِبُه.
استيلاء الروم على الرها (مدينة في الجزيرة الفراتية) .
العام الهجري : 422 العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

كانت الرَّها بيدِ نَصرِ الدَّولة بن مروان، فلمَّا قُتِلَ عَطير الذي كان صاحِبَها، شَفَعَ صالحُ بنُ مرداس، صاحِبُ حَلَب، إلى نَصرِ الدَّولة ليُعيدَ الرَّها إلى ابنِ عطير، وإلى ابنِ شبلٍ، بينهما نِصفَينِ، فقَبِلَ شَفاعَتَه، وسَلَّمَها إليهما، وكان في الرَّها برجانِ حَصينانِ أحَدُهما أكبَرُ من الآخر، فتَسَلَّمَ ابنُ عطير الكبير، وابنُ شبل الصَّغيرَ، وبَقِيَت المدينةُ معهما إلى هذه السَّنة، فراسل ابنُ عطير أرمانوس مَلِكَ الروم، وباعَه حِصَّتَه من الرَّها بعشرينَ ألف دينار، وعِدَّة قُرًى من جملتِها قريةٌ تُعرَفُ إلى الآن بسن ابن عطير، وتسَلَّموا البرُجَ الذي له، ودخلوا البلَدَ فمَلَكوه، وهرب أصحابُ ابنِ شبل من البُرجِ الآخَر، وقَتَل الرُّومُ المُسلِمين، وخَرَّبوا المساجِدَ، وسَمِعَ نَصرُ الدَّولة الخبَرَ، فسَيَّرَ جيشًا إلى الرها، فحصَروها وفتَحوها عَنوةً، واعتصم مَن بها مِن الرُّومِ بالبُرجَينِ، واحتمى النَّصارى بالبيعةِ التي لهم، وهي من أكبَرِ البِيَعِ وأحسَنِها عِمارةً، فحَصَرهم المسلمونَ بها، وأخرَجوهم، وقَتَلوا أكثَرَهم، ونَهَبوا البلدَ، وبَقِيَ الرومُ في البرجين، وسَيَّرَ إليهم عسكرًا نحو عشرةِ آلاف مقاتل، فانهزم أصحابُ ابنِ مَروانَ مِن بينِ أيديهم، ودخَلوا البلدَ وما جاوَرَهم من بلادِ المُسلِمينَ، وصالحهم ابنُ وَثَّاب النميري على حَرَّان وسروج وحمَلَ إليهم خراجًا.
الروم يسيطرون على قلعة أفامية بالشام .
العام الهجري : 422 العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

سيَّرَ الظَّاهِرُ حاكِمُ مِصرَ العُبَيديُّ إلى الشَّامِ الدزبريَّ وزيرَه، فملَّكه، وقَصَد حسَّانَ بنَ المفرج الطائي، فألحَّ في طلَبِه، فهَرَب منه، ودخل بلدَ الرُّومِ ولَبِسَ خِلعةَ مَلِكِهم، وخرج مِن عِندِه وعلى رأسِه عَلَمٌ فيه صليبٌ، ومعه عسكَرٌ كثيرٌ، فسار إلى أفامية فكَبَسَها، وغَنِمَ ما فيها، وسبى أهلَها، وأسَرَهم، وسيَّرَ الدزبري إلى البلادِ يستنفِرُ النَّاسَ للغزو وخرج فخافه نصرُ بن صالح وقَرَّرَ لِمَلِك الرومِ على نفسِه خَمسَمِئَة ألف درهم، صرف ستين درهمًا بدينار، على أن يحميَه، وذلك في جُمادى الأولى؛ فاتَّفَقَ مَرَضُ الدزبري بدمشق، وأُرجِفَ به، ثم عوفيَ.
نهاية الدَّولة الأموية بالأندلس وقيام الدَّولة الجهورية في قُرطُبة .
العام الهجري : 422 العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

كان المُعتَدُّ بالله أبو بكر هِشامُ بنُ مُحمَّدِ بنِ عبدِ المَلِك بن عبد الرحمن النَّاصر الأمويُّ أميرَ قُرطُبةَ، لكنَّه لم يَقُمْ بها إلا يسيرًا حتى قامت عليه طائفةٌ مِن الجُندِ فخُلِعَ، وجَرَت أمورٌ مِن جُملتِها إخراجُ المُعتَدِّ بالله مِن قَصرِه هو وحشَمُه والنِّساءُ حاسراتٍ عن أوجُهِهنَّ حافيةً أقدامُهنَّ إلى أن أُدخِلوا الجامِعَ الأعظَمَ على هيئةِ السَّبايا، فأقاموا هنالك أيامًا يُتعَطَّفُ عليهم بالطَّعامِ والشَّرابِ إلى أن أُخرِجوا عن قُرطُبةَ، ولَحِقَ هِشامٌ ومَن معه بالثُّغورِ بعد اعتقاله بقُرطُبةَ، فلم يزَلْ يجولُ في الثغور إلى أن لَحِقَ بابن هود المتغَلِّب على مدينة لاردة وسرقسطة وأفراغة وطرطوشة وما والى تلك الجهاتِ، فأقام عنده هشامٌ إلى أن مات في سنة 427 ولا عَقِبَ له، فهِشامٌ هذا آخِرُ مُلوكِ بني أميَّة بالأندلُسِ، وبخَلْعِه انقطَعَت الدَّعوةُ لبني أميَّةَ وذِكرُهم على المنابِرِ بجَميعِ أقطارِ الأندلس، ولَمَّا انقَطَعَت دعوةُ بني أمية استولى على تدبيرِ مُلكِ قُرطُبةَ أبو الحزم جهورُ بنُ مُحمَّدِ بنِ جهور وهو قديمُ الرِّياسةِ شَريفُ البيتِ، كان آباؤه وزراءَ الدَّولةِ الحَكَميَّة والعامريَّة، فلمَّا خلا له الجوُّ وأصفَرَ الفِناءُ وأقفَرَ النادي من الرُّؤساءِ وأمكَنَتْه الفرصةُ؛ وثَبَ عليها فتولى أمْرَها واضطلَعَ بحِمايتِها، ولم ينتَقِلْ إلى رتبةِ الإمارةِ ظاهرًا بل دَبَّرَها تدبيرًا لم يُسبَقْ إليه؛ وذلك أنَّه جعَلَ نَفسَه مُمسِكًا للمَوضِعِ إلى أن يجيءَ مَن يتَّفِقُ النَّاسُ على إمارتِه فيُسَلِّم إليه ذلك، ورتَّبَ البوَّابينَ والحَشَم على تلك القُصورِ على ما كانت عليه أيامَ الدَّولةِ، ولم يتحَوَّلْ عن دارِه إليها، وجعَلَ ما يرتَفِعُ مِن الأموالِ السُّلطانيَّةِ بأيدي رجالٍ رَتَّبَهم لذلك، وهو المُشرِفُ عليهم، وصَيَّرَ أهلَ الأسواقِ جُندًا له وجَعَلَ أرزاقَهم رُؤوسَ أموالٍ تكونُ بأيديهم مُحصاةً عليهم، يأخذونَ رِبحَها، ورُؤوسُ الأموالِ باقيةٌ مَحفوظةٌ يُؤخَذونَ بها ويُراعَونَ في كُلِّ وَقتٍ كيف حِفظُهم لها، وفَرَّقَ السِّلاحَ عليهم واستمَرَّ أمْرُه على ذلك إلى أن مات في غُرَّةِ صَفَر سَنةَ 435، ثم ولِيَ ما كان يتولَّى مِن أمر قُرطُبةَ بَعدَه ابنُه أبو الوليدِ مُحَمَّدُ بنُ جهور فجرى في السياسةِ وحُسنِ التدبيرِ على سَنَنِ أبيه غيرَ مُخِلٍّ بشيءٍ مِن ذلك إلى أن مات أبو الوليدِ في شوَّال من سنة 443.
تجدد الفتنة بين السنة والشيعة ببغداد .
العام الهجري : 422 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1031
تفاصيل الحدث:

تجَدَّدَت الفِتنةُ ببغدادَ بينَ السُّنَّة والشِّيعة، وكان سبَبُ ذلك أنَّ الوزيرَ أبا القاسم عليَّ بنَ أحمد الملَقَّب بالمذكور أظهَرَ العَزمَ على الغَزاة، واستأذن الخليفةَ في ذلك، فأَذِنَ له، وكُتِبَ له منشورٌ من دار الخلافة، وأعطى عَلَمًا، فاجتمَعَ له لفيفٌ كثيرٌ، فسار واجتاز ببابِ الشعير، وطاق الحراني، وبين يديه الرِّجالُ بالسِّلاحِ، فصاحوا بذِكرِ أبي بكرٍ وعُمَرَ، رَضِيَ الله عنهما، وقالوا: هذا يومُ مُعاوية، فنافَرَهم أهلُ الكَرخِ ورَمَوهم، وثارت الفِتنةُ، ونُهِبَت دورُ اليَهودِ؛ لأنَّهم قيل عنهم إنَّهم أعانوا أهلَ الكَرخِ، فلمَّا كان الغدُ اجتمع السُّنَّةُ من الجانِبَينِ، ومعهم كثيرٌ مِن الأتراكِ، وقصدوا الكَرخَ، فأحرقوا وهَدَّموا الأسواق، وأشرف أهلُ الكَرخِ على خُطَّةٍ عظيمة. وأنكَرَ الخليفةُ ذلك إنكارًا شديدًا، ونَسَب إليهم تخريقَ عَلامتِه التي مع الغزاةِ، فركب الوزيرُ فوَقَعَت في صَدرِه آجُرَّة، فسَقَطَت عِمامَتُه، وقُتِلَ مِن أهل الكرخِ جماعةٌ، وأُحرِقَ وخُرِّبَ في هذه الفتنةِ سُوقُ العَروسِ، وسوقُ الصَّفَّارين، وسوقُ الأنماط، وسوق الدقَّاقين، وغيرها، واشتد الأمرُ، ووقع القتالُ في أصقاع البلَدِ مِن جانبيه، وقَتَلَ أهلَ الكَرخِ، ونهر طابق، والقَلَّائين– صَنعتُهم القَليُ-، وباب البصرة، وفي الجانب الشَّرقيِّ أهل سوقِ الثلاثاء، وسُوق يحيى، وباب الطاق، والأساكفة، والرهادرة، ودرب سليمان، فقُطِعَ الجِسرُ ليُفَرَّقَ بين الفريقين، ودخل العَيَّارون– والعيارون: لُصوصٌ يَمتَهِنونَ النَّهبَ والدعارةَ - البلدَ، وكَثُرَ الاستقفاءُ بها ليلًا ونهارًا. وأظهر الجندُ كراهةَ المَلِك جلالِ الدَّولة، وأرادوا قَطعَ خُطبتِه، ففَرَّقَ فيهم مالًا وحَلَفَ لهم فسَكَنوا، ثم عاودوا الشَّكوى إلى الخليفةِ منه، وطَلَبوا أن يأمُرَ بقَطعِ خُطبتِه، فلم يُجِبْهم إلى ذلك، فامتنع حينئذ جلالُ الدَّولة من الجلوس، ودامت هذه الحالُ إلى عيدِ الفِطرِ، ثمَّ حدث في شوال فتنةٌ بين أصحابِ الأكْيِسة وأصحابِ الخِلعانِ، وهما شيعةٌ، وزاد الشَّرُّ، ودام إلى ذي الحِجَّة، فنودي في الكَرخِ بإخراجِ العَيَّارين، فخرجوا، واعتَرَض أهلُ باب البصرة قومًا مِن قُمٍّ أرادوا زيارةَ مَشهدِ عليٍّ والحُسَين، فقَتَلوا منهم ثلاثةَ نَفَر، وامتنَعَت زيارةُ مَشهَدِ موسى بنِ جَعفَر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

3. سورة ال عمران {ج5}

3. سورة ال عمران {ج5}    سُورَةُ آل عِمْرانَ الآيات (187-188) ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ...